إليكم الحرية!
«لقد حققت انتصاراتنا العسكرية في أفغانستان ما جعل نساء أفغانستان اليوم لا يُحتجزن في منازلهن. أصبح في إمكانهن الآن الاستماع إلى الموسيقى. لم يكن الإرهابيون و«طالبان» يسمحون لهن بوضع طلاء الأظافر». كانت هذه العبارات التي قالتها السيدة الأولى للولايات المتحدة، لورا بوش، في 17 نوفمبر 2001 في خطاب إذاعي موجه إلى الشعب الأمريكي. رأت الحكومة الأمريكية، عقب الهجوم العسكري على أفغانستان، مسألة تحرير النساء الأفغانيات من سيطرة «طالبان» مسألة مساوية لمكافحة الإرهاب والرجعية، وجعلتها أحد الأهداف الرئيسية للحرب. كان هذا الصوت "الإنساني" يُسمع من زوجة رئيس الولايات المتحدة في واشنطن، التي عدّت فيه السيادة الذكورية والإرهاب متساويين، والحربَ ضد الإرهاب حرباً من أجل حرية النساء وكرامتهن.
بعد أيام قليلة من تساقط القنابل الأمريكية على منازل أفغانستان، ارتدت امرأة من أعضاء الكونغرس الأمريكي (كارولين مالوني) البرقع الأزرق التقليدي الذي ترتديه نساء «البشتون»، والذي كان يُعرض في وسائل الإعلام الغربية بوصفه أبشع رمز للظلم والتحجر، للتعبير عن شكرها لـ«هذه الحرب المصحوبة بالرحمة».
خطاب كارولين مالوني في مجلس النواب الأمريكي في عام 2001
في أيام الهجوم العسكري على العراق، وبعد فشل جهود الولايات المتحدة في العثور على «أسلحة الدمار الشامل» في العراق، أصبح موضوع الدفاع عن حقوق النساء العراقيات عنوانًا رئيسيًا في الحملات الإعلامية في الدول الأعضاء في التحالف. بالتعاون مع منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية»، حُفّز الرأي العام الغربي على تأييد استمرار الحرب في العراق، ما خلف ملايين القتلى واللاجئين. حدث ذلك في وقت كانت فيه حكومة صدام حكومة علمانية، وكان حجاب النساء العراقيات ليس نتيجة تدّخل حكم «البعث»، بل نتيجة قناعة الشعب العراقي وثقافته الإسلامية. استغرق الأمر خمسة عشر عامًا وملايين القتلى حتى اعترف الرئيس الأمريكي التالي اعترافًا صادمًا: «إنهن يرغبن في ارتداء الحجاب بأنفسهن، ويقلن إنه منذ ألف عام وهن يرتدينه، ويجب ألّا يفرض علينا أحد أن نرتديه أم لا. إذن، فلماذا تدخّلنا نحن؟».
«هذا الابن من ذاك الأب»[1]
من استعمار بريطانيا للهند إلى احتلال فرنسا للجزائر، وكذلك الاحتلال العسكري للعراق على يد الابن البار لهاتين القوتين الغربيتين القديمتين، أي الولايات المتحدة، يمكن ملاحظة بوضوح النموذج المتكرر في التركيز على قضية حقوق المرأة لتحقيق أهداف الدول الغربية. في عام 1893، بينما كانت بريطانيا منشغلة بتوسيع نفوذها وسلطتها في الهند وتقاتل ضد حركات المقاومة المسلمة، رأت المطبوعات الغربية تحرير الفتيات والنساء الأرامل من سلطة «المحمديين» وظلمهم أحد إنجازات الحملة البريطانية على الهند،[2] وكتبت أن النساء في الثقافة الهندوسية والسيخية قبل الإسلام كنّ حُرّات ومتعلّمات.
مقالة من صحيفة «أسوشييتد برس» في عام 1893، قبل عامين من احتلال بريطانيا العسكري التام للهند.
اللافت هنا هو أنه بعد أكثر من 40 عامًا، عندما انضم الهندوس أيضًا إلى المقاومة ضد الاستعمار البريطاني، كتبت كاثرين مايو، التي كانت لها سوابق في تأليف كتب ضد الحركات المناهضة للاستعمار، كتاب «أمنا الهند»[3] في انتقاد الثقافة الهندوسية وتصرّفاتها مع النساء، وذلك في إطار تعزيز الصورة السلبية عن الثقافة الهندية.
في 16 مايو 1958، أي قبل 4 سنوات فقط من أن تحرر الجزائر نفسها من حكم فرنسا الذي دام 130 عامًا، وظّف الجنرالات الفرنسيون الذين أرادوا أن يظهروا عزيمتهم في مواصلة استعمار الجزائر، وكذلك في أن يكون لديهم وثائق وأدلة على تأييد الشعب الجزائري ودعمه لهم وتقديمها إلى حكومة فرنسا، مئات الأشخاص من السكان المحليين ليهتفوا بشعارات مؤيدة لهم. تنظيم التجمعات المزيفة لدعم فرنسا كان أمرًا سائدًا في مدة الاستعمار، ولكن ما كان مختلفًا هذه المرة هو حضور عدد من النساء الجزائريات اللاتي نُزع حجابهن على يد نساء فرنسيات. كان هذا العمل جزءًا من الصراع ضد قيَم المطالبين بالحرية والثوار المسلمين في الجزائر.[4]
دعم حقوق النساء، غطاء لأهداف استعمارية
يقول فرانتس فانون في عام 1959 في مقالة له يتحدث فيها عن قضية الحجاب في الجزائر : «لا يزال حلم ترويض المجتمع الجزائري بواسطة 'النساء المكشوفات الحجاب اللواتي هن شريكات الجريمة في الاحتلال' لم يغادر أذهان رجال السياسة الاستعمارية». فرنسا ذاتها التي كانت تدافع عن «حق حرية اللباس» للنساء الجزائريات، حظرت بعد بضعة عقود ارتداء الحجاب في مدارسها وجامعاتها. بريطانيا ذاتها التي كانت تحارب «ظلم المسلمين تجاه النساء»، كانت الداعم الرئيسي للقبائل في قتالها ضد الدولة العثمانية التي لم تولِ أيّ اهتمام لحقوق النساء الحقيقية المنصوصة في الإسلام.
شكّلت الولايات المتحدة أيضًا حلفاً من الدول للهجوم على العراق، واستخدمت دولًا كانت قد جعلت قيادة النساء للسيارات أمراً غير قانوني. من الواضح أن «الدفاع عن حقوق النساء» لم يكن سوى ذريعة للحملات العسكرية الواسعة. حملات عسكرية مربحة جداً، ولم تكن لتستمر طويلًا دون غطاء إنساني.
يشير الإمام الخامنئي في لقائه مع مختلف فئات النساء الإيرانيات في 17 ديسمبر 2024، إلى استخدام الغرب لقضية حقوق النساء أداةً، قائلاً: «يتدخّل الرأسماليون والسياسيون في العالم في قضية المرأة أيضًا... كما في القضايا كلّها المتعلقة بنمط عيش البشر... ما هو الدافع؟ الدافع هو السطو السياسي والاستعماري. يدخلون في هذه القضية لكي تكون مقدمة وساترًا لزيادة السطو والتدخّل والتوسع في مناطق نفوذهم. في الحقيقة، إنهم يتسترون على دافعهم الإجرامي ودافعهم المفسد، تحت ظاهر فلسفي أو تحت ظاهر تنظيري أو حتى تحت ظاهر إنساني [مزيّف]»[5].
هل هناك دافع أكبر بالنسبة إلى المستعمرين والرأسماليين من أنه في نحو 150 عامًا من الوجود الاستعماري والاحتلال البريطاني في الهند، ضخّت بريطانيا في اقتصادها ما يعادل 45 تريليون دولار من قيمة الدولار اليوم؟[6] الهند التي كانت في يوم من الأيام تملك أكبر صناعة نسيج وتوابل في العالم، أصبحت تحت سيطرة بريطانيا، وكان عليها دفع فدية لبريطانيا من أجل تصدير منتجاتها.
فرنسا التي كانت قد فقدت تقريبًا السيطرة على البحر الأبيض المتوسط في صراعها الاستعماري مع بريطانيا، احتلت الجزائر، أحد أهم سواحل البحر الأبيض المتوسط، تحت شعار «التمدن والحرية».[7] في أكثر من 130 عامًا من استعمار الجزائر، صادرت فرنسا الأوقاف الإسلامية جميعها الخاصة بالشعب الجزائري ونهبت مواردها الطبيعية. تشير الإحصاءات إلى أن المبلغ الذي دخل خزينة فرنسا نتيجة لهذا النهب تراوح بين 80 و 180 مليار دولار.[8]
اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعد نفسها "رسول" الحرية للنساء في العالم، العراق بحيازة أسلحة دمار شامل والتعاون مع الإرهاب بعد أن قرر صدام حسين إخراج النفط العراقي من دائرة «البترودولار». عندما كان نظام البعث في العراق يقصف الشعب الإيراني وشعبه أيضاً بأسلحة الدمار الشامل الحقيقية المصنوعة في ألمانيا، كانت الولايات المتحدة تقدّم له عبر طائرات التجسس معلومات دقيقة عن البنى التحتية العسكرية الإيرانية. لكن فور أن اختلف صدام حسين مع أمريكا، صارت النساء العراقيات فجأة قابعات تحت ظلم «السيادة الذكورية». كانت تودَع عائدات صادرات النفط العراقي جميعها مباشرة في الحسابات الأمريكية، وكان على الحكومة العراقية من أجل تلبية احتياجاتها اليومية مثل رواتب الموظفين، أن تطلب خطيًا وتستلم الدولارات من الولايات المتحدة بواسطة الحقائب.
كان الهجوم على أفغانستان، إلى جانب الأرباح الطائلة التي حققتها صناعة الأسلحة والشركات الخاصة الأمريكية الأخرى وخلق بيئة مناسبة لإنتاج المخدرات وتهريبها،[9] يضع الولايات المتحدة في موقع جغرافي ملائم لمحاصرة إيران وشنّ الهجوم عليها. كما أكد قائد الثورة في خطابه في 1 يناير 2025، أن الهدف الرئيسي من الهجوم على أفغانستان والعراق كان محاصرة إيران الإسلامية والقضاء عليها. هدفٌ كان سيمنح الولايات المتحدة السيطرة الكاملة على أكبر منطقة منتجة للنفط في العالم.
لم يكن من المستبعد أنه بعد العراق وأفغانستان، يأتي الدور على إيران لتقدّم أمريكا لها «حقوق النساء وحريّاتهن».