تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
  • English
  • Français
  • Español
  • Русский
  • हिंदी
  • Azəri
  • العربية
  • اردو
  • فارسی
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • خطابات
  • أفكار ورؤی
  • مرئيات
  • السيرة
  • قضايا وآراء
  • مؤلفات
  • إستفتاءات
  • خط حزب الله
خطابات
الخطابات
القرارات
رسائل ونداءات
مخطّط بياني

كلمته في المشاركين في مسابقات القرآن العالمية

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.أنا سعيد جداً لأن الله تعالى وفقنا و له الحمد لأن نبقى أحياء و نشهد مرة أخرى هذه الجلسة القرآنية الطيبة المحببة. استفدنا من التلاوات التي قدمها الإخوة الأعزاء. نسأل الله أن يحشر جميع هؤلاء الأعزاء و يحشركم جميعاً و يحشرنا جميعاً مع القرآن في الدنيا و الآخرة، و أن نعيش بالقرآن و نتنفس بالقرآن و يكون القرآن شفيعنا في الآخرة و في يوم القيامة و لا يشتكينا إلى الله. هذا هو أملنا.ما يمثل أمام أنظار المرء في هذه المسابقات العالمية هو أن القرآن عامل اجتماع و وحدة. لدينا نحن المسلمين عوامل اتحاد عديدة أحدها و ربما أهمها القرآن الكريم. جميع المسلمين و كل الشعوب المسلمة خاضعة أمام القرآن الكريم، و تستلهم الدروس منه، و تروم الاقتراب منه. هذه فرصة‌ على جانب كبير من الأهمية. لقد حاول أعداء الإسلام و أعداء القرآن الكريم إبعاد الشعوب المسلمة عن بعضها و فصلها، بل و جعلها تتواجه و تتعادى فيما بينها بعض الأحيان. هذا ناجم عن الغفلة عن القرآن. حينما تكون جميع الشعوب المسلمة مؤمنة بهذا الكتاب السماوي و هذه الرسالة السماوية و هذه الهدية‌ الإلهية العظيمة فما سيكون أفضل منها وسيلة للاجتماع و الاتحاد؟ لنجلس جميعنا على هذه المائدة المعنوية و نتزوّد منها فهذا من أسباب العزة و القدرة‌ الإسلامية‌ و الإلهية. لدينا غفلتان: إحداهما الغفلة عن أن القرآن الكريم وسيلة لاجتماع المسلمين. و الثانية الغفلة عن الاعتقاد بالمفاهيم القرآنية و الاعتراف بما وعدنا الله تعالى به في القرآن الكريم. يجب أن نؤمن بالوعود الإلهية. إذا آمنا بالوعود الإلهية فسينفتح الطريق أمام الأمة الإسلامية نحو العزة و الوحدة و الاقتدار و تتخلص من التخلف. الآيات التي تلاها الآن هذا الأستاذ المصري المحترم: «إن ينصركم الله فلا غالب لكم» (1). إذا نصركم الله فلن تستطيع أية قدرة الانتصار عليكم. «و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده» (2). إذا لم ينصركم الله و لم يمدد لكم يد العون فيمن سيعينكم؟ إنه سطر مشرق متألق. لتكتب الشعوب هذا السطر و ترفعه راية تضعها أمام أنظارها و فوق رؤوسها. «إن ينصركم الله فلا غالب لكم». إذا نصركم الله فلن تقدر أية‌ قوة على أن تتغلب عليكم. فما نفعل حتى ينصرنا الله؟ هذه مسألة. ماذا يجب أن نفعل حتى تشملنا النصرة الإلهية؟ هذا أيضاً يذكره لنا القرآن الكريم: «إن تنصروا الله ينصركم» (3)، «و لينصرن الله من ينصره» (4). أنصروا الله و أنصروا دينه و قوموا لله و سوف ينصركم الله. حيثما قامت الشعوب لدين الله و أطلقت قدراتها و طاقاتها في الميدان منّ الله تعالى عليها بالنصر. و عندما ينصرها الله لن يستطيع أحد الغلبة عليها. لقد لاحظنا نموذج ذلك في أنفسنا و جربناه و اختبرناه «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (5). هذا ما اختبره الشعب الإيراني هنا و جربناه عملياً. أوجدنا التغيير في أنفسنا فغيّر الله تعالى أوضاعنا. و العجيب أننا إذا مشينا خطوة واحدة مشى الله عشر خطوات. لقد غيّرنا أنفسنا قليلاً فساعدنا الله كثيراً و غيّر أوضاعنا.و هذا ما نراه اليوم في العالم. لاحظوا الشعب المصري الآن. نفس شعارات «الله أكبر» و نفس صلاة الجماعة و نفس الشعارات الإسلامية، نزلوا إلى الساحة فنصرهم الله تعالى. و هل كانت أمريكا تريد وقوع هذه الأحداث في مصر؟ و الجبهة الصهيونية‌ الخبيثة المتنفذة في كل القوى الغربية هل كانت تريد وقوع هذه الأحداث؟ و أتباعهم السياسيون في المنطقة هل كانوا مستعدين للتفكير بوقوع ما وقع؟ لكنه وقع. لماذا؟ لأنه «إن ينصركم الله فلا غالب لكم». إذا منّ الله بنصرته عادت جميع القوى فارغة تافهة. هكذا يجب أن تكتسب الشعوب عزتها. «و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين» (6).. العزة لله «تعزّ من تشاء‌ و تذل من تشاء» (7).. هو الذي يمنح العزة، فاطلبوا العزة من الله.حسناً، ينبغي التعرّف على القرآن. يجب الإيمان بالقرآن من الأعماق و بكل الوجود و لا يكفي الإيمان الظاهري. ينبغي الاعتقاد بالقرآن و الوعود الإلهية من صميم القلب. الإيمان به اليوم أسهل من الأمس. اليوم أي في هذه الفترة‌ التي نعيشها أنا و أنتم هناك الكثير من الآيات و البشائر الإلهية التي تؤلف قلب الإنسان و تجذبه، فهو يرى كما قال النبي إبراهيم: «و لكن ليطمئن قلبي» (8). هذه الطمأنينة‌ تحصل اليوم للإنسان فهو يرى و الأمور أمام أنظارنا. ماذا كانت إيران؟ إيران الطاغوت، إيران أمريكا، إيران المرتبطة‌ بالصهاينة الغاصبين، ماذا كانت إيران و ما هي اليوم: القطب المقتدر في مواجهة الاستكبار و الصهيونية، و الدعامة القوية للشعوب المسلمة. هذا ما نشاهده الآن أمام أنظارنا. هذه معجزة دعوة القرآن و إخبار القرآن و المعرفة التي يزوّدنا بها القرآن. ينبغي أن نحافظ على كل هذا.ما أروم أن أقوله في هذه الجلسة على نحو الخصوص لحملة‌ القرآن الأعزاء من بلادنا هو أن تتوجهوا أكثر فأكثر صوب حفظ القرآن. الحفظ طبعاً وسيلة.. ليس الحفظ هدفاً. حفظ القرآن وسيلة. وسيلة من أجل أن يقرأ الإنسان و يكرر و يتدبر بسهولة أكبر. ليستفد الشباب من مواهبهم و ذاكرتهم. خذوا بأيدي الأطفال و الشباب نحو حفظ القرآن. واقعنا الراهن طبعاً غير ممكن المقارنة بالماضي، فنحن متقدمون كثيراً لكن هذا لا يزال قليلاً. الموجود في بلادنا حالياً لا يزال قليلاً. ليتجهوا صوب حفظ القرآن. إذا حفظ القرآن ازدادت الفرصة للتدبر، و التدبر هو المفتاح. المفتاح الأصلي هو هذا التدبر و التفكر في القرآن.على كل حال نرحب بجميع حملة القرآن الأعزاء من بلادنا و كذلك بالضيوف في هذه الجلسات، و نتمنى إن شاء الله أن ينزل الله بركاته عليكم جميعاً بحرمة القرآن، و يحشرنا مع القرآن في الدنيا و الآخرة.و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته‌.الهوامش:1) سورة آل ‌عمران: الآية 160 .2) ‌م س.3) سورة محمد: الآية 7 .4) سورة الحج: الآية 40 .5) سورة الرعد: الآيه 11 .6) سورة المنافقون: الآية 8.7) سورة آل‌ عمران: الآية 26 .8) سورة البقرة: الآية 260 .
2011/07/05

كلمته في لقائه بقادة الحرس الثوري

بسم الله الرحمن الرحيمنبارك يوم الحرس الثوري لكم أيها المنتسبين الأعزاء للحرس و لكل أعضاء هذه العائلة الثورية الكبيرة. ثم إن الأعياد علی طول هذا الشهر المبارك و التي تذكرنا بالمفاخر الكبيرة، و شهر شعبان نفسه الذي يعدّ شهر المغفرة و الرحمة و التوجه إلی الله و التذكر و التوسل، هذه كلها جديرة بالتبريك و التهنئة لكل المؤمنين.إنها لمبادرة لطيفة أن يسمّوا يوماً باسم الحرس الثوري و يكون هذا اليوم ذا صلة بالولادة السعيدة للإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه). إنها مبادرة ذات معنی و اتجاه عميقين. ينبغي تقديم الشكر للذين خطرت هذه الفكرة أولاً ببالهم و لفتوا أنظارنا إليها، ذلك أن طروحات الحرس الثوري طروحات كبيرة.. حراسة الثورة الإسلامية.. و سوف أتحدث عن هذا الجانب باختصار.هذا المعنی - معنی الحراسة - بكل أبعاده و بكل أدواته و وسائله الممكنة تجسّد في الكيان المقدس للإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه). لا أن الآخرين لم يفعلوا شيئاً أو لم يريدوا فعل شيء، بل بمعنی أن البيت العامر و الحافل لهذه الحركة تحقق في السلوك الذي أبداه الإمام سيد الشهداء خلال فترة إمامته (سلام الله عليه) التي استمرت لعشرة أعوام. كافة السبل التي كان يمكن أن يسلكها سبط الرسول لصيانة التراث الإسلامي العظيم - و هو تراث جده و أبيه و أتباعهم الحقيقيين - مشهودة و محسوسة في حياة الإمام سيد الشهداء، من التبيين و الإنذار، إلی التحرك الإعلامي، إلی إيقاظ الضمائر لدی الخواص و تحفيزها - من نسمّيهم بالخواص - في خطبة منی.. هذه كلها مشهودة طوال حياة الإمام سيد الشهداء. ثم هناك الوقوف أمام انحراف كبير بقصد الجهاد بالنفس.. لا أن الإمام الحسين كان عديم الإطلاع بمصير هذه الحركة، لا، لقد كان هؤلاء أئمة، قضية معرفة الإمام و علمه و إطلاعه الواسع فوق هذا الكلام الذي يمكن أن ندركه في أذهاننا، إنما يقف و يصمد بمعنی رسم التعاليم و النموذج، و لا يستسلم، و يطلب من الناس نصرتهم، ثم حين تكون هناك جماعة - و هم أهل الكوفة - يقولون إنهم علی استعداد للسير إلی جانب هذا الإمام الهمام في هذا الطريق يستجيب الإمام لدعواتهم و مطاليبهم و يسير إليهم، ثم لا يندم وسط الطريق. عندما ينظر المرء في كلمات الإمام يجد أنه كان عازماً و جازماً لإنهاء هذه المهمة و الأمر. أن يقف الإمام الحسين (عليه الصلاة و السلام) بوجه التيار المنحرف الخطير جداً يومذاك فهذا درس، و قد كرره الإمام و أعاده، أي إنه نسب عمله إلی تعاليم الإسلام: «إن رسول الله قال: من رأی سلطاناً جائراً مستحلاً لحرمات الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان، فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول كان حقاً علی الله أن يدخله مدخله» (1). هذا ما قاله الإمام الحسين. أي إن هذا هو واجبي، و يتحتم علي إبداء المعارضة و السير في طريق الاعتراض و الصمود و ليكن المصير ما كان. إذا كان المصير هو النصر فهو الأفضل و إذا كان الاستشهاد فهو الأفضل أيضاً. أي إن الإمام الحسين (عليه السلام) سار و تحرك بهذه الطريقة.هذا هو الإيثار الكامل و الحفاظ علی الإسلام. هذا التحرك هو الذي حفظ الإسلام. هذا التحرك هو الذي كرّس القيم و أبقاها في المجتمع. لو لم يتقبل الإمام هذا الخطر و لم يتحرك و لم يبادر و لم يسفك دمه، و لو لم تقع تلك الفجائع العظيمة علی حرم الرسول و أبنة الإمام أمير المؤمنين و أبناء أهل بيت الرسول لما بقيت هذه الواقعة في التاريخ. هذا الحدث الذي كان بوسعه الحؤول دون ذلك الانحراف العظيم يجب أن يوجد صدمة في أذهان المجتمع و التاريخ و بنفس عظمة و خطورة ذلك الانحراف. هذه هي تضحية الإمام الحسين.طبعاً من السهل التحدث بهذا الكلام باللسان. العمل الذي قام به الإمام الحسين (عليه السلام) عمل خارق للعادة، أي إن أبعاده أعلی بكثير مما نحسبه نحن اليوم في حساباتنا. إننا نجهل في الغالب جوانب الأمر و دقائقه. ذات مرة شرحت في أحد أحاديثي صبر الإمام الحسين (عليه السلام). لم يكن صبره أن يصبر علی العطش و حسب، و علی مقاتل أصحابه فقط، فهذا هو الصبر السهل، و الصبر الأصعب هو أن يقول له الآخرون و أصحاب النفوذ و الواعون و المطلعون و الشخصيات المحترمة: لا تفعل هذا، و هذا خطأ، و هذا الفعل خطير، و يبثون الشكوك باستمرار في نفسه. من هم هؤلاء؟ أشخاص مثل عبد الله بن جعفر، و عبد الله بن الزبير، و عبد الله بن عباس. هؤلاء شخصيات بارزة كبيرة في العالم الإسلامي يومذاك، و هم أبناء كبار الشخصيات. هؤلاء أيضاً يقولون له لا تفعل هذا. أياً كان الشخص، لو لم يكن ذا عزيمة‌ و إرادة و ثبات لقال لنفسه: لم يعد علی عاتقي تكليف و واجب، فهؤلاء يقولون هذا و العالم يسير بذاك الاتجاه، فلنقل شيئاً و نتجاوز الأمر. الذي يقف مقابل تلك الأقوال و الوساوس و التشكيكات علی الطريق الشرعي، و لا يرتعد فؤاده، و يسير في هذا الطريق هو الذي بوسعه إيجاد هذا التحول العظيم. و إمامنا الخميني الجليل من هذه الناحية تشبّه بالإمام سيد الشهداء و اقتفی أثره، و هذا ما ذكرته ذات مرة و لا أروم الآن الخوض في هذه المسألة لأن شرحها يطول. هذه هي حراسة الإمام الحسين للإسلام.الواقع أن الحرس الثوري بهذه التسمية يريد أن يقول بلطف إنني أسير في هذا السبيل. حسناً، مبروك عليهم هذا العمل الكبير و البالغ الأهمية.. و الأمر مناسب جداً.. يمكن للسلبين و الذين يتسقطون العثرات و الذين يدققون بشدة أن يقولوا حصل الخطأ الفلاني في الموضع الفلاني، و وقع الخطأ الفلاني في المكان الفلاني، و فعل فلان كذا و كذا. يمكن تسجيل المؤاخذات علی جميع التيارات و المجاميع و الوحدات و الأفراد و الشخصيات الحقيقية و الحقوقية، لكننا إذا نظرنا لحركة الحرس الثوري بإنصاف منذ يومها الأول و إلی هذا اليوم لوجدنا أن الحرس قد عمل بما قال، و صمد - للحق و الإنصاف - علی هذا السبيل.. الأفراد يأتون و يذهبون، لكن هذه الهوية الجمعية تبقی محفوظة واحدة.في آخر لقاء لي بالحرس الأعزاء ذكرت نقطة مهمة، و أشير لها الآن علی عجل، و هي أن علی أجيال الحرس المتجددة و المتبدلة و الأجيال القادمة من الحرس أن تحاول أن تكون متقدمة و لو بخطوة واحدة علی الأجيال الماضية. فالعالم متقدم و متطور و يسير نحو التكامل.. الحركة حركة تكاملية. إذن من المناسب للشاب المنخرط في الحرس اليوم أن يكون متقدماً علی الحرس في الجيل الماضي خطوة من حيث المعرفة و البصيرة و الوعي و التضحية و الجاهزية للعمل و إنجاز الأعمال بصورة صحيحة و في الوقت المناسب، و هذه هي السمات التي أبداها الحرس عن أنفسهم طوال هذه الأعوام. حينما ينظر المرء إلی الحرس اليوم يجد أن النوعية و الجودة عالية. و هذا شيء ممكن، لا تقولوا كيف يمكن مثل هذا، لا، إنه ممكن تماماً. أنظروا إلی الظروف التي كانت يومذاك، كانت هناك حرب و العدو موجود علی أرضنا، سواء قبل حرب السنوات الثماني المفروضة حيث كان أعداء‌ الثورة المسلحون أو بعد ذلك حينما اندلعت الحرب. هذا بحد ذاته كان عاملاً و محفزاً قوياً يحرض الأشخاص غير المكترثين و يأتي بهم إلی تلك الساحة العجيبة الحماسية. و اليوم فإن تلك الحرب قد وضعت أوزارها، إنما هناك حرب أدق و طبعاً أخطر. الوعي بأعماق هذه الحرب يتطلب مقدرة أكبر و ذكاءً أكثر. حينما نشاهد اليوم أن البعض يخوضون غمار هذه الساحة و يبذلون جهودهم و مساعيهم و يناضلون و يقفون في الميدان ببصيرة، إذن من المناسب أن نقول إن هؤلاء اليوم ليسوا بأقل من أولئك من حيث المحفزات و العمل. و إذا عملوا بصورة أفضل فهذا هو الأفضل. و كذا يمكن أن يكون الوضع في المستقبل. ينبغي تركيز الهمم علی هذا الجانب.أقول اليوم إن هوية الحرس و هي هوية حراسة و صيانة و دفاع يجب أن لا تؤخذ بمعنی محافظ.. الحراسة بمعنی الإبقاء علی الشيء كما هو.. يمكن تفسير هذه الحراسة‌ و الحفظ بطريقة محافظة، فنقول يجب أن نحافظ علی الوضع الموجود للثورة. أنا لا أقول بهذا. ليس الحفاظ علی الثورة بمعنی الحفاظ علی الوضع الموجود. لماذا؟‌ لأن الثورة بطبيعتها حركة تقدمية، و التقدم فيها ذو سرعة عالية. إلی أين يقصد هذا التقدم؟ إلی الأهداف المرسومة. الأهداف لا تتغير. الأصول و القيم التي ينبغي الثبات عليها و التضحية بالروح من أجلها هي الأصول و القيم المحددة في هذه الأهداف. الهدف النهائي هو التسامي و التكامل و القرب من الله. و الهدف الأدنی من ذلك هو بناء الإنسان، و الهدف الأدنی من ذلك هو تشكيل المجتمع الإسلامي بكل خصائصه و آثاره و الذي يتوفر علی تكريس العدالة و التوحيد و المعنوية. هذه أهداف، و هي لا تتبدل، أي لا يمكننا أن نعمل علی الانتقاص من هذه الأهداف، فنقول: لا بأس، ذات يوم كنا نريد أن نقيم العدالة و اليوم نقول لا يمكن إقامة العدالة فلنقم نصف عدالة! لا، العدالة.. هذا هو الهدف. التوحيد، و تثبيت الشريعة الإسلامية‌ بنحو تام.. هذه أهداف لا تتغير. و لكن يمكن زيادة السرعة أو نقصانها في الحركة صوب هذه الأهداف. و الأساليب ممكنة التغيير، و التدابير قد تتنوع. الثورة في هذا الاتجاه متقدمة و تقود إلی التقدم. الحفاظ علی الثورة معناه الحفاظ علی حالة التقدم و الأخذ بالأيدي إلی الأمام. حراسة الثورة هي بهذا المعنی. إذا نظرنا بهذا المعنی و فهمنا معنی الحراسة‌ بهذه الصورة فسوف تتضاعف حالات الطراوة و الحماس و الهياج في حركة الحراسة.الشاب اليوم لا يكتفي بالظواهر المتوفرة إلی حد كبير في مجتمعنا، بل يهتم بالأعماق و اللباب و المضامين و ينشدها و يطلبها. حالات الإيمان العميق و الوعي المضاعف هذه هي الأشياء التي ينبغي أن نسعی إليها. إذن هذه هي الحراسة بالمعنی الصحيح و الكامل و الصائب.. حراسة الحركة الثورية و التقدم الثوري.و إذا أردنا إنجاز هذه المهمة ينبغي إطلاق حركتين في الحرس الثوري، إحداهما حركة داخلية في الحرس. الحركة في داخل الحرس معناها أن يتكامل الحرس في داخلهم. و حركة أخری بمعنی جزء يحرِّك كل النظام و الثورة، أي التأثير في الخارج. يجب إطلاق هاتين الحركتين و استمرارهما بموازاة بعضهما. إذا غفلنا عن الحركة الأولی و لم نقم داخل منظومة الحرس بتلك الحركة المتقدمة و السائرة صوب الرفعة و التسامي فسوف يكون الإخفاق مصير الحركة الثانية، أي تأثير الحرس في تقدم الثورة علی العموم. و حتی لو جری السعي و المحاولة و التخبط في هذا المجال لكان لذلك سعياً خاطئاً.و بالتالي لا بد من حركتين. الحركة الداخلية هي تلك التي أشار قائد الحرس المحترم إلی أبعاد منها و هي إشارات صائبة، و أنا أؤيدها، و يجب القيام بهذه الأعمال. لهذه الحركة الداخلية بعد مادي و آخر معنوي. البعد المعنوي هو التركيز علی القيم بالمعنی الحقيقي للكلمة أي تشخيص المؤشرات القيمية للحراسة، و قياس الذات و الآخرين وفقاً لهذه المؤشرات بقصد التقدم و بهدف الصيرورة و التغيّر الصحيح و الكامل باتجاه الأهداف. هذا هو البعد المعنوي، و البعد المادي هو هذه الأعمال و الإنجازات الجيدة التي تجري و تستمر في الحرس علی مستوی التنظيم و العلوم و البحث العلمي و البناء و الإنتاج و التدريبات العسكرية و ما إلی ذلك. يجب القيام بكل هذه الأمور إلی جانب بعضها.. عندها سوف تنبثق عن الحرس منظومة حية نشيطة شابة دوماً لا سبيل للشيخوخة و التهرؤ إليها، و لحسن الحظ فإن أرضيات ذلك مهيئة في الوقت الحاضر، و البنی التحتية لذلك مهيئة و التجارب متوفرة و المحفزات و الدوافع موجودة و الحمد لله. هذه هي الحركة الداخلية. سوف تتوفر هذه المنظومة‌ باعتبارها منظومة بارزة و نموذجاً متألقاً. قد لا يدخل بعض شبابنا و أبناء شعبنا إلی الحرس لكنهم سيختارون هذا النموذج لحياتهم.. نموذج المعنوية الصحيحة و الفكر و التدبير و الطريق الصحيح و الحركة الصحيحة في مجال الإعمار و البناء.ثم يأتي الدور لتأثير هذه الحركة في الحركة العامة للثورة. و هذا أيضاً شيء سوف يحصل بنحو تلقائي. حينما تكون هناك داخل النظام منظومة حية نشيطة فاعلة‌ متوثبة متقدمة ملتزمة التزاماً شديداً بالمباني و الأصول و القيم و تتحرك بحيوية و تنظر في كل مكان و لها وعيها و بصيرتها و تأثيرها فسيكون لهذا تلقائياً تأثيره الحاسم في تقدم المجموعة العامة - و هذا بالطبع أمر لا يختص بالحرس الثوري، فأنا أقول مثل هذا الكلام بعينه للحوزات العلمية، و للمؤسسات الحكومية، لكن الأوزان و الأحجام ليست متساوية، و لكل من هذه القطاعات مكانتها و وزنها، و نحن نتحدث حالياً عن الحرس - و نحن بحاجة ماسة لهذه الحركة التنموية التقدمية المتكاملة. أي إن الإسلام اليوم بحاجة لهذه الحركة.لقد تركت حركة نظام الجمهورية الإسلامية تأثيراتها في العالم، و كانت هذه التأثيرات عميقة و تسببت في إضعاف القوی الاستكبارية و الشيطانية، و فتحت طرقاً جديدة أمام الشعوب. لقد بدأ فصل جديد في العالم، و مهما نظر المرء لم يجد نظيراً لما يحدث. أنا طبعاً طوال عمري و في فترة شبابي و في صفحات التاريخ رأيت أو قرأت تحولات و تطورات متنوعة وقعت في أنحاء مختلفة من العالم و منها منطقتنا. الثورات التي حدثت في البلدان الأفريقية و في أمريكا اللاتينية، و الثورات اليسارية في عقد الستينات للميلاد - أي قبل نحو خمسين عاماً - هذه وقائع شاهدتها و لسنا نجهل ما هي السوابق التاريخية لهذه التحولات و كيف هي، لا، لقد شاهدنا هذه التحولات. لكن ما يحدث اليوم لا سابقة له و لا نظير. ما كان يقع في الأحداث التي وقعت في عقد الستينات الميلادية - سواء في أفريقيا، أو أمريكا اللاتينية، أو في بعض البلدان الآسيوية - هو غلبة حزب أو تنظيم علی مصير الشعب بميول مادية و ماركسية لا مكان للمعنوية و لا لله فيها. و كانوا يسمونها حركات شعبية‌، لكن شعبيتها هو أن يأتي حزب واحد للسلطة، و غالباً ما يأتي عن طريق انقلاب. هذه الأحزاب و الأنظمة التي تسمّی ثورية و التي استلمت السلطة في شمال أفريقيا جاءت كلها عن طريق الانقلابات، مثل جمال عبد الناصر، و مثل القذافي و غيرهما. لم تكن تحركات شعبية و ثورية بالمعنی الحقيقي للكلمة. و ما يحدث اليوم هو مشاركة الجماهير بأبدانها و أرواحها.. هؤلاء هم الجماهير، و قد تكون للأحزاب مشاركتها أو تأثيرها بمعنی من المعاني، لكن المتواجدين في الميدان ليسوا جماعة عسكرية و لا هي جماعة انقلابية، إنما هي مجاميع شعبية و كتل الشعب و بميول توحيدية و إلهية ترفع شعارات «الله أكبر» و انطلاقاً من صلوات الجماعة.. و لتنكر الدعايات الأمريكية و الصهيونية هذه الحقيقة، لينكروها، لا يمكن تغيير الحقيقة بالإنكار. هذا هو الواقع. هذا أمر لا سابقة له. في حدود ما شاهدناه و سمعناه و قرأناه بخصوص فترات الثورات لا سابقة لمثل هذا الشيء بهذه السعة و هذا الشمول. هذا شيء جديد. أي إن صفحة جديدة انقلبت في تاريخ المنطقة و تبعاً لذلك في تاريخ العالم، و بدأ فصل جديد. ما هو دورنا هنا؟ إنني لا أريد أبداً أن أدعي و أقول إن الثورة الإسلامية كان لها كل الدور - و البعض يتحسّسون من أن يقال إن الثورة الإسلامية هي مصدر هذه الثورات - لا، لا ندعي مثل هذا الادعاء أبداً، و ليس من اللازم أن ندعي مثل هذا الادعاء، بيد أن المسألة هي أن الحركة التي بدأناها نحن الشعب الإيراني قبل ثلاثين سنة أو إثنتين و ثلاثين سنة نشاهدها اليوم بعينها في عدة بلدان من العالم الإسلامي مع فوارقها الإقليمية و المحلية‌ و الجغرافية و التاريخية. و قد قلت إن الموجة اللاحقة لهذه العملية ستكون في مناطق أبعد، و هذا مما يشجعنا و يبشرنا و يدل علی أن أملنا بالمستقبل يجب أن يزداد.طبعاً يعمل العدو بكل قدراته علی هذه النقطة. لا يريد أن يمتثل هذا النموذج أمام أنظار الشعوب المسلمة فيقولوا أنظروا إلی أين وصلت إيران. و لكن، شاءوا أم أبوا، و رضوا أم لم يرضوا، فقد وقع هذا الشيء و حصل. هذه الأعمال العلمية و التقنية‌ و البحثية التي تقومون بها و سائر المنظمات في القوات المسلحة و خارج القوات المسلحة، في الجامعات و في مراكز البحث العلمي علی اختلافها.. هي أعمال جارية‌ حالياً في البلاد و ترسم المستقبل بنحو دقيق، أي إنها ترصف أجزاء المستقبل الواحد بعد الآخر، و هذا ما يحدد لمن سيكون المستقبل. و هذا طبعاً بفضل الإسلام و الروح الثورية، و لا بد من تقوية هذه الروح. إذن لنأخذ حراسة الثورة بهذا المعنی.. بالمعنی المتحول و المتطور و المتقدم.من الأمور التي يجب أخذها بنظر الاعتبار في الساحة هو أن نحذر من انشغال الأجهزة الثورية بالأعمال غير المفيدة و ربما المضرة لهذه الحركة التقدمية، و منها حالة الاختلافات التي أشدد علی اجتنابها. مرة‌ يقف تيار بوجه الثورة من أجل محق الثورة، و هنا من واجب الجميع أن يدافعوا. الثورة تدافع عن نفسها كأي كائن حيّ آخر. الثورة التي لا تستطيع في فترة الفتنة و في فترة الانقلابات المتنوعة - السياسية و العسكرية و ما إلی ذلك - أن تدافع عن نفسها ليست بحية. و هذه الثورة‌ حية، لذا فهي تدافع عن نفسها و تنتصر، و لا شك في هذا. و قد حصل هذا كما شاهدتم في سنة 88 . مرة تكون هذه هي الحالة،‌ و مرة تكون الحالة‌ من نوع آخر و لا تمثل صموداً أمام حركة‌ تريد إسقاط الثورة‌، إنما المسألة مسألة‌ اختلاف في وجهات النظر و العقائد. ينبغي التقليل من هذه الحالات ما أمكن، إذ من المضرّ إشعال هذه الاختلافات.من المسائل أنه إذا تكلم شخص بكلام خاطئ فهل يجب أن يردّ عليه شخص أم لا؟‌ نعم، هذا واضح. الردّ علی الكلام الخاطئ له أسلوبه و طريقته و فعله الخاص. أحياناً إذا تفوّه شخص بكلام خاطئ نأتي و نرفع هذا الكلام الخاطئ في مائة مكان، و نرفع الشعارات، و نقول إن فلاناً تفوّه بهذا الكلام الخاطئ ليعلم الجميع بذلك. هذا هو الخطأ. إنني لا أعارض أبداً العمل التنويري من قبل أي شخص أو أي مؤسسة، بل أرغب في ذلك و أؤمن به. فالتبيين و التنوير أساساً من استراتيجيات عملنا منذ البداية. التبيين ضروري و لكن ليس معنی هذا أن نؤجّج الاختلافات الداخلية. إحذروا.. و علی الجميع أن يحذر من ذلك، و خصوصاً الحرس الثوري.. يجب علی الحرس الثوري أن يحذر. إشعال الأجواء بين التيارات السياسية و التيارات الفكرية‌ و الذوقية المتنوعة ليس أمراً مناسباً علی الإطلاق. و أنتم و الحمد لله جميعكم من ذوي البصيرة و الوعي، و لا شك أنكم مطلعون علی التيارات، و ترون الآن الوضع القائم في البلاد حيث يتحدث هذا ضد ذاك و ذاك ضد هذا للأسف، و تفرح الأجهزة الأجنبية لذلك أيّما فرح، و تطلق تحليلاتها فتقول:‌ نعم، ثمة‌ اختلاف بينهم و سوف يمحقون و قد محقوا (!) يكررون آمالهم باستمرار. واضح أن هذه من نقاط ضعفنا. يجب أن لا نسمح لنقطة الضعف هذه بالاستمرار أو التفاقم. ينبغي التنبه لهذه الأمور، فالحركة‌ حركة‌ رصينة و قائمة‌ علی الأدلة و الوثائق. إذا كان بين البعض اختلاف في وجهات النظر فليعبروا عنها بالأدلة. و قد ذكرت إنني أؤمن بالتبيين. و في فترة‌ النضال أيضاً كان اختلافنا مع اليساريين و الماركسيين الذين يناضلون آنذاك حول هذه المسألة،‌ إذ كنا نقول إنه لا بد من التبيين، و هم لم يكونوا يؤمنوا بالتبيين، و كانوا يقولون شيئاً آخر و لديهم تفسير آخر. عملية الثورة قامت أساساً علی التبيين و التنوير و البيان المنطقي و المبرهن و البعيد عن الضجيج. إذا انتشر الضجيج و الصخب فسوف يفسد حتی الكلام المنطقي. قد يستقطب الضجيج بضعة أشخاص لكنه ينفر أيضاً بضعة أشخاص واعين. هذا هو كلامنا و ما نقوله.الحركة حركة متقدمة إلی الأمام، و ثمة حاجة لكثير من الأمور. لقد سجلت هنا بعض النقاط، و منها الحاجة إلی أن نكون صفاً واحداً و هي مسألة‌ الوحدة التي تحدثت عنها. «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص» (2).. يجب الوقوف أمام هجوم الأعداء كالصف القوي و كالجدار الحصين المنيع.و الآن عليكم أيها الشباب الأعزاء الذين تخدمون في الحرس، و رجال الدين الأعزاء، و العلماء، و طلبة العلوم الدينية الشباب و المتدينون و الناشطون في مكتب الممثلية، عليكم أن تعلموا أمرين: الأول هو أن لديكم الكثير من العمل و ما تقومون به، سواء الحرس الشباب أو رجال الدين المحترمون.. هناك الكثير من الأعمال بين أيديكم يجب أن تنجزوها. و الأمر الثاني هو أن تعلموا أنكم إذا بذلتم هممكم فإنكم ستستطيعون بالتأكيد إنجاز هذه الأعمال، و إذا مضت فترة من الزمن ستجدون فجأة أنكم تقفون علی نقطة أعلی، أي إن التقدم أمر حتمي. إذا كان ثمة‌ سعي و همة و أمل فسيكون هناك تقدم بالتأكيد. هذا مما لا شك فيه. هذا ما يجب أن تأخذه منظومة الحرس الثوري بنظر الاعتبار. طبعاً البرمجات المتنوعة في صدر تنظيمات الحرس أمر لازم و دائمي و يجب أن يتحقق و هو يتحقق و هذه حالة جيدة. و نتمنی أن يعينكم الله تعالی، و هذا يكفي لليوم. نرجو أن يشملكم الله بألطافه.و أقول لمسؤولي الحرس المحترمين لأنهم هنا غالباً إن من الأعمال اللازمة جداً و التي ذكرتها الآن للسيد القائد العام للحرس الثوري هو أن تهتموا بعوائل شهدائكم. و أفضل الاهتمام و أهمه هو التلطف و التفقد و سؤال الأحوال، و ليس كل الاهتمام تقديم المساعدة، فالكثيرون لا يحتاجون للمساعدة، لكن الجميع بحاجة للمحبة و الملاطفة و المواكبة و التعاطف. من أعلی المواقع إلی أدناها يرغب الجميع في أن يعاملوا بلطف. البعض من شهدائنا الشامخين و الحمد لله لهم شهرة‌ كبيرة‌ عامة و الجميع يعرفونهم، و الكثيرون منهم ليست لهم هذه الشهرة، و هم طبعاً مشهورون عند أهل السماوات، ملائكة الله يعرفونهم جيداً، و لكن قد لا يكونوا معروفين بيننا كثيراً. إرعوا هؤلاء و اذهبوا إليهم، و نتمنی أن يفكر الأعزاء بعمل منظم و مدون في هذا المجال إن شاء الله.نرجو أن يحفظكم الله و يبقيكم و يشملكم بأدعية إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و أن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و أرواح الشهداء‌ المطهرة راضية عنكم و عنا.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - مقتل أبي مخنف، ص 85 .2 - سورة‌ الصف، الآية 4 .
2011/07/04

كلمته في مدراء الدولة‌ بمناسبة المبعث النبوي الشريف

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك هذا العيد الكبير و اليوم الشريف للحضور المحترمين في هذه الجلسة، و لمسؤولي البلاد المحترمين، و سفراء البلدان الإسلامية المحترمين، و لعموم الشعب الإيراني العزيز و الأمة الإسلامية الكبری،‌ و لكافة المجتمع البشري.إذا كانت عظمة الأيام و أهميتها باللطف الذي ينزله الله تعالی‌ فيها علی البشرية فمن المتيقن أن أعظم أيام السنة‌ كلها و أهمها هو يوم المبعث، لأن نعمة البعثة و إرسال الرسول الأعظم للبشرية أكبر من كل النعم الإلهية علی امتداد التاريخ. و عليه يمكن القول بجرأة إن يوم المبعث أفضل و أكبر كل أيام السنة و أكثرها بركة. ينبغي إحياء ذكری هذا اليوم و تجسيد عظمة هذا الحدث في أنظارنا.يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام): «أرسله علی حين فترة‌ من الرسل و طول هجعة من الأمم». أي إن بعثة الرسول الأكرم وقعت بعد فترة طويلة من حرمان البشرية من الأنبياء الإلهيين. و كان قد مضی علی ظهور النبي عيسی نحو ستمائة عام. منذ مئات الأعوام و الإنسانية لم تشهد بين ظهرانيها سفيراً إلهياً. فما كانت النتيجة؟ «و الدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور» (1).. كانت الدنيا مظلمة حالكة و الروح المعنوية غائبة و البشرية تعيش جهلاً و ضلالاً و غروراً. في مثل هذه الظروف بعث الله تعالی الرسول الأكرم (ص).كان الرسول الأكرم العنصر الجدير الذي أعدّه الله لمثل هذه الحركة العظيمة علی امتداد التاريخ الإنساني. لذلك استطاع علی مدی ثلاثة و عشرين عاماً إطلاق تيار تقدم بالتاريخ إلی هذا اليوم علی الرغم من كل العقبات و المشكلات. ثلاثة و عشرون عاماً زمن قصير. و قد انقضت ثلاث عشرة سنة منها في الكفاح و النضال بغربة. بدأ الأمر في مكة أولاً بخمسة‌ أفراد و عشرة أفراد و خمسين فرداً، و استطاعت جماعة قليلة من الناس أن تقاوم تحت ضغوط لا تطاق فرضها عليهم أعداء‌ متعصبون و جهلاء لا يبصرون. أرسيت أعمدة قوية متينة من أجل قيام المجتمع الإسلامي و الحضارة الإسلامية. ثم قيّض الله تعالی ظروفاً استطاع الرسول الأكرم (ص) بفضلها الهجرة إلی المدينة و إيجاد هذا المجتمع و هذا النظام و أرساء أسس هذه الحضارة. كل الفترة التي عمل فيها الرسول الأكرم (ص) علی تشكيل هذا النظام الفتي و بنائه و إعداده و التقدم به إلی الأمام هي عشرة أعوام. أي فترة قصيرة. مثل هذه الأحداث عادة ما تضيع وسط طوفان أحداث العالم و أمواجها، و تزول و تنسی. عشرة أعوام مدة قصيرة جداً، لكن الرسول الأكرم (ص) استطاع في هذه المدة القصيرة غرس هذه الغرسة و إرواءها و توفير الوسائل لرشدها و نموها، و إطلاق حركة أوجدت حضارة ارتقت إلی ذروة الحضارة البشرية في فتراتها المتألقة. أي في القرنين الثالث و الرابع للهجرة لم تكن في العالم آنذاك بكل سوابقه الحضارية و حكوماته المقتدرة و الأنواع المختلفة‌ من التراث التاريخي، لم تكن هناك أية حضارة بعظمة الحضارة الإسلامية و تألقها و رونقها. هذه هي ميزة الإسلام. هذا في حين وقعت بعد فترة رسول الإسلام الكريم (ص) و بعد تلك الأعوام العشرة أحداث متنوعة و مريرة للأمة الإسلامية، و قامت موانع و عقبات و حصلت اختلافات و اشتباكات داخلية. و لكن علی الرغم من كل هذا و علی الرغم من الانحرافات التي وقعت علی طول الزمن و الشوائب التي دخلت و تنامت في التيار الإسلامي، إلا أن رسالة الرسول الأكرم (ص) و رسالة البعثة استطاعت علی امتداد ثلاثة أو أربعة قرون إيجاد كل تلك العظمة التي لا زالت الدنيا كلها و الحضارات كلها إلی اليوم مدينة لها.. تلك الحضارة التي شيدها المسلمون في القرنين الثالث و الرابع للهجرة.. هذه تجربة.لو فكرت البشرية‌ و راعت جانب الإنصاف لصدّقت أن خلاص البشرية و حركتها صوب الكمال غير ممكنة إلی ببركة الإسلام. نحن المسلمين لم نشكر النعمة و كفرناها.. لم نعرف قدر الإسلام و لم نحفظ الأسس التي أرساها الرسول الأكرم (ص) لبناء مجتمعات إنسانية مميزة و متكاملة.. لم نشكر النعمة و لم نحمدها و دفعنا الثمن. كان و لا يزال بوسع الإسلام أن يأخذ بأيدي الإنسانية إلی السعادة و الكمال، و ينمّيها من الناحيتين المادية و المعنوية. هذه الأسس التي أرساها الرسول الأكرم - أسس الإيمان و العقلانية و الجهاد و العزة - هي الأسس الرئيسية للمجتمع الإسلامي.لنعزز إيماننا و قلوبنا و أعمالنا، و لنستخدم العقل الإنساني و هو الهدية الإلهية‌ الكبری للبشر، و لنجاهد في سبيل الله سواء في ميادين القتال العسكري حينما يقتضي الأمر أو في الميادين الأخری من قبيل ميدان السياسة و الميدان الاقتصادي و سائر الميادين، و لنعتبر الشعور بالعزة و الكرامة الإنسانية و الإسلامية حالة ثمينة مغتنمة بالنسبة لنا.حينما يصار إلی إحياء هذه المشاعر و الأمور في المجتمع فسوف يتابع ذلك المجتمع المسيرة الإسلامية و خط رسول الإسلام العظيم (ص) بلا شك. ببركة رسالة الإسلام و بفضل نداء إمامنا الجليل استطعنا نحن الشعب الإيراني تحقيق جانب من هذه المسيرة في حياتنا، و نحن نشاهد آثار ذلك و ثماره في حياتنا.لقد تنبه العالم الإسلامي اليوم. هذه التحركات التي تشاهد حالياً في بعض بلدان شمال أفريقيا و منطقة الشرق الأوسط هي الاستفادة و الاستضاءة بنور الإسلام، و الاهتداء بإشارات اليد المباركة للرسول الأكرم (ص). لذا فإن مستقبل هذه المنطقة و مستقبل هذه البلدان مستقبل مشرق بتوفيق من الله و حول منه و قوة.الغربيون مصابون باللجاجة عن غير وعي و بدون حنكة، و يصرون علی مواقفهم دون داع. ما يحدث راهناً في مصر و تونس و بعض البلدان الأخری و يلاحظه الجميع معناه أن صفحة جديدة انقلبت و ظهرت في تاريخ هذه المنطقة، و بدأ فيها فصل جديد. تلك المعادلات الخاطئة الظالمة التي أوجدها المستكبرون و المستعمرون الغربيون في هذه المنطقة قبل مائة عام أو مائة و خمسين عاماً و أرادوا فرضها علی مصير هذه المنطقة العظيمة الحساسة انقلبت اليوم و زالت، و بدأ فصل جديد.طبعاً تبدي القوی المستكبرة الغربية في الوقت الحاضر الكثير من اللجاجة و العناد، لا يريدون التسليم لهذه الحقيقة الكبری التي لا تقبل الإنكار و هي أن الشعوب في هذه المنطقة قد استيقظت و عادت إلی الإسلام، لكن هذه هي الحقيقة. النفس الإسلامي انبث و انتشر في البلدان المسلمة. لقد فعل التابعون لأمريكا و الغرب و عملاؤهم بهذه الشعوب ما جعلها تشعر بأنه لا يوجد سبيل لمواجهتهم سوی النهضة و الحركة العمومية العظيمة و الثورة، لذلك راحت تسير في هذا الطريق و هي تتقدم فيه إلی الأمام. و سوف تؤتي هذه التحركات نتائجها يقيناً.طبعاً يبذل الغربيون قصاری جهدهم. بدأت جميع الأجهزة الإعلامية و السياسية و الاقتصادية الأمريكية و أجهزة بعض مرتزقتها في المنطقة العمل لتحريف هذه الثورات الشعبية و النهضات الكبيرة عن مسارها الأصلي، و التعتيم علی طابعها الإسلامي و كتمانه و إنكاره، و لكي يجدوا أشخاصاً يخدعون الناس و يتسلطون عليهم و يعيدون كل المعادلات تارة أخری لصالح الغرب. إنهم يبذلون مثل هذه الجهود، و لكن لا فائدة منها فالشعوب قد استيقظت. و حينما يستيقظ الشعب و ينزل إلی الساحة و يضع روحه علی كفه فلن يمكن إعادته و لن يمكن خداعه. نتمنی أن يتواصل إن شاء الله هذا المسار الصعب للشعوب التي ثارت و نهضت و تلك التي تتوفر فيها أرضيات النهوض، و أن يكون هذا المسار قصيراً غير طويل. فالنتيجة قطعية و قد يكون الطريق طويلاً و قد يكون قصيراً. يحاول الأمريكان حالياً بمساعدة الصهاينة و بعض حلفائهم و مرتزقتهم في المنطقة تحريف هذه الثورات و السيطرة عليها و ركوب أمواجها، و لكن لا فائدة من ذلك. طبعاً سيخلقون المشاكل للشعوب - هذه المشاكل طبيعية - و يبثون الخلافات، و قد جربنا منهم كل هذه الأمور، فلقد بثوا الخلافات في ثورتنا و تغلغلوا فيها، و أشعلوا نيران الاحتراب بين القوميات، و أشعلوا الاشتباكات الداخلية، و حرضوا عدواً خارجياً علی مهاجمتنا عسكرياً و احتلال أراضينا.. حدث كل هذا، لكن الشعب صمد و وقف و واصل الطريق باقتدار و انتصر علی كل هذه الصعاب و سينتصر بعد الآن أيضاً. إذن، هذه المشكلات موجودة.تلاحظون اليوم في مصر و في أماكن أخری أنهم يؤججون الخلافات الداخلية و شعلون الاشتباكات و من المتيقن أنهم سيطلقون سلسلة من الاغتيالات و الفتن. و العلاج هو صحوة الجماهير و النخبة العلمية و السياسية و المسؤولين المخلصين و المحبين لمصير البلاد. هؤلاء يجب أن يكونوا يقظين و يحذروا، و سيتواصل العمل إن شاء الله علی أحسن وجه. و هذه هي مواصلة بعثة الرسول (ص) و الحركة‌ النبوية التي تعبر عن نفسها اليوم بهذا الشكل.الشعوب المظلومة تنشد كرامتها.. العزة و الكرامة التي كانت من أسس دعوة الرسول (ص). الأعداء و المستكبرون و المحتلون و المتدخلون استغلوا شعوبنا طوال سنوات متمادية، و أهانوها و أذلوها في نفس الوقت. و حينما تنتهل الشعوب من الإسلام فسوف تنشد العزة و الكرامة. هذه هي الحركة الإسلامية‌.. هذا هو معنی الحركة الإسلامية.علينا نحن الشعوب المسلمة أن نكون يقظين واعين. النخبة في البلدان الإسلامية‌ يجب أن تتحلی بالوعي و اليقظة و لا تشغل نفسها بالسجالات و القيل و القال العبثي أو قليل الأهمية، و يجب عليهم أن لا يسمحوا للخلافات المذهبية و القومية و الذوقية و النقاشات الهامشية‌ باستنزافهم. عظمة ما يحدث في هذه المنطقة أكبر من هذه الأمور بكثير. نحن الشعب الإيراني مسرورن و سعداء لأننا نری الشعوب المسلمة تتحرك و تحصل علی حريتها و كرامتها. منذ بداية ظهور الثورة في إيران و انتصارها كانت مواقفها واضحة حيال قضايا المنطقة و التحركات في المنطقة و ثورات المنطقة. إينما كانت هناك حركة معادية للاستكبار و الصهيونية و ضد الحكومة الصهيونية‌ الغاصبة في بلد فلسطين العزيز فهي حركة نقبلها و ندعمها و نؤيدها. و أينما كانت الحركة ضد أمريكا و ضد هذه الدكتاتورية الدولية - و قد أوجدت أمريكا اليوم دكتاتورية دولية - و أينما كانت الحركة ضد الدكتاتوريات الداخلية و لإحقاق حقوق الشعوب فنحن نؤيدها.علی الجميع التحلي باليقظة. علينا نحن التحلي باليقظة و الحذر و علی الشعوب أيضاً التحلي باليقظة و أن تعلم أن حيل الأعداء و دسائسهم متنوعة و معقدة. يجب أن نجعل البصيرة معياراً لعملنا. لتتنبه الشعوب فأمريكا و الصهاينة و مرتزقتهم و أتباعهم يحاولون تحريف الثورات. إنهم يهتمون بالبلدان التي تشهد الصحوة و يحاولون ما استطاعوا تحريف حركة هذه الشعوب.الشعب البحريني المظلوم كالشعب المصري و كالشعب التونسي و كالشعب اليمني. هناك أيضاً القضية علی نفس الشاكلة، و لا معنی للفصل بينها. و نشاهد للأسف أن البعض بدل التركيز علی هموم الشعوب يسيرون و يتصرفون في الطريق الذي يريده أعداء هذه الشعوب. تعمل أمريكا اليوم علی خلق شبيه لما يحدث في مصر و تونس و اليمن و ليبيا لتزرعه في سورية - التي تقف في خط المقاومة - و تخلق لها المشاكل. ماهية القضية في سورية تختلف عنها في هذه البلدان. في هذه البلدان كانت التحركات مناهضة لأمريكا و الصهيونية، أما في سورية‌ فاليد الأمريكية مشهودة و واضحة، و الصهاينة يقفون وراء القضية. يجب أن لا نقع في خطأ. و يجب أن لا ننسی المعايير. حيثما كانت الحركة مناهضة لأمريكا و الصهيونية فهي حركة أصيلة شعبية و حيثما كانت الشعارات لصالح أمريكا و الصهيونية كانت الحركة منحرفة. سوف نحافظ علی هذا المنطق و هذا البيان و هذا التنوير. طبعاً نعلم أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية‌ سوف يغضبون و يضاعفون من مؤامراتهم ضدنا. و نحن صامدون ضد هذه المؤامرات و قد صار للشعب خبرته في ذلك. لقد وقف الشعب الإيراني و صمد طوال ثلاثين عاماً أمام أنواع هذه المؤامرات، و استقام و اكتسب الخبرة. و هم يمنّون أنفسهم ببعض الأحداث الداخلية و يفرحون.لحسن الحظ، فإن مختلف الأجهزة و المؤسسات في البلاد اليوم عاكفة علی أعمالها و مهامها. في هذه الفترات الأخيرة و في السنة الأخيرة لاحظوا كم من الأعمال إنجزت في البلاد. تحولونا من بلد يستورد المنتجات النفطية إلی بلد يصدر هذه المنتجات. البلاد تعمل في المجالات المختلفة و الحمد لله. و قضية تقليص حجم الحكومة - الخطوة التي قامت بها الحكومة و المجلس سوية - عملية مهمة و كبيرة جداً. هذه أعمال يجب أن تتابع و سوف تتابع إن شاء الله.سيستطيع الشعب الإيراني بصموده و مقاومته و اتحاده و أمله اللامتناهي بالعون الإلهي، و المسؤولون في البلاد بوحدة كلمتهم و تعاونهم، سيستطيعون إن شاء الله تبديل أمل أعداء الشعب الإيراني مرة أخری إلی يأس و قنوط.نسأل الله تعالی أن يضاعف بركاته الجمّة علی هذا الشعب، و أن يشمل ببركة هذا اليوم الشريف و هذا العيد المبارك و بحرمة الكيان المقدس لخاتم الأنبياء (ص)، أن يشمل الشعب الإيراني و الشعوب المسلمة بفضله و نصرته، و يرضي القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) عنا جميعاً.و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش: 1 - نهج ‌البلاغة، الخطبة رقم 89 .
2011/06/30

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس و مسؤولي السلطة القضائية

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بكم أيها الأخوة و الأخوات الأعزاء، الكوادر و المسؤولون و القضاة المحترمون العاملون في السلطة القضائية، و أسر شهداء حادثة السابع من تير (28 يونيو حزيران 1981 م) الكرام الأعزاء. و شكري موصول للسيد آملي رئيس السلطة المحترم، على ما طرحه للجمهور في تقريره الحيوي و العلمي من نقاط مهمّة تتعلّق بالسلطة القضائية، و المنجزات القيّمة التي تستدعي الثناء و التقدير التي قدّمتها هذه السلطة، سائلاً المولى القدير أن يوفقه و زملائه و العاملين في مختلف أقسام و دوائر السلطة القضائية و يسدد خطاهم للاستمرار على هذا الطريق النوراني المفعم بالخير و البركة انشاء الله. و هذا هو المأمول من شخص كسماحته ـ شخص ذو مرتبة علمية مرموقة، و ذو همّة و نشاط و عزيمة ـ نسأل الله ان يتقبل من الجميع.أودّ هنا أن أشير إلى أمرين، الأول يتعلق بحادثة السابع من تير، و الثاني يتعلّق بالسلطة القضائية. أمّا فيما يتعلّق بحادثة السابع من تير فقد مثّلت تلك الحادثة محنة حقيقية، و كانت حدثاً مرّاً و مروعاً للبلد و للنظام. فعندما يستهدف حدث ما قلب الجهاز الإداري للبلد الذي يضمّ شخصيات كالشهيد المظلوم المرحوم آية الله السيد البهشتي و غيره من الشخصيات المرموقة و كفاءات من السلطة القضائية، و أعضاء من مجلس الشورى الإسلامي، و أعضاء حكوميين، و نخباً سياسية و علمية، يصبح فاجعة حقيقية. لكن هنا توجد حقيقة يمكن رصدها على مرّ التاريخ، فكل أمة، أو جماعة، أو فرد تعرضوا لمحنة، و قابلوها بالصبر و البصيرة، ستتحوّل هذه المحنة إلى نعمة. و السر فيما نجده من انتصار الحق، و انتصار كلمة الحق، و انتشار الحق، و انتشار مبدأ التوحيد على مرّ التاريخ هو هذه الحقيقة. فطالما تعرّض الأنبياء، و بعض أممهم السابقة لمحن بلغت من الشدة بحيث كان من المفروض أن تؤدي إلى محو أسماء هؤلاء الأنبياء من صفحات التاريخ، و زوال كل أثر لهم، و طمس مبادئهم ، لكنكم تشاهدون العكس من ذلك، بمعنى أنّه كلّما تقدّم التاريخ، أصبحت رسالة الأنبياء و بلاغهم أكثر توهّجاً بين الناس، و في أذهانهم. و سر ذلك يكمن في هذه الحقيقة: و هي مواجهة المحن بالصبر و البصيرة.و قد أدّى شعبنا في حادثة السابع من تير مثل هذا الدور بكل جدارة: فبدلاً من اليأس، و بدلاً من فقدان الثقة بالنفس، و بدلاً من الخوف من العدو و الركوع أمامه، و بدلاً من الضعف و الانكسار و الهزيمة، و نظراً للبصيرة التي كان شعبنا يتمتّع بها و التي كان إمامنا [الخميني] الراحل يحقن الشعب و يرفده بها على الدوام، نجد أن الشعب قد صبر و صمد و تصدّى للموجة و ردّها على العدو.أمّا بالنسبة لي فقد سمعت بخبر الحادثة في وقت لاحق، ففي ذلك اليوم ـ السابع من تير ـ و الأيام التي تلته، لم تكن حالتي طبيعية ـ فقد كنت أحياناً مغمی عليّ بشكل تام و أحياناً بشكل جزئي ـ لكن عندما سمعت ما حدث، و كيف تعاطى الشعب معه، أصبحت كالمشاهد الذي يرى من خارج الحدث، مذهولاً بمعنى الكلمة. فعلى الشعب أن يحتفظ بهذه الروح، و يعتبر ذلك درساً بليغاً.. درساً خضناه، و علمناه للتاريخ.و من الطبيعي جداً أن يتعرّض شعب كالشعب الإيراني دخل المعترك بمثل هذه الأهداف العليا ـ تحقيق المبادئ، و إرساء الأسس الإسلامية في المجتمع، و نشرها في كافة أرجاء العالم ـ إلى حوادث كثيرة. ذلك أنّكم تطبقون إسلاماً يرفض الظلم، و يرفض القوة، و يرفض خضوع الشعوب للأعداء و الطغاة، ليس ذلك فحسب بل إسلاماً يرفض حتى طغيان بعض الشعوب على بعضها. فإذا كان الأمر كذلك فمن يا ترى سيقف أمامكم، و من سيتصدّى لكم؟ لا شكّ أنّهم طغاة العالم و ظالموه المستعمرون و المستبدون، الدكتاتوريات الظالمة المتعسفة، هؤلاء هم الذين سيقفون بوجهكم. و هؤلاء يملكون أموالاً و إعلاماً و نفوذاً سياسياً و نفوذاً إعلامياً، لذلك يعرضوكم للمحن. فلا بدّ إذن من التصدّي لهم. إنّ شعبنا قد خاض هذا الامتحان و خرج منه بجدارة.إنّ نظام الجمهورية الإسلامية اليوم قد اختلف اختلافاً جذرياً عمّا كان عليه إبان حادثة السابع من تير عام 1360 (1981)، على صعيد القوة، و التقدّم، و الإمكانات المختلفة، و السمعة الدولية، و القدرة على بعث الأمل في وجدان الشعوب. و مردّ ذلك إلى الصمود الذي جسّده شعبنا الكريم. إذن لا بدّ من تأصيل هذه الحقيقة التي اكتسبناها من حادثة السابع من تير، و هي أنّه كلّما فرضوا علينا محناً و صعوبات، فواجهناها بصبرنا و ثباتنا، و بصيرتنا، ستتحوّل هذه المحن إلى سلّم للعروج و الرقي و التقدّم. و هذا ما حصل، و سيحصل بعد الیوم أیضاً إن شاء الله.أمّا فيما يتصل بالسلطة القضائية: فهذه السلطة بحاجة إلى عاملين لتتمكّن من النجاح. ففي كل نظام، و في كل مجتمع، تساهم السلطة القضائية في فض النزاعات و إقامة العدل و مكافحة الظلم و الجور و الفساد. و لکي تتمكن من تحقيق هذه الغاية فإنّ السلطة القضائية بحاجة إلى أمرين: الأول السلطة و النفوذ ـ بمعنى أن يكون لديها القوة الكافية ـ و الثاني، الثقة؛ فلا بدّ لها من إحراز ثقة الشعب بها. إذن، فالسلطة القضائية بحاجة إلى هذين الأمرين. أمّا الأمر الأول فيمكن للسلطة إحرازه عن طريق الموارد البشرية و التقنية، التي أشار السيد رئيس السلطة المحترم إلى مسيرة التطوّر التي حدثت على هذا الصعيد، و التي أقف شخصياً على مجملها. فمن خلال تعزيز القدرات الذاتية، و إعداد الكوادر و استخدام أشخاص مؤهلين، أكفاء، أمناء، ملتزمین، تكتسب السلطة قوّتها. و كذلك من خلال وضع قوانين صحيحة، و فرض مراقبة و تدقيق مناسبين، و استثمار التطور التقني و المؤسساتي من كل أنحاء العالم، و قد قلنا مراراً إنّنا لا نستحي من التعلّم من الآخرين. فأي شعب أو بلد، أو نظام قضائي في العالم يمتلك نقطة إيجابية مفيدة فلا ضير من الاستفادة منها و تعلمها. طبعاً لا نقصد بذلك التقيد الأعمى بالمناهج أو الآراء المستوردة، أي بما أنّ العالم يتصرّف على هذا النحو فلا بدّ لنا أن نتصرّف على هذا النحو أيضاً؛ كلا، هذا خطأ. «و إن تطع أكثر من فى الأرض يضلّوك عن سبيل الله إن يتّبعون إلّا الظّنّ و إن هم إلّا يخرصون».(1) فنحن لا نتقيد بمنهج هذا و ذاك. فالغرب يعمل هكذا، و الشرق يعمل هكذا، البلد الفلاني يعمل هكذا، إذن لا بدّ لنا أن نعمل هكذا؛ كلا، هذا خطأ. إنّما نحن نعتمد على تشخيصنا، فعندما نشاهد نظاماً قضائياً في بلد ما ـ كبيراً كان أم صغيراً ـ يعتمد أسلوباً معيناً أسهم في تيسير أعمال القضاء و ترتّبت عليه مجموعة من الفوائد، عندما نحرز ذلك بعقلنا، عندئذٍ نأخذ به. و هذه ليست تبعية لذلك البلد، إنّما تبعية للعقل. و هذا أمر حسن. يسهم في تعزيز قوّة السلطة القضائية. و من عناصر القوّة أيضاً السعي الحثيث، و الإبداع المستمر و التطوير. فلا يمكن الجلوس و الانتظار بينما تأخذ الأمور مجراها. على مسؤولي السلطة أن يرصدوا و يراقبوا و يحدّدوا نقاط الضعف، و المشاكل، و العقد العمياء المستعصية، و يحاولوا تذليلها و حلحلتها بحنكة و إبداع، كما يمكن أيضاً استثمار العقول و الكفاءات المتقدّمة لذلك الغرض، و بحمد الله فإنّهم موجودون لدى السلطة، و يمكن استقطاب آخرين من خارج السلطة أيضاً. لا بدّ من تأمين البنى التقنية، و الموارد البشرية، الذین يشكلان عنصر القوّة بالنسبة للسلطة القضائية، سلطة قويّة قادرة على الحركة لتحقيق أهدافها. و هذا هو الركن الأول.أمّا الركن الثاني ـ المتمثل بثقة الشعب ـ فيتحقق ببسط العدل، عبر التنفيذ الدقيق و الحكيم لأحكام القانون. فلا بدّ للشعب أن يثق بكم. عندما يجد الشعب أنّ السلطة القضائية صادقة في تنفيذ أحكام القانون و تطبيق العدل، تتعزّز لديه الثقة بها. بل حتى إنّ مَن صدر ضدّه حكم ما، عندما يختلي بينه و بين نفسه، بينه و بين قلبه، بينه و بين ربّه، سيقرّ أن الحق مع الحاكم. و قد لا يُظهر ذلك باللسان، لكنّ قلبه مذعن به. إذن ستكون هناك حالة من الثقة بالسلطة القضائية. و هذه الثقة تعتبر دون أدنى شك ضروریة و لازمة.إنّ العدل أمر مهم للغاية. فإذا أردنا أن نؤصّل و نجذّر العدل في السلطة القضائية بشكل دائم و شامل، فلا بدّ من مراعاة التقوى و الإنصاف في التعاطي مع القضايا الصغيرة و الكبيرة التي تحال إلى السلطة القضائية، و على الجميع أن يراعي هذا الأمر، من الرأس إلى أسفل القاعدة. و هذه قضية مهمّة للغاية. لأنّها القضية المسؤولة عن إيجاد الثقة.كما أنّ هناك أموراً تقضي على ثقة الشعب، من بينها التشكيك الذي يمارسه بعض الأشخاص ضد السلطة.. أية سلطة كانت، سواء السلطة القضائية أو التنفيذية أو التشريعية. لقد ظهرت بعض العادات السيئة ـ طبعاً هي ليست جديدة، فقد كانت على الدوام، لكنّها الآن أصبحت بفضل وسائل الإعلام أكثر فعالية و شمولية ـ تتمثل هذه العادة السيئة في التشكيك بالتقارير الصادرة عن السلطات. فعندما تصدر السلطة القضائية ـ مثلاً ـ تقريراً، يأتي شخص و يقول: و من قال إنّ هذا التقرير صحيح؟! عندئذٍ تصبح هناك شبهة. و عندما تصدر السلطة التنفيذية تقرير إنجاز، يأتي شخص و يقول: و من قال إنّ هذه الإحصائيات دقيقة؟! فيشكك في التقارير. و مثل هذا الأمر يحصل مع السلطة التشريعية أيضاً. في الحقيقة لا يمكن مصادرة جهود مجموعة بشرية نشطة و فعّالة و سحقها بمجرّد ادعاء أو شبهة لا يعلم قائلها، فهذا خطأ. و لا يخفى فإنّ التصدّي للكلام الصادر من شخص غير قادر على التحكم بلسانه، غير ممكن، لكن على المسؤولين أن يكونوا يقظين. على وسائل الإعلام التي تشعر بالمسؤولية و أن تكون يقظة و لا تشكك بالتقارير الصادرة عن الجهات الرسمية أو الصادرة عن جهات مسؤولة في البلد دون دليل أو برهان. و هذا الكلام كما يُوجّه إلى السلطة القضائية، ينسحب على السلطة التنفيذية و التشريعية أيضاً. ذلك أنّ التشكيك يصادر الجهود. فهذه الأيام نجد تشكيكاً واضحاً في كل ما تصدره السلطة التنفيذية من أرقام و إحصائيات، و كذلك في ما يصدر عن السلطة القضائية، و كذلك سائر الإجراءات و المنجزات التي تقوم بها السلطة التشريعية، و هذا بطبيعة الحال يقضي على ثقة الشعب. و باعتبارنا مستمعین و مخاطبین بهذه التقارير، لا بدّ لنا من التعاطي معها بحذر، و تلقّيها بالقبول. فمن الضروري تلقي هذه التقارير بالقبول. طبعاً قد يكون هناك تقرير كاذب، أو مزيف، أو خاطئ، لكنّ من الخطأ أيضاً تعميمه على سائر التقارير الأخرى أو استغلاله في التشكيك و الشبهة، لأنّ ذلك يسلب ثقة الشعب من أجهزة النظام، و من مفاصل النظام المختلفة، و يقضي عليها. على المسؤولين الالتفات إلى هذا الأمر. لذلك فإنّ قضية الثقة قضية مهمّة للغاية.و هناك أمر آخر يتعلق بالسلطة القضائية و أدائها و ردود الفعل تجاهها لا بدّ من أخذه بنظر الاعتبار ـ و قد أشار إليه السيد رئيس السلطة في حديثه أيضاً ـ و هو: إنّ السلطة القضائية تواجه المتهمين، و بالتالي فإنّ هذه السلطة مكلّفة عن طريق التقيّد بالسبل القانونية بالتحقيق و الفحص و تحديد ما إذا كانت التهمة ثابتة بحق المتهم أم لا. فمجرّد الإتهام ليس جرماً. فمن الممكن توجيه أصابع الإتهام إلى أي شخص. لذلك ما لم يثبت الجرم عن طريق القانون، لا يجوز لأي أحد، لا في السلطة القضائية، و لا خارجها، و لا عبر المنابر الرسمية و لا عبر القنوات الإعلامية، هدر كرامة المسلم، و هذه مسألة خطيرة للغاية. فبعض الأحيان نجد أن البعض يضغط على السلطة القضائية باتجاه الإعلان و كشف مجريات التحقيق. كلا، فما الداعي للكشف. نعم، في موارد خاصة و محدّدة نجد أن الشارع المقدّس قد أراد أن يشهد الناس العقوبة، أو يتعرّفوا على المعاقـَب، و هذه كما قلنا موارد محدّدة، لا تجري على سائر الأحكام. خصوصاً عندما تكون ظاهرة التعميم متفشية في المجتمع، بمعنى أنّهم يأخذون حكماً و يعمّموه على غير مورده، فعلى المرء أن يحتاط كثيراً في مثل هذه الأجواء. فما لم يثبت الجرم لا يجوز حتى توجيه أصابع الاتهام إلى شخص بعينه، لأنكم بمجرّد أن تقولوا فلان متهم، فإن الرأي العام لن يميّز بين المتهم الذي لم يثبت بحقه الجرم، و المتهم الذي قام الدليل و القرائن على تجريمه. ثمّ حتى بعد ثبوت الجرم، ما الداعي للتشهير؟ طبعاً كما ذكرنا هناك موارد محدّدة «و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين»(2). إذن، حتى لو فرضنا أن شخصاً ما قد ثبت تجريمه في محكمة عادلة، و حكم عليه بالعقوبة ـ كأن تكون السجن مثلاً ـ فما الداعي لنشر اسمه في الصحف، و بالتالي يصبح ابنه الذي يرتاد المدرسة غير قادر على الذهاب إليها حياءً أو خوفاً من هدر كرامته؟ فما الضير في أن يقضي المحكوم فترة سجنه، ثمّ يخرج، و يلتحق بأسرته و يعاود حياته بشكل طبيعي؟ إنّه أجرم، و لقي جزاءه، و انتهى الأمر. فهل من الضروري إراقة ماء وجهه و هدر كرامته؟ إنّه موضوع مهمّ و خطير جداً.و لا يخفى فهذا الخطاب غير موجّه للسلطة القضائية فحسب، بل هو موجّه أيضاً للسادة المسؤولين في داخل السلطة و في خارجها، بما في ذلك الجهات الإعلامية. إذن، فكما ينبغي ـ من ناحية ـ تجنّب التشكيك في أداء السلطة القضائية؛ و عدم اتهام كل إجراء يصدر عنها بالخداع و التدليس، كذلك ينبغي ـ من الناحية الأخرى ـ تجنّب التشهير بالأشخاص بمجرّد اتهامهم بشيء و فضحهم أمام الرأي العام. إذ يا ترى ماذا سيجني الرأي العام من ذلك؟ و ماذا سيستفيد إذا علم أن زيداً أو عمراً أو بكراً متهم بالقضية الفلانية؟ إذن لا بدّ من الالتفات إلى هذه الأمور.و قد ذكرت فيما سبق أنّ الضمان في جميع ما تقدّم هو التقوى. و المراد بالتقوى أن نراقب كلامنا، و عملنا، و توجّهاتنا، و سلوكنا. فإنّ أبسط عمل نقوم به يتمّ رصده و تدوينه؛ «فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، و من يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره»(3). فسائر أعمالنا، و ألفاظنا يتم تدوينها؛ ثم نسأل عنها واحدة واحدة. فهناك محكمة عادلة يخضع لها الإنسان، و لا بدّ له من تقديم الإجابة. ينبغي أن لا نحار في الجواب. إذن، فالمراد من التقوى مراعاة هذه الأمور بحذر و دقة.و بحمد الله فقد أحرزت السلطة القضائية، منذ مطلع الثورة الإسلامية و لحد الآن، في كل فترة حكم شهدتها، خطوة إلى الأمام، و في كل مرحلة تقدّماً مهمّاً. و اليوم أيضاً و بحمد الله فالتطوّر الذي تشهده السلطة القضائية و الإجراءات المتخذة من قبلها تبعث على الأمل. و عندما يشاهد المرء هذا النشاط، و هذا العزم، و هذه الروح الإبداعية، و هذا الأمل الذي يحمله المسؤولون في السلطة و يدفعهم للعمل و الحركة ـ بحمد الله حركة علمية إبداعية ـ لا شك أنّه سيسرّ و يسعد بذلك، و هذا هو أمل المستقبل.نسأل الباري تعالى أن يتقبّل منكم جميعاً، و يشملكم بدعاء المولى بقية الله (أرواحنا فداه) و يجعل قلبه المقدّس راضياً عنكم. و نسأله سبحانه أن يتغمد أرواح شهدائنا الأبرار و الروح الزكية للإمام الخميني الكبير بالرحمة و السرور و يرضيهم عنا جميعاً.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1) الأنعام: 116.2) النور: 2.3) الزلزال: 7 و 8. 
2011/06/27

کلمته في جماعة من شعراء و مداحي أهل البیت (ع) بمناسبة ذکری ولادة الزهراء (ع)

بسم الله الرحمن الرحیمالحمد لله رب العالمین و الصلاة و السلام علی سیدنا محمد و آله الطاهرین. اللهم صلّ علی فاطمة و أبیها و بعلها و بنیها.أبارك هذا الیوم الشریف المتلألئ بالأنوار المعنویة لکم جمیعاً أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء مدّاحو أهل بیت الرسول الأطهار، و البلابل المترنّمة في الروضة النبویة و العلویة و الحسینیة. و الحق أنه لمن المناسب أن یبارك المرء هذا الیوم لکم أیها المداحون الأعزاء و القراء في المحافل الدینیة و العاملون علی ترقیق قلوب المستمعین بالمواعظ الإلهیة. نشکر الله علی أن هذه الجلسة تقام سنویاً منذ أعوام - و ربما منذ حوالي ثلاثین عاماً - في مثل هذا الیوم، و ربما یعود ذلك إلی ما یربو علی عمر بعض الحضور المحترمین. طبعاً نحن نتوسل علی طول السنة بهذه السیدة الجلیلة و نتبرك بذکرها. و الیوم ذکری ولادتها، و بالطبع فإن فرحة ذکری ولادتها یضاعف من توجّهاتنا و ذکرنا و خشوعنا القلبي إن شاء الله.و اقتران هذه المناسبة بذکری ولادة الإمام الخمیني - في یوم العشرین من جمادي الثاني - حالة جد طیبة بالنسبة لنا. کان هذا الإنسان الجلیل الذي أدرکنا محضره طوال أعوام نموذجاً حقیقیاً لتلك الحقیقة العظمی و المتألقة التي سمعناها عن الأئمة العظماء و علمناها من الآثار و حملناها في خواطرنا عن أمّ الأئمة النجباء (سلام الله علیها). طبعاً یجب عدم المقایسة و لا یمکن المقارنة، و لکن علی کل حال کانت هناك نفس العلامات و كان هناك السیر في نفس الطریق لدی هذا الإنسان الجلیل، و کان فیه ذلك الإیمان و الإخلاص و العبادة و الغیرة و الصبر و الثبات في سبیل الله. الأمور التي أعزّت إمامنا في الأرض و السماء و عند عباد الله المخلصین هي هذه الخصوصیات. هذا أیضاً عید مضاعف. و قد تزامن هذا العید في هذه السنة مع الثالث من خرداد، و هذه بحد ذاتها قصة. هذا الأخ العزیز الذي یبدو حسب الظاهر أنه معاق قرأ هذه الأشعار الجزلة هنا و هي ذکریات من تلك الأیام.. أیام الدفاع المقدس. و بالتالي فالیوم من تجلیات الدفاع المقدس، و هو یوم کبیر علی کل حال.من الخصوصیات البارزة في ثورتنا هو الذکر المتکرر المضاعف لاسم السیدة فاطمة الزهراء المبارك (سلام الله علیها) و الاسم المبارك لسیدنا بقیة الله الإمام المهدي المنتظر (صلوات الله علیه). هذان الاسمان المبارکان تکررا طوال فترة الثورة بمناسبات مختلفة أکثر من سائر المعارف الإلهیة الإسلامیة و المعارف الشیعیة، و هذه بحد ذاتها ظاهرة. خلال فترة ما قبل الثورة الإسلامیة لم یکن الاسم المبارك للسیدة الزهراء (سلام الله علیها) یتکرر بهذه الدرجة لا في المحافل الدینیة و لا في الأجواء العامة و لا في لغة الشعراء و الخطباء و الخواص و العوام و سواهم. کان هناك متدینون و مجالس و محافل و خطباء، و کان اسمها المبارك یذکر، و لکن لا بهذا الشکل و السعة و عمق النظرة. و هذا شيء لم یعلمه أحد للناس. أي إننا لم نطرح هذه القضیة في شعاراتنا و في کلامنا. إنما هي ظاهرة إلهیة و أمر نابع من القلوب و العواطف و الإیمان. لم یقل أحد - لا الإمام الجلیل و لا کبار شخصیات الثورة - للمقاتلین خلال فترة الدفاع المقدس أن اختاروا اسم «یا زهراء» لهجماتکم، أو إعصبوا جباهکم بعبارات «یا زهراء». و لکن كلما نظرتم وجدتم الاسم المبارك للسیدة الزهراء یطرح و یذکر أکثر من کل الأسماء المطهرة و المباركة الأخری طوال فترة الدفاع المقدس. و کذلك الاسم المبارك لسیدنا بقیة الله (أرواحنا فداه). هذان الاسمان نبعا هکذا من القلوب و الإیمان و العواطف في فترة الثورة بشکل طبیعي و من دون أوامر و تعمیمات أو دراسة مسبقة. و هذه علامة مبارکة.. علامة توجّه سیدة العالمین و تلك المخلوقة الملکوتیة الإلهیة المنقطعة النظیر في ساحة الوجود من حیث النور الذي تحمله بعد والدها العظیم و الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام). و قد کان بعض أهل المعنی یشیر إلی هذا التوجّه الخاص. سمعنا من البعض قولهم إن سیدة العالمین لها توجّه خاص. و هذا شيء قیّم جداً و باعث علی الأمل و یربط علی قلوبنا و یزیدنا ثقة و طمأنینة في أعماق أرواحنا بالوصول إلی الأهداف النهائیة. و بذلك تتخذ الخطوات برسوخ و ثقة. حینما ینظر المرء إلی الهدف و یعرف هدفه لن یکون الوصول إلی ذلك الهدف أملاً ساذجاً في نفسه. إنه فرد صاحب أمل و یقطع خطواته برسوخ و لا یضیّع الطریق، و لا یمیل یمیناً أو شمالاً.من أهم خصوصیات الثورة الإسلامیة في إیران أنها طوال إثنین و ثلاثین عاماً و رغم صعوبة الطریق و طوله و رغم کل هذه المضایقات و المعارضات و سیاسات التصدي المتنوعة ذات الأشکال المختلفة و الجوانب المتعددة فإنها لم تنحرف عن هذا الخط المستقیم حتی بدرجة قلیلة. الشعارات نفس الشعارات و الأهداف نفس الأهداف و الخط نفس الخط و الطریق نفس الطریق. ببرکة الکلمات الواضحة و البلیغة لإمامنا الجلیل - و هي مسجلة لحسن الحظ - لا یوجد مجال للتفسیر و التأویل.. الطریق طریق مستقیم و الثورة سائرة في هذا الطریق. و أقولها لکم: طالما کانت خطواتنا أنا و أنتم راسخة و أعیننا مسمرة علی الهدف و طالما سرنا یحدونا الأمل فلن تستطیع أیة قوة في العالم سدّ الطریق بوجهنا، و لهذا أکبر الأثر في إنماء براعم الأمل في قلوب المسلمین و الشعوب الإسلامیة.حینما تقع الثورة تُفرِح الکثیرین في العالم. هکذا هي کتل الجماهیر عادة. أتذکر أن دکتاتور إسبانیا فارق الحیاة خلال فترة القمع. و مع أن وفاته لم یکن لها أي علاقة بنا لکننا فرحنا هنا في طهران أو في مشهد، و کأن الأمر کان بالنسبة لنا حفلاً زوال ذلك الدکتاتور الذي حکم لسنین في إسبانیا. أو حینما فارق الحیاة دکتاتور آخر في البرتغال - و الضجة في هذه البلدان الآن علی أشدّها و الحرکة حرکة عظیمة - فرحنا نحن هنا. إذن، حینما تحدث الثورات یفرح کل إنسان في قلبه أمل و طموح و فکرة سامیة و یعیش آلاماً من الواقع المحیط به و من النظام الذي یسوده. و حینما وقعت ثورتنا فرح لها الکثیرون. و لکن في الکثیر من هذه الظواهر لا تستمر الفرحة طویلاً. تقع أحداث تزیل تلك الأفراح. و الأمر مختلف من حالة إلی حالة. أحیاناً یستمر الأمر عشرة أعوام و أحیاناً عشرین عاماً، و أحیاناً لا یستمر الأمر حتی لهذه المدة فتنحرف المسیرة.في عقد الستینات المیلادیة تقریباً وقعت ثورات في بلدان شمال أفریقیا - في مصر و السودان و تونس و الجزائر - لکنها لم تستمر طویلاً. إما أن الذین کانوا علی رأس الأمور و الممسکین بزمام الثورة إزیحوا بشکل من الأشکال، و ترکوا مواقعهم للعملاء، أو إنهم أنفسهم أصبحوا عملاء. زخارف الدنیا لا تترك البشر لحالهم.. إنها وساوس تعمل و تنشط باستمرار في قلوب الناس. لو لا دروع التقوی لترکت هذه العوامل تأثیرها في البشر بسرعة فیتغیّر الطریق. لذلك تتفتح الآمال نتیجة وقوع الثورات لکنها تتحول بعد ذلك إلی کآبة نتیجة حالات النکوص و التراجع.. ربیع عاجل یأتي و یزول.خصوصیة هذه الثورة الإسلامیة العظیمة التي فجرتموها أیها الشعب الإیراني هي أن ذلك الربیع لم یتخلله خریف لحد الآن. هذا الصمود و هذا الثبات و هذا الاستمرار و هذا الالتزام بالقیم و الأصول التي جاءت بها الثورة للشعب هي الأمور التي تکرّس الآمال في قلوب الذین یشاهدون هذه التجربة في کل أنحاء العالم. و هذا ما حدث في ثورتنا.لیست القضیة أننا نرید أن نمدح أنفسنا اعتباطاً و نغترّ بأنفسنا و ننسب لأنفسنا مفاخر فارغة و نقول إن البلد الفلاني تعلم منا و البلد الفلاني تعلم منا، لا، لم یتعلم أي بلد منا، و لکن من الأکید أن بذرة الأمل التي نثرت في قلوب الشعوب و غرست و سقیت و نمت و أزهرت ناتجة عن صمود الشعب الإیراني. لو تراجع الشعب الإیراني، و لو تنازلنا عن شعاراتنا، و لو انتابتنا الرجفة و الفزع أمام لغو الاستکبار العالمي و تهدیداته و ضغوطه لذبلت و ماتت ورود الأمل التي نمت في قلوب الشعوب. صمودکم هو الذي سمح بنماء غرسات الأمل هذه، و هذا ما حصل بفضل المعنویات الإلهیة التي توفرت لنا عن طریق أهل البیت (علیهم السلام) و الاسم المبارك للزهراء الطاهرة و الاسم المبارك لسیدنا بقیة الله و توجهاته علیه السلام. هذه أحوال یجب أن نحافظ علیها و نمسکها بأیدینا بقوة. یجب أن نحافظ علی هذا التوجه لأهل البیت (علیهم السلام) و التوسل بهم، و علی شعورنا بأن کل ما لدینا إنما هو من الله، و عدم الاغترار بأنفسنا.المسألة الأخری تتعلق بمهنة مدح أهل البیت (ع) الجملیة الظریفة، و من بین الحضور في هذه الجلسة إن لم یکن الجمیع فلا شك أن جماعة کبیرة منهم من المداحین المحترمین. إنني في هذه المناسبة و مناسبات أخری و علی مدی سنوات طویلة ذکرت الکثیر حول هذا الموضوع، لکنني أؤکد مرة أخری. الشعر الذي تقرأونه بصوت حسن و ألحان جمیلة له في أحیان کثیرة تأثیرات أکبر من المحاضرات العلمیة المنطقیة الفلسفیة أو غیر الفلسفیة، هذا في حال تم اختیار ما یقرأ بشکل صحیح و بملاحظة الجوانب الصوریة و المعنویة فیه. الجوانب الصوریة هي جمالیات الشعر. ینبغي اختیار الشعر بصورة صحیحة و جیدة. الشعر من المصادیق البارزة للفن. لیس کل ما ینظم شعراً. للشعر خصوصیاته. ینبغي اختیار الشعر. و لحسن الحظ لدینا شعراء جیدیون.. شعراء ینظمون بأسالیب و لغات مختلفة عن أهل البیت (علیهم السلام)، و ینظمون أشعاراً جمیلة جزلة جیدة. و حینما تطلبون أنتم هذه الأشعار فإن الطلب یستتبع العرض. إذن الشعر الجید و اللحن الجید و الصوت الجید عناصر مهمة. طبعاً الألحان الجیدة لا تعني تقلید موسیقی اللهو المضلة عن سبیل الله، هذه نقطة خذوها بنظر الاعتبار. بعض الألحان ألحان سیئة و خاطئة و لهویة، و یجب عدم إدخالها إلی مجال مدح أهل البیت (عليهم السلام) و القراءة لهم. ما من ضیر في أن تبتکروا أشکالاً جدیدة في قراءة الأشعار و الألحان المتنوعة، و لکن تجنبوا هذا التشابه و التداخل. و أقصد طبعاً الألحان و الأنغام اللهویة المضلة عن سبیل الله و لا نمنع أي لحن قرئ لمضمون آخر، لا، إنما نقصد ألحان اللهو المضلة عن سبیل الله. هذه لا تستخدموها.المسألة الأخری هي المضمون. أفضل الأشعار التي یمکن للمرء أن یقرأها من علی منبر مدح أهل البیت هي تلک التي تتضمن مناقب أهل البیت (علیهم السلام). ذکر مناقبهم ينیر القلوب و يفرحها و يثیر أشواق الإنسان و يجری الدموع من العیون. و نقصد بها طبعاً المناقب المتقنة الثابتة، إذ یجب أن لا یعتمد الإنسان علی الکلام الضعیف. یوجد هذا الکم الهائل من مناقب أهل البیت (علیهم السلام) في الکتب المعتبرة فلیستفاد منها و من أقوال الأشخاص الذین یعدون بحد ذاتهم سنداً و ثقاة، کهذا الشعر الذي قرأه أحد السادة للمرحوم الشیخ محمد حسین أصفهاني (مفتقر). و هذا الرجل الجلیل أستاذ المجتهدین، و کبار المجتهدین و مراجع التقلید العظام تلامذته في الفقه و الأصول و الفلسفة. و کان أیضاً شاعراً. و مثل أشعاره ستکون موثوقة. أو الروایات المختلفة الموجودة في کتب المناقب و سیر الأئمة (علیهم السلام) المعتبرة. إذن جانب من القضیة یتعلق بمناقب أهل البیت (علیهم السلام). و الجزء الآخر هو النصائح، و یمکن استلهام هذه النصائح من سیر أهل البیت أنفسهم. نحن الیوم بحاجة للنصیحة. نحتاج إلى النصيحة من أجل تنمية الأخلاق في المجتمع و لنشر الأخلاق الحميدة و لرفع روح التعاطف و الأخوة و الصفاء المحبذة في المجتمع الديني. فمِن مَن نتعلم هذه الأمور؟ أسس الأخلاق و أركانها موجودة في كلمات الأئمة (عليهم السلام) و سلوكهم. لننمّي الأخلاق في المجتمع و ندعو الناس إلى الخير و الأمل و التعاون و الأخوة و الصبر و الحلم و الشكر و الإحسان و الإيثار و التجاوز. و ندعوهم كذلك إلى اجتناب الأخلاق الذميمة و ضيق النظر و اليأس و التشاؤم و النوايا السيئة تجاه هذا و ذاك، و الحسد و البخل و باقي السيئات الأخلاقية. و إذا تمّت هذه العملية بلغة‌ الشعر لكانت أفضل بكثير من لغة النثر و النصيحة العادية.خطيب مثلنا إذا نصح الناس فلن يكون من المعلوم أنه سوف يؤثر تأثيراً عميقاً. و لكن حينما يقرأ القارئ نفس هذا المضمون على شكل شعر جميل و جيد و بلحن جيد فسيكون كالماء العذب الذي يشربه الإنسان و تنتفع منه جميع خلايا جسمه و يؤثر في أعماق وجوده. طبعاً يجب تكرار الأخلاقيات، فالأقوال تؤثر و الاستماع يؤثر بيد أن هذا التأثير ليس دائمياً و أبدياً. ثمة مؤثرات أخرى في المجتمع تعمل بالاتجاه المعاكس. لذلك يجب ذكر الأخلاقيات و إعادة ذكرها و تكرارها.و جزء آخر من القضية هو التوعية و منح البصيرة في شؤون الحياة. أنا طبعاً لا أوافق أن يجري التعرض لهذا و الإساءة إلى ذاك باستمرار من على منابر مديح أهل البيت، و لا أحب هذا الأمر، لكن منح البصيرة و توعية‌ الناس أمر جيد. بفضل البصيرة استطاع شعبنا اليوم أن يصمد و يقاوم. يعلم شعبنا أية‌ مؤامرات تحاك ضده، و من الذين يتآمرون ضده، و ما هو الهدف من هذه المؤامرات، و ما الشيء الذي يستآؤون منه في الشعب الإيراني.. هذه أمور يعلمها شعبنا. الشعب الإيراني يعلم أن روح الإيمان و الإسلام و طلب الحرية‌ و الاستقلال و الصمود على هذا السبيل تغضب العدو. شعبنا يعرف العدو، و قد تعلمنا جميعاً أساليبه بالتدريج و أدركنا ما هي أساليبه. هذه البصيرة شيء قيّم جداً. لو لا هذه البصيرة لما صمد شعبنا و قاوم. و الإعلام الذي يبثه العدو، سواء‌ الذين يمارسون هذا الإعلام مباشرة أو الذين ينفخون في أبواقهم المؤجّرة و يتحدثون بالنيابة‌ عن أولئك.. كل هذا الإعلام من أجل سلب الشعب بصيرته و تشبيه الأمور على الناس و إبعادهم عن إيمانهم و إسلامهم و استقامتهم و صمودهم في هذا السبيل و معرفتهم الصائبة لأحداث الحياة. و بالإمكان تخصيص جانب من مجالس مديح أهل البيت (عليهم السلام) لهذه الأمور. فتشوا عن الأشعار المناسبة لهذه الموضوعات و اختاروا الجمل المناسبة. و في اللحظات المناسبة قد تكون الكلمة‌ الواحدة‌ أحياناً مؤثرة في القلوب بمقدار كتاب. حاولوا التأثير في القلوب. و أرى اليوم للإنصاف أن جماعة مداحي أهل البيت قد تقدمت بهذا الاتجاه تقدماً كبيراً لحسن الحظ.. بعض المجالس نوفق لسماعها، أو تقام هنا، أو تبث أحياناً من التلفاز.و النقطة الأخيرة هي أن صاحب مهنة مديح أهل البيت (عليه السلام) الذي منح نفسه فخر العمل و الخدمة‌ في هذا السبيل إذا أراد الجمع بين كل هذه الخصوصيات يحتاج أولاً إلى المطالعة و القراءة. هناك حاجة‌ للمطالعة و القراءة‌ و التزود. طبعاً المداحون القدماء‌ كانوا ملتزمين بأن يقرأوا عن ظهر خاطر و كانوا يعتبرون أنه من غير المناسب القراءة عن الأوراق. و لحسن الحظ فإن الأمر ليس كذلك اليوم. ليس من الضروري أن ينفقوا ساعات من وقتهم لحفظ قصيدة شعرية، لا، يمكن القراءة عن الورق. و كذلك أهل المنبر. في فترات شبابنا و حداثتنا لم نر أبداً رجل منبر يخرج من جيبه ورقة و يقرأ الأحاديث عنها. كانوا يعتبرون هذا الشيء غير لائق. و كان المرحوم الشيخ فلسفي (رضوان الله عليه) من حطم هذا التقليد، فأخرج من جيبه ورقة و قرأ الأحاديث عنها. و كان واعظاً من الطراز الأول في البلاد. و تعلم الوعاظ الآن هذه الطريقة. من أجل أن يقرأوا بصورة صحيحة و مناسبة‌ و من أجل أن يقرأوا ما يريدون أن يقرأوه يخرجون من جيوبهم أوراقاً يقرأون منها الأحاديث.. يقرأون الشيء الذي كتبوه.. يقرأون الشعر. هذه حالة‌ تسهل العملية‌ كثيراً. و كذا الحال بالنسبة لمديح أهل البيت، فالشرط الأول هو المطالعة‌ و تسجيل رؤوس النقاط و الملاحظات، و التحدث عن مطالعة‌ و دقة و دراسة.الشرط الثاني هو التعرف في مطالعاتكم على القرآن و الأحاديث. الأنس بالقرآن و مصاحبته ضروري للجميع. هذا ما نوصي به الجميع، و جميع الشباب في بلادنا. و قد أصبح هذا هو الواقع في بلادنا حالياً لحسن الحظ. يرى المرء بين الطلبة‌ الجامعيين و بين طلبة العلوم الدينية ‌و بين الشباب من غير الطلبة‌ الجامعيين و الحوزويين أفراداً يصاحبون القرآن، و بعضهم يحفظون القرآن، و بعضهم ممن لا يحفظ القرآن يفهم القرآن على الإجمال. أي إنه يفهم المضمون رغم عدم علمه بكل التفاصيل. هذه حالة‌ مغتنمة جداً.حينما يقارن المرء الواقع اليوم بما كان عليه قبل عشرين عاماً أو خمسة و عشرين عاماً يرى أن هناك فرقاً كما بين الأرض و السماء. و الحساب قد خرج عن حصر الكثيرين. و لأنني مهتمّ بهذه المسألة لم يخرج الحساب عن حصري و يدي، و أدري ما الذي حدث و يحدث في ما يخصّ حالة مصاحبة القرآن. في السابق حينما كان القارئ يقرأ القرآن لا يفهم في كثير من الأحيان معنى الآيات، فيقطع حيث يجب أن يصل و يصل حيث يتوجب عليه أن يقطع. أما اليوم فالأمر ليس كذلك على الإطلاق، و الجميع يعرفون هذه المسائل. و بالتالي فالتعرف علر القرآن و الأحاديث هي توصيتنا للجميع. لكن جماعة‌ المبلغين الدينيين و مداحي أهل البيت (عليهم السلام) معنيون بهذا الكلام على وجه الخصوص. تجب مصاحبة‌ القرآن و الاستئناس به. إقرأوا القرآن حتماً و بملاحظة الترجمة و أخذها بنظر الاعتبار. و احفظوا هذه الترجمة في أذهانكم. الآيات التي تتضمن نصائح و معارف سجلوها و استفيدوا منها و اذكروها و اعملوا بها. و كذا الحال بالنسبة للأحاديث.و لحسن الحظ فإن كتبنا الحديثية‌ المعتبرة‌ ترجمت جميعها حالياً. فـ «الكافي» مترجم، و «من لا يحضره الفقيه» مترجم، و «نهج البلاغة» مترجم، و كلمات السيدة‌ فاطمة‌ الزهراء (سلام الله عليها) مترجمة. أي إن هذه النصوص لم تعد تختص بالذين يجيدون العربية، لا، من يجيد العربية و من لا يجيد العربية‌ كلهم يستطيعون الاستفادة من هذه الكلمات. و هذه فرصة ثمينة و يجب الاستفادة من مثل هذه الفرص. إذن توصيتنا هي تلاوة القرآن الكريم و مصاحبته و الأنس بالأحاديث و التعرف على معارف أهل البيت عن طريق الأحاديث، و فوق كل هذا التوجّه إلى الله تعالى و الحفاظ على الأواصر بين القلب و الذات الأحدية المقدسة‌ و تقويتها بالدعاء و التوسل و الذكر و الخشوع و النوافل من الصلوات.إذا تم الحفاظ على هذه الأواصر و تعززت فسوف تعالج كل المهمات الصعبة تدريجياً. هذا هو أساس الأمر. أواصر الارتباط بمقام الأحدية - و هي الخشوع و الذكر و التوسل - مرتبطة و متصلة بأهل البيت (عليهم السلام). و لا يمكن التفكيك بين ذا و ذاك - «من أراد الله بدأ بكم» (1) - و هناك أدعية‌ الصحيفة السجادية‌ و المناجاة الخمسة عشر و شتى الأدعية و المناجاة التي تصفّي الفؤاد و الذهن و تجعله فعالاً نشيطاً. كثير من المعارف يكتسبها المرء‌ عن هذا الطريق.نتمنى أن يوفقكم الله.. و الكلام كثير لكن الوقت لا يتسع.. سعدنا اليوم كثيراً بلقاء‌ السادة و الاستماع لكلمات الأجلاء.اللهم بحق محمد و آل محمد اجعلنا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام). ربنا اجعلنا من الشيعة الحقيقيين لسيدتنا الزهراء (سلام الله عليها). اللهم وفق الشعب الإيراني في كل المجالات و الميادين. ربنا عجّل فرجك لكل المسلمين و لشيعة البحرين و لكل المستضعفين في العالم. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (عج) و أشملنا بأدعيته.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - مفاتيح الجنان، زيارة الجامعة الكبيرة.
2011/06/26

کلمته علی أعتاب ذکری ولادة الإمام علی (ع) فی شعراء و مداحی أهل البیت (ع)

بسم الله الرحمن الرحیمأولاً استمتعنا بالأشعار التی قرأها الأعزاء، و خصوصاً بعض الأشعار تضمّنت جمیع المعاییر و الموازین المبهجة و السارّة باتجاه تطوّر الشعر. ثانیاً ما یشاهده المرء فی هذه الجلسة، و جلسات أخری بعض الأحیان، هو وجود مواهب جد رصینة و غنیة و باعثة علی الأمل. إننی أخمّن أن یکون لنا فی المستقبل غیر البعید جداً إن شاء الله ذروة شعریة أخری بفضل هذه المواهب الشابة. و طبعاً یجب علی هؤلاء الشباب أن یتقدموا و یستکملوا مواهبهم.. ینبغی تنضیج هذه المواهب و تعمیقها، و هذا ما سیحصل بالتأکید. سوف ینهض فی فترتنا إن شاء الله صرح رفیع یذکِّر بفترات ذروة الشعر فی بلادنا، فقد کان للشعر علی امتداد الحقب التاریخیة منعطفات و صعود و هبوط، و قد بلغ الشعر فی بعض الفترات ذروته و أوجه. و سوف یتحقق هذا لنا إن شاء الله فی مستقبل غیر بعید جداً.هناک عدة نقاط أذکرها کتوصیات للإخوة باعتبارها مناسبة لهذه الجلسة. من هذه النقاط أن هذا الشعر الذی أطلقتم علیه اسم الشعر الدینی، و هی تسمیة لیست غیر مناسبة، من أفضل المجالات لتوظیف القریحة الشعریة و هذه الموهبة العظیمة التی منّ الله بها. هذه القریحة نعمة کبیرة یعطیها الله للإنسان، و یجب عدم کفرانها. و شکر هذه النعمة یکمن فی أن یستخدم الإنسان هذه القریحة لإنتاج شیء یعرضه علی الناس و الأفکار، و یکون هذا الشیء مفیداً. و لا أرید أن أقول بتصلب و جمود و بصرف النظر عن انتفاع المستمع و استفادته أن لا یفکر الشاعر باختلاجات فؤاده و لا یعبِّر عن ما یجول فی خاطره و مشاعره، لا، لا إشکال فی هذا. أی إننا لا نروم رفض أن ینظم الشاعر شعره من صمیم قلبه و لأجل قلبه. لکننا نرید القول علی مستوی التقییم إنه إذا کان المفترض أن یکون للشعر مضامین و محتوی فأفضل محتوی هو المحتوی الدینی بمدیاته الواسعة المترامیة.حتی فی جوانب من الأشعار الغنائیة لحافظ الشیرازی هناک شعر دینی. و بالطبع فأنا لا أعتقد أن کل أشعار حافظ الغنائیة علی هذا الغرار، لکن جزءاً مهماً من أشعاره هو فی الحقیقة شعر دینی بهذا المعنی الذی نقصده. أی التعبیر عن المعارف و الحقائق الإلهیة فی قالب خاص. کما أن المثنوی للمولوی أیضاً کنز من هذه الأفکار و المعارف الإلهیة. إذن تعدّ هذه المضامین تعدّ أفضل موضوع للشعر. طبعاً، حینما ینظر المرء لتاریخ الشعر یجد أن هذا التقید و الالتزام لم یراع من قبل الشعراء علی امتداد التاریخ، أی إنهم بذلوا هذه الجوهرة الفریدة - أو «درّ دری» علی حد تعبیر ناصر خسرو - علی أقدام الخنازیر، و مدحوا و أنتجوا أشیاء تافهة لا معنی لها، و بعضهم استخدمها للتعبیر عن معان مبتذلة و حسیة و شهوانیة. و هذا فی الحقیقة إسراف و توظیف للقریحة الشعریة فی غیر محلها.طبعاً لیسوا قلائل بین شعرائنا أولئک الذین استفادوا من هذه القریحة إلی أقصی الحدود و أنتجوا أفضل الأشعار. لدینا من هؤلاء الشعراء فی مختلف العصور. لدینا أمثالهم فی زماننا و فی الأزمنة الماضیة و علی شتی الأسالیب و المدارس. منذ العهود القدیمة کان لدینا شاعر مثل سنائی و ناصر خسرو. لقد استخدم هؤلاء هذه القریحة و قاموا للحق و الإنصاف بما یجب أن یقوموا به. و لدینا کذلک سعدی الشیرازی. و کذا الحال بالنسبة للأحقاب اللاحقة، إذ لدینا شاعر مثل صائب التبریزی. طبعاً لیست قلیلة أشعار صائب غیر المتقیدة بالمعانی و المعارف السامیة، لکن لدیه للحق و الإنصاف أیضاً غیر قلیل من الشعر الطافح بالمعارف. نظم هؤلاء أشعاراً أخلاقیة و معارفیة و بأعلی المستویات و بأفضل الأشکال التی یمکن للمرء حقاً أن یذکر بها الشعر الغنائی. و کذا الحال بالنسبة للشاعر بیدل دهلوی. و کل دیوان بیدل تقریباً هو من شعر المعارف. ذات مرة قبل سنوات أوصیت الأعزاء من مداحی أهل البیت بأن ینظروا فی دیوان صائب و یفتشوا فیه عن الشعر الأخلاقی و الشعر المعارفی و الشعر العرفانی، و مثل هذه الأشعار لیست قلیلة فی دیوانه. إنها مضامین جد ناضجة و تنیر القلوب.یقول مثلاً:در هیچ پرده نیست نباشد نوای توعالم پر است از تو و خالیست جای توهر چند کائنات گدای در تواندهیچ آفریده نیست که داند سرای توما ستار یخلو من صوتک و أنغامکالعالم ملئ بک و مکانک مع ذلک خالٍ منکمع أن الکائنات کلها فقراء واقفون ببابک و لکن ما من مخلوق یعلم أین دارک و بابکلاحظوا أیة ثورة سیخلق المداح فی قلوب المستمعین حینما یقرأ بصوته و لحنه الجمیل هذه الأبیات فی مجلس من المجالس. ینبغی الاستفادة من هذه الأشعار. و کذا الحال بالنسبة للآخرین.و أضیف هنا - و قد دوّنت هذه النقطة لکننی سأذکرها الآن - أن بعض السادة المداحین یقولون لنا إننا حین نقرأ الأشعار الفاخرة الرفیعة المستوی فإن الناس لا یفهمونها. نعم، بعض الأشعار هی من هذا الطراز فعلاً، أی إنها أرفع من المستوی الفکری العام للناس، و حتی الإنسان الأدیب الشاعر صاحب الذوق یجب أن یدقق حتی یدرک معانیها. نحن لا نوصی بهذه الأشعار، و لکن لاحظوا أن ذهنیات الناس و تلقی المخاطبین یرتفعان بما تقرأونه لهم. هذا ما أقوله لمداحی أهل البیت، فأنتم تستطیعون رفع المستوی الذهنی للناس. لتُقرأ الأشعار الجیدة و الألفاظ الجمیلة و المضامین الرفیعة و المعارف المتینة. و الناس مضطرون بالتالی للاستماع، إذ حینما تقرأون جیداً سوف یستمعون و سوف یرتفع مستوی ذهنیاتهم طبعاً. لا بد أن نجعل هذا من جملة واجباتنا بأن نرفع من مستوی رؤیة الناس و أذواقهم و تأملاتهم.النقطة التالیة هی أن المناجاة جزء من الشعر الدینی. لیس الشعر الدینی مجرد المدح و المراثی، فالمناجاة أیضاً جزء من الشعر الدینی. و من أجل أن نجد مضامین المناجاة بشکل جید و صحیح فإن الأدعیة هی خیر مرجع و مصدر لنا. لیطالع الأعزاء الصحیفة السجادیة و یستأنسوا بها. هذه القرائح التی أراها فیکم تستطیع أن تستفید بنحو جید جداً من مضامین الصحیفة السجادیة و تصبّها فی قوالب الأشعار الجمیلة جداً. المرحوم بهجتی أردکانی - صدیقنا القدیم - نظم جانباً من دعاء أبی حمزة الثمالی شعراً قبل ثلاثین أو أربعین عاماً، و قد قرأ منظومته لی. و کانت المضامین التی نظمها هی الأجزاء الصعبة من الدعاء - فتعابیر الدعاء هناک صعبة و مضامینه صعبة - و مع ذلک استطاع تحویل ذلک الدعاء إلی منظومة شعریة. و أری الآن بین هؤلاء الشباب قرائح و أذواقاً أعلی من قریحة المرحوم بهجتی. فی نفس هذه الجلسة أری قدرات شعریة أقوی و أحدّ و أقدر من القدرات الشعریة للقدماء و الماضین. بوسعکم تحویل مضامین دعاء عرفة لسید الشهداء (سلام الله علیه) إلی شعر. دعاء عرفة للإمام الحسین دعاء عاشق. و للإمام السجاد أیضاً دعاء فی یوم عرفة - فی الصحیفة السجادیة، الدعاء السابع و الأربعون، دعاء یوم عرفة - و هو أیضاً دعاء عمیق المعانی زاخر المضامین. لکن دعاء الإمام الحسین دعاء عاشق و شیء مختلف. إذا تعرفتم علی هذه الأدعیة و استأنستم بها و دققتم فیها لکان بوسعکم استلهام فقرة واحدة من هذا الدعاء لنظم قصیدة کاملة أو مجموعة أو مقطوعة أو قصیدة غنائیة جد جمیلة. إذن استفیدوا من الصحیفة السجادیة و الأدعیة لنظم أشعارالمناجاة و التوحید.و استفیدوا من الزیارات و خصوصاً زیارة الجامعة الکبیرة لنظم مناقب الأئمة. و بذلک سوف لن تحتاجوا أبداً لخلق مبالغات فی أذهانکم. ما یجب أن یقال حول الأئمة (علیهم السلام) موجود فی الزیارة الجامعة. بمقدورکم اختیار فقرة من فقرات الزیارة الجامعة - و ربما مئات الفقرات - و إنتاج قصیدة غنائیة جمیلة و أصیلة حسب قریحتکم الشعریة و خیالکم و إبداعکم الذهنی. إمکانیات و استیعاب هذه المعارف کبیر إلی هذه الدرجة.استخرجوا المعارف الإسلامیة و القرآنیة السامیة من القرآن الکریم نفسه و من نهج البلاغة و من بعض روایات أهل البیت من قبیل روایات أصول الکافی فی بعض أقسامه. و استأنسوا بهذه المصادر، فالشعر الدینی له مدیات واسعة جداً و بوسعکم التأثیر علی ذهنیة المجتمع. ثمة روایة فی تحف العقول هی توصیة من الإمام الصادق (علیه السلام) لعبد الله بن جندب تشتمل علی أجزاء أجزاء یقول فیها الإمام: یا بن جندب یا بن جندب.. و هی روایة زاخرة بالحکمة. الحق أن کل ما نحتاجه لأخلاقنا الشخصیة و لمعاشرتنا الاجتماعیة و لأنشطتنا العامة و لبناء الحضارة الإسلامیة یمکن أن نجده فی هذه الروایة و نظائرها. و هذا الذی ذکرته إنما هو نموذج و مثال. و النماذج من هذا القبیل کثیرة و باستطاعتکم مراجعتها. إذن أقیموا الشعر الدینی علی هذه المعارف الإلهیة الحقة و بهذه المصادر التی ذکرت.المسألة الأخری هی أن الإنسان حینما یری هذه القرائح و الأذواق المتدفقة یأخذه الشوق و الحماس حقاً. شددوا علی هذه الأمور: أولاً البحث عن المضامین. عندما تریدون التعبیر عن فکرة معینة فیمکن التعبیر عنها بمضامین متنوعة. صناعة المضمون للتعبیر عن حقیقة معینة فن شعری ضخم جداً. و طبعاً فإن قطب هذا الفن و مصدره الرئیسی هو أشعار الأسلوب «الهندی». أشعار صائب، و بیدل، و عرفی، و کلیم. حینما تراجعون أشعار هؤلاء تجدون أن جهاز صناعة المضامین و البحث عن المضامین و العثور علیها واسع جداً. و لحسن الحظ فإن المضامین الجدیدة و الجمیلة لیست قلیلة فی تعابیر الأصدقاء الأعزاء، و هذا ما أراه. یمکن خلع عدة أردیة علی الفکرة، و نسمّی کل ثوب نخلعه علی الفکرة مضموناً. هذا هو المعنی ذو المضمون. إذن أحدی النقاط و المسائل هی مسألة البحث عن المضامین.المسألة الأخری هی التراکیب الجدیدة. فی الفترة الحالیة بعد الثورة دخلت لغة الکلام المتداولة إلی الشعر- و هذا ما لم یکن موجوداً قبل الثورة - طبعاً بأشکال مختلفة، فبعض النماذج قویة رصینة استخدمت اللغة الدارجة بشکل جمیل جداً و بعضها ذات مستویات أدنی. لا إشکال إطلاقاً فی أن نستخدم لغتنا الحواریة الدارجة العادیة للتعبیر عن تلک المعانی و المعارف، و لکن بتراکیب جدیدة و أشکال و مفردات جدیدة.المسألة الأخری هی التعبیر الصحیح. علی الأعزاء أن یتنبهوا لهذه النقطة و هی أن الشعر یجب أن یکون صحیحاً من حیث موازین اللغة و قواعدها. یجب استخدام الأفعال بصورة صحیحة و فی المحل المناسب، کما ینبغی أن یکون ترابط أجزاء الجملة ترابطاً منطقیاً قانونیاً.النقطة التالیة التی أعتقد أنها مهمة لمجموعة الأعزاء الذین ینظمون الشعر الدینی هی مسألة تأثیر المحیط و البیئة علیهم. و طبعاً، لا أقصد البیئة العامة للمجتمع. فمن البدیهی أن تترک البیئة الاجتماعیة تأثیرها علی الفرد. الوضع الاقتصادی و الوضع السیاسی و الوضع الاجتماعی یترک تأثیره علی کل إنسان، و یترک تأثیره علی الشاعر أیضاً، و من الطبیعی أن یترک تأثیره علی شعره کذلک. لا أرید التحدث عن هذا الجانب. البیئات الخاصة و الحلقات الثقافیة الخاصة تترک تأثیرها علی الأذهان. إرید أن أقول لکم أیها الشباب المؤمنون المتدینون الملتزمون المحبون لأهل البیت الذین تتحدثون بحماس و حب عن أهل البیت، و تنظمون الأشعار و تتحدثون بطریقة عاشقة جمیلة عن المعارف الإلهیة و عن التوحید، إحذروا من أن تجرّکم البیئات إلی تجاهات أخری. أی راقبوا أنفسکم بأنفسکم. و شجعوا أنفسکم علی الثبات فی هذا الطریق، و عززوا هذا الثبات یوماً بعد یوم، فالأجواء الشعریة و الفنیة و الأدبیة تترک تأثیرها علی الإنسان.ثمة فی ذهنی مثال أتذکّره دائماً. الشاعر الذی أقصده و الذی سأذکر اسمه الآن شاعر کبیر هو محمد جان قدسی مشهدی. إنه من الشعراء البارزین فی الأسلوب « الهندی» خلال العهد الصفوی - القرن الحادی عشر للهجرة - و شعره من أمتن الشعر. أعتقد أنه من بعد صائب لا یوجد فی ذلک الأسلوب مثل محمد جان سوی واحد أو إثنین من الشعراء. حینما کان فی مشهد کان خادماً للروضة الرضویة المقدسة و من مداحی الإمام الرضا، و کانت أشعاره أشعاراً دینیة و دیوانه ملئ بهذه الأشعار. أنظروا فی دیوان حاج محمد جان، و ستجدون أن مثل هذه القصائد کثیرة هناک. لکنه فی مرحلة لاحقة هاجر إلی الهند، و جالس أمراء الهند و سلاطینها، و اختلط بالبلاط المتهتک غیر الملتزم هناک، فقلبت تلک البیئة هذا الرجل رأساً علی عقب. و هذا ما یمکن أن یلاحظه المرء فی قصائده الغنائیة. إننی کثیراً ما أفکر بهذه الحالة. هذا الشعر لمحمد جان قدسی:پارسا در مجلس رندان نشستن خوب نیستهر که امشب من نمینوشد به ما منسوب نیستدر چنین فصلی که بلبل مست و گلشن پر گل استگر همه پیمانه ی عمر است خالی خوب نیستلیس من الحسن الجلوس بورع فی مجلس الشطارکل من لا یشرب اللیلة لا ینتسب لنافی مثل هذا الفصل حیث البلبل سکران و الروض مکتظ بالأزهارلیس من الحسن أن تعود کؤوس العمر کلها خالیةأی إن البیئة الشعریة استلمته سکیراً شاطراً معربداً شرّیب خمر، بعد ما کان إنساناً ورعاً طاهراً متعبداً ینظم المدیح للإمام الرضا فی مشهد! تلک البیئة هکذا أنشأته طبعاً. لذلک إحذروا من البیئات، و هذا ما یحصل عن طریق ارتباطاتکم و تواصلکم الدائم مع بعضکم. أعتقد أن جلسات الشعراء المادحین لأهل البیت - سواء الشباب أو الرواد و القدماء - مع بعضهم یجب أن تکون متواصلة مستمرة. و هذا لا یعنی أنها لا بد أن تکون جلسة واحدة فقط، لا، ینبغی أن تکون هناک جلسات من أجل تنمیة و ترشید المواهب المتدفقة الشابة فی هذه البیئة.و النقطة الأخیرة هی أن الشعر الدینی قلیلاً ما یتطرق لبعض الموضوعات، و منها الموضوعات ذات الصلة بالثورة و قضایا الحرب و الدفاع المقدس. طبعاً کان الحال جیداً جداً فی فترة من الفترات. السید مؤید نفسه، حینما جاءوا بجثامین الشهداء فی زمن الحرب إلی مشهد، ربما کان ینظم فی کل یوم أو فی کل بضعة أیام قصیدة غزلیة یقرؤها المداحون، و یقرؤها الآخرون. و الآن فإن مکان مثل هذه الأشعار خالٍ. ثمانیة أعوام من الدفاع المقدس کانت من حیث الزمن ثمانیة أعوام، لکنها من حیث استمرارها المعنوی و الفکری و الثقافی قد تستمر لعدة قرون. الملحمة التی برزت فی الدفاع المقدس و الدوافع التی کانت وراء هذه الملحمة و الحوادث التفصیلیة التی وقعت خلال هذه المدة لیست أموراً تنتهی فی غضون عشرة أعوام و خمسة عشر عاماً و عشرین عاماً. و أنتم من جملة الأمناء و یجب علیکم صیانة هذه الأمانة و نقلها للآخرین.طبعاً هناک فی الثورة أحداث متجددة یوماً بعد یوم و یجب التطرق لها جمیعاً، لکن ینبغی فی الوقت ذاته عدم نسیان تلک الأحداث. من الأمور المتعلقة بالحرب و التی تشغل بالی هؤلاء المعاقون الذین یستشهدون بعد مدة، و هذا بحد ذاته موضوع خاص. هذا أمر یختلف عن الشهید الذی استشهد فی الجبهة و نظمت عنه الأشعار. هذا إنسان مرّ بتجربة و تحمل آلاماً و نال بعدها وسام الشهادة. إبحثوا عن موضوعات من هذا القبیل. و کذا الحال بالنسبة لموضوعات تتعلق بالمراثی و مراثی سید الشهداء و واقعة کربلاء. یری الإنسان ألسنة الحال التی تذکر و هی کثیرة، و قد لا تتطابق بعضها مع الواقع، أی إنها لیست من الأمور التی بوسع المرء تأییدها، و لکن ثمة هناک أرضیات. حول مصیبة سیدنا أبی الفضل (علیه الصلاة و السلام) مثلاً یلوح لی أن من الجوانب المهمة و الجذابة التی بمقدورها التعبیر عن هذه المصیبة هو لسان حال والدة سیدنا أبی الفضل.. حیث تقول: «لا تدعونّی ویک أمّ البنین»، أو شعر آخر ینسب إلیها. هذان شعران ترجما، و لم تکن الترجمة لافتة جداً أو قویة. لکن هذا بحد ذاته مجال. أمّ تجلس فی البقیع بالمدینة عند صور قبور أبنائها الأربعة الذین استشهدوا فی کربلاء و تنوح و تنشد و تخلق الملاحم. لیست القضیة کلها ذرف دموع و لطم علی الرؤوس - یوجد أیضاً بالطبع ذرف دموع و لا إشکال فیه - إنما هناک أیضاً ملاحم و حماسة و فخر بهؤلاء الشباب. هذا مجال جید جداً و ینبغی الاستفادة کثیراً من هذه المجالات لذکر المصاب. أو وصف بعض الحالات الروحیة لأبطال کربلاء من قبیل ما قاله عمان سامانی إذ صوّر لحظات سیر الإمام سید الشهداء إلی ساحة الحرب - و لا أدری کم هی واقعیة هذه الصورة لکن قراء التعازی یقرأونها - عندما تأتی السیدة زینب و تقف أمامه و تقطع علیه الطریق و یدور حوار بینهما. استفاد عمان من هذا الحوار لشرح شخصیة السیدة زینب.کای عنان گیر من آیا زینبی؟یا که آه دردمندان در شبی؟هل أنت زینب یا من تمسکین بعنان فرسی؟أم أنت آهات المعذبین فی اللیالی؟ثم یقول: «زن مگو مردآفرین روزگار».. لا تقل إمرأة بل هی صانعة الرجال فی عصرها. لاحظوا أنه یستفید من هذه المناسبة - مناسبة الحوار بین الأخ و أخته - لیسلط الأضواء علی شخصیة السیدة زینب (سلام الله علیها) و یشرحها. هذه مجالات مهمة فلا تکون ألسنة الحال مقتصرة علی بیان ما حصل من أحداث و أحوال لأبطال القصة فی تلک الساعات، إنما یمکن شرح خصوصیات الشخصیات و دقائقهم الروحیة و عظمتهم. هذه کلها مجالات.علی کل حال، أسأل الله أن یوفقکم و یؤیدکم لتستطیعوا التقدم أکثر فأکثر علی هذا الصعید. کان الیوم یوماً طیباً بالنسبة لی. و قد استمتعت کثیراً بالأشعار التی قرأها الأعزاء. إننی أدعو لکم و أرجو أن یجعل الله إذهانکم أنشط یوماً بعد یوم، و قرائحکم أخصبف و ألسنتکم أبلغ، و اتجاهات عملکم أکثر استقامة و أفضل.و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.   
2011/06/15

كلمته في مراسم ذكرى رحيل الإمام الخميني

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.سلام الله و رحمته على‌ الروح المطهرة للإمام الجليل و شهداء‌ الثورة الإسلامية. مرة أخرى يُحيي شعب إيران الذكر‌ى السنوية لإمامنا الجليل بتجديده هذه الذكرى باتجاه مدرسة الإمام و طريقه. يوم الرابع عشر من خرداد من كل عام فرصة لطرح جانب و بُعد من أبعاد الحياة الطاهرة للإمام و خطه المبارك النيّر. و في هذه السنة، تزامن هذا اليوم مع اليوم الأول من شهر رجب المبارك. شهر رجب شهر الرحمة و البركة الإلهية. روي عن رسول الإسلام الكريم أنه قال: «اللهم بارك لنا في رجب و شعبان». (1) هذا الشهر و شهر شعبان ممرّ المؤمنين إلى شهر الضيافة الإلهية شهر رمضان المبارك.و قد تزامنت و اقترنت ذكرى‌ الإمام الخميني هذا العام مع حدث مهم آخر هو الصحوة الإسلامية. الحدث و الملحمة‌ التي كان إمامنا الجليل ينتظرها و يتمناها، و كان قد تفرس بها و أخبر عنها. كان الإمام الجليل قد تنبّأ بصحوة الشعوب المسلمة و قد تفضل الله تعالى و تحقق هذا التفرس، كما تنبّأ بسقوط الاتحاد السوفيتي و حققه الله تعالى.كلمتي اليوم تنقسم إلى جزئين و أتمنى أن أستطيع ذكر هذين الجزئين خلال مدة قصيرة. الجزء الأول مراجعة للدرس الذي أعطاناه إمامنا الجليل و مراجعة لمدرسته الباقية و هي ذخر للشعب الإيراني و رصيد استطاع هذا الشعب بالاعتماد عليه تجاوز المنعطفات الصعبة التي عادة ما تعترض سبيل شعب له مثل هذه المبادئ. و الجزء الثاني نظرة لقضايا المنطقة.حول مدرسة الإمام الخميني يعلم الشعب الإيراني تماماً أن حبّ الشعب للإمام ليس مجرد آصرة قلبية و عاطفية و شعورية، هذا رغم أن حبّ الإمام يموج في القلوب من الناحية الشعورية و العاطفية. لكن هذا الجانب لا يمثل القضية كلها، إنما حبّ الشعب للإمام الجليل بمعنى قبول مدرسته كطريق نيّر و خط واضح لحركة الشعب الإيراني العامة. إنه دليل نظري و عملي يوصل البلد و الشعب إلى العزة و التقدم و العدالة. و قد كان هذا هو الواقع طوال الأعوام الـ 32 الماضية. أي إننا حيثما حالفنا التوفيق و النجاح كان ذلك بفضل العمل بتوصيات الإمام، و حيثما استطعنا السير على ما أشار إليه الإمام حققنا نجاحات و توفيقات كبيرة. الشعب ينظر بهذه العين لطريق الإمام و خطه و تراثه الخالد. لقد استطاع شعبنا خلال هذه الأعوام الثلاثين الصمود أمام أشد المؤامرات. كانت هناك مؤامرات عسكرية أمام الشعب الإيراني و مؤامرات أمنية و مؤامرات اقتصادية - حالات الحظر هذه التي فرضت طوال الأعوام الثلاثين الماضية - و كانت هناك مؤامرات إعلامية - الامبراطورية الإعلامية و الدعائية الواسعة كانت تعمل و تحرّض بكل جهدها ضد الشعب الإيراني - و مؤامرات سياسية. و قد وقف الشعب الإيراني بوجه هذه المؤامرات بفضل مدرسة الإمام و طريقه.مدرسة الإمام رزمة و مجموعة كاملة‌ لها أبعادها، و ينبغي مشاهدة و ملاحظة هذه الأبعاد مع بعضها. البعدان الأصليان في مدرسة إمامنا الجليل هما بعد المعنوية و العقلانية. بعد المعنوية معناه أن إمامنا الجليل لم يكن يسير في دربه اعتماداً على العوامل و الظواهر المادية فقط، إنما كان من أهل الارتباط بالله و أهل السلوك المعنوي و التوجه إلى الله و التذكر و الخشوع و الذكر. و كان مؤمناً بالعون الإلهي، و أمله بالله تعالى كان أملاً لامتناهياً. و في بعد العقلانية كان الإمام يستخدم العقل و التدبير و التفكير و الحسابات و يأخذ هذه العناصر بنظر الاعتبار. و سوف أذكر بعض النقاط حول كل واحدة من هذه الأمور.و ثمة بعد ثالث مستمد من الإسلام أیضاً شأنه شأن المعنوية و العقلانية. عقلانية الإمام كانت مستقاة من الإسلام، و معنويته أيضاً كانت معنوية إسلامية و قرآنية، و هذا البعد أيضاً مستلهم من أصل القرآن و أساس الدين ألا و هو بعد العدالة. ينبغي النظر لهذه الأبعاد مع بعضها. فالتشديد على أحد هذه الأبعاد و عدم الاهتمام للأبعاد الأخری حالة‌ تجرّ المجتمع إلى الطريق الخطأ و الانحراف. هذه المجموعة‌ و هذه الرزمة الكاملة هي التراث الفكري و المعنوي للإمام الخميني. الإمام الجليل نفسه كان في سلوكه يعمل بالعقلانية و بالمعنوية، كما كان مهتماً من أعماق وجوده بالعدالة.و سأذكر لكم نماذج عدة من عقلانية الإمام. النموذج الأول هو اختياره الديمقراطية و أصوات الشعب للنظام السياسي في البلاد، أي الاعتماد على أصوات الشعب. انتخاب الديمقراطية من المظاهر البيّنة لعقلانية الإمام في مدرسته المنقذة الباعثة على الحياة. منذ قرون و الحكومات الفردية متسلطة على بلادنا و حتى في الفترة التي كانت هناك في إيران حالة دستورية و كان القانون نافذاً في البلاد حسب الظاهر، كان استبداد و دكتاتورية الحقبة البهلوية‌ أشد في الواقع و ألذع و أسوء مصاباً من استبداد الماضين. في بلد بمثل هذه السوابق نجح الإمام الجليل في تحويل مشاركة الشعب و الانتخابات الشعبية إلى حقيقة مؤسساتية راسخة. لم يعرف شعبنا طعم الانتخابات الحرة باستثناء فترات قصيرة جداً في صدر الثورة الدستورية. في مثل هذا البلد و في مثل هذه الأجواء كرّس إمامنا الجليل الانتخابات في البلاد مؤسساتياً منذ الخطوة الأولى. سمعتم مراراً أنه طوال هذه الأعوام الـ 32 التي مضت على انتصار الثورة الإسلامية أقيمت حوالي 32 أو 33 انتخابات في البلاد، حيث جاء الناس إلى‌ صناديق الاقتراع بحرية و أدلوا بأصواتهم و شكلوا مجلس الشورى و الحكومة و مجلس الخبراء و المجالس البلدية و ما إلى ذلك. هذا هو أبرز نماذج عقلانية الإمام الخميني.نموذج آخر لعقلانية الإمام و اعتماده على العقل و التدبير هو صلابته و عدم مرونته أمام العدو المهاجم. لم يثق الإمام بالعدو. بعد أن عرف عدو الشعب الإيراني و عدو هذه الثورة بصورة صحيحة وقف بوجهه كالجبل. الذين تصوروا و يتصورون أن مقتضى العقل هو أن يتنازل المرء أحياناً أمام العدو، كان الإمام يسير في الاتجاه المعاكس تماماً لتصوراتهم هذه. عقلانية الإمام و العقل الناضج القويم لهذا الرجل الإلهي كان قد أوصله إلى نتيجة فحواها أن أقل مرونة و تراجع و لين أمام العدو سوف يدفعه إلى التقدم. قلب العدو لا يلين بسبب تراجع الطرف المقابل في ميدان المواجهة. كل خطوة تراجع للشعب المناضل أمام الأعداء معناها تقدم الأعداء خطوة إليه و تسلطهم عليه. هذا من مظاهر عقلانية الإمام الخميني الكبير.و من المظاهر الأخرى لعقلانية الإمام بثه روح الثقة بالنفس و الاعتماد على الذات في الشعب. طوال الأعوام و السنين و منذ بداية هيمنة الغربيين و دخولهم إلى هذا البلد - أي منذ أوائل القرن التاسع عشر للميلاد بدأ‌ الغربيون يتدخلون في إيران - كانوا دائماً يهينون الشعب الإيراني و ينكلون به بواسطة عملائهم و أعوانهم و بتحليلات شتى. كانوا يذلون الشعب الإيراني و يوحون إليه الاعتقاد بأنه لا يستطيع و هو عاجز عن اتخاذ خطوات تقدمية علمية و ليست لديه المقدرة على العمل و الوقوف على قدميه. ساسة النظام البهلوي و من كانوا قبلهم دأبوا على إهانة الشعب الإيراني. كانوا يوحون بأنه لو أمكن التطور و لو أمكن القيام بعمل كبير فيجب أن يقوم به الغربيون، و الشعب الإيراني غير قادر على ذلك. و قد بث الإمام الجليل روح الثقة بالذات في مثل هذا الشعب و كان ذلك بداية تحوّل الشعب الإيراني. مظاهر تقدمنا في الميادين العلمية و في المجالات الصناعية و على مختلف أصعدة الحياة ترجع إلى هذه الثقة بالذات. شبابنا الإيراني و أصحاب الصناعة الإيرانيون و العلماء الإيرانيون و الساسة الإيرانيون و المبلغون الإيرانيون يشعرون اليوم الاقتدار. الإمام العظيم هو الذي كرّس شعار «نحن قادرون» في أعماق روح هذا الشعب. هذا من المظاهر المهمة لعقلانية‌ الإمام الجليل.مظهر آخر لهذه العقلانية‌ هو تدوين الدستور الإيراني. أمر الإمام خبراء الشعب عن طريق الانتخابات بأن يدوّنوا الدستور. الذين دونوا الدستور قاموا بهذا العمل بانتخاب الشعب. و لم يعين الإمام جماعة خاصة تكتب الدستور، إنما ترك هذا الأمر على عاتق الشعب، فانتخب الشعب خبراءه بتشخيصه و معرفته، و قام الخبراء بتدوين الدستور. ثم عرض الإمام هذا الدستور مرة أخرى على أصوات الشعب و أقيم استفتاء الدستور في البلاد. هذا من مظاهر عقلانية الإمام الخميني. لاحظوا أن الإمام ثبّت أسس النظام بهذه الصورة. سواء من الناحية الحقوقية أو من الناحية السياسية أو من حيث النشاط الاجتماعي و من حيث التقدم العلمي أوجد الإمام أركاناً متينة يمكن على أساسها تشييد حضارة إسلامية عظيمة.و من جملة الأمور الدالة على عقلانية‌ الإمام الكبير هو أنه أفهم الناس أنهم هم أصحاب البلد و مالكوه. البلد له صاحبه. هذه عبارة كانوا يقولونها أيام الحكومات الاستبدادية و يكررون إن للبلد أصحابه. و كان مرادهم من صاحب البلد الدكتاتوريين و المستبدين الذين يحكمون البلد. و قد أفهم الإمام الشعب أن للبلد صاحبه و صاحبه هو الشعب نفسه.أما مظهر المعنوية لدى الإمام الجليل فهو بالدرجة الأولى إخلاصه. كان الإمام يقوم بالأعمال لله. منذ البداية كان يقوم بكل ما يشعر أنه من التكليف الإلهي. و لم يتوان عن التضحية في هذا السبيل. عمل الإمام بهذه الطريقة منذ بدء الكفاح في سنة 1341 و كان يتقدم إلى الأمام حسب تكاليفه و واجباته. و قد ذكر للناس و المسؤولين مراراً هذا الدرس و هو أن المهم الواجب. فنحن نقوم بالواجب و تبقى النتائج و حصولها على الله. إذن المظهر المهم للمعنوية في سلوك الإمام هو إخلاصه. لم يقل و لم يفعل شيئاً من أجل أن يثني عليه فلان و فلان. و ما قام به من أجل الله بارك اللهُ تعالى فيه و أبقاه. هذه هي خصوصية الإخلاص. و كان الإمام يكرر هذه التوصية على المسؤولين. كان يأمرنا الإمام بأن نكون من أهل التوكل و الثقة بالله و حسن الظن بالله، و أن نعمل لله. و كان هو من أهل التوكل و التضرع و التوسل و الاستمداد من الله و العبادة. حينما كان المرء يرى الإمام الخميني بعد شهر رمضان كان يشعر بالنوارنية فيه على نحو ملموس. و كان ينتهز فرص الحياة للتقرب إلى‌ الله تعالى و تطهير قلبه و روحه. و كان يأمر الآخرين و يقول:‌ إننا في حضرة الله، و العالم حضرة الله، و مكان للتجليات الإلهية. كان يدل الجميع على هذا الطريق و كان هو نفسه من أهل مراعاة الأخلاق، و يأخذ بأيدي الآخرين إلى الأخلاق. الأخلاق جزء مهم من المعنوية في الإسلام، و الأخلاق هي الابتعاد عن الذنوب، و عن التهم، و عن سوء‌ الظن، و عن الغيبة، و عن سوء الطوية، و عن التفرقة بين القلوب. الإمام الخميني نفسه كان يراعي هذه الأمور و يوصي الناس و المسؤولين بمراعاتها. كان الإمام يوصينا بأن لا نصاب بالغرور، و لا نرى أنفسنا فوق الناس، و لا نعتبرها فوق النقد و خالية من العيوب. جميع المسؤولين رفيعي المستوى كانوا قد سمعوا من الإمام بأنه يجب أن نكون مستعدين لأن يسجلوا علينا عيوبنا و لا نقول عندها إننا فوق أن تكون لنا عيوب و فوق النقد. و قد كان الإمام كذلك. هو أيضاً قال مراراً في كتاباته - خصوصاً في أواخر عمره الشريف - و في تصريحاته إنني أخطأت في القضية الفلانية. و اعترف بأنه أخطأ في القضية الفلانية و الفلانیة، و هذا يستلزم درجة كبيرة من العظمة. يجب أن تكون روح الإنسان كبيرة حتى يستطيع أن يفعل ذلك و ينسب الخطأ لنفسه. كان هذا الجانب المعنوي في شخصية الإمام و أخلاقه. و هذا من الأبعاد المهمة‌ للدرس الذي يعلمنا الإمام إياه.بُعد العدالة بدوره بارز جداً في مدرسة الإمام. و مع أن العدالة تنبع بمعنى من المعاني من العقلانية و المعنوية، لكن ميزة بُعد العدالة من زاوية نظر الإمام الجليل يجعله معروضاً أمامنا بنحو متبلور. منذ بدايات انتصار الثورة أصر الإمام على الاعتماد على الطبقات المستضعفة و كرر ذلك و أوصى بهم. عبارات «الحفاة» و «سكان الأكواخ» من العبارات التي تكررت كثيراً في كلمات الإمام. كان يصرّ على المسؤولين باجتناب الحالة الارستقراطية. كانت هذه من توصيات الإمام المهمة. و يجب أن لا ننسى هذا. آفة المسؤولية و المناصب في نظام يعتمد على أصوات الناس و إيمانهم هو أن يفكر المسؤولون برفاههم الشخصي و بمصالحهم و ما يجمعونه لأنفسهم، و أن تستهويهم الحياة الارستقراطية و يتخبطوا يميناً و شمالاً من أجلها. هذه آفة خطيرة جداً. و قد كان الإمام بمعزل عن هذه الآفة تماماً و أوصى المسؤولين مراراً بأن لا يميلوا للارستقراطية و البهرجة و سكن القصور و لا ينشغلوا بجمع المال و يكون لهم تواصلهم القريب مع الناس. نحن الذين كنا يومذاك من المسؤولين كان الإمام يحبّ أن نكون قريبين من الناس متعايشين معهم مستأنسين بهم، و كان يصرّ على إيصال الخدمات إلى أقصى أنحاء البلاد، و أن يتمتع الناس في المناطق النائية بالخدمات العامة في البلاد. هذه من خصائص بعد العدالة‌ لدى الإمام الخميني. كان الإمام الجليل مصرّاً على أن ينتخب المسؤولون من بين الناس و من صميم الناس و أن لا تكون التبعيات و المحسوبيات ملاكاً لتولي المسؤوليات. المحسوبيات على الشخصيات و على العوائل و حالة القرابات التي كانت بلاءً نزل بهذا البلد في العهدين القاجاري و البهلوي، كان إمامنا الجليل يحذرنا منها أشد التحذیر. أحياناً كان يقول في الثناء على مسؤول من المسؤولين إنه من صميم الناس. و كان يعتبر هذا ملاكاً. من وجهة نظر الإمام فإن الاعتماد على الثروة و على القوة و التنفذ لتولي المسؤوليات من الأخطار الكبيرة التي تهدد البلاد و الثورة. هذه هي أبعاد خط الإمام.إخوتي و أخواتي، أيها الشعب الإيراني العزيز، هذه المدرسة أخذت بأيدينا طوال الأعوام الـ 32 الماضية و اجتازت بنا منعطفات خطيرة. لقد رفعت من مستوى عزتنا الوطنية و شرفنا الدولي. لقد تقدم البلد و اقترب من أهدافه بفضل سيره في هذا الطريق و بمقدار مراعاته لأصول هذه المدرسة. ينبغي علينا المراعاة، و لكن مراعاة كل الجوانب مع بعضها. إذا أراد شخص بذريعة العقلانية عدم مراعاة التقوى أمام الأعداء و السير نحو التبعية لهم فهذا انحراف و خيانة. العقلانية في مدرسة إمامنا الكبير لا تستدعي أن نغفل عن مخادعات الأعداء و كيدهم و مخططاتهم العميقة، و أن نثق بهم و نتنازل أمامهم. كلما تنازل المرء أمام الأعداء فقد رصيده المعنوي العظيم داخل البلاد و بين أبناء الشعب.و في المقابل إذا سحقنا الأخلاق باسم العدالة و باسم النزعة الثورية نكون أيضاً قد خسرنا و انحرفنا عن خط الإمام. إذا أهنّا إخواننا المؤمنين الذين يختلفون عنا فكرياً لكننا نعلم أنهم مؤمنون بأصل النظام و بالإسلام، و آذيناهم باسم النزعة الثورية و العدالة نكون قد انحرفنا عن خط الإمام. إذا أردنا باسم الثورية و السلوك الثوري أن نسلب الأمن من جزء من أفراد المجتمع و البلد نكون قد انحرفنا عن خط الإمام. ثمة في البلاد آراء و عقائد متنوعة. إذا انطبق عنوان إجرامي على تحرك معين أو كلام معين فإن هذا العنوان الإجرامي يجب أن يتابع بالطبع و من واجب الأجهزة المسؤولة متابعة القضية و هي تقوم بذلك، أما إذا لم يكن العنوان إجرامياً و كان هناك شخص لا يريد إسقاط النظام و لا يريد الخيانة و لا يروم تنفيذ دساتير العدو في البلاد لكنه يختلف عنا في الذوق السياسي، فلا نستطيع حرمانه من الأمن و العدالة. «و لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا». يأمرنا القرآن و يقول إن معارضتكم لجماعة معينة يجب أن لا تؤدي بكم إلى عدم مراعاة العدالة و نسيانها. «إعدلوا».. حتى تجاه المعارض يجب أن تعدلوا. «هو أقرب للتقوى» (2).. هذه العدالة أقرب للتقوى. حذار أن تتصوروا أن التقوى في أن يسحق المرء معارضيه تحت أقدامه، لا، العدالة منسجمة مع التقوى. يجب أن نكون كلنا واعين يقظين. و هذا البعد يجب أن لا يهمّش الأبعاد الأخرى.و كذا الحال بالنسبة للبعد المعنوي. نشكر الله على أن جعلنا من أهل المعنوية و التوسل و التوجّه إليه و ذكره. مناخ مجتمعنا طافح بالتوجّه إلى الله. شهر رمضان في بلادنا شهر جدير بأن يتملاه الإنسان و يطيل النظر فيه، إنه ربيع المعنوية. فشبابنا الأعزاء يشاركون في جلسات القرآن و في مجالس الذكر و الدعاء مشاركة نورانية‌ تبعث البهجة و السرور في نفس الإنسان. و في الأيام المقبلة هناك مراسم الاعتكاف التي يقوم بها شبابنا و هي ظاهرة مذهلة.في أيام شبابنا في الحوزة العلمية بقم و في أيام النصف من رجب و هي أيام الاعتكاف المعروفة ربما كان هناك عشرة أو خمسة عشر أو عشرون شخصاً من طلبة العلوم الدينية - و هذا في قطب الحوزة العلمية في قم - يعتكفون في مسجد الإمام. لم يكن هذا الأمر دارجاً مألوفاً. و اليوم يهبّ الآلآف من الشباب الجامعي -بنات و بنين - للاعتكاف في مساجد الجامعات في مختلف أنحاء البلاد فيتعبدون ثلاثة أيام و يختلون بالله و يتواصلون مع ربهم. هذا ناهيك عن المساجد و المراكز الكبرى التي تقام فيها هذه المراسم. هذه هي المعنوية. بلدنا بلد المعنوية لكن معنويتنا متواكبة و متناسقة مع الشعور بالمسؤولية. هذه المعنوية يجب أن لا تبعدنا إطلاقاً عن مسؤولياتنا الثورية العظيمة، بل يجب أن تساعدنا على المسيرة الثورية. الذين يحاولون بحجة التدين و تحت يافطة التدين عزل المجتمع عن السياسة و فصل الشباب عن السياسة و منع الشباب من المشاركة في ميادين البلاد مخطئون و يسيرون في الطريق المغلوط و يعانون الانحراف، لأن هذه الأبعاد متلازمة مع بعضها.إنني هنا في جوار المرقد الطاهر للإمام الخميني و بجوار الأروح الطيبة للشهداء المدفونين في هذه الجنة المعنوية (بهشت زهرا) أشهد بأن شعبنا سار في هذا الدرب بصورة جيدة و صان درب الإمام. إنني أرى بعيني و أستطيع أن أشهد أن شبابنا الثوري اليوم إن لم يكونوا أفضل في إيمانهم و تقواهم و متانة عقيدتهم من الشباب الثوري في بداية الثورة فهم ليسوا بأقل منهم. إنني أشهد من صميم القلب و بضرس قاطع و اعتقد أن الشعب مارس أفضل الأدوار، و هو الذي حافظ على القيم و صانها و ثبت عليها و صمد من أجلها. الشعب هو الذي أحبط مخططات الأعداء.لا أريد التحدث عن هذا الجانب بالتفصيل، إذ لا يوجد متسع من الوقت، و ربما ليست هذه مناسبة هذا الكلام، لكنني أشير إجمالاً إلى أن أعداءنا كانوا يتصورون أن رحيل الإمام الخميني بداية انهيار هذا النظام المقدس. كانوا يتوهمون أنه إذا رحل الإمام فسوف يخبو هذا المشعل تدريجياً و سوف ينطفئ هذا المصباح شيئاً فشيئاً. لكن مراسم تشييع جثمان الإمام و تلك المشاعر و التحرك الشعبي العظيم في دعم العمل الذي قام به مجلس خبراء القيادة بث في نفوسهم اليأس، فوضعوا مخططاً لمدة عشر سنوات - و هذا تحليلي و لا يعني الإطلاع، إنما هو تحليل تثبته لنا القرائن - و كانوا يتأملون أن يؤتي ثماره بعد عشرة أعوام. و وقعت في عام 78 تلك الأحداث و كان الذي أحبط تلك الأحداث هو الشعب. نزل الشعب في يوم الثالث و العشرين من تير سنة 78 إلى الشوارع و أحبط في يوم واحد مؤامرة الأعداء التي خطط و برمج لها طوال سنوات. و مضت تلك الفترة. و كانت الموجة الثانية مخططاً لمدة عشرة أعوام أيضاً يستمر حتى سنة 88 . و لاح لهم أنهم سيجدون فرصة معينة. و توهموا أنهم مهدوا الأرضيات، و كان لدى الناس مطاليب - الناس المرتبطين بالنظام و الأوفياء له - و ظنوا أن بوسعهم استغلال تلك المطاليب، لذلك وقعت أحداث سنة 88 و اشعلوا الاضطرابات لمدة شهرين أو ثلاثة في طهران - طبعاً في طهران فقط - استطاعوا إشغال القلوب و الأذهان لمدة شهرين أو ثلاثة. و هنا أيضاً نزل الشعب إلى الساحة. بعد أن ظهرت السرائر و البواطن شاهد الناس في يوم القدس ما هو مكنون قلوب هؤلاء، و في يوم عاشوراء أدرك الناس ما هي أعماق مطاليبهم و ما يريدونه، فنزل شعبنا العزيز إلى الساحة و خلقوا ملحمة التاسع من دي. لا في طهران و حسب بل في كل أنحاء البلاد نزل إلى الساحة الملايين من أبناء الشعب في التاسع من دي، ثم نزلوا إلى الساحة بعد مدة وجيزة جداً في الثاني و العشرين من بهمن و أنهوا الفتنة و الشغب. هذه هي ميزة الشعب و قدرته، فسلام على شعب إيران. سلام على شعب إيران المؤمن المناضل الواعي ذي البصيرة. و بتوفيق من الله سيواصل الشعب إن شاء الله هذا الطريق و هذا الخط و هذه الأهداف و هذه العزيمة و الهمّة إلى آخر المطاف.و لحسن الحظ فقد آتت حركة الشعب العظيمة ثمراتها. بفضل الثقة التي أبداها الشعب بمسؤولي البلاد و ببركة الأمن الذي وفره تواجدُ الشعبِ و مشارکته في كل أرجاء البلاد استطاع المسؤولون تطوير خدماتهم و توسيعها و القيام بأعمال كبيرة، و تم إرساء بنى تحتية عظيمة في البلد و هي الشرط اللازم لتقدم أي بلد. إنها مشاريع البنى التحتية التي يتم إنجازها راهناً الواحد تلو الآخر، و الناس يرون ذلك، و سيشاهدون ثمار ذلك إن شاء الله على المدى القريب و البعيد. بفضل هذا الأمن الذي توفر عن طريق مشاركة الناس و تواجدهم تُحبط مؤامرات الأعداء الأمنية و مؤامراتهم الإعلامية. و بفضل هذا التواجد الشعبي ارتقى التطور العلمي و التقني للبلد إلى مستويات عالية. طبقاً‌ للإحصائيات الدولية - و ليس إحصائياتنا نحن - و طبقاً للحسابات الدولية التي تعلن رسمياً فإن سرعة التقدم العلمي في بلادنا حالياً أكثر من المتوسط العالمي بأحد عشر أو إثني عشر ضعفاً. و هذا ليس بالشيء القليل. هذا ما يقوله معارضونا و يعلنه أعداؤنا. لقد تقدم شبابكم العلماء اليوم في أكثر من عشرة حقول علمية و تقنية مهمة إلى درجة أضحت معها بلادكم ضمن البلدان العشرة الأولى في العالم في هذه الحقول. هذا كله ببركة مشاركة الشعب و تواجده. هذا التواجد و هذه الثقة المتبادلة و هذا الشعور بالمسؤولية العامة أحوال كلما استمرت كلما ازداد تقدم البلاد. هذا هو خط الإمام.و أذكر عدة نقاط حول قضايا المنطقة. أولاً ما حدث في منطقة شمال أفريقيا و منطقتنا إنما هي أحداث مهمة و تاريخية للغاية. ما حدث في مصر و ما حدث في تونس و هذه الصحوة العظيمة التي قامت في البلدان الإسلامية من الأحداث التي ربما لا تحدث إلا مرة واحدة كل قرنين أو ثلاثة قرون. إنها من الأحداث المهمة‌ و المؤثرة جداً و الصانعة للتاريخ. طبعاً نجح الشعب المصري و نجح الشعب التونسي. و كان انتصار الثورة المصرية خصوصاً انتصاراً متألقاً جداً و عملاً عظيماً جداً. في بلدان أخرى مثل ليبيا و اليمن و الشعب البحريني المظلوم لا تزال عمليات النضال و الكفاح جارية، و لكل حالة حكمها الخاص. هناك أيضاً محكوم على تحركات الشعوب بالانتصار، و قد تكون القضية عالجة أو آجلة لكنها لن تفشل و لن تخفق. حينما يستيقظ الشعب و يشعر بالقوة و الاقتدار فلن يستطيع شيء سد طريقه. طبعاً أعداء الشعوب المسلمة - أي نظام الهيمنة و الشيطان الأكبر أمريكا و الصهيونية الغادرة الحيوانية الطباع - ينشطون و يبذلون جهودهم و يريدون الحيلولة دون أن تشعر الشعوب المسلمة بحلاوة هذه الانتصارات و تصل إلى النصر النهائي بالمعنى الحقيقي للكلمة. لكننا نحن الشعوب المسلمة إذا كنا يقظين و أصغينا لنداء القرآن الكريم الذي يدعونا للصبر و الاستقامة و الثبات و يبث فينا الأمل، و لم نسئ الظن بالله تعالى، و عقدنا الأمل على الوعود الإلهية، و عملنا لها و سعينا فلا شك أن هذه الشعوب سوف تصل للنصر. طبعاً سياسة الدول الغربية في ما يخص ليبيا هي إضعاف هذا البلد و امتصاص دمه و أن تستمر الحرب الداخلية حتى لا يبقى للبلد رمق، كي يأتوا هم بعد ذلك إما بصورة مباشرة‌ أو غير مباشرة ليمسكوا بزمام الأمور في هذا البلد الحساس. بلد ليبيا له أولاً مصادر نفطية ثرة، و ثانياً قريب جداً من أوربا. لذلك فهو مهم جداً بالنسبة للمستكبرين العالميين و أمريكا و البلدان المستكبرة في أوربا الغربية. و لا يريدون التخلي عنه بسهولة إنما یریدون إضعافه. و لو تركوا هذا البلد لحاله لاستطاع الشعب التغلب و لتولت حكومة شعبية‌ إسلامية زمام الأمور، و لكان هذا خطراً بالنسبة لهم. لذلك يريدون الحيلولة دون وقوع ذلك.و الحال في اليمن شبيهة بذلك. اليمن أيضاً بلد مهم من الناحية العسكرية. مهم من حيث مجاورته لبعض البلدان المرتبطة بأمريكا و من حيث الجغرافيا السياسية. هناك أيضاً لا يريدون للشعب أن ينتصر. سياسة أمريكا و الغرب في هذين البلدين هي أن لا ينتصر الشعب.و الشعب البحريني يعيش مظلومية مطلقة. هناك أيضاً يريدون الإعلان عن حركة الشعب باعتبارها حركة طائفية مذهبية‌ لمجرد أن الشعب من الشيعة، و الحال أن القضية ليست كذلك. طبعاً الشعب البحريني شيعي و قد كان شيعياً على امتداد التاريخ، الأكثرية فيه شيعية، بيد أن القضية ليست قضية شيعة و سنة. القضية هي أن هذا الشعب مظلوم و محروم من أبسط حقوق المواطنة في بلده و على أرضه. إنه شعب يطالب بحقه، يطالب بحق التصويت و الاقتراع و يقول نريد تمكيننا من التصويت و أن يكون لنا دور في تشكيل الحكومة‌. و هذه ليست جريمة إنما هي حق مشروع. و إذا بالأمريكان الكاذبين المرائين المخادعين الذين يتشدقون بحقوق الإنسان و مزاعم الديمقراطية يتصرفون بتلك الطريقة ضد الشعب البحريني. هم ينكرون الأمر طبعاً، و يقولون لسنا نحن المسؤولين إنما هم السعوديون، لكن السعوديين لم يكن بإمكانهم الدخول إلى البحرين و ارتكاب تلك الأعمال الدامية المريرة من دون ضوء أخضر من أمريكا. لذا فالأمريكان هم المسؤولون.إذكر بضع نقاط و الوقت قد أدركنا. النقطة الأولى هي أن الميزة الأساسية في التحرك الشعبي في هذه البلدان هي ثلاثة أمور: الأمر الأول هو إسلامية التحرك، و الأمر الثاني مناهضته لأمريكا و الصهيونية، و الأمر الثالث هو طابعه الشعبي. هذه المميزات مشتركة في جميع هذه البلدان. الشعب المصري و هو شعب متميز في العالم العربي و الإسلامي شعب أطلق هذه النهضة و أشعل هذه الثورة في بلده و هي ثورة إسلامية و شعبية و مناهضة لأمريكا و الصهيونية بصراحة. و كذا الحال بالنسبة لباقي البلدان.موقفنا حيال هذه التحركات الشعبية واضح. إننا نواكب أية حركة إسلامية شعبية مناهضة لأمريكا، و لكن إذا وجدنا حركة تقف وراءها أمريكا و تحرضها الصهيونية فسوف لن نواكبها طبعاً. إننا نواكب التحركات المناهضة لأمريكا و الصهيونية. أما حينما تتدخل أمريكا نفسها و الصهيونية نفسها لتسقط نظاماً معيناً أو لتحتل بلداً معيناً فسوف نقف على الضد من تحرك الأمريكان. لا تستطيع أمريكا أن تفكر و تعمل شيئاً لصالح شعوب هذه المنطقة. كل ما يفعلونه و كل ما فعلوه إلى اليوم كان ضد شعوب هذه المنطقة. هذا هو موقفنا. النقطة الثانية هي أن على هذه البلدان التي انتصرت و الحمد لله - و خصوصاً مصر و هو بلد كبير و له تراث إسلامي و معنوي و ثقافي ثرّ - أن تحذر من أن يعود من الشباك العدو الذي خرج من الباب. هذه المساعدات التي يقال إن أمريكا قد تمنحها لمصر أو لأ ي بلد آخر هي بحد ذاتها سبب في المشاكل. الأمريكان يكرسون هيمنتهم على البلدان عن طريق هذه المساعدات و الدولارات، و يفرضون توقعاتهم و مطالیبهم، و يعيدون الشعب الذي حقق الحرية إلى قبضة اقتدارهم الظالم من جديد.على الكل أن يتحلى باليقظة و الحذر. و الشعب المصري يقظ طبعاً. هذه الحركة العظيمة التي قام بها الشعب المصري اعتراضاً على موقف النظام المصري السابق بخصوص فلسطين و غزة و معبر رفح كانت حركة قيّمة جداً و يجب أن تستمر. مصر بلد مؤثر في العالم العربي، لذلك توجّه إليها الذين أرادوا تركيع البلدان العربية أمام الكيان الصهيوني الغاصب، و فرضوا معاهدة كامب ديفيد المخزية. و بعد القبول بمعاهدة كامب ديفيد في مصر استسلمت البلدان العربية الأخرى تدريجياً و خضعت لأمريكا و خرجت القضية الفلسطينية تماماً من دائرة قرار البلدان العربية. يجب أن يحذروا. فالأعداء لهم حساسيتهم تجاه مصر. ذات يوم عاد الغربيون و الاستكبار المطرود بعد فترة جمال عبد الناصر، و ينبغي عدم تكرار هذه التجربة في مصر. الشعب المصري يقظ و واع و نرجو أن يعينهم الله في هذه المجال.النقطة الأخرى هي أن أعمال القمع هذه لا طائل من ورائها. فالشعوب حينما تستيقظ و تعرف قدراتها سوف تتابع السير في هذا الطريق، و سوف تنتصر إن شاء الله تحركات شعوب المنطقة سواء في البلدان التي تشهد اليوم تحركات معینة، أو البلدان التي توجد فيها هذه التحركات بنحو كامن. الشعوب في هذه البلدان سوف تنتصر و لكن ينبغي الحذر من ممارسات التفرقة التي يقوم بها الأعداء. الأعداء‌ اليوم يسعون لبث الفرقة و الشقاق في مصر و في تونس و في شمال أفريقيا و في باقي البلدان الإسلامية. و لأن إيران قطب التحرك ضد الاستكبار يريدون على وجه الخصوص أن يفصلوا بين إيران الإسلامية‌ و باقي البلدان. يختلقون فواصل قومية و مذهبية. يريدون زرع التفرقة في داخل تلك البلدان نفسها. في مصر اليوم أفراد من هذه الجماعات التكفيرية و الوهابية يحاولون زرع الخلافات بين الناس بذرائع شتى. و ينبغي الحذر و اليقظة حيال هذه المساعي الرامية‌ إلى التفرقة و الشقاق.و موقفنا إزاء فلسطين أيضاً موقف واضح. نعتقد أن أرض فلسطين و بلد فلسطين كله ملك للفلسطينيين. أخطأ الذين حاولوا محو خارطة فلسطين من الجغرافيا، فمثل هذا الشيء لن يقع، و فلسطين باقية. اغتصبها المغتصبون لعدة عقود لكنها ستعود دون شك للشعب الفلسطيني و لأحضان الإسلام، و هذا ما سيحدث. و الشعب الفلسطيني بدوره يقظ. و فلسطين لا تقبل التجزئة. فلسطين كلها ملك للفلسطينيين. و قد أعلنت الجمهورية الإسلامية منذ سنوات طريق الحل. طريق حل القضية الفلسطينية ليس طرق الحلول التي يريدها الأمريكان و أمثالهم، فهذه الطرق لن تؤدي إلى شيء. الحل هو أن يقام للشعب الفلسطيني استفتاء، و أي نظام يختارونه في الاستفتاء يجب أن يحكم كل فلسطين. ثم يقررون هم كيف يتعاملون مع الصهاينة الذين دخلوا فلسطين من خارجها، فهذا أمر يرجع للنظام الذي يتشكل بأصوات الشعب الفلسطيني.اللهم انصر الشعوب المسلمة، الشعب المصري، و الشعب التونسي، و الشعب الليبي، و الشعب اليمني، و الشعب البحريني، و الشعب الفلسطيني المظلوم، انصرهم بعنايتك و رعايتك نصراً مؤزراً تاماًً. اللهم ضاعف من بركاتك على الشعب الإيراني العزيز. اللهم اشمل بنعمائك الروح المطهرة لإمامنا الجليل و أرواح الشهداء الطيبة في أعلى مقاماتك. و اشملنا بالأدعية‌ الزاكية لسيدنا بقية الله الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - مفاتيح الجنان، أعمال الأول من شهر رجب.2 - سورة المائدة، الآية‌ 8 . 
2011/06/04

كلمته في جامعة الإمام الحسين (ع) للضباط

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك لكم من الصميم أيها الشباب الأعزاء نجاحاتكم التي حققتموها في عنفوان الشباب، سواء خريجو هذه الجامعة الزاخرة بالمفاخر أو الشباب الذين نالوا اليوم رتبهم و سيشاركون رسمياً في تدريبات الحرس، و أسأل الله تعالى لكم التوفيق.مراسم اليوم كانت جميلة و عظيمة و عميقة المعاني و الأبعاد. و هذا هو المتوقع من الحرس الأعزاء خائضي ساحات الجهاد الصعبة في سبيل الله. أتمنى أن يزيد الله توفيقاتكم يوماً بعد يوم.ولد حرس الثورة الإسلامية في واحدة من أكثر ظروف تاريخ هذه البلاد حساسية و تعقيداً و التباساً. و لم يولد بسهولة. منذ بداية‌ ظهور و ولادة هذه المؤسسة المباركة ألقيت على عاتقها مسؤوليات صعبة. و لم يكن للحرس الثوري في تلك الأيام الأولى من رصيد سوى الإيمان و المحفزات و الحماس الثوري. طبعاً كان الشباب يتمتعون بصلاحيات متنوعة. جاءوا من الجامعات و من المراكز العسكرية و كانت لهم سوابق شخصية و صلاحيات شخصية، و لكن لم تكن لديهم أية تجارب و أية أدوات لتلك الساحة الصعبة. الرصيد الثمين القيم الذي كانوا يحملونه هو إيمانهم و حماسهم الثوري و جاهزيتهم للجهاد و استعدادهم للتضحية في هذا الميدان العصيب، و قد نجحوا. لم يكن قد مضى وقت طويل على ولادة الحرس الثوري حتى اشتعلت الاشتباكات الجادة. واجه الشباب المؤمن في أنحاء البلاد أو في طهران نفسها ساحات قتال حقيقية. كانت المناورات الأولى للحرس الثوري هي المعارك الحقيقية. الحق أنه كان عليهم أن يحملوا أرواحهم على الأكف و ينزلوا إلى الساحة، و هذا ما فعلوه.و ببركة هذا الحماس الثوري توفرت كل العناصر اللازمة الأخرى، فقد اكتسبوا التجارب و تفجرت في أنفسهم روح الإبداع، و تعلموا كل ما كانوا يحتاجونه، فقامت بينهم موجة علمية و معرفية عظيمة. تعلموا كل ما كانوا يحتاجون إليه. كل ما كان ضرورياً لساحات قتالهم المعنوي و المادي أوجدوه بإبداعاتهم، و تألقوا في ساحات القتال، سواء القتال الحدودي ضد العدو المهاجم المعتدي، أو في القتال الجهادي الثوري في ساحات جد مضبّبة و الأمور فيها مختلطة و غامضة داخل المجتمع، و قد نجحوا فيها.شبابي الأعزاء، هكذا كان أولئك الرجال الصادقون الفدائيون الذين أرسوا دعائم الحرس الثوري و وضعوا أسس هذه المؤسسة المباركة. بفضلهم استطاع الحرس الثوري أن يعرِّف نفسه و يكرسها باعتباره مؤسسة ثورية فعالة مبدعة تصدِّر الطاقات و الكوادر الإنسانية إلى سائر الأجهزة. طوال هذه الأعوام المديدة - خلال هذه الأعوام الإثنين و الثلاثين ـ شارك الحرس الثوري في الساحات المختلفة ببركة تلك الأسس المتينة التي أرساها الناس المؤمنون، و تألق و عمل بصورة جيدة و أثبت تأثيراته بوضوح في سياق الحركة‌ الثورية‌ المتقدمة للمجتمع. طبعاً استشهد البعض منهم و نالوا وسام الشهادة و فخرها، و الكثيرون منهم و الحمد لله بقوا أحياء و مارسوا دورهم، إلا أن حاجة‌ البلاد إلى طاقات الجهاد الإبداعي المتحمس النابع من البصيرة‌ تزداد يوماً بعد يوم. يجب أن تتشكل القواعد المتجددة دوماً للحرس الثوري في هذه المراكز التدريبية و في هذه الجامعة، و في التعامل مع الأحداث المختلفة. و أنتم اليوم هذه القواعد. أنتم من ترسمون غد الحرس الثوري. أنتم الغرسات المباركة التي سيعتمد عليها هذا الصرح المتين في العقود القادمة و السنين الآتية في الامتحانات المختلفة التي سوف يواجهها. أعدوا أنفسكم لمثل هذه الرسالة المهمة الصعبة.إذا لم تكن الأسس و القواعد في مؤسسة معينة متينة و سليمة فإن البناء الذي سيرتفع عليها لن يكون موثوقاً يُطمأن له. بناء الحرس الموثوق طوال هذه الأعوام المتمادية كان بفضل الإيمان و المساعي الجهادية لرجال أرسوا القواعد الأصلية للحرس الثوري. و قد أعانهم الله تعالى، و كانت ساحات الدفاع المقدس قطباً لاختباراتهم، و كان وجود الإمام و بركات كلماته نوراً يضيئ الطريق دوماً، لذلك استطاعوا أداء هذه الرسالة بصورة صحيحة. و عليكم اليوم أيضاً أن تعدوا أنفسكم لبناء ذلك المستقبل.و أقولها لكم، بموازاة تقدم المجتمع و بموازاة تقدم التقنيات و العلوم في العالم الإنساني و بموازاة الحركة التكاملية الطبيعية للبشر، تزداد مهماتكم اليوم أهمية و تعقيداً و دقة و حاجة إلى القدرات و الإبداعات الذاتية بالمقارنة إلى ما كان عليه أسلافكم قبل ثلاثين عاماً. كما أن ثورتنا و النظام المنبثق عن هذه الثورة يقف اليوم في مراتب أعلى بكثير مما كان عليه قبل ثلاثين عاماً ، فإن رجال هذا النظام و مبدعوه المجاهدون المرابطون في الخطوط الأمامية للنظام يجب أيضاً أن يكونوا متقدمين بنفس النسبة و أكثر علماً و تهذيباً و شجاعة و بصيرة مما كان عليه أسلافهم في ذلك الماضي الحافل بالمفاخر. و هذا هو الواقع.أقول لكم إن شبابنا المتدينين ذوي البصائر اليوم بسبب الأوضاع و الظروف التي يشاهدونها في الحركة التاريخية لشعبنا و الحركة التاريخية في العالم متقدمون قياساً إلى أولئك الشباب في مطلع الثورة. في بدايات الثورة كان الذين يضحّون في سوح الثورة يفعلون ذلك بحوافز الإيمان و العقيدة بالمستقبل المشرق، لكن شباب الحاضر يمتلكون هذا المستقبل و يرونه نصب أعينهم.لقد وفى الله تعالى بوعده لهذا الشعب. لقد وعد الله تعالى أنكم إذا سرتم في ميادين السعي و الجهاد بإيمان فسوف يمدّ لكم يد معونته و ينصركم:‌ »‌إن ينصركم الله فلا غالب لكم» (1). إذا أعانكم الله و نصركم فلن تستطيع أية قدرة أو قوة الانتصار عليكم. هذا هو الوعد الإلهي. و هو وعد يراه شعبنا و شبابنا اليوم أمام أنظارهم.الامبراطورية العسكرية و المالية و الإعلامية‌ و السياسية المهيمنة على العالم - أي الشيطان الأكبر أمريكا - جاءت بكل قدراتها و بكل ما تملك لنزال نظام الجمهورية الإسلامية و لمحاربة الثورة، و كانت مطمئنة‌ من أنها سوف تفرض الركوع على الثورة. و انظروا اليوم بعد ثلاثين عاماً ما الذي يحدث في العالم، و ستجدون أنهم هم الذين ركعوا. السياسة الأمريكية الحساسة جداً و الحاسمة في منطقة الشرق الأوسط قد انهزمت تماماً. هذا ما يراه الجميع حالياً و يعترفون به. لقد انهزموا في فلسطين، و فقدوا مرتزقتهم و أعوانهم و حلفاءهم المقربين. ذات يوم خسروا النظام الطاغوتي البهلوي الفاسد فقط، و اليوم خسروا أنظمة‌ أخرى أو يكادون يخسرونها. لذلك فهم متزلزلون. أمريكا معزولة في منطقة غرب آسيا حالياً، أي منطقة شمال أفريقيا و المنطقة التي يسمونها الشرق الأوسط. و الإسلام في هذه المنطقة حيّ. الشباب اليوم ينزلون إلى الساحة بشعار الإسلام. ذات يوم و قبل ثلاثين عاماً أو أربعين عاماً إذا أراد شخص التحدث عن الدوافع الوطنية و الثورية في بلدان شمال أفريقيا هذه فكان يلجأ إلى الشعارات اليسارية. و اليوم نُبِذت هذه الشعارات و ألقيت في المزبلة، و الكلام الدارج و العملة الرائجة و الكلام الحاسم في هذه المنطقة راهناً هو الإسلام و القرآن. فهل هذا مكسب قليل؟ هذا هو الشيء الذي رفعت الجمهورية‌ الإسلامية رايته في هذه المنطقة بعد انتصار الثورة الإسلامية‌ باسم الإسلام و القرآن فراحوا يرتعدون. قالوا قد يحدث مثل هذا، لذلك حاولوا أن يمنعوا حدوثه، و لكن حدث هذا الشيء اليوم على الرغم منهم. و شبابنا اليوم يشاهدونه بأعينهم.حينما ألقت والدة النبي موسى بابنها في الماء وعدها الله تعالى وعدين. قال: «إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين» (2). و عاد الطفل إلى أمّه بعد فترة قصيرة. يقول الله سبحانه: «فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها و لا تحزن و لتعلم أن وعد الله حق» (3). يقول الله إننا وعدنا وعدين و كان هذا الوعد الأول، إذن يا أمّ موسى إعلمي أن الوعد الثاني أيضاً سيكون حقاً، و هو نبي مرسل سوف يبعث و يدمِّر الحكم الفرعوني. أعطى الله تعالى جزءاً من الوعد لأمّ موسى عاجلاً لتتيقنّ من صدق الوعد الثاني المؤجّل.الجزء الذي أعطاه الله تعالى معجلاً للشعب الإيراني كان أكثر من هذا بكثير. من كان يتصور أن الشباب الفلسطيني يتجرأ و ينظم نفسه باسم الإسلام، و يرفع شعارات الإسلام، و يهاجم باسم الإسلام القوات الصهيونية الغاصبة الظالمة القاسية ؟‌ لكن هذا حدث. في الأسبوعين الماضيين في «يوم النكبة» حطم الشباب حدود إسرائيل لأول مرة بعد مضي ستين عاماً. هذه هي «و لتعلم أن وعد الله حق». هذا مؤشرات تقول: اعلموا أن الوعد الإلهي القائل: «ليظهره على الدين كله» (4) و أن الله تعالى سينصر هذا الدين و هذه الرسالة على كل النتاجات الفكرية و الدينية في العالم، وعدٌ صحيح. الله يحقق الآن هذه الوعود المعجلة، لكن شرطها الوحيد هو أن لا تتزلزل أقدامنا أنا و أنتم باعتبارنا الجنود الرواد لهذه الحركة في الحقبة المعاصرة، و لا تنصرف أذهاننا إلى أماكن أخرى.الذنب الكبير الذي ارتكبه أولئك الذين نظروا إلى الوراء‌ في الحركة الثورية العظيمة للشعب الإيراني، و نظروا لأنفسهم و لشهواتهم و لطلبهم السلطة، و نسوا لماذا فجر هذا الشعب ثورته و ما هو معنى هذه الحركة، هو أنهم تزلزلت أقدامهم. طبعاً نحمد الله على أن الشعب لم يتعلم منهم و لن يتعلم منهم، و لكن علينا جميعاً أن نحذر و نحتاط. يجب أن لا تتزلزل أقدام أحد في هذه المسيرة العظيمة المتسارعة نحو الأمام و التي يعرض الله تعالى فيها بشائر النصر تباعاً أمام أنظارنا. يا شبابي الأعزاء، أنتم من المنتخبين في هذه الحركة الرائدة فأعدوا أنفسكم. إنكم بحاجة إلى العلم فتعلموه، و بحاجة إلى تهذيب النفس فهذبوا أنفسكم. إذا لم نهذب أنفسنا فسوف تشغلنا التجليات المادية الدنيوية الخادعة. حينما ينسى السائرون في الطريق وسط الطريق ما هو هدفهم من هذه المسيرة، و تشغلهم المقاهي في وسط الطريق، و ينسون إلى أين أرادوا السير، فإن هذا خطر كبير يهددهم. حاذروا، و عليكم بالعلم و تهذيب النفس و التجربة و الانضباط في البيئة العسكرية. الانضباط الناتج عن الدوافع المعنوية له يقيناً تأثيرات تفوق بكثير حالات الانضباط الصورية الدساتيرية. لحسن الحظ فإن القوات المسلحة‌ في شتى المؤسسات - في الجيش و الحرس الثوري و قوات الشرطة و المنظومة التعبوية الهائلة - تتمتع اليوم بهذا الرصيد المعنوي. شبابنا في القوات المسلحة حالياً يفكرون تفكيراً معنوياً. و هذه فرصة كبيرة تبشر بمستقبل كبير. اللهم اجعل هؤلاء الشباب الأعزاء جنوداً حقيقيين للإسلام و القرآن. اللهم وفقهم لمواصلة هذا الطريق و اشملهم بأدعية سيدنا الإمام المهدي المنتظر.و السلام عليكم و رحمة‌ الله.الهوامش:1 - سورة آل عمران، الآية 160 .2 - سورة القصص، الآية 7 .3 - سورة القصص، الآية ‌13 .4 - سورة التوبة، الآية 33 .
2011/05/31

کلمته فی رئیس و أعضاء مجلس الشوری الإسلامی

بسم الله الرحمن الرحیمأهلاً و مرحباً بکم کثیراً أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء و ساعدکم الله. نتمنی أن یمنّ الله تعالی علی کل لحظة من جهودکم و اهتماماتکم و مسؤولیاتکم التی تعرفونها و تتحمولونها أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء بالأجر الوافر، و یضاعف من توفیقاتکم.أشکر حضرة السید لاریجانی علی هذا التقریر الجید الذی رفعه، و خصوصاً علی هذا الموقف الصریح الواضح الذی أعلنه عن لسانکم أیها النواب المحترمون إزاء المستکبرین و أمریکا و الطامعین و المهرّجین الدولیین. و بالطبع فهذا لسان حال شعبنا أیضاً و یجب أن نقدم الشکر لله حقاً علی فضله و توفیقه بأن جعل شعبنا طوال هذه العقود الثلاثة یحافظ علی فهمه الدقیق و الواضح للتیارات و التوجهات العالمیة و ما تحمله من مضامین و أهداف، بل و یزید من هذا الفهم یوماً بعد یوم. الحقیقة هی أن من مشکلات الشعوب و معضلاتهم عدم التوفر علی هذا الوعی، أو الغفلة عن هذه الأمور، و بذلک تتعرض الشعوب للأضرار فی التحولات العالمیة و فی شتی الأحداث و تقع فی الأخطاء عند المنعطفات السیاسیة الحادة الصعبة. إذا کانت الاصطفافات العالمیة الکبری فی عالم السیاسة و عالم الاقتصاد بیّنة واضحة للشعوب، و إذا فکرت الشعوب بها بوعی، وأخذت بنظر الاعتبار أهداف هذه الاصطفافات و التیارات فسوف تکلّ سیوف المستکبرین فی العالم. الهدف من هذا الإعلام الواسع الذی تشاهدونه - کم من الأدوات و الوسائل الإعلامیة الیوم فی خدمة سیاسات المستکبرین - هو فی الغالب تضبیب الأجواء و تعتیمها لکی لا تستطیع الشعوب التوفر علی هذا الوعی و هذه البصیرة أو لا تستطیع الحفاظ علیهما. و قد حافظ شعبنا علی هذه العناصر، و هذا موضع شکر و حمد.یجب أن أقدم شکری لمجلس الشوری المحترم لإعلانه بوضوح عن هذه المواقف طوال هذه الدورة و إلی الیوم، و إلی آخر هذه الدورة إن شاء الله. إنها لنکسة کبیرة للبلاد و الثورة لو أخطأ المجلس - ربما - فی إحدی هذه القضایا السیاسیة المهمة و هذه الأحداث المختلفة، أو لم یتخذ موقفاً، أو أسوء من ذلک إذا اتخذ موقفاً خاطئاً. إنه لمدعاة فخر و شکر حقاً أن وقف المجلس من القضایا السیاسیة المختلفة فی العالم، و فی الهجمات التی یشنها الأعداء ضد الجمهوریة الإسلامیة، وقفةً قویة محکمة واضحة جلیة، و اتخذ موقفه منها. إننی أقدم شکری من الصمیم، و أصرّ علی أن تستمر هذا المواقف بنفس هذه القوة و المتانة، ذلک أن التحدیات بین الثورة الإسلامیة و بین الاستکبار العالمی تحدیات مستمرة. و طبعاً لن تستمر إلی الأبد بحول الله و قوته، إذ کلما مضی الزمن رجحت کفة النظام الإسلامی و قویت. حینما یشعر الأعداء بالیأس سوف تقلّ هجماتهم و تزول تدریجیاً. و لکن وقفة الشعب و النخبة من الشعب حتی ذلک الیوم أمر ضروری و لازم. یجب مواصلة هذه المواقف. حذار من الغفلة عن الدقائق التی یتحلی بها نوع تعامل الثورة مع الأعداء. لنری ما هی مخططات الأعداء للثورة فی الوقت الراهن. و بالتعبیر الدارج یجب أن نخمّن سیناریو الأعداء و نعلم ما الذی یریدونه و یسعون إلیه. إذا استطعنا أن نفهم ذلک بشکل صحیح، و نخمّنه بنحو صائب، و نبرمج سلوکنا و أعمالنا مقابل سیناریو العدو فإنه سوف ینهزم بلا شک.کل الشواهد تشیر إلی أن العدو یشدد حالیاً علی جملة من النقاط. و لنبدأ من أوضحها و هی مسألة الاقتصاد. حینما أطلقنا علی هذا العام اسم «الجهاد الاقتصادی» فذلک فی ضوء هذا الجانب من القضیة. من أهدافهم الرئیسیة إخضاع البلد من الناحیة الاقتصادیة و فرض التراجع علیه علی الصعید الاقتصادی مما یؤدی إلی شلّ الرکائز الاقتصادیة و بث الیأس فی نفوس الناس. هذا أمر واضح علی کل حال، و هم أنفسهم یعلنون عنه و یقولونه. و هو أمر یرسم خطاً واضحاً لمجلس الشوری و للحکومة و لکل واحد من المسؤولین العاملین فی شتی الأقسام و القطاعات، و یقول لهم ما الذی ینبغی أن یفعلوه. و نقطة أخری هی أیضاً واضحة جداً تتمثل فی إشعال الخلافات بین الأجهزة المدیرة للبلاد. هذه أیضاً من مهماتهم الأساسیة. و هم لا یخفون هذه النقطة. لا أنهم لا یریدون إخفاءها، إنما هی غیر ممکنة الإخفاء أساساً. طبیعة عمل الأعداء فی هذه القضایا الدولیة المهمة و الشاملة تستدعی قیامهم ببعض الأعمال، و أن یقولوا بعض الأشیاء، و یصرحوا بعض التصریحات، لذلک لا تبقی تدابیرهم و سیاساتهم هذه طیّ الکتمان. یریدون إشعال الخلافات و هم یبثون هذه الخلافات و یزرعونها بأی شکل أمکن من الأشکال، و علینا نحن أن نکون یقظین. اختلاف الأذواق و اختلاف وجهات النظر و الاختلاف فی الرأی حول القضایا السیاسیة یجب أن لا یفضی إلی تحدیات بین تیارات البلاد و عناصرها. الذنب الکبیر الذی ارتکبه مؤجّجو الفتنة فی عام 88 هو أننا إذا أحسنا الظن و نظرنا نظرة إیجابیة و قلنا إنهم کانت لدیهم شبهة أو إشکال فی إذهانهم فإنهم طرحوا هذا الإشکال علی شکل تحدٍّ أمام النظام الإسلامی. هذا الذنب الکبیر مما لا یمکن غضّ الطرف عنه، و لا تزال آثاره قائمة فی مجتمعنا. شعبنا بالطبع شعب یقظ. النصاب اللازم للفهم و البصیرة لدی هذا الشعب من شأنه التغطیة علی الکثیر من هذه الأحداث و زوال آثارها تدریجیاً. لکنهم وجّهوا ضربتهم عن هذا الطریق. إشعال الشجارات و الاشتباکات الداخلیة و بث الخلافات العمیقة من الممارسات السیئة الذمیمة الکبیرة جداً، و هی مما یریده الأعداء.أنتم فی مجلس الشوری الإسلامی مارسوا دورکم و وفّوا سهمکم علی هذا الصعید. و لا علاقة لهذا بأن النائب الفلانی فی المجلس من هذا التیار السیاسی أو ذلک المنحی السیاسی، فلا فرق بین ذا و ذاک، لأن القضیة هنا قضیة دفاع عن البلد، و دفاع عن الثورة، و دفاع عن الإسلام، و دفاع عن المکتسبات الکبری للشعب الإیرانی. و هذا أمر مشترک بین جمیع التیارات إلا الغرباء و الأجانب، و إلا فهی أمور مشترکة بین التیارات المؤمنة مهما کان انتماؤها السیاسی.و من الأسالیب الأساسیة الواضحة للأعداء تهوین المعتقدات الإسلامیة و التقلیل من أهمیة المشاعر الإسلامیة و ترسیخ الأفکار الإلحادیة و شبه الإلحادیة بمختلف الطرق. هذه من سیاساتهم. یوظفون الأجهزة الإعلامیة المختلفة بدفع مبالغ کبیرة لها و متابعتها بنحو واسع شامل لتعمل علی تغییر أفکار شبابنا. و هذا أمر لا یقتصر علی شبابنا طبعاً. فی هذه البلدان العربیة التی تشهد الیوم ثورات و انتفاضات تقع نفس هذه الأمور و تُتابع بشدة، و الأعداء یتابعونها. أنفقوا ملیارات الدولارات لتغییر ذهنیة و أفکار الشباب الذین تجمعوا فی الساحة الفلانیة فی القاهرة، أو الساحة الفلانیة فی تونس، و خلقوا تلک الأحداث الکبری. هذه حوادث تقع، و لیست ظنوناً و تحلیلات، إنما هی معلومات و إطلاع. العدو یعمل بکل قواه و قدراته و یقوم بمثل هذه الأعمال. هناک إشاعة المفاسد و الفحشاء، و هناک بث الشکوک فی المعتقدات.لقد وضع العدو سیناریو جامعاً - له بدایته و نهایته - للنظام الإسلامی و للحرکة الإسلامیة و للصحوة الإسلامیة. و لحسن الحظ نمتلک الکفاءة لمواجهة هذا السیناریو و لا ریب فی هذا. هذا ما أقوله بحسم: بالأرصدة العقیدیة و الفلسفیة الغنیة القویة التی لدینا بالفعل - و الأعمال التی یمکن القیام بها لاحقاً لها حسابها فی محلها - و بالطاقات البشریة المتشوقة و الکفوءة یتوفر نظام الجمهوریة الإسلامیة علی الکفاءة اللازمة لمواجهة هذا الهجوم، و قد أثبتت الجمهوریة الإسلامیة هذه الکفاءة طوال الأعوام الإثنین و الثلاثین الماضیة. لم یکن الأعداء عاطلین عن العمل خلال هذه السنوات الإثنتین و الثلاثین. بذلوا جهدهم دائماً و فکروا دائماً، و علی حد تعبیرهم کانت غرف عملیاتهم تعمل دوماً. أنفقوا الأموال و وضعوا المخططات و المشاریع دوماً، و عیّنوا الأفراد و وضعوا المأمورین، و ذهبوا و جاءوا و فعلوا کل ما یستطیعون علی الصعید الدبلوماسی، و لکن کانت النتیجة أن تقدمت الجمهوریة الإسلامیة إلی الأمام و تراجعوا هم إلی الوراء. طبعاً لو لم تکن عندنا بعض حالات التقصیر و بعض نقاط الضعف الأخلاقیة و غیر الأخلاقیة لتقدمنا إلی الأمام أکثر من هذا. کنا نعانی من بعض الإشکالات، و لکن رغم هذه الإشکالات تقدمنا الیوم إلی الأمام بنحو واضح و بیّن، و تراجع العدو إلی الوراء بنحو واضح و بیّن. أمریکا زمن ریغان تختلف عن أمریکا فی زمن أوباما من السماء إلی الأرض. و الجمهوریة الإسلامیة فی عام ستین [ 1981 م ] تختلف عن الجمهوریة الإسلامیة فی سنة تسعین [ 2011 م ] من الأرض إلی السماء. لقد تقدمنا نحن إلی الأمام و تراجعوا هم إلی الوراء. إذن، کانت هناک کفاءة فی التصدی و المواجهة، و لکن یخشی من أن نصاب بالغفلة أو الغرور. کلا هاتین الحالتین خطیرة. یجب عدم الغفلة و الانشغال بالأمور الهامشیة، و یجب أیضاً عدم الإصابة بالغرور و الاستهانة بالعدو و اعتباره ضعیفاً مسکیناً. ینبغی التحلی بالیقظة و الحذر. کل واحد منّا معنیّ بهذا الکلام. أی أنتم نواب المجلس البالغ عددکم مائتین و تسعین نائباً کل واحد منکم معنیّ و مُخاطب بهذا الخطاب الإلهی و المسؤولیة الإلهیة بشکل مستقل، و یجب أن تحذروا و تراقبوا. و کذا الحال بالنسبة للحکومة، و کذا الحال بالنسبة للمسؤولین القضائیین، و کذلک المسؤولین فی الأقسام و القطاعات المختلفة فی البلاد، العسکریین بشکل، و غیر العسکریین بشکل، و کل واحد من أبناء الشعب بشکل، کلنا مسؤولون، لکن مسؤولیة المسؤولین الحکومیین مسؤولیة محددة و واضحة و لها تعریفها فی الغالب. کلنا مسؤولون، أی یجب أن ننظر لأعمالنا و مشاغلنا من هذه الزاویة، أنا فی شغلی و أنتم فی أشغالکم، و الآخرون فی أشغالهم.إننا نتحمل علی عاتقنا أعباء أمانة ثقیلة. الله تعالی وضع علی عواتقنا أعباء هذه الأمانة. و لسنا مخیّرین فی أن نقول إننا لا نرید تحمل هذه المسؤولیة، لا، هذه أمانة یجب إیصالها باقتدار و التزام إلی مقصدها. أی عمل نقوم به - سواء کان عملاً سیاسیاً أو فکریاً أو اقتصادیاً أو إداریاً - یجب أن یکون وفق هذه النظرة. إذا عملنا بعیداً عن هذه النظرة یُخشی أن یکون عملنا بالاتجاه المعاکس لهذه الأهداف، و عندئذ تطالنا المؤاخذة الإلهیة. إن الله تعالی لا یتجاوز عن مثل هذه الذنوب الکبیرة. کان الإمام الخمینی (رضوان الله تعالی علیه) یعبّر فی عدة مرات عن القضایا الاجتماعیة و الذنوب الاجتماعیة و المخالفات السیاسیة التی هی من هذا القبیل بالقول: إن هذا ذنب لن یتجاوز الله عنه، لأن التوبة منه لیست سهلة. إذا تاب الإنسان من أی ذنب فإن الله یتجاوز عنه و یغفره، و لکن حینما یقوم المرء بعمل و یوجّه ضربة لشعب فکیف یمکنه التوبة من هذا الذنب؟ و کیف یمکن التعویض؟ و کیف یمکن للمرء إبراء ذمته و طلب العفو من کل واحد من الذین أصابهم الضرر؟ لذا فإن الله لا یتجاوز عن هذه الذنوب. و من هنا تنبع حساسیة مواقفنا أنا و أنتم.و لنلقِ الآن نظرة لقضایا المنطقة و قضایا العالم و القضایا العامة فی البلاد. لحسن الحظ کانت مواقف مجلس الشوری و الحکومة جیدة، و قد وقفوا وقفة صمود. استطاع مسؤولو البلاد فی مناسبات مختلفة - لحسن الحظ - إیصال صوت الثورة البلیغ وسط هذا الضجیج الذی یعمّ المنطقة، إلی أسماع الشعوب فی المنطقة. علی الرغم من الضجیج و الصخب الذی افتعله الأعداء، استطاع الشعب الإیرانی و مسؤولو البلاد إیصال الرأی الصحیح و الکلام الرصین المنطقی لأسماع الناس. هذا ما حصل لحسن الحظ و یجب أن یستمر.إنها ساحة حرب علی کل حال. فی ساحة الحرب یوجّه الإنسان ضربة، و یجب أن یتوقع تلقی ضربة أیضاً. فالعدو لن یقعد عاطلاً، إنما یعمل بدوره لتوجیه الضربات. علی المرء أن یعتبر نفسه فی هذه الساحة الدولیة الواسعة فی میدان حرب. لیست الحالة حالة صلح و مودة و ما إلی ذلک. حتی حینما یتکلمون کلاماً ناعماً ثمة وراء هذا الکلام الناعم خنجر مسلول و ینتظرون غفلة من الطرف المقابل لیغرزوا خنجرهم فی کبده. لذلک ینبغی التحلی بالیقظة و الحذر. و هذه الیقظة موجودة و هذا الوعی موجود. و توصیتی و تأکیدی هو الحفاظ علی هذا الموجود.و أقول لکم طبعاً إن هذا الموضع هو موضع التقوی الجمعیة. لدینا تقوی فردیة یراقب فیها کل فرد نفسه مراقبة دائمیة. التقوی التامة هی أن یراقب المرء نفسه مراقبة دائمیة، کالشخص الذی یسیر فی مکان مغطی بأشواک کثیفة. و هذا المثال مذکور فی الروایات و فی کلمات العظماء، و یجب علی مثل هذا الشخص أن یراقب و یحذر دائماً و ینظر إلی مواطئ أقدامه. إذا غفلتم قد تصیب الأشواک ثیابکم و تمزقها أو تجرح أقدامکم. شبّهوا التقوی بالسیر بین أشواک کثیفة. هذه هی التقوی الفردیة و هی ضروریة. و هذا هو السبیل الوحید للفوز و الفلاح. إذا أراد شخص الوصول للفلاح و الفوز و النجاة الأبدیة فیجب علیه التحلی بالتقوی. کلما کانت هذه الحالة أشد کلما کان الفوز و الفلاح أکبر.و هناک التقوی الجمعیة و هی أن تراقب الجماعات نفسها. الجماعة من حیث هی جماعة تراقب نفسها. عدم مراقبة الجماعات لنفسها من شأنه أن یجرف حتی الأفراد المتحلّین - فی هذه الجماعة - بالتقوی الفردیة داخل الحرکة العامة لتلک الجماعات، و السیر بهم إلی حیث لا یریدون. لقد تلقینا الضربات طوال هذه الأعوام الثلاثین من هذه الناحیة، و کانت هذه من المواطن التی أبدینا فیها ضعفاً.فی العقود السابقة کان هناک فی البلاد تیار اسمه التیار الیساری. و کانوا یرفعون شعارات جیدة، لکنهم لم یکونوا یراقبوا أنفسهم، و لم یتحلوا بالتقوی الجمعیة. کان بینهم أفراد یتمتعون بالتقوی الفردیة، لکن عدم توفر التقوی الجمعیة أوصلهم إلی حیث استطاع مثیرو الفتن المعادون للإمام الحسین و المعادون للإسلام و المعادون للإمام و الثورة أن یعتمدوا علیهم! لم یأت هؤلاء الأفراد لیرفعوا شعارات معادیة للإمام و الثورة، لکن أصحاب الشعارات المعادیة للإمام و الثورة استطاعوا الاعتماد علیهم و الاستناد لهم، و هذا خطر کبیر جداً. و انجرف أولئک.. إذن التقوی الجمعیة ضروریة.قلت لکم العام الماضی أن تقرّروا مراقبة ذاتیة علیکم داخل مجلس الشوری الإسلامی، و هذه هی التقوی الجمعیة. أن تراقب الجماعة نفسها. و قالوا هنا و هناک إن نائب المجلس یجب أن یکون حراً و یجب أن یکون کذا و کذا. لا أحد یعارض حریة نائب المجلس، إنما هی معارضة لسوء سلوک نائب المجلس. النائب السیئ السلوک قد یوجّه إساءة و تهماً لسمعة مجلس الشوری الإسلامی، ألیس هذا مؤسفاً؟ مجلس بهذه العظمة، و هذه المؤسسة القانونیة الأساسیة فی البلاد.فی مطلع الثورة ذهبنا إلی الإمام لنعلن له عن أحد الشخصیات البازرة بیننا باعتباره رئیساً للجمهوریة، و یوافق علیه الإمام ثم نعود و نطرحه رئیساً للجمهوریة داخل الحزب الجمهوری الإسلامی. و لم یوافق الإمام علیه لسبب من الأسباب. ثم قال لنا إذهبوا للمجلس فالمجلس مهم. هذه هی مکانة المجلس فی نظر قائد الثورة و مؤسس هذا النظام و موجد هذه المنظومة. یجب الحفاظ علی هذا و صیانته و صیانة سمعته و مکانته، و هذا ما یحتاج إلی مراقبة ذاتیة. إذا لم تتوفر هذا المراقبة الذاتیة فسوف تظهر مشکلات، و أنتم ترون. لقد أوصیت بهذا الخصوص العام المنصرم. و تم إنجاز شیء بسیط مؤخراً بخصوص هذه القضیة، لکن أهمیة القضیة لم تتحقق لحد الآن و لم تظهر بالشکل الکامل. هذه المراقبة الذاتیة هی التقوی الجمعیة. ثمة فی المجلس سلائق و أذواق و تیارات مختلفة. و لیس لدیّ أیّ إصرار علی أن تتحول التیارات کلها إلی تیار واحد، لا، هناک اختلاف فی الأذواق و الأفکار و السلائق و المعتقدات السیاسیة، و هو أمر طبیعی. و اختلاف الأذواق هذا مفید جداً فی بعض الحالات. و قد تکون له أضراره فی بعض الأحیان. لیس ثمة إصرار علی أن ترتفع هذه الخطوط، إنما الإصرار هو بدرجة الأولی علی الشیء الذی سبق أن ذکرته: عدم الاحتراب و الاشتباک و أن لا یفضی اختلاف الأذواق إلی الشجار و العراک و التحدیات و العداوات و نسیان أمریکا. و للأسف فإن بعض تیاراتنا هکذا. حینما تختلف مع الطرف المقابل تنسی أمریکا و تنسی إسرائیل و تنسی أعداء الثورة و الإمام، و یصبح التعارض الأصلی هو هذا الطرف الذی یقف أمامهم! و هذا خطأ. إذن یجب أن لا تشتبک التیارات مع بعضها بهذه الصورة. و ثانیاً یجب أن تکون هناک سیطرة ذاتیة و مراقبة ذاتیة، و لا یسمحوا لتیارهم بالانحراف، و إلا لیسوا قلائل الأفراد الصالحون فی هذه التیارات، و لکن حینما یتعرض التیار للإشکال فإنه سوف یجرف الفرد الصالح معه. هذه النقاط من الأمور الواضحة و الطبیعیة، و لا أرید أن أتوسع کثیراً فی الکلام و الإیضاح للإخوة و الأخوات.النقطة التی أری من الضروری أن أذکرها الآن لأن هذه السنة هی السنة الأخیرة لنیابة هذا المجلس و نیابة الأصدقاء و الأعزاء، هی أن تحذروا من الرکود و قلة العمل فی المجلس خلال هذه الأشهر العشرة الباقیة بسبب الانتخابات فی شهر إسفند آخر هذه السنة. یُخشی من أن ینصرف اهتمام الأصدقاء و النواب المحترمین إلی حادثة الثانی عشر من إسفند المقبل فیؤدی ذلک إلی تهمیش جمیع الأعمال الضروریة بین یومنا هذا و الثانی عشر من إسفند. رجائی هو أن لا یحدث هذا الشیء. فی کل الحکومات کنت أوصی أعضاء الحکومة أن یحذروا من الفتور فی السنة الأخیرة. و هذا الأمر یکتسب أهمیة أکبر بالنسبة للمجلس، لأن الخطر أکبر. العام الأخیر بالنسبة لأعضاء الحکومة هو عامهم الأخیر، و لا یمکنهم أن یکون لهم سعی و تحرک لاستمرار مسؤولیاتهم، لکن الأمر لیس کذلک بالنسبة لنواب المجلس، إذ یریدون السعی و العمل بهذا الاتجاه، و هذا السعی یجب أن لا یهمِّش واجبات الحاضر، و هی واجبات فوریة و ضروریة. إننی أطلب بجد من الإخوة و الأخوات أن یراعوا هذه النقطة.و النقطة الأخری هی الاقتراب من أصحاب القوة و الثروة. نقول هذا لکم من دون مجاملة، و نحن بالتالی إخوة و یجب أن نتواصی بالحق و نتواصی بالخیر. إنه لخطر کبیر أن یقترب شخص لأصحاب الثروة أو القوة من أجل تأمین نیابته فی المجلس لإحدی الدورات. هذا شیء سیئ جداً. هذا من تلک الأمور التی لا یتجاوز الله تعالی عنها و سوف ینتقم منها. هذه الأمور تترک آثاراً سلبیة علی الشخص و علی عاقبته - عاقبة الخیر التی نولیها کل هذه الأهمیة - و علی المجتمع. و فی مشروع الإشراف و المراقبة الذی تمت المصادقة علی کلیاته، لینظّم الأصدقاء الأمر بحیث تحصل مراقبة حقیقیة، فلا تکون هناک حالة صفقات و معاملات. أعملوا بحیث تکون هناک حقاً عین بصیرة مفتوحة تراقب المجلس. لا یکون الأمر بحیث تسود المجاملات و الخجل و الصفقات و المعاملات علی هذه القضیة.و النقطة الأخری هی التوصیة التی ذکرتها دائماً أعنی التکامل مع السلطة التنفیذیة و السلطة القضائیة، و مع السلطة التنفیذیة خصوصاً، لأن تعامل المجلس غالباً هو مع السلطة التنفیذیة، و یجب أن یتکامل معها. ینبغی عدم تنظیم الأعمال و الأمور بحیث یفهم منها الشجار و الاختلاف. هذه الحالة تترک تأثیراً سیئاً جداً علی الناس. یلاحظ أحیاناً إطلاق بعض الکلمات فی خطاب فی المجلس أو فی تصریح معین. و الکلمة إذا قیلت أطلقت، و إذا کانت لا سمح الله کلمة تتهم شخصاً أو جماعة فإن تلافی ذلک غیر ممکن بسهولة، فهو شیء یبث الیأس فی قلوب الناس. المسؤولون الیوم یسعون و یعملون. لا تقولوا نقطة الضعف الفلانیة و نقطة الضعف الفلانیة. إننی علی علم بنقاط الضعف. و ربما کنت علی اطلاع ببعض نقاط الضعف التی لا یعلم بها الکثیرون غیری. علی الرغم من نقاط الضعف هذه فإن الحالة السائدة الیوم فی السلطة التنفیذیة تعدّ حالة جیدة و منشودة. العمل جارٍ و متواصل فی البلد. و یجب التعاون و المساعدة. لیساعد المجلس الحکومة و لتساعد الحکومة المجلس. القانون هو الفیصل فی عمل الحکومة، و میولُ الحکومة و تشخیصاتها إشارات للسلطة التشریعیة بخصوص کیفیة تشریعها للقوانین. هذه الحالة لا تتنافی مع استقلال المجلس. لقد کنت نائباً فی مجلس الشوری، و کنت رئیساً للحکومة، و جرّبت الموقعین. و شاهدت طوال هذه الأعوام المجالس و الحکومات. لا إشکال إطلاقاً فی أن یسنّ المجلس قانوناً صحیحاً صائباً قویاً منطقیاً یکون العمل وفقه ممکناً و سهلاً بالنسبة للحکومة. و إذا کان هذا فلیس معنی ذلک أن المجلس غیر مستقل. البعض ممن ربما لا یریدون للمجلس أن یکون موجوداً أصلاً أصبحوا الیوم حریصین علی استقلال المجلس و راحوا یقولون: یا سیدی یجب أن یکون للمجلس استقلاله! هذا لا یتعارض إطلاقاً مع استقلال المجلس. ینظر المرء کیف تستطیع الحکومة أن تعمل و کیف تستطیع أن تعمل بشکل أفضل و أسهل فیشرِّع القوانین علی هذا الأساس، و یسیر فی هذا الاتجاه. هذا أمر ممکن و لا إشکال فیه إطلاقاً. و من جهة ثانیة حینما تجری المصادقة علی القانون فمن واجب الحکومة العمل وفق ذلک القانون بکل کیانها و بکل طاقتها و من دون ذرائع. هکذا هو الحال بالنسبة لطرفی القضیة. أی إن کلا الجانبین یستطیع مساعدة الطرف الآخر و التکامل معه، و هذا أمر لازم و ضروری و لا بد أن یحصل. و إذا تذرع أحد الطرفین بذرائع معینة، و قال هذا الطرف لا، لأن الحکومة ترید هذا القانون بهذا الشکل فإننا لن نصادق علیه، و قال الطرف الآخر: لأن فی هذا القانون العیب الفلانی فإننا لن نخضع له، فی هذه الحالة لن یمکن تمشیة الأمور و إدارة عجلة البلاد. الرفق حسن، و کذلک الانسجام و التعاون و المداراة. لدینا روایات حول الرفق. الرفق معناه الانسجام و أن یبدی الإنسان انسجاماً و تناغماً. الذی یجب علی المرء أن لا یستسلم له هو العدو. أما مع الصدیق فیجب علی المرء أن یتعامل بالانسجام و التحمّل و الصبر. یتحمّل هذا الطرف شیئاً من ذلک الطرف، و یتحمّل ذلک الطرف شیئاً من هذا الطرف.و الانتخابات قادمة، و هی علی جانب کبیر من الأهمیة. الانتخابات مؤشر نظام الجمهوریة الإسلامیة و رایتها. علی الرغم من أنف الأعداء أقمنا و الحمد لله الانتخابات فی مواعیدها و بدون أی تأخیر. و هذا شیء مهم جداً. منذ سنة 58 حیث أقیمت أول انتخابات و إلی الیوم أقیمت إحدی و ثلاثون أو إثنتان و ثلاثون انتخابات بدقة و فی الموعد المحدد. بذلوا المستحیل عسی أن یستطیعوا فی فترة من الفترات تأخیر انتخابات مجلس الشوری، لکنهم لم یستطیعوا. تعاضد رؤساء السلطات مع بعضهم لیحولوا دون إقامة انتخابات مجلس الشوری الإسلامی فی موعدها المقرر لکنهم لم یستطیعوا. حاولوا کثیراً و جاءوا و تناقشوا و تکلموا و کتبوا فی الصحف و جمعوا التواقیع و عبّأوا المأمورین الحکومیین لکنهم لم یستطیعوا و الحمد لله. و کذلک سیکون الوضع بعد الآن أیضاً بتوفیق من الله. الانتخابات مهمة. الانتخابات بالنسبة لنا رایة فخر و علامة الدیمقراطیة الدینیة. یجب إقامة الانتخابات بصورة جیدة. و إلی الیوم، علی الرغم من کل سوء الخلق الصادر عن أطراف مختلفة فی دورات شتی و تذرعاتهم و إلحاحهم و أقوالهم قبل الانتخابات: حذار أن تحصل مخالفات فی الانتخابات أو یحصل کذا و کذا، لکنهم لحسن الحظ لم یستطیعوا إثبات أی شیء. أقیمت فی الدورات المختلفة و الحمد لله انتخابات جیدة و واضحة و شفافة و سیکون الوضع کذلک فی هذه الدورة إن شاء الله. و الوقت طبعاً طویل حتی موعد الانتخابات، لکننی أرید أن أوصی المسؤولین فی البلاد بأن یدققوا فی صیانة حرمة الانتخابات. المجلس و الحکومة و السلطة القضائیة یجب أن یراعوا حرمة الانتخابات. لیس من المناسب أو الجائز أن یتدخل أحد بشکل من الأشکال. یجب أن ینظر الشعب و یشخِّص و یتعرَّف حسب السیاق القانونی، و تتم الانتخابات.إنتهی ما کنت أرید قوله، و أضیف فقط أن هذه الأمور التی ذکرها أخونا العزیز بعد کلمة السید لاریجانی أخجلتنی حقاً. و أدری أنها نابعة من المحبة و الإخلاص و الصفاء - لا شک فی هذا - لکن مثل هذه الکلمات فی ضرری و فی ضرر قائلها. یجب عدم ذکر هذه الأقوال بهذا الشکل. نحن جماعة اجتمعنا مع بعضنا صدفة و نعمل سویة، أقوم أنا بعمل و تقومون أنتم بعمل. مثل هذه الکلمات و العبارات لیست مما یروق أو یساعد الإنسان علی التقدم فی عمله. کلنا عبید لله و خدم للناس إن شاء الله.نتمنی أن یشملنا الله تعالی جمیعاً بفضله. و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.
2011/05/29

كلمته في جماعة من السيدات النخبة

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أبارك أيام ولادة‌ سيدة العالمين و سيدة نساء أهل الجنة الصديقة الزهراء (سلام الله عليها). هذه الجلسة و الحمد لله جلسة جدّ مهمة و قيّمة. أولاً الحضور المحترمون سيدات بارزات في مختلف قطاعات الحياة الاجتماعية و العلمية، و هنّ من النخبة الحقيقية في المجتمع، سواء منهن الأستاذات المحترمات و المميزات في شتى الميادين العلمية و التقنية و سواها، أو عوائل الشهداء المحترمة.. زوجة الشهيد المحترمة هذه و أمّ الشهداء الأربعة من النماذج على ذروة مسيرة السيدات نحو الكمال و التعالي. الحمد لله على أن هذه الجلسة‌ جلسة‌ مميزة و جيدة من كل النواحي. الأهمية‌ الأخرى لهذه الجلسة هو طابعها الرمزي. لا شك أن هناك في كل أرجاء البلاد سيدات محترمات أخريات أحرزن مراتب مميزة، و أبدين لياقات، و يعتبرن أرصدة لتقدم البلاد و مستقبلها. هذه الجلسة رمز لمجمل المسيرة العظيمة للسيدات في البلاد.الأفكار التي طرحتها السيدات هنا اشتملت تقريباً على كافة الجوانب المتعلقة بالمرأة من الزاوية التي يجب أن ينظر منها النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية‌ لهذه القضية و يتابعها. لقد أصغيتُ للكلمات بدقة، و وجدتّ أنها تضمنت جميع الأمور التي يمكن في الوقت الراهن أن تمثل عناوين البحث و التحقيق و الدراسات حول قضايا المرأة، و تكون أساساً للبرمجة في البلاد. و هذا ملفت و مريح جداً بالنسبة لي.حسناً، لو أردنا إصدار حكم إلى هذا الحدّ من القضية فسوف يكون هذا الحكم أو التقييم أن نظام الجمهورية الإسلامية استطاع الوصول إلى قمة هي عبارة عن تربية و إعداد نسوة واعيات عالمات صاحبات أفكار و آراء و نظرات بشأن أدق قضايا المجتمع و أكثرها حساسية، و سوف أذكر هذا الجانب. قضية المرأة - و التي يجب تسميتها في العالم اليوم بأزمة المرأة - من أكثر القضايا حساسية‌ في كل حضارة و مجتمع و بلد. و قد استطعتنّ في هذا الخصوص الوصول إلى دقائق و عناوين مهمة‌ و التفكير في هذه القضية. و بالتالي فإن هذا التقييم هو أن الجمهورية الإسلامية‌ استطاعت الوصول إلى قمّة ربما لم تبلغها الكثير من بلدان العالم.و أذكر هنا نقطة هي أن قضية المرأة و العائلة رغم كل الجهود المبذولة - التي بذلتموها أنتم أو الآخرون - لا تزال قضية مهمة و جديرة بالبحث و التوسع في التفكير. و هذا الموضوع أحد موضوعات ملتقيات الأفكار الاستراتيجية التي سنقيمها في المستقبل إن شاء الله. ملتقيات الأفكار الاستراتيجية التي أقيم منها لحد الآن ملتقيان اثنان، و التي تتولى القيام بالمهام الفكرية و من بعد ذلك إن شاء الله البرمجة و العمل، تدرس أهم القضايا الفكرية في المجتمع و أكثرها استراتيجية. و من هذه القضايا قضية المرأة‌ و العائلة التي قررت ضمن لائحة هذه القضايا، و سوف يقام لها ملتقى في المستقبل. و أنا أطلب هنا من السيدات المحترمات و المفكرات - اللواتي شاهدنا نماذج منهن هنا اليوم و الحمد لله -أن يشاركن في هذا المشروع مشاركة‌ جادة و يبحثن و يفكرن و يدرسن العناوين و الفصول المتعلقة بقضايا المرأة بنحو منفصل و تخصصي و بشكل علمي و بالاعتماد على المصادر الإسلامية و الفكر الثوري الأصيل - و هو متوفر فيكن و الحمد لله - استعداداً للملتقى الخاص بهذا الموضوع، لتطرحن أفكاركن هناك و تناقشنها، كي يُستفاد منها إن شاء الله في البرمجة و العمل. حول قضية‌ المرأة في المجتمع تعود المشكلة في أساسها إلى أمرين. هناك نقطتان أساسيتان إذا أمكن التفكير فيهما، و إطلاق مشروع جديد لهما، و العمل لهما بنحو دؤوب و مستمر لأمكن التفاؤل بحلّ الشيء الذي يمكن اعتباره أزمة قضية المرأة في العالم على مرّ الزمن، أي على المدى المتوسط أو البعيد. و هذان الأمران أحدهما النظرة المغلوطة و السيئة لمكانة‌ المرأة و شأنها في المجتمع، و هي نظرة و سوء‌ فهم بدأ من الغرب و ليسبالقديم و المتجذر جداً. إدعى البعض أن هذه الحالة موجودة‌ في بروتوكولات المفكرين الصهاينة و يمكن تخمين أن هذا الأمر ليس بخلاف الواقع. بمعنى أننا لو نظرنا لوجدنا هذه النظرة الخاطئة و هذا الفهم المعوجّ و السيئ بخصوص منزلة المرأة‌ في المجتمع ربما ليس له من الماضي في الغرب أكثر من مائة‌ أو مائة‌ و خمسين سنة، و قد انحدر من الغرب إلى المجتمعات الأخرى بما في ذلك المجتمعات الإسلامية. هذه نقطة.و النقطة‌ الثانية و هي أساس المشكلة تتمثل في سوء فهم قضية العائلة و سوء‌ التصرف داخل العائلة. هاتان هما المشكلتان التان يبدو لنا أنهما أوجدتا أزمة قضية المرأة، و هي مشكلة أساسية في العالم اليوم. ربما كان تعبير «أزمة المرأة» تعبيراً مثيراً للاستغراب. تطرح في الوقت الراهن أزمة المناخ، و أزمة المياه، و أزمة الطاقة، و أزمة ارتفاع درجة حرارة الأرض باعتبارها القضايا الرئيسية التي تواجه الإنسانية، لكن أياً من هذه ليست قضية أصلية للإنسانية. معظم الأمور التي تمثل المشكلات الرئيسية للبشرية تعود إلى قضايا ترتبط بمعنوية الإنسان و أخلاقه و السلوك الاجتماعي بين أفراد البشر، و منها قضية المرأة و الرجل و مكانة‌ المرأة و منزلة المرأة في المجتمع، و هي حقاً أزمة لكنهم يتكتمون عليها،و السياسات المهيمنة على العالم لا ترى من صالحها، بل ربما ترى بخلاف استراتيجياتها الأصلية، أن تطرح هذه القضية.بخصوص القضية الأولى و هي مكانة المرأة في الحياة و المجتمع - و يمكن تسميتها بأية‌ تسمية تشاؤون - تكمن المشكلة في أنهم أوجدوا تدريجياً «لامعادلة» يقف في أحد طرفيها الجانب المنتفع و في الطرف الآخر الجانب المعرَّض للاستغلال. هكذا قسّموا البشرية. الطرف المنتفع هو الرجل و الطرف المعرض للاستغلال هو المرأة. هذه حالة تفشّت بشكل هادئ و تدريجي و بأساليب شتى و بمختلف الطرق الإعلامية و على امتداد عشرات الأعوام، و ربما يصل الأمر إلى مائة عام أو مائة‌ و خمسين عاماً، و لا أستطيع القطع في ذلك بنحو دقيق، إنما هي قضية قابلة للبحث و التحقيق.. تفشت هذه الحالة في المجتمعات الغربية أولاً ثم تسربت إلى المجتمعات الأخرى. هكذا عرّفوا المكانة الاجتماعية للمرأة: المرأة مخلوق يجب أن ينتفع منه الرجل. لذلك إذا أرادت المرأة في الثقافة‌ الغربية أن تظهر و تكتسب شخصيتها فلا بد لها أن تعرض شيئاً من جاذبياتها الجنسية. حتى في المجالس و المحافل الرسمية يجب أن تكون ثياب المرأة بشكل جذاب للطرف المنتفع أي الرجل.إن هذا في رأيي يمثل أشد ضربة و أكبر إهانة و أعظم غمط للحقوقٍ حصل في مجال قضية المرأة. أن تتكون في البيئة الاجتماعية ثقافة‌ يجري فيها الانتفاع من المرأة‌ لصالح طرف آخر منتفع. هذا ما هو موجود اليوم للأسف في الثقافة الغربية. و قد قلدهم الآخرون و سعوا في هذا السبيل و تفشت هذه الحالة في العالم. و إذا نادى مناد بخلاف هذا فسوف يثيرون الضجيج ضده. مثلاً إذا أدينت في مجتمع من المجتمعات حالة‌ تبرج النساء و إبدائهن زينتهن في الأماكن العامة فسوف يثار الضجيج ضد هذا النداء. و إذا حصل العكس - أي إذا جرى الترويج لتعرّي النساء‌ في مجتمع من المجتمعات - فسوف لن يثار أي ضجيج ضد ذلك في العالم. أما حينما ينادي مناد بحشمة المرأة و عدم تبرجها و عدم إبدائها زينتها في المجتمع تستيقظ الأجهزة الإعلامية المهيمنة‌ في العالم و تثير الضجيج. هذا دليل على وجود ثقافة و سياسة‌ و استراتيجية تتابع منذ سنوات عديدة،و أساسها تكريس هذا الموقع و هذه المكانة و هذا الشأن المغلوط و المُهين للمرأة، و للأسف فإنهم فعلوا ذلك.لذلك تلاحظون أنهم راحوا يعارضون الحجاب في الغرب بصورة علنية. و العنوان الذي يذكرونه لهذه المعارضة هو قولهم إن الحجاب رمز لحركة دينية، و نحن لا نريد في مجتمعاتنا - و هي مجتمعات علمانية - طرح الرموز الدينية. و أعتقد أن هذه كذبة، و القضية ليست قضية دين و غير دين، إنما القضية هي أن السياسة الاستراتيجية الأساسية الجذرية للغرب قائمة على استعراض المرأة‌ و ابتذالها و على معارضة الحجاب. حتى لو لم يكن الحجاب ناتجاً عن دوافع إيمانية و دينية فإنهم يعارضونه. هذه هي المشكلة‌ الأساسية.و لهذه الحالة‌ تبعاتها و لوازمها المؤلمة جداً في المجتمعات البشرية. و منها حالة تضعضع أسس العائلة حسب التقارير التي أشارت إحدى السيدات المحترمات إلى نموذج منها، و حالة المتاجرة بالمرأة المؤسفة الباعثة على البكاء. في العالم اليوم و حسب الإحصائيات المعلنة - و أحسب أن هذا التقرير هو من تقارير الأمم المتحدة، فهو تقرير لمركز رسمي -فإن أسرع أنواع التجارة‌ تنامياً في العالم هي المتاجرة بالنساء و تهريب النساء. و أسوء البلدان في هذا المجال هي عدة بلدان منها الكيان الصهيوني. يجمعون النساء و الفتيات بذريعة العمل و الزواج و ما إلى ذلك من البلدان الفقيرة و من أمريكا اللاتينية‌ و من بعض البلدان الآسيوية و من بعض البلدان الفقيرة في أوربا و يأخذونهن و يسلمونهن في ظروف جد عصيبة إلى مراكز ترتعد فرائص الإنسان لتصوّرها و ذكر أسمائها. كل هذا قائم على نظرة خاطئة‌ و على لامعادلة ظالمة بخصوص مكانة المرأة في المجتمع. ظاهرة الأطفال غير الشرعيين - و أعلى رقم للأطفال غير الشرعيين هو في أمريكا - و ظاهرة الحيوات المشتركة من دون زواج، و هي في الحقيقة تدمير للعائلة و أجوائها الصميمية و بركاتها و حرمان البشر من هذه البركات و الخيرات. هذه كلها ناجمة‌ عن المشكلة الأولى. و يجب التفكير بحل لهذه المشكلة. يجب تعريف مكانة المرأة و الوقوف بكل جدّ بوجه المنطق الغربي الشقي.قلت ذات مرة إنهم سألوني: ما هو دفاعكم حيال ما يقوله الغربيون بخصوص قضايا المرأة‌ في البلاد؟ فقلت لهم:‌ لا دفاع لنا، إنما لنا هجومنا! إننا في ما يتعلق بقضايا المرأة ندين الغرب و نداعيه، فالغربيون هم الذين يظلمون المرأة و يهينونها و يهبطون بمنزلتها باسم الحرية و العمل و منحها المسؤوليات.. يضغطون عليها نفسياً و عاطفياً و يهينون شخصيتها و مكانتها. هم الذين يجب أن يجيبوا. و الجمهورية الإسلامية‌ لها مسؤوليتها في هذا الخصوص. على الجمهورية الإسلامية في ما يتعلق بقضية المرأة أن تطرح آراءها بصراحة‌ و من دون أية مجاملة و هي آراء‌ في معظمها اعتراض على النظرة الغربية و اللامعادلة الغربية الظالمة. وفق هذه الرؤية تكتسب قضية الحجاب و قضية نوع العلاقة بين المرأة‌ و الرجل معناها. هذه مسألة.المسألة الأخرى - و هي المشكلة الثانية في قضية المرأة - هي مسألة العائلة. نظرة الإسلام للعائلة و مكانة المرأة في العائلة نظرة جلية جداً. «المرأة‌ سيدة بيتها» (1). إنها كبيرة‌ البيت و ربّته. هذا عن الرسول الأكرم (ص). مكانة المرأة في العائلة هي ما ورد في أقوال متعددة للأئمة الأطهار (عليهم السلام): «المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة» (2). و القهرمان في اللغة العربية هو العامل و المساعد و الخادم المحترم. يقول إن المرأة في البيت ليست بقهرمانة بل هي ريحانة أي زهرة البيت. و يخاطب الرجال قائلاً: خيركم خيركم معاملة لنسائهم. هذه هي آراء الإسلام، و هناك أحاديث من هذا القبيل إلى ما شاء الله. و مع ذلك فإن تحقق ما يريده الإسلام في العائلة أمر لا ينتهي و يحلّ عند هذه الأقوال و الأحاديث، إنما يحتاج إلى دعامة قانونية و سند تنفيذي و ضمانة تنفذية، و هذا ما يجب أن يحصل. و لم يحصل طوال الأعوام الماضية. العوائل المتدينة و الرجال الذين يتمتعون بأخلاق حسنة و الملتزمون بالشرع كانوا يلاحظون هذه الأمور، و لكن في الحالات التي لم تتوفر فيها هذه الخصوصيات و لم تجر ملاحظة هذه الأمور جرى ظلم المرأة داخل العائلة.و لا نعتقد أن الغربيين متقدمون علينا في هذا المجال، أبداً. لدي الكثير من الإحصائيات، و قد ذكرت هذه السيدة المحترمة إحصائيات تشير إلى أن الوضع الداخلي للعوائل الغربية من حيث الظلم الذي تتعرض له المرأة و عدم مراعاة حقوقها أسوء يقيناً من الوضع في العوائل الإسلامية و الإيرانية و الشرقية، و ليس بأفضل منه إن لم يكن أسوء منه. و هو في بعض الأحيان أسوء‌ منه بالتأكيد. نحن لا ننظر إلى أولئك و هم ليسوا نموذجنا. لدينا في البيئات العائلية الكثير من النواقص تحتاج إلى دعامات قانونية و ضمانات قانونية و ضمانات تنفيذية و هذا ما يجب أن يتحقق. هذه المسألة من جملة المجالات و الميادين التي قلما جرى العمل لها داخل البلاد و ينبغي أن تزداد الأعمال فيها.و لا يوجد أي نقص من حيث النظرة الإسلامية‌ و النصوص الإسلامية في هذا المجال. نرى الذين ينتقدون الأفكار الإسلامية يشكلون أحياناً على قضايا الميراث و الديات و ما إلى ذلك، و الحال أن إشكالاتهم غير واردة، و توجد لها إجابات قوية و منطقية. أما بخصوص السلوك داخل العائلة فهناك حالات غفلة للأسف، و الحال أن نظرة‌ الإسلام واضحة جداً. البيئة العائلية يجب أن تكون آمنة‌ تماماً للمرأة و توفر لها العزة‌ و الهدوء و الطمأنينة لتستطيع المرأة النهوض بواجباتها الأساسية - و هي الحفاظ على العائلة و صيانتها - على أفضل وجه.هناك الكثير من البحوث و النقاشات حول نظرة الإسلام للمرأة، و قد ذكرنا هذه الأمور مراراً. و قد قلتُ كراراً إن المرأة في القرآن الكريم هي نموذج الإنسان المؤمن المرضي من قبل الله، و كذلك نموذج الإنسان الكافر والمرفوض من قبل الله. و هذا شيء ملفت للنظر. حينما يريد القرآن أن يذكر نموذجاً للإنسان الصالح و الإنسان الطالح يختار المرأة لهاتين الفئتين: «ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط» (3). يذكر القرآن هاتين المرأتين كمثل أي كنموذج و رمز للنساء السيئات.. زوجة نوح و زوجة لوط. و في المقابل: «و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون» (4). يذكر كنموذج للمرأة الصالحة المؤمنة الأفضل شخصيتين إحداهما زوجة فرعون و الثانية السيدة مريم: «و مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها» (5). و اللافت هو أن صلاح و سوء‌ كل هاته النساء الأربع يعود إلى البيئة العائلية. يقول حول تلكم المرأتين الطالحتين «امرأة نوح و امرأة لوط»: «كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما» (6). خانت هاتان المرأتان زوجيهما و هما نبيّان كبيران رفيعا المنزلة. القضية قضية العائلة. و موضوع المرأتين الصالحتين أيضاً يتعلق بالعائلة، الأولى زوجة فرعون و أهميتها و شأنها في تربيتها لرسول من أولي العزم هو موسى كليم الله و إيمانها به و مساعدتها له، لذلك انتقم منها فرعون. القضية قضية عائلية داخلية بما لها من مديات واسعة في التأثير، حيث قامت بتربية النبي موسى. و كذا الحال بالنسبة للسيدة مريم: «التي أحصنت فرجها»، أي صانت عرضها و حافظت على عفافها. و هذا دليل على أن في البيئة الحياتية التي عاشت فيها السيدة مريم (سلام الله عليها) كانت هناك عوامل يمكن أن تعتبر خطيرة على عفاف و عرضالمرأة العفيفة، لكن السيدة مريم كافحت ضدها. و بالتالي فإن كل الحالات تختص بهذه الجوانب التي ذكرت، أي جوانب العائلة و منزلة المرأة في المجتمع. و عليه فالمسألة مسألة مهمة. طبعاً حققنا في الجمهورية الإسلامية تقدماً. نظرتي نظرة متفائلة. لقد شهدنا ما قبل الثورة عن كثب. الوضع الذي كانت بلادنا و مجتمعنا و نساؤنا تسرع إليه كان وضعاً مهولاً و خطيراً جداً. و بسبب الطابع التقليدي و الاستعاري للوضع هنا كان ظاهر النساء هنا أحياناً أسوء مما شاهدناه أو قرأناه في الصور و الأحاديث و التقارير عن المرأة الأوربية! كانوا يروجون لمثل هذا الوضع. طبعاً استطاعت المرأة‌ الإيرانية‌ بما لها من جوهر إيماني في صميم ذاتها التغلب على هذه الموجة المخرّبة و أن يكون لها إسهامها الأساسي في الثورة، سواء بمشاركتها المباشرة أو بتشجيعها الرجال لتكون بالتالي من الأركان الأساسية لانتصار الثورة. و بعد الثورة كان تحرك النساء تحركاً ممتازاً.من الضروري أن أقول إن زوجات المجاهدين في سبيل الحق و المناضلين و القادة و أمهاتهم هنّ حقاً آيات في الصبر و المقاومة. حينما يقرأ المرء سيرهن و ما تحمّلنه من آلام و مرارات - طبعاً السيدات زوجات المجاهدين قبل الثورة تحمّلن صعوبات معينة لكن النماذج المتكاملة كانت في فترة الدفاع المقدس -يشعر بما تجرعته هؤلاء الزوجات و الأمهات. بعثن أبناءهن للجبهات و استشهد الكثير منهم أو تعوقوا و بقيت أسوات الصبر و المقاومة هذه شامخات كالجبال. هذا على صعيد الأمور المعنوية و الإنسانية. و على صعيد الشؤون السياسية و في ميدان القضايا العلمية حقق البلد و الحمد الله تقدماً ممتازاً. كل هؤلاء النسوة العالمات و الأستاذات في مختلف الفروع العلمية و في العلوم الحوزوية و العلوم الجامعية - و نموذج منهن أنتن الحاضرات المحترمات هنا - كلهن دلائل على نجاح الجمهورية الإسلامية. هذه هي نظرتي. و هي نظرة تجعل القلب متفائلاً بالمستقبل. إذا سرنا بهذا الاتجاه و بهذه السرعة إن شاء الله سنستطيع بالتأكيد التغلب على الثقافة الغربية الخاطئة الشائعة في العالم. ينبغي الجدّ و العمل و السعي و المتابعة. النظرة نظرة متفائلة، بيد أن هذه النظرة المتفائلة يجب أن لا تمنعنا من مشاهدة نقاط الضعف. لقد تقدمنا بعض الدرجات و لكن ربما كان بالإمكان التقدم عشرات الأضعاف. ما جعلنا لا نتقدم بتلك الدرجات هو هذه المواطن من الضعف و المشكلات الموجودة التي أشرتم إلى بعضها، و ثمة مشكلات أخرى يجب أن تعالج و ترتفع.ما أروم ذكره في ختام كلامي هو أن المهمة الأصلية الأكبر مهمة ينبغي للسيدات أنفسهن أن ينهضن بها. أنتن اللواتي تستطعن أن تفكرن و تتعمقن و تدرسن و تعالجن المشكلات على المستوى النظري و الفكري و تقدمن الحلول التنفيذية على المستوى العملي. و هذا ما سوف يسهل الأعمال و يقرّب نتائجها كثيراً. قدمت السيدات المحترمات في هذا الاجتماع بعض المقترحات، و بعض هذه المقترحات عملية و ممكنة تماماً و سهلة و يمكن تنفيذها و المبادرة إليها، و بعضها يمكن التمهيد لها.على كل حال أتمنى أن يكون مجتمعنا النسوي إن شاء الله من أكثر المجتمعات توفيقاً و نجاحاً، و أن تستطيع فتياتنا الشابات أن يقطعن خطوات أوسع على هذه الصعد التي تمهدونها، و أن نقترب يوماً بعد يوم إن شاء من الأهداف الإسلامية العليا. و سوف تترك هذه الجلسة إن شاء الله بركاتها في هذا المجال.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - نهج الفصاحة، ص 614 .2 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 .3 - سورة التحريم، الآية 10 .4 - سورة التحريم، الآية 11 .5 - سورة التحريم، الآية 12 .6 - سورة التحريم، الآية 10 . 
2011/05/22

کلمته فی الملتقی الثانی للأفکار الاستراتیجیة بموضوع العدالة

بسم الله الرحمن الرحیمشکراً جزیلاً للحضور المحترمین الإخوة و الأخوات الأعزاء، و کذلک القائمین علی هذا الملتقی العمیق المفید، و خصوصاً الدکتور السید واعظ زاده الذی أدار الجلسة بصورة جیدة. شکراً لکم لأنکم باجتماعکم هذا وفرتم الفرصة لطرح هذه البحوث التی سوف تستمر إن شاء الله. و أحمد الله تعالی العزیز الحکیم الذی منّ علی الجماعة الحاضرة هنا و المسؤولین و العاملین فی إقامة هذا الملتقی بالفراغ و الأمن و الإمکانیات و الحیویة لیستطیعوا النهوض بهذه المهمة. لو لا لطف الله، و لو لا فراغ بال المفکرین و الأساتذة لما أتیحت هذه الفرصة للنظام. إنها فرصة مهمة وفرها الله تعالی لنا و له الحمد.ما حصل فی هذا الملتقی الیوم هو بدایة، و نسعی بتفاؤل إلی أن تستمر هذه البدایة استمراراً لائقاً و تکون لها نهایة مبارکة. أشعر أن فی البلاد إمکانیات و طاقات بشریة واسعة لمتابعة هذا الموضوع - أعنی موضوع العدالة - و الوصول به إلی غایته.و الخبراء الحاضرون فی هذه الجلسة هم فی رأینا شرکاء هذا النقاش. و لا شک أنه یوجد فی أنحاء البلد و فی الجامعات و فی الحوزات العلمیة و فی مراکز البحث الواسعة القائمة فی البلاد لحسن الحظ أشخاص و خبراء لهم فی هذا الموضوع بحوثهم و دراساتهم، أو لدیهم الاستعداد لتقدیم بحوث. إننا نعتبرهم شرکاء فی هذا النقاش.موضوع العدالة یجب أن یتحول إلی خطاب نخبوی. یجب أن نتابع هذه المسألة و لا نترک هذا الموضوع، فالأرضیة واسعة و الحاجة شدیدة، و قد کانت جوانب من هذه الحاجة ملموسة فی کلمات بعض الأعزاء. هذه البحوث التی قدمتموها و تلک التی ستظهر فی المستقبل إن شاء الله حصیلتها للجیل الحالی و للأجیال القادمة حصیلة قیّمة و الحاجة إلیها شدیدة ماسّة. و ربما کان من اللازم بعد ذلک الاستفادة من الخبراء فی العالم الإسلامی. ربما کان فی البلدان الأخری خبراء یمکن أن یمدّوا لنا ید العون فی التلخیص النهائی لموضوع العدالة و الوصول به إلی غایته.لقد سررت و فرحت لشعوری بأن الأعزاء أولوا أهمیة لبحوث و طروحات بعضهم. مجال الاعتراضات و تسجیل الإشکالات الذی أدرجه الدکتور السید واعظ زاده فی هذه الجلسة یبدو لی أنه من أمتع الأشیاء و أکثرها جاذبیة، و دلیل علی أن الحضور أولوا البحوث المطروحة اهتماماً. هذه عملیة تفضی إلی التکامل. لکم کلکم آراء و نظرات، و قد فکرتم فی هذه المقولة و سوف تفکرون أکثر، و لکن حین تجتمعون فی مثل هذه المجموعة و تتبادلون الآراء و النظرات مع بعضکم فإن ما فکرنا به سوف یتعمق و یتسع و یکون أکثر شمولاً، و سوف یصل بنا فی النهایة إن شاء الله إلی الغایة المنشودة و النقطة النهائیة، و هذا ما سأشیر له.لن أخوض فی المحتوی، فقد بدأ البحث فی المحتوی علی أیدیکم الیوم، و یجب إن شاء الله أن یستمر فی هذا المرکز الذی أشار له السید واعظ زاده، و ستکون تلک النتیجة النهائیة للمحتوی حصیلة و خلاصة للأفکار و النظرات و النتاجات الفکریة للعلماء و المفکرین. إذن، لن أخوض فی تلک المسألة، إنما أرید أن أطرح فقط جملة من النقاط.إحدی النقاط هی أن العدالة کانت همّاً دائمیاً و تاریخیاً للبشریة. و تبعاً للشعور بالحاجة للعدالة الذی خالج البشریة دوماً علی طول التاریخ و إلی الیوم خاض المفکرون و الفلاسفة و الحکماء فی هذه المقولة و کانت من همومهم. و علیه جری النقاش و أطلقت النظریات منذ أقدم عصور التاریخ و إلی الیوم حول العدالة و العدالة الاجتماعیة بهذا المعنی العام، لکن دور الأدیان کان استثنائیاً. أی إن ما قالته الأدیان علی مرّ الزمان حول العدالة و ما أرادته و ما اهتمت به کان استثنائیاً و منقطع النظیر. فی آراء الحکماء و المفکرین لا یلاحظ علی الإطلاق ذلک الاهتمام الذی أبدته الأدیان.أولاً بشهادة القرآن جعلت الأدیان العدالة هدفها: «لقد أرسلنا رسلنا بالبینات و أنزلنا معهم الکتاب و المیزان لیقوم الناس بالقسط» (1). لا مراء أن هذه الآیة تحکم بأن الهدف من أرسال الرسل و إنزال الکتب و الإتیان بالبینات - أی الحجج المتقنة و التی لا تقبل الشک التی یعرضها الأنبیاء؛ الکتاب یعنی میثاق الأدیان بخصوص المعارف و الأحکام و الأخلاق؛ و المیزان بمعنی المعاییر و المقاییس - هو القیام بالقسط، «لیقوم الناس بالقسط». و لا ریب أن القیام بالقسط و کل ما یتعلق بالحیاة الدنیویة و الاجتماعیة و الفردیة للأفراد هو مقدمة لذلک الهدف من الخلقة: «و ما خلقت الجنّ و الأنس إلا لیعبدون» (2)، أی العبودیة. بل إن الهدف من الخلقة أساساً هو أن یکون الإنسان عبداً لله، و أسمی الکمالات هو هذه العبودیة لله. لکن فی الطریق للوصول إلی ذلک الهدف الذی نشدته النبوات و أرسل الرسل من أجله هناک هدف صرحت به هذه الآیة. و طبعاً توجد تصریحات أخری فی الآیات القرآنیة تشیر إلی سائر الأهداف المنشودة من أرسال الرسل، و هذه الأهداف ممکنة الاجتماع مع بعضها. إذن، الهدف هو العدالة. الهدف المنشود من تأسیس أنظمة الحکم و قیام الحضارات، و الهدف من مسیرة الإنسانیة فی البیئة الاجتماعیة هو العدالة. هذا غیر موجود فی أیة مدرسة أخری، إنما هو شیء خاص بالأدیان.السمة الأخری فی الأدیان هی أن الأنبیاء علی امتداد التاریخ کانوا إلی جانب المظلومین، أی إنهم قاتلوا عملیاً من أجل العدالة. لاحظوا أنه جری التصریح فی القرآن الکریم بأن الأنبیاء واجهوا الطواغیت و المترفین و الملأ، و کل هؤلاء من الطبقات و الشرائح الظالمة. المترَف و المترِف ینطبق من جهتین علی شریحة خاصة، و کلاهما صحیح. طبعاً ما یوجد فی القرآن الکریم هو المترَفین، لکن المترِف صحیح أیضاً. المترَفون یقفون بوجه الأنبیاء، «ما أرسلنا فی قریة من نذیر إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به کافرون» (3). ما من نبی لم یقف المترفون بوجهه. أی إن النبی یحارب المترفین. و کذا الحال بالنسبة للملأ. الملأ هم أصحاب القوة و القدرة. و الطاغوت معنی عام یشمل کل هؤلاء. و هکذا فإن الأنبیاء یقفون فی الصراع بین الظالم و المظلوم إلی جانب المظلوم دوماً، أی إنهم یخوضون غمار الساحة و یحاربون من أجل العدالة. هذا أیضاً شیء منقطع النظیر.لقد تحدث الحکماء عن العدالة، لکنهم فی کثیر من الأحیان کالکثیر من المثقفین الذین یتحدثون إلا أنهم علی المستوی العملی لا یخوضون غمار الساحة. لقد شهدنا مثل هذا خلال فترة النضال و الکفاح، و شهدناه بعد ذلک خلال فترة الدفاع المقدس، و نشهده إلی الیوم بدرجات متفاوتة. الأنبیاء لم یکونوا هکذا. کان الأنبیاء یخوضون الساحة و یجعلون صدورهم دروعاً، و حتی عندما یقول لهم المترفون لماذا تناصرون الطبقات المظلومة، و خیر لکم أن تترکوهم، کانوا یرفضون ذلک و یتصدون لهم. و هذا ما تشیر له الآیة القرآنیة الشریفة «و لا أقول للذین تزدری أعینکم لن یؤتیهم الله خیراً» (4)، التی تستعرض جواب النبی نوح لمعارضیه. و علیه کان المحرومون من العدالة من أول الذین یلتفون حول الأنبیاء.النقطة الثالثة هی أن جمیع الأدیان متفقة علی أن نهایة هذه المسیرة التاریخیة العظیمة نهایة مفعمة بالأمل بتحقق هذا العدل. أی إن الأدیان تقول بقطع إن عصراً سوف یأتی هو عصر العدل، و هو زمن استقرار و تکریس الدین الکامل. جاء فی الدعاء بعد زیارة آل یاسین الشریفة: «یملأ الله به الأرض قسطاً و عدلاً - أو عدلاً و قسطاً، و التعبیر مختلف فی مواضع عدة - کما ملئت ظلماً و جوراً». و جاء فی موضع آخر: «بعد ما ملئت ظلماً و جوراً». کل الأنبیاء و کل الأدیان و کل النبوات تشیر إلی هذه النهایة و تشدد و تصرّ علیها، و تقول إننا سائرون نحوها. إذن النبوات تؤکد علی العدل فی المبدأ و فی الطریق و فی النهایة ، و هذا ما لا نظیر له.النقطة الأخری هی أن العدالة کان و لا یزال لها فی ثورتنا الإسلامیة - و هی حرکة دینیة - مکانة ممتازة بطبیعة الحال. فی شعارات الجماهیر و فی دستور البلاد و فی کلمات الإمام الراحل (رضوان الله علیه) و فی الخطابات الموضعیة فی أزمان مختلفة و فی مختلف المناسبات فی الجمهوریة الإسلامیة تلاحظ هذه المکانة الممتازة. مثلاً فی فترة الدفاع المقدس حیث کانوا یأتون و یضغطون و یرفعون شعارات السلام من أجل إخراج الجمهوریة الإسلامیة من الساحة، هناک رفعت الجمهوریة الإسلامیة شعار «السلام العادل». السلام لیس قیمة مطلقة، إنما هو قیمة نسبیة. مرة یکون السلام حسناً و مرة یکون قبیحاً و القتال هو الحسن. أما العدالة فلیست کذلک. العدالة قیمة مطلقة. لیس لدینا موطن تکون فیه العدالة قبیحة. و قد کانت هذه القیمة مطروحة فی الجمهوریة الإسلامیة و علی رأس أولویات و هموم النظام الإسلامی منذ بدایة الثورة. و علی صعید تطبیق العدالة أنجزت للإنصاف الکثیر من الأعمال لکنها غیر مرضیة. بعض الأعزاء قدموا فی ما یخص الأعمال التی أنجزت معلومات و إحصائیات جیدة، و ربما کانت معلوماتی بخصوص الأعمال التی تمّ إنجازها أکثر، فأنا أدری أنه تمّ إنجاز أعمال کبیرة و واسعة منذ بدایة الثورة، لکنها لیست مرضیة علی الإطلاق. فما نحتاج إلیه و ما نسعی إلیه هو الحد الأعلی من العدالة و لیس الحد المقبول، لا، إننا نسعی للعدالة فی درجاتها العلیا القصوی، و نروم أن لا یکون هناک ظلم فی المجتمع. و أمامنا مسافة طویلة حتی تلک المرحلة. إذن، یجب أن نبذل الجهود و المساعی للوصول إلی تلک المرحلة. و ما یجب أن أقوله تتمة لهذا الکلام هو إننا نخوض الیوم فی النقاش حول العدالة - فالعدالة موضوع هذا الملتقی - استمراراً لذلک الهمّ الأساسی، و لا یعنی هذا إننا لم نعرف العدالة طوال کل هذه الأعوام، أو أن نظام الجمهوریة الإسلامیة لم یکن له علی الإطلاق تعریفه للعدالة و لم یتحرک باتجاه العدالة، لا، کانت هناک تعاریف إجمالیة و کلیة و حدود متیقنة، و قد کان الجمیع علی معرفة بها، و تم إنجاز الکثیر من الأعمال فی هذا الخصوص کما ذکرنا. لکننا الیوم حینما نطرح هذه الأفکار أولاً لأننا نرید أن تکون العدالة خطاباً حیّاً و حاضراً دوماً فی الساحة. یجب أن یکون عنوان العدالة و قضیة العدالة عنواناً و مسألة أصلیة بین النخبة و بین المسؤولین و بین الناس، و خصوصاً بین الأجیال الصاعدة، و أن تطرح بصورة مستمرة دائمة. هذا من أهداف هذا الملتقی، و من غایات إثارة موضوع العدالة فیه.و المسألة الأخری هی أننا إذا أردنا تقلیل المسافة بین ما نریده من العدالة و ما یجب أن یکون، و بین الواقع الکائن حالیاً، فیجب أن نتوفر علی الأسالیب و السبل الجدیدة المؤثرة. یجب أن نعلم ما هی الأسالیب العملیة للعدالة، أی أن نعتبر مرحلة الاختبار و الخطأ قد انتهت و مضت. فی هذه الأعوام الثلاثین کانت ممارساتنا فی الکثیر من الأحیان ضمن إطار الاختبار و الخطأ، سواء فی العقد الأول بما کان فیه من میول - و هذا ما أشار له بعض الأعزاء - أو بعد ذلک حیث الموقف المقابل فی العقد الثانی، و خلال کل ذلک کانت هناک أسالیب و اتجاهات متنوعة. و لم یعد من الصالح أن نعمل بهذه الطریقة. یجب أن نجد الأسالیب المتقنة المبتنیة علی تعاریف متقنة و نشخصها و نرکز علیها و نسیر وفقها.و الناحیة الثالثة هی أن البلد الیوم یسیر فی طریق التقدم علی شکل قفزات واسعة، و هذه حقیقة قائمة. لحسن الحظ فإن مسیرة البلاد صوب التقدم - بالمعنی العام للکلمة - حرکة سریعة. فللحق، لا یمکن مقارنة الحاضر بما کان علیه الماضی قبل عشرین عاماً. حرکتنا نحو التقدم الیوم علی شکل قفزات واسعة. و فی الظروف التی تتوفر فیها مثل هذه القفزات نحتاج إلی قرارات کبری. یجب اتخاذ قرارات کبری. و إذا غفلنا عن عنصر العدالة فی مثل هذه القرارات الکبری فلن یمکن حصر الأضرار و الخسائر التی ستنجم عن ذلک. لذا یجب الاهتمام بالعدالة الیوم علی نحو خاص و مضاعف. و ینبغی خصوصاً إیضاح العلاقة بین التقدم و العدالة.و قد أشاروا إلی أن هناک فکرة إنشاء مرکز لمتابعة نموذج التقدم، و أن مقدمات الأمر و تمهیداته قد أعدّت، و سوف یعمل هذا المرکز بجد إن شاء الله، و ینبغی متابعة موضوع العدالة هناک أیضاً.النقطة الأخری هی أن ما نروم الوصول إلیه فی المرحلة النظریة هو نظریة إسلامیة أصیلة حول العدالة. طبعاً ینبغی مراجعة المصادر الإسلامیة بنظرة تجدیدیة و إبداعیة، و استخراج هذه النظریة من المصادر الإسلامیة ضمن أطرها العلمیة و الفنیة الخاصة بها و التی أشار لها بعض الأعزاء. لدینا فی باب الاستنباط أسالیب و مناهج علمیة دقیقة جداً تم اختبارها و تجربتها، و یجب الاستفادة من هذه الأسالیب و المناهج. إذن، فی مرحلة النظریة و بناء النظریة یجب استخراج نظریة الإسلام الأصیل حول العدالة من المصادر و النصوص الإسلامیة. ما أرید التشدید علیه هو أننا لا نروم إیجاد نظریة و إنتاجها عن طریق المونتاج و رصف عدة نظریات متنوعة لمفکرین و حکماء کانت لهم آراؤهم فی هذا الباب. أی یجب علی هذا الصعید الامتناع بجد عن الحالة الانتقائیة و الحؤول دونها. لقد وقعنا فی أخطاء فی حالات متعددة. و انزلقنا إلی مستنقع الانتقائیة دون أن نقصد ذلک أو نریده. و الخروج منه سیکون صعباً جداً. لا، یجب أن نبحث بحق فی المصادر الإسلامیة، و هذه المصادر کثیرة و قد أشار لها الأعزاء. ثمة فی القرآن الکریم و فی الأحادیث و فی نهج البلاغة و فی الکتابات الفقهیة و الکلامیة و الحکمیة بحوث کثیرة یمکنها جمیعاً أن تکون مصادرنا فی العثور علی النظریة الإسلامیة الأصیلة.و بالطبع فإن هذا الأمر کغیره من الأمور یمکن أن یکون التعرف فیه علی نظریات الآخرین عوناً لنا فی فهم النصوص الإسلامیة. هکذا هو الحال فی کل مسألة و فی کل مکان، هکذا هو حتی فی بحوثنا الحقوقیة و الفقهیة. حینما نتعرف علی رؤیة أجنبیة و یکتسب ذهننا الاتساع اللازم سوف نستطیع الاستفادة من مصادرنا الإسلامیة بصورة أفضل و أکمل. و هنا أیضاً یدور الأمر علی نفس الشاکلة. لکننا ینبغی أن نسعی للوصول إلی النظریة الإسلامیة الأصیلة و نتجنب الانتقائیة. و طبعاً من البدیهی أننا حینما نقول إن النظریة الإسلامیة یجب أن تکون خالصة و أصیلة فالسبب هو أن قضیة العدالة قائمة علی أرکان و أسس وجودیة و معرفیة، و إذا أردنا الاعتماد علی النظریات الغربیة - و هی السائدة غالباً - نکون فی الواقع قد اعتمدنا علی أسس فلسفیة لا نرتضیها و لا یمکننا قبولها، و هی نظریات فی باب الوجود.و النقطة المتمِّمة لهذه النقطة هی أن الرؤیة الإسلامیة للعدالة تختلف أساساً عنها فی النظم و النظریات الغربیة. العدالة فی الإسلام ناتجة عن الحق کما أشار الأعزاء - و لحسن الحظ طرحت آراء جیدة فی هذه الجلسة تکفینا مؤنة المزید من الإیضاح و التوسع فی الکلام - أضف إلی ذلک أن هناک «ینبغیات» فی العدالة، أی إن العدالة و العمل بالعدالة من وجهة نظر الإسلام واجب إلهی، و الحال أنها لیست کذلک فی المدارس الغربیة. تطرح العدالة فی المدارس الغربیة بأشکال متعددة - فی الاشتراکیة بشکل، و فی اللیبرالیة بشکل - و بکل التطورات و الأشکال المختلفة الموجودة فی هذه المدارس. و لا توجد فی أیٍّ منها نظرة جذریة أساسیة للعدالة قائمة علی القیم المبدئیة کما هو فی الدین و الإسلام.و نقطة أخری هی أننا نحتاج فی میدان الفکر و التنظیر إلی تعدد الآراء و تضارب الأفکار. حینما نقول إننا یجب أن نصل إلی نظریة إسلامیة و نکتشف النظریة الإسلامیة الأصیلة فهذا یقوم علی مقدمات طویلة و واسعة نسبیاً. و أهم هذه المقدمات هی أن تتضارب آراء المفکرین و تطرح وجهات نظر مختلفة، و هذا أمر ضروری، و یمثل الحراک و الحیویة العلمیة. یجب أن لا یکون هناک تصور بأن لدینا أحکاماً و آراء مسبقة، و لدینا شیء نقصده مسبقاً، و نروم الوصول إلیه لا غیره، لا، بل نرید أن نعرف الحق و الصحیح عن طریق تضارب الآراء. إذن، تضارب الآراء شیء لازم، و لیس له حدّ یقف عنده. أی بعد أن نصل إلی الرؤیة النهائیة و المختارة فی هذه البرهة من الزمن، یبقی المجال مفتوحاً لآراء جدیدة و نظریات جدیدة و نقاط جدیدة تطرح فی المستقبل، لا مانع من ذلک أبداً. و لکن هناک بالتالی حاجة للوصول إلی محصلة قویة متینة تقوم علیها التخطیطات و البرامج طویلة الأمد فی البلاد.تضارب الآراء و الأفکار ضروری، لکن إدارة البلاد تحتاج بالتالی إلی الوصول لمحصلة و نتیجة متینة و متقنة و مبرهنة حول العدالة الاجتماعیة یمکن علی أساسها وضع الخطط و البرامج طویلة الأمد. طبعاً بعد أن نصل إلی هذه المحصلة تبدأ تارة أخری بحوث جدیدة من أجل العثور علی الأسالیب، أعنی البحوث العملیة التطبیقیة. لاحظت الیوم أن بعض البحوث المطروحة ترتبط بالأمور التطبیقیة - و هذا حسن جداً - و مدیات هذا الأمر واسعة جداً. أی إننا بعد أن نصل إلی نظریة متقنة و منتظمة بخصوص العدالة تبرز عندئذ الحاجة إلی بحوث عملانیة من أجل العثور علی أسالیب التطبیق فی المجتمع، و هذا ما یتمخض عن بحوث کبیرة الحجم. و هنا نستطیع أن نستفید من التجارب البشریة. أوافق ما قاله أحد السادة بأن الأسالیب تتأثر بالأهداف - لا ریب فی هذا - لکن هذا لا یعنی أننا لا نستطیع الاستفادة من أسالیب الآخرین و تجاربهم، لا، لا مراء أننا نستطیع الاستفادة منهم. فی طور البحوث العملیة یأتی الدور للاستفادة من تجارب الآخرین. فی مجال البنوک مثلاً أو فی مجال آخر یتعلق بالقضایا الاقتصادیة أو فی المجالات الاجتماعیة بشکل آخر، أو فی القضایا القضائیة بصورة أخری هناک تجارب مرّت بها شعوب لمدد معینة و تبینت الآثار، یمکن طبعاً الاستفادة من ذلک، لا إشکال فی هذا أبداً. علیه یجب الاستفادة من تجارب الآخرین.نقطة أخری هی أن من أهم الأمور فی المجال النظری أن نطرح بحوث العدالة کفرع علمی واضح المعالم فی الحوزات و الجامعات، و هذا شیء غیر متوفر حالیاً لا فی الحوزة و لا فی الجامعة. لا إشکال فی أن تکون مسألة العدالة من المسائل التی یبحثها الفقیه بمنهج فقهی. و قاعدة العدل و الإنصاف التی أشار إلیها السادة یجب أن تنقّح، و هی الآن غیر منقحة. و السبب فی عدم تنقیحها هو أن المرء یری فی أقسام فقهیة مختلفة وجود إستنادات علی هذه القاعدة لا یمکن إتمامها أبداً، أی إنها لا تقبل الاستدلال و البرهنة، إنما تطرح هکذا فی الأقسام المختلفة. فما الإشکال فی أن تکون مسألة العدالة من الأقسام التی یبحثها الفقیه فی درسه الخاص بالفقه الاستدلالی، و یکون هناک «کتاب العدالة»؟ هذا طبعاً غیر بحث العدالة التی أشاروا إلی أن الشیخ (علیه الرحمة) ذکره.. ذلک بحث آخر.. لیجری البحث حول العدالة الاجتماعیة بنحو فقهی متین. و لیظهر فی الجامعات علم یبحث و یدرس و ترصد له الطاقات حول العدالة. أعتقد أن هذه مهمة ضروریة علی الصعید النظری، فهی توسع نطاق التنظیر و تعِدّ طاقات قدیرة فی هذا المجال. و من الأعمال المهمة الأخری وضع المعاییر و المؤشرات.. أی تحدید مؤشرات العدالة. من الأعمال النظریة المهمة التی یجب أن نقوم بها هی أن نجد مؤشرات العدالة. المؤشرات المطروحة فی الغرب الیوم مقبولة علی نحو مشروط، و بعضها لیس بمؤشر علی الإطلاق ، و بعضها مؤشرات ناقصة، و بعضها ممکن أن تکون مؤشرات و معاییر فی ظروف معینة. علینا أن نجد مؤشرات العدالة و معاییرها و معاییر تحقق العدالة فی المجتمع بشکل مستقل. هذا جانب مهم من جوانب العمل. طبعاً علی الصعید العملی أیضاً یجب النهوض بالکثیر من الأعمال، منها أن نعتبر العدالة مقیاساً و معیاراً أساسیاً فی عملیة التشریع و سن القوانین. و هذه نقطة جدیرة بالتفات النواب المحترمین فی مجلس الشوری الإسلامی، إذ ینبغی أن یرکزوا فی عملیة التشریع - خصوصاً - علی قضیة العدالة و یرصدوها بشکل دائم.أذکر نقطتین قصیرتین فی الختام و هما خارج أصل البحث، و لکن لا بأس بالتنبیه لهما و التذکیر بهما. النقطة الأولی هی أن ثمة دور أساسی للمبدأ [التوحید] و المعاد فی قضیة العدالة، و یجب عدم الغفلة عن هذا الدور. لا یمکن أن نتوقع استقرار و تکریس العدالة فی المجتمع بالمعنی الحقیقی للکلمة من دون إیمان بالله و المعاد. أین ما لم یکن هناک إیمان بالله و المعاد فلن تکون العدالة أکثر من عبء مفروض إجباری. و هذا هو السبب فی أن بعض المشاریع الغربیة الجمیلة حول العدالة لا تتحقق علی المستوی العملی أبداً، لیس هناک رصید عقیدی لها. الکلام کلام جمیل - له ظاهر جمیل علی الأقل، حتی لم لو تقم له براهین متینة - لکن لا أثر له عملیاً فی المجتمعات الغربیة و فی الحیاة الغربیة علی الإطلاق، و لا یستطیع المرء مشاهدة تحققه عملیاً، و هناک لاعدالة مطلقة. و السبب هو افتقارهم للرصید الإیمانی بالمبدأ و المعاد. الاعتقاد بالمعاد و بتجسم الأعمال و بتجسم الملکات فی القیامة، له تأثیر کبیر. أن نکون عادلین و طلاب عدالة و نمدح العدالة و نسعی من أجل العدالة.. هذه أحوال سوف تتجسد فی یوم القیامة. و کذا الحال بالنسبة للوضع المقابل. هذه العقیدة تمنح المرء حیویة و طاقة. إذا علم الإنسان أی بلاء سوف تنزله به السلوکیات الظالمة و حتی الأفکار الظالمة علی مستوی تجسد الأعمال یوم القیامة، فسوف یقترب من العدالة طبعاً.النقطة الثانیة و الختامیة، و التی لا بأس أن أذکرها هنا، هی عن العدالة تجاه الذات، و التی لا علاقة لها بالعدالة الاجتماعیة. فی القرآن الکریم تکرر ظلم النفس أو ظلم الذات مرات عدیدة فی آیات متعددة. النقطة المقابلة للظلم هی العدل طبعاً. نقرأ فی دعاء کمیل: «ظلمت نفسی». و نقول فی المناجاة الشعبانیة الشریفة: «قد جرت علی نفسی فی النظر لها فلها الویل إن لم تغفر لها». الذنوب و الزلات و السیر وراء الشهوات و الأهواء و الابتعاد عن التوجّه لله و تذکره و الخشوع أمامه ظلم للذات. هذا أیضاً مجال مهم. حینما نبحث فی باب العدالة - العدالة فی العلاقات الاجتماعیة و العدالة فی تشکیل النظام الاجتماعی - فلا نستطیع الغفلة عن العدالة تجاه الذات. یجب أن لا نظلم حتی أنفسنا. یجب أن نکون عادلین حتی مع أنفسنا. و الحالة المقابلة لهذه الـ «قد جرت علی نفسی»، هو العدل، هو أن لا نجور، بل نعدل. إذا وفقنا الله تعالی لاجتناب هذا الظلم فإن أملی کبیر بأن الله سیوفقنا لتکریس العدل فی البیئة الاجتماعیة أیضاً إن شاء الله.و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.‌الهوامش:1 - الحديد: 25 .2 - الذاريات: 56 .3 - سبأ: 34 .4 - هود: 31 .
2011/05/17

كلمته في آلاف المعلمين من مختلف أنحاء البلاد

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء المعلمين و المسؤولين عن مهنة التربية و التعليم الحساسة المميزة من كافة أنحاء البلاد، و استغل هذه الفرصة فأحيّي جميع المعلمين في أقصى أنحاء البلاد، و أسأل الله تعالى متضرعاً أن يبارك عليكم مهمّة التربية و التعليم العظيمة الملقاة على عواتقكم، و أن يجعلها مصدر خيرات و بركات على شعبنا العزيز أيضاً. و يجب أن نحيّي ذكرى شهيدنا العزيز المعلم البارز و الحيّ دائماً المرحوم الشهيد مطهري. أقول إنهم حينما جعلوا الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيد مطهري يوماً للمعلم فلهذا معنى رمزي و عميق و ملئ بالمضامين. فالحق و الإنصاف أن المرحوم الشهيد مطهري إنسان كبير و ممتاز، بحياته و جهوده المخلصة المؤمنة العلمية، إلى جانب شعوره بالهمّ، و ما كان يتمتع به من بصيرة‌ تامة في ميادين العلم و المعرفة و الثقافة. و قد آجر الله تعالى هذا الرجل الكبير و أثابه و جعل الشهادة من نصيبه، و الواقع أنه أحياه. «بل أحياء عند ربهم يرزقون» (1). أحد خريجي و دارسي الحوزة العلمية في قم حينما يأتي بزاد معرفي و علمي اكتسبه بنحو عميق، و يعيش في قلب البيئة الثقافية و التربوية و التعليمية العامة، و بين جيل الشباب، سيكون مصدر بركات و خيرات إلى هذا الحد.أقولها هنا - و سبق أن قلتها في الحوزة العلمية - إن فضلاء الحوزة العلمية‌ و شخصياتها البارزة هم العناصر اللائقة و القديرة القادرة على ممارسة دورها في المنظومة الهائلة للتربية و التعليم، و ما من جهاز أهم من التربية و التعليم. و هذا معناه أنه كلما جرى الاستثمار في التربية و التعليم مادياً و معنوياً و بشرياً كان ذلك الاستثمار في محله. التربية و التعليم مصدر حياة للمجتمع، لحاضر المجتمع و لمستقبل المجتمع.حسنأً، هنا نصل إلى دور المعلم و هو أنتم. المعلم هو الشخص الذي يعدّ الطاقات و الكوادر البشرية لإدارة البلاد و تمشية أمورها و لحياة المجتمع في المستقبل القريب. فسرعان ما سيكون شبابكم هؤلاء و هؤلاء التلاميذ رجالاً تقع أعمال المجتمع على عواتقهم، في أية مرتبة كانوا، و في أي مستوى كانوا. من بين هؤلاء يظهر المتميزون و الشخصيات الكبيرة. و من بين هؤلاء يظهر المجاهدون في طريق الحق و المضحون و المخلصون المتشوقون للسير في سبيل الأهداف الإلهية. و من بين هؤلاء تظهر الأيدي القديرة التي تدير عجلة اقتصاد البلاد، و تنظم ثقافة البلاد.. من بين هؤلاء الأطفال الذين يدرسون اليوم في صفوفكم. أنكم تريدون إعدادهم و تربيتهم ليستطيعوا غداً العمل بصورة جيدة و صحيحة في الموقع الذي يكونون فيه، و يكونوا سبباً في التقدم، و لا يكونوا عامل تأخر و فساد. لاحظوا كم هي عملية مهمة.لقد قلت أن تأثيركم أيها المعلمون أكبر حتى من العوامل الوراثية في بعض الأحيان. الصفات الوراثية أمور ترافق الإنسان و تلازمه، و لكن يمكن بالتمارين و العادات الثانوية التغلب على هذه الخصال الوراثية. التمرن على العادات الثانوية شيء يمكن للمعلم أن يمنحه لتلميذه. أي إنكم تستطيعون إيجاد الإنسان وفقاً للطراز الإسلامي بالمعنى الحقيقي للكلمة، و بوسعكم إيجاد الطاقات البشرية على طراز الجمهورية الإسلامية. هذا هو دور المعلم. و هو ليس بالأمر الهيّن، إنما هي حقائق موجودة في الواقع.من مهماتنا الواجبة هو أن يعرف جميع أبناء شعبنا من الصغير و الكبير، و من المسؤولين رفيعي المستوى إلى كل أبناء الشعب قدر المعلم و يدركوا أهميته، و يعرفوا حرمته. هذه من المهمات الأساسية جداً. على وسائل الإعلام أن تمارس دورها و على المسؤولين أن يمارسوا دورهم في هذا المجال. و يجب عدم الاكتفاء بالمجاملات بل ينبغي التفهيم، فنفهم كم هو مهم دور هذا الرجل أو المرأة الذين ينفقان عمريهما في الصف من أجل تربية شبابنا و أطفالنا و أبنائنا. طبعاً يجب على المعلم نفسه أن يدرك هذا الدور بشكل صحيح و يفهم أهميته. هذه من مهماتنا الأساسية. إذن، قيمة المعلم و أسبوع المعلم و يوم المعلم أمور على جانب كبير من الأهمية.الجميع ينبغي أن يتنبهوا لذلك، الناس بشكل و المسؤولون بشك و التربية و التعليم بشكل، و المسؤولون الحكوميون بشكل. كل إنسان له واجباته بنحو من الأنحاء قبال مقام المعلم. يجب على الجميع إن شاء الله الالتزام بهذا الشيء و أخذه على عواتقهم و القيام به، سواء‌ من النواحي المادية‌ أو من ناحية السمعة و المكانة.من الأمور ما يتعلق بالتطور في التربية و التعليم، و هو ما ذكرناه مراراً في هذه الاجتماعات التي كانت لنا معكم أيها المعلمون الأعزاء و مسؤولو التربية و التعليم، أو ذكرناه بشكل خاص في اجتماعاتنا مع المسؤولين، فما هو مسوّغ هذا التطور أساساً؟ الإنسان لا يطوِّر شيئاً من دون سبب. لماذا نريد إيجاد تحول؟ السبب البسيط لذلك هو أن نظام التربية و التعليم الحالي عندنا لم يثبت قدرته على تربية أجيالنا المختلفة. و السبب بالدرجة الأولى هو أن هذا النظام مستورد لا ينبع من احتياجاتنا الداخلية. هذه من مشكلاتنا الكبيرة. تجارب الشعب و أطواره التاريخية تؤدي به أحياناً إلى أنه يجب أن يقوم بمهمة التعليم بهذه الطريقة، و يقوم بمهمة التربية بهذه الطريقة، و أن يبني بيوته بهذه الطريقة، و يسير في هذا الطريق، و يدير شؤونه بهذه الطريقة. هذا شيء جيد. على الإنسان أن يستفيد من تجارب الآخرين دوماً. إننا لا يسوؤنا و لا نشعر بالعار من أن نتعلم من الآخرين. السيئ هو أن نأخذ نماذج الشعوب الأخرى و الثقافات الأخرى و نطبقها بحذافيرها على شعبنا و بلادنا، و لا نأخذ بنظر الاعتبار أبداً المقتضيات و الظروف و الأرضيات. حدث هذا في بلدنا منذ مائة عام. الذين كانت لهم نوايا حسنة و أرادوا التقدم بالبلاد، لكنهم لم يفهموا كيف يمكن التقدم بهذا البلد - و دعك عن مرتزقة الأجهزة التجسسية و الحكومات الأجنبية - قالوا إننا ينبغي أن نتشبّه بالأجانب و الغربيين من قمّة‌ رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا، قالوا ذلك و كتبوه في كتاباتهم، أرتكب هؤلاء هذا الخطأ الكبير، و من ذلك نظامنا في التربية و التعليم. و الكثير من أمورنا الأخرى للأسف كانت على هذا الغرار. اقتصادنا و عمارتنا و حياتنا العرفية و الثقافية و الكثير من أمورنا الأخرى أصيبت بهذا البلاء نتيجة خيانة أو سوء فهم نخبنا السياسية في عهد الطاغوت. و الحمد لله جاءت الثورة الإسلامية فغيّرت المسار. لقد تقدمنا صوب البناء الذاتي و فهم الذات. لكن لا تزال الكثير من الصروح على حالها السابق، و منها قضية التربية‌ و التعليم. علينا بالتأكيد الاستفادة من تجارب العالم - سواء العالم الغربي أو العالم الشرقي أو الشعوب الأخرى - من أجل رفع جودة نموذجنا. من هنا تنبع حاجتنا إلى التطور.يجب أن يكون هذا التطور على أساس إيجاد نموذج إيراني مستقل و نابع من القيم الروحية و المعنوية و الاحتياجات الحقيقية في هذا البلد، أي نابع في الحقيقة من الإسلام الأصيل الذي نؤمن به. علينا أن نوجد مثل هذا النموذج. التحول يجب أن يكون منصباً على هذا الشيء. ماذا ينبغي أن يكون هدف هذا النموذج الجديد و هذه التركيبة و البنية الجديدة بالنسبة للتربية و التعليم؟ الهدف هو إعداد طاقات بشرية من طراز الجمهورية الإسلامية. إذا أرادت الجمهورية الإسلامية رفع راية‌ الإسلام و إيصال نفسها إلى السعادة، و إذا أرادت تعمير دنياها و آخرتها - كما يعلمنا القرآن أن بالإمكان عمارة الدنيا و الآخرة في آن واحد، و يجب القيام بذلك - و إذا أرادت مساعدة الشعوب الأخرى، «كنتم خير أمة أخرجت للناس» (2). إذا أرادت أن تكون شاهدة‌ على الشعوب الأخرى و مبشرة لها، فمن الطبيعي أن تكون لها احتياجاتها في هذا السبيل. يجب أن تربّوا و تعدّوا أفراداً شرفاء علماء أصحاب مواهب متدفقة و أصحاب إبداع و إبتكار و أخلاق إنسانية حسنة و أصحاب شجاعة و قدرة على المخاطرة و الخوض في الميادين الجديدة من دون أية عقد حقارة و دونية أو عقد تفوّق و استعلاء.. أفراداً يحبّون الله تعالى و يعتمدون على القدرة الإلهية و أصحاب توكل تام.. أفراداً صبورين و أصحاب حلم و متفائلين و أصحاب أمل. و الإسلام يتضمن كل هذه على شكل رزمة‌ كاملة يقدمها لكل المؤمنين و المعتقدين به. لنفتح هذه الرزمة و نستفيد من هذه المواد التي فيها واحدة واحدة، و ننتفع منها و نتذوقها و نختزنها في إعماق وجودنا. خريجو التربية‌ و التعليم يجب أن يكونوا مثل هؤلاء الأفراد. الأفراد ضيّقو النظر و المتشائمون و اليائسون و المكتئبون و عديمو التقوى و عديمو الورع و غير النظيفين لا يمكنهم التقدم بالمجتمعات إلى الأمام و إسعاد الشعوب، و من الطبيعي أنهم لا يستطيعون أن يكونوا نموذجاً. التطوير في التربية و التعليم يركز على هذه الجوانب.جميع هذه القضايا التي ذكرها الوزير المحترم أمور جيدة - و هي طبعاً ليست في مستوى واحد من الأهمية، فثمة أمور مهمة و من الدرجة الأولى و أساسية، و ثمة أمور أخرى فرعية - و يجب أن تنجز، و لكن حدِّدوا الاتجاه، و ليكن معلوماً لديكم ماذا تريدون أن تفعلوا. لتكن في أيدينا خارطة شاملة للتطور، فننجز وفقاً لهذه الخارطة الشاملة الأجزاء المختلفة، بعضها بشكل مبكر و بعضها بشكل مؤجّل. تصوروا في أذهانكم مشروع بناية كاملة جامعة جميلة متينة على أرض كبيرة و في مكان مناسب، فأنتم على علم في هذه الحالة بما تريدون أن تفعلوا، و لكم أن تبدأوا من جانب من جوانبها. أحياناً تبنون جزءاً من البناية في هذا الجانب و أحياناً في ذلك الجانب. حينما ينظر الإنسان إلى البناء قد لا يدرك ما الذي سوف ينتهي إليه البناء و ما ستكون نتيجته، أما أنتم الذين تحملون الخارطة في أذهانكم فتعلمون ما الذي تقومون به. كل جزء يؤمّن جانباً من تلك الخارطة الشاملة. هذا حينما تكون لديكم خارطة شاملة. أما إذا لم تكن لديكم خارطة شاملة، و إذا لم تتوفر نظرة شاملة لهذا التطوير و التحول فقد تأتي الأعمال متناقضة أو مكررة أو زائدة، و قد تظهر نواقص كبيرة. إذن النظرة العامة و الخارطة الشاملة هي الشرط الأول.من الأمور التي ينبغي مراعاتها بالتأكيد في هذه الخارطة الشاملة هي قضية المعلم. طبعاً تم إنجاز أعمال جيدة في خصوص الكتب المدرسية - نحن مطلعون على بعض الأعمال الجيدة التي حصلت فيما يتصل بالكتب المدرسية، و طبعاً ثمة أعمال يجب القيام بها، و سوف يصار لتنفيذها إن شاء الله - لكن المعلم هو الذي سوف يدرِّس الكتاب. و إذا كان المعلم عالماً و مخلصاً و صاحب فكر و إبداع فسوف يستكمل المواد الدراسية حتى لو كان ذلك الكتاب يعاني من بعض النواقص. و إذا كان المعلم غير قادر و يائس و عديم الحوافز و متبرماً و يدرِّس من أجل أن يتخلص من الواجب، ليس من المؤكد - حتى لو كان الكتاب جيداً - أن الطالب سوف يتلقى التعليم الجيد الصحيح. إذن المعلم مهم و له دور محوري.أشاروا إلى مسألة إعداد المعلمين و إعادة تأهيلهم و استمرار دراستهم و إقامة دورات تعليمية مختلفة لهم؛ هذه أعمال جيدة‌ جداً و يجب القيام بها. طبعاً أنتم المعلمين الأعزاء لكم دور في عرض النموذج اللازم و الكافي للمعلم في المدارس. على كل حال هذه حاجاتنا و يجب أن ترتفع و يصار إلى تنفيذها. على الأجهزة الحكومية النظر لهذه المنظومة الكبيرة و المهمة من هذه الزاوية. غدنا رهن بحاضر التربية و التعليم. كلما جرى الاستثمار هنا فإن مردود ذلك في حينه سيكون بلا شك أكثر و أكبر من الاستثمار المادي و المعنوي الذي حصل. بلدنا بحاجة إلى نظام تربية و تعليم جيد. لماذا؟ لأن المهمة التي أخذها هذا الشعب على عاتقه و بدأ بها مهمة كبيرة.أعزائي، ثقوا أن الحركة التي أوجدها و قام بها هذا الشعب القوي الشجاع المؤمن بقيادة إمامنا الجليل العزيز نادرة النظير على امتداد التاريخ و ليس في زماننا و حسب. لقد تم القيام بعمل عظيم كبير. أنا و أنتم المتواجدون في قلب هذا العمل و نقوم بأعمالنا كلّ حسب قدرته و إمكانياته و غيرته، لا نستطيع تقييم هذه الحركة العظيمة تقييماً كاملاً. التقييم الكامل ممكن حينما يخرج الإنسان من هذه الأبعاد و يفكر و يقارن و يرى وضع العالم و الحركات العالمية و الإنسانية الأخرى، و يشاهد الحوافز المختلفة التي تقف وراء الحركات السياسية و الاجتماعية المختلفة، و يرى دور القوى المستكبرة التي يعبّر عنها القرآن الكريم بالقول: «أكابر مجرميها ليمكروا فيها» (3)، و يرى دور السياسات التخريبية الرامية إلى الإمساك بالعالم و الضغط على البشرية بقبضات حديدية دامية من أجل المصالح الخاصة، ثم يرى أية حركة عظيمة كانت هذه الحركة. حركة‌ شعب لإحياء القيم الإسلامية - و القيم الإنسانية الأكثر أصالة هي هذه القيم الإسلامية - في عالم تستخدم كل عوامل القوة و السلطة فيه ضد هذه القيم. كان عملاً كبيراً و عظيماً جداً.صحيح أن شعباً نزل إلى الساحة بكل قدراته و أنجز عملاً كبيراً و انتصر و أقام نظام حكم، لكنه كان في الوقت ذاته شعباً غريباً، و لا يزال هذا الشعب غريباً. لقد أنجز هذا الشعب عمله الكبير هذا بغربة، و سار في هذا الدرب الصعب بغربة، و لم يتعب و لم يتبرم و لم يصب بالكآبة‌ و اليأس و الخوف، بل تقدم إلى الأمام. و آثار عمله هذا و تداعيات هذه الحركة العظيمة و المحفزات الكبرى بدأت تُرى و يُشعر بها تدريجياً في العالم اليوم.أقولها لكم، إن حركات الصحوة لا تقتصر على بلدان شمال أفريقيا و منطقة غرب آسيا التي نحن فيها، إنما سوف تمتد حركات الصحوة هذه إلى قلب أوربا. و سوف يأتي اليوم الذي تثور فيه الشعوب الأوربية على الساسة و الرؤساء و المقتدرين الذين سلموهم تماماً للسياسات الثقافية‌ و الاقتصادية الأمريكية و الصهيونية. هذه الصحوة حتمية. و هذه هي امتدادات و عمق حركة الشعب الإيراني. إنها حركة عظيمة.طيب، إذا أردتم استمرار و تأثير هذه الحركة‌ بنفس هذه السرعة و بنفس هذا السلوك، فعلينا بناء أنفسنا. علينا أن نكون «كزُبر الحديد»، أي كقطع الفولاذ. علينا تقوية إيماننا و مضاعفة بصيرتنا، و زيادة وعينا، و التقدم إلى الأمام في علمنا يوماً بعد يوم. و علينا تفعيل و تفجير المواهب التي أودعها الله تعالى في داخلنا. و علينا الحفاظ بقوة على يد الوحدة و الاتحاد التي مددناها لبعضنا. هذه أمور ضرورية.و الحمد لله فإن شعبنا يعمل على هذه الشاكلة و يتقدم إلى الأمام بطريقة حسنة. لكنكم إذا استطعتم تربية هذا الجيل الصاعد اليافع بنحو صحيح فإن هذه الحركة سوف تتقدم بسرعة و تعجيل أكبر. ثقوا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بفضل الهمم العالية و الإيمان القوي و الأفراد الطيبين المؤمنين المخلصين الموجودين في بلدنا بكثرة و الحمد لله، سوف تستطيع فتح القمم واحدة تلو الأخرى.رحمة الله على رواد هذا الطريق، و رحمة الله على الشهداء الأعزاء و المجاهدين الشامخين الأجلاء، و رحمة الله على الروح الطاهرة لإمامنا الجليل الذي فتح لنا هذا الطريق، و رحمة الله على الشعب الإيراني كله.و السلام عليكم و رحمة‌ الله و بركاته.الهوامش: 1 - سورة آل عمران، الآية‌ 169 .2 - سورة آل عمران، الآية 110 .3 - سورة الأنعام، الآية 123 .
2011/05/04

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه آلاف العمّال من مختلف أنحاء البلاد

بسم الله الرحمن الرحيم في البدء أرحب بكم أيها الأخوة و الأخوات الناشطون في ميادين العمل المختلفة. و إني لأجد ذلك فرصة ثمينة أن يحالفني التوفيق أنا العبد الحقير للقاء بكم و لو لدقائق معدودة من كل عام، و تبادل أطراف الحديث معكم. إن موضوع العمل و مكانة العامل و تعريفه، من المواضيع التي تكتسب أهميّة بالغة سواء على الصعيد الإسلامي أو على صعيد المنطق العقلائي. فبحسب المنطق العقلائي لو يلاحظ الإنسان سلسلة متطلباته الحياتية، سيجد هناك حلقة متصلة بالعمل، و هي حلقة أساسية و مصيرية أيضاً. بمعنى أنّه لو جُمعت ثروة العالم بأسره دون أن يكون بضمنها عنصري العمل و العامل، فإنّ حاجة من حاجات الإنسان لن تتحقّق. إذ المال لا يمكن أكله، أو لبسه، أو الانتفاع به. و العنصر المسؤول عن تأمين حاجات البشر من خلال استثمار الثروة الإنسانية و النعم التي تزخر بها الأرض، هو عنصر العمل. و العمل بطبيعة الحال يعتمد على العامل. لذلك فالدور المهم الذي تلعبه الأذرع القوية و الأيدي الماهرة و الذهن الخلاّق و الذوق الرفيع للعامل في الحياة البشرية ـ فردية كانت أم اجتماعية ـ أمر واضح و عقلائي. و مَن أغفل دور الطبقة العمالية أو أهملها، فهو في واقع الأمر إمّا لا يرى هذا الدور الحقيقي و إمّا يتجاهله. و هذا ينطبق أيضاً على مَن ينظر إلى العامل كآلة أو أداةً إلى جانب أدوات العمل التي يستخدمها. إنّ ذلك هو منطق العقلاء، و هو منطق سليم دون أدنى شك؛ لكن ما يفوقه سموّاً هو منطق الإسلام. فالإسلام يعدّ عملنا هذا، و كفاح العامل من أجل لقمة العيش، عبادة، و يصنّفه ضمن العمل الصالح. و هذا يعني أن موضوع العامل و العمل الذي يقوم به، ليس محصوراً في نطاق الحياة الدنيا، و إنّما جعل الله تبارك و تعالى لهذه الظاهرة ـ ظاهرة العمل ـ منزلة رفيعة في مسيرة الحياة البشرية الخالدة في الدنيا و الآخرة. و قد قال رسولنا الكريم: «هذه يد لا تمسّها النّار». عندما أمسك النبي الكريم يد العامل و قبّلها استغرب الجميع. لكن النبي قال: هذه يد لا تمسّها النار؛ أي يد لا تصل إليها النار. فعندما نؤدي صلاة الليل، و نتلو القرآن، و نتضرّع إلى الله تعالى، فإنّنا في واقع الأمر نبتغي وضع حواجز و حجب بيننا و بين النار. و هذا شأن العمل أيضاً، فعندما نؤدي عملاً، فبعملنا هذا نضع بيننا و بين النار حجباً و حواجز. و هذا أمر كبير و سامٍ جدّاً. و هو مهم للغاية. إنّه يجسّد رؤية الإسلام للعمل. و لنأتِ الآن إلى المجتمع العمّالي. و سأستعرض لكم كل ما هو متعلّق ببلدنا، و خصوصاً فترة الثورة و النضال. أولاً: كان للعمّال دور مهم في إنجاح نضال الشعب الإيراني. فلو لم تشارك الطبقة العاملة ـ في مجال النفط و غيره من المجالات الأخرى ـ مشاركة فعلية في أحداث الثورة لكان هناك الكثير و الكثير من العقبات التي كان على الثورة الإسلامية مواجهتها. أعقب هذه المرحلة مرحلة الدفاع المقدس. لكن المرحلة التي سبقت مرحلة الدفاع المقدّس شهدت أحداث بدء الثورة ـ التي لم يكن أغلبكم أيها الشباب قد عهدها، أو عهدها لكنّها تلاشت من ذاكرته بسبب النسيان، أمّا نحن فقد عايشنا أحداثها ـ و قد ساهم فیها العمّال و الطبقة العمالية في تلك الفترة مساهمة فعالة. و قد كنت بنفسي متواجداً بین العمّال أيام العشرين و الحادي و العشرین و الثاني و العشرين من بهمن، في أحد المصانع القريبة من العاصمة طهران، و قد شاهدت عن كثب كيف كانت العناصر اليسارية المدفوعة في ذلك الوقت ـ أي الشيوعيون و أذنابهم ـ تؤسس و تعمل لإطلاق ما يسمّى حركة عمّالية لاحتواء الثورة الإسلامية و استبدالها بثورة شيوعية و ماركسية. و كان هذا المشروع قد بدأ يتبلور في طهران، لكنّ الذي حال دون تقدّمه، هم العمّال. طبعاً لم يكن ذلك المصنع يضم سوى عدّة مئات من العمّال، لكنّهم وضعوه ليشكل نقطة انطلاق بالنسبة لهم. و قد ذهبنا إلى هناك و التقينا بالعمّال، فاعتبروا نداء الدين هو النداء المألوف بالنسبة لهم. إنّهم لم يعرفوني ـ فقد كنت طالب علم بسيط ـ لكنّهم سمعوا نداء الدين، و قد بدا لهم نداءً مألوفاً، و سمعوا نداء الإلحاد و استغربوه و بدا لهم نداءً أجنبياً منكراً. و إنْ كان بينكم بعض عمّال ذلك المصنع يصغون إلى حديثي، و یشرحون لكم أحداث تلك الأيام الثلاثة أو الأربعة التي تردّدنا فيها علی ذلك المکان ـ و كنا نمضي ساعات طويلة ـ لكانت تجربة عجيبة و مهمّة للبلد. لقد لعب العمّال دورهم على هذا النحو. بمعنى أنّ من كان يريد استخدام الطبقة العاملة كورقة ضد الإسلام و الجمهورية الإسلامية، قد تلقّى صفعة في وجهه من العمّال أنفسهم. و استمر هذا الموقف طيلة تلك السنوات، و لا يزال إلى يومنا هذا أيضاً. أعقب ذلك مرحلة الدفاع المقدّس التي استمرّت ثمان سنوات و شهدت مشاركة واسعة للعمال فيها. و أخيراً جاءت مشاركتهم في ميدان العمل. هناك فقرة تضمّنتها أنشودة هؤلاء الإخوة الأعزاء: ((ميدان عملنا، ميدان كفاحنا))، و هذه الجملة صحيحة. فالعامل الإيراني يعمل بشرف و غيرة، و هو يعتبر عمله كفاحه. إنّكم بعملكم تقاتلون من يريد أن يدفع البلد نحو هاوية الانحدار و الركود و الخسائر الاقتصادية. و لتعلم الطبقة العمّالية في أرجاء البلد كافة، إنّ عملكم اليوم ـ العمل الجاد، المبدع، النابع من الذوق الذي يميّز العقل الإيراني الخلاق ـ يمثل قتالاً و كفاحاً. بعملكم هذا تقاتلون الاستكبار العالمي. فليلتفت الجميع لهذه الحقيقة. إذن، فما جرى في بلدنا و في نظام الجمهورية الإسلامية و ما يجري بحمد الله حالياً أيضاً، أجواء ملؤها الصفاء و الأخوة بين الأطراف العاملة. لا يعني ذلك أن الجميع لا يريد ظلم العامل، و أن كافة الحقول و المجالات لا تنتهك فيها بعض الحقوق، و تلبّى فيها كافة المطاليب، طبعاً، فإنّ مثل هذه الأمور موجودة، لكن ما نقصده هو أن السياسة العامة للنظام، و سياسة القادة و المسؤولين، و التيار العام المهيمن على النظام الإسلامي، يعمل جاداً لتكريس حالة الوئام و الانسجام و التعاون و الحميمة بين أطراف العمل المختلفة، أي بين ربّ العمل، و العامل من جهة، و بين المسؤولين الحكوميين من جهة أخرى. فالأمور التي استعرضها الآن وزير العمل و الشؤون الاجتماعية المحترم العزيز، تعتبر أموراً هامة، تم إنجاز بعضها، فيما يحتاج البعض الآخر إلى الصبر و التأني و الخبرة و السرعة بالقدر الذي يسمح به الموقف. و لا بدّ لطبقتنا العمالية إن شاء الله و بفضله سبحانه أن تتحوّل إلى واحدة من أفضل الطبقات الاجتماعية رفاهية و أكثرها نفعاً. هذا العام هو عام الجهاد الاقتصادي. و الجهاد الاقتصادي يتناول مسألة حساسية و أساسية تتصل بإدارة البلد؛ ذلك أنّ العدو قد ركّز اليوم على الجانب الاقتصادي لمحاربة الإسلام و الجمهورية الإسلامية. و لا يعني ذلك أنّه أغفل الجوانب الأخرى؛ كلا، فالعدو يعمل كل ما بوسعه لمواصلة نشاطاته العدوانية ضد الجمهورية الإسلامية مستهدفاً بذلك الجانب الثقافي و الأمني و السياسي و سائر الجوانب الأخرى ـ أمّا كونه سيهزم، فهذا بحث آخر، لكنّه على كل حال يواصل مساعيه العدوانية ـ لكن الجانب الأكثر استهدافاً في الوقت الحاضر و الذي تتمركز عليه المساعي العدوانية هو الجانب الاقتصادي. فمن أجل عزل الشعب عن النظام و إيجاد شرخ بينهما يحاول العدو زعزعة الوضع الاقتصادي عبر إيجاد المشاكل و افتعال الأزمات في هذا الجانب. من هنا يصبح الجهاد الاقتصادي واجباً إلزامياً؛ أي الكفاح و القتال الذي أشرنا له، لكن في إطار جهادي، بكل ما أوتينا من قوة، بكل وجودنا، و بإخلاص، و بفهم و بصيرة و دراية بما نفعل. و هذا هو المراد من عام الجهاد الاقتصادي. فإذا تمكنت كافة القطاعات الاقتصادية في البلد، عامة كانت أو خاصة، بتوفيق الله سبحانه من الالتزام و التمسك بهذا الجهاد، سيكون لدينا طفرة نوعية يساهم فيها كافة أطياف الشعب. إنّ وصيتي للطبقة العمالية هي الإتقان في العمل. و هناك حديث نبوي شريف يوصي بذلك و قد قرأته مرات عديدة: ((رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه)). علينا أن نخطو خطوات جادّة تضمّن تحوّل البضاعة الإيرانية إلى بضاعة مضمونة الجودة و المتانة، و الأناقة، بضاعة رصينة موثوق فيها من قبل المستهلك الإيراني و الأجنبي. و هذا الأمر كما يتطلّب تظافر جهود و همم أرباب العمل و العمّال و ذوي الشأن، يتوقف على جملة مقدّمات أيضاً. فقد يكون تطوير المهارات اللازمة، و الدورات التدريبية و التطويرية مهم ـ و التي تقع على عاتق القطاع العام و المشترك ـ لكن لا بدّ أن يكون الهدف هو هذا. فالعامل الإيراني عندما يضع لمساته و يستخدم ذوقه و مهاراته، سيكون لدينا منتج جميل رائع. و لطالما كان المزج بين الفن الرفيع و العمل الدقيق الذي يميّز البضاعة و المنتج و الأعمال الفنية الإيرانية مشهوداً و ملموساً لدى الجميع في الماضي و الحاضر. فعندما يتدخّل الذوق و الفن الإيراني ـ أي إبداع، و ذوق، و فن و مهارة العامل الإيراني ـ يتحوّل العمل إلى قطعة فنية رائعة. و لحسن الحظ فهناك الكثير من المنتجات التي يتم إنتاجها في البلد تتفوق على نظيراتها الأجنبية، و هناك ما يفوق الأجنبي بمرات عديدة؛ فهو أجمل، و أمتن، و أروع، و هذا الأمر يجب تعميمه ليشمل كافة المنتجات، من مواد غذائية و ألبسة و مواد منزلية، و أثاث و ديكور و غير ذلك، فعلينا التركيز على هذا الأمر، و نحن قادرون على ذلك. فالطبقة العمالية، و المصممون و المهندسون، و المستثمرون، و أصحاب الحرف اليدوية و الآلية، بإمكانهم فعل ذلك. علينا أن نستفرغ هممنا في إيجاد منتوج يتمتع بجودة و متانة عالية و يكون جميلاً في الوقت نفسه. و هذا لا بدّ أن يكون عملاً شاملاً. الملاحظة الأخرى التي أتوجه بها إلى الشعب كافة، تتعلّق باستهلاك المنتوج المحلي. فمن الآفات الاجتماعية التي تعود جذورها إلى عهد الطاغوت و تعتبر من مخلفات سنوات الظلام، هي الرغبة في اقتناء البضاعة الأجنبية. ففي مرحلة من المراحل لم يكن لدينا إنتاج محلي، أو كان لكنه لم يكن قابلاً للاستهلاك، لكنّ اليوم قد اختلف الوضع؛ فالبضاعة المحلية أصبحت بضاعة مرغوبة و جيّدة. و هناك أيضاً مَن يتفاخر بوجود علامة أو ماركة أجنبية على ألبسته، أو أواني طعامه، و هذا مرض بحد ذاته؛ مرض لا بدّ من علاجه. فسلوك كهذا يعكس تجاهلاً لكوننا نعيش في هذا البلد و نأكل من خيراته التي أنعم الباري تعالى بها علينا. و هذا يعني أنّ الأموال و الدخل الذي نحصل عليه و يردنا من هذا البلد، نفرغه في جيب الأجنبي، و في الوقت ذاته نضرّ بالعامل المحلي. و هذا معناه أنّنا نتجاهل الحاجة المحلية، نتجاهل جهود العامل المحلّي الذي يكدّ و يتعب و ينتج، و نقبل على العامل الأجنبي. و هذه عادة سيئة للغاية. إنّ أحد أوجه الجهاد، و نحن في عام الجهاد الاقتصادي، أن يقبل الشعب على البضاعة المحلية. طبعاً في قبال ذلك، لا بدّ لهذه البضاعة أيضاً أن تكون مقنعة، لا بدّ لجودتها و إتقانها أن يقنع المستهلك؛ و هذان الأمران لا بدّ أن يسيرا بشكل متوازٍ، و هذا أمر واجب و ملزم. طبعاً، في عام الجهاد الاقتصادي هناك أيضاً قضايا أخرى لا بدّ للمسؤولين و المتصدّين من متابعتها بهمّة و عزم إن شاء الله. كموضوع البطالة و هو موضوع هام جداً؛ و موضوع تطوير الخبرات و هو مهم أيضاً؛ و موضوع البنى التحتية الاقتصادية في سائر أرجاء البلد، طبعاً هناك أشخاص أكفاء ذوو خبرة و اختصاص جلسوا و ناقشوا و درسوا و حدّدوا هذه البنى، لكن يبقى أمر متابعتها و هو موضوع لا يقل أهمية عن سابقيه. يضاف إلى ذلك مواضيع التصنيع، و الزراعة، و غيرها من المواضيع المهمة للغاية. فكل تلك تعتبر مواضيع أساسية، و المباشرة بأيّ منها ضرب من الجهاد في سبيل الله. و ما يلاحظه المرء أنّ التوفيق و العناية الإلهيتين بهذا البلد و بهذا الشعب قد مكّناهما و سيمكّنانهما في المستقبل من تذليل العقبات التي تقف في طريقه واحدة تلو الأخرى، و يضمنان لهما الاستمرار في التقدّم. التقدّم الذي يعبّر عن مصير هذا الشعب. أمّا المساعي العدوانية لأعداء الشعب الإيراني، فهي ستنعكس سلبياً عليهم، و ستؤذيهم، و ستعرضهم أكثر من غيرهم للغضب الإلهي و لخسران الدنيا و الآخرة؛ و لن يحرزوا شيئاً. إنّ الأجهزة الاستكبارية اليوم، الأجهزة القمعية الظالمة، الأجهزة التي تنتهك حقوق الإنسان، الأجهزة التي افتضحت أمام الرأي العام العالمي، قد اصطفت و تحالفت جميعها ضد الجمهورية الإسلامية، أملاً منها في استهداف رمز العظمة و الشرف الإسلامي و الإنساني، و يمنعوا تحوّله إلی ملهم للآخرين. إنّهم يكرّسون كل جهودهم و قواهم لذلك الغرض، لكن النتيجة ستكون فشل جميع الجهود في إحراز أي نفع أو تقدّم بالنسبة لهم. لقد أرادوا أن يعزلوا الشعب الإيراني، لكنّ ما حصل هو عكس ذلك. فكم تردّدوا على هذه المنطقة ذهاباً و إياباً، و كم جلسوا، و كم نسقوا مع عناصر فاسدة في هذه المنطقة، عسى أن يتمكنوا من عزل إيران. لكن الله سبحانه و تعالى قد أجرى الأمور على نحو بحيث أصبح الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية في هذه المنطقة، مع وجود الثورات الشعبية الصاخبة و العظيمة التي شهدتها هذه البلدان، محطاً لأنظار الشعوب، و أضحى اسم إيران يتردد على كل لسان أكثر من ذي قبل، بكل احترام و اهتمام، بالضبط عكس ما أرادوا لها أن تكون. لقد سعت الحكومة الأمريكية التي تعدّ أحد أكثر الحكومات إدانة و أكثرها انتهاكاً لحقوق الإنسان، لعزل الجمهورية الإسلامية. و قد ألقى الرئيس الأمريكي العام الماضي كلمة في القاهرة وجّهها للعالم الإسلامي، و قد اعتقد أن كلمته المنمّقة والمعسولة ستستقطب و تستميل القلوب و تعيد لأمريكا ماء وجهها الذي فقدته في هذا المنطقة. لكن ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أنّ أكثر دولة تعدّ مرفوضةً لدى شعوب المنطقة اليوم هي الولايات المتحدة الأمريكية. إنّ طبيعة العمل هي هكذا. فإنّ الشعب عندما يبتدأ مسيرته باسم الله، و بذكر الله، و لأجل الله، و في سبيل الله، و نحو أهداف و غايات إلهية، فإنّ يد العون الإلهي سوف تمتد إليه. و هذا هو حال شعبنا اليوم و لله الحمد. فمسؤولونا، و شعبنا، و حكومتنا، الجميع يعمل و يسعى و يكد. فالعمل في هذا البلد متواصل باتجاه تحقيق الأهداف الإلهية، لذلك يد العون الإلهي ممتدّة و مستمرة. و في مقابل ذلك، هناك مَن يتعرّض لعباد الله، و يصدّ عن سبيل الله، و يحول دون تحقيق الأهداف الإلهية. مصير هؤلاء مصير سیئ و نهايتهم محتومة. و قد يكون لهم جولات لأيام قلائل. فـ ((للباطل جولة))، لكنّها جولات عقيمة لا طائل من ورائها. و نتيجتها ما يشاهده المناوئون و الأعداء و المستكبرون اليوم بأعينهم. و بحول الله و قوته، فإنّ غد المنطقة هذه أفضل من يومها بكثير، و سيضاعف الله سبحانه فضله إن شاء الله على هذه الشعوب ببركة همتها و عزمها و حركتها في سبيل الإسلام. و علينا أن نسأله سبحانه التوفيق في مواصلة المسير على هذه الجادة و أن یمدّ لنا ید العون للثبات على هذه النية، و على هذا الطريق، و هذا الإخلاص في الاستمرار بمسيرتنا. و لا يحرمنا إن شاء الله من ألطاف المولى بقية الله (أرواحنا فداه) و دعائه و خيره. راجياً أن يتغمّد سبحانه أرواح شهدائنا الأعزاء، و شهداء الطبقة العاملة في كافة أرجاء البلد بلطفه و رحمته، و يحشرهم جميعاً و إمامنا الراحل الكبير مع أوليائهم. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.  
2011/04/27

كلمته في الآلآف من أهالي محافظة فارس

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من محافظة فارس. الحقيقة أنكم بجماعتكم المؤمنة الصميمية الودودة هذه، و بشعاراتكم العميقة الزاخرة بالمعاني، و حضوركم النيّر الصميمي هنا أحييتم اليوم ذكرى البطولات الكبرى لأهالي محافظة فارس و أهالي شيراز، و هي بطولات ليست بالقليلة على مرّ التاريخ المعاصر، و في الماضي التاريخي القريب.الحق و الإنصاف أن محافظة فارس و مدينة شيراز من القمم البارزة في بلادنا و شعبنا، قمة ممتازة للطاقات البشرية المميزة في العلم و الأدب و في التقدم على مختلف صعد الحياة الاجتماعية و النضالية و الجهادية و الدينية. و حينما ننظر للتاريخ القريب قبل انتصار الثورة نجد أن اسم شيراز يتألق في أكثر قضايانا الاجتماعية حساسية و حيوية. خذوا على سبيل المثال قضية تحريم التنباك التاريخية، و هي منطلق نضال شعبي واع ضد الهيمنة الغربية، حيث نجد فيها اسم الميرزا الشيرازي. و لو استمرت حركة الميرزا الشيرازي (رضوان الله عليه) هذه، و لو واصل ساسة البلاد و نخبها ذلك الخط، لكان مصير إيران غير ما وقع. و لكن المستعمرين استغلوا حالات الغفلة و الطمع و نزلوا إلى الساحة و قطعوا هذا الخط. أو في أحداث حروب الشعب العراقي ضد الاستعمار البريطاني و تدخل البريطانيين، هناك أيضاً نجد اسم شيراز. كان قائد تلك الحركة العظيمة المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي المعروف بالميرزا الشيرازي الثاني، و قد كان رجلاً كبيراً و عالماً و مرجع تقليد. و في فارس نفسها كان هناك علماء كبار و شخصيات بارزة و أشخاص راقون، سواء في جهاد فترة الثورة الدستورية أو بعد ذلك خلال فترة النضال للثورة الإسلامية، أو في انتصار الثورة، أو بعد ذلك و إلى اليوم. هذا ما يتعلق بموضوع الجهاد و النضال. طبعاً «الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه» (1). باب الجهاد ليس باباً قليل الأهمية. إنه باب من أبواب الجنة، و لا يُفتح أمام الجميع، إنما يفتح بوجه الأولياء. و هذا دليل على أن شعبنا المجاهد من أولياء الله إذ فتح الله هذا الباب في وجهه.و إذا نظرنا إلى المشهد العلمي كان الحال كذلك. في الحركة العلمية الممتازة خلال فترة ما بعد الثورة - خصوصاً في الأعوام الأخيرة - كانت شيراز من المحافظات الرائدة. و في القضايا السياسية و في القضايا الاجتماعية - في هذه الأحداث الصعبة الملغزة - كان أهالي شيراز من أوعى الناس و أكثرهم بصيرة. أحياناً تكون الأحداث السياسية معقدة إلى درجة تشبه اللغز، و فتحها ليس من المتاح لأيّ كان، لكننا نرى أن شعبنا واع يقظ و الأهالي الأعزاء في محافظة فارس من ضمن الرواد و المتقدمين.من النقاط المهمة‌ بخصوص شيراز و محافظة فارس - و خصوصاً شيراز - هي أنهم اختاروا في عهد النظام الطاغوتي عدة مناطق لجعلها مراكز للانحراف عن الأخلاق و المعنويات الدينية، و منها شيراز. أرادوا استغلال الروح الأدبية و الفنية المتفاعلة في هذه المحافظة. محافة فارس و شيراز من الأقطاب الأدبية على كل حال. إنها محافظة الفن و الشعر و شتى صنوف الفنون، ما يدل على روح الناس هناك و طباعهم. إنهم أناس عارفون بالفن و حاضنون له و أصحاب ذوق و عاطفة. و أراد النظام الطاغوتي استغلال هذه الميزة لدى الناس ليجعل ذلك المكان مركزاً لنشر الفساد. و قد صفع الناس يومها النظام الطاغوتي. ثم لكم أن تقارنوا اهتمام الناس بمرقد السيد أحمد بن موسى و إخوانه (عليهم السلام) بالماضي و تلاحظوا كم زاد توجه الناس و حبهم لهؤلاء الأجلاء. أي إن الناس ساروا ولا زالوا في الخط المعاكس لسياسة النظام الطاغوتي، و هكذا سيكون الحال بعد اليوم أيضاً. و لهذا السبب نبدي إخلاصنا لأهالي محافظة فارس و أهالي شيراز.و هناك أربعة عشر ألف و ستمائة‌ شهيد، منهم خمسة آلاف من نفس مدينة شيراز، و هذا رقم كبير جداً. حينما نقول شهيد واحد فمعنى ذلك أن عشرات الأشخاص نزلوا إلى هذه الساحة و جاهدوا و وضعوا أرواحهم على الأكف فاستشهد واحد منهم و عاد الآخرون. و بذلك لكم أن تحسبوا ما معنى أربعة عشر ألف و ستمائة شهيد. معناه أن المحافظة كلها كانت حماساً و حركة و حباً و تضحيات.إننا لا نريد مدح أهالي شيراز أو مدح شعبنا العزيز، فلا أنتم بحاجة إلى هذا و لا تتوقعون هذا. فلماذا إذن نذكر هذه الأمور؟ من أجل أن يتجلى تاريخنا و حقيقة وجود شعبنا و واقعه للصديق و العدو و للحاضر و المستقبل على الرغم من إرادة الأعداء، لأن إعلام العدو في الاتجاه المعاكس لهذا الواقع تماماً. أن يصمد شعب هكذا على كلامه، و هو كلام حق و مهم بالنسبة له لدنياه و آخرته، فهذا هو المفتاح الرئيسي لتقدم الشعوب. و هو تماماً في الطرف المقابل لأهداف الجشعين و المتغطرسين و العتاة في العالم الذين يريدون السيطرة على الشعوب اغتصاباً و جعل الناس أسرى و عبيداً لهم. و الشيء المبطل لسحر الأعداء هذا هو أن يختار الشعب الكلام الحق و يصمد على هذا الكلام. الصمود على هذا الكلام يوصله إلى الهدف و يجعله نموذجاً للذين ينظرون و يراقبون من الخارج، و قد أصبحتم أيها الشعب الإيراني نموذجاً. و هذه هي أيضاً تحليلات العالم فيما يتعلق بقضايا منطقتنا، حيث يقولون إن إيران أصبحت نموذجاً و الشعب الإيراني أضحى نموذجاً، و يخشون أن يقع هناك نفس الحدث الذي وقع هنا، أي رفرفة راية الإسلام و قيام نظام على أساس الإسلام. هذه ميزة الصمود.لذلك كلما أثنى المرء على الشعب الإيراني الكبير - بهذه المؤشرات التي ذكرناها بخصوص محافظة فارس - لما كان ذلك كثيراً و لا فيه مبالغة. ثمة صراع و حرب على طول التاريخ. حرب بين عدد قليل من الجشعين و طلاب السلطة و الاحتكاريين و المستكبرين في العالم و بين كتل الشعوب و الجماهير. كانت هذه الحرب قائمة على امتداد التاريخ. أولئك المستكبرون كانوا يمتلكون السلاح و المال و الأصوات العالية. و لم يكونوا يمتلكون بعض الأشياء، إذ لم تكن لديهم رحمة على الإطلاق، و لا إنصاف، و كانوا على استعداد لارتكاب أفجع الجرائم من أجل الوصول إلى غاياتهم. و لم يكن لدى الشعوب سوى أرواحهم و عزائمهم و إيمانهم. إينما عرضت الشعوب هذه الأدوات الكبرى في الميدان و صمدت و قاومت كانت الهزيمة من نصيب الطرف المقابل. لكن الأمر لم يكن هكذا دائماً حيث تصمد الشعوب و تستقيم و تأخذ إلى الميدان أرواحها و عزائمها و هممها و إيمانها بالكامل، و حيثما أخذتها إلى الميدان تقدمت إلى الأمام.و هذه الحرب قائمة اليوم أيضاً. القوى المستكبرة في العالم - أي القوى الغربية و الأمريكية و الصهيونية - لا تقف عند حدّ معين، و تريد الاستيلاء على العالم كله و على جميع المصادر المالية في العالم و على كل الطاقات البشرية، فما هو ذنب الشعوب؟ لماذا يجب على الشعوب أن تطيق هذا الوضع؟ و لكن للأسف هذا هو الواقع، يضعون أشخاصاً من سنخهم على رأس الشعوب ليضمنوا لهم مصالحهم و يعملوا ما استطاعوا ضد مصالح الشعوب و يضغطوا عليهم. منذ حوالي مائتي عام، حيث ظهر الاستعمار، حدث هذا الشيء بأشكال مختلفة في العالم. الشعوب الأخرى لم تكن مشكلتهم خلال هذه الحقبة مجرد تسلط مستبد عليهم إنما كانت مشكلتهم هي أن هذا المستبد له سنده من القوى الدولية التي تسحق و تحطم مصالح هذا البلد و هذا الشعب. هذه هي المشكلة خلال فترة الاستعمار. إذا نظرنا من هذه الزاوية فسوف يمكن تحليل جميع هذه القضايا بصورة صحيحة. و كذا الحال بالنسبة للقضايا الراهنة.تقع في المنطقة حالياً أحداث معينة ببركة الإسلام و ببركة الثورة الإسلامية‌ و بفضل الصحوة الإسلامية العامة. و لا مراء في أن هذه الصحوة الشعبية سوف تؤتي نتائجها، و قد آتت نتائجها إلى هذا اليوم و إلى هذه الساعة في بعض المناطق. عزيمة الشعوب و إيمانها و استعدادها للتضحية كلما استمر أكثر كلما كان احتمال انتصارها أكبر. و هذا ما لا يريد الاستكبار و الصهاينة وقوعه و لا يريدون للشعوب أن تصمد. لقد وقعت أمريكا في هذه الأحداث في مباغتة و حلت الضربة بها على حين غرة و بصورة مفاجئة، و كذا الحال بالنسبة للصهاينة، و كذا الحال بالنسبة للحكومات الاستعمارية الأوربية المتشدقة - لقد تفاجؤا - لكنهم يريدون الهيمنة على الساحة بأي شكل من الأشكال، إلا أنهم لحسن الحظ لم يستطيعوا ذلك لحد الآن. في بلد أو بلدين لم يستطيعوا ذلك إطلاقاً، و هم يحاولون في بلد أو بلدين آخرين. من الأكيد أن هذه الصحوة ليست بالشيء الذي ينتهي. تحرك الجماهير إلى الأمام هذا ليس شيئاً يمكن أن يرجع إلى الوراء. مهما فعلوا سيكون لهذه الحركة نهاية جيدة و لصالح الشعوب و بضرر القوى الكبرى. طبعاً يجب أن تكون الشعوب يقظة و تعلم أن العدو يتربص لها في كمائنه.و في بعض الأماكن يمارسون - للحق و الإنصاف - ظلماً علنياً جلياً. في قضية البحرين و في قضية ليبيا و في قضية اليمن الآن، كل الذين يستطيعون إبداء آراءهم في هذه القضايا إذا دققوا سيجدون هذه القوى الغربية مجرمة و مقصرة لا يمكن التغاضي عنها. هؤلاء يظلمون الناس. و تحليل ذلك من شأن المحللين السياسيين، فهم يحللون و يتحدثون، و محصلة كل ذلك هو أن أمريكا و الغرب يمارسون الضغط على الشعوب و يظلمونها لصالح الصهاينة و لصالح الحكومة الإسرائيلية المزيفة، و الذين تعرضوا للظلم أكثر من غيرهم هم الشعب البحريني للأسف.لأن الجمهورية الإسلامية تتخذ الموقف الحق و تقول كلمتها بصراحة فإنهم يوجهون جميع هجماتهم الإعلامية ضد نظام الجمهورية الإسلامية. كانوا يتمنون أن تكون الجمهورية الإسلامية متفرجاً غير مكترث، و مثل هذا الشيء غير ممكن، و هذا ليس من طبيعة الجمهورية الإسلامية. لا يمكن لشعب إيران و لا للمسؤولين الإيرانيين و لا للحكومة الإيرانية و لا للنخب السياسية في إيران بطبيعة الحال أن يبقوا متفرجين غير مكترثين في هذا الصراع الظالم الذي يشنه المستكبرون ضد الشعوب. فيقولون إن إيران تتدخل! أي تدخل؟! أي تدخل؟! ما هو التدخل الذي قامت به إيران في البحرين و في ليبيا و في اليمن؟ نعم التدخل هو أننا ذكرنا رأينا بصراحة، و لم نخف أبداً من عبوس القوى الورقية و لم و لن نكترث لها. إننا نذكر مواقفنا الحقة و كلامنا الحق بكل صراحة. الموقف الحق هو أن الحق مع الشعب البحريني، فهو شعب معترض و اعتراضه في محله. أي إنسان صاحب بصيرة في العالم إذا عرضتم عليه هذه القضية و ذكرتم له وضعهم و أخبرتموه بنوع الحكومة‌ التي تحكم هذا الشعب، و طبيعة الأعمال التي يمارسها الحكام هناك في استغلال ذلك البلد الصغير، لكم أن تشاهدوا هل سيدين الجهاز الحاكم هناك أم لا يدينه. إنهم مخطئون إذ يجابهون الشعب، و لا فائدة من عملهم هذا. قد تستطيعون الضغط و ممارسة الأعمال الوحشية فتطفئوا النار لأيام معدودات، لكن النار لن تنطفئ، إنما ستزيدون عقد الناس يوماً بعد يوم، و ذات يوم سيفلت الزمام من أيديكم بحيث لا يمكن تلافي الأمر بأي شكل من الأشكال. إنهم مخطئون. هم على خطأ و الذين يبعثون القوات للبحرين من الخارج أيضاً يرتكبون خطأ كبيراً. يتصورون أنهم بهذا يستطيعون القضاء على حركة الشعب. هذا هو رأي الجمهورية الإسلامية و كلامها. و كذا الحال بالنسبة لليمن، و كذا الحال بالنسبة لليبيا. في ليبيا يتلاعب الغربيون بالشعب الليبي. بلد بالقرب من أوربا - ساعة واحدة حتى قلب أوربا - و زاخر بالنفط، و لا يريدون قيام حكومة شعبية و خصوصاً حكومة تمثل الشعب المسلم هناك. لذلك يواصلون اللعب و التردد و التذبذب و مخادعة الناس. الشعب يفهم و يدرك، الشعب الليبي يفهم ذلك. و كذا الحال في المواطن الأخرى.المجرم الرئيسي في هذه الأحداث هم بلا شك مستكبرو العالم و أجهزة الاستكبار الدولي و الشبكة الصهيونية الدولية، و الصهاينة الآن يستغلون هذا الضجيج و الصخب و يمارسون الضغوط على أهالي غزة و يقتلونهم يومياً. من المهم أن لا تغفل شعوب المنطقة و حكوماتها و الذين تخفق قلوبهم للحقيقة عن ما يفعله الكيان الصهيوني.هذا هو وضع نظام الجمهورية الإسلامية. لذلك تلاحظون أن المساعي الإعلامية و السياسية و الاقتصادية و الأمنية التي تبذلها أمريكا و أعوانها تتركز على الجمهورية الإسلامية. و الجمهورية الإسلامية طبعاً تقف بقوة بتوفيق من الله، لكنهم يمارسون أعمالهم الرذيلة و لا يتنازلون، إلا أن قوة نظام الجمهورية الإسلامية‌ جعلت سيوفهم كليلة و تضرب على الصخر. و أريد أن أقول لشعبنا و حكومتنا العزيزين أن يحافظا على هذه الحالة الصخرية القوية. لا تسمحوا بنشوب خلافات و تصدعات. لا تسمحوا للعدو بتحقيق ما يريد تحقيقه في إعلامه و في خبثه السياسي و إثارته للفتن السياسية ضد بلدنا.لاحظوا أي ضجيج أثاروه في العالم خلال الأيام الخمسة أو الستة الماضية حول مسألة لا تتمتع بأهمية كبيرة هي مسألة الأمن و ما إلى ذلك. ساقوا التحليلات نحو القول بوجود صدع داخل نظام الجمهورية الإسلامية، و وجود ثنائية في الحكم، و أن رئيس الجمهورية لم يطع كلام القيادة! ملأوا أجهزتهم الإعلامية بهذا الكلام الهشّ المفتقر لأية أسس. لاحظوا كيف يتربصون الذرائع. لاحظوا كيف يتربصون في كمائنهم كالذئب ليجدوا ذريعة و يشنوا هجومهم بأية طريقة من الطرق. يعلمون أن الحكومة تعمل و تجهد و تقدم الخدمات. و الحق أن هناك خدمات يجري تقديمها في البلاد. أينما كانت هناك خدمة‌ كان الشعب معاضداً لها و كانت القيادة أيضاً معاضدة لها. إننا لا نحكم على الأشخاص إنما نضع الأعمال و الخطوط و التوجهات ملاكات و معايير. حيثما كان هناك عمل و خدمة‌ و جهود كان دعمنا و دعم الناس هناك أيضاً. و الحمد لله فإن الأعمال في الوقت الحاضر جارية و المسؤولون الحكوميون للحق و الإنصاف يبذلون جهودهم سواء أعضاء الحكومة أو على الخصوص رئيس الجمهورية. أنهم يعملون ليلاً و نهاراً و أنا أرى ذلك و أشهده عن كثب. إنهم يعملون دوماً و يقدمون الخدمات و يبذلون الجهود. و هذا بالتالي شيء ثمين جداً للبلاد. و أنا طبقاً للأصول لا أريد الدخول في أعمال الحكومة و قراراتها. المسؤوليات محددة في الدستور، لكلّ مسؤوليته، إلا حينما أشعر بأن هناك مصلحة تكاد تفوت و تضيع، و كذا كان الحال بالنسبة للقضية الأخيرة. يشعر المرء أن هناك غفلة عن مصلحة كبرى و تفويت لها. فيتدخل ليحول دون تفويت المصلحة. هذه ليست بالمسألة المهمة و قد حدثت أمثالها، لكن المعارضين و الأعداء الخارجيين و أصحاب المنابر الدولية و الأبواق الإعلامية يستخدمون هذه المسألة لإثارة الضجيج في المناخ الإعلامي.ما أقوله للعناصر الداخلية و لشعبنا المخلص و للإخوة و الأخوات ذوي الصلة في الداخل بالقضايا الإعلامية هو أن يحاولوا عدم مساعدة هذا الضجيج. ما الضرورة لهذه التحليلات، هذا من هناك، و هذا من هنا، و هذا ضد ذاك، و ذاك ضد هذا، من أجل لا شيء؟‌ لا، الأجهزة و الحمد لله أجهزة قوية و مقتدرة و المسؤولون عاكفون على أعمالهم، و أنا القليل باعتباري قائداً رغم كل صغري فقد أعان الله تعالى و لا نزال نقف بقوة عند مواقفنا الصحيحة. ما دمت حياً و ما دمت أتولى المسؤولية فلن أسمح بحول من الله و قوة أن تنحرف حركة الشعب العظيمة هذه عن الأهداف و المبادئ حتى بمقدار ذرة. طالما كان شعبنا العزيز على هذه الحال من الحماس و الوعي و البصيرة و العزيمة الراسخة متواجداً في الساحة‌ فإن اللطف الإلهي سيشمله، اعلموا هذا. طالما كنا في الساحة كانت ظلال اللطف الإلهي على رؤوسنا. و إذا جرينا - أنا بشكل و أنتم بشكل و ذاك الآخر بشكل و الرابع بشكل - وراء قضايانا الشخصية و نسينا الأهداف فسوف يقلّ العون الإلهي طبعاً.لكنكم تلاحظون اليوم أن الشعب متواجد في الساحة لحسن الحظ في كل مكان من البلاد. و كذا الحال بالنسبة للمسؤولين و السلطات الثلاث بصفتها العامة. السلطات الثلاث - السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و السلطة القضائية - متواجدة في الساحة بحق. إنني أشاهد هذا و أراه عن قرب، و أرى أنهم يجهدون و يعملون و يجاهدون و يكدون كداً مجهداً جداً، فالأعمال أعمال ثقيلة و ليست أعمالاً صغيرة.و قد قلنا الجهاد الاقتصادي و هناك حركة‌ عظيمة أمام همم المسؤولين في البلاد. على أبناء الشعب و على المسؤولين أن يضعوا يداً بيد، و يبدأوا هذا العام حركة‌ الجهاد الاقتصادي. و كما قلنا فإن شعارات الأعوام تعني بدء‌ التحرك لا أن يختص ذلك التحرك أو الشعار بذلك العام. و هذا شيء يحدث و الحمد لله. و هناك طبعاً نواقص في أعمالنا جميعاً، أنا أيضاً توجد نواقص في عملي، و رؤساء السلطات لا يخلون من نواقص، و المسؤولون لا يخلون من نواقص. يجب أن نلجأ إلى الله تعالى، و نتعرّف على نواقصنا و نقللها، و لا نخلق العقد و العقبات في الأمور العظيمة لهذا الشعب الكبير و حركته العظيمة.نطلب من الله تعالى أن لا يسلب شعبنا أبداً نظرته الرحيمة الراحمة. و أن يجعل القلب المقدس لإمامنا الحجة المنتظر إن شاء الله عطوفاً علينا و يشملنا بأدعيته. نسأل الله تعالى أن ينزل شهداءنا الأبرار و إمامنا الجليل - الذي فتح لنا هذا الدرب العظيم - في أعلى و أرفع درجات القرب إليه.و السلام عليكم و رحمة‌ الله و بركاته.الهوامش:1 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 27 .  
2011/04/23

كلمته في مجموعة من الشخصیات الثقافية و السياسية بعد صلاة الجماعة

بسم الله الرحمن الرحیمنسأل الله سبحانه أن يبارك لكم أيها الإخوة و الأخوات و لذويكم العام الجديد، راجين لكم و لشعبنا الكريم عاماً مليئاً بالخير و البهجة و السرور. طبعاً لا أخفيكم أنّ جزءاً من ذلك يقع على عاتقنا، فنحن بسلوكنا و باختيارنا نحدّد مصير حياتنا أتكون مباركة أم غير مباركة. بمعنى أنّ الإنسان باختياره يحدّد مصيره النهائي. فقد أودع الله سبحانه فينا القابلية و الاستعداد «و هديناه النّجدين» (1) على اختيار أحد الطريقين. طبعاً أحياناً تكون الظروف مساعدة فيكون الاختيار سهلاً، لكن في أحيان أخرى تكون الظروف معقّدة فيكون الاختيار صعباً، لكن في النهاية لا بدّ من الاختيار في سائر الأمور.عندما نكرر ذكر «اهدنا الصّراط المستقيم» (2) في سورة الحمد المباركة يومياً مرات عديدة، فهذا يعني أنّ الصراط المستقيم الذي نسیر فیه ـ على فرض أنّنا عرفنا الصراط و التزمنا به ـ يصل في كل لحظة إلى مفترق طرق. فالصراط ليس نفقاً يدخله المرء و يضمن خروجه من الناحية الأخرى ـ أو كسكة الحديد ـ كلا، فهناك مفترقات طرق عديدة، هناك تقاطعات عديدة تقع على مسير الصراط المستقيم لا بدّ من التعرّف عليها و اختيار الناحية الصواب منها. و هذا هو المراد من (إهدنا) التي نكررها يومياً، أي: اليوم (إهدنا)، و غداً (إهدنا) و بعد غدٍ (إهدنا)، و في هذا الموقف (إهدنا)، و في ذلك الموقف (إهدنا).و لا نريد هنا أن نعقّد الأمر أو نجعله مستحيلاً، كلا، فالله سبحانه و تعالى قد وضع البيّنات بين يدي الجميع «ذلك ان لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم و أهلها غافلون» (3)، فليس الأمر أنّنا لو افتقدنا وسيلة الهداية و انحرفت مسيرتنا، سيؤاخذنا الباري تعالى أو يعذبنا، كلا، فهو تعالى قد آتى كل نفس هداها. طبعاً هناك موارد تستثنى من هذه القاعدة الكلية، لكن مقتضى القاعدة، قاعدة الهداية الإلهية هو هذا.أمّا (النوروز) فالمراد به: العام الجديد ـ و أيّاً كانت التسمية فالمعنى واحد، و تسميته بالنوروز تسمية مناسبة على كل حال ـ و هو أمر جيّد للغاية، لأنّ وضع مقاطع أو مراحل زمنية جديدة في مجرى الحياة أمر نافع. فلو استمرّت الحياة بشكل نمطي دون أن يمرّ الإنسان بمراحل أو مقاطع جديدة، فمن الطبيعي أنّه لن يفكر بالتجديد، أو التطوير أو التحديث. لذلك فمن فوائد جعل المقاطع الزمنية في مجرى الحياة هو أن يتأمّل الإنسان و يقول: جيّد، إنّ العام السابق قد انتهى، و بدأنا عاماً جديداً، و العام الجديد يعني عمل جديد، فكر جديد، عزم جديد، دوافع و محفزات جديدة. كما نجد ذلك سائداً لدى مجتمعنا و مجتمعات العالم أجمع، فعندما يحلّ العام الجديد، يرتدي الناس ملابس جديدة، و يجددون منازلهم.. الخ، النوروز إذن يعني حلول مرحلة جديدة.و الفائدة المرجوّة من وجود مرحلة جديدة، من وجود مقطع زمني جديد هي أن يكتسب الإنسان فرصة للتفكير في أفعاله السابقة و أفعاله المستقبلية، فيقول على سبيل المثال: السنة الماضية انتهت و كانت لدينا المشاكل التالية، فلنبدأ من هذا العام بتلافيها و محاولة الإصلاح. و هذا الأمر يمكن تعميمه على كافة مجالات الحياة.و برأيي فإنّ أولى القضايا التي تستحق أن يقف عندها المرء و يتأمل فيها، علاقته بالله سبحانه. ففي بدء العام الجديد لا بدّ أنْ يدرك الإنسان أنّ العام الماضي و الذي سبقه من الأعوام قد انقضت بأي نحو من الأحناء، و الآن لدينا مرحلة زمنية جديدة، علينا أن نعيد التفكير في علاقتنا بالله سبحانه و تعالى، سواء بالجانب السلبي منها أم الإيجابي، و المراد بالجانب السلبي: الإثم. فالإنسان قد اعتاد ارتكاب بعض الذنوب، لدرجة أنّه أصبح لا يعي خطورتها أو غافلاً عنها. لكنّه ما إن يقف و يتأمّل قليلاً حتى يدرك انعكاساتها على سلوكه، طبعاً لا يخفى أنّ الإنسان في الغالب يحسن الظن بنفسه، و نادراً ما يسيء الظن بها. و هذه هي مشكلة الإنسان؛ أنّه قد اعتاد أن يبرّر كل سلوك أو كل فعل من أفعاله، لكن مع ذلك ليس الأمر مستعصياً أو مستحيلاً، فالله سبحانه و تعالى سيحتج علينا، كما أنّه سبق و أن أتمّ حجته. لذلك علينا التأمّل بدقة و بإمعان، و سنكتشف ذلك.إنّ لقلب الإنسان و لروحه و وجدانه باطناً صادقاً معه، فإذا كان ظاهر القلب مخادعاً فباطنه دون شك صادق معه. ففي أحد المواقف كان إمامنا [الخميني] (رضوان الله عليه) يقول: إنّ باطن قلبي أيضاً لا يحزن من هذا الموضوع. و الواقع كذلك، فللقب باطن نادراً ما نلتفت إليه، و لو التفت الإنسان إليه لوجد نفسه مكشوفاً و مفضوحاً أمام نفسه.و كما تقدّم فأحياناً يعتاد الانسان على ارتكاب بعض الآثام مستصغراً و محتقراً لها، و بالتالي فإنّ من الأمور التي يمكن فعلها في العام الجديد، هو أن يتأمّل الإنسان في كيفية وضع حد لفعل الموبقات، أي يبدأ بإحصائها و كتابتها.في العام الماضي أو العام الذي سبقه، و بينما كنت أطالع سيرة الشهيد أفشردي (باقري) ـ أو أحد الشهداء الآخرين ـ لفت انتباهي أنّ ذلك الشهيد كان يدوّن ذنوبه التي صدرت منه مساء كل يوم، و قد ورد هذا أيضاً في وصايا علماء الأخلاق و في بعض الأخبار أيضاً، أي محاولة الإنسان تدوين ذنوبه التي ارتكبها و محاسبة نفسه كل ليلة. فقد كان الشهيد يقوم بذلك. ألا نستطيع نحن أن نكتب رواية عن أنفسنا و من ثمّ نعلن عنها، على الأقل بيننا و بين أنفسنا. لقد كتب الشهيد في مذكراته على سبيل المثال: لقد وجدت نفسي هذه الليلة أنّني ارتكبت ذنوباً عديدة في ذلك النهار.إنّ محاسبة النفس أمر مفيد جداً. على الإنسان أن يحاسب نفسه، و يبدأ بالحد من ذنوبه واحداً تلو الآخر. فنحن اعتدنا ارتكاب بعض الموبقات ـ أحياناً يعتاد المرء على خمس أو ست أو عشرة ذنوب ـ و لا بدّ من العزم على تركها واحداً تلو الآخر إلى الأبد، لا بدّ من تجنّب نقاط الضعف هذه.و الأمر كذلك بالنسبة للجانب الإيجابي من الموضوع، و برأيي فلتكن البداية من الصلاة ـ و ذلك لخطورتها و أهميتها ـ فالاهتمام بها يساهم في تذليل الكثير من العقبات و حلحلة المشاكل و الأزمات. و لا بدّ للإنسان أن يأتي بالصلاة تامّة على أحسن وجه و يكون ملتفتاً خاشعاً فيها. و المراد من الخشوع: عدم الغفلة عمّا يقول و عمّا يدور في خاطره، بمعنى أن لا يكون كالذي لا يعي ما يقول. فعلى سبيل المثال أنا جالس أتحدّث إليكم و أنتم تصغون لي فأنتم مخاطبون، و الإنسان عندما يتحدّث لا بدّ أن يعي بأنّ هناك مخاطباً يستمع إليه. و هكذا بالنسبة للصلاة، فلا بدّ أن ندرك بأنّ هناك من نتحدّث إليه و يستمع إلينا. بل يسعني القول: إنّ من لم يدرك مفهوم الصلاة أو لم يع المراد من هذه الكلمة، لكنّه يدرك أنّه واقف أمام الله سبحانه و يتحدّث إليه، فهو حسبه في القربة إلى الله ـ «[الصلاة] قربان كلّ تقيّ» (4) - إنّه لا شك أفضل من حالنا، نحن الذين ندرك معنى الصلاة، و ندرك تفسيرها، و طالعنا حولها كتباً عديدة، لكنّ عندما نقف إلى الصلاة نغفل بالمرةّ عمّا نقوم به، كما يقول الشاعر (صائب) ـ و لا أتذكر نصّ البیت الشعري الآن لکني أتذکر معناه ـ أنت تتذكر في الصلاة كل شيء إلاّ الله سبحانه، بل لو أضعت شيئاً لعثرت عليه في الصلاة.فالصلاة أمر حسن، و الخشوع ـ أي الالتفات إلى أننّا نتحدّث إلى مخاطب ـ بداية حسنة، و الصلاة في وقتها كذلك، و صلاة الجماعة كذلك، و النوافل كذلك، و هكذا يمكن للمرء أن يوسع قائمة برنامجه اليومية شيئاً فشيئاً. و الأمر يتطلّب قليلاً من الهمّة و العزم و سيكون العام الجديد حافلاً بهذه الخيرات و البركات إن شاء الله.طبعاً لا يخفى أنّ لكل منّا التزامات أخرى، أعمال، مناسك خاصة في حياتنا فلنحاول جاهدين الارتقاء بها و إتيانها على أكمل وجه و جعلها إلهية أكثر ممّا مضى، و بطبيعة الحال فالآثار التي ستنعكس عنها ستكون مضاعفةً كماً و كيفاً.نسأل الله أن يمنّ عليكم بالخير و السؤدد، و يبارك لكم جميعاً و لشعبنا العام الجديد بالمعنی الذی أسلفنا ذکره.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة البلد، الآیة 10 .2 - سورة الفاتحة، الآیة 6 .3 - سورة الأنعام، الآیة 131 .4 - نهج‌ البلاغة، الحكمة 134 . 
2011/04/12

من كلمة للإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي الدولة

من حديث لسماحة آیة الله العظمی السید الخامنئي قائد الثورة الإسلامیة في بداية العام الشمسي 1390 لدى لقائه رئيس الجمهورية، و أعضاء مجلس الوزراء، و أعضاء هيئة رئاسة مجلس الشورى الإسلامي.و قد تم هذا اللقاء بتاريخ 4/4/2011 م حیث تحدّث فيه سماحته حديثاً تضمّن مجموعة توصيات حول (اغتنام الفرص).في ما یلي هذه المقتطفات من کلمته:يجب أن لا ننسى ذكر الله. إنّ كل ما لدينا هو من التوسّل و التوجّه إلى الحضرة الربوبية. فهو الذي يأخذ بقلوبنا و يسمو بها إلى الأهداف العليا، و هو الذي يأخذ بمجامع القلوب و يشدّها إليها، و هو الذي يجمع القلوب و يؤلّف بينها. فالإنسان مهما بلغ غير قادر على أن يجمع القلوب و يشدّها نحو جهة ما، وحدها القدرة الإلهية هي من يقدر على ذلك.لا بدّ لنا من اغتنام الفرص. و بصفتنا مسؤولین فإنّ الله سبحانه و تعالى قد منحنا فرصة، و هي فرصة الحياة و فرصة المسؤولية ـ فقد أوكلت لكل منّا مسؤولية ما لمدّة محدّدة من الزمن ـ تنتهي عندها. فعلينا أن نغتنم الفرصة التي أتيحت لنا و نستثمرها بأقصى ما يمكن، لأنّ الإنسان عندما يغادر هذه الحياة، توصد خلفه جميع أبواب العمل و الحركة. نعم، قد يكون هناك من يستغفر لنا و ينفعنا ذلك، أو قد نترك خلفنا أعمالاً تحسب كصدقة جارية، لكنّ المهم في الأمر هو أنّنا سنغدو غير قادرين على فعل شيء و قد غلّت ايدينا و انقطع عملنا. و ما دمنا في الحياة الدنيا، فأيدينا مبسوطة، و بمقدورنا القيام بالكثير و الكثير من الأعمال. فبنظرة، أو بابتسامة، أو بكلمة، أو بحركة يد، أو بحركة قلم، بإمكانكم أن تجمعوا حسنات يتجاوز حجمها حجم السماوات و الأرض ـ فهذا هو ما عليه الأمر في الحياة الدنيا، فاليد مبسوطة و الإنسان قادر على فعل ما يريد ـ لكن ما إن يغادر الإنسان هذه الحياة، حتى تغل يده و يغدو غير قادر على فعل أي شيء، سوى فتات حسنات قد تصله من استغفار الآخرين له أو تصدّقهم عليه بعد رحيله، و هذا لا يوازي بأي حال من الأحوال ما كان الإنسان قادراً على فعله و لم يفعله لدى حياته و قبل مماته، من هنا لا بدّ للمرء أن يعي ثمن الفرصة و يحرص على اغتنامها.و إذا أردنا أن نعي ثمن الفرصة و نحرص على اغتنامها بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فعلينا أن نزج و نحشد كل قوانا في ميدان العمل، علينا أن نشدّ حيازيمنا و نلج ساحة العمل الدؤوب، و هنا لا بدّ لنا أيضاً من العودة إلى أنفسنا و مراجعتها و ملاحظة مواطن الخلل و النقص فيها. فلكلٍّ منّا ثغرات و نواقص، و هي ليست بالقليلة. و غالباً ما تكون عيوبنا نحن البشر أكثر بكثير من محاسننا من غير أن نكون مدركين لذلك. و لو لم يكن الأمر كذلك لما دفع بالرسول الكريم (ص) و بما له من مقام عظيم ـ نور خالص مجرّد من كلّ ظلمة ـ إلى الاستغفار. فالنبي كان يستغفر أيضاً و هو القائل: «لأستغفر اللَّه في كلّ يوم سبعين مرّة». و قال: «إنّه ليغان على قلبي». فهذه طبيعة البشر. فنحن مجموعة من الضعف، لكن الله سبحانه و تعالى أودع فينا القدرة على التطوّر و التحسّن اللامتناهي بما يمكّننا من التغلّب على مواطن الضعف فينا، فنبدأ بتبديل الأصفار إلى أعداد و السوالب إلى موجبات. فالله تبارك و تعالى لا يظلمنا بتاتاً. فنحن قادرون على تحويل جميع الأصفار إلى أعداد، و كلما قمنا بذلك تقدّمنا، و ما نخفق فيه، فلا بدّ من الالتفات و التركيز عليه. بمعنى لو أنّ المرء غفل عن إدراك مواطن الضعف في ذاته، و أخفق في تحديد مواطن الخلل و النقص في فعله و في ذاته، فسيغدو متخلّفاً. و هذه إحدى فوائد السباق. ففي السباق حيث يقف إلى جانب المرء من ينافسه، فإنّه يدرك على الدوام مواضع النقص و الخلل فيه و يسعى لتلافيها، و لكن عندما يكون وحيداً في الميدان و يعدو لوحده، فإنّه قد يجد نفسه مضطراً للتوقّف أحياناً، فيقف برهة من أجل السعال مثلاً، لكنّه بما أنّه لوحده لن يدرك كم جعله هذا التوقّف متأخراً، أما إذا كان هناك من يعدو إلى جانبه و لم یتوقف حتی لثانيتين ـ و ليس لخمس ثوان ـ فسيجعله ذلك مذهولاً من طول المسافة التي تقدّم فيها خصمه عليه. إذن فحياتنا العملية مهدّدة بثوان و دقائق و ساعات من التخلّف، علينا الانتباه لها جيّداً ليتسنّى لنا تعويضها. و إنْ لم يسعنا تعويضها فعلى الأقل نقرّ بذلك أمام الله سبحانه و تعالى: «و إن كان قد دنا أجلى و لم يدنني منك عملي فقد جعلت الإقرار بالذّنب إليك وسيلتي».(1) فهذا من جملة الطرق التي يتقرّب بها العبد إلى الله سبحانه، أي الإقرار بالذنب، الإقرار بالتقصير و الإخفاق و النقص و الظلمات التي تعاني منها نفوسنا. علينا الالتفات لهذا الأمر، فجميع ذلك من الممكن التغلّب عليه بتوفيق الله و عنايته سبحانه و تعالى.إنّنا نعيش في زمن جيّد و علينا أن نشكر الله سبحانه على ما حبانا، و نثني عليه على هذه النعمة الكبيرة، على هذه الفرصة العظيمة التي أتاحها لنا إذ جعلنا مفيدين لمجتمعنا و لبلدنا و لإسلامنا العزيز و لتاريخنا. فقد مرّ بنا زمن لم نكن قادرين على فعل شيء، و لا سوانا من ذوي الهمم و العزائم. لكن اليوم أصبح بمقدورهم ذلك. فعلينا أن نقدّر هذه الفرصة و نشكر الله سبحانه عليها، و نسأله أن يتغمد روح إمامنا [الخميني] الكبير برحمته و كذلك أرواح سائر شهدائنا الأبرار المجاهدين في سبيل الحق، و الممهدين ذلك السبيل أمامنا.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1) مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية. 
2011/04/04

كلمته في حشود الجماهير و عمال صناعة النفط في منطقة عسلويه

بسم الله الرحمن الرحيميسرني كثيراً و لله الحمد أن يكون ختام زيارتي الیوم لهذه المنطقة الحساسة و المهمّة بالنسبة لبلدنا، اللقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء العاملون في هذه المجموعة الصناعية و التقنية المهمّة و من سکان هذه المنطقة. و بهذا اللقاء تنتهي زیارتنا.. و إنّني لسعيد جدّاً باللقاء بكم.لحسن التوفيق أنّ كل زاوية من زوايا هذا البلد و في كل مجال من مجالاته يمكن بوضوح ملاحظة النمو و الازدهار العلمي و العملي لشعبنا الكريم. و بالنسبة لمحافظة (بوشهر) فإنّها تعد من أعرق و أقدم محافظات البلد، و هي تضم أناس خبروا الحياة جيداً، و كل من له معرفة بالتاريخ يعلم حجم الخدمات الجسيمة التي قدّمها سكّان هذا الساحل الطويل للخليج الفارسي، لبلدهم و لاستقلاله و كرامته. و في فترة من الفترات حاول المستكبرون المعتدون الطامعون، الذين كانوا يعلمون أهمية هذه المنطلقة جيداً، الاستيلاء عليها بشكل كامل و نهب ثرواتها. إنّه ذات الاستعمار الذي داهم شبه القارة الهندية و تركها على هذه الحال و عاث في أهلها فساداً لا يمكن تلافيه، و داهم شمال آفريقيا و شرق آسيا، لكنّه بالرغم من ذلك لم يتخلّ عن هذه المنطقة و لم يقطع دابر أطماعه عنها. و في تلك الحقبة، وقف سكان هذه المنطقة و خصوصاً سكان محافظتي (بوشهر) و (هرمزگان) و استبسلوا استبسالاً منقطع النظير، و جسّدوا كرامة و ثبات الشعب الإيراني، و قد كان هذا حدثاً تأريخياً لم يسبق أن شهدته هذه المنطقة. و بطبيعة الحال فإنّ مثل هذه الأحداث لن تمحى من ذاكرة التاريخ إطلاقاً.أمّا اليوم فالمرحلة قد اختلفت و أصبحنا في مرحلة جديدة. فالطامعون المعتدون أخذوا اليوم يفكرون بطريقة مختلفة للاستيلاء على كافة أرجاء العالم لتأمين مصالحهم غير المشروعة، و لو كلّف ذلك إبادة هوية الشعوب و سحق كرامتها، كما تشاهدون ما يحصل في أنحاء العالم المختلفة و تحديداً في هذه المنطقة على مدى سنوات من الزمن.إنّ ما حدث في إيران يشكل بالضبط الجهة المعاكسة لما تنطوي عليه أهداف الاستكبار العالمي و أطماعه. فهنا نجد نظاماً قامت دعائمه على الشعب، على القلوب، على الإيمان، على المشاعر، نظاماً تحرّكه الأهداف الإسلامية و الأهداف القرآنية و الإهداف التي انطوى عليها قوله سبحانه (ولله العزة و لرسوله و للمؤمنين) (1)، فبهذه العقيدة الراسخة التي لا تزعزعها الضغوط نشأ هذا النظام، أي النظام الإسلامي. لقد أثار هذا الثبات، و هذا الصمود إزاء الأطماع الأجنبية غضب مراكز القوى العالمية. فمنذ ثلاثین عاماً و هؤلاء يظهرون غضبهم بنحو أو بآخر، لكنّهم في كل مرة يصطدمون بإرادة الشعب الإيراني ـ المتوكّل على إرادة الله سبحانه و الواثق بالوعد الإلهي ـ الشعب الذي أخذ يطوي مراحل الرقي و التكامل و الازدهار يوماً بعد آخر.لقد أعلنت هذا العام (عام الجهاد الاقتصادي). و هذا معناه أن جهاد الشعب الإيراني في هذه المرحلة يتمحور بشكل أساسي حول الاقتصاد. لقد قمنا هذا اليوم بزيارة هذه المنطقة عن كثب، و هي منطقة اقتصادية تعتمد على الإنتاج، و كما هو معلوم فإنّ الإنتاج يعد أبرز عنصر يساهم في إيجاد ازدهار مستدیم و مستقر لاقتصاد أي بلد من البلدان، و خصوصاً الاقتصاد الإنتاجي الذي يعتمد على العلم و التكنلوجيا. فهذه المنطقة تتمتع بهذه الميزة، فهي منطقة اقتصادية، إنتاجية، علمية. إنّها تليق بالشعب الإيراني. فإذا كان سكان هذه المنطقة و سائر مناطق البلاد قد وقفوا سابقاً بوجه الطغيان و تصدوا لأطماع الدول المحتلّة المعتدية، فإنّ طبيعة التصدّي للقوى الطامعة لهذه المرحلة قد اختلفت و تعقّدت، و أصبحت أكثر حساسية و تنوعاً، و هي بحاجة إلى حركة جهادية مكثّفة و مركّزة.لحسن الحظ فإنّ شعبنا خبير بثقافة الجهاد. فالجهاد ليس أمراً غريباً أو جديداً علينا. فشعبنا قد خاض الكثير من ميادين الجهاد، بدءاً بالجهاد العسكري طيلة فترة الأعوام الثمانیة من الدفاع المقدس، و كذلك الجهاد السياسي طيلة المدة المنصرمة، و كذلك الجهاد الاقتصادي و العلمي. لقد ألفنا الجهاد و خبرناه. فالجهاد الذي علينا اليوم القيام به ـ أي الجهاد الاقتصادي ـ ليس أشد على الشعب الإيراني من الجهاد الذي مارسه من قبل، لكن هنا علينا أنْ ندرك ما الذي نريد القيام به.إنّ الجهاد الاقتصادي لا يعني ممارسة العمل الاقتصادي فحسب. فالجهاد ينطوي على بعد معنوي خاص. إذ لا يمكن إطلاق كلمة جهاد على أي فعل أو ممارسة. إنّ الجهاد يتطلّب حضوراً و مواجهة مع العدو. لكن حينما يقوم الإنسان بشيء دون أن يكون أمامه عدو يتربّص به، فهذا ليس بجهاد. و في المقابل أحياناً تريدون القيام بشيء و هناك عدو يتربّص بكم، فهذا هو الجهاد. و الجهاد قد يتخذ أشكالاً مختلفة، فأحياناً يكون قتالاً، و أحياناً يكون الجهاد جهاداً مالياً، و أحياناً علمياً، و قد يكون جهاداً تقنياً، كل ذلك قد يكون جهاداً و كفاحاً. و إذا أردنا أن نجد في الأدبيات المعاصرة مقابلاً لمفردة (الجهاد) قد يكون مصطلح (الكفاح) هو الأنسب. فالجهاد الاقتصادي يعني: الكفاح الاقتصادي.و الجميع يتحمل المسؤولية. فهؤلاء الرجال المؤمنون الذي شاهدناهم اليوم و قسم كبير منكم أيضاً من العاملین في هذا الحقل، إنّ عملكم هذا بمثابة جهاد. إنّ العمل الذي يجري في هذه المنطقة الصناعية و الاقتصادية الكبيرة، هو الجهاد بعينه. و نيّة المرء إذا كانت لله، يصبح عمله جهاداً في سبيل الله. فعندما يسعى الإنسان في سبيل إعلاء كلمة الحق، إعلاء كلمة الإسلام، و يساهم في حفظ كرامة الأمة الإسلامية و الشعب الإيراني المؤمن المسلم، يصبح عمله جهاداً في سبيل الله، جهاداً يتضمّن سائر بركات و خيرات الجهاد في سبيل الله.و رجائي من كافة الإخوة العاملين، المتخصصين، و الكوادر الفاعلة في هذا الحقل ـ مع شكري و تقديري لهم ـ رجائي أن تحرصوا على أن يكون عملكم جهاداً في سبيل الله، و إياكم أن تشعروا بالتعب أو الخيبة، و اعلموا أن الله سبحانه وعد المجاهدين في سبيله بالنصر. فعندما تكون الحركة من أجل الله و في سبيل الله تكون نهايتها النصر و الغلبة. على جميع شرائح الشعب بما فيهم القادة و المسؤولين و رؤساء و كوادر الدوائر و المؤسسات العاملة في كافة أجزاء البلد، لا بدّ أن يكون سعي الجميع في سبيل الله. فإنّ الله تبارك و تعالى يبارك و يسدد كل جهد و سعي و عمل ينطوي على هذه النية، كما كان هذا شأننا طيلة الاثنين و ثلاثين عاماً المنصرمة. فبدون الإرادة الإلهية، لم يكن بمقدور أي شعب الصمود أمام الاستكبار العالمي.إنّ هذه المنطقة التي تزخر بمعدن الغاز، يشترك معنا فيها طرف آخر، و أنا هنا لا أريد أن أعبّر بالمنافس، لكن حينما تجدون أن هناك أطرافاً لا تريد للشعب الإيراني التقدّم، بل و اجتمعت على مواجهة هذا الشعب، و أخذت تدعم الطرف الآخر، و تضع العقبات في طريق هذا الشعب، هذا يعني أنّ هناك جهاداً، أن هناك كفاحاً قائماً، و ذلك عندما يشاهد المرء مثل هذه العداوة و هذه الخصومة. إنّ كل خطوة تضعونها في هذا الطريق و في هذا العمل و أمثاله، تثيرون بها غيض العدو و غضبه، و بالتالي سيسعى جاهداً لوضع العقبات في طريقكم. فكلما تطلّب تقدّمكم في العمل أمراً ما، حاول العدو تركيز جهوده ليقطع الطريق أمامكم دون نيله.إذن ما العلاج؟ العلاج يكمن في الاعتماد على الذات، الاعتماد على الطاقات الوطنية، على المعين الخصب للإرادة الإنسانية و المواهب التي ـ بحمد الله ـ تزخر به إيراننا العزيزة، و يزخر به شعبنا، و شبابنا.إنّ الكلام في هذا المجال كثير. و قد تحدّث في جملة منه السادة المسؤولون عن هذا القطاع طيلة فترة الزيارة، و نحن بدورنا تركنا لهم جملة من التوصيات. و هنا أود أن أوجه كلمة إلى الشعب الإيراني كافة، و هي تتلخّص في أن الجهاد الاقتصادي مسؤولية الجميع. و من أركان إدارة الاقتصاد، الاستهلاك، و الاستهلاك الصحيح الجيد البعيد عن الإسراف و التبذير و الإتلاف هو بالتأكيد ما نوصي به دائماً.علينا إيجاد ثقافة العمل و السعي لله. فحتى لو كنت معلماً فبإمكانك المساهمة في الجهاد الاقتصادي، و ذلك عن طريق نقل هذه الثقافة إلى الطالب، إلى هذه القوة البشرية. ففي كل مقطع و في كل مفصل يمكنكم المساهمة في هذا الجهاد.الإعانة على تكريس العدل.. إن هذه السنوات العشر أو العقد من الزمن يعدّ بالنسبة لنا عقداً لتكريس التقدّم و العدل. فالتقدّم من دون العدل، لا يسمّى في العرف الإسلامي تقدّماً.فعلى سبيل المثال، في منطقة (عسلويه) هذه ـ في هذين المقطعين اللذين يزخران بالموارد البشرية أي منطقتي (عسلويه) و (نخل تقي) ـ لدى الناس متطلّبات عديدة. و المساهمة في تلبيتها تعد جهاداً اقتصادياً، و تنتمي إلى هذا العمل الكبير. لقد تحدّثنا اليوم مع المدراء و المسؤولين المشرفين على المقاطع المختلفة لهذه المنطقة حول البيئة، و التلوث، و المشاكل المختلفة، حول السكّان. و لا بدّ من متابعة هذه الملفات بجدية إن شاء الله. فيجب حلحلة مشاكل الناس. و هذه برمّتها تشكّل أجزاءً ضمن منظومة الجهاد العظيم. فبالتعاون، و التعاضد، و الأخوّة، و النيّة الصادقة لله في العمل، يستطيع هذا الشعب أن يحتل مكانته المرموقة اللائقة به.إنّ الأعداء المعاندين يريدون أن يستهدفوا الشعب الإيراني من أي منفذ كان، و ذلك بسبب وقوف هذا الشعب إلى جانب الحق، لأنّه شعب يريد الاستقلال، لا يريد الاستسلام للطغيان، إنّهم يريدون أن يفرضوا إرادتهم على الشعب الإيراني، و يسددوا ضرباتهم إليه. لكن بتوحيد الكلمة، و بالتعاون و التعاضد و الجهاد العام بالإمكان الوقوف و التصدّي للعدو، كما هو عليه الحال مع الشعب الإيراني الذي لا يزال إلى اليوم صامداً بوجه الأعداء، و استطاع أن يحفظ كرامته، و سيبقى هكذا أيضاً.إنّ وصيتنا للكوادر المسؤولة التي ألتقينا بها اليوم في القطاعات المختلفة، هو الإصرار على سلوك هذا الطريق المستقيم، أي الاعتماد على القدرات و الكفاءات الذاتية و الاستغناء عن الآخرين. و ليعلموا أن هذه الجهود و المساعي في عين الله سبحانه و تعالى و هي تمثّل جهاداً في سبيله، فإذا اقترن بنية القربة إلى الله ـ نية خدمة الشعب و خدمة البلد من النوايا الإلهية ـ سيسدد الله سبحانه هذا العمل و يجعله جهاداً مثمراً. عليكم التمسك بهذا الاتجاه، و تكثيف الجهود.إنّ ما شاهدناه اليوم هنا يبعث على الرضا. طبعاً هناك بعض النقص لا بدّ من التفكير في استدراكه، و على ما يبدو هناك نوايا جادة في هذا الإطار. و في الوقت ذاته فالإنجاز الذي شاهدناه هنا يعدّ كبيراً و مهماً للغاية، و هو يعكس حقيقة أن الشعب الإیراني قادر علی تنفیذ ما يريده. و هذا الشعور بالقدرة على التنفيذ يعتبر أهم ثروة معنوية لأي شعب من الشعوب، و لا يخفى أن شعبنا يتمتّع بهذا الشعور، و الأدلة على ذلك كثيرة يمكن ملاحظتها على أكثر من صعيد.في هذا العمل هناك أقسام تتطلّب جهداً علمياً، خصوصاً فيما يتعلّق بقضايا النفط و الغاز، فبالإضافة إلى الجانب التقني لا بدّ من العمل على الجانب القانوني و الاقتصادي ـ أي قانون النفط و الغاز، و الاقتصاد النفطي و الغازي ـ علينا العمل، التفكير، و تكثيف الجهد العلمي من دراسات و بحوث علمية. إنّ شبابنا سيتمكن من العمل على ذلك و سيتوفق إن شاء الله. إنّها ثروة تتعلّق بالشعب الإيراني. فالغاز ثروة، و النفط ثروة، لكن الأهم من كل هذه الثروات، هي الموارد البشرية التي تتمتّع بالمواهب و الكفاءة و الاندفاع نحو العمل. فنحن نمتلك هذه الثروة و هذا هو الأصل. و إنّ أي شعب من الشعوب يمتلك مثل هذه الموارد البشرية، يستطيع استخلاص ثرواته و توظيفها لخدمة الشعب، لكنّه إن افتقر لذلك، أصبحت ثرواته الطبيعية لصالح الآخرين، و سيكون مردودها للآخرين أكثر من مردودها له. فنحن بحمد لله نمتلك مثل هذه الموارد.و لحسن التوفيق فالأجواء العامة السائدة في البلد أجواء مشحونة بالعمل و السعي و التعاون، و هذه من بركة المساعي (الجهادية) التي حدثت من قبل. فمعنا اليوم جمع من أسر الشهداء، شهداء هذه المنطقة، و من الضروري أن نعلم بأنّ كل ثمرة نقتطفها اليوم و كل نجاح نحرزه لهو ببركة صفحات الجهاد التي سطرها الشهداء و خطوها بدمائهم، و إنّها رهينة الشهداء و المضحين من المعاقين و المجاهدين. فالبعض اشترك في الحرب، و جاد بنفسه، و اكتسب أجر المضحين في سبيل الله، بالرغم من أنّ الله قد حفظه، و أصبح اليوم عنصراً مساهماً في خدمة الثورة و البلد. إنّ هذه التضحيات و الصور الجهادية هي التي حفظت لشعبنا كرامته و عزّته و أوصلته إلى هذا المستوى من القدرة و سمحت له بتحقيق هذه المنجزات العظيمة.نسأل الله سبحانه و تعالى أن يبارك لشعبنا و يضاعف من قدرته و تقدّمه و يحفظ له عزّته و كرامته، و يوفقنا جميعا لأداء مهامنا في هذا العمل الكبير و نسأله رضاه.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة المنافقون، الآیة 8 . 
2011/03/28

كلمة الإمام الخامنئي في الروضة الرضوية المطهرة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على النبي الأعظم، و الصراط الأقوم، و أشرف ولد آدم، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.أشكر الله تعالى لما منح من عمر و توفيق لكي أدرك هذا الموقع المبارك و المغتنم جداً، اليوم الأول من السنة بجوار عتبة سيدنا علي بن موسى الرضا (أرواحنا فداه و صلوات الله عليه). أبارك عيد النيروز السعيد و بداية العام الجديد لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات و الحضور الأعزاء في هذا المجلس العظيم، سواء‌ منكم المتواجدون في هذا الرواق الكبير، أو في الصحون المتعددة التي يتواجد فيها أبناء شعبنا الأعزاء و إخوتنا و أخواتنا و يستمعون للكلام. هذا التجمع في الحقيقة نموذج للشعب الإيراني. يتواجد في هذا اليوم، و من مختلف أنحاء البلاد، و من شتى المدن، و من طرق بعيدة و قريبة، أبناء شعبنا الأعزاء في هذا المرقد و تحت الظلال الوارفة لسيدنا إبي الحسن الرضا (عليه السلام) و يتبرّكون. و ثمة‌ في هذا التجمع العظيم أيضاً الإخوة‌ و الأخوات من مدينة مشهد نفسها. أسلم عليهم جميعاً و أبارك لهم.عيد النيروز الإيراني فرصة مغتنمة لنا جميعاً نحن الشعب الإيراني، و كذلك للمسلمين في البلدان الأخرى ممن يعرفون عيد النيروز و يُحيونه، إنه فرصة مغتنمة للاستفادة‌ من هذا اليوم و من هذه المناسبة للتحرك في الاتجاه الإسلامي. هذا هو دأب الإسلام و ديدنه. استخدام كافة‌ الفرص و كل لحظات الحياة و جميع مراحلها بأشكال مختلفة من أجل تكامل الإنسان و لتقدمه المعنوي و المادي. نستطيع نحن الإيرانيين باستخدام هذه المناسبة للسير باتجاه الممارسات التي دعانا لها الإسلام و على طريق الأحكام و المعارف الإسلامية، فنعرف أنفسنا على الأهداف الإسلامية‌ العليا. صلة الأرحام و التوجه إلى الله تعالى، و الاستماع للكلام الطيب من بعضنا، و التجمع في المراكز الدينية‌ و المعنوية، كلها من الفرص المغتنمة في هذه الأيام و التي يجب الاستفادة منها.الحقيقة هي أن الشعب العزيز في بلادنا طوال السنين المتمادية، و خصوصاً خلال فترة حكم النظام الإسلامي في البلاد، استخدم عيد النيروز لتكريس الحالة الروحية و المعنوية و للتقرب إلى الله و للمعرفة. و الشاهد على ذلك هو أنكم تلاحظون معظم الناس يشتغلون بالدعاء و الذكر و التوجه إلى الله في المراكز الدينية‌ و المراقد المطهرة و المزارات و المشاهد المشرفة و المساجد في ساعات تحويل السنة. معنى هذه الحركة العظيمة هو أن الشعب الإيراني يستخدم هذا التقليد للأهداف الدينية. ينبغي أن يكون هذا خطاً مميزاً لنا في جميع الأمور حيث نستفيد من كل شيء لأجل تقدمنا المعنوي و لأجل مضاعفة معرفتنا و معنوياتنا و ديننا و تكريس الأحكام و المعارف و الأخلاق الإسلامية. أتمنى أن يوفقنا الله تعالى جميعاً و كل الشعب الإيراني لهذا.في هذه الفرصة التي منحنا الله تعالى إياها اليوم في هذا اللقاء المبارك سأذكر لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المشهديون و الزوّار المحترمون ثلاثة مواضيع.الموضوع الأول ما يشبه التقرير المختصر حول سنة 89 . لننظر برؤية عامة بأي اتجاه سار الشعب الإيراني و مسؤولو البلاد في سنة 89 و كيف ساروا في هذا الطريق. و الموضوع الثاني حول العام الحالي الذي يبدأ من اليوم في ضوء الشعار الذي ذكرته لشعبنا العزيز هذه السنة - أي الجهاد الاقتصادي - و الأمور المناسب القيام بها في هذا المجال. و الموضوع الثالث نظرة نلقيها على قضايا المنطقة و الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و ما يجري في هذه المنطقة الإسلامية في ضوء الحيل و الزيف الذي يمارسه أعداء الأمة الإسلامية بهذا الخصوص.في القسم الأول أستطيع القول إن شعار عام 89 أي الهمة المضاعفة و العمل المضاعف حظي بالاهتمام على امتداد العام، و استطاع أبناء شعبنا في القطاعات المختلفة أن يبدوا عن أنفسهم بحق همة‌ عالية و سامية و أعمالاً مضاعفة. و بالطبع فإن نتائج الهمة العالة و العمل المضاعف ستظهر على المدى البعيد، و لكن حتى بنظرة أولية يجد المرء بالنسبة لأوضاع سنة 89 و ما قام به مسؤولو البلاد و ما أبداه شعبنا العزيز من مواكبة للمسؤولين و لأنفسهم، يجد مؤشرات الهمة المضاعفة و العمل المضاعف، فهذا المعنى و الحالة‌ مشهودة في الكثير من الميادين و المجالات.لنبدأ من العلم و التقنية. في بداية عام 89 و في أيام العيد توفقت لزيارة‌ و تفقد قطاع صناعي حساس في البلاد، و في الأيام الأخيرة من إسفند توفقت مرة أخرى لزيارة معرض إنجازات علمية و تقنية مميزة، و أن أرى بعيني نتائج هذه الحركة الممتدة على مدى عام واحد و هي بدورها حصيلة أعمال و جهود طويلة. الحالة المتوفرة حالياً على مستوى العلوم و التقنيات العليا في البلاد، و ما يجري على هذا الصعيد أكثر بكثير من المقدار الذي يعلن للناس.. هذا ما استطيع أن أقوله لكم. انطلقت منذ سنوات حركة علمية مميزة في القطاعات المختلفة و هي حركة‌ تتسارع يوماً بعد يوم لحسن الحظ.سبق أن ذكرت هذه الرواية عن المعصوم (عليه السلام) حيث قال: «العلم سلطان»، بمعنى أن العلم و المعرفة سبب اقتدار للشعب و للفرد. «من وجده صال، و من لم يجده صيل عليه». من يتوفر على هذه المقدرة يكون ذا رفعة و صولة و مكانة منيعة، و من لم يستطع التوفر على القدرة العلمية يبقى في المستويات الدنيا و يتفوق الآخرون عليه. هذه من مميزات العلم و التقنية. و مسيرة البلاد اليوم باتجاه كسب العلم و التقنية في الكثير من الفروع و خصوصاً في الفروع الجديدة جداً و الراقية مسيرة مشهودة. في المجالات و الحقول المتعددة و المتنوعة من قبيل مجال تقنيات الأحياء و في مجال الفضاء و في حقل تقنيات النانو، و في مجال الخلايا الجذعية، و في إنتاج الأدوية الراديوية المهمة جداً، و في إنتاج الأدوية المضادة للسرطان، و في إنتاج محركات التوربينات الهوائية التي تقلل تبعية البلاد للنفط إلى حد كبير، و في إنتاج الحواسيب العملاقة و هي مهمة جداً للبلد، و في تقنيات الأنواع الجديدة من الطاقة، و هذه كلها من العلوم الرفيعة المستوى في العالم، يشاهد المرء لحسن الحظ أن علماءنا و شبابنا يتقدمون بنحو متسارع و متزايد، حتى أنني في ندائي بمناسبة النيروز ليلة البارحة قلت إن تقارير المراكز الدولية المعتبرة تشير إلى أن بلادكم متقدمة‌ في تحركها في هذا المجال على الكثير من بلدان العالم، و سرعة حركة البلاد عدة‌ أضعاف متوسط السرعة العالمية.ثمة نقطتان أو ثلاثة مهمة تتعلق بقضية التقدم العلمي و التقني هذه أرى من المناسب الإشارة إليها. النقطة الأولى هي أن معظم العلماء الذين ينجزون هذه الأعمال هم علماء شباب. متوسط عمر العلماء الناشطين في هذه الأعمال هو 35 سنة أي إنهم في الغالب شباب و يجب الثقة بهؤلاء الشباب. طبعاً هناك أيضاً الأساتذة القدماء و المتدينون العاملون في هذه المشاريع و وجودهم فرصة مغتنمة‌ جداً.النقطة‌ الأخرى هي أن المنظومة التي تقوم بهذه الأعمال و المشاريع الهائلة تتمتع بروح قوية و ثقة عالية بالذات و إيمان بالنفس، و هذا هو الرصيد الأصلي. الرصيد الأصلي هو الطاقات البشرية. هذا ما تمتلكه بلادنا. شبابنا يتقدمون في هذا الميدان بروح و معنويات قوية، و هم مؤمنون بأنهم قادرون على إنجاز جميع الأعمال التي تتوفر في البلاد بناها التحتية.النقطة التالية بخصوص التقدم العلمي هي أن سلسلة العلم و التقنية و إنتاج البضائع و تسويقها - و هي سلسلة مهمة‌ جداً - آخذة في التكوّن. بمعنى أنهم ينتجون العلم و يحولونه إلى تقنية‌ و ينتجون البضائع و المنتجات و يأخذون المنتجات إلى أسواق التجارة العالمية فينتجون بذلك الثروة للبلاد. فهذه العلوم ليست لاختبار الذات و إرضائها فقط و لكي نعلم أننا تقدمنا في هذا المجال أو ذاك، لا، إنما هي علوم تزيد ثروة البلاد و يعمّ نفعها الشعب كله. هذه هي مسيرة‌ أخذ إنتاج العلم إلى إنتاج الثروة الوطنية للبلاد و تلبية احتياجات الشعب. هذا ما يتعلق بالعلم، و الحق أن الهمة المضاعفة و العمل المضاعف مشهود في هذا المجال.المجال الآخر الذي يشهد فيه المرء الهمة‌ المضاعفة و التي تستتبع وراءها بحراً من العمل هو المجال الاقتصادي، و من النماذج في هذا المجال الخطوة الواسعة بترشيد الدعم الحكومي. من المناسب أن يعلم شعبنا العزيز أن جميع الخبراء الاقتصاديين - سواء الذين يؤيدون الحكومة الحالية في توجهاتها الاقتصادية أؤ الذين يختلفون معها في الآراء الاقتصادية - مجمعون على أن ترشيد الدعم عملية ضرورية و جد أساسية و مفيدة. هذا من الآمال التي كانت الحكومات السابقة تطالب به. و الدخول في هذه الساحة عملية صعبة و عسيرة، و لم تكن الأرضيات ممهدة. و الحمد لله فقد بدأ هذا المشروع حالياً، و قد كان تعاون الشعب مع الحكومة في هذا المجال رائعاً و الحق يقال. كان تحرك الجماهير باتجاه ترشيد الدعم رائعاً، و سوف تتبين آثار هذا المشروع في المستقبل تدريجياً. مع أن بعض آثاره قد تبيّنت الآن. الأهداف المهمة لهذا المشروع هي بالدرجة الأولى التوزيع العادل للدعم. أجهزة إدارة البلاد توزع دعماً بين الناس. و على النحو السابق كان هذا الدعم يصل بمقدار أكثر لمن لديهم أموال أكثر و يستهلكون أكثر، و يصل بمقدار أقل لمن لديهم أموال أقل و يستهلكون أقل. و بترشيد الدعم سيحصل توزيع عادل، أي إنه يصل للجميع بنسبة واحدة. و هذه خطوة كبيرة باتجاه العدالة الإجتماعية.و الهدف الآخر هو إدارة استهلاك المصادر العامة للبلاد، و منها الماء و الطاقة. قبل عامين أعلنا شعار العام «إصلاح نموذج الاستهلاك». الاقتصاد في الاستهلاك و عدم الإسراف. و هذا من السبل التي يمكن من خلالها إصلاح نموذج الاستهلاك بالمعنى الحقيقي للكلمة، و يمكن ملاحظة‌ آثار ذلك الآن أيضاً. خلال هذه الأشهر التي تم فيها تطبيق ترشيد الدعم انخفض استهلاك الطاقة، و هذا لصالح البلد. كما قلّ الإسراف في الخبز و إهداره و إتلافه - و هو نعمة إلهية كبرى تتوفر بكثير من الجهد - و عموماً فقد تعادل الاستهلاك و تحسّن. هذه من جملة الفوائد التي حصلت لحد الآن، و ستكون هناك إن شاء الله فوائد كثيرة ‌في المستقبل. و كذا الحال بالنسبة لإصلاح البنية الاقتصادية. و من جملة‌ الأعمال التي دلت أيضاً على الهمة المضاعفة في المجال الاقتصادي زيادة الصادرات غير النفطية. ميزانية بلادنا للأسف منذ عشرات السنين و إلى اليوم تابعة للنفط. و هذا أسلوب يرفضه كل علماء‌ الاقتصاد المخلصين، و هو أسلوب تحول إلى عادة في بلادنا. يستخرجون النفط و يبيعونه و يديرون شؤون البلاد بأموال بيع النفط. هذا أسلوب خاطئ. قلت قبل سنوات عديدة أن من آمالي أن نستطيع ذات يوم إدارة البلاد بحيث لا نبيع - إذا اقتضى الأمر - حتى قطرة واحدة من النفط. هذا شيء لم يحصل لحد الآن. و هو طبعاً ليس بالعملية السهلة، بل هو عملية جد صعبة. زيادة الصادرات غير النفطية تجعلنا نقترب من هذا الهدف. و هي عملية آخذة في التنفيذ. تم قطع خطوة كبيرة على هذا السبيل في سنة 89 .و من الأمور التي تدل على الهمة المضاعفة في الميدان الاقتصادي المواجهة الذكية و المقتدرة للحظر الذي يفرضه الغرب بزعامة أمريكا و للأسف بالتبعية العمياء لبعض الحكومات الأوربية لأمريكا ضد إيران. منذ بدايات عام 89 شددوا الحظر ضد إيران كما يتوهمون. و كانوا يتحدثون عن حساباتهم - التي تصل أخبارها - و يقولون إن هذا الحظر سوف يفرض على الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني الخضوع في ظرف خمسة إلى ستة أشهر. هذا كان تصورهم. كانوا يظنون أنهم عن طريق الحظر يستطيعون التضييق على الشعب الإيراني و الضغط عليه إلى درجة أن الشعب الإيراني سيعترض على نظامه نظام الجمهورية الإسلامية. هذا كان هدفهم. و لكن كان هنالك تعامل ذكي و مقتدر مع الحظر ردّ كيد العدو إلى نحره. و لم يستطع الوصول إلى أهدافه عن طريق الحظر. لحسن الحظ استطاع المسؤولون في القطاعات المختلفة بمزيد من السعي و الجهد و العمل المتراكم الدؤوب، استطاعوا تجاوز هذه العقبة. و يعترف الغربيون أنفسهم اليوم بأن الحظر ضد إيران لم يعد مفيداً. قالوا نمنع تصدير البنزين إلى إيران. و قد كانت هذه من مشكلاتنا على مرّ الزمن. نحن بلد ننتج النفط و ننفق أموالاً كبيرة لاستيراد منتج النفط أي البنزين من الخارج. و قال هؤلاء‌‌ إن هذه هي نقطة ضعف الجمهورية الإسلامية فلنمنع تصدير البنزين إليها. و راح مسؤولو البلاد يعدون مقدمات الأمر قبل أن يبادر أولئك لفعلتهم. و وصل الأمر إلى اكتفاء بلدنا العزيز ذاتياً في إنتاج البنزين. و كان هذا بفضل الحظر الذي فرضوه. «إن الله يؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم». عن طريق الحظر الذي فرضوه فكر مسؤولونا و سعوا و استغنينا عن استيراد البنزين. هذا ما سمعته حتى في المعرض الذي زرته في أواخر شهر إسفند عن لسان العلماء الشباب. قالوا لي أردنا إنتاج هذا الجهاز و كنا نريد استيراد أدواته من الخارج، فقالوا لنا إنكم مفروض عليكم الحظر فلا نبيعه لكم، و علمنا أننا يجب أن نصنعه بأنفسنا، ففكرنا في الداخل و بذلنا الجهود اللازمة و سعينا و صنعناه من دون الحاجة للأجنبي. هذا تعامل ذكي واع. مسؤولو البلاد و أبناء الشعب تعاملوا بهذه الطريقة مع الحظر الذي فرضه الأعداء، أي إنهم حرموا العدو من أمضى أسلحته التي كان يمتلكها. الأمر يشبه ما لو استطعتم في حرب من الحروب نزع سلاح العدو و الاستيلاء عليه. هذا أيضاً نموذج و مثال للهمة المضاعفة.و على صعيد إيجاد فرص العمل تم إنجاز أعمال جيدة. يقول تقرير الحكومة أنه تم في سنة 89 إيجاد مليون و ستمائة ألف فرصة عمل، و إذا كان هذا التقرير دقيقاً فمعنى ذلك أنه تم توفير خمسمائة ألف فرصة عمل أكثر من التخمين المقدر. في مجال بناء المساكن القروية و بناء المساكن المدينية و مدّ الطرق السريعة و خطوط المواصلات، و الاتصالات الالكترونية و و و - و هذه كلها من البنى التحتية للبلاد - تم إنجاز أعمال جيدة. هذا على الصعيد الاقتصادي.و على الأصعدة الأخرى أيضاً تم إنجاز أعمال كثيرة لا نذكرها لضيق الوقت. على كل حال ما يشاهد من عام 89 أنه كان و الحمد لله عاماً للهمة المضاعفة و العمل المضاعف بالمعنى الحقيقي للكلمة. و بالطبع لا يمتاز عام 89 بميزة معينة فهذه السنة‌ أيضاً و السنة التي تليها و بعد عشر سنوات أيضاً كلها سنوات الهمة المضاعفة و العمل المضاعف. على الشعب الإيراني و المسؤولين في كل الفترات و الأدوار أن يتحلوا بالهمة المضاعفة و العمل المضاعف لنستطيع إن شاء الله الوصول إلى المكانة الجديرة بشعب إيران.و أما حول شعار هذه السنة و ما ينبغي القيام به فيها هناك طبعاً عناوين مهمة تتمتع كلها بأولوية عالية. مثلاً تطوير النظام الإداري عملية ضرورية يجب النهوض بها. و تطوير التربية و التعليم عملية تأسيسية هي الأخرى، و مكانة العلوم الإنسانية في الجامعات و في مراكز التعليم و البحث هي أيضاً عملية مهمة، و القضايا ذات الصلة بالثقافة العامة، و الأمور ذات الصلة بأخلاق المجتمع، هذه كلها أمور و عمليات مهمة، و لكن حسب رأي الخبراء فإن القضية الاقتصادية ذات أولوية و فورية أكبر من كل قضايا البلاد في الوقت الحاضر. إذا استطاع بلدنا العزيز القيام بحركة جهادية في القضايا الاقتصادية و إتباع هذه الخطوة الواسعة التي قطعها بخطوات واسعة لاحقة فسيكون لذلك بلا شك تأثيرات كبيرة جداً لصالح البلاد و تقدمها و عزة الشعب الإيراني. علينا إثبات قدرة النظام الإسلامي على حلّ المشكلات الاقتصادية للعالم كله.. يجب رفع هذا النموذج أمام الأنظار لترى الشعوب كيف يمكن للشعب في ظل الإسلام و التعاليم الإسلامية أن يتقدم.المؤشر المهم في هذا الخضم هو النمو السريع للبلاد حسب المستوى المرسوم في الخطة الخامسة، أي ما لا يقل عن ثمانية بالمائة من النمو. و النصيب الأوفر من هذا النمو يختص بالمردود، بمعنى أن نستطيع استخدام إمكانيات البلاد بنحو أفضل. قبل سنتين ذكرت أموراً في كلمتي هذه بداية السنة حول الاقتصاد و المشكلات الموجودة بخصوص المردود و المنفعة. يجب أن يطلع الناس على هذه الأمور. أوصي مسؤولي البلاد أن يتحدثوا مع الناس حول أهمية رفع مستوى المردود و المنفعة في النمو الاقتصادي للبلاد، و أن يذكروا كم هو مهم رفع مستوى المردود في النمو الاقتصادي للبلاد، و كذلك خفض الفواصل في الإيرادات بين الأعشار العليا و الدنيا في المجتمع، و هذه الفواصل في الإيرادات هي الهوة الاقتصادية بين قطاعات المجتمع المختلفة. هذه الفواصل ليست أمراً محبذاً لدينا و شيء لا يرتضيه الإسلام. ينبغي عليهم السعي و الجهد بالمقدار المرسوم في الخطة الخامسة من أجل تنفيذ هذه الأمور.خفض معدلات البطالة و زيادة فرص العمل في البلاد من الأمور المهمة و الأساسية جداً. و كذلك مضاعفة استثمارات القطاع الخاص و مساعدته للقيام بهذه الاستثمارات في المجالات الاقتصادية للبلاد.. هذه أيضاً من القضايا الأساسية و المهمة. و من الأعمال المهمة في هذا الباب تأسيس التعاونيات حيث يتم تشكيل و اجتماع رؤوس أموال كبيرة عن طريق التعاونيات يمكن استثمارها في الأنشطة الاقتصادية المهمة للبلاد و حلّ عقد مهمة. يجب توفير البنى التحتية‌ الحقوقية‌ و القانونية‌ لذلك، و هذا معناه دعم ازدهار العمل.هناك أيضاً الاقتصاد في استهلاك المواد الأساسية و منها الماء. تسعون بالمائة من الماء الذي نستهلكه في البلاد حالياً يستهلك في قطاع الزراعة. إذا استطاعت الحكومة بتوفيق من الله إصلاح أساليب الري في الزراعة، و إذا قلت نسبة التسعين بالمائة‌ هذه بمقدار عشرة‌ بالمائة فانظروا ماذا سيحدث. في غير القطاع الزراعي أي في جميع القطاعات الأخرى - قطاع السكن و القطاع الصناعي و القطاعات التي تحتاج إلى الماء - لا نستخدم من مياه البلاد سوى عشرة‌ بالمائة. إذا استطعنا الاقتصاد في استهلاك الماء في القطاع الزراعي بنسبة عشرة بالمائة فانظروا ماذا سيحدث. الواقع أن إمكانيات الاستفادة من الماء في القطاعات غير الزراعية سوف ترتفع إلى الضعف، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية و القيمة.المشاركة المباشرة للشعب في النشاط الاقتصادي أمر ضروري، و هو بحاجة للاقتدار و للمعلومات اللازمة، و هذا ما يجب أن يضعه المسؤولين تحت تصرف الشعب، و نتمنى أن يتنامى هذا السياق يوماً بعد يوم إن شاء الله. طبعاً، لوسائل الإعلام دورها و لمؤسسة الإذاعة و التلفزيون دورها و بوسعها توعية‌ الناس، و على الحكومة أن تتعامل في هذا الجانب بنحو فاعل و تتمكن إن شاء الله من التقدم بالشأن الاقتصادي إلى الأمام.طيب، إذا أردنا النهوض بهذه الحركة الاقتصادية العظيمة في البلاد خلال سنة 90 فلذلك لوازمة‌ و متطلباته. و سوف أذكر هذه المتطلبات على شكل رؤوس نقاط. أولاً، لا بد من الروح الجهادية. منذ بداية الثورة و إلى اليوم حيثما دخل شعبنا إلى الميدان بروح جهادية استطاع التقدم و الظفر. هذا ما شهدناه في الدفاع المقدس و في جهاد البناء و نشاهده في الحركة‌ العلمية. إذا تحلينا بالروح الجهادية في القطاعات و المجالات المختلفة، أي إذا أنجزنا الأعمال في سبيل الله و بجد و من غير تعب أو كلل - و ليس من باب إسقاط التكليف فقط - فسوف تتقدم هذه المسيرة إلى الأمام بلا شك.ثانياً لا بد من توثيق المعنويات و الروح الإيمانية و التدين في المجتمع. أعزائي، ليعلم الجميع أن تدين المجتمع و تدين شبابنا يساعد شعبنا و مجتمعنا حتى في الأمور الدنيوية. لا يتصور أحد أن تدين الشباب يؤتي ثماره في أيام الاعتكاف في المساجد و ليالي الجمع عند قراءة دعاء كميل فقط. إذا كان شباب الشعب متدينين فسوف يبتعدون عن الفساد و الضياع و الإدمان و عن كل ما يقعدهم عن المعالي، و بذلك سوف تتفجر مواهبهم و سيعملون و يسعون في مجالات العلم و الأنشطة الاجتماعية و السياسية، و تتقدم البلاد إلى الأمام. و كذا الحال في المضمار الاقتصادي. روح التدين و المعنوية لها دور جد مهم.ثمة‌ شرط آخر هو أن لا يبتلى البلد بالقضايا الهامشية. في كثير من الأحيان‌ توجد في البلد قضية‌ أصلية على الجميع أن يبذلوا هممهم و يركزوا اهتمامهم عليها. يجب أن تكون هذه القضية قضية البلاد المركزية، و لكن نرى فجأة صوتاً يرتفع من زاوية و يختلقون قضية هامشية تتركز عليها الأذهان. هذا أشبه بقافلة تروم الوصول في سفرة مهمة إلى منطقة معينة، و فجأة يشغلون الأذهان في الصحراء بشيء جانبي هامشي فيتركون المسير، و أحياناً قد يفقدون أساساً القدرة على مواصلة المسيرة. يجب عدم السماح للقضايا الهامشية بالتسرب إلى الأصل. شعبنا يتحلى لحسن الحظ بالقدرة على التحليل، و هو شعب واع و يقظ و بوسعه فرز القضايا الفرعية الهامشية عن القضايا الأصلية. ينبغي التنبّه لئلا تتحول المسائل الهامشية‌ إلى قطب لاهتمام الرأي العام.الشرط الآخر هو الحفاظ على الاتحاد و الانسجام الوطني. هذا الاتحاد الموجود اليوم بين أبناء الشعب و بين الشعب و المسؤولين، حيث الشعب يحب مسؤوليه و يثق بهم و يساعدهم و يواكبهم، و هناك اتحاد و وحدة بين أبناء الشعب أنفسهم، هذا الاتحاد يجب أن يبقى و يتعزز يوماً بعد يوم. من المخططات الكبيرة لأعداء الشعب الإيراني خلق التفرقة و التصدع في الداخل بذريعة القوميات و المذاهب و الاتجاهات السياسية و التيارات و بذرائع شتى. ينبغي الحفاظ على الاتحاد و صيانته. شعبنا واع لحسن الحظ. كل المحبين لبلدهم و لنظام الديمقراطية الدينية - و هو اليوم فخر للشعب الإيراني - يجب أن يكونوا متناغمين منسجمين. و كذا الحال بالنسبة لمسؤولي البلاد. هم أيضاً يجب أن يحاولوا إذا كان هناك عتاب بينهم - و أحياناً قد يكون هذا العتاب حقاً - أن لا يطرحوا العتاب على الرأي العام لأن ذلك سيوجه ضربة للاتحاد الوطني. ليتنبّه الجميع إلى هذه النقطة. إنني أوجه هذا التنبيه و التحذير لمسؤولي البلاد بجد. قد تكون هناك حالات عتاب بين المسؤولين - و قد كانت مثل هذه الحالات دوماً، و قد شاهدناها منذ بداية الثورة حيث كنا نعمل و على اتصال بالأمور، أحياناً يكون العتاب من السلطة التنفيذية تجاه السلطة التشريعية، و أحياناً من السلطة التشريعية تجاه السلطة القضائية، و أحياناً من السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية، فهذه من طبيعة العمل و هناك حالات عتاب دائمة - و قد تكون هذه الحالات محقة، و لكن يجب عدم نقلها إلى الرأي العام و إزعاج إذهان الجماهير و قلوبهم و بث اليأس في نفوسهم. إنما يجب على المسؤولين حلّ مثل هذه الحالات فيما بينهم. أهم قضايا العالم ممكنة الحل بالمفاوضات، و هذه القضايا الجزئية لا أهمية لها. إذن انسجام السلطات و تناغمها مع بعضها حالة مهمة.طبعاً أريد أن أنبّه إلى نقطة هي أن هذه الشعارات التي نعلنها بداية الأعوام نجد فجأة أن كل جدران طهران و المدن الأخرى امتلأت بلوحات كتب عليها هذا الشعار. لا فائدة من هذا. أحياناً تكون هناك أعمال مكلفة لا ضرورة لها. ما أتوقعه من المسؤولين و من شعبنا العزيز هو أن يسمعوا هذا الشعار و يؤمنوا به و يتابعوه. تعليق اللوحات و ملء الجدران باللوحات و الصور و ما إلى ذلك مما لا ضرورة‌ له إطلاقاً. حتى لو لم تكن له تكاليف فهو مما لا ضرورة له. و إذا كانت له تكاليف ففيه إشكال. لا ضرورة أبداً لهذه الأعمال المكلفة.طبعاً محورية الاقتصاد التي تحدثت عنها لا تعنى الغفلة عن المجالات الأخرى. في المجالات الأخرى و خصوصاً مجالات العلوم و التقنيات يجب مساعدة العلماء الشباب و الثقة بهم ليستطيعوا إنجاز أعمال كبيرة.أما عن أحداث المنطقة. الأحداث التي وقعت أخيراً في المنطقة - أحداث مصر و تونس وليبيا و البحرين - أحداث مهمة‌ للغاية. ثمة تطور أساسي يحدث في هذه المنطقة الإسلامية العربية. و هذا مؤشر على صحوة الأمة الإسلامية. الشيء الذي ترفع الجمهورية الإسلامية شعاره منذ عشرات السنوات يفصح عن نفسه اليوم في حياة هذه البلدان.ثمة خصوصيتان في هذه التطورات، الأول عبارة عن مشاركة الشعب، و الثاني هو الاتجاه الديني لهذه التحركات. هذان عنصران أساسيان. تواجد الشعب بجسمه و هو ما حدث في الثورة الإسلامية. لم تستطع الأحزاب و القابعون خلف الطاولات و في أبراجهم العاجية و المحللون الذهنيون فعل أي شيء. كانت الميزة الكبيرة لإمامنا الجليل أنه استطاع الإتيان بالشعب إلى الساحة. حينما يأتي الشعب إلى الساحة بجسمه و قلبه و نيته و همته سوف تحلّ العقد المستعصية و تنفتح الطرق المسدودة. و اليوم يقع الشيء نفسه في بلدان أخرى. في مصر أو تونس نزل الشعب إلى الساحة، و إلا فالمستنيرون و الساكنون في أبراجهم العاجية كانوا دوماً موجودين و كانوا يتحدثون دوماً و كانوا يدعون الناس في أحيان كثيرة و لا يكترث أحد لأقوالهم كثيراً. هنا نزل الشعب نفسه إلى الساحة و توجهاته توجهات دينية، أي صلاة الجمعة، و صلاة‌ الجماعة، و اسم الله و علماء‌ الدين و المبلغون الدينيون و مؤسسو الفكر الديني الجديد في بعض البلدان. هؤلاء نزلوا إلى الساحة لذلك نزل الشعب أيضاً إلى الساحة. هذه ميزة هذه القضية. لماذا نزلوا إلى الساحة؟ الشيء الذي جرّهم إلى الساحة هو بنحو واضح قضية عزتهم و كرامتهم الإنسانية. في مصر و في تونس و كذلك في البلدان الأخرى جرح كبرياء الشعب على يد الحكام الظلمة. مثلاً كان الشعب المصري يشاهد أن على رأس بلادهم شخص يرتكب بالنيابة عن إسرائيل أقذر الأعمال و الجرائم. في قضية محاصرة غزة لو لم يتعاون حسني مبارك مع إسرائيل لما استطاعت إسرائيل الضغط على غزة بتلك الصورة و ارتكاب تلك الجرائم. لكن حسني مبارك نزل إلى الساحة و ساعد و أغلق طريق الدخول و الخروج بين غزة و مصر. ثم علموا أن أهالي غزة قد حفروا أنفاقاً يتنقلون خلالها تحت الأرض فأنشأوا جدراناً فولاذية بارتفاع ثلاثين متراً و دفنوها في الأرض حتى لا يتمكن أهالي غزة المظلومين من الاستمرار في حفر الأنفاق و لإغلاق هذه الأنفاق عليهم. هذه أعمال قام بها حسني مبارك. و الشعب المصري يشاهد هذا، فينجرح كبرياؤه. و مثل هذا كان في البلدان الأخرى.في ليبيا مثلاً مع أن القذافي أبدى في السنوات الأولى من توليه السلطة ميولاً معادية للغرب، لكنه في الأعوام الأخيرة قدم خدمات كبيرة للغربيين. و قد شاهدوا بأعينهم أن هذا الرجل جمع كل تجهيزاته النووية إثر تهديدات خاوية و وضعها في سفينة و قدمها للغربيين و قال خذوها! لاحظوا ما هو وضع شعبنا و ما هو وضعهم. لاحظ شعبنا أن العالم كله برئاسة أمريكا ثار ضد النشاط النووي الإيراني، ففرضوا الحظر و أثاروا الضجيج و المعارك و هددوا باستخدام الحلول العسكرية، فقالوا سنهجم و نفعل كذا و كذا، لكن مسؤولي البلاد لم يتراجعوا أبداً و ليس هذا و حسب بل على الرغم من العدو زادوا من إمكانياتهم و تجهيزاتهم النووية أضعافاً كل سنة. هناك شاهد الشعب أن مسؤول بلادهم أمر بإنهاء كل ما كانوا يمتلكون من تجهيزات مقابل التهديدات الغربية أو على حد قولهم التشجيعات الغربية. أعطوهم مشجعات كما لو يعطون طفلاً حلوى أو شوكولاتة ففقدوا بذلك كل ما يملكون! الشعب يشاهد ذلك فيُدمي قلبه و يجرح كبرياءه. هذه حالة‌ تلاحظ في جميع هذه البلدان التي ثارت شعوبها.حسناً، ماذا كان موقف الأمريكان؟ هذه قضية‌ مهمة‌ بالنسبة لنا. في البداية بقي الأمريكان حائرين مقابل هذه الأحداث و لم يكن لديهم تحليلهم و لم يفهموا ما الذي يحدث و لم يكونوا يصدقون. و بعد أن وقعت هذه الأحداث و لأنهم لم يكن لديهم تحليل صحيح لها و لا يعرفون الشعوب راحوا يتخذون مواقف متناقضة. طبعاً ما لوحظ لحد اليوم على سلوك الأمريكان في تعاملهم مع هذه البلدان و بلدان أخرى هو دعم المستبدين دوماً. دافعوا عن حسني مبارك حتى اللحظة الأخيرة و حينما وجدوا أن هذا الأمر لم يعد ممكناً رموه جانباً! و هذا درس عبرة للزعماء التابعين لأمريكا ليعلموا أنهم حينما ينقضي تاريخ استهلاكهم و تنتهي فائدتهم فسوف يرمونهم كما يرمون المنديل القديم و لا يأبهون لهم! لكنهم دافعوا عن الدكتاتور و دعموه حتى اللحظة الأخيرة.ما حدث للغرب و لأمريكا كان و لا يزال بالنسبة لهم مما لا يطاق حقاً. مصر أحد الأعمدة الأصلية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. لقد كانوا يعتمدون على هذه السياسة، و لم يستطيعوا الاحتفاظ بهذا العمود لصالحهم، بل لقد تفوقت الشعوب، و حاول الأمريكان الحفاظ على هيكلية ذلك النظام. إنه تزوير و حيل أمريكية‌ غربية و هي حيل مؤذية و خبيثة لكنها في الوقت نفسه سطحية، و إذا كانت الشعوب يقظة سيكون بوسعها فضح هذا الزيف و إحباط هذه الحيل. حينما شاهد الأمريكان أنهم فقدوا حسني مبارك في مصر أو بن علي في تونس حاولوا أن يحافظوا على شكل النظام و هيكليته. يتغير الأشخاص لكن النظام يبقى. لذلك أصروا على أن يبقى رئيس الوزراء في تلك البلدان، لكن الشعوب واصلت ثورتها و تغلبت على هذه الحيلة و أسقطت تلك الحكومات. بتوفيق من الله و حول منه و قوة سيستمر مسلسل الهزائم الأمريكية في هذه المنطقة.بعد أن فقدوا عملاءهم في هذه البلدان انتهجوا حيلتين: إحداهما الانتهازية و الثانية صناعة المثيل. كانت انتهازيتهم أنهم أرادوا مصادرة هذه الثورات أي الاحتيال على الناس و إبداء التماشي معهم و تولية الأمور و المناصب للمناصرين لهم. و لقد هزموا في هذه المهمة. و الحيلة الثانية هي صناعة المثيل، و هي أن يستطيعوا إيجاد مثيل لما يجري في مصر و تونس و ليبيا و بعض البلدان الأخرى في إيران مثلاً - إيران الديمقراطية الدينية، إيران الشعب - و قد حاول عملاؤهم في داخل البلاد و الأشخاص الضعفاء و المنحطون و المبتلون حقاً بأهواء النفس أن يقوموا بهذه المهمة. حاولوا هنا إيجاد تحرك مهزوم كاريكاتيري مضحك، لكن الشعب صفعهم على أفواههم... (1). المنافق الحقيقي هو أمريكا. النفاق الحقيقي هو ما يقومون به من ادعاء الدفاع عن الشعوب. ينافقون في مصر و يقولون إننا نناصر الشعب و هم يكذبون. لقد تعاونوا مع عدو الشعب حتى اللحظة الأخيرة. و بخصوص تونس قالوا الشيء نفسه و ادعوا أننا إلى جانب الشعب. و لا بأس أن يعلم شعبنا العزيز أن رئيس جمهورية أمريكا وجّه نداء للشعب الإيراني يقول فيه إننا نقف إلى جانبكم! يزعمون أنهم يعارضون الاستبداد و الدكتاتورية و يناصرون حقوق الشعوب، و هم كاذبون. أنهم لا يرحمون الشعوب الأخرى، بل و لا يرحمون حتى شعبهم. رئيس جمهورية أمريكا الحالي أنفق آلاف المليارات من الدولارات من جيوب الشعب الأمريكي في ظروف الركود الاقتصادي السيئة جداً في أمريكا من أجل الإبقاء على البنوك و الإبقاء على صناعة الأسلحة و الإبقاء على صناعة النفط، أي الإبقاء على الشركات. ينفقون على الشركات من جيوب الشعب فيملؤن جيوب الشركات و البنوك، لذا فهم لا يرحمون حتى شعوبهم. الشعب الأمريكي يتخبط اليوم في أزمة اقتصادية شاملة عميقة و ليس أمامه سبيل حل. و مقرات تعذيب غوانتانامو و أبو غريب في العراق و باقي مقرات التعذيب لها قصصها المستقلة المفصلة. إنهم لا يفهمون الشعوب. هل يفهم رئيس جمهورية أمريكا الحالي ما يقوله؟‌ هل يدرك حقاً من الذين يقفون وراء‌ سياساته أم أنه لا يفهم و يعيش حالة غفلة و دوار؟ هذا ما لا نعلمه. يقول إن الجماهير في ساحة (آزادي) بطهران هم أنفسهم الجماهير في ساحة التحرير بمصر. إنه على حق، ففي الثاني و العشرين من بهمن كل عام يجتمع الشعب في ساحة (آزادي) و يرفع شعارات (الموت لأمريكا).موقف الجمهورية الإسلامية من أحداث المنطقة واضح. موقفنا هو الدفاع عن الشعوب و حقوقها. إننا مع الشعوب المسلمة‌ و الشعوب المظلومة في أي نقطة من العالم، و نعارض العتاة و المستكبرين و المستبدين و الخبثاء و المهيمنين و الناهبين في أي نقطة من العالم. هذا هو موقف الشعب الإيراني و موقف النظام الإسلامي. إنه الموقف الواضح الجلي لنظام الجمهورية الإسلامية. هذه هي السياسات و هذه هي القلوب و هذا هو المنطق و التصريح، سواء من جانب الشعب أو من جانب المسؤولين.ثمة نقطتان جديرتان بالانتباه:‌ إحداها قضية ليبيا، و الثانية قضية البحرين. في قضية ليبيا نحن ندين السلوك الذي انتهجته الحكومة الليبية مع الشعب و لا تزال - قتل الناس و الضغظ عليهم و قصف المدن و قتل المدنيين - مائة بالمائة، لكننا ندين أيضاً مائة بالمائة تدخل الأمريكان و الغربيين. إنهم يزعمون إننا نريد التدخل في ليبيا أو القيام بعمليات عسكرية فيها دفاعاً عن الشعب. و هذا غير مقبول بالمرة. لو كانوا حقاً إلى جانب الشعب الليبي و لو كانوا مخلصين فعلاً لهذا الشعب فالشعب الليبي يُقصف منذ شهر، فلماذا لم تمدوا لهم يد العون، و لم تزودوهم بالسلاح و الإمكانيات و المضادات الجوية. و بدل كل هذا قعدوا مدة شهر كامل و تفرجوا على تقتيل الشعب، و يريدون الآن التدخل! إذن، لم تتدخلوا للدفاع عن الشعب، إنما يهمكم نفط ليبيا و موطئ أقدام لكم فيها. تريدون استخدام ليبيا كموضع قدم لتسيطروا على الحكومات الثورية المستقبلية في مصر و تونس الواقعين على طرفي ليبيا. نيتكم نية فاسدة. إننا لا نوافق هذا التحرك من الغربيين برئاسة أمريكا. منظمة الأمم المتحدة التي يجب أن تكون لخدمة الشعوب أصبحت للأسف أداة بيد هؤلاء توفر لهم كل ما يحتاجون إليه! هذا عار على منظمة الأمم المتحدة. إذن، تواجد القوى الأجنبية و الغربيين في ليبيا غير مقبول بحال من الأحوال. إذا كانوا يريدون مساعدة فالطريق لمساعدة الشعب مفتوح و بوسعهم تقديم المساعدات للشعب و تجهيزهم و سيعالج الشعب نفسه قضيته مع القذافي و الآخرين، فلماذا تتدخلون أنتم مباشرة؟أما قضية البحرين فهي من حيث الماهية تشبه تماماً القضايا الأخرى في بلدان المنطقة. أي إن قضية البحرين لا تختلف إطلاقاً عن قضية مصر و قضية تونس و قضية ليبيا. إنه شعب تحكمه حكومة تتجاهل حقوقه. ماذا كان يريد الشعب البحريني بثورته هذه؟ المطلب الأساسي للشعب البحريني هو إقامة انتخابات و أن يكون لكل إنسان صوت واحد، فهل هذا شيء كثير؟ و هل هو توقع كبير؟ حسب ظاهر الأمور في البحرين هناك انتخابات، و لكن الشعب لا يتمتع إطلاقاً بحق التصويت بمعنى أن يكون لكل شخص صوت واحد، و هناك ظلم يجري على هذا الشعب. هنا اغتنم الغربيون الفرصة للتدخل في شؤون المنطقة عن طريق إثارة قضية جديدة هي قضية الشيعة و السنة. لأن الشعب البحريني المسكين شيعي جب أن لا يدعمه داعم في العالم! التلفزيونات التي تبث تفاصيل أحداث المنطقة تسكت عن أحداث البحرين و لا تعكس تقتيل الشعب البحريني، و يخرج عدد من الأشخاص في بلدان الخليج الفارسي - سواء كانوا سياسيين أو صحفيين - فيهذرون و يقولون إن قضية البحرين قضية حرب بين الشيعة و السنة! أية حرب بين الشيعة و السنة؟ إنه اعتراض شعب على الظلم الذي يقع عليه، و الأمر تماماً كما في تونس و كما في مصر و كما في ليبيا و كما في اليمن، لا فرق بين ذاك و هذه. و الأمريكان فرحون لأنهم يستطيعون بأبواقهم الإعلامية في المنطقة الترويج لفكرة أن قضية البحرين قضية اختلاف بين الشيعة و السنة، فيحولوا بذلك دون وصول المساعدات التي قد يفكر البعض بتقديمها، و في الوقت نفسه يغيرون ماهية‌ الأمور. يقولون لماذا تدعم إيران الشعب البحريني. نحن دعمنا الجميع. إننا ندعم الشعب الفلسطيني منذ اثنتين و ثلاثين سنة. أي بلد أو حكومة أو شعب قدم مثل هذا الدعم طوال هذه الأعوام الإثنين و الثلاثين؟ فهل الشعب الفلسطيني شيعي؟ كم بذل شعبنا من الجهد فيما يتعلق بغزة؟ توجه شبابنا للمطار ليذهبوا إلى غزة! كانوا يريدون التوجه إلى غزة للقتال ضد إسرائيل، و كانوا يتصورون أن الطريق مفتوح، لكن الطريق كان مغلقاً و لا يمكنهم الذهاب إلى هناك. و قلنا لهم لا تذهبوا.. منعناهم لئلا يبقوا حائرين تائهين وسط الطريق. لم يكونوا يسمحون لهم بالوصول طبعاً. لقد أبدى شعبنا مشاعره في كل مكان حيال غزة و حيال فلسطين و حيال مصر و حيال تونس، و هؤلاء‌ ليسوا بشيعة. إذن القضية ليست قضية شيعة و سنة. يحاولون عن خبث و سوء‌ نية إظهار قضية‌ البحرين و كأنها قضية شيعة و سنة. و للأسف فإن بعض الذين يتصور الإنسان أنهم لا يحملون نوايا و محفزات سيئة وقعوا في هذا الفخ. إذا كان هناك خيرين مخلصين في هذا الخضم فإني أعلن لهم بأن لا يحولوا القضية إلى قضية شيعة و سنة فهذه أكبر خدمة‌ لأمريكا و لأعداء الأمة ‌الإسلامية بأن يحملوا تحركاً عاماً مناهضاً للاستبداد يقوم به شعب على أنه صراع بين الشيعة و السنة. ليس هناك صراع بين الشيعة و السنة. إننا لا نفرق بين غزة و فلسطين و تونس و ليبيا و مصر و البحرين و اليمن. الظلم ضد الشعوب مدان أينما كان. تحرك الشعوب بشعارات الإسلام و باتجاه الحرية مما نؤيده. ذروة وقاحة الأمريكيين حينما لم يعتبروا نزول دبابات الحكومة السعودية إلى شوارع المنامة في البحرين تدخلاً، و لكن حينما يقول مراجع تقليدنا و علماؤنا و مخلصونا لا تقتلوا الناس، يقولون لنا إنكم تدخلتم! هل هذا تدخل؟! أن نخاطب حكومة أو نظاماً ظالماً و نقول له لا تقتل شعبك فهذا تدخل، لكن نزول الدبابات الأجنبية لشوارع البحرين ليس تدخلاً! هذه ذروة‌ وقاحة الأمريكيين و إذنابهم في المنطقة أن يتصرفوا بهذه الطريقة و يتحدثوا بهذه الطريقة و يتخذوا مثل هذه المواقف الإعلامية. بالطبع نعتقد أن الحكومة السعودية قد أخطأت و ما كان ينبغي لها أن تتخذ مثل هذه المواقف و تجعل من نفسها مكروهة مبغوضة في المنطقة. الأمريكان يبعدون آلاف الكيلومترات عن هنا، فإذا صاروا مكروهين مبغوضين فقد لا يكون الأمر مهماً لهم بدرجة كبيرة، لكن السعوديين يعيشون في هذه المنطقة و من الخسارة الكبيرة أن تكون الشعوب كارهة مبغضة لهم. لقد أخطأوا بفعلهم هذا. و كل من يفعل مثل هذا يكون قد أخطأ. ما أقوله بنحو حاسم هو أن هناك حركة جديدة في المنطقة قد انطلقت بتوفيق من الله. إنها حركة الشعوب و حركة الأمة الإسلامية، و هي حركة بشعارات إسلامية و نحو الأهداف الإسلامية و مؤشر على الصحوة العامة للشعوب. و حسب الوعد الإلهي فإن هذه الحركة ستنتصر يقينا و بلا شك. الشعب الإيراني شعب مرفوع الرأس و فخور و مرتاح لأنه كان البادئ في هذا الطريق و قد أبدى صموداً و استقامة. الجيل الشاب الذي يتولى الأمور حالياً لم يشهد الثورة، لكنه إن لم يكن أصلب من الثوريين في ذلك العهد فهو ليس بأقل منهم.ربنا بمحمد و‌ آل محمد احفظ شبابنا الأعزاء. ربنا أنزل رحمتك و فضلك على شعبنا العزيز. ربنا زد يوماً بعد يوم من عزة و شموخ خدام هذا الشعب و هذه الحركة و الإسلام و المسلمين. ربنا أرض القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عنا. ربنا بمحمد و آل محمد أرض عنا أرواح الشهداء‌ الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل، و متعنا بالفيض و الرحمة التي مننت بها عليهم. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - شعار الحاضرين «الموت للمنافقين».
2011/03/21

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها السادة المحترمون و خبراء الأمة الأجلاء، و أشكر جهود الإخوة الأعزاء و السادة المحترمين، سواء خلال هذا الاجتماع الجاري، أو على امتداد العام في اللجان الخاصة التي يشارك فيها السادة و يبذلون جهودهم، و نحن ندعو لكم.. تقبل الله منكم إن شاء الله و وفقكم و سددكم.نشكر جميع السادة، و خصوصاً حضرة الشيخ هاشمي رفسنجاني لأنه أحبط توقعات الأعداء بوجود خصومة. كانوا يتوقعون وقوع خلاف بين خبراء الأمة، و أن تبدو التنافسات على غرار التنافسات الدارجة في العالم المادي، و يتحول سباق الخدمة إلى تنافس سلبي لشغل المواقع و المراكز، و هذا ما لم يحصل و الحمد لله. و قد كان هذا هو المتوقع من حضرة الشيخ هاشمي في ضوء سوابق عقلانيته و شعوره بالمسؤولية التي شهدناها فيه دائماً. و الانتخاب الذي قمتم به أيها السادة كان انتخاباً حقاً و في محله. فسماحة الشيخ مهدوي شخصية بارزة و مميزة سواء في عالم رجال الدين أو في عالم السياسة أو في قضايا البلاد الجارية أو في قضايا الحوزة و الجامعة منذ بداية الثورة و إلى اليوم. ما حصل سيكون لخير الإسلام و المسلمين ببركة إخلاص السادة و إخلاصكم و العقل و التدبير الذي يشاهده المرء في السلوك و الأقوال، و هذا هو المتوقع.ظروف البلاد الحالية ظروف مهمة و حساسة جداً في ضوء قضايا المنطقة. أحداث المنطقة أحداث تتجاوز أبعادها الحدود المألوفة للقضايا الجارية تماماً. ما يحدث له أبعاد عظيمة‌ جداً. أما الشيء الذي يريده الأعداء و الانتهازيون و الاستغلاليون الدوليون و المستكبرون و ما سوف يقومون به فبحث آخر. ما حدث له ميزتان مهمتان جداً. و هاتان الميزتان ما يتمناه كل المسلمين الصادقين و الأفكار السامية في الثورة الإسلامية و في الجمهورية الإسلامية و في سائر مناطق العالم. هذان الأمران هما المشاركة الشعبية و الشعارات الإسلامية. هذا الشيئان مهمان للغاية.التواجد الشعبي معناه أن تتواجد الشعوب بأجسامها و بمشاركتها و حضورها الشخصي في ساحات الكفاح و تتحمل الأخطار على غرار ما حدث في إيران. حينما يحصل هذا لا تتكمن أية قدرة من الوقوف بوجهه. و أمريكا و من شاكلها سهلة، بل حتى لو اجتمعت و اتحدت كل قوى العالم فلن تستطيع المقاومة أمام الشعب الذي نزل إلى الساحة بكل وجوده. طبعاً قد يمارسون القتل و سفك الدماء لكنهم سينهزمون و سينتصر الدم على السيف كما قال الإمام الخميني في تلك الأعوام. لقد حصل هذا الشيء. نزل الشعب بجسمه و وجوده إلى الساحة و لم يبعثوا ممثلاً و لم يكتفوا بالكلام، و ليس في بلد واحد بل في عدة بلدان، و الأرضية متوفرة في بلدان أخرى. هذه نقطة مهمة جداً. ليس بوسع شيء إيجاد مثل هذا الوضع سوى يد القدرة الإلهية. تتوفر الأرضيات و يمارس الأفراد دورهم - لا شك في هذا أبداً - لكنها يد القدرة‌ الإلهية التي تمتلك القلوب، و «قلب المرء بين إصبعي الرحمن». الله تعالى هو الذي يبث العزيمة في القلوب و يعبّئ الإرادات. و يد القدرة الإلهية محسوسة في هذه الأحداث. و لأن يد القدرة الإلهية موجودة فالنصر أكيد.النقطة الثانية في هذه الأحداث هي الشعارات الإسلامية. الجماهير في هذه البلدان و في سائر البلدان الإسلامية جماهير مسلمة و جزء من الأمة الإسلامية. و حتى في المواطن التي كانت فيها المظاهر الإسلامية محدودة كان ذلك بفعل الضغوط، فالجماهير مؤمنة متدينة و مسلمة و الإسلام متجذر، فهذه من خصوصيات الإسلام. في البلدان التي حاول فيها الماركسيون بكل ما أوتوا من قوة إزالة الإسلام و محوه، بمجرد أن سقط النظام الشيوعي السوفيتي خرج الناس و رفع الشباب الذين لم يدركوا الفترة الإسلامية أصلاً شعارات إسلامية. هذه خصوصية تتعلق بعمق الإسلام و تجذره في القلوب.و كذا الحال هناك.. طبعاً توجد حوافز و لا تزال - حوافز ليبرالية و ربما بدرجة أقل اشتراكية و قومية و ما إلى ذلك - لكن عموم الشعب مسلم و الشعارات إسلامية. خصوصاً في بلد مثل مصر حيث الإسلام هناك عريق و عميق جداً و القرآن سائد و محبة أهل البيت سائدة.إذن، الحدث حدث عجيب يقع حالياً. و لا يزال هذا الحدث في بداية‌ الطريق . حسناً، نحن بصفتنا جمهورية إسلامية، و نحن الحاضرون هنا بوصفنا مسؤولين في الجمهورية الإسلامية، و كذلك باقي المسؤولين، تقع على عواتقنا واجبات يجب التنبه لها و ينبغي أن لا نمرّ مرور الكرام بهذا المقطع الزمني.من الأمور التي كانت مؤثرة في هذه الأحداث بلا شك النموذج و الخطاب الذي وفرته الثورة الإسلامية. لقد أضحت الثورة الإسلامية نموذجاً للمسلمين، أولاً بظهورها، ثم بتأسيسها الناجح لنظام الجمهورية الإسلامية حيث استطاعت عرض نظام بدستور كامل و تكريسه و تحقيقه، و من ثم بقاء هذا النظام على مدى 32 عاماً حيث لم يستطيعوا توجيه ضربة له، و من ثمّ تمتين و تقوية هذا النظام باستمرار - حيث لا يمكن مقارنة نظام الجمهورية‌ الإسلامية اليوم من حيث العمق و التجذر بما كان عليه قبل عشرة أعوام أو عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً - ثم هناك حالات التقدم المختلفة في هذا النظام حيث التقدم العلمي و التقدم التقني و الصناعي و التقدم الاجتماعي و نضج الأفكار و ظهور أفكار جديدة و الحركة العلمية الهائلة في البلاد و الأنشطة المختلفة و العمران الحاصل في البلد حيث بلغ البلد في بعض المجالات درجة البلدان المعدودة الأولى في العالم. هذه كلها أحداث وقعت و هي أمور محسوسة لدى الشعوب المسلمة فهم يرونها و يشاهدونها. جاءت هذه الثورة و أسست نظاماً، و قد بقي هذا النظام و تعزز يوماً بعد يوم و تقدم باستمرار. هذا هو النموذج. صناعة النموذج هذه أوجدت خطاباً هو خطاب الهوية الإسلامية‌ و العزة الإسلامية. الشعور بالهوية الإسلامية بين شعوب العالم حالياً لا يقبل المقارنة بما كان عليه قبل ثلاثين سنة. الشعور بالعزة الإسلامية‌ و المطالبة بها حالياً مما لا يمكن مقارنته بالسابق. هذا شيء حصل.حسناً، من الطبيعي أن تكون نتائج ذلك هزيمة‌ الجبهة المخالفة المقابلة. المستبدون الفاسدون العملاء كانوا يمسكون زمام الأمور في بعض الأماكن. و قد وعد الله تعالى: «سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله و عذاب شديد بما كانوا يمكرون» (1). مكرهم لن ينفعهم شيئاً، أنما بسبب نفس هذا المكر سيصيبهم الله تعالى بالذلة و الهوان. هذا ما حدث و هو أمام أنظارنا. هذه من الأحداث الأخرى التي شاهدنا فيها آيات القرآن الإلهية أمام أنظارنا و جربناها، و هي حالة تنتمي لزماننا و تعدّ قيّمة جداً. ما وعد به الله في القرآن نراه نصب أعيننا و في تجاربنا.جانب كبير من الإعلام المعادي للجمهورية الإسلامية يركز على هذه المسألة، أي على أن لا يتوفر النموذج و المثال، و لا تغدو الجمهورية الإسلامية نموذجاً ناجحاً في أنظار الشعوب المسلمة. أعتقد أن هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية و يجب أن نتنبّه لها كلنا. محاولات الأعداء‌ منصبة على أن لا تتحول الجمهورية الإسلامية إلى نموذج ناجح في أعين الشعوب، إذ حينما يتوفر النموذج تتحرك الجماهير نحوه، و حينما يعلم الناس بنجاح هذا النموذج فسوف يتشجعون.كتب أحد الكتاب المصريين قبل خمسين أو ستين سنة في أحد كتبه إننا إذا استطعنا أن ندير منطقة من مناطق العالم بحكومة‌ إسلامية لكان ذلك أكبر تأثيراً في تقدم الإسلام من آلاف الكتب و العمليات الإعلامية. و قد كان على حق. مع أن نموذجنا ليس كما نتمنى من حيث انطباقه مع الإسلام - و لا تزال المسافة كبيرة للأسف بيننا و بين الشكل المنشود من تطبيق الإسلام - و لكن بهذا المقدار الذي استطعنا أن ننجح فيه و أن ندخل الإسلام إلى المجتمع و الحياة فإننا نشاهد آثار ذلك و ما أدى إليه من عزة و قدرة و تقدم و استقلال. هذه أحوال يشاهدنا الناس. و الأعداء لا يريدون انطلاق هذا النموذج، لذلك يحاولون تخريبه في أنظار المتلقين. هذه من الممارسات التي دأبوا عليها منذ بداية انتصار الثورة و لحد الآن. إذا كان لدينا نقطة ضعف ضخّموها في الأنظار و إذا لم يكن لدينا ضعف اختلقوه لنا كذباً. هذه مسألة ينبغي أن نتفطن لها. إنها من الأمور الأساسية التي يركز عليها العدو في إعلامه ضد الجمهورية الإسلامية‌، و جهوده كلها منصبة على هذا المعنى.‌ثمة عاملان يساعدان بعضهما في إضعاف هذا النموذج، أحدهما العامل الداخلي و المتمثل في النواقص الموجودة و تقصيراتنا و تقاعسنا و كسلنا و الابتلاء بأمور مضرة بالحركة - كالاختلافات و المخالفات المتنوعة و الميل للدنيا و الانجرار إليها و التعطش للسلطة و عدم التدبير السياسي و ما إلى ذلك - هذه أمور ناجمة عنا و نحن الذين نوجد هذه النواقص و العيوب. هذا العامل الداخلي يضرّ بهذا النموذج.العامل الآخر يرتبط بالعدو، و هو أن يعمل العدو على تضخيم نواقصنا مئات المرات و يعرضه أمام أنظار الآخرين، مضافاً إلى اتهامه لنا بالعيوب التي ليست فينا. فماذا يجب علينا أن نفعل الآن؟ علينا أولاً أن نهتم لوضعنا الداخلي و نتدارك تقصيراتنا و نواقصنا. فإذا أصلحنا هذا الجانب سوف يكفينا الله تعالى العامل الثاني، أي إنه تعالى سوف يحبط إعلام العدو.في مناجاة الشاكين المنسوبة للإمام السجاد (سلام الله عليه)‌ نجد أن أول شكاية يبثها الإمام هي شكواه من نفسه: «إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة و إلى الخطيئة مبادرة». ثم بعد أن يشكو نفسه بعض الشيء يقول: «إلهي أشكو إليك عدواً يضلني». الشكاية‌ من أنفسنا أولاً ثم الشكاية من العدو. ينبغي أن نراقب و نحذر هذا الجانب.طيب، من الذي يراقب و كيف نراقب؟ الجواب هو أن على المسؤولين و الشخصيات البارزة و المثقفين و العلماء‌ و رجال الدين و أصحاب التأثير في محيطهم.. يجب عليهم قبل غيرهم أن يراقبوا. كما ذكرنا فإن طلب السلطة و الميل للدنيا و النزوع للخلافات و إثارة القلاقل و الضجيج بخلاف أخلاق المسيرة و الحركة. و أريد هنا التشديد على مخالفة‌ أخلاق المسيرة.مناخ الإهانات و هتك الحرمات في المجتمع من الأمور التي يمنعها الإسلام. يجب أن لا يحدث هذا. مناخ هتك الحرمات بخلاف الشرع و بخلاف الأخلاق و بخلاف العقل السياسي. لا إشكال إطلاقاً في النقد و المخالفة‌ و التعبير عن الآراء بجرأة، و لكن بعيداً عن هتك الحرمات و الإهانات و الشتم و السباب و ما إلى ذلك. و الجميع مسؤولون في هذا الباب. هذه الممارسات فضلاً عن أنها توتر الأجواء و تسبب اضطراب الأعصاب الهادئة للمجتمع - و الهدوء‌ اليوم مما نحتاج إليه - فإنها تغضب الله تعالى عنا. أريد أن تكون هذه رسالة لكل الذين يتحدثون أو يكتبون سواء‌ في الصحافة أو في مواقعهم الالكترونية‌ الشخصية.. ليعلموا جميعاً أن ما يقومون به ليس صحيحاً. المعارضة‌ و الاستدلال و إدانة‌ الأفكار السياسية أو الدينية‌ الخاطئة شيء، و الابتلاء‌ بهذه الممارسة‌ المنافية للأخلاق و المخالفة للشرع و المتناقضة‌ مع العقل السياسي شيء آخر. إننا نرفض هذه الثانية رفضاً كاملاً قاطعاً، فهي شيء يجب أن لا يحصل. و للأسف فإن البعض يفعلون ذلك. إنني أوصي الشباب خصوصاً و بعض هؤلاء‌ الشباب هم بلا شك أفراد مخلصون مؤمنون و صالحون لكنهم يتصورون أن هذا واجب، لا، بل أقول إن هذا بخلاف الواجب و على الضد من الواجب.طبعاً يجب أيضاً عدم الغفلة عن المندسين و إغراءات الأعداء الشيطانية و تدخلاتهم. و كما كان يقول الإمام الخميني مراراً: أحياناً يدخل هؤلاء الأفراد التجمعات الحماسية الإيمانية‌ المخلصة و يجرونها نحو اتجاه معين. يجب عدم الغفلة عن هذه النقطة أيضاً. الغفلة الناجمة‌ عن الانفعال العاطفي و عن عدم مشاهدة أيدي الأعداء. لذلك أطلب من الشباب خصوصاً أن لا يسمحوا باستمرار مناخ الغيبة و التهم و الشتائم و السباب و هتك الحرمات. و إذا استمر هذا المناخ فسوف يسري و ينتشر - كالمرض المسري - و تجدون فجأة‌ مثل هذه الأمور أحياناً في صلوات الجمعة،‌ و هي أماكن للخشوع و الذكر و التوجه إلى الله، و هذا خطأ في خطأ. إذا كان الشخص يرفض خطيب صلاة الجمعة‌ فلا يحضر خطبته أساساً و لا يقتدي به و ليخرج. و حتى في الدورس أحياناً و في المناخات العلمية و الدراسية تلاحظ أمور من هذا القبيل. و هذا خطأ و مضر و بخلاف مصلحة الثورة. إنها ضربات توجه و أيجاد شقاق و فواصل و تصديع لصرح النظام الإسلامي العظيم الشفاف الهائل الذي يسير و يتقدم بكل اقتدار.و لدي نصيحتي للأكابر أيضاً. كانت تلك نصيحتي للشباب، و الكبار أيضاً بحاجة إلى نصيحة، و هم أيضاً يجب أن يتنبهوا. اتخاذ المواقف الصحيحة و التصريحات الصائبة و عدم التأثر بالأخبار الكاذبة.. هذا أيضاً واجب. هناك الآلآف في النظام الإسلامي يبذلون الجهود و يتحملون المشاق من أجل رضا الله و يشقون على أنفسهم ليل نهار من أجل إنجاز الأعمال و إدارة‌ النظام و النهوض بالواجبات الجسيمة جداً طبقاً للمسيرة الإسلامية، ثم يسمع المرء خبراً كاذباً فيشكك في كل هذه الجهود و في المسؤولين الحكوميين و غيرهم و غيرهم. هذا أيضاً ليس من المصلحة في شيء و هو خلاف. أولئك الشباب يجب أن يراقبوا و هؤلاء الشيوخ أيضاً يجب أن يراقبوا. إننا بحاجة‌ للنصيحة في فترة شبابنا و الآن أيضاً حيث بلغنا سن الشيخوخة.نتمنى أن يعيننا الله تعالى جميعاً لنستطيع إن شاء الله الحفاظ على هذا النموذج الناجح و العظيم جداً، و هو نظام الجمهورية الإسلامية، و تسليمه إن شاء الله للأجيال القادمة، فنكون بذلك مرفوعي الرأس عند الله تعالى.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة‌ الأنعام، الآية 124 . 
2011/03/10

كلمة الإمام الخامنئي في متنزه الولاية بمناسبة يوم الشجرة

بسم الله الرحمن الرحيمالمراسم ذات الصلة بالأشجار و النباتات و الورود تتميز طبعاً بطراوة معينة، و لحسن الحظ يشعر المرء أن الميول نحو الاهتمام بالورود و النباتات و وضع المتنزهات و استخدامها لأجل المحافظة على سلامة البيئة تتعزز باستمرار، و هذا ما يسعدنا. و الشيء الذي شجعني اليوم خصوصاً على المشاركة في هذا الاجتماع، بحضوركم أيها الأصدقاء، هو أن هذه المنطقة من المناطق قليلة الإمكانيات و الفقيرة في مدينة طهران. وجود مثل هذا المتنزه و مثل هذه الإمكانية ‌في هذه المنطقة من مدينة طهران يبدو فرصة جد جيدة و مغتنمة. نحن سعداء لأن المسؤولين و الحمد لله اتفقوا في نهاية المطاف - أي الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن هذا المكان و الذين يتولون مسؤوليته اليوم، أي البلدية و القوات المسلحة - و ستكون عاقبة هذا المشروع خيراً إن شاء الله.قضايا النباتات و المتنزهات و الأشجار و ما إلى ذلك من القضايا الأصلية، و يجب عدم اعتبارها من القضايا الفرعية. صحيح أنه حينما تعدّ القضايا الرئيسية في البلاد تتوجه الأنظار صوب الاقتصاد و الثقافة و القضايا المالية و السياسية - هكذا هو الحال عادة - لكن لو نظرنا بدقة لوجدنا أن قضايا الحياة البشرية و البيئة أهم من تلك القضايا. لماذا السياسة؟ و لماذا الاقتصاد؟ و لماذا الخدمات المدنية المتنوعة في البلاد؟ و لماذا أصلاً تقدم البلاد؟ التقدم هو من أجل أن يعيش الناس حياة سليمة صالحة. إذا تخربت البيئة فسوف تبطل كل تلك الأمور. هنا تكمن أهمية البيئة. إذا لم نهتم بقضايا المياه و التربة و الهواء‌ و الأشياء التي تؤدي إليها - كالمراتع و المصادر الطبيعية و الغابات و وضع بناء المدن - فإن حياة الناس لن تكون طيبة‌ حلوة. الصناعة و التقدم الصناعي و العائدات المتزايدة للبلاد و المفاخر العلمية‌ المختلفة لا تجعل الحياة حلوة، و كل هذه الأمور يجب أن تكون مقدمات لكي تتوفر للناس حياة سليمة حلوة. و من جملة الأمور ذات المساس المباشر بهذا الهدف هو البيئة و الفضاء الذي يعيش فيه الناس و قضايا المناخ. و عندها تكتسب جذور هذا الأمر و أسسه و هي التربة و الغابات و الأشجار و سائر هذه الأمور أهمية قصوى.أرجو من المسؤولين في القطاعات المختلفة التنبه لهذه النقطة و هي أن النظرة لقضية المناخ و لقضية الغبار و لقضية الدخان و التلوث و النظرة لقضية الهواء‌ النقي و الماء النقي و البيئة السليمة و النظرة لقضية الغابات يجب أن تكون نظرة أصلية رئيسية تدرج في أصل و تشعبات جميع الخطط و البرامج الحياتية.بعض هذه التقارير التي رفعت يجب أن توزع بين المسؤولين.. بين مسؤولي الحكومة و بين أعضاء‌ مجلس الشورى،‌ و تؤخذ في الحسبان.لذلك أشدد على قضية البيئة، و المتنزه أحد النماذج ذات الصلة بالبيئة. قضية البيئة على جانب كبير من الأهمية. و المصادر الطبيعية على جانب كبير من الأهمية. المصادر الطبيعية ثروات وطنية و ليست ملكاً لهذه الحكومة أو تلك، أو هذا الوزير و ذاك الوزير. إنها ملك الشعوب، و ليس الشعوب لجيل واحد بل هي ثروات تعود للشعوب على طول تاريخها. يجب الاستفادة منها. كونوا حساسين حيال قضية تخريب البيئة، فالضغوط على الغابات شديدة. يجب الحفاظ على الغابات، كما ينبغي الحفاظ على المصادر الطبيعية و المراتع.المسؤولون الحكوميون حاضرون هنا، و أنا قلق حقاً من مشروع الحدائق المدنية. و قد طرح السيد رئيس الجمهورية الموضوع معي عدة مرات، و ذكرت له. لا أدري ما الذي سيحدث و ماذا سيفعل الانتهازيون. لتكن نظرتكم متركزة‌ على عدم إفساح المجال للانتهازيين. حيثما كان هناك مشروع عام المنفعة - هذه الإحصاءات التي ذكرها السيد‌ العمدة‌ المحترم - أعلم و أنا واثق من أن هناك بعض الأشخاص يترصدون ليروا كيف يستطيعون اختطاف هذه الغنيمة. هناك الغابات المحيطة بالمدينة و الأراضي و المناطق الغابية، و هي مناطق بذلت من أجلها الكثير من الجهود و على امتداد سنوات طويلة، و هؤلاء عيونهم عليها.أذهب للمرتفعات أحياناً و أنظر من هناك و أرى ما الذي يحدث. و قد ذكرت هذا مراراً للبلديات. و الأمر لا يتعلق بالبلديات فقط إنما على المؤسسات ذات الصلة ببناء‌ المدن و بالمراتع أن تتعاون جميعاً. لا تدعوا طهران تكبر أكثر من هذا، و لا تسمحوا بكل هذا التعرض و المساس بالأراضي جنوب البرز. حولوا دون هذا التخريب. البعض يلهثون وراء‌ المال فقط، و كل همهم و غمهم المال و لا ينظرون ما نتيجة تخريب هذا المكان الذي يخربونه و يحتلونه من أجل المال، و ما هي عواقبه على البلاد و على الشعب و على مدينة‌ طهران. الأمر غير مهم بالنسبة لهم على الإطلاق. و أنتم حراس و مراقبو و حماة هذه المصالح الوطنية و يجب أن لا تسمحوا بذلك.مشاريع المساحات الخضراء هنا - ذكرها السيد العمدة‌ المحترم و قد اطلعت على تقاريرها من قبل - قرابة الثلاثمائة هكتار و هذا الشيء على جانب كبير من الأهمية. يقول نريد أن نجعل مائتين و عشرين هكتاراً منها مساحات خضراء. و عليكم مراقبة‌ الباقي. ثمانون هكتاراً من الأراضي وسط المدينة ليس بالشيء القليل. الأراضي هنا كل متر منها محسوب، و لديكم هنا ثمانون هكتاراً من الأراضي، و يجب أن تدققوا ما المقرر أن يحدث في هذه الأراضي. أنتم و الحمد لله منزهون و لستم من الاستغلاليين بأي شكل من الأشكال، لكن الحياة ليست خالية‌ من أشخاص استغلاليين. حينما تريدون تنفيذ مشاريعكم و خططكم أحذروا من أن يكونوا قد خططوا لها من خارج محيطكم ببعض التبريرات من قبيل التبريرات الاقتصادية و تأسيس مراكز تجارية و ما إلى ذلك. و هنا المكان الأكبر و الأهم، و لكن توجد في طهران مراكز و مناطق أخرى يمكن إنشاء مساحات خضراء فيها و توفير فضاءات لتنفس المدينة و تقوية رئات طهران من خلالها. الحق أن رئات طهران ضعيفة.طهران مدينة‌ كبيرة و فيها الكثير من السكان. رغم كل الجهود و المشاق التي بذلتموها لا تزال المساحات الخضراء في هذه المدينة أقل بكثير مما يجب. طبعاً لا يمكن مقارنة اليوم بما كان عليه الوضع قبل الثورة - كنت آتي في ذلك العهد إلى طهران و أرى أن المدينة وسخة و مزدحمة و دائمة التلوث و المتنزهات قليلة جداً و الإمكانيات قليلة جداً، و ليس الوضع كذلك اليوم و الحمد لله فطهران اليوم مدينة أخرى - و لكن مع ذلك لا تزال المساحات الخضراء في طهران قليلة. حينما تنظرون إلى هنا من الأعلى ترون أن طهران مدينة متراكمة، و يجب فتح هذه المناطق أكثر مما هو الحال الآن و توفير فضاءات لتنفس المدينة. دققوا في أن تستخدم الأماكن المختلفة من المدينة الموجودة تحت تصرفكم لصالح المساحات الخضراء.الإشراف القوي ضروري جداً. سواء إشراف الحراسة و الحماية، أو الإشراف القضائي، و لحسن الحظ قالوا و سمعت أن الملفات القضائية قد تشكلت، و لكن يجب أن يكون الأمر أكثر من هذا. السادة المسؤولين عن القضايا المدنية - سواء‌ في الحكومة‌ أو البلدية - عليكم التعاون مع الجهاز القضائي و أن تطلبوا منه و تتابعوا هذه المسائل.ذكروا رقماً و قالوا بأن هذا المقدار من الهكتارات عاد إلى بيت المال. و خطر ببالي أن هذا المقدار من أي مقدار كلي؟ النسبة هي المهمة. الأرقام لوحدها هنا ليست لها أهمية. يجب النظر إلى نسبة هذا المقدار العائد إلى المقدار غير العائد، ما هي هذه النسبة؟ هذا ما سوف يجعلنا نفهم هل تقدمنا أم لا. يجب أن تكون في الأمور دلالة على أننا تقدمنا.على كل حال، المتنزهات كما ذكرنا رئات المدينة. هذه المشاريع مشاريع جيدة جداً. في كل سنة كنت أغرس شجرتين أو ثلاثاً، لكنني لا أشارك في مثل هذه المراسم. و لكن في هذه السنة، لأن المشروع مشروع كبير في طريقه للتنفيذ، و خصوصاً لأنه في جنوب مدينة طهران كما ذكرت، فقد شاركت في هذه المراسم. الحاجة هنا كبيرة و التراكم هنا كبير جداً - تراكم السكان و تراكم الأبنية - و الإمكانيات قليلة. إذن، هذه المشاريع، خصوصاً لهذا الجزء من مدينة‌ طهران، ضرورية و قد شاركت فيها. وفقكم الله لتستطيعوا التقدم في هذا المشروع.قال لي السيد العمدة المحترم بأننا سوف نسلم حتى شهر خرداد من العام المقبل ستين هكتاراً. انتظروا كلكم إن شاء الله الثالث من شهر خرداد و تعالوا هنا لتستلموا الستين هكتاراً!و هذا القسم الثقافي الذي ذكرتموه قسم مهم جداً. اهتموا اهتماماً أكيداً بالجانب الثقافي. الثقافة هي الروح. كل هذه الأمور التي تحدثنا عنها هي جسم الحياة. و جسم الحياة هذا له روح و روحه هي الثقافة. إذا كانت الثقافة ذات اتجاه ديني و إلهي فستكون طبعاً الشيء‌ الذي يتغيّاه الإسلام و الناس الطاهرون و المعصومون.إنني أدعو لكم جميعاً.. للمسؤولين و للعاملين و للمساعدين و للذين يعقدون هممهم و للذين يتخذون القرارات و للذين يصنعون القرارات. ساعدكم الله و وفقكم و أيدكم جميعاً.و السلام عليكم و رحمة الله.
2011/03/08

كلمته في مسؤولي الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص)

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك الميلاد السعيد للرسول الأعظم سيدنا محمد بن عبد الله (ص)، و كذلك الولادة السعيدة لحفيد ذلك الإنسان الكريم سيدنا جعفر بن محمد الصادق (عليه الصلاة و السلام)، أباركهما لكم أيها الحضور الأعزاء، و الضيوف الكرام في هذا الاجتماع، و كذلك لكل أبناء‌ الشعب الإيراني الكبير، و لكل الأمة الإسلامية، و لجميع طلاب الحق و الحرية في العالم.ولادة النبي المكرم (ص) كانت بداية فجر زاهر في حياة البشرية. بهذه الولادة ظهرت البشائر الإلهية في ذلك العصر أمام أنظار الناس، حيث تساقطت قمم قصور الملوك الظلمة، و انطفأت النيران في معابد النار، و زالت المقدسات الخرافية التافهة بالقدرة الإلهية في مناطق مختلفة من العالم. كانت هذه الولادة مقدمة للبعثة، و كانت البعثة رحمة لكل العالمين. و قد قال تعالى: «و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (1). انتفع العالم برمّته من بركات هذا الوجود المقدس و سيبقى ينتفع. رقي البشر و التقدم العلمي و المعارف المتنوعة و الاكتشافات العظيمة في العالم ببركة ظهور نور الإسلام في تلك البرهة العجيبة من التاريخ. و هذه نعمة وضعت تحت تصرف البشرية. و لو كان للبشرية وعي أكبر و أكثر و معرفة أعمق، و لو عرفت الرسول الأكرم و الإسلام و أدركت رسالته لكانت صفحة التاريخ البشري اليوم صفحة أخرى. جهلنا نحن البشر و قصر نظرنا جعلنا نتأخر. لا شك أنه كلما تقدم التاريخ إلى الأمام، و كلما ازدادت معرفة البشرية و استيعابها لمزيد من الفهم كلما تجلت هذه الشمس المتلألأة أكثر، و ازداد الانتفاع من هذا النور الحياتي. و نحن اليوم نرى علامات ذلك.العالم اليوم طفح به الكيل تحت الأعباء الثقيلة لما تفرضه عليه الحضارة المادية، و هو يبحث عن سبيل نجاة. ما تلاحظونه اليوم من صحوة إسلامية في بعض البلدان الإسلامية مثل مصر و تونس مؤشر و نموذج على نفاد صبر البشرية. حينما يتغلب الشياطين على حياة الناس - و شياطين الأنس أخطر من شياطين الجن - مستكبرو العالم الذين يتدخلون في حياة الناس الاجتماعية، و حياتهم الخصوصية، و في اقتصادهم، و في فهمهم و رؤاهم، و يجرونهم إلى طرق الضلال، تتعكر أجواء الحياة، و هذه الأجواء الثقيلة المظلمة لا تنسجم مع فطرة البشر فتصحو الفطرة البشرية بالتالي. هذا ما يحدث اليوم في العالم. و العالم الغربي الأسير لعجلات و هيمنة القوى المادية طفح به الكيل حالياً. نحن المسلمون لو كان بوسعنا تعريف الإسلام بصورة صحيحة و مطابقة سلوكنا مع الإسلام، ثقوا أن العالم سيميل ميلاً عاماً شاملاً نحو الإسلام. الضعف فينا و نحن أول من خاطبهم القرآن و رسالة الرسول، فيجب علينا إصلاح أنفسنا.لقد استيقظت الشعوب اليوم ببركة الإسلام. يمكن للمرء أن يشاهد هذه الصحوة على مستوى العالم الإسلامي. الأثر الأول لهذه الصحوة هو إبداء الانزعاج من تواجد المستكبرين في هذه المنطقة. الأمريكان و السياسات الأمريكية تحاول بإعلامها الكثيف إبعاد نفسها عن مرمى سهام الحركة الشعبية العظيمة المشهودة اليوم في بعض البلدان الإسلامية، لكن هذا غير ممكن. هذه التحركات هي بالدرجة الأولى ضد الهيمنة الاستكبارية في هذه المنطقة. الشيء الذي أهان الشعوب هو هيمنة الاستكبار، و الشيء الذي أدى إلى أن لا تمدّ الشعوب المسلمة يد الأخوة لبعضها و لا تتفهم بعضها و لا تتكامل في طاقاتها و قواها فتشكل الأمة الإسلامية بالمعنى الحقيقي إنما هو دسائس الاستكبار و تدخلاته في هذه المنطقة. و هذا ما ينبغي إزالته. يجب أن تتحرر الشعوب و تنجو من تدخل الاستكبار و هيمنته. هذا هو مفتاح حل المشكلات في هذه المنطقة. مشكلات الناس و الشعوب و الحكومات - الحكومات البعيدة عن شعوبها - سببها تواجد القوى المستكبرة و على رأسها أمريكا. و علاج مشكلات هذه المنطقة يكمن في أن تصحو الشعوب و تصحو الحكومات و تبعد الشيطان الأكبر عن التدخل و التصرف في مصيرها.سياسات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط أدت إلى أن تعارض الشعوب حكوماتها، و تبتعد الشعوب عن الحكومات. إذا كانت الشعوب متواكبة مع الحكومات فلن تستطيع أية قوة الهيمنة على البلدان، و لن تستطيع أية قوة المقاومة أمام الشعوب. ما يحدث حالياً في بعض البلدان الإسلامية هو تواجد شعوب المنطقة في ساحة النضال و الكفاح. حينما تتواجد الشعوب في سوح النضال و الكفاح سوف تكلّ سيوف الأعداء و لن يستطيعوا فرض منطق القوة على الشعوب، و تسليط أفراد من المقربين إليهم و مرتزقتهم على الشعوب فيتعسفون مع الناس. حينما تتواجد الجماهير في الساحة سوف تتقوى ركائز الحكومات و دعائمها إذا كانت هذه الحكومات متواكبة مع شعوبها. هذا هو علاج مشكلات المنطقة.الدولة الصهيونية المزيفة اليوم كالغدة السرطانية في هذه المنطقة تصيبها بالأمراض و الآفات. كل مساعي الاستكبار منصبة على حفظ هذه الغدة السرطانية في المنطقة. وجود هذه الغدة السرطانية في هذه المنطقة مبعث حروب و اختلافات و شقاقات و سياسات خاطئة في المنطقة. من أجل أن يحافظوا عليها و يكرسوا موقعهم في المنطقة يستخدمون كل قدراتهم. و هذا هو ما نشاهد اليوم آثاره و نتائجه، ألا و هو ردود أفعال الشعوب. حينما تصحو الشعوب فسوف لن تتحمل هذا الوضع.نعتقد أن التحركات المشهودة في الوقت الراهن في بعض البلدان الإسلامية ردود أفعال الشعوب حيال المهانة الطويلة التي فرضتها القوى الاستكبارية عليها. و قد وجدت اليوم فرصة فنزلت إلى الساحة.واجب علماء الدين و النخب السياسية و العلمية و الجامعية ثقيل جداً. الجماهير في تلك البلدان بحاجة اليوم لتوجيه النخبة و هدايتهم، سواء النخبة السياسية أو النخبة العلمية أو الجامعية أو الدينية. هناك واجبات جسيمة تقع على عواتقهم. يجب أن لا يسمحوا لأجهزة الاستكبار بما لها من وسائل متنوعة أن تصادر حركة الجماهير العظيمة هذه و تسرقها منهم. يجب أن يحذروا. يجب أن يوجهوا الجماهير نحو الأهداف السامية التي تعدّ الأهداف العليا لكل شعب من الشعوب. إذا حصل هذا فسيكون مستقبل هذه المنطقة مستقبلاً زاهراً، و سيكون مستقبل الأمة الإسلامية‌ مشرقاً.عددنا في العالم مليار و نصف المليار نسمة، و نعيش في أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية العسكرية، و من حيث المصادر الطبيعية‌ و الثروات الجوفية، لكن الآخرين يحكموننا و يقررون مصيرنا، و يتخذون القرارات بشأن نفطنا. الآخرون يتخذون القرار فيما يخص أنظمة الحكم في بلداننا. هذا وضع يجب أن يتغير و سيتغير بلا شك. و تلاحظ علامات و مؤشرات ذلك حالياً. هذه هي الصحوة الإسلامية ببركة الإسلام.هكذا يربي الإسلام أتباعه: «و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود» (2). هذه هي علامات الأمة الإسلامية. و هذه هي المعنوية التي في أنفسهم، و التوكل و التوجه إلى الله و التذكر و الخضوع مقابل الخالق. هذه هي ميزة تربية الإنسان المسلم المؤمن. الإسلام يربّي مثل هذا الإنسان.. خاضع مقابل الله تعالى، رحيم عطوف مع إخوانه في الإيمان، و الأخوة الإسلامية قائمة، لكنه في مقابل المستكبرين و الظالمين صامد شامخ كالجبل. «‌و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه» (3). هذه هي مراحل رشد الأمة الإسلامية، تنبت و ترشد و تترعرع و تستحكم. «يعجب الزراع» (4). يندهش له حتى الذين يعملون في هذا المجال. إنها يد القدرة الإلهية‌ التي ترشد البشر هكذا. «ليغيظ بهم الكفار» (5). العدو المستكبر حينما ينظر لهذا الإنسان المسلم المتربّي و المترعرع في أحضان الإسلام سيغضب طبعاً و ينزعج. يجب أن نعمل بهذه الطريقة. يجب أن نبني أنفسنا. و نطابق أنفسنا مع القرآن. أخلاقنا و سلوكنا مع أصدقائنا و مع معارضينا و مع معاندينا و مع المستكبرين يجب أن ننظمها مع تعاليم القرآن. لقد وعد الله تعالى الأفراد الذين يتحركون بهذه الطريقة أن يثيبهم و يؤجرهم. و هذا أجر في الدنيا و في الآخرة. في الدنيا لهم العزة‌ و التمتع بالجماليات و الخيرات الإلهية في هذا العالم - المعدّة للإنسان في هذا العالم - و لهم في الآخرة رضوان الله و جنانه.هذا سبيل سلكتموه أيها الشعب الإيراني العزيز و تتابعونه و تسيرون فيه، و سوف تواصلون هذا السبيل بتوفيق من الله، و هو سبيل نشاهد لحسن الحظ حالياً أن الشعوب الإسلامية‌ هنا و هناك من العالم الإسلامي تتجه نحوه تدريجياً. قال الله تعالى: «و العاقبة للمتقين» (6). إذا جعلنا التقوى منهج عملنا فلا شك أن العاقبة و النهاية ستكون للأمة الإسلامية‌، و هذا المستقبل ليس ببعيد بإذن الله.أتمنى أن يوفق الله تعالى جميع الشعوب المسلمة و الأمة الإسلامية‌ و خصوصاً النخبة و المؤثرين في هذه الأمة لأن يستطيعوا الانتفاع من بركات وجود الرسول (ص) و تعاليم القرآن إلى أقصى حد. نسأل الله تعالى أن ينزل رحمته الواسعة على إمامنا الجليل الذي فتح هذا السبيل أمامنا، و على شهدائنا الأعزاء الذين ضحوا بأنفسهم في هذا السبيل. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الأنبياء، الآية 107 .2 - سورة الفتح، الآية‌ 29 .3 - م ن.4 - م ن.5 - م ن.6 - سورة الأعراف، الآية‌ 128 .
2011/02/21

كلمته خلال لقائه بالمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيماستفدنا كثيراً من كلمات الإخوة الأعزاء. ليت الوقت كان أطول و كان بمستطاعنا الانتفاع من كلمات سائر الإخوة. حينما نسمع هذا الكلام منكم تتجسّد لنا مرة أخرى عظمة الإسلام و شموليته و انتصاره.اجتماع اليوم و اجتماعاتكم الأخرى انعقدت تحت عنوان الوحدة.. الاتحاد بين العالم الإسلامي و الوحدة بين المسلمين. و بالطبع فالوحدة هي القضية الرئيسية. إذا تحقق الاتحاد بين المسلمين بشكل واقعي و بالمعنى الحقيقي فسوف تعالج معظم مشكلات المسلمين. و علينا جميعاً أن نسعى، و يجب علينا نحن أيضاً أن نسعى حتى تتقرب القلوب من بعضها إن شاء الله، و ليس الألسن فقط. إذا تقربت القلوب من بعضها تقاربت الأيدي و الأعمال تبعاً لها.يعيش العالم الإسلامي اليوم مقطعاً تاريخياً، و علينا أن نعرف هذا المقطع و لا نغفل عنه. طوال الأعوام الثلاثين الماضية - من بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران - لم يحدث مثل هذا الوضع في العالم الإسلامي على الإطلاق. و حينما نقول هذا المقطع فليس معنى ذلك أن العالم الإسلامي كان هادئاً و ساكتاً و غير مكترث طوال هذه الأعوام الثلاثين، لا. أعتقد، و الواقع هو هذا بالتأكيد، بأن نشاطات العظماء‌ على مرّ الأعوام، و تحركات المصلحين، و دماء المضحين، و تعليمات أصحاب الفكر، و بالتالي الثورة الإسلامية في إيران، تركت جميعها تأثيراتها في العالم الإسلامي، و قلّبت القلوب، و دلت على الاتجاهات، و تراكمت المحفزات تدريجياً و راحت هذه المحفزات تتجلى الآن في فرصة معينة. هذا المقطع مقطع مهم، و يمكنه أن يفضي لحل مشكلات العالم الإسلامي، و إذا لم نعرفه بصورة صحيحة، و لم نستفد منه بصورة صحيحة، فقد يخلق لنا مشكلات أخرى.ما حدث هو تحرك مليوني للجماهير في الساحة. و هذا شيء‌ منقطع النظير. هذا التحرك في الجمهورية الإسلامية‌ هو الذي أنقذ إيران. لو نزلت الأحزاب و الجماعات و الشخصيات و ما إلى ذلك للساحة بدل الجماهير لما حدث هذا التأثير. ثمة‌ في تواجد الجماهير المليونية تأثير لا يوجد في أي شيء آخر. و بالطبع فإن التواجد المليوني للجماهير غير متاح من دون الإيمان القلبي. أن يحضروا و يتواجدوا أولاً، و أن يبقوا إلى حصول النتيجة ثانياً، و أن يحافظوا على النتيجة ثالثاً. هذا ما يحتاج إلى الإيمان الديني و الإسلامي. ذكرت الثورة ‌الفرنسية الكبرى هنا. كانت الثورة‌ الفرنسية الكبرى حركة شعبية انتهت إلى النصر، لكن ذلك النصر لم يجر الحفاظ عليه و صيانته. وقعت الثورة‌ الفرنسية الكبرى في سنة 1789 ، و في سنة‌ 1800 ، أي بعد أحد عشر عاماً ظهرت في فرنسا حكومة ملكية أخرى، حيث تولى نابليون زمام السلطة.. و كأن لم يكن شيئاً مذكوراً! ثم مات نابليون و عادت العائلة التي ذهبت بالثورة الفرنسية الكبرى إلى السلطة، أي عائلة البوربون. و استغرق الأمر سنين طوالاً إلى عام 1860 حيث كانت سلالات الملوك و السلاطين تتعاقب في فرنسا. إذن، انتصرت الثورة على أيدي الناس، لكن الناس لم يستطيعوا الاحتفاظ بالثورة. و هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. و قد استطعنا نحن الحفاظ على ثورتنا ببركة الإيمان و بفضل الإسلام و بفضل البث المتعاقب لروح القرآن الكريم في جسد هذا الشعب و في قلوب هؤلاء الجماهير. هذا ما بوسعه ضمان بقاء الحركات و استمرارها و انتصارها. و هذا ما يجب أن يحصل.الجماهير اليوم في الساحة، في مصر و في تونس و في مناطق أخرى. و هذا ما يجب أن يوجّه و تجري هدايتُه و توجيهُه. العدو يحاول تصوير هذا التحرك على أنه غير إسلامي، و هذا خطأ. أنه تحرك إسلامي بالتأكيد. ماضي مصر يدل على هذا. و التحرك المصري اليوم يدل على هذا. شعارات الجماهير و تواجدها في صلوات الجمعة تدل كلها على هذا. إذن هو تحرك إسلامي بلا شك، رغم أن الأعداء يحاولون عدم السماح بتثبيت هذه الإسلامية في مصر أو في الأماكن الأخرى. ينبغي تعزيز هذه الحركة. أمريكا هي أساس المشكلة في العالم الإسلامي. تواجد المستكبرين و المستعمرين في العالم الإسلامي وجّه دوماً أكثر و أعنف الضربات للهوية الإسلامية و الشعبية للشعوب، بدءاً من شرق العالم الإسلامي حيث اندونيسيا و ماليزيا و الهند و إلى أفريقيا. كان هناك دوماً تواجد المستعمرين الذي أضعف الشعوب و امتص دماءهم و أضعف إرادتهم. و ذلك المستكبر و المستعمر اليوم هو أمريكا. و الباقون على الهامش. تواجد أمريكا هو المشكلة الأكبر. يقول: «وجودك ذنب لا يقاس به ذنب». تواجد أمريكا هو في الوقت الراهن أكبر المآسي في العالم الإسلامي. و هذا ما ينبغي معالجته. و يجب إبعاد أمريكا عن الساحة و تضعيفها، و لحسن الحظ فقد أصبحت ضعيفة. أمريكا اليوم ليست أمريكا قبل عشرين سنة و ثلاثين سنة. أمريكا اليوم غدت ضعيفة جداً. و هذا ما ينبغي الحفاظ عليه و عدم الركون لليأس.لاحظوا أن مشاهد صدر الإسلام هي نماذج لنا. لا أريد الادعاء أن جميع أحداثنا تشبه بصورة عينية أحداث صدر الإسلام، لا، فالعالم قد تغيّر، و المحفزات و الأشكال قد تغيرت، لكن صدر الإسلام لوحة جد معقدة و فنية و مندمجة يمكن أن نشاهد في أجزائها الجوانب المختلفة لتاريخ الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا و إلى الأبد. أي جزء من هذه الأجزاء لاحظه المرء و طابقه مع زمانه استطاع أن يفهم.لاحظوا أن هناك نوعين من الأفراد في مواجهة الأعداء.. «و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله و رسوله إلا غروراً، و إذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا» (1). هذه نظرة و رؤية في مواجهة هذه الأحداث. و هناك نظرة أخرى تقول: «و لما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله و ما زادهم إلا إيماناً و تسليماً» (2). و هذه بدورها نظرة. و كلا النظرتين في حادثة واحدة. كلاهما تعود لحادثة الأحزاب. البعض حينما يرون الأحزاب يقولون: «ما وعدنا الله و رسوله إلا غروراً»، و البعض الآخر حينما يرون الأحزاب يقولون: «هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله و ما زادهم إلا إيماناً و تسليماً». هذا شيء مهم. و هو شيء‌ يعرض علينا وضعنا الحالي.لدينا نوعان من الأفراد، نوع من الأفراد حينما يرون هيمنة أمريكا و قدراتها العسكرية و الدبلوماسية و الإعلامية و أموالها الوافرة، يفزعون و يقولون إننا لا نستطيع فعل شيء، فلماذا نهدر طاقاتنا دون فائدة؟ و مثل هؤلاء الأفراد موجودون الآن، و كانوا موجودين في زمن ثورتنا. لقد واجهنا أفراداً من هذا القبيل كانوا يقولون: لماذا تجهد نفسك دون فائدة يا سيدي، اقنعوا بالحد الأدنى، و أنهوا القضية. هكذا هم البعض.و البعض الآخر لا، يقارنون قدرة العدو بقدرة الله تعالى، و يضعون عظمة العدو مقابل عظمة الخالق، و عندها سيرون أن العدو تافه على الإطلاق، و ليس بشيء. و سيحسبون الوعد الإلهي حقاً و صدقاً، و يحسنون الظن بالوعد الإلهي.. هذا مهم.. لقد وعدنا الله تعالى:‌ «و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز» (3). هذا وعد قاطع و أكيد. إذا أحسنا الظن بالوعد الإلهي سوف نعمل بطريقة معينة، و إذا أسأنا الظن بالوعد الإلهي فسوف نعمل بطريقة أخرى. و لقد شخّص الباري تعالى الذين يسيئون الظن بالله فقال: «و يعذب المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء و غضب الله عليهم و لعنهم و أعدّ لهم جهنم و ساءت مصيراً» (4). هؤلاء «الظانين بالله ظن السوء» موجودون اليوم أيضاً. و يقول بعد عدة آيات: «بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول و المؤمنون إلى أهليهم أبداً و زيّن ذلك في قلوبكم و ظننتم ظن السوء و كنتم قوماً بوراً» (5). سوء الظن بالله يجعل الإنسان يقعد و تعجز عن التحرك و السعي و العمل. و إذا أحسنا الظن بالله استطعنا العمل و التقدم.نحن نحسن الظن بالله، و قد تعامل الله تعالى معنا طبقاً لحسن ظننا به. طوال هذه السنوات الثلاثين و نيّف تعامل معنا الله تعالى طبقاً لحسن ظننا به. كانت لنا مشكلات عديدة و قد خرجنا من جميعها منتصرين. الحظر الاقتصادي لم يكن و ليس بالشيء القليل. لكننا سحقنا الحظر بأقدامنا. في الفترة الأخيرة قالوا إننا لن نبيعكم البنزين. و نحن بلد ينتج النفط لكننا نستورد البنزين، و قالوا لنا سوف لن نبيعكم البنزين. هذا نموذج صغير جداً. و هناك المئات من النماذج الأخرى من هذا القبيل. لكن طاقاتنا سعت على أمل الله، و استطعنا في ظرف أقل من سنة أن نستغني عن استيراد البنزين. فرضوا علينا الحرب ثمانية أعوام. وضعونا مقابل عدو عنود سيئ خبيث جداً مثل صدام حسين، و دافعوا عنه و دعموه بكل طاقاتهم. و استطعنا و الحمد لله التغلب على تلك الحادثة.تقدمنا على أمل الله في كل الميادين. و نتقدم اليوم في الميدان العلمي. و قد أشاروا إلى قضيتنا النووية. لقد استطعنا بتوفيق من الله و بقدرة الله أن نحل قضيتنا النووية و نتقدم بها إلى الأمام. و اليوم يثير الغربيون الضجيج، لكنهم متخلفون عن القضية، و يوجهون التهم، و يتكلمون، و يثيرون الإعلام، و يضغطون، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء. مضيّ الوقت لصالحنا. إننا نتقدم باستمرار و هم يقرعون رؤوسهم باستمرار و يثيرون الضجيج. هكذا هو الحال حينما ندخل متوكلين على الله. الشباب الذين يعملون في المجال النووي أصروا قبل سنتين أو ثلاث و طلبوا أن يأتوا للقائي. و أقاموا هنا في هذه الحسينية معرضاً لأشاهد عن قرب أعمالهم. و ذهبت و رأيت أنهم كلهم شباب، هذا أولاً، و ثانياً كلهم مؤمنون متدينون. ذات يوم كان التصور أن كل من يدخل حيّز العلوم الحديثة و يتخصص فيها ينبغي أن يكون عديم الدين أو غير مكترث للدين. لكنني وجدت أن الأمر غير ذلك، فكلهم شباب متدينون مؤمنون مندفعون و مخلصون. هكذا هو الحال الآن في مختلف قطاعات البلاد. هذه هي تجربتنا. و هي تجربة نضعها تحت تصرف العالم الإسلامي.طبعاً الشعب المصري و الشعوب الأخرى غنية و الحمد لله بالمفاهيم و المعارف الإسلامية. نحن على معرفة بالمعارف الإسلامية التي كانت شائعة في مصر على مرّ الأزمنة. و في صلاة الجمعة التي أشرتم إليها قلتُ إن الشعب المصري كان أول شعب تعرف على الثقافة الغربية - نابليون نقل الثقافة الغربية‌ إلى مصر - و كان أول شعب أدرك معايب هذه الثقافة و واجهها. و قد كانت مصر مقر الشيخ محمد عبده و السيد جمال و آخرين. و قد كان هؤلاء أول من واجه الثقافة الغربية مباشرة و كافحها. و بعد ذلك أيضاً كانت مصر و الكثير من البلدان العربية - و الحمد لله - مركزاً لتفجّر الأفكار الإسلامية، و بلداناً مفيدة لكل الإسلام.و اليوم فإن هؤلاء الجماهير قد نزلت إلى الساحة، و ينبغي السعي لكي لا يستطيع العدو مصادرة حركة الشعب المصري، و لا يستطيع تحريفها، و لا يتمكن من إبقاء‌ بقايا النظام الطاغوتي و الفرعوني في مصر، ثم ينشرها بعد ذلك تدريجياً في كل مكان. ينبغي الحذر من هذه الحالات. هذا من واجب المصريين أنفسهم، و هو كذلك من واجب كل العالم الإسلامي.يجب أن لا تكون هناك فوارق بين الشعوب. الأثر الأول للوحدة الإسلامية يجب أن يكون الشعور بالتعاطف و التضامن بين الشعوب. حينما يفرح شعب تفرح له باقي الشعوب، و حينما يكون حزيناً تحزن له باقي الشعوب. و حينما يكون في مأزق يرى الآخرون أنفسهم أصحاب سهم في ذلك المأزق، و حينما يستنصرهم شعب يهبّ الآخرون لنصرته و يأتوا إليه. هذا هو واجبنا. و هو ما سوف يحصل و يتقدم. إننا مؤمنون بهذا الوعد الإلهي، و على يقين منه، و نعتقد «و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (6)، و أن الله تعالى سيعين المؤمنين بلا شك.كلنا يجب أن نعرف قدر هذه الجلسات و الاجتماعات. تقارب القلوب هذا مهم جداً. مسائل السنة و الشيعة و صراعات السنة و الشيعة أمور يريد أعداء الإسلام اليوم التركيز عليها. الذين يتحدثون حول التشيع و الذين يتحدثون حول التسنن لا يؤمنون بالسنة‌ و لا الشيعة و لا عظماء‌ الإسلام و لا علماء‌ الإسلام المعاصرين، إنما لهم أهداف أخرى. يجب التغلب على كل هؤلاء، و تأمين الوحدة، و ستكون الوحدة إن شاء الله رصيداً و دعامة لانتصار العالم الإسلامي.أرحب بالإخوة الأعزاء مرة أخرى.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الأحزاب، الآيتان 12 و 13 .2 - سورة الأحزاب، الآية‌ 24 .3 - سورة الحج، الآية 40 .4 - سورة الفتح، الآية‌ 6 .5 - سورة الفتح، الآية 12 .6 - سورة العنكبوت، الآية 69 .
2011/02/20

كلمته في حشود أهالي آذربيجان الشرقية

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بكم و أشكركم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين تفضلتم بالمجئ من مكان بعيد، و نورتم اليوم حسينيتنا بصفائكم و كلامكم و شعاراتكم و إيمانكم و صدقكم.ما يمكن أن نقوله على أعتاب يوم التاسع و العشرين من بهمن التاريخي العصي على النسيان لأهالي آذربيجان و تبريز هو أننا نشعر دوماً بالفخر و الشموخ حينما ننظر لهذا الإقليم المنجب للأبطال.. إقليم الإيمان و الإخلاص. في أي حين و في أي مقطع من مقاطع التاريخ حينما ينظر الإنسان إلى آذربيجان و أهالي آذربيجان يشعر بالفخر و العزة.كان الآذربيجانيون سباقين و رواداً في الأحداث التي مرت على إيران خلال المائة و خمسين عاماً الأخيرة. كانوا أحياناً السباقين، و كانوا أحياناً منفردين. في قضية تحريم التنباك التي أصدر أمرها الميرزا الشيرازي من سامراء كانت تبريز من أول المناطق التي استجاب علماؤها الكبار - المرحوم الحاج ميرزا جواد مجتهد و آخرون - للفتوى و نزلت الجماهير للساحة، و هو ما قصم ظهر الاستعمار لفترة و برهة زمنية معينة، و كذا الحال بالنسبة لقضية الثورة الدستورية، و كذا الحال فيما يتعلق بما بعد فترة الاستبداد الصغير، و كذلك كان الأمر في الأحداث التي أعقبت ذلك حتى فترة الثورة الإسلامية، و قد أضحت أحداث التاسع و العشرين من بهمن راية و نموذجاً. هذا هو المهم. المهم هو أن يستطيع الشعب أو الجماعة أو الفرد أن يقدم نموذجاً يتكاثر و ينتشر. و هذا ما صنعه أهالي تبريز في التاسع و العشرين من بهمن، و إلا ربما نسيت قضية التاسع عشر من دي في قم. أهالي تبريز لم يسمحوا للإعلام أو الغفلة أو النزعات المغرضة بإنساء تلك الحادثة المهمة و الدامية التي حصلت لأهالي قم. أي إنهم قاموا بما قامت به السيدة زينب الكبرى (ع). لو لا زينب لما كانت كربلاء. لو لا زينب لما كان من المعلوم و الأكيد أن تنتشر حادثة عاشوراء كل هذا الانتشار و تخلد في التاريخ كل هذا الخلود. هكذا كانت حركة الجماهير. و لذلك تحولت إلى نموذج. الأربعين الأولى قام بها أهالي تبريز، و الأربعينيات اللاحقة توالت و أفضت إلى هذه الحركة العظيمة.أصل الثورة على نفس الشكل. قدمت هذه الثورة نموذجاً بفضل الهمة العامة للشعب الإيراني. أعزائي، الضغوط التي مورست طوال هذه الأعوام الثلاثة و الثلاثين ضد إيران الإسلامية و الجمهورية الإسلامية ربما أمكن القول إن سببها الرئيس هو أن لا يسمحوا بظهور نموذج أمام أنظار المسلمين في المنطقة، إذ من دون وجود النموذج سيكون التحرك صعباً، و مع وجود النموذج سيكون التحرك سهلاً. حينما يتحول الشعب إلى نموذج و حينما تصبح الحركة نموذجية ستشجع المواهب على التحرك. و هذا ما أرادوا الحؤول دونه.يفرضون الحظر ليضعفوا البلد من الناحية الاقتصادية حسب ما يتصورون. و ذلك من أجل أن ينظر الآخرون و يقولوا إن الإسلام تسبب في تراجع الشعب من الناحية الاقتصادية. يغتالون العلماء حتى يوقفوا الحركة العلمية و لا يستطيع الشعب الإيراني مواصلة تحركه العلمي و التقدمي العظيم ببركة الإسلام و الثورة و عرضه على العالم و على الأمة الإسلامية. يوجهون تهم القمع و مناهضة حقوق الإنسان و ما إلى ذلك ليصرفوا الرأي العام في العالم. و لكن رغم كل هذه المساعي و الإعلام و الخبث تألقت الثورة و لا تزال تتألق.كلما زادوا من هجماتهم على الجمهورية الإسلامية ازدادت قوة. حرب الأعوام الثمانية زادتنا قوة. لو لم تقع حرب الأعوام الثمانية لما ظهر هؤلاء القادة الشجعان و الرجال المميزون بين الشعب، و لما وجد هذا التحرك الشعبي المخلص العظيم مجالاً للظهور و البروز. لو لم يكن الضغط الاقتصادي و الحظر الاقتصادي و الحظر العلمي لما توفرت الفرص لظهور مواهب شبابنا، أي لكان كل شيء حاضراً جاهزاً و لما سعى شبابنا وراءه و لما وصلوا إليه. فرضوا الحظر علينا فتفجرت المواهب الداخلية و ارتفع مستوى الشعب و تحقق له الرشد و النمو و ازدادت رايته رفعة و رفرفةً. و كذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً. «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متمّ نوره و لو كره الكافرون» (1). الشيء الذي أشعر به فيما يخص تقييم تبريز و آذربيجان و هؤلاء الأهالي المؤمنين في هذه العملية العظيمة هو أنهم كانوا دوماً يتحلون بالحماس و الشعور و الوعي و العزم الراسخ إلى جانب البصيرة، فحافظوا على هذا. الحماس و الهياج الذي شاهدته في أهالي تبريز و آذربيجان يجب أن أقول إنه منقطع النظير. و كذا كانت الحال على امتداد الأعوام. هذا ما لاحظته في زياراتي لتبريز و في لقاءاتي بأهالي تبريز و آذربيجان. و لم يكن الحماس مجرداً، بل كان إلى جانب البصيرة و القدرة على التحليل و الفهم الدقيق. و لهذا لم يخطئ الناس الطريق و تواجدوا في جميع الميادين و السوح، فهم متواجدون حيثما يجب أن يتواجدوا. هذا ما يجب أن تحافظوا عليه و تصونوه جيلاً بعد جيل و يداً عن يد.شبابنا اليوم - و في هذا الاجتماع يوجد الكثير من الشباب - لم يشهدوا الحرب. إنكم لم تشهدوا الشهيد باكري و أمثال الشهيد باكري، و لم تلمسوا فترة المحنة العظيمة، و لم تروا الإمام الخميني، لكن معنوياتكم نفس تلك المعنويات و أفكاركم نفس تلك الأفكار، و طريقكم نفس ذلك الطريق. و تشخيصكم نفس ذلك التشخيص. و هذا على جانب كبير من الأهمية. ينبغي لهذا التيار أن يستمر. إنه تيار أشبه بنهر أو شط يروي منطقة معينة. هكذا هي البصيرة. وجود مدينة عامرة يعود لشريان حيوي من المياه يجري فيها. و هكذا هو الإيمان و البصيرة الإيمانية.. إنها ذلك الشريان الحيوي الذي يحيي الأفكار و القلوب. و هو ما ترك تأثيراته في العالم.ثمة شعور بوجود صحوة في العالم الإسلامي اليوم. و هذا ما لا نقوله نحن. في هذه الأعوام كنا نقول إن حركة الصحوة الإسلامية قد انطلقت و النهضة الإسلامية قد بدأت. و كان الكثيرون ينظرون لظاهر القضية فيقولون لا، لا يوجد شيء، فماذا يقول هؤلاء؟ أما اليوم فالعيون تنظر عياناً، و الآذان تسمع الهتافات، و المشهد مشهد كل شيء فيه واضح و جلي. قضية مصر على جانب كبير من الأهمية. حفنة من المرتزقة الخونة جعلوا بلد مصر و شعبه العريق المتحضر ذي الفهم العميق و الشباب الصالح تابعاً لأمريكا و ربطوه بالعدو الصهيوني. و كان الناس يتحرقون و لا يستطيعون فعل شيء لأن الضغوط شديدة. التحرك العظيم الذي حصل هناك لم يكن تحركاً دفعياً. التحركات الاجتماعية الكبرى ليست أحداثاً لحظية، بل تتكون على مر الزمن مع تتابع العوامل المختلفة - المعارف و البصائر و الحرق و العقد - و تراكمها و تظهر فجأة بمناسبة معينة و في الوقت المناسب، و قد ظهرت في مصر.المثقفون و الواعون المصريون كانوا يأتون و يذهبون، و كنا على اطلاع و نعلم ما هي مشاعرهم و كيف ينظرون للأمور و القضايا. و اليوم أيضاً أنظر لكلام هؤلاء الشباب المصريين و الناس في مصر - في حدود ما ينشر و نطلع عليه - و استطيع أن أفهم ما هي خصوصياتهم. العامل الرئيس لتحركهم هو عدم إطاقتهم الذلة التي فرضها ساستهم العملاء على هذا الشعب. حينما تستسلمون لأمريكا و ترضخون لقدرات القوى الكبرى فسوف يستتبع ذلك مثل هذه الأمور. على الشعب أن يصمد مقابل غطرسة و عسف القوى المهيمنة حتى لا يضطر للابتلاء بتبعات الرضوخ. حينما تكون الحكومات ضعيفة و جبانة أو ضعيفة النفس أو خائنة - و ضعف النفس يفضي إلى الخيانة - و تستسلم أمام القوى الكبرى فسوف يستتبع ذلك مثل هذه الأمور. يريدون فرض كيان مزيف باسم إسرائيل في هذا المكان، و ستكونون مضطرين للمسير وراءهم. الشعب المستقل من سماته أن ينظر و يرى ما هو الصحيح و ما هو الطريق الصواب فيتحرك حسب تشخيصه و إيمانه و يسير في ذلك الطريق و يقوم بذلك الفعل. و حينما لا يكون ثمة استقلال فلن يتحقق هذا. التبعية ذلة للبلد. هذا ما جعل الكيل يطفح بالشباب المصري و يؤدي إلى ظهور حركتهم بشكل فجائي.انظر اليوم فأرى عزيمتهم الراسخة و إيمانهم. يرى المرء المشاركة المؤثرة للشباب في مصر. أنتم أيها الشباب الأعزاء اعرفوا قدر أنفسكم. لقد أصبحتم نموذج الشباب في العالم. الشباب لهم دور حاسم و خلاق و مغيّر و هم داينمو التقدم و مفاتيح الطرق المسدودة. هكذا هي طاقة الشباب. و في مصر أيضاً يقوم الشباب بالكثير من الأمور و الأعمال بالإضافة إلى الذين لمسوا و أحسوا بأجسامهم و أرواحهم و بكل وجودهم آلام و محن سيادة أولئك الطواغيت و ذلك الطاغوت. انطلق التحرك من المساجد و من صلوات الجمعة. إنه تحرك باسم الله و هذا له قيمة كبيرة، و التحرك إلى ذلك تحرك عام شامل.ما استطيع أن أقوله بشكل قاطع و يقيني هو أن الشعب إذا نزل إلى الساحة تعطلت كل الأدوات العدوانية التي تستخدمها القوى العظمى. أمريكا تستطيع أن تفرض منطق القوة على البلد طالما لم يقف شعب ذلك البلد بوجهها. يمكن فرض منطق القوة على الحكومات بسهولة.. الحكومات غير المعتمدة على شعوبها مضطرة للمجئ بأمر أمريكا و الذهاب بأمر أمريكا. ذات يوم تنصب أمريكا فرداً و تدعمه، و في يوم آخر ترفع دعمها عنه فيضطر للمغادرة. و حينما يغادر فلن تأبه له على الإطلاق، و هذا ما ترونه الآن. و قبل ذلك كان محمد رضا، و قبله بقليل كان بن علي في تونس. حينما لا تكون الحكومات معتمدة على الشعب ستكون هذه هي النتيجة. حينما ينزل الشعب إلى‌ الساحة و يتحلى بالوعي و الشعور و يتخذ قراره، عندئذ لا تستطيع القوى الكبرى فعل أي شيء. و هذا ما حدث حالياً في مصر. طالما كان الشعب في الميدان لم يستطع أولئك فعل شيء.طبعاً الأمريكان اليوم في صدد أن يحتالوا على الناس في مصر و يصرفوهم و يقنعوهم بمكتسبات جزئية و بدائية و يعيدوهم إلى بيوتهم حتى لا يتواجدوا في الساحة. و من المستبعد أن تؤتي مثل هذه الحيل نتائجها. حينما يستيقظ الشعب و يشعر بقدرته على التأثير لن تعود هناك فائدة من هذه الحيل، بل سينزل الشعب إلى الساحة، و يتابع أهدافه العليا إذا رسمت له، و سيصل لأهدافه إن شاء الله.إننا نشاهد النتائج و الثمار الحلوة لمقاومة شعبنا العظيم، و هي صلابة وجه إيران الإسلامية و عزة إيران الإسلامية و تأثير إيران الإسلامية في مختلف الأحداث في المنطقة و حتى خارج المنطقة. نشعر أن الإيمان و الإسلام قد منحانا العزة و التقدم و الاقتراب من أهدافنا و مبادئنا. كلما عززنا إيماننا و زدنا من تطبيق الإسلام و القيم الإسلامية في مجتمعنا و أوساطنا، كلما ازدادت هذه العزة و هذا التقدم، و كلما تضاعف إصلاح الحياة المادية و المعنوية. و هذا ما يرتبط بهمة الشباب و همة الشعب و إيمانه. و لحسن الحظ فإن المرء ليشاهد ذلك و يرى هذه العزيمة و الإرادة لدى نسائنا و رجالنا و شيوخنا و شبابنا و في مختلف قطاعات البلاد و قومياته، و ستستمر هذه الحال إن شاء الله، و سترون أيها الشباب إن شاء الله العهد الذي تكون فيه إيران ببركة الإسلام و القرآن قادرة على التألق في ذروة العظمة و قممها.نتمنى أن ينزل الله تعالى رحمته و فضله و لطفه عليكم أيها الأهالي الأعزاء في آذربيجان و أهالي تبريز و نرجو من الله تعالى أن يعين الشعب الإيراني ليستطيع قطع طريق الشرف و العزة بسرعة و استقامة، و أن يشمل شهداءنا الأبرار برحمته و مغفرته.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الصف، الآية 8 .
2011/02/16

كلمته في لقائه منتسبي القوة الجوية في الجيش

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء و القادة الخدومون الدؤوبون في القوة الجوية بجيش الجمهورية الإسلامية و الدفاع الجوي. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً و يعينكم لرفع المنزلة السامية للقوة الجوية - التي تحققت و الحمد لله بفضل الكثير من المساعي و الجهود - و كذلك مقر الدفاع الجوي درجاتٍ أعلى يوماً بعد يوم. و اليوم أيضاً نتمنى أن يبقى اجتماعكم العزيز في هذه الحسينية، و الكلمة الجيدة التي ألقاها القائد المحترم، و النشيد العميق و الجميل الذي قدمه شبابنا الأعزاء خاطرة و ذكرى طيبة لكم.يوم التاسع عشر من بهمن الذي ابتدأ و خلد من تحرك شجاع للقوة الجوية في سنة 57 ، يوم له مضمونه و معانيه العميقة. الإخوة الشجعان الذين دخلوا يومذاك ساحة النضال و مارسوا دورهم إلى جانب الجماهير قاموا في الواقع بعملين مهمين: الأول بناء هوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و عرض هوية جديدة و حديثة لم يكن الشعب على معرفة بها حتى ذلك اليوم. في الغالب ينظر الشعب إلى الواجهات و الظواهر بخصوص المنظمات و المؤسسات المختلفة، و الواجهات يومذاك لم تكن واجهات جيدة. في داخل جيش الجمهورية الإسلامية و عمقه كان هناك الكثير من الأفراد المؤمنين المستقلين الأحرار يعيشون بنفس مبادئ و أهداف الشعب الإيراني، و يسعون لنفس المبادئ و الأهداف و القضايا، و لكن كان لا بد من فرص حتى يستطيعوا الإفصاح عن أنفسهم. كانت هناك مثل هذه الإمكانية الهائلة في الجيش. و الناس لم تكن تعرف هذه الإمكانية. خطوة شباب القوة الجوية في ذلك اليوم - و التي شهدتها عن قرب - قدمت هوية جديدة للجيش. و هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. ثم تعززت هذه الهوية في الأعوام اللاحقة أكثر فأكثر سواء في فترة حرب الأعوام الثمانية و الدفاع المقدس، أو بعد ذلك، أو قبل ذلك. و أريد‌ أن أقول لكم إنه في السنوات اللاحقة تألقت هذه الهوية و برزت أكثر.الأمر الثاني الذي تم إثباته و تحقيقه عن طريق هذه الخطوة هو خلق تيار. من خصوصيات الإنسان أن يؤثر في بيئته و محيطه و يخلق التيارات فيه. تحركه إلى الأمام يخلق تحركات أخرى إلى الأمام. و هذا ما حدث يومذاك. لا شك أن هذه الخطوة التي كانت في يوم التاسع عشر من بهمن في مدرسة علوي بشارع إيران بحضور الإمام الخميني كان لها تأثيرها في حادثة الثاني و العشرين من بهمن. في ليالي الحادي و العشرين و الثاني و العشرين من بهمن كنت أسمع و أرى الذين يأتون في الشوارع المفضية إلى مقر الإمام، و يهتفون بأعلى أصواتهم من أجل أن يوقظوا الناس و هم في بيوتهم، كانوا يقولون إن شباب القوة الجوية في خطر، لأنهم تعرضوا للهجوم. و لهذا الأمر معناه العميق. هذه الخطوة أوجدت هذا التيار العظيم، فقد تصاعدت تحركات جديدة و معنويات جديدة.حسناً، هذا نموذج واحد، و هو غيض من فيض، و جانب من جوانب مجتمعنا يدل على وضع عام و كلي في المجتمع. لقد جرى انقاذ البلد بهذه الخطوة. بلد إيران العظيم بهذه السابقة الثقافية و بكل هذه الإمكانيات المادية و المعنوية كان أسيراً. هذه حقيقة مرة جداً في تاريخنا لم تبحث لحد الآن بصورة صحيحة بسبب وجود تعارضات و اختلافات و قضايا متنوعة و تدخل أيدي مختلفة من هنا و هناك. كان البلد أسيراً و ذليلاً و مهاناً من قبل القوى العاتية المتسلطة في العالم. و قد كان بلداً منسياً. إيران الكبيرة، إيران العظيمة، إيران الفخورة بإيمانها الإسلامي العميق لم يكن لها تأثير في بيئتها المحيطة بها لأن كابوس الهيمنة الأجنبية الثقيل المشؤوم كان يثقل عليها. و قد خرق الشعب هذا الحجاب و حطم هذا الكابوس. تحرك الشعب في الثاني و العشرين من بهمن و القضايا التي أدت إلى الثاني و العشرين من بهمن كان مثل هذا التحرك.لقد قلت مراراً و كررت ذلك في يوم الجمعة إن أهم قضية بخصوص ثورتنا اليوم حينما ننظر لهذه الأعوام الإثنين و الثلاثين السابقة هو الثبات و الاستقامة. أي إننا صمدنا على كلامنا. الصمود على المبادئ فخر للشعب و لأي منظومة. المبادئ أمور يجب الصمود و الثبات عليها. ينبغي حراسة القيم و حمايتها. و القيمة الأهم التي كانت لشعبنا و لا تزال و ستبقى إلى الأبد هي الإسلام. فالاستقلال موجود في الإسلام، و الحرية في الإسلام، و التقدم المادي في الإسلام، و الوحدة الوطنية في الإسلام، و ازدهار المواهب في الإسلام.. كل هذه مدرجة و موجودة في الإسلام. و هذا هو السبب الذي جعل الإمام الخميني يؤكد على كلمة الجمهورية الإسلامية. التأكيد على الجمهورية كان بسبب أن الاعتماد هو على الشعب و الجماهير. إذا كان ينبغي للإسلام أن يسود المجتمع، فلم يكن هذا ممكناً من دون الإيمان العام. إذن تواجد الشعب و أصواته و إرادته و تدخله صار نقطة أساسية. لذلك كانت الجمهورية الإسلامية. ينبغي أن نحافظ على هذا الشيء و نحييه و نحافظ عليه، و ينبغي أن تبقى هذه الراية مرفوعة. إذا استطعنا أن نقرّب أنفسنا يوماً بعد يوم من أعماق هذه الكلمة العميقة «الجمهورية الإسلامية» فسوف تتضاعف النجاحات أكثر فأكثر. و هذا ما يحتاج إلى همّة عالية و مضاعفة، و عمل مضاعف، و لحسن الحظ فإن آثار هذه الهمة المضاعفة و العمل المضاعف مما يمكن أن يشاهده المرء في أجهزة البلد و مؤسساته المختلفة. إذا كان هذا فسيكون الشعب الإيراني نموذجياً، و ستكون الجمهورية الإسلامية‌ نموذجاً يحتذى. ليس من الضروري أن تقول الشعوب إن إيران هي نموذجنا - فالقول ليس مهماً سواء قالوا ذلك أم لا - إنما المهم هو أن تهبّ هذه النسائم المنعشة على الأماكن و البيئات الأخرى، و تنبّه الناس هناك و تحركهم. و هذا ما حصل فعلاً. حين ترون حالياً أن هذه التحركات العظيمة تجري في بعض البلدان فإن هذا لم يحصل بصورة دفعية، إنما تراكمت المحفزات و الإرادات و المعارف على امتداد الزمن و برزت في المرحلة المناسبة. و قد كانت البرهة الراهنة وقت بروزها. تراكم هذه المحفزات و تتابع هذه المعارف و الإرادات حصل في الأعوام الماضية، و قد كان لكم أيها الشعب الإيراني و أيها المسؤولون في المؤسسات المسلحة دور كبير في ذلك. ينبغي أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار حتماً.نحن اليوم في وسط الساحة، كما أننا في وسط الطريق. و لا نقول إننا في بداية الطريق، و ربما كنا بمعنى من المعاني و بنظرة طويلة الأمد في بداية الطريق. نحن على الطريق في كل الأحوال. الذي يسير في الطريق لكنه لا يصل إلى الهدف و يعود أدراجه، أو يتوقف وسط الطريق أو ينحرف في مسيره، هذا الشخص لا يختلف كثيراً عن الشخص الذي لا يغادر بيته و لا يسير في الطريق أساساً. فهما كبعضهما في النتيجة حيث لا يصلان إلى المقصد و لا يبلغان المطلوب. و إذن فاستمرار الحركة حالة ضرورية. و هذا ما يعتمد على الهمم و على الإيمان و على المساعي و على تواجد الشباب و مشاركتهم. أنتم الشباب اليوم على رأس الأمور في القوات المسلحة لحسن الحظ. الأعمال و الأمور في أيديكم و الأنظار مركزة عليكم. إذا كان الشاب معتمداً على الله و متكلاً عليه و كان واثقاً من نفسه لاستطاع خلق المعاجز. كل أمور حياتنا و كل الأعمال الكبر‌ى التي تحصل هي معجزات إلهية، لكننا تعودنا عليها فلا نفهم جانب الإعجاز فيها. هذه المعاجز تعتمد على القوة و الهمة و الشجاعة و كفاءة الأفراد. لذا ينبغي متابعة الأمور و الأعمال. لننظر و نرى ما هي الأمور التي تعيق التقدم. يقيناً أن من الأمور التي تزاحم التقدم و تعيقه هو عدم الالتزام و اللامبالاة حيال القيم. ينبغي عدم استبعاد القيم في نظرتنا.و من الأمور التي تعيق التقدم يقيناً هو الاختلاف و التفرقة. التفرقة بين أبناء الشعب، و التفرقة بين المسؤولين، و التفرقة بين القطاعات المختلفة في النظام، و التفرقة بين النظام و الشعب. هذا الانسجام و التلاحم الذي منحته الثورة لنا يجب أن يُحفظ و يُحمى كناموس مقدس. من أهم الأعمال في الحرب الناعمة للأعداء - و قد كان هذا الشيء موجوداً دوماً و هو موجود اليوم أيضاً - هو أن يضعضعوا هذا الاتحاد و يزلزلوه، و هم يعملون في سبيل ذلك، فيبثون الخلافات الطائفية بين الشيعة و السنة، و ينشرون الخلافات القومية بين الفرس و العرب و الترك و الكرد و غيرهم، كما يزرعون الخلافات الإقليمية و النزاعات المؤسساتية و الخلافات الحزبية.يتعيّن مجابهة كل هذا بيقظة و وعي. و هو ما نسميه البصيرة. يجب أن نعلم أين نحن. لنعرف هذا الخندق الذي تتواجدون فيه اليوم. ثمة فرق بين جندي يرابط في خندق حساس، و يعلم كم خندقه حساس، و يدري أهمية ما يقوم به و مكانته، و بين جندي في نفس الخندق لكنه يجهل أهمية الأمر، فيأخذه النوم و يغفل و يترك الخندق، و يتشاجر في الخندق مع رفاقه. لنعلم مدى حساسية موقع الشعب الإيراني.لقد استيقظ الشرق الأوسط اليوم. لقد استيقظ العالم الإسلامي. سنوات هيمنة المقتدرين البعيدين عن هذه المنطقة - هجموا بسبب وجود مصادر هائلة في هذه المنطقة، و جربوا فترات الاستعمار و الاستعمار الحديث و الاستعمار ما بعد الحديث - آخذة على الانتهاء. هذا واقع. ذات يوم كانت القوتان الكبريان التان كانتا آنذاك - أي أمريكا و الاتحاد السوفيتي - تهيمنان على كل الشؤون السياسية في هذه المنطقة. جزء يعود إلى اليسار و جزء إلى اليمين. كان بينهما خلافات و صراعات، و كانا يتوافقان بعض الأحيان، و فجأة نرى أنهما باعا مصراً! كما باعاها في فترة ما، و الواقع أنها كانت حرباً بين معسكرين. ثم جلسا في المستويات العليا و تفاوضا، و سحقت الشعوب و رؤساؤها و مصالحها بالكامل. و ليس الأمر كذلك اليوم. الشعوب اليوم ترى حالة الأفول التدريجي للقوى الكبرى. و الرائدة على هذا الصعيد هي إيران الإسلامية برصيدها الثقافي الهائل و الإمكانيات الموجودة في هذا البلد. و الكلام هنا عن إيران المعتمدة على الإسلام.. الإسلام الممتزج بروح هذا الشعب و نفسه و فكره. ينبغي المحافظة على هذا الشيء، فهو قيم جداً. و لكل قطاع دوره. للجيش دوره الخاص به. و في أوساط الجيش للقوة الجوية دورها الخاص.رويت مراراً هذا الحديث المروي عن الرسول الأكرم (ص): «رحم الله امرأ عمل عملاً فأتقنه». التقرير الذي رفع لي عن القوة الجوية، و التقارير تصل، و قد عرض قائد القوة الجوية المحترم اليوم جوانب منها، هذه التقارير جيدة، لكني أريد القول لكم بأن لا تكتفوا بهذا. قضية صناعة قطع الغيار، و القطع الشبيهة، و الإنتاج، و التدريبات المتنوعة هذه أمور جيدة و قيمة، و التنظيم حالة قيمة جداً سواء في القوة الجوية أو في المضادات الجوية، و لكن لا تكتفوا بهذا، و انظروا أين هي النواقص. إذا نظر الرياضي فقط إلى عضلاته المفتولة التي ربّاها بالرياضة و لم ينظر للجوانب الضعيفة و المنسية فسوف يهزم في الظرف الحساس. لاحظوا أين هي نقاط الضعف و الإشكالات و ارفعوها. كلّ في قطاعه و القسم الخاص به. استكملوا هذه النواقص يوماً بعد يوم. و الاستكمال لا نهاية له. كلما تقدمنا إلى الأمام بقي أمامنا مجال لمزيد من التقدم و الكمال.و قد قلت مراراً للأصدقاء الأعزاء قادة القوى و سائر قادة القوات المسلحة إن هناك نواقص و قيود في القطاعات المختلفة - ثمة حظر و قيود مالية و عقبات و أمور متنوعة - فتجاوزوا هذه العقبات. أفضل الناس و أذكاهم هم الذين يفحصون و يقيمون الظروف القائمة ثم ينظرون ما هي قدراتهم و إمكانياتهم للعمل في مثل هذه الظروف، فيستخدمون قدراتهم و إمكانياتهم على ضوئها. و إلا إذا نظر الإنسان و قال هذا غير ممكن و هذا الشيء لا نملكه و... عندئذ سينتهي كل شيء! هذا غير صحيح. النواقص يجب أن لا تعيقنا، إنما يجب أن تجعلنا نراجع أنفسنا أكثر و نكتشف إمكانياتنا الجديدة. مثلاً قبل عقدين من الزمن من كان يخمّن في القوة الجوية أنها ستستطيع توفير و إنتاج كل هذه الإمكانيات و الأشياء؟ و كذا الحال في القطاعات الأخرى. في قطاع الفضاء، و في قطاع الطب، و في قطاع الأدوية، و في شتى القطاعات العلمية و التقنية من كان يتصور قبل عقدين أو ثلاثة أن بالإمكان القيام بهذه الأعمال؟ لكن شبابنا أبدوا هممهم و أمكنت هذه الأشياء. تم إنجاز أعمال يعترف بها حتى أعداؤنا. و هم طبعاً يواصلون عداءهم. يجعلون هذا وسيلة لسياسات محاربة إيران و التخويف من إيران و التخويف من الإسلام و معاداة الإسلام، لكنها يعترفون بوجود هذه الأشياء.أريد أن أقول لكم لا تتراجعوا أبداً لوجود نواقص في القطاعات و المجالات المختلفة. توجهوا نحو الاستفادة‌ من الإمكانيات المتاحة الجديدة لديكم و في مواهبكم و في أذهانكم و أدمغتكم و في أيديكم الماهرة، و تلافوا هذه النواقص بطرق أخرى. هذا شيء ممكن عملياً.لقد عانينا في بعض القطاعات الصناعية من الحظر. و تصور الذين فرضوا الحظر علينا أن هذه القطاعات سوف تموت، و لكن كان العكس. أدى الحظر إلى أن يفكر شبابنا بإنتاج ما لا يريد العدو إيصاله إلينا، فانتجوه، و في بعض الحالات أنتجوا ما هو أفضل من المستورد و أقل كلفة و أخف و أكثر كفاءة و فاعلية. تحركوا في القوة الجوية بهذه الطريقة. و هذا يشمل القادة المحترمين، و المسؤولين المحترمين في القطاعات المختلفة، و منظومة الكادر، و خصوصاً أنتم، و بالأخص الشباب.نسأل الله تعالى أن يوفقكم. نتمنى أن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - الذي بدأ هذه المسيرة و أخذ بأيدينا إليها و دلنا على هذا الطريق - و الأرواح الطاهرة للشهداء‌ الأعزاء الذين بذلوها في هذا السبيل، و القوة الجوية تفخر بأن فيها مثل هؤلاء الشهداء الكبار، نتمنى أن تكون أرواحهم مسرورة و راضية عنا جميعاً، و أن تشملنا أدعية‌ إمامنا الحجة المنتظر المهدي.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2011/02/08

کلمته في لقائه بالمسؤولین عن مؤتمر آیة الله السید شهاب الدین المرعشي

بسم الله الرحمن الرحیم إن ما يُنجز من عمل هو في محلّه تماماً بتكريم هذه الشخصية متعدّدة الأبعاد. يختلف المرحوم آیة الله المرعشي عن غیره من المرجعیات المتعارفة و التقلیدیة ببعض الوجوه. واحدة من تلك الوجوه مسألة الاستئناس بالکتاب و الخبرة به و التضلع بمعرفة نسخه. و هذا نادراً ما شاهدنا نظیراً له. طبعاً كان لبعض العلماء العظام و المراجع الکبار مکتبات قدیمة و جیدة في النجف و قم، إلّا أن الاستئناس بالکتاب و معرفة النسخ الخطیة و معرفة المؤلفین واحدة من امتیازات المرحوم آیة الله المرعشي النجفي، فقد كان یتوافر على هذا الفن العظیم إلى جانب سائر مفاخره.لعل إحدى أسباب علاقته مع بعض المبرّزین و المعروفین من الجامعیین هي مکاتباته، لأن مسألة الکتاب و نسخه و المؤلفین و جمع الکتب و الخبرة بها کانت لها أهمیة في حیاته. الأمر الآخر الذي یتمیّز به هو الموسوعیة في المعلومات، و من ذلک مسألة المعرفة بالأنساب و الأمور ذات العلاقة بها، و هي لیست بالأمر الهیّن، بل هو شیء مهم. لقد کان مطلعاً علیها، و قد حقق و طالع في هذا المیدان کثیراً. مضافاً إلی أمر آخر يتمثل في نشاطه الکبیر في معرفة إجازات الروایة و ربط سلسلة رواة الشیعة من جهة إجازتهم للروایة عن بعضهم البعض.ثم و کما أشیر سابقاً کان علی علاقة بعلماء معروفین في العالم الإسلامي من أجل أخذ و إعطاء إجازة الروایة منهم و عنهم، فکان یتبادل الإجازات معهم، و هذه من الملاحظات المهمة التي یحسن فهمها و التعریف بها في شخصیته. الخصوصية الأخرى في المرحوم المرعشي النجفي علاقته الوثیقة بالناس في قم، فلقد کان مرجعاً جماهیریاً، و ذا صلات بالناس، و کان یحبّهم، و کانوا يتردّدون عليه، و کان بسیطاً في علاقته معهم، و لقد کانت علاقته بالقمّیین قویّة إلی درجة أن کثیراً منهم کانوا یتصوّرونه من أهل قم، و لم یسمع أحد السید المرعشي و هو یتکلم الترکیة مع أنه من أهالي تبریز.کان قریباً جداً من الناس، إلی درجة أنه قد یحصل في بعض الأحیان أن بعض الطلاب الأتراك یذهبون إلیه و یتکلموا معه بالترکیة، فکان یجیبهم بالفارسیة. إن التواصل مع الناس کانت خصوصية بارزة في شخصیته، کان مع الناس یعایشهم بیُسر، و هذه لیاقات جيدة جداً. أما بالنسبة للإمام الخمیني و الثورة الإسلامیة فکان مواکباً لهما منذ البدایة، و لذا فإن إحدى البيوتات التي کان للمرحوم الحاج السید مصطفی الخمیني ارتباط قوي بها بعد سجن الإمام الخميني، و كان يتردّد علیها هو منزل المرحوم السید المرعشي. إن شبابنا و کثیراً من الناس مطلعون بحق علی الخصال الأخلاقیة و طباع و سلوکیات هؤلاء الأکابر، و بمعرفتهم لها سوف تمتلئ قلوبهم محبّة لهم، لذلك من الضروري جداً حصول مثل هذه المعرفة. علی أي حال أنا سعید بما تؤدّونه من عمل ــ انعقاد المؤتمر ــ و أتقدم بشکري للجمیع. و هذه المکتبة التي خلفها المرحوم المرعشي کذکری عنه لهي تراث قيّم حقاً. مکتبات الشخصیات الکبرى هذه، و التي أشرت إلیها، تعرّض قسم کبیر منها للتلف و الاضمحلال. علی سبیل المثال مکتبة المرحوم الشیخ علي کاشف الغطاء في النجف كانت من المکتبات المهمة و المعتبرة جداً، و لا بأس بمتابعة هذة المسألة، فمکتبة المرحوم الشیخ علي کاشف الغطاء والد الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء المعروف، لا یُعلم ماذا حصل لها و أین هي الآن.کانت هناك الكثير من المكتبات في النجف، و كذلك في قم، ففي قم کان للمرحوم صفائي مکتبة جیدة. و کان للمرحوم السید کلباسي مکتبة جیدة أیضاً. فلم نسمح بعد وفاة هؤلاء المبرّزين بتفرق مكتباتهم و تقسيمها بین الورثة ووقوعها في أيادي الآخرين، بل اشتريناها كلها منهم و نقلناها إلى الروضة المطهرة، و علی هذا الأساس حفظت بعض هذه المکتبات و لله الحمد. لکن الإنسان لا یری نظيراً لمکتبة السيد المرعشي في عظمتها و رونقها و ضخامتها.من بین المکتبات الشخصیة، و التي كانت ملكاً لأشخاص معينين و جمعت بأموال شخصية، کانت مکتبة المرحوم المرعشي النجفي الوحيدة الدالة - و الحمد الله - على أهمية و عظمة تراثنا المكتوب. و نتمنى أن تزدهر هذة المکتبة أکثر فأکثر یوماً بعد يوم إن شاء الله تعالى. إن عنایات و ألطاف الإمام الخمیني و تسديده لهذة المکتبة کان بحق - و حسب رؤیتي - هو الذي حفظها و ساعد الورثة المحترمین علی تنظیمها. نتمنى أن یکون مؤتمرکم هذا مؤتمراً جیداً إن شاء الله، و ذا تأثیر مستدام. رجائي هو التركيز جيداً على جوهر المؤتمر، فالظواهر لیست بذات أهمیة، المهم هو تحصيل العمق العلمي و المعرفي من هذة المؤتمرات.
2011/02/07

الخطبة العربیة في صلاة‌ الجمعة +‌الصوت و الفیدیو

یا أبناء الكنانة، إن الأبواق الإعلامیة‌ للعدو سوف ترفع عقیرتها كما فعلت من قبل بالقول إن إیران ترید أن تتدخل، ترید أن تنشر التشیع في مصر، ترید أن تصدّر ولایة‌ الفقیه إلى مصر، و ترید و ترید... هذه أكاذیب ملأت آذاننا خلال ثلاثین عاماً الهدف منها أن یفرّقوا بین الشعوب بعضها من مساعدة بعض، و رددها أیضاً المأجورون
2011/02/04

خطبتا صلاة‌ الجمعة بطهران

یا أبناء الكنانة، إن الأبواق الإعلامیة‌ للعدو سوف ترفع عقیرتها كما فعلت من قبل بالقول إن إیران ترید أن تتدخل، ترید أن تنشر التشیع في مصر، ترید أن تصدّر ولایة‌ الفقیه إلى مصر، و ترید و ترید... هذه أكاذیب ملأت آذاننا خلال ثلاثین عاماً الهدف منها أن یفرّقوا بین الشعوب بعضها من مساعدة بعض، و رددها أیضاً المأجورون
2011/02/04

کلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي قم

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، و أشكركم فرداً فرداً على طيّكم هذا الطريق، و حضوركم في هذه الحسينية، و نشركم فيها أجواء‌ الصميمية و علامات الإخلاص و المحبة المعهودة‌ دوماً عن الإخوة و الأخوات من أهالي قم.أشكر الله و أنا مسرور على أن هذا اللقاء‌ يقام بعد مدة قصيرة من زيارتي لقم، حيث أبدى أهالي قم الأعزاء و شباب قم و رجالها و نسائها في تلك الزيارة علامات الالتزام و الوفاء للإسلام و الدين و النظام الإسلامي، و أظهروا علامات البصيرة إلى درجة أن أعداء الشعب الإيراني أيضاً لم يستطيعوا التزام الصمت إزاء ذلك و اعترفوا به.يمكن دائماً معرفة أهمية‌ الأعمال و الممارسات عن طريق ردود أفعال الأعداء. هذا من طرق معرفة أهمية الأمور و الخطوات و الموضوعات. لو افترضنا أن شخصاً أصابكم ببدنه قليلاً و أنتم تمشون في الشارع، فقد لا يصدر عنكم رد فعل، لكنه إذا اعتدى عليكم و هاجمكم بقبضته و يده و حرابه فسوف تصدر عنكم ردود أفعال و تحرك، و هذا دليل حدوث شيء ضدكم. و هذا الشيء في الحالة‌ الأولى شيء بسيط لا يجدر بالاهتمام، لكنه في الحالة‌ الثانية أمر مهم، و بالتالي فردود الأفعال بوسعها إجلاء عظمة الأمور أو عدم أهميتها.يرى الإنسان هذه القاعدة سارية جارية في كل شؤون الثورة و أمورها سواء‌ الأمور الكبيرة أو الصغيرة و سواء الأحداث اليومية أو الأمور العامة المستمرة. ردود الأفعال التي صدرت في عالم الكفر و الاستكبار حيال الثورة و حيال تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية مؤشر على عظمة الأمر.حينما بادرت الأجهزة و الأنظمة التي تتوفر على القوة و القدرة‌ في العالم، و تمتلك المال و السلاح و الإعلام، و تسيطر على وسائل الإعلام، حينما بادرت بشكل متلاحم و واحد و منذ اليوم الأول لتأسيس الجمهورية الإسلامية إلى اتخاذ خطوات و ممارسات متنوعة ضد هذا النظام، فهذا دليل على أن الحدث الذي وقع يحظى بأهمية عظيمة لا تطاق بالنسبة لزعماء الظلم و الاستكبار في العالم. و هذا هو الواقع، فالإسلام دين العدل و الإنسانية و مجابهة الإجحاف و اللاعدالة و الظلم و غمط الحقوق. حسناً، الذين يستولي غمط الحقوق و الظلم على كل كيانهم، و يعتبر قمع البشر و عواطفهم و وجودهم مبرر ظهورهم الأساسي، سوف يرتعبون بلا شك من تواجد الإسلام في الساحة و يعمدون إلى مجابهته. و هذا هو السبب في مجابهتهم للجمهورية الإسلامية. طبعاً هم يختلقون الذرائع، في كل فترة من الفترات يختلقون ذريعة معينة، لكن حقيقة الأمر هي تلك.عرض الإسلام و الجمهورية الإسلامية طريقاً جديداً على البشرية، و قدم للشعوب حركة‌ غير مسبوقة، و أثبت أن شعباً مع أنه لا يمتلك أسلحة تذكر و لا إمكانيات مادية تذكر بوسعه المقاومة أمام أعتى و أشرس الحكومات في العالم و عدم الخضوع لها و مواصلة‌ مسيرته و رفع راية العدل و الإنصاف و الإنسانية. هذا شيء جديد في العصر الحديث. هذا ما بدأتموه أنتم.. و كذا الحال بالنسبة لشتى قضايا الثورة.و بخصوصكم أنتم تحديداً يا أهالي قم ثمة‌ حساسية شديدة جداً يبديها أعداء البلد و الثورة، فهم مستاؤون و سلبيون جداً من قم و القميين و الحوزة العلمية و شباب قم و معنويات أهالي قم، لماذا؟ لأنهم تلقوا صفعة من قم. الاستكبار و الجبهة المعادية للإسلام و الشعب الإيراني تلقت صفعة من قم. من الحالات و المصاديق التي تلقوا فيها الصفعة من قم هو يوم التاسع عشر من دي حيث شعر أهالي قم بالواجب و التكليف أسرع من الآخرين، و عرفوا الأوضاع و أدركوها و شعروا بالمسؤولية و نزلوا إلى‌الساحة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. معرفة الأوضاع أمر مهم يحتاج إلى بصيرة و كذلك الشعور بالواجب و التكليف. لا بد من روح الالتزام و الإيمان لكي يشعر الإنسان بالتكليف و الواجب. البعض يرون الأحداث العظيمة المزلزلة و يرون مخططات الأعداء لكنهم لا يشعرون بالواجب و لا يتحركون. و البعض يرون أن العدو يصطف، و حين يصطف العدو فلا بد لنا بدورنا أن نشعر بالواجب في مقابله فهذا من لوازم الالتزام و الإيمان، لكن البعض لا ليس لديهم مثل هذا الشعور. طبعاً كانت مثل هذه الروح متوفرة لدى الشعب الإيراني العزيز و تعززت و تجذرت بالنهضة‌ و الحركة الإسلامية، و عبّرت عن نفسها في الثورة. لكن الأماكن كانت مختلفة. كان أهالي قم في الطليعة. و قد شعروا بالواجب في التاسع عشر من شهر دي و نزلوا إلى الساحة. و الساحة لم تكن ساحة سهلة بل كانت ساحة صعبة و ساحة مواجهة للرصاص و القمع العنيف الذي تمارسه أجهزة النظام الطاغوتي البوليسية و الأمنية حيث لا يرحمون أحداً. لكن القميين نزلوا مع ذلك إلى الساحة.هذه البصيرة‌ و هذا الشعور بالواجب و هذا النزول إلى الساحة كان صفعة قوية للأعداء، و قد جاء التجاوب فجأة من تبريز، ثم من يزد ثم من المدن الأخرى، و هكذا ظهرت هذه الحركة الهائلة التي كان إمامنا الجليل قد مهّد أرضياتها منذ سنوات. كانت هذه صفعة. و حينما يتلقى العدو صفعة فسوف يحقد و يجابه. و إذا أردنا تقييم أنفسنا و محاسبتها فحينما يزداد تكشير العدو عن أنيابه أمامنا يجب أن نعلم أن قدراتنا كبيرة و بوسعنا توجيه ضربة لهذا العدو.هذا التحرك الذي أبداه أهالي قم الأعزاء عند زيارتي - أنا العبد الضعيف - و أبدته الحوزة العلمية و العلماء و الشباب كان صفعة موجعة للعدو الذي بدت عليه الهشاشة مقابل هذا الاقتدار و هذه البصيرة و هذا التواجد الجماهيري الشامل. لقد كان هذا درساً لشعبنا الإيراني.حيثما استطعنا أن نفهم الأمور و نشخصها بنحو صحيح - و هذه هي البصيرة - و نشعر تبعاً لذلك بالواجب و الالتزام و المسؤولية و ننزل إلى الساحة كانت الغلبة‌ لنا.. «فإذا دخلتموه فإنكم الغالبون» (1). عندما تدخلون الساحة بإيمان و بصيرة تكون الغلبة‌ و النصر لكم، لماذا؟ لأن الطرف الذي يواجهكم لا إيمان له و لا دين و لا محفزات معنوية عميقة، و عناصره الميدانيون مرتزقة و مخدوعون، و المخططون و المحرضون أنفسهم لا إيمان لهم. عندما تدخلون الساحة بإيمان فإنكم الغالبون. هذه تجربة بالنسبة للشعب الإيراني.استطاع الشعب الإيراني على مدى إحدى و ثلاثين أو اثنتين و ثلاثين سنة إنجاز أعمال كبيرة على أساس هذه التجربة. استطاع الارتفاع بمستواه وفق المعايير المادية - هذا التقدم العلمي و التقني و العمل الدؤوب و المستمر في كل أنحاء البلد كلها علامات تقدم مادي - و كذلك استطاع الارتقاء‌ إلى مستوى عالٍ من الناحية‌ المعنوية. لقد شاهدنا الآيات الإلهية و علامات العون الإلهي. كنا في السابق نقرأ عن العون الإلهي و إمدادات يد القدرة‌ الإلهية في الكتب فقط، و اليوم نشعر بها في الساحة و نلمسها كما لمسها إمامنا الجليل و قال ذلك لي. كان قلبه قوياً لأنه يرى يد القدرة الإلهية.لقد لمس الشعب الإيراني المعونات الإلهية و شعر بها في الميادين المختلفة. حينما يكون الشعب الإيراني في الساحة و مستعداً للجهاد فسوف يشعر بذلك في الحرب المفروضة بشكل، و في الأمور المختلفة بشكل، و في التحركات السياسية بشكل، و في الفتن بشكل. في فتنة عام 88 كانت هناك يد القدرة‌ الإلهية حيث تيقظ الناس و نزلوا إلى الساحة و أحبطوا تحركاً خطيراً.لا يزال المجال كبيراً جداً لتحليل و شرح و إيضاح زوايا و أبعاد هذه الفتنة التي خطط لها العدو. كان الأعداء قد أعدّوا حسابات دقيقة جداً لكن حساباتهم كانت خاطئة فهم لم يعرفوا الشعب الإيراني بعد. كان العدو قد شاهد كل الأشياء وراء الكواليس. هؤلاء‌ الذين تسمونهم رؤوس الفتنة كانوا أشخاصاً دفعهم العدو إلى وسط الساحة. و قد ارتكبوا ذنباً بالطبع. يجب أن لا يكون الإنسان ألعوبة بيد الأعداء، بل عليه إدراك القضية و استيعابها فوراً. و إذا أصابته الغفلة في بداية المطاف و أدرك حقيقة الأمر بعد ذلك فيجب عليه تغيير مساره فوراً. لكنهم لم يفعلوا ذلك. العامل الأصلي كان آخرون خططوا للأمر و حسبوا حساباتهم كما يتصورون. توهموا أن الجمهورية الإسلامية ستسقط، و لن تبقى لا حقيقة الدين و لا حتى الشعارات الدينية. هذه كانت خطتهم. كان تخطيطهم أنهم إذا استطاعوا فسوف يرتبون وضع الحكومة‌ كما يحلو لهم، و كان واضحاً ماذا سيكون طريقهم بعد ذلك و ماذا سوف يفعلون . و إذا لم تترتب أوضاع الحكومة‌ و الدولة حسب ما يشتهون و لم يتيسر ذلك لهم فيشيعون الاضطرابات في البلد. و أرادوا حسب أوهامهم - و قد ذكرت هذا في حين - أن يختلقوا نموذجاً كاريكاتيراً للثورة الإسلامية - كالظلال التي تقلد حركات البطل و تتظاهر بأدائه - و يقلدوا إداء‌ الثورة. هذا كان مخططهم . لكن الشعب الإيراني صفعهم على أفواههم و قضى على مخططهم.الثورة‌ اليوم و الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني و الخط الديني الصحيح في البلاد أقوى و أوضح بكثير مما كان عليه قبل أحداث العام الماضي، و السبب هو أن الله تعالى كلما امتحن أعطى درجات. حينما ينجح الشخص أو الجماعة أو الشعب في الامتحان فسوف يعطيهم الله درجات، و درجاتهم هي أن يرفعهم. هكذا هي الامتحانات الإلهية. كما لو أسأنا التصرف في الامتحان و خسرنا الامتحان و منحنا الله درجة‌ رسوب و سقوط، و ذلك السقوط عبارة عن الهبوط و الانحطاط و أن يسوء وضع الإنسان أكثر مما كان عليه، كذلك لو نجحت الشعوب في الامتحانات فإن الله يرفعها.في فترة من الفترات رسب الناس في أحد الامتحانات، و ضرجوا الإمام أمير المؤمنين بدمائه في محراب العبادة. كان امتحاناً ذا نتائج سيئة. لماذا يصل وضع المجتمع إلى حيث يتضرج مظهر العدالة و المعنوية‌ و التوحيد بالدماء‌ على يد أشقى الناس؟ كان ذلك مؤشر امتحان سيئ خاضه الناس. حينما دخلوا هذا الامتحان سقطوا، لذلك خفضهم الله و أسقطهم و وصل بهم الأمر إلى أن يُقتل الإمام الحسين بن علي أمام أعينهم!حينما تنجحون في الامتحان يرفعكم الله. خط الإسلام اليوم و خط الإيمان بالله و خط الثورة في البلاد و بين الشعب أقوى و أعمق و أرفع بكثير مما كان عليه قبل الفتنة. لماذا؟ لأن الشعب نجح في الامتحان و هذه درجة إلهية. صار هذا بالنسبة لنا أمراً و دستوراً نعمل به. ينبغي العمل على هذه الشاكلة‌ في جميع القضايا. يجب النظر بصورة صحيحة و التقييم بصورة صحيحة و حساب الأمور بصورة صحيحة. و علينا الحذر من أن نخطأ في حساباتنا، و لا نخلط القضايا الأصلية بالقضايا الفرعية، فلا نرى الأحداث و الأمور الكبرى و المهمة صغيرة، و في المقابل لا نرى الأحداث الصغيرة كبيرة. يجب التشخيص بصورة صحيحة. هذه هي الخطوة الأولى و من ثم يجب الشعور بالمسؤولية. هذه هي الحياة الطيبة للشعب الحي. الحياة الطيبة التي وعد الله بها المؤمنين «و لنحيينه حياة طيبة» (2) معناها هذا.. معناها التقدم و النجاح يوماً بعد يوم في الامتحانات المختلفة. الذين يقضون نحبهم في هذا الطريق يحظون بلقاء الله و مراتب السعادة العليا، و الذين يبقون على قيد الحياة يتقدمون معنوياً و مادياً باستمرار، فهناك التقدم المادي أيضاً.بدأ الشعب الإيراني طريقاً و انتصر في امتحانات عديدة. كان امتحان الحرب المفروضة امتحاناً كبيراً. و قد انتصر الشعب في هذا الامتحان. و لم يكن هناك الانتصار في الحرب فقط بل كان هناك أيضاً و الأهم من الانتصار الأول الانتصار في المعايير المعنوية و الإلهية. ذلك أن الشعب أبدى صبره و إيثاره و بصيرته و تضحياته و استعداده للتحرك في سبيل الله. و قد أخذ الله تعالى بيد هذا الشعب نحو الرقي و الرفعة لحد اليوم. و كذا سيكون الحال بعد اليوم أيضاً. الأعداء الذين يبرزون لشعب إيران لا يفهمون هذه الحقائق و لا يدركونها.الشعب الإيراني اليوم مقتدر في سياساته الداخلية و في سياساته الخارجية و في تأثيره على المنطقة و على القضايا العالمية‌ المهمة. هذه حقائق.. و العدو يريد أن يسلك كل هذه الطرق ليشتبك مع شعب إيران و يختلق له العراقيل و العقبات، و سوف لن يستطيع بطبيعة الحال. العدو يروم خلق المشكلات للشعب على الصعيد الاقتصادي و إيجاد المتاعب للمسؤولين - هذا الحظر و الكلام الذي تسمعون به - لكنهم لم يستطيعوا. و على صعيد الشؤون الخارجية يحاولون إخافة البلدان و الحكومات و الدول و الشعوب من إيران. كل هذا الحجم الهائل من الإعلام الذي يجترحه الأمريكان و الصهاينة و الأوربيون التابعون لهم - و تتبعهم بعض الحكومات التافهة المسكينة - فيما يتعلق بحقوق الإنسان و بالطاقة النووية و بالقنبلة النووية الوهمية، كله من أجل تخريب ذهنية العالم و ذهنية المنطقة بخصوص إيران، لكنهم لم يستطيعوا ذلك. و السبب في أنهم لم يستطيعوا هو أن أمريكا هزمت حالياً في منطقتنا في ما يتصل بشؤون فلسطين و شؤون لبنان و قضايا أفغانستان و قضايا العراق. من هو الذي هزم أمريكا؟ هزمتهم سياسة الشعوب الصحيحة. إنهم يقولون إن إيران هي طرفنا المقابل في مختلف قضايا المنطقة. و طرفهم ليس إيران. تأثير الجمهورية الإسلامية‌ تأثير معنوي. نعم، اقتدار الجمهورية الإسلامية يوقظ الشعوب. لا شك في هذا. و ستكون النتيجة أن تتولى السلطة في العراق حكومة يبذل الأمريكان كل سعيهم لكي لا تتولى السلطة، لكنها تتولى السلطة بسبب هذه اليقظة‌ الجماهيرية. هكذا هو تأثير الجمهورية‌ الإسلامية. و كذا الحال في أماكن أخرى.سوف نستمر في هذا الطريق. لقد عرفنا القمم و نعلم إلى إين نروم المسير.. «لتكونوا شهداء‌ على الناس» (3). هذا درب يجب أن يوصل شعبنا إلى الإسلام الأصيل الكامل، و في هذا خير الدنيا و الآخرة. الحياة الطيبة‌ في الدنيا و الآخرة‌ تكمن في الإسلام الكامل. و لا نزال بعدُ في بدايات الطريق. و لدينا الكثير من النواقص. و لا تزال هناك مسافات كبيرة‌ تفصلنا عن الإسلام الكامل. هذا هو طريقنا. و قد عرفنا هذه القمم. و قد دلنا الله تعالى و الحمد له على الطريق، و عزيمة الشعب و المسؤولين في البلاد و إرادتهم للمسير في هذا الطريق عزيمة‌ و إرادة جيدة.. إنها عزيمة قوية و إرادة صلبة.طبعاً يجب أن نكون متيقظين. الجميع يجب أن يكونوا متيقظين. لا نريد أن نضع وسائد ناعمة‌ تحت رؤوسنا و يجب أن لا نفعل ذلك أو نهدهد أنفسنا و نقول دوماً إن العدو قد هزم و إنه ضعيف و إننا أقوياء. هذا الكلام يجب أن لا يدفعنا إلى النوم بل يجب أن نكون واعين صاحين، و كما قال الإمام أمير المؤمنين «و إن أخا الحرب الأرق و من نام لم يُنم عنه» (4). حينما يكون لكم صراعكم يجب أن تكونوا واعين يقظين، فالصراع ليس بيدي أو بأيديكم. العدو يريد هذا الصراع، سواء كان صراعاً سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً. و ليس الصراع كله صراعاً عسكرياً. حينما يكون ثمة‌ صراع يجب التيقظ. يجب على الشباب أن يكونوا يقظين صاحين، و رجال الدين يجب أن يكونوا صاحين، و الجامعات ينبغي أن تكون واعية يقظة، و مسؤولو البلاد ينبغي أن يتحلوا باليقظة، و يقظة المسؤولين في أن عليهم تقديم الخدمة‌ للجماهير ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً و الانهماك في العمل الدؤوب و الحفاظ على هذا التلاحم - الذين هو كالشوكة في عيون الأعداء - ما استطاعوا.وفقكم الله و أيّدكم.. اللهم بمحمد و آل محمد أفض من معين لطف على هذا الشعب العزيز. ربنا ثبت أقدامنا على هذا الدرب. ربنا احشر أرواح الشهداء‌ الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل مع أوليائك.و السلام عليكم و رحمة الله..الهوامش:1 - سورة المائدة، الآية 23 .2 - سورة النحل، الآية 97 .3 - سورة البقرة، الآية 143 .4 - نهج البلاغة، الكتاب 62 .
2011/01/09

كلمة‌ الإمام الخامنئي في حشود أهالي گيلان

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الشرائح المختلفة من أهالي گيلان الأعزاء الأودّاء. أرحب بكم جميعاً خصوصاً بعوائل الشهداء و المقاتلين المحترمة و الشباب الأطهار.بذلتم همّة و حضرتم بجمعكم الكبير المتراكم هذا من گيلان و من مدينة رشت إلى هذه الجلسة. لقد شهدنا الهمّة‌ من أهالي گيلان في مناسبات عديدة‌ على مرّ التاريخ، سواء‌ التاريخ الماضي و البعيد أو التاريخ المعاصر. أعتقد أن أعظم ما قام به أهالي گيلان هو أنهم على الرغم من الدعايات الكلامية‌ و العملية للنظام الطاغوتي الرامية‌ لتبديد و إفساد عقيدة الناس في تلك المنطقة على امتداد سنوات طويلة، فقد بلغ أهالي تلك المنطقة بالإيمان و الإخلاص و التواجد في الساحة و الجهاد درجة‌ أضحوا معها من المحافظات المميزة في البلاد، هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. الأجهزة الضارة و المفسدة لنظام الطاغوت حاولت بكل عناصرها جرّ الناس إلى الفساد و إفساد الأجواء‌ لكن الناس حافظوا على دينهم و إيمانهم و عقيدتهم و عزيمتهم و عرضوها في مواطن الضرورة. من جهة كانت هناك أجهزة الطاغوت، و من جهة كانت هناك عناصر و عملاء الزمر الملحدة و المعادية للدين.في بدايات الثورة زرت مدينة‌ رشت و دار بي الشهيد عضدي حول الساحة الكبيرة‌ في المدينة. كانت الزمر المتنوعة‌ قد ملأت الأجواء‌ بلوحاتها و شعاراتها و سيطرت على الجامعة و تصوروا أن گيلان لهم. لكن أهالي گيلان المؤمنين.. هؤلاء الشباب المؤمنين الثوريين نزلوا إلى الساحة من دون أية‌ مساعدة من أية أجهزة أو مؤسسات و رفعوا راية‌ الإسلام و التوحيد و الثورة هناك، و طردوا كل تلك الزمر من الساحة. هذا هو إيمان الناس.صحيح أن رمز شجاعة أهالي گيلان و جهادهم هو الشهيد الجليل الميرزا كوچك جنگلي الذي ثار خلال فترة‌ غربة من أجل الإسلام و القرآن و إقامة الدين و مجابهة الأجانب و المعتدين، و ذكراه يجب أن لا تنسى أبداً، و لكن خلال فترة الثورة‌ الإسلامية لم يكونوا قلائل أولئك الذين استطاعوا تقديم رموز و نماذج متنوعة في مختلف المجالات في گيلان. لواء القدس من گيلان و التعبويون من گيلان و هؤلاء الشباب المؤمن و الطلبة و المفكرون من گيلان و الجامعيون الگيلانيون و العلماء الأجلاء مارسوا خلال العهود المختلفة أدواراً مميزة، و لهذه الحالة مؤشراتها و خطوطها المتعددة، و إذا أراد الإنسان فهرسة‌ هذه المؤشرات - سواء‌ تلك التي كانت خلال فترة الدفاع المقدس أو في فترة مجابهة أعداء‌ الثورة أو في فترة‌ ما بعد الحرب - لكان الفهرس طويلاً. و لكن هناك مؤشر و علامة‌ واضحة و بارزة في قضية التاسع من دي حيث نزل الشعب الإيراني ككتلة واحدة‌ و بصورة‌ تلقائية‌ عفوية إلى الساحة، و كان أهالي رشت من المدن القليلة في البلاد التي نزل أهاليها إلى الساحة قبل يوم من ذلك التاريخ. في يوم الثامن من دي - و الذي يصادف مثل هذا اليوم - أبدى أهالي گيلان هذا الوعي و هذه البصيرة و هذه العزيمة‌ و هذا الشعور بالحاجة للتواجد في الساحة قبل الآخرين. هذا ما ينبغي الحفاظ عليه. الأرصدة الرئيسية للشعب هي هذه الأمور الدالة‌ على البصيرة و العزيمة و اليقظة و الوعي. هذا ما ينبغي الحفاظ عليه.لاحظوا يا إخوتي و أخواتي و يا أعزائي، تعرض شعبنا للضغوط سنين طوالاً من ناحية على يد الحكام الفاسدين الذين تسلطوا على البلاد، و من ناحية‌ أخرى على يد القوى المستكبرة التي تروم الهيمنة‌ على العالم، و فرضوا علينا التأخر. إننا من حيث التراث التاريخي و العلمي لسنا شعباً نقف في آخر الجدول إذا عدّ العلماء و المفكرون و المفاخر و الإبداعات العلمية، بل يجب أن نكون في أول الجدول. هذه هي سوابقنا و هذه هي مواهبنا. الذين تسببوا في تأخر إيران الكبيرة المتحضرة المتحلية بالروح الإسلامية في ساحات العلم و التقدم المادي و المعنوي إنما مارسوا الخيانة‌ خلال فترات طويلة ضد هذا الشعب و جنوا عليه، و جاءت الثورة لتقصّر أيديهم.علينا طي هذا الطريق، و علينا بذل الهمم و تغيير العلاقات الخاطئة المفضية إلى تخلف الشعوب و منها شعبنا. و علينا تعويض حالات التخلف الماضية‌. و كل هذا بحاجة إلى الهمّة و العزم و الأمل. إذا فقد الشعب أمله بالمستقبل أو ضعفت همّته في فتح الطرق و الدروب و التقدم نحو الأهداف فسوف يتأخر و لن يتقدم، و سوف يتسلط عليه المهيمنون العالميون و سوف يخسر عزته. الشعب الإيراني بحاجة إلى الحفاظ على هذه الهمّة في عمله بصورة مستمرة، و لا بد له من المحافظة على هذه العزيمة‌ و الإرادة و مضاعفة هذا الأمل يوماً بعد يوم. و هذه حالة‌ متوفرة في بلادنا. الحمد لله على أن شعبنا يتوفر على هذه الأحوال و قد أثبت ذلك و أبداه. لذلك تقدمنا في هذه الأعوام الثلاثين أكثر بكثير من ما يستطيع شعب أن يفعله خلال ثلاثين سنة. و هذا ما يعترف به حتى أعداؤنا. لكن شعاراتنا شعارات عالمية. شعاراتنا شعارات للإنسانية. شعاراتنا تتعلق بقطع يد المستكبرين عن بلادنا و شعبنا بالكامل. و المستكبرون لا يطيقون هذا. لذلك يتآمرون.فتنة العام الماضي كانت تجلياً و ظهوراً لمؤامرات الأعداء.. كانت فتنة.. الفتنة معناها أن يطرح البعض شعارات حق بمحتوى و مضمون باطل مائة‌ بالمائة من أجل خداع الناس. لكنهم أخفقوا. الغاية ‌من إيجاد الفتنة هو تضليل الناس. لاحظوا أن شعبنا هو الذي نهض بنفسه لمواجهة الفتنة. التاسع من دي وجّه صفعة‌ قوية لمثيري الفتن في كل أنحاء البلاد. هذا ما فعله أبناء الشعب أنفسهم. كان هذا التحرك - كما قال الخطباء و الشخصيات البارزة و الجميع مراراً - تحركاً تلقائياً و لهذا الأمر معناه و مغزاه العميق. و هو دليل على أن هذا الشعب يقظ و واع و على أعدائنا تلقي هذه الرسالة. الذين يتصورون أن بمقدورهم الفصل بين النظام و الشعب ليروا و ليفهموا أن هذا النظام هو نظام الشعب نفسه و هو ملك للشعب. و ميزة نظامنا هي أنه ملك للشعب. الذين يحافظون بكل كيانهم على نظام الجمهورية الإسلامية و على الإسلام و على هذه الراية المرفوعة في هذا البلد هم بالدرجة الأولى أبناء الشعب أنفسهم. ليفهم أعداؤنا هذا. زعماء الدول المستكبرة - و على رأسها أمريكا - يصرحون ضد شعبنا و يتآمرون ضده و يرفعون الشعارات أحياناً و يطلقون تصريحات كاذبة مزوِّرة في بعض الأحيان و يطلقون أحياناً تصريحات عدوانية علنية، و أحياناً يطلقونها بنحو مغلف مبطن، كل هذا بسبب أنهم يفتقرون لتحليل صائب لقضايا إيران و لمعرفة صحيحة بالشعب الإيراني. شعبنا شعب يقظ و واع.أريد أن أوصي و أوكد بأن على الشعب الحفاظ على هذه الهمم. طرحنا في هذا العام شعار الهمّة المضاعفة، و لحسن الحظ تلاحظ مؤشرات الهمّة المضاعفة‌ في شتى الأعمال في كافة أنحاء البلاد. يقوم مسؤولو البلاد و الشخصيات الكبيرة و المدراء رفيعو المستوى في مختلف القطاعات بأعمال جيدة. حسناً، هذه الهمّة المضاعفة حالة ضرورية، لكنها ليست لهذا العام و حسب. يجب أن تتوفر الهمّة المضاعفة بشكل مستمر. و على شعبنا العزيز أن يسير و يتحرك و يفتح القمم بحيث ييأس الأعداء‌ تمام اليأس من الاستيلاء على مصير هذا الشعب. يجب فرض اليأس على العدو. و حينما ييأس العدو فسوف يتخلص الشعب من شروره.الذنب الكبير الذي يرتكبه بعض مثيري الفتن في البلاد هو بث الأمل في نفوس الأعداء. يبثون الأمل في نفوس الأعداء ليتغلغلوا بين أبناء‌ الشعب و يفتحوا طريقهم بين العناصر المختلفة و بين مسؤولي النظام. اكتسب العدو الأمل في العام الماضي بأعمال هؤلاء. و الحال أن تلك الانتخابات العظيمة و تلك المشاركة الهائلة للشعب في الانتخابات كان بوسعها التقدم بالأمور إلى الأمام كثيراً و تحقيق النجاح للشعب الإيراني في الكثير من الميادين السياسية. لكن هؤلاء أشعلوا الفتنة، لذلك عاود الأملُ الأعداءَ الذين كان قد استولى عليهم اليأس بسبب التحرك الشعبي العظيم، و تأملوا بأن يستطيعوا توجيه ضربة للثورة.كان تحدياً كبيراً. العدو يدعم من ناحية و يساعد سياسياً و يذكر الأسماء - ذكر العدو أسماء مثيري الفتن - و الشعب الإيراني من ناحية‌ ثانية يتواجد بمنتهى القوة في الساحة. كما أبدى الشعب الإيراني مبادراته و إبداعاته و شجاعته و تضحياته في الحرب المفروضة‌ طوال ثمانية أعوام، و سجّل حضوره في جميع الميادين، فقد أبدى في هذه الحرب الناعمة عن نفسه مهارة حقيقية طوال ثمانية‌ أشهر. حينما ينظر المرء إلى الأمور و يريد دراستها من أفق بعيد فوقي تستولي عليه الحيرة، أية يد قدرة إلهية هذه التي تأخذ بقلوبنا و أرواحنا هكذا نحو أهدافها؟ أنه فعل الله و الله معكم. أنه الله الذي يهديكم و الله هو الذي يوجّه قلوبنا أنا و أنتم نحو الصراط المستقيم.علينا تعزيز صلتنا بالله و توثيقها. هذه هي خصوصية‌ الحركة الإلهية. همم الناس و أعمال الناس و عزم الناس و إرادتهم و تواجدهم في الميادين إلى جانب التوجّه إلى الله و إلى جانب القلوب المستعدة للتضرع.. هذه أحوال على جانب كبير من الأهمية. لنوثق ارتباطنا بالله. لا نسمح لقلوبنا بأن تميل إلى جهات تبعدنا عن طريق الله. «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة» (1). هذا دعاء يعلمنا إياه القرآن الكريم.لحسن الحظ فإن شبابنا بقلوبهم الطاهرة النورانية، و تواجدهم في المراسم المختلفة يستجلبون الرحمة الإلهية. و من نماذج استجلاب الرحمة الإلهية يوم التاسع من دي. نزلت جماهير الشعب إلى الساحة ببركة‌ ذكر الحسين بن علي سيد الشهداء (سلام الله عليه) و بددت ما حاكه مثيرو الفتن.علينا أن نكون اليوم يقظين واعين و لا ننتقص من هممنا حتى ذرة‌ واحدة. مسؤولو البلاد يتحملون الواجبات، و الشرائح الواعية اليقظة العارفة بقضايا المجتمع تتحمل واجبات أكبر. الشباب يتحملون واجبات و الشرائح المختلفة‌ و الجميع تقع عليهم واجبات. اعتمدوا على ألطاف الله، و ثقوا بهدايته، و أعلموا أن الله تعالى قدَّر لهذا الشعب العزيز مصيراً حسناً، و علينا نحن أن نبذل مساعينا و نوصل إنفسنا إن شاء الله إلى ذلك المصير.ربنا، بمحمد و آل محمد أنزل ألطافك و فضلك على هذا الشعب باستمرار. اللهم احشر الأرواح الطيبة لشهدائنا الأبرار و الروح المباركة لإمامنا الجليل الذي فتح لنا هذا الطريق مع أوليائك. اللهم منّ بالأجر على الجهود و الخدمات التي يقدمها خدّام هذا الشعب، و أبلغ سلامنا لإمامنا المهدي المنتظر (سلام الله عليه). و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة آل عمران، الآية 8 . 
2010/12/29

كلمة الإمام الخامنئي في الملتقى الأول للأفكار الاستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيمأقيمت هذه الليلة و الحمد لله جلسة جيدة جداً، و قد استفدت حقاً سواء من الكلمات و الآراء التي طرحت، و أكثر من ذلك من مشاهدة الإمكانية العالية المتوفرة لدى هذه الجماعة من المفكرين و المثقفين الإيرانيين لطرح القضايا و تمديد و مواصلة أجزاء قضية معقدة و مركبة. هذا ما شاهدته الليلة على العموم، و أتقدم بالشكر الجزيل لكم أيها الحضور المحترمون الذين تفضلتم بالمجئ و قضيتم وقتاً طويلاً في هذه الجلسة، و للعاملين على إعداد هذه الجلسة السيد واعظ زاده و باقي الزملاء الذين سعوا و عملوا و نظموا هذه الجلسة. و لأن الوقت قد مضى فسوف لن أطيل في الكلام، و سوف اختصر... (1)، و سيبقى وقت للكلام التفصيلي إن شاء الله.هذا هو الاجتماع الأول من نوعه في الجمهورية الإسلامية. كانت لنا اجتماعات كثيرة سواء اللقاءات التي كانت لي مع المجاميع المختلفة أو التي أنا على اطلاع بأنها أقيمت. لذلك أقول إننا لم يكن لنا هذا النوع من الاجتماعات. مرادنا من أقامة هذا الاجتماع - أو بكلمة أدق: سلسلة الاجتماعات التي ستستمر في المستقبل أيضاً إن شاء الله - هو بالدرجة الأولى أن يندك مفكرو البلاد بقضايا البلاد الكبرى. لبلادنا قضايا أساسية كبرى. ثمة أعمال كبرى يجب أن تنجز. و ثمة الكثير من القدرات و الإمكانيات يمكن أن تستخدم لصالح هذه الحركة العظيمة. و لن يتحقق هذا المراد إلا إذا ارتبط الزبدة و النخبة و المفكرون بهذه القضايا الكبرى و انهمكوا فيها. هذا ما يجب أن يحصل و سوف يحصل إن شاء الله. قضية تدوين النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم من هذه القضايا الكبرى، و هي قضية تنطوي في داخلها على العشرات من القضايا و سوف أشير إلى ذلك فيما بعد. سوف تستمر هذه السلسلة من الاجتماعات بخصوص هذه القضية، و ثمة‌ إلى جانبها قضايا كبيرة أخرى يجب أن تطرح.الهدف الثاني الذي نتوخاه من هذه الجلسة هو إيجاد ثقافة و خطاب بين النخبة‌ أولاً، و بين عموم المجتمع تبعاً لذلك. هذه الآراء التي طرحتموها الليلة حينما تنتشر على مستوى المجتمع سوف تسوق أذهان النخبة و من ثم أذهان عموم الناس إلى اتجاه معين أساسي: التفكير في نموذج للتنمية و نموذج للحركة نحو الأمام، و الشعور بأننا يجب أن نكون مستقلين في هذا المجال و نقف على أرجلنا حالة سوف تكشف أكثر فأكثر عن معايب التبعية و الاعتماد على النماذج الأجنبية. هذا ما نحتاج إليه راهناً. للأسف مجتمع نخبتنا لم يصل إلى نتائج صحيحة في أجزاء مهمة‌ من هذه القضية، و هذا ما يجب أن يحصل و سيحصل بحول الله و قوته.و هدفنا الثالث هو إننا نحتاج بالتالي إلى تمهيد السبل و مدّ السكك لإدارة البلاد على مدى عشرات الأعوام القادمة. هذه الجلسة و الجلسات الشبيهة بها سوف تفضي إلى مثل هذا التمهيد للسبل و مدّ السكك. هذه هي أهدافنا من إقامة هذه الجلسة و الجلسات القادمة إن شاء الله.إذن، العملية‌ لا تتعلق بالأشخاص و المسؤولين، و هي لا تتعلق بي، إنما هي عملية‌ تتعلق بالجميع. كلنا مسؤولون بخصوص هذه العملية التي يتم إنجازها.. كل منا بقدر استطاعته و إمكانياته و سعته و مدى قدرته. كلنا مسؤولون في هذا المجال و يجب أن نتابع المسألة إن شاء الله.. هذه نقطة.النقطة التالية هي أن حصيلة هذه العملية ليست سريعة‌ التحقق. لقد دخلنا في هذه القضية و نحن متفطنون إلى هذه النقطة. طبعاً طرح بعض السادة اقتراحات و مشاريع لنتائج سريعة، و لا إشكال في ذلك، لكن الشيء الذي نتغيّاه لن يحصل إلا على المدى البعيد، و في أحسن الظنون على المدى المتوسط. إنها عملية طويلة الأمد. إذا استطعنا بحول الله و قوته التوصل في إطار عملية معقولة إلى نموذج إسلامي - إيراني للتقدم فسوف يكون ذلك وثيقة عليا على كل الوثائق الخاصة بالبرامج في البلاد و المتعلقة بأفق البلاد و سياساتها. أي حتى وثائق الأفق المرسومة لعشرين سنة و عشر سنوات يجب أن تدوّن على أساس هذا النموذج. السياسات التي سترسم - سياسات البلاد العامة - يجب أن تتبع هذا النموذج و تندرج ضمن هذا النموذج. طبعاً ليس هذا النموذج نموذجاً غير مرن. ما سوف يحصل ليس بالكلمة‌ الأخيرة. لا شك أن ظروف الزمان المتجددة ستوجب بعض التغييرات، و لا بد من اجتراح هذه التغييرات. إذن النموذج نموذج مرن، أي إن فيه قابلية‌ للمرونة و التغيير. و الأهداف مشخصة و معلومة: الاستراتيجيات قد تتغير و تعدل بحسب الظروف. و عليه فإننا لن نتسرع في هذه القضية على الإطلاق. طبعاً لا بد من وجود السرعة‌ المعقولة لكننا لن نصاب بداء‌ التسرع و سوف نتقدم إن شاء الله بحركة صحيحة‌ و متينة إن شاء‌ الله.حسناً، قدم الأعزاء نقاشات جيدة بخصوص مفردات هذه الجملة: «النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم». تم تقديم آراء جيدة حول معنى هذا النموذج، و ما هو المراد من الإيراني و ما هو المقصود من الإسلامي، و التقدم في أي اتجاهات. ما أريد أن أضيفه هو أولاً: كلمة التقدم اخترناها بدقة و تعمدنا عدم استخدام كلمة التنمية. و السبب هو أن كلمة‌ التنمية لها محتوى من حيث القيمة و المعنى و لها لوازمها التي قد لا نكون من المواكبين أو المتماشين أو الموافقين لها. لا نريد استخدام مصطلح عالمي دارج يفهم منه معنى خاص و إشراكه في مهمتنا و عملنا. إنما نطرح و نعرض مفهومنا الذي نقصده، و هذا المفهوم عبارة عن «التقدم». نعرف المعنى الفارسي المعادل لكلمة‌ تقدم و نعلم ما هو المراد من التقدم و سوف نعرف ما هو قصدنا من هذا التقدم ذي المعنى الواضح في الفارسية. التقدم في أي مجالات و في أية اتجاهات. و قد كانت لنا تجربة‌ عدم استعارة المفاهيم في مواطن أخرى من الثورة. لم نستخدم مثلاً كلمة إمبريالية و استخدمنا كلمة استكبار. قد تكون هناك بعض الجوانب في معنى الإمبريالية لا نوافقها و لا نقصدها، و تأكيدنا ليس على تلك الجوانب و إنما على المعنى المستحصل من كلمة‌ الاستكبار. لذلك طرحنا هذه الكلمة و تكرست في الثورة و العالم اليوم يفهم قصدنا منها، و كذا الحال بالنسبة‌ لمفاهيم أخرى.مفهوم التقدم مفهوم واضح بالنسبة لنا. إننا نستخدم كلمة‌ التقدم و نعرفها و نقول ما هو مرادنا من التقدم. و بخصوص إيرانية‌ النموذج، فضلاً عمّا قاله الأصدقاء حيث هناك تأثير للظروف التاريخية و الجغرافية و الثقافية و الإقليمية و الجيوسياسية في تكوين هذا النموذج - و هذا شيء صائب في محله بلا شك - تطرح أيضاً قضية‌ أن مصمّميه هم المفكرون الإيرانيون، و هذا وجه مناسب جداً لعنوان «الإيراني»، بمعنى أننا لا نروم أخذ هذا النموذج من الآخرين، إنما نتوخى تكوين ما نراه لازما لنا، و ما نجد فيه مصلحة لبلادنا، و ما نرسم على‌ أساسه صورة مستقبلنا. إذن، هذا النموذج إيراني، و من ناحية‌ أخرى فهو نموذج إسلامي، ذلك أن غاياته و أهدافه و قيمه و أساليب العمل فيه مستقاة كلها من الإسلام. أي إن اعتمادنا قائم على المفاهيم و المعارف الإسلامية. نحن مجتمع إسلامي و حكومة‌ إسلامية، و فخرنا هو في أن نستطيع الاستفادة من المصادر الإسلامية، و لحسن الحظ فإن المصادر الإسلامية‌ متوفرة بين أيدينا، فهناك القرآن و هناك السنة و هناك المفاهيم الثرة و الممتازة جداً الموجودة في فلسفتنا و كلامنا و فقهنا و حقوقنا. و على ذلك فإن صفة «الإسلامي» هذه تأتي من هذا الباب و لهذه المناسبة. و إذن، فـ «الإسلامي» هو لهذه المناسبة. و النموذج هو الخارطة الشاملة. حينما نقول النموذج الإيراني - الإسلامي فمعنى هذا الخارطة الشاملة. من دون الخارطة‌ الشاملة سوف نصاب بالحيرة و الاضطراب، و قد كنا طوال هذه الأعوام الثلاثين نعاني من تحركات غير هادفة و ارتدادية فنذهب ذات اليمين و ذات الشمال و ربما قمنا أحياناً بشيء ثم قمنا بنقيضه - سواء في مجال الثقافة أو في مجال الاقتصاد أو في المجالات المتنوعة الأخرى - و السبب في ذلك عدم وجود خارطة‌ شاملة. و هذا النموذج هو الخارطة الشاملة التي تقول لنا إلى أي اتجاه يجب أن نسير و ما الهدف الذي يجب أن نتجه نحوه. و بالطبع كما قال الأعزاء ينبغي رسم صورة الوضع المنشود، كما يجب إيضاح كيف ينبغي الوصول من الوضع القائم إلى ذلك الوضع المنشود. و سوف تطرح الكثير من الأسئلة يقيناً، و لا بد من معرفة هذه الأسئلة، و قد قال أحد السادة هنا ثمة أربعة آلاف سؤال، و هذا جيد جداً. يجب معرفة‌ هذه الأسئلة و العلم بها، و لا بد من تكوين مثل هذه الحركة بين نخبنا، و طرح الأسئلة و الإجابة عنها و هي حركة‌ و عملية طويلة الأمد. طبعاً حين نقول الإيراني أو الإسلامي لا نقصد عدم الاستفادة مطلقاً من مكتسبات الآخرين، لا، لا نضع لأنفسنا أية‌ قيود لاكتساب العلم. أينما كان العلم و المعرفة الصحيحة و التجارب الصحيحة فسوف نتوجه نحوها، و لكننا لن نأخذ الأشياء بأعين مغلقة عمياء. سوف نستفيد من كل ما موجود في عالم المعرفة و يمكن الاستفادة منه.ثمة أسئلة‌ تطرح و قد طرحت بعض الأسئلة هنا و أجيب عنها. و لا أكررها، و طرحت آراء جيدة و لا حاجة إطلاقاً لأن أكررها. طبعاً كنت قد اطلعت سابقاً على مجموعة الأعمال التي أنجزت و استمعت لها الآن ثانية بدقة، و قد طرحت هنا آراء جيدة جداً. البعض يسأل ما هي مناسبة هذا المقطع الزمني.. بعد أن يوافقوا ضرورة المشروع و أصله يسألون لماذا لم يجر هذا الأمر في السابق؟ أو ما هي الضرورة للقيام بهذا العمل في الوقت الحاضر؟ الواقع أنه لم يقع فاصل زمني كبير. ليست فترة‌ ثلاثين عاماً بالمدة الطويلة لهذه العملية المراد منها تدوين مثل هذا النموذج. التجارب تتراكم و المعارف تتظافر و الأوضاع و الأحوال السياسية تفرض مقتضياتها ثم نصل إلى محطات كانت مجهولة و تصبح معلومة إن شاء الله. أعتقد أن إمكانية البلد في هذه المرحلة إمكانية مناسبة. قيل طبعاً إننا لا نمتلك القدرات الفكرية لتدوين مثل هذا النموذج، و هذا ما لا يمكن قبوله، إذ أن إمكانيات البلاد إمكانيات كبيرة. و في حدود علمي فإن الإمكانيات التي أنتقلت من حالة الكمون إلى الفعل و الظهور إمكانيات يمكن أن نصفها بأنها جيدة جداً، سواء على مستوى الجامعات أو على مستوى الحوزة العلمية في قم أو بعض الحوزات الأخرى. أضف إلى ذلك وجود مواهب و إمكانيات يمكن تفعيلها و عرضها عن طريق المطالبة. إذا لم نبدأ هذا المشروع اليوم و لم نتابعه فسوف نتأخر بلا شك و سوف نخسر، لذلك يجب أن تتقدم هذه الحركة التي تم تصميمها و التخطيط لها بهذا النحو. ما أضيفه هنا هو أن مجالات هذا التقدم يجب أن يتم تشخيصها عموماً. هناك أربعة مجالات أساسية، منها المجال الحياتي الذي يشمل العدالة و الأمن و الحكومة و الرفاه و ما إلى ذلك. و المجال الأهم هو المجال الفكري. يجب أن نأخذ المجتمع نحو أن يكون مجتمعاً مفكراً و هذا درس من دروس القرآن. لاحظوا كم ترد في القرآن الكريم عبارات «لقوم يتفكرون» و «لقوم يعقلون» و «أفلا يعقلون» و «أفلا يتدبرون». علينا جعل تفجر الأفكار و التفكير في مجتمعنا حقيقة واضحة جلية. و هذا ما يبدأ طبعاً من جماعة النخبة ثم ينحدر نحو عموم الناس. و لهذا بطبيعة الحال استراتيجياته و لوازمه و أدواته و شروطه التربوية و التعليمية التي ينبغي أخذها جميعاً بنظر الاعتبار في عمليات التخطيط و البرمجة.المجال الثاني الذي تعدّ أهميته أقل من أهمية‌ المجال الأول هو مجال العلم. يجب أن نتقدم في العلوم. و طبعاً العلم نفسه ثمرة التفكير. في هذه المرحلة الحالية و الحركة باتجاه التطور و التقدم الفكري يجب أن لا يكون هناك أي تقصير أو تقاعس أو تكاسل. لحسن الحظ فقد بدأت هذه الحركة في البلاد منذ عدة سنوات، و بدأ العمل باتجاه الإبداع العلمي و الاستقلال العلمي. العلم من طبيعته أن يفصح عن نفسه مباشرة على شكل تقنيات. و في حالات كثيرة فإن حصيلة الحركة العلمية ليست طويلة الأمد كهذه المسألة التي نناقشها الآن، إنما هي أقرب زمنياً و ثمارها أدنى. يجب القيام بالأعمال و المشاريع العلمية بنحو عميق و أساسي. هذا أيضاً مجال من مجالات التقدم.المجال الثالث مجال الحياة الذي سبق أن أشرت إليه، و تندرج فيه جميع الأشياء المطروحة في حياة المجتمع كقضايا أساسية و خطوط أساسية من قبيل الأمن و العدالة و الرفاه و الاستقلال و العزة الوطنية و الحرية و التعاون و الدولة.. هذه كلها أرضيات للتقدم يجب متابعتها و الخوض فيها.و المجال الرابع - و هو الأهم من كل هذه الأمور و يعدّ بمثابة الروح لكل هذه الأمور - هو التقدم في المجال المعنوي. يجب أن ننظم هذا النموذج بحيث تكون نتيجته تقدم مجتمعنا الإيراني نحو مزيد من المعنوية. و هذا طبعاً أمر واضح بالنسبة لنا في موضعه. و قد يكون واضحاً بالنسبة لكثير من الحضور المحترمين، و لكن يجب أن يتضح للجميع أن المعنوية‌ لا تتعارض إطلاقاً لا مع العلم و لا مع السياسة و لا مع الحرية و لا مع الأمور الأخرى، إنما المعنوية هي روح كل هذه الأمور. يمكن بالمعنوية الوصول إلى قمم العلم و فتحها، بمعنى أن تكون هناك معنوية و قيم روحية و يكون هناك إلى جانبها تقدم علمي. و حينئذ سيكون العالم عالماً إنسانياً، سيكون عالماً جديراً بحياة الإنسان. و العالم اليوم هو عالم الغابة. العالم الذي يترافق فيه العلم مع المعنوية و تترافق فيه الحضارة مع المعنوية و تترافق فيه الثروة مع المعنوية سوف يكون عالماً إنسانياً. طبعاً النموذج الكامل لهذا العالم سوف يتحقق في فترة‌ ظهور الإمام بقية الله (أرواحنا فداه) و من هناك سوف يبدأ العالم. إننا نتحرك الآن في مقدمات العالم الإنساني. نحن أشبه بشخص يسير في منعطفات الجبال و التلال و الطرق الصعبة حتى يصل إلى الطريق الأصلي. و حينما نصل إلى الطريق الأصلي عندئذ تبدأ الحركة نحو الأهداف السامية. و الإنسانية طوال حركتها و مسيرتها التي استمرت لعدة آلاف من السنين إنما تجتاز بهذه المنعطفات وصولاً إلى الطريق الأصلي. و حينما تصل إلى الطريق الأصلي - و هو ما سيقع في زمن ظهور الإمام بقية الله - عندئذ تبداً مسيرة الإنسان الأصلية و حركته السريعة الناجحة الخالية من العنت و المشقة، و ستكون المشقة‌ مجرد مشقة‌ السير في هذا الطريق و لن تكون هناك ثمة حيرة‌.على كل حال، هذه هي المجالات الأربعة‌ للتقدم التي يجب أن نتقدم فيها على أساس النموذج الذي سوف تتابعونه إن شاء الله، و أسلوب المتابعة‌ بدوره واضح لدينا على نحو الإجمال و بحدود معينة و سوف نذكره.بخصوص المحتوى الإسلامي كان للأعزاء إشارات جيدة جداً. المسألة الأولى التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار هي مسألة المبدأ أو مسألة‌ التوحيد.. «إنا لله و إنا إليه راجعون» (2). المشكلة‌ الأهم في العالم الراهن.. العالم الذي يتجلى بأكثر بهرجة ممكنة في الغرب، هي البعد عن الله و عدم الإيمان به و عدم الالتزام بهذا الإيمان. طبعاً قد يكون هناك اعتقاد ظاهري و صوري و ما إلى ذلك، و لكن ليس ثمة التزام بهذا الاعتقاد. إذا تم حل مسألة المبدأ فسوف تحل الكثير من المسائل الأخرى. «يسبّح له ما في السماوات و الأرض» (3). «و لله جنود السماوات و الأرض و كان الله عزيزاً حكيماً» (4). حينما يعتقد الإنسان بهذه الأمور فإن هذه العزة الإلهية و هذا التوحيد الذي يعرض علينا هذا المعنى سوف يوفر للإنسان طاقة‌ عظيمة لا نهاية‌ لها. «هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون» (5). حينما يؤمن الإنسان بمثل هذا التوحيد و عندما نستطيع بسط و نشر مثل هذا الاعتقاد في حياتنا فسوف يتم علاج مشكلات البشرية الأساسية.القضية الأساسية الثانية هي قضية المعاد و الحساب و عدم انتهاء المطاف و الأمور بزوال الجسم عند الموت. إنها لقضية على جانب كبير من الأهمية أنّ ثمة حساب و كتاب «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره». الشعب الذي يعتقد بهذا و يكون هذا المعنى في برامجه العملية: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره» (6)، سوف يحدث تحول أساسي في حياته. الاعتقاد بامتداد نتائج العمل يضفي المعنى على الإيثار و الجهاد و يجعلهما أمرين منطقيين. من الأدوات المهمة للأديان - و الموجودة في الإسلام بوضوح - قضية الجهاد، و الجهاد يجب أن يكون مصحوباً بالإيثار، و إلا لم يكن جهاداً. معنى الجهاد هو التجاوز عن الذات و غضّ الطرف عنها. غضّ الطرف عن الذات شيء غير منطقي حسب منطق العقل الذرائعي. فلماذا أغض الطرف عن ذاتي؟ إنه الإيمان بالمعاد الذي يجعل هذا الأمر منطقياً و عقلانياً. حينما نؤمن أنه ما من عمل سوف يذهب سدى بل ستحفظ جميع الأعمال و سوف نراها في حياتنا الحقيقية الآخرة «و إن الدار الآخرة لهي الحيوان» (7) عندها لو خسرنا هنا شيئاً في سبيل أداء التكليف و الواجب فلن نشعر بالخسارة حتى لو كان ذلك الشيء هو أرواحنا أو أحباؤنا و أبناؤنا. يجب أن تدرج هذه الأمور ضمن نموذج التطور و تكتسب معناها في تقدم المجتمع. و إذن، فالمسألة الأصلية هي مسألة التوحيد و المعاد.ثم هناك مسألة عدم الفصل بين الدنيا و الآخرة: «الدنيا مزرعة الآخرة» (8)، و أخال أن بعض الأعزاء قد أشاروا لذلك، و هي مسألة مهمة جداً. فالدنيا غير منفصلة عن الآخرة. و الآخرة هي الوجه الآخر لعملة الدنيا. «و إن جهنم لمحيطة بالكافرين» (9). الكافر في الجحيم منذ الآن، لكنه جحيم لا يدركه الكافر و لا يشعر به. و بعد ذلك حينما يتجسد الأمر سيفهم. الكافر الآن ذئب لكنه لا يشعر أنه ذئب، و نحن ذوي الأبصار المقفلة أيضاً لا نراه ذئباً، و لكن حين نستيقظ من نومنا سنرى أنه ذئب. إذن الترابط بين الدنيا و الآخرة بهذا المعنى. يجب أن لا نتصور أن الدنيا تشبه أوراق اليانصيب، لا، إنما الآخرة هي الوجه الآخر لهذه الدنيا، و الوجه الآخر لهذه العملة.المسألة الأخرى هي مسألة‌ الإنسان، و نظرة الإسلام للإنسان، و محورية الإنسان. لهذا الموضوع في الإسلام معنى واسع جداً. واضح أن الإنسان في الإسلام و الإنسان في الفلسفات المادية الغربية و الوضعية في القرن التاسع عشر و ما بعد ذلك مختلفان أشد الاختلاف. فهذا إنسان و ذاك إنسان آخر، بل إن تعريف هذين الإنسانين ليس واحداً. و من هنا فإن محورية الإنسان في الإسلام تختلف تماماً عن محورية الإنسان في تلك المدارس المادية. الإنسان محور، و كل هذه القضايا التي نبحثها من قبيل قضية العدالة و قضية الأمن و قضية الرفاه و قضية العبادة هي من أجل سعادة الإنسان. مسألة السعادة و مسألة العقبى تتعلق هنا بالفرد، لا بمعنى أن يغفل الفرد عن حال الآخرين و لا يعمل لهم، لا، «من أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً» (10). جاء في الرواية أنهم سألوا الإمام عن معنى هذه العبارة فقال إن تأويلها الأعظم هو أن تهدي أحد الناس، و واضح أن الهداية‌ من واجب الجميع، لكن الأمر المطروح من قبل الإسلام للإنسان و الذي يعدّ الأمر الأهم هو نجاة‌ الإنسان نفسه. علينا إنقاذ أنفسنا و تخليصها. و نجاتنا هي في أن نعمل بواجباتنا و عندئذ سيكون العمل بالواجبات الاجتماعية و تكريس العدالة و تأسيس حكومة الحق و مكافحة الظلم و الفساد من مقدمات تلك النجاة. و إذن فهذا هو الأصل و كل شيء‌ مقدمة و المجتمع الإسلامي أيضاً مقدمة و العدالة إيضاً مقدمة. حين يقول القرآن الكريم :«ليقوم الناس بالقسط» (11)، و يذكر ذلك باعتباره هدف الأنبياء - و لا شك أن العدل هدف، لكنه هدف وسيط و الهدف النهائي عبارة‌ عن فلاح الإنسان.. هذا ما ينبغي التنبه له، فالإنسان مخلوق مكلف و مختار و موضوع للهداية الإلهية - « ألم نجعل له عينين و لساناً و شفتين و هديناه النجدين» (12). بوسع الإنسان أن يختار الهداية‌ و بمقدوره أن يختار الضلالة، فالإنسان مخلوق ملتزم أمام نفسه و أمام مجتمعه و أهله. و حسب هذه النظرة ستكون الديمقراطية علاوة‌ على كونها حق من حقوق الجماهير، واجباً من واجباتهم، بمعنى أن جميع الناس مسؤولون بخصوص مسألة الحكم في المجتمع، و لا يمكن القول إن هذه المسألة لا تتعلق بي، لا، صلاح البلاد و فسادها و نظام الحكم أمور ترتبط بكل الأفراد. أي إن الإنسان ملتزم حيالها. هذا أيضاً من العناصر الأصلية التي ينبغي ملاحظتها في الرؤية الإسلامية و مراعاتها في هذا النموذج.المسألة الأخرى هي مسألة الدولة و نظام الحكم، فللإسلام في هذا الباب أيضاً نظرياته و آراؤه الخاصة. الأهلية‌ الفردية في أمر الدولة في الإسلام قضية أساسية و على جانب كبير من الأهمية. كل من يريد تولي جزء من الإدارة يجب أن يوفر لذلك الأهلية في نفسه أو يجد الأهلية في نفسه، و من دون ذلك يكون قد ارتكب عملاً غير شرعي. عدم العلو و عدم الإسراف و عدم الاستئثار قضايا مهمة في أمر الحكم. يقول الله تعالى حول فرعون: «كان عالياً من المسرفين» (13). أي إن خطيئة فرعون هي أنه كان عالياً. و بهذا فالعلو و الاستعلاء بالنسبة للحاكم صفة سلبية و ليس من حقه أن يستعلي، و لا من حقه إذا كان من أهل العلو أن يتقبل السلطة، و لا من حق الناس أن يتقبلونه باعتباره حاكماً و إماماً للمجتمع. و الاستئثار معناه أن يريد الإنسان كل شيء لنفسه، و هو في مقابل الإيثار. الإيثار معناه تقديم كل شيء لصالح الآخرين و الاستئثار معناه أخذ كل شيء من الآخرين لصالح الذات. العلو و الاستعلاء و الاستئثار من الصفات السلبية للحاكم. يقول الإمام أمير المؤمنين في نهج البلاغة حول بني أمية: «يأخذون مال الله دولاً و عباد الله خولاً و دين الله دخلاً بينهم». فالسبب في عدم صلاحيتهم للحكم هو هذه الصفات فيهم، «يأخذون مال الله دولاً»، أي إنهم يتداولون الأموال العامة‌ فيما بينهم. «و عباد الله خولاً»، و يعتبرون الناس كالعبيد لهم و يستخدمونهم كالخدم. «و دين الله دخلاً بينهم» و يتلاعبون بدين الله كيفما حلا لهم. و على ذلك فللإسلام رأيه في نظام الحكم، و هذا ما يجب أخذه بنظر الاعتبار في نموذج حياتنا على المدى البعيد.و بخصوص المسألة الاقتصادية قدّم السادة بحوثاً جيدة. «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» (14) معيار مهم. قضية العدالة مهمة جداً. لا بد أن تكون العدالة من الأركان الأصلية في هذا النموذج. بل إن العدالة‌ هي معيار الحق و الباطل في الحكومات و الدول. بمعنى إذا لك يتوفر معيار العدالة كانت الحقيّة و الشرعية موضع نقاش و تشكيك من وجهة نظر الإسلام.المسألة الأخرى هي النظرة غير المادية للاقتصاد. الكثير من هذه المشكلات التي ظهرت في العالم إنما هي بسبب النظرة المادية للمسألة الاقتصادية و مسألة المال و الثروة. كل هذه الأمور التي ذكرها الأعزاء حول انحرافات الغرب و المشكلات العديدة و حالات الاستثمار و الاستعمار و ما إلى ذلك بسبب النظرة المادية‌ للمال و الثروة. يمكن تصحيح هذه النظرة. الإسلام يهتم بالثروة و يقيم اعتبار لها، و إنتاج الثروة في الإسلام عملية محبذة، و لكن بنظرة إلهية و معنوية. و النظرة الإلهية و المعنوية هي أن لا تستخدم هذه الثروة للفساد و الهيمنة و الإسراف و إنما تستخذم لصالح المجتمع.. و غير ذلك من المسائل العديدة الموجودة.المواضيع و النقاشات هنا كثيرة، و لا أريد إطالة الكلام، فقد انقضى الوقت و لا ضرورة لطرح هذه النقاشات في هذه الجلسة. و ستكون لنا أوقات كثيرة إن شاء الله لمثل هذه النقاشات إذا كتبت لنا أعمار.قلنا إن هذه بداية طريق.. أي إن جلستنا الليلة هي بداية، و يجب أن يتواصل هذا السياق. قد يكون من الضروري عقد عشرة أو عشرات الاجتماعات و الملتقيات حول قضية النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم. و قد يكون من الضروري عقد عشرات الحلقات العلمية في مختلف الجامعات لأجل ذلك. قد يكون المئات من المثقفين و الواعين و النخبة و العلماء في إيران الذين يفضلون العمل الفردي و ليسوا من أهل العمل الجماعي، قد يكونوا مستعدين للدراسة في بيوتهم و يجب الاستفادة من هؤلاء. يجب تشكيل حلقات فكرية، و لا بد من انهماك الجامعات و الحوزات في هذه المسألة لنستطيع إن شاء الله الوصول بهذا المشروع إلى محطته المنشودة.طبعاً التقرير الذي قدمه السيد داودي كان جيداً جداً، و لم أكن عديم الإطلاع بالمرة على الأمور التي ذكرها، لكننا لم نكن مطلعين على هذه التفاصيل. هذه حالة‌ جيدة جداً و لا تنافي بين الأمرين. هذه العملية ليست عملية جماعة خاصة و محدودة إنما هي عملية‌ يجب أن تشترك فيها جميع إمكانيات النخبة في البلاد. و كما قلنا فهي ليست من المشاريع قصيرة الأمد و التي تؤتي نتائجها بسرعة بل هي عملية طويلة الأمد يجب أن تتم، و نحن لسنا في عجل، بل سوف نتحرك و نسير إلى الأمام، و هي ليست من تلك الأمور التي تستطيع الحكومات أو المجالس المصادقة‌ عليها، و إنما هي كما ذكرنا فوق كل الوثائق المهمة‌ و الفاعلة في البلاد، و يجب أن تقطع مراحل عديدة و تصل إلى قوامها اللازم. يجب تنضيج هذه الأفكار تماماً لتصل إلى مرحلة‌ أساسية. و لا بد من وجود مركز لهذه المهمة يتابعها و يرصدها و سوف نؤسس هذا المركز إن شاء الله. يجب أن يكون هناك مركز من دون أن يحتكر لنفسه هذه الحركة، و سوف لن نتوقع من ذلك المركز أن يقوم هو بهذه المهمة، بل نتوقع منه أن يشرف على هذه الحركة العظيمة التي يقوم بها النخبة في البلاد، و يتابعها و يرصد أخبارها، و يساعد النخبة في مهمتهم و يدعمهم بمختلف الوسائل و الأساليب، بحيث لا تتوقف هذه الحركة. طبعاً قلنا إنه لا بد من مركز أو لجنة، و سوف يصار إلى تأسيس هذا المركز إن شاء الله. و عليه، فإن عملنا معكم لن ينتهي الليلة، أي إن هذه المسألة ليست مسألة تبدأ في هذه الجلسة و تنتهي في هذه الجلسة، بل سوف تستمر إن شاء الله. و طبعاً ستكون هناك مجاميع متعددة، فهناك الكثير من الأفراد و الشخصيات. و كما أوصى السيد واعظ زاده و طلب، أطلبُ أنا أيضاً من السادة الذين لديهم آراء و كانوا يريدون طرحها أن يقدموا آراءهم هذه. و الطروحات التي ذكرت هنا بعضها مما يجب أن يفكر فيه الإنسان، أي يجب تشكيل حلقات فكرية تبحث في هذه الآراء و تناقشها و تدافع عنها أو تسجل مؤاخذاتها و إشكالاتها عليها و تأخذ و تردّ و تناقش كما عند طلبة العلوم الدينية‌ حين يقولون: إن قلتَ قلتُ، لنصل إلى نتائج جيدة إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.1 - طلب السيد واعظ زاده من سماحة قائد الثورة‌ الإسلامية أن يلقي كلمة مفصلة في هذا الاجتماع.2 - سورة البقرة، الآية 156.3 - سورة الحشر، الآية 24.4 - سورة الفتح، الآية 7. 5 - سورة الحشر، الآية 23.6 - سورة الزلزال، الآيتان 7 و 8.7 - سورة العنكبوت، الآية 64.8 - إرشاد القلوب، ج 1، ص 89.9 - سورة التوبة، الآية 49.10 - سورة المائدة، الآية 32.11 - سورة الحديد، الآية 25.12 - سورة البلد، الآيات 8 - 10.13 - سورة‌ الدخان، الآية 31.14 - سورة الحشر، الآية 7.
2010/12/01

كلمة الإمام الخامنئي في الملتقى الأول للأفكار الاستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيمأقيمت هذه الليلة و الحمد لله جلسة جيدة جداً، و قد استفدت حقاً سواء من الكلمات و الآراء التي طرحت، و أكثر من ذلك من مشاهدة الإمكانية العالية المتوفرة لدى هذه الجماعة من المفكرين و المثقفين الإيرانيين لطرح القضايا و تمديد و مواصلة أجزاء قضية معقدة و مركبة. هذا ما شاهدته الليلة على العموم، و أتقدم بالشكر الجزيل لكم أيها الحضور المحترمون الذين تفضلتم بالمجئ و قضيتم وقتاً طويلاً في هذه الجلسة، و للعاملين على إعداد هذه الجلسة السيد واعظ زاده و باقي الزملاء الذين سعوا و عملوا و نظموا هذه الجلسة. و لأن الوقت قد مضى فسوف لن أطيل في الكلام، و سوف اختصر... (1)، و سيبقى وقت للكلام التفصيلي إن شاء الله.هذا هو الاجتماع الأول من نوعه في الجمهورية الإسلامية. كانت لنا اجتماعات كثيرة سواء اللقاءات التي كانت لي مع المجاميع المختلفة أو التي أنا على اطلاع بأنها أقيمت. لذلك أقول إننا لم يكن لنا هذا النوع من الاجتماعات. مرادنا من أقامة هذا الاجتماع - أو بكلمة أدق: سلسلة الاجتماعات التي ستستمر في المستقبل أيضاً إن شاء الله - هو بالدرجة الأولى أن يندك مفكرو البلاد بقضايا البلاد الكبرى. لبلادنا قضايا أساسية كبرى. ثمة أعمال كبرى يجب أن تنجز. و ثمة الكثير من القدرات و الإمكانيات يمكن أن تستخدم لصالح هذه الحركة العظيمة. و لن يتحقق هذا المراد إلا إذا ارتبط الزبدة و النخبة و المفكرون بهذه القضايا الكبرى و انهمكوا فيها. هذا ما يجب أن يحصل و سوف يحصل إن شاء الله. قضية تدوين النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم من هذه القضايا الكبرى، و هي قضية تنطوي في داخلها على العشرات من القضايا و سوف أشير إلى ذلك فيما بعد. سوف تستمر هذه السلسلة من الاجتماعات بخصوص هذه القضية، و ثمة‌ إلى جانبها قضايا كبيرة أخرى يجب أن تطرح.الهدف الثاني الذي نتوخاه من هذه الجلسة هو إيجاد ثقافة و خطاب بين النخبة‌ أولاً، و بين عموم المجتمع تبعاً لذلك. هذه الآراء التي طرحتموها الليلة حينما تنتشر على مستوى المجتمع سوف تسوق أذهان النخبة و من ثم أذهان عموم الناس إلى اتجاه معين أساسي: التفكير في نموذج للتنمية و نموذج للحركة نحو الأمام، و الشعور بأننا يجب أن نكون مستقلين في هذا المجال و نقف على أرجلنا حالة سوف تكشف أكثر فأكثر عن معايب التبعية و الاعتماد على النماذج الأجنبية. هذا ما نحتاج إليه راهناً. للأسف مجتمع نخبتنا لم يصل إلى نتائج صحيحة في أجزاء مهمة‌ من هذه القضية، و هذا ما يجب أن يحصل و سيحصل بحول الله و قوته.و هدفنا الثالث هو إننا نحتاج بالتالي إلى تمهيد السبل و مدّ السكك لإدارة البلاد على مدى عشرات الأعوام القادمة. هذه الجلسة و الجلسات الشبيهة بها سوف تفضي إلى مثل هذا التمهيد للسبل و مدّ السكك. هذه هي أهدافنا من إقامة هذه الجلسة و الجلسات القادمة إن شاء الله.إذن، العملية‌ لا تتعلق بالأشخاص و المسؤولين، و هي لا تتعلق بي، إنما هي عملية‌ تتعلق بالجميع. كلنا مسؤولون بخصوص هذه العملية التي يتم إنجازها.. كل منا بقدر استطاعته و إمكانياته و سعته و مدى قدرته. كلنا مسؤولون في هذا المجال و يجب أن نتابع المسألة إن شاء الله.. هذه نقطة.النقطة التالية هي أن حصيلة هذه العملية ليست سريعة‌ التحقق. لقد دخلنا في هذه القضية و نحن متفطنون إلى هذه النقطة. طبعاً طرح بعض السادة اقتراحات و مشاريع لنتائج سريعة، و لا إشكال في ذلك، لكن الشيء الذي نتغيّاه لن يحصل إلا على المدى البعيد، و في أحسن الظنون على المدى المتوسط. إنها عملية طويلة الأمد. إذا استطعنا بحول الله و قوته التوصل في إطار عملية معقولة إلى نموذج إسلامي - إيراني للتقدم فسوف يكون ذلك وثيقة عليا على كل الوثائق الخاصة بالبرامج في البلاد و المتعلقة بأفق البلاد و سياساتها. أي حتى وثائق الأفق المرسومة لعشرين سنة و عشر سنوات يجب أن تدوّن على أساس هذا النموذج. السياسات التي سترسم - سياسات البلاد العامة - يجب أن تتبع هذا النموذج و تندرج ضمن هذا النموذج. طبعاً ليس هذا النموذج نموذجاً غير مرن. ما سوف يحصل ليس بالكلمة‌ الأخيرة. لا شك أن ظروف الزمان المتجددة ستوجب بعض التغييرات، و لا بد من اجتراح هذه التغييرات. إذن النموذج نموذج مرن، أي إن فيه قابلية‌ للمرونة و التغيير. و الأهداف مشخصة و معلومة: الاستراتيجيات قد تتغير و تعدل بحسب الظروف. و عليه فإننا لن نتسرع في هذه القضية على الإطلاق. طبعاً لا بد من وجود السرعة‌ المعقولة لكننا لن نصاب بداء‌ التسرع و سوف نتقدم إن شاء الله بحركة صحيحة‌ و متينة إن شاء‌ الله.حسناً، قدم الأعزاء نقاشات جيدة بخصوص مفردات هذه الجملة: «النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم». تم تقديم آراء جيدة حول معنى هذا النموذج، و ما هو المراد من الإيراني و ما هو المقصود من الإسلامي، و التقدم في أي اتجاهات. ما أريد أن أضيفه هو أولاً: كلمة التقدم اخترناها بدقة و تعمدنا عدم استخدام كلمة التنمية. و السبب هو أن كلمة‌ التنمية لها محتوى من حيث القيمة و المعنى و لها لوازمها التي قد لا نكون من المواكبين أو المتماشين أو الموافقين لها. لا نريد استخدام مصطلح عالمي دارج يفهم منه معنى خاص و إشراكه في مهمتنا و عملنا. إنما نطرح و نعرض مفهومنا الذي نقصده، و هذا المفهوم عبارة عن «التقدم». نعرف المعنى الفارسي المعادل لكلمة‌ تقدم و نعلم ما هو المراد من التقدم و سوف نعرف ما هو قصدنا من هذا التقدم ذي المعنى الواضح في الفارسية. التقدم في أي مجالات و في أية اتجاهات. و قد كانت لنا تجربة‌ عدم استعارة المفاهيم في مواطن أخرى من الثورة. لم نستخدم مثلاً كلمة إمبريالية و استخدمنا كلمة استكبار. قد تكون هناك بعض الجوانب في معنى الإمبريالية لا نوافقها و لا نقصدها، و تأكيدنا ليس على تلك الجوانب و إنما على المعنى المستحصل من كلمة‌ الاستكبار. لذلك طرحنا هذه الكلمة و تكرست في الثورة و العالم اليوم يفهم قصدنا منها، و كذا الحال بالنسبة‌ لمفاهيم أخرى.مفهوم التقدم مفهوم واضح بالنسبة لنا. إننا نستخدم كلمة‌ التقدم و نعرفها و نقول ما هو مرادنا من التقدم. و بخصوص إيرانية‌ النموذج، فضلاً عمّا قاله الأصدقاء حيث هناك تأثير للظروف التاريخية و الجغرافية و الثقافية و الإقليمية و الجيوسياسية في تكوين هذا النموذج - و هذا شيء صائب في محله بلا شك - تطرح أيضاً قضية‌ أن مصمّميه هم المفكرون الإيرانيون، و هذا وجه مناسب جداً لعنوان «الإيراني»، بمعنى أننا لا نروم أخذ هذا النموذج من الآخرين، إنما نتوخى تكوين ما نراه لازما لنا، و ما نجد فيه مصلحة لبلادنا، و ما نرسم على‌ أساسه صورة مستقبلنا. إذن، هذا النموذج إيراني، و من ناحية‌ أخرى فهو نموذج إسلامي، ذلك أن غاياته و أهدافه و قيمه و أساليب العمل فيه مستقاة كلها من الإسلام. أي إن اعتمادنا قائم على المفاهيم و المعارف الإسلامية. نحن مجتمع إسلامي و حكومة‌ إسلامية، و فخرنا هو في أن نستطيع الاستفادة من المصادر الإسلامية، و لحسن الحظ فإن المصادر الإسلامية‌ متوفرة بين أيدينا، فهناك القرآن و هناك السنة و هناك المفاهيم الثرة و الممتازة جداً الموجودة في فلسفتنا و كلامنا و فقهنا و حقوقنا. و على ذلك فإن صفة «الإسلامي» هذه تأتي من هذا الباب و لهذه المناسبة. و إذن، فـ «الإسلامي» هو لهذه المناسبة. و النموذج هو الخارطة الشاملة. حينما نقول النموذج الإيراني - الإسلامي فمعنى هذا الخارطة الشاملة. من دون الخارطة‌ الشاملة سوف نصاب بالحيرة و الاضطراب، و قد كنا طوال هذه الأعوام الثلاثين نعاني من تحركات غير هادفة و ارتدادية فنذهب ذات اليمين و ذات الشمال و ربما قمنا أحياناً بشيء ثم قمنا بنقيضه - سواء في مجال الثقافة أو في مجال الاقتصاد أو في المجالات المتنوعة الأخرى - و السبب في ذلك عدم وجود خارطة‌ شاملة. و هذا النموذج هو الخارطة الشاملة التي تقول لنا إلى أي اتجاه يجب أن نسير و ما الهدف الذي يجب أن نتجه نحوه. و بالطبع كما قال الأعزاء ينبغي رسم صورة الوضع المنشود، كما يجب إيضاح كيف ينبغي الوصول من الوضع القائم إلى ذلك الوضع المنشود. و سوف تطرح الكثير من الأسئلة يقيناً، و لا بد من معرفة هذه الأسئلة، و قد قال أحد السادة هنا ثمة أربعة آلاف سؤال، و هذا جيد جداً. يجب معرفة‌ هذه الأسئلة و العلم بها، و لا بد من تكوين مثل هذه الحركة بين نخبنا، و طرح الأسئلة و الإجابة عنها و هي حركة‌ و عملية طويلة الأمد. طبعاً حين نقول الإيراني أو الإسلامي لا نقصد عدم الاستفادة مطلقاً من مكتسبات الآخرين، لا، لا نضع لأنفسنا أية‌ قيود لاكتساب العلم. أينما كان العلم و المعرفة الصحيحة و التجارب الصحيحة فسوف نتوجه نحوها، و لكننا لن نأخذ الأشياء بأعين مغلقة عمياء. سوف نستفيد من كل ما موجود في عالم المعرفة و يمكن الاستفادة منه.ثمة أسئلة‌ تطرح و قد طرحت بعض الأسئلة هنا و أجيب عنها. و لا أكررها، و طرحت آراء جيدة و لا حاجة إطلاقاً لأن أكررها. طبعاً كنت قد اطلعت سابقاً على مجموعة الأعمال التي أنجزت و استمعت لها الآن ثانية بدقة، و قد طرحت هنا آراء جيدة جداً. البعض يسأل ما هي مناسبة هذا المقطع الزمني.. بعد أن يوافقوا ضرورة المشروع و أصله يسألون لماذا لم يجر هذا الأمر في السابق؟ أو ما هي الضرورة للقيام بهذا العمل في الوقت الحاضر؟ الواقع أنه لم يقع فاصل زمني كبير. ليست فترة‌ ثلاثين عاماً بالمدة الطويلة لهذه العملية المراد منها تدوين مثل هذا النموذج. التجارب تتراكم و المعارف تتظافر و الأوضاع و الأحوال السياسية تفرض مقتضياتها ثم نصل إلى محطات كانت مجهولة و تصبح معلومة إن شاء الله. أعتقد أن إمكانية البلد في هذه المرحلة إمكانية مناسبة. قيل طبعاً إننا لا نمتلك القدرات الفكرية لتدوين مثل هذا النموذج، و هذا ما لا يمكن قبوله، إذ أن إمكانيات البلاد إمكانيات كبيرة. و في حدود علمي فإن الإمكانيات التي أنتقلت من حالة الكمون إلى الفعل و الظهور إمكانيات يمكن أن نصفها بأنها جيدة جداً، سواء على مستوى الجامعات أو على مستوى الحوزة العلمية في قم أو بعض الحوزات الأخرى. أضف إلى ذلك وجود مواهب و إمكانيات يمكن تفعيلها و عرضها عن طريق المطالبة. إذا لم نبدأ هذا المشروع اليوم و لم نتابعه فسوف نتأخر بلا شك و سوف نخسر، لذلك يجب أن تتقدم هذه الحركة التي تم تصميمها و التخطيط لها بهذا النحو. ما أضيفه هنا هو أن مجالات هذا التقدم يجب أن يتم تشخيصها عموماً. هناك أربعة مجالات أساسية، منها المجال الحياتي الذي يشمل العدالة و الأمن و الحكومة و الرفاه و ما إلى ذلك. و المجال الأهم هو المجال الفكري. يجب أن نأخذ المجتمع نحو أن يكون مجتمعاً مفكراً و هذا درس من دروس القرآن. لاحظوا كم ترد في القرآن الكريم عبارات «لقوم يتفكرون» و «لقوم يعقلون» و «أفلا يعقلون» و «أفلا يتدبرون». علينا جعل تفجر الأفكار و التفكير في مجتمعنا حقيقة واضحة جلية. و هذا ما يبدأ طبعاً من جماعة النخبة ثم ينحدر نحو عموم الناس. و لهذا بطبيعة الحال استراتيجياته و لوازمه و أدواته و شروطه التربوية و التعليمية التي ينبغي أخذها جميعاً بنظر الاعتبار في عمليات التخطيط و البرمجة.المجال الثاني الذي تعدّ أهميته أقل من أهمية‌ المجال الأول هو مجال العلم. يجب أن نتقدم في العلوم. و طبعاً العلم نفسه ثمرة التفكير. في هذه المرحلة الحالية و الحركة باتجاه التطور و التقدم الفكري يجب أن لا يكون هناك أي تقصير أو تقاعس أو تكاسل. لحسن الحظ فقد بدأت هذه الحركة في البلاد منذ عدة سنوات، و بدأ العمل باتجاه الإبداع العلمي و الاستقلال العلمي. العلم من طبيعته أن يفصح عن نفسه مباشرة على شكل تقنيات. و في حالات كثيرة فإن حصيلة الحركة العلمية ليست طويلة الأمد كهذه المسألة التي نناقشها الآن، إنما هي أقرب زمنياً و ثمارها أدنى. يجب القيام بالأعمال و المشاريع العلمية بنحو عميق و أساسي. هذا أيضاً مجال من مجالات التقدم.المجال الثالث مجال الحياة الذي سبق أن أشرت إليه، و تندرج فيه جميع الأشياء المطروحة في حياة المجتمع كقضايا أساسية و خطوط أساسية من قبيل الأمن و العدالة و الرفاه و الاستقلال و العزة الوطنية و الحرية و التعاون و الدولة.. هذه كلها أرضيات للتقدم يجب متابعتها و الخوض فيها.و المجال الرابع - و هو الأهم من كل هذه الأمور و يعدّ بمثابة الروح لكل هذه الأمور - هو التقدم في المجال المعنوي. يجب أن ننظم هذا النموذج بحيث تكون نتيجته تقدم مجتمعنا الإيراني نحو مزيد من المعنوية. و هذا طبعاً أمر واضح بالنسبة لنا في موضعه. و قد يكون واضحاً بالنسبة لكثير من الحضور المحترمين، و لكن يجب أن يتضح للجميع أن المعنوية‌ لا تتعارض إطلاقاً لا مع العلم و لا مع السياسة و لا مع الحرية و لا مع الأمور الأخرى، إنما المعنوية هي روح كل هذه الأمور. يمكن بالمعنوية الوصول إلى قمم العلم و فتحها، بمعنى أن تكون هناك معنوية و قيم روحية و يكون هناك إلى جانبها تقدم علمي. و حينئذ سيكون العالم عالماً إنسانياً، سيكون عالماً جديراً بحياة الإنسان. و العالم اليوم هو عالم الغابة. العالم الذي يترافق فيه العلم مع المعنوية و تترافق فيه الحضارة مع المعنوية و تترافق فيه الثروة مع المعنوية سوف يكون عالماً إنسانياً. طبعاً النموذج الكامل لهذا العالم سوف يتحقق في فترة‌ ظهور الإمام بقية الله (أرواحنا فداه) و من هناك سوف يبدأ العالم. إننا نتحرك الآن في مقدمات العالم الإنساني. نحن أشبه بشخص يسير في منعطفات الجبال و التلال و الطرق الصعبة حتى يصل إلى الطريق الأصلي. و حينما نصل إلى الطريق الأصلي عندئذ تبدأ الحركة نحو الأهداف السامية. و الإنسانية طوال حركتها و مسيرتها التي استمرت لعدة آلاف من السنين إنما تجتاز بهذه المنعطفات وصولاً إلى الطريق الأصلي. و حينما تصل إلى الطريق الأصلي - و هو ما سيقع في زمن ظهور الإمام بقية الله - عندئذ تبداً مسيرة الإنسان الأصلية و حركته السريعة الناجحة الخالية من العنت و المشقة، و ستكون المشقة‌ مجرد مشقة‌ السير في هذا الطريق و لن تكون هناك ثمة حيرة‌.على كل حال، هذه هي المجالات الأربعة‌ للتقدم التي يجب أن نتقدم فيها على أساس النموذج الذي سوف تتابعونه إن شاء الله، و أسلوب المتابعة‌ بدوره واضح لدينا على نحو الإجمال و بحدود معينة و سوف نذكره.بخصوص المحتوى الإسلامي كان للأعزاء إشارات جيدة جداً. المسألة الأولى التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار هي مسألة المبدأ أو مسألة‌ التوحيد.. «إنا لله و إنا إليه راجعون» (2). المشكلة‌ الأهم في العالم الراهن.. العالم الذي يتجلى بأكثر بهرجة ممكنة في الغرب، هي البعد عن الله و عدم الإيمان به و عدم الالتزام بهذا الإيمان. طبعاً قد يكون هناك اعتقاد ظاهري و صوري و ما إلى ذلك، و لكن ليس ثمة التزام بهذا الاعتقاد. إذا تم حل مسألة المبدأ فسوف تحل الكثير من المسائل الأخرى. «يسبّح له ما في السماوات و الأرض» (3). «و لله جنود السماوات و الأرض و كان الله عزيزاً حكيماً» (4). حينما يعتقد الإنسان بهذه الأمور فإن هذه العزة الإلهية و هذا التوحيد الذي يعرض علينا هذا المعنى سوف يوفر للإنسان طاقة‌ عظيمة لا نهاية‌ لها. «هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون» (5). حينما يؤمن الإنسان بمثل هذا التوحيد و عندما نستطيع بسط و نشر مثل هذا الاعتقاد في حياتنا فسوف يتم علاج مشكلات البشرية الأساسية.القضية الأساسية الثانية هي قضية المعاد و الحساب و عدم انتهاء المطاف و الأمور بزوال الجسم عند الموت. إنها لقضية على جانب كبير من الأهمية أنّ ثمة حساب و كتاب «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره». الشعب الذي يعتقد بهذا و يكون هذا المعنى في برامجه العملية: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره» (6)، سوف يحدث تحول أساسي في حياته. الاعتقاد بامتداد نتائج العمل يضفي المعنى على الإيثار و الجهاد و يجعلهما أمرين منطقيين. من الأدوات المهمة للأديان - و الموجودة في الإسلام بوضوح - قضية الجهاد، و الجهاد يجب أن يكون مصحوباً بالإيثار، و إلا لم يكن جهاداً. معنى الجهاد هو التجاوز عن الذات و غضّ الطرف عنها. غضّ الطرف عن الذات شيء غير منطقي حسب منطق العقل الذرائعي. فلماذا أغض الطرف عن ذاتي؟ إنه الإيمان بالمعاد الذي يجعل هذا الأمر منطقياً و عقلانياً. حينما نؤمن أنه ما من عمل سوف يذهب سدى بل ستحفظ جميع الأعمال و سوف نراها في حياتنا الحقيقية الآخرة «و إن الدار الآخرة لهي الحيوان» (7) عندها لو خسرنا هنا شيئاً في سبيل أداء التكليف و الواجب فلن نشعر بالخسارة حتى لو كان ذلك الشيء هو أرواحنا أو أحباؤنا و أبناؤنا. يجب أن تدرج هذه الأمور ضمن نموذج التطور و تكتسب معناها في تقدم المجتمع. و إذن، فالمسألة الأصلية هي مسألة التوحيد و المعاد.ثم هناك مسألة عدم الفصل بين الدنيا و الآخرة: «الدنيا مزرعة الآخرة» (8)، و أخال أن بعض الأعزاء قد أشاروا لذلك، و هي مسألة مهمة جداً. فالدنيا غير منفصلة عن الآخرة. و الآخرة هي الوجه الآخر لعملة الدنيا. «و إن جهنم لمحيطة بالكافرين» (9). الكافر في الجحيم منذ الآن، لكنه جحيم لا يدركه الكافر و لا يشعر به. و بعد ذلك حينما يتجسد الأمر سيفهم. الكافر الآن ذئب لكنه لا يشعر أنه ذئب، و نحن ذوي الأبصار المقفلة أيضاً لا نراه ذئباً، و لكن حين نستيقظ من نومنا سنرى أنه ذئب. إذن الترابط بين الدنيا و الآخرة بهذا المعنى. يجب أن لا نتصور أن الدنيا تشبه أوراق اليانصيب، لا، إنما الآخرة هي الوجه الآخر لهذه الدنيا، و الوجه الآخر لهذه العملة.المسألة الأخرى هي مسألة‌ الإنسان، و نظرة الإسلام للإنسان، و محورية الإنسان. لهذا الموضوع في الإسلام معنى واسع جداً. واضح أن الإنسان في الإسلام و الإنسان في الفلسفات المادية الغربية و الوضعية في القرن التاسع عشر و ما بعد ذلك مختلفان أشد الاختلاف. فهذا إنسان و ذاك إنسان آخر، بل إن تعريف هذين الإنسانين ليس واحداً. و من هنا فإن محورية الإنسان في الإسلام تختلف تماماً عن محورية الإنسان في تلك المدارس المادية. الإنسان محور، و كل هذه القضايا التي نبحثها من قبيل قضية العدالة و قضية الأمن و قضية الرفاه و قضية العبادة هي من أجل سعادة الإنسان. مسألة السعادة و مسألة العقبى تتعلق هنا بالفرد، لا بمعنى أن يغفل الفرد عن حال الآخرين و لا يعمل لهم، لا، «من أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً» (10). جاء في الرواية أنهم سألوا الإمام عن معنى هذه العبارة فقال إن تأويلها الأعظم هو أن تهدي أحد الناس، و واضح أن الهداية‌ من واجب الجميع، لكن الأمر المطروح من قبل الإسلام للإنسان و الذي يعدّ الأمر الأهم هو نجاة‌ الإنسان نفسه. علينا إنقاذ أنفسنا و تخليصها. و نجاتنا هي في أن نعمل بواجباتنا و عندئذ سيكون العمل بالواجبات الاجتماعية و تكريس العدالة و تأسيس حكومة الحق و مكافحة الظلم و الفساد من مقدمات تلك النجاة. و إذن فهذا هو الأصل و كل شيء‌ مقدمة و المجتمع الإسلامي أيضاً مقدمة و العدالة إيضاً مقدمة. حين يقول القرآن الكريم :«ليقوم الناس بالقسط» (11)، و يذكر ذلك باعتباره هدف الأنبياء - و لا شك أن العدل هدف، لكنه هدف وسيط و الهدف النهائي عبارة‌ عن فلاح الإنسان.. هذا ما ينبغي التنبه له، فالإنسان مخلوق مكلف و مختار و موضوع للهداية الإلهية - « ألم نجعل له عينين و لساناً و شفتين و هديناه النجدين» (12). بوسع الإنسان أن يختار الهداية‌ و بمقدوره أن يختار الضلالة، فالإنسان مخلوق ملتزم أمام نفسه و أمام مجتمعه و أهله. و حسب هذه النظرة ستكون الديمقراطية علاوة‌ على كونها حق من حقوق الجماهير، واجباً من واجباتهم، بمعنى أن جميع الناس مسؤولون بخصوص مسألة الحكم في المجتمع، و لا يمكن القول إن هذه المسألة لا تتعلق بي، لا، صلاح البلاد و فسادها و نظام الحكم أمور ترتبط بكل الأفراد. أي إن الإنسان ملتزم حيالها. هذا أيضاً من العناصر الأصلية التي ينبغي ملاحظتها في الرؤية الإسلامية و مراعاتها في هذا النموذج.المسألة الأخرى هي مسألة الدولة و نظام الحكم، فللإسلام في هذا الباب أيضاً نظرياته و آراؤه الخاصة. الأهلية‌ الفردية في أمر الدولة في الإسلام قضية أساسية و على جانب كبير من الأهمية. كل من يريد تولي جزء من الإدارة يجب أن يوفر لذلك الأهلية في نفسه أو يجد الأهلية في نفسه، و من دون ذلك يكون قد ارتكب عملاً غير شرعي. عدم العلو و عدم الإسراف و عدم الاستئثار قضايا مهمة في أمر الحكم. يقول الله تعالى حول فرعون: «كان عالياً من المسرفين» (13). أي إن خطيئة فرعون هي أنه كان عالياً. و بهذا فالعلو و الاستعلاء بالنسبة للحاكم صفة سلبية و ليس من حقه أن يستعلي، و لا من حقه إذا كان من أهل العلو أن يتقبل السلطة، و لا من حق الناس أن يتقبلونه باعتباره حاكماً و إماماً للمجتمع. و الاستئثار معناه أن يريد الإنسان كل شيء لنفسه، و هو في مقابل الإيثار. الإيثار معناه تقديم كل شيء لصالح الآخرين و الاستئثار معناه أخذ كل شيء من الآخرين لصالح الذات. العلو و الاستعلاء و الاستئثار من الصفات السلبية للحاكم. يقول الإمام أمير المؤمنين في نهج البلاغة حول بني أمية: «يأخذون مال الله دولاً و عباد الله خولاً و دين الله دخلاً بينهم». فالسبب في عدم صلاحيتهم للحكم هو هذه الصفات فيهم، «يأخذون مال الله دولاً»، أي إنهم يتداولون الأموال العامة‌ فيما بينهم. «و عباد الله خولاً»، و يعتبرون الناس كالعبيد لهم و يستخدمونهم كالخدم. «و دين الله دخلاً بينهم» و يتلاعبون بدين الله كيفما حلا لهم. و على ذلك فللإسلام رأيه في نظام الحكم، و هذا ما يجب أخذه بنظر الاعتبار في نموذج حياتنا على المدى البعيد.و بخصوص المسألة الاقتصادية قدّم السادة بحوثاً جيدة. «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» (14) معيار مهم. قضية العدالة مهمة جداً. لا بد أن تكون العدالة من الأركان الأصلية في هذا النموذج. بل إن العدالة‌ هي معيار الحق و الباطل في الحكومات و الدول. بمعنى إذا لك يتوفر معيار العدالة كانت الحقيّة و الشرعية موضع نقاش و تشكيك من وجهة نظر الإسلام.المسألة الأخرى هي النظرة غير المادية للاقتصاد. الكثير من هذه المشكلات التي ظهرت في العالم إنما هي بسبب النظرة المادية للمسألة الاقتصادية و مسألة المال و الثروة. كل هذه الأمور التي ذكرها الأعزاء حول انحرافات الغرب و المشكلات العديدة و حالات الاستثمار و الاستعمار و ما إلى ذلك بسبب النظرة المادية‌ للمال و الثروة. يمكن تصحيح هذه النظرة. الإسلام يهتم بالثروة و يقيم اعتبار لها، و إنتاج الثروة في الإسلام عملية محبذة، و لكن بنظرة إلهية و معنوية. و النظرة الإلهية و المعنوية هي أن لا تستخدم هذه الثروة للفساد و الهيمنة و الإسراف و إنما تستخذم لصالح المجتمع.. و غير ذلك من المسائل العديدة الموجودة.المواضيع و النقاشات هنا كثيرة، و لا أريد إطالة الكلام، فقد انقضى الوقت و لا ضرورة لطرح هذه النقاشات في هذه الجلسة. و ستكون لنا أوقات كثيرة إن شاء الله لمثل هذه النقاشات إذا كتبت لنا أعمار.قلنا إن هذه بداية طريق.. أي إن جلستنا الليلة هي بداية، و يجب أن يتواصل هذا السياق. قد يكون من الضروري عقد عشرة أو عشرات الاجتماعات و الملتقيات حول قضية النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم. و قد يكون من الضروري عقد عشرات الحلقات العلمية في مختلف الجامعات لأجل ذلك. قد يكون المئات من المثقفين و الواعين و النخبة و العلماء في إيران الذين يفضلون العمل الفردي و ليسوا من أهل العمل الجماعي، قد يكونوا مستعدين للدراسة في بيوتهم و يجب الاستفادة من هؤلاء. يجب تشكيل حلقات فكرية، و لا بد من انهماك الجامعات و الحوزات في هذه المسألة لنستطيع إن شاء الله الوصول بهذا المشروع إلى محطته المنشودة.طبعاً التقرير الذي قدمه السيد داودي كان جيداً جداً، و لم أكن عديم الإطلاع بالمرة على الأمور التي ذكرها، لكننا لم نكن مطلعين على هذه التفاصيل. هذه حالة‌ جيدة جداً و لا تنافي بين الأمرين. هذه العملية ليست عملية جماعة خاصة و محدودة إنما هي عملية‌ يجب أن تشترك فيها جميع إمكانيات النخبة في البلاد. و كما قلنا فهي ليست من المشاريع قصيرة الأمد و التي تؤتي نتائجها بسرعة بل هي عملية طويلة الأمد يجب أن تتم، و نحن لسنا في عجل، بل سوف نتحرك و نسير إلى الأمام، و هي ليست من تلك الأمور التي تستطيع الحكومات أو المجالس المصادقة‌ عليها، و إنما هي كما ذكرنا فوق كل الوثائق المهمة‌ و الفاعلة في البلاد، و يجب أن تقطع مراحل عديدة و تصل إلى قوامها اللازم. يجب تنضيج هذه الأفكار تماماً لتصل إلى مرحلة‌ أساسية. و لا بد من وجود مركز لهذه المهمة يتابعها و يرصدها و سوف نؤسس هذا المركز إن شاء الله. يجب أن يكون هناك مركز من دون أن يحتكر لنفسه هذه الحركة، و سوف لن نتوقع من ذلك المركز أن يقوم هو بهذه المهمة، بل نتوقع منه أن يشرف على هذه الحركة العظيمة التي يقوم بها النخبة في البلاد، و يتابعها و يرصد أخبارها، و يساعد النخبة في مهمتهم و يدعمهم بمختلف الوسائل و الأساليب، بحيث لا تتوقف هذه الحركة. طبعاً قلنا إنه لا بد من مركز أو لجنة، و سوف يصار إلى تأسيس هذا المركز إن شاء الله. و عليه، فإن عملنا معكم لن ينتهي الليلة، أي إن هذه المسألة ليست مسألة تبدأ في هذه الجلسة و تنتهي في هذه الجلسة، بل سوف تستمر إن شاء الله. و طبعاً ستكون هناك مجاميع متعددة، فهناك الكثير من الأفراد و الشخصيات. و كما أوصى السيد واعظ زاده و طلب، أطلبُ أنا أيضاً من السادة الذين لديهم آراء و كانوا يريدون طرحها أن يقدموا آراءهم هذه. و الطروحات التي ذكرت هنا بعضها مما يجب أن يفكر فيه الإنسان، أي يجب تشكيل حلقات فكرية تبحث في هذه الآراء و تناقشها و تدافع عنها أو تسجل مؤاخذاتها و إشكالاتها عليها و تأخذ و تردّ و تناقش كما عند طلبة العلوم الدينية‌ حين يقولون: إن قلتَ قلتُ، لنصل إلى نتائج جيدة إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.1 - طلب السيد واعظ زاده من سماحة قائد الثورة‌ الإسلامية أن يلقي كلمة مفصلة في هذا الاجتماع.2 - سورة البقرة، الآية 156.3 - سورة الحشر، الآية 24.4 - سورة الفتح، الآية 7. 5 - سورة الحشر، الآية 23.6 - سورة الزلزال، الآيتان 7 و 8.7 - سورة العنكبوت، الآية 64.8 - إرشاد القلوب، ج 1، ص 89.9 - سورة التوبة، الآية 49.10 - سورة المائدة، الآية 32.11 - سورة الحديد، الآية 25.12 - سورة البلد، الآيات 8 - 10.13 - سورة‌ الدخان، الآية 31.14 - سورة الحشر، الآية 7.
2010/12/01

كلمته في لقائه النموذجيین من قوات التعبئة الشعبية من كل أنحاء البلاد

بسم‌ الله ‌الرّحمن‌ الرّحيم‌الحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على سيّدنا محمّد و آله الطّاهرين‌ سيّما بقيّة الله في الأرضين‌.نحمد الله تعالى على ما وفّقنا إليه من حضور هذا اللقاء البهي الرائع.. أرجو من الإخوة و الأخوات الواقفين في أطراف الساحة، أن يجسلوا ليتسنى لنا البحث.يصادف هذا اليوم مع الأوّل من شهر محرّم. و هناك تناسب بين هوية و حقيقة قوات التعبئة و بين هوية محرّم و عاشوراء. إنها لمفخرة بالنسبة لقوات التعبئة أن تسير على خُطی مدرسة عاشوراء. إن عاشوراء يمثل طبعاً ذروة الفداء و الإيثار. و كل التاريخ، و العالم كله عرف قضية عاشوراء و الحسين بن علي (علیه السلام) و أصحابه الأوفياء، بهذه الخصوصية. إن الفداء هو الإيثار في سبيل الله، و على طريق تحقيق الأهداف الإلهية. غير أن قضية عاشوراء لا تتلخص بهذا الجانب وحده، بل إن أبرز و أجلى سِمة في عاشوراء هي التضحية و الشهادة. و لكن هناك في قضية عاشوراء حقائق أُخرى. فمنذ بداية الحركة من المدينة غرست بذور المعرفة ـ هذه واحدة من خصائص واقعة عاشوراء ـ غُرست بذور البصيرة. فإن كان هناك شعب لا بصيرة له أو أمة لا بصيرة لها، فإنّ الحقائق المختلفة لن تُصلح أمرها، و لا تحلّ عقدة من عقد معضلاتها. و في ضوء ذلك يتبيّن أن السمات المهمة لعاشوراء هي الإخلاص، و معرفة الظروف، و غرس بذور حركة تاريخية متصاعدة. هذه الواقعة لم تنته عند ظهر يوم عاشوراء، بل في الواقع إن مساراً في التاريخ بدأ منذ ظهيرة يوم عاشوراء، و ما برح في ازدياد و اتّساع. و هكذا سيكون الحال من بعد هذا. لقد جاء الإمام الحسين (علیه السلام) بكل ما عنده من أجل إعلاء كلمة الحق و في سبيل نجاة الخلق. هذه بعض الخصوصيات التي يستطيع المرء مشاهدتها و بيانها بشكل عام في واقعة عاشوراء.إن قوات التعبئة على النهج ذاته، و هذه الحركة ذاتها، و ذات الأهداف، و الأدوات و الوسائل ذاتها. و قوات التعبئة حشد مضحٍ من الناس و إلى الناس، و تشكيل لثلّة ضمن حركة هائلة لشعب مجاهد. إن الحضور في حياض الدفاع، و في ميادين العلم، و في حقول الفن، و في سوح البناء، و في حقل السياسة، و في مجال الثقافة، و الحضور في ميادين تقديم العون للمستضعفين، و مساعدة البائسين، و في الإنتاج، و في التقنية، و في مجال النهوض بمختلف مناحي الحياة في البلاد، و في حقل الرياضة، و في مجالات التألّق على الصعيد الدولي، و في كل عمل خيري، هناك هذه الحركة التعبوية، و هذه الحركة الشعبية، لأجل الناس، و في قلوب الناس، و من بين الناس، و من مختلف الشرائح، نساءً، و رجالاً، و شباباً، و شيوخاً، و يافعين، و من شتّى الطبقات، و هو ما يعني تشكيل مجموعة واقعية من حزب الله.إن قوات التعبئة تشكيل سياسي، و لكنها غير مسيّسة، و لا طبيعتها السياسة، و لیست جهوية أو فئویة. إن الفرد التعبوي مجاهد و لكنه غير خارج عن الانضباط، و لا متطرّف. و هو متديّن و متعبّد بعمق و لكنه غير متحجّر، و لا منساق وراء الخرافات. و هو ذو بصيرة، بيده أنه ليس مغروراً، و هو من أهل الجذب ـ قلنا الجذب كحد أقصى ـ و لكنه ليس من ذوي التسامح في المبادئ. إن الفرد التعبوي غيور يذود عن حمى الخطوط الفاصلة؛ و هو من مناصري العلم و لكنه ليس منقاداً له. و هو متخلّق بأخلاق الإسلام، و لكنه ليس مرائياً، و يعمل لإعمار الدنيا غير أنه ليس من عبيدها. هذه هي ثقافة التعبوي.الثقافة التعبوية تعني تلك المجموعة من المعارف و الأساليب و الأنماط التي تستطيع إيجاد مكوّنات عظمى في صفوف ذلك الشعب بحيث تضمن له حركة إسلامية قويمة و ثابتة. هذا نوع من التفكير، و هو ليس ذهنياً و إنّما له وجود عيني في الواقع الخارجي. الحركة التعبوية غيّرت و رسمت مصير إيران، بل حتى ما وراء إيران. فمنذ اليوم الأوّل انطلق تعبويّو إمامنا الخميني في شتّى ميادين الثورة إلى أن انتصرت، و من بعد الثورة قاموا بعمل أصبح عملاً مخلّداً، و غدا مثالاً، و غدا تذكاراً للشعب الإيراني في ميدان التاريخ. إن شبّان نيويورك و كاليفورنيا يكررون اليوم ذات الشعارات التي هتف بها الشعب المصري و الشعب التونسي، و يستلهمون منهم. ثم إن شباب مصر و تونس استلهموا من حزب الله و حماس و الجهاد الإسلامي و تعلموا منهم و لم يكتموا ذلك. و كان المعلم الأوّل في العصر الجديد هو تعبويّ إمامنا الكبير، حيث تعلّم الجميع من تعبويّ الإمام، و من معاقي هذه الثورة و من جنودها و فدائيّيها، تعلّموا كيف يمكن تحطيم أسطورة القوّة المادية، و كيف يمكن تحطيم الأصنام بإسم الله، و كيف يمكن الصمود، و كيف تكون المقاومة. هذه حقائق نتعرّف عليها اليوم من خلال وجود التعبئة، و عينية التعبئة، و حركة التعبئة، و أهداف التعبئة. لقد استطاعت ثورتنا الإسلامية و شعبنا الثوري بمثل هذه الثقافة؛ و بمثل هذه التعاليم، و بمثل هذه الروح أن تجعل الكثير من الأمور المتعذرة ممكنة، و أن تحققها على أرض الواقع. و سوف تستمر هذه الحركة. و عداء الأعداء غير قادر على التأثير فيها. إن العدو يمارس عداءه طبعاً ـ و هذا مما لا ينبغي الشك فيه، بل و لا يرتجى من العدو موقف آخر سوى هذا ـ غير أننا حينما ننظر إلى الحركة العظيمة للشعب الإيراني و وثبته العارمة منذ بداية الثورة، نلاحظ أنها تسير على خط معيّن. الشعب الإيراني يسير إلى الأمام، و يتّجه نحو العُلا، و يتغلّب على التحدّيات المختلفة التي يواجهها في شتّى الميادين، و الأعداء يتراجعون في هذه المنازلة و يقدّمون التنازلات، و لا مناص لهم من ذلك. إن مصير الشعب الإيراني في حركته هذه هو النصر المحتّم.اليوم تُشاهد في كل المنطقة الإسلامية و المنطقة العربية حركات إسلامية، و إرهاصات إسلامية. و هذا هو ما كان يتوقّعه منذ ثلاثين سنة كل من كان عارفاً بحقيقة الثورة، و كان أعداء الثورة منذ ثلاثين سنة يرتعدون من تصور مثل هذا الشيء، و كانت تراودهم خشية و رهبة الأحداث التي تجري اليوم. إذ كان أصحاب المخططات التآمرية ضد الجمهورية الإسلامية يتوقعون أن مثل هذه الأحداث سوف تقع، و قد وقعت و سوف تتواصل و لن تتوقّف.الشعوب الإسلامية في المنطقة العربية رفعت رأسها اليوم، و استيقظت و وعت. و لا يستطيع الأعداء قمعها و لا يستطيعون حرف مسيرتها. فالحركة قد انطلقت و جعلت العالم تحت تأثيرها. و هذه الحركات التي تشاهدونها اليوم في العالم العربي، في أمريكا و في أوربا مؤشّرات على تغييرات عظمى سيشهدها العالم مستقبلاً.نحن لا نعجب من رد فعل العدو. و لا نعجب من التهديدات التي يطلقها، و لا من الحصار الذي يفرضه علينا، و لا مما تقوم به الدول الاستكبارية في مواجهتها لنظام الجمهورية الإسلامية في هذا الدور. فهم يعلمون أن بؤرة انطلاق هذه الحركة هي الجمهورية الإسلامية، و أن صمود الشعب الإيراني هو الذي أجّج في المنطقة نزعة الشعور بالقدرة على الوقوف ضد الاستكبار. إن الاستكبار يحقّق تقدّمه على الدوام عن طريق بثّ الرعب؛ إرعاب الشعوب، و إرعاب زعماء الدول. فإذا كُسِر حاجز الرعب هذا، و أدركت الشعوب أن هذه الهيمنة صورية و زائفة و لا حقيقة لها و لا واقع، فسينتزع هذا السلاح من يد الاستكبار. و هذا هو ما حصل اليوم. و لذلك فهم حانقون و غاضبون، و يمارسون الضغوط ضد الجمهورية الإسلامية.إن اتهامهم للجمهورية الإسلامية في أنها هي التي أطلقت هذه الحركات إتهام مغلوط طبعاً، و هذه التهمة زائفة و لا صحة لها، و لا حاجة إلى مثل هذا العمل. إن النظام الإسلامي ببقائه و ثباته، و بصدقه على هذا الطريق ـ حيث أثبت الشعب الإيراني أنه صادق على هذا الطريق ـ كان مدعاة لاستلهام تجربته. و هذا الإلهام موجود. فاستيقظت الشعوب و شقّت طريقها. و أما العدو فيواصل ممارسته العدائية. و من الطبيعي أن هذا العداء يخلق تحدّيات. و قد اعتاد الشعب الإيراني على مواجهة هذه التحدّيات. و سنتغلّب بعون الله على جميع التحدّيات التي يثيرها العدو، و سننتصر، و قد يسّر الله العلي القدير هذا النصر للشعب الإيراني ثم في النهاية للأمة الإسلامية، و إقامة حقائق الإسلام النيّرة.عسى أن يمن الله تعالى على شعبنا العزيز، و على شبابنا الأعزاء من قوات التعبئة، و على جميع شباب هذا البلد، و على جميع مسؤوليه بتوفيق الاستمرار على هذا الطريق. و ليعلم الجميع أنهم كلّهم مسؤولون في هذه المجالات؛ مسؤولوا البلاد و الشرائح المختلفة. إن الشعب حاضر في الساحة. و الشعب على أهبة الاستعداد في جميع القضايا. و على المسؤولين أن يعرفوا قدر هذا الشعب و هذا الاستعداد، ليقوموا بالواجبات الملقاة على عاتقهم، في السلطات الثلاث، على أحسن وجه، و أن يسير الشعب قُدُماً بانسجام.هذه الحركات الإسلامية التي تنطلق في شتّى بقاع العالم الإسلامي حركات خالدة و باقية من غير شك، و حركات وثّابة، ها هي الشعوب تصحو الواحد تلو الآخر. و ها هم عملاء الاستكبار يتهاوون الواحد تلو الآخر، و يُزاحون من الساحة تباعاً. و ستتعاظم قوّة الإسلام و شوكة الإسلام يوماً بعد يوم إن شاء الله.اللهم اجعلنا أهلاً لهذه النِعم الكبرى، اللهم و اجعلنا من الشاكرين لها. اللهم نوّر قلوبنا بنور معرفتك و محبّتك، و معرفة و محبّة أوليائك. اللهم اجعلنا ممن تشملهم أدعیة إمام العصر و الزمان (أرواحنا فداه).و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2010/11/27

كلمة الإمام الخامنئي في 110 آلاف تعبوي بمناسبة عيد الغدير

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين.الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية علي أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين الطاهرين.أبارك عيد الغدير السعيد لكم جميعاً أيها الأعزاء المشاركون في هذا التجمع الهائل العظيم، و لكل التعبويين المخلصين في جميع أنحاء البلاد، و لكل الذين يعتبرون أنفسهم ملتزمين بالإسلام و سيادة الإسلام في شتى بقاع الأرض، و لكل الذين يحترمون الاسم المبارك للإمام علي بن أبي طالب.مع أن عيد الغدير من خصائص فرقة الشيعة‌ الإمامية لكن لهذا الحدث مفهوماً و محتوى و مضموناً واسعاً يجعله مستوعباً لكل المسلمين، بل حسب الإيضاح الذي سأذكره فهو لكل المخلصين و المتشوقين لسعادة الإنسان و تحسين حاله.نحن الشيعة لدينا هذا الاعتقاد الراسخ بشأن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو اعتقاد متقن لا سبيل للشك فيه، و نعتبر الحديث المتواتر - أي حديث يوم الغدير - الذي رواه كل محدثي الإسلام الكبار من شيعة و سنة سنداً و ركيزة لهذا الاعتقاد المتقن.عيّن الرسول الأكرم (ص) في يوم حار و في منطقة حساسة و مقابل أعين الناس علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام) إماماً للمسلمين من بعده و ولياً لأمور الإسلام و قدمه و عرفه للناس: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» (1). و هذا عطف على آيات عديدة تثبت ولاية الرسول (ص) من قبل الله تعالى. «إنما وليّكم الله و رسوله» (2).. و آيات عديدة أخرى. يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. أي معنى للولاية يختص بالرسول (ص) ينسحب على أمير المؤمنين (ع) بهذا التنصيب و التعريف الذي قام به الرسول. هذا دليل متين و موثق و لا سبيل للشك فيه. و قد ناقش كبار العلماء هذه المسألة. و ليس من اللازم أن ندخل في بحوث عقيدية، فهذا أمر محرز.كان جميع الناس قد خبروا علي بن أبي طالب في ذلك اليوم عن كثب، و لم يشكك أحد في تنصيب أمير المؤمنين. كان واضحاً أن هذا الرجل المضحي المخلص ذا المرتبة العليا في الإيمان و التقوى جدير بمثل هذه الخطوة من قبل الرسول الأكرم (ص) و من قبل الله تعالى في الواقع. لم يكن تنصيب الإمام علي (ع) تنصيباً نبوياً، بل تنصيباً إلهياً. كان هذا شأن الله الذي أبلغه الرسول للناس.يوم دخل أمير المؤمنين المدينة مع الرسول كان شاباً في الثالثة و العشرين من عمره. و ليقارن الشباب ممن هم في سن الثالثة و العشرين سلوكهم بذلك الشاب الممتاز على امتداد تاريخ البشرية. نفس هذا الشاب أضحى نجم معركة بدر و بطلها. و هو الذي تألق في معركة‌ أحد إلى درجة علم معها كل المسلمين بعظمة‌ ما قام به. و هو نفسه الشاب الذي وقف إلى جانب الرسول في الامتحانات المختلفة، و في غزوات الرسول، و في الصمود بوجه ضغوط جبهة الكفر و الاستكبار يومذاك. و هو الشاب الذي لم يرغب في الدنيا. يوم نصبه الرسول الأكرم (ص) - و كان وقتها شاباً - كان له في أعين المسلمين عظمة لا يمكن لأحد إنكارها. و لم ينكرها أحد لا في ذلك الوقت و لا في الأزمنة اللاحقة.لم تكن حادثة‌ الغدير مجرد نصب خليفة للرسول، فللغدير جانبان: أحدهما يتعلق بنصب الخليفة، و الجانب الثاني هو الإلفات إلى قضية الإمامة. الإمامة بالمعنى الذي يفهمه كل المسلمين من هذه الكلمة و من هذا العنوان. الإمامة بمعنى قيادة الناس و المجتمع في أمور الدين و الدنيا. هذه من القضايا الرئيسية على امتداد تاريخ الإنسانية الطويل. ليست قضية الإمامة قضية خاصة بالمسلمين أو الشيعة. الإمامة معناها أن يحكم فرد أو جماعة المجتمع، و يرسمون اتجاه مسيرته في أمور الدنيا و الشؤون الروحية و المعنوية و الأخروية. هذه قضية عامة تشمل كافة المجتمعات البشرية.طيب، هذا الإمام يمكن أن يكون على حالتين: إمام يقول عنه الله تعالى في القرآن الكريم: «و جعلناهم إئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين» (3). هذه إمامة تهدي الناس بأمر الله و تأخذ بأيديهم لتجتاز بهم الأخطار و المهالك و المزالق و الهاويات، و توصلهم إلى الهدف المنشود من الحياة الدنيوية للإنسان، و التي خلق الله هذه الحياة و منحها للإنسان للوصول إلى هذا الهدف. هذا شكل من أشكال الإمامة مصداقها الأنبياء الإلهيون و الرسول الأكرم، و قد جمع الإمام الباقر (عليه الصلاة و السلام) الناس في منى و قال: «إن رسول الله كان هو الإمام». الإمام الأول هو الرسول نفسه. الأنبياء الإلهيون و أوصياء الأنبياء و المصطفون من الناس هم من الفئة الأولى من الإئمة، و مهمتهم الهداية، حيث يهديهم الله تعالى و ينقلون هذه الهداية إلى الناس: «و أوحينا إليهم فعل الخيرات». أفعالهم أفعال حسنة.. «و إقام الصلاة»، و الصلاة رمز ارتباط الإنسان و اتصاله بالله.. «و كانوا لنا عابدين»، و هم عبيد لله ككل البشر الذين هم عبيد لله، و عزتهم الدنيوية لا تنال إطلاقاً من عبوديتهم لله أو من مشاعر العبودية لله في قلوبهم و كيانهم.. هذه فئة.و الفئة الأخرى: «و جعلناهم أئمة يدعون إلى النار» (4)، و هو ما ورد في القرآن الكريم بخصوص فرعون. فرعون أيضاً إمام. بنفس المعنى الذي استخدمت فيه كلمة إمام في الآية الأولى استخدمت هنا أيضاً كلمة إمام. أي إن دنيا الناس و دينهم و آخرتهم - أجسام الناس و أرواحهم - في قبضة هؤلاء الأئمة، لكنهم «يدعون إلى النار».. يدعونهم إلى الهلاك.حتى أكثر حكومات العالم علمانية - و على الرغم مما تدعيه سواء علمت بذلك أم لم تعلم - تمسك في قبضتها بدنيا الناس و آخرتهم. هذه الأجهزة الثقافية الهائلة التي تأخذ أجيال الشباب اليوم في مختلف أصقاع العالم نحو سوء الأخلاق و الفساد و الضياع هي الأئمة الذين «يدعون إلى النار».. الأجهزة المقتدرة التي تأخذ الناس إلى النار من أجل مصالحها، و من أجل سيادتها الظالمة، و من أجل أن تصل إلى أهدافها السياسية المختلفة، و دنيا الناس في إيديهم و آخرة الناس أيضاً في أيديهم، أي إن أجسام الناس و أرواحهم في أيديهم.الادعاء القائل بأن الكنيسة في المسيحية تعنى بالآخرة و السلطة تعنى بالدنيا ادعاء فيه مغالطة. حينما تقع السلطة بيد أناس غرباء على الدين و الأخلاق فسوف تكون الكنيسة أيضاً في خدمتهم، و تقع القيم الروحية‌ و المعنوية أيضاً في قبضة اقتدارهم و تتبدد و تسحق. ستكون أجسام البشر و أرواحهم تحت تأثير سلطتهم. هذه هي حالة الإنسانية دائماً. المجتمع إما أن يكون تحت إشراف و إدارة إمام عادل - هو منصب من قبل الله و هادٍ إلى الخيرات و الحق - أو في قبضة أناس غرباء على الحق و غير عارفين به و في حالات عديدة معاندين للحق، لأن الحق لا يتصالح مع مصالحهم الشخصية و المادية. إذن، هي إحدى حالتين و لا تخرج الحال عنهما.لقد أثبت الإسلام بتأسيسه نظام حكم في المدينة و تأسيس المجتمع المدني النبوي أن الإسلام ليس مجرد نصيحة و موعظة و دعوة لسانية. إنما يروم الإسلام لحقائق الأحكام الإلهية أن تتحقق في المجتمع، و هذا غير متاح من دون تأسيس سلطة إلهية. و بعد ذلك، عيّن الرسول الأكرم (ص) في نهاية عمره المبارك بأمر من الله و بإلهام من الله الشخص الذي يليه. طبعاً سار التاريخ الإسلامي في مسار آخر، لكن هذا هو ما أراده الرسول و الإسلام. كانت هذه أطروحة بقيت في التاريخ. يجب أن لا نتصور أن فكرة الرسول قد فشلت، لا، لم تفشل، لكنها لم تتحقق في تلك البرهة الزمنية، و بقي هذا الخط المميز في المجتمع الإسلامي و التاريخ الإسلامي. و تلاحظون نتائجه اليوم في هذا الجزء من العالم الإسلامي، و سوف يزداد هذا النموذج و هذا الخط الساطع انتشاراً في العالم الإسلامي يوماً بعد يوم بفضل من الله و حوله و قوته. هذا هو مضمون الغدير.إذن، قضية الغدير ليست قضية الشيعة فقط إنما هي قضية المسلمين، بل قضية كل البشر. الذين يفكرون سيتضح لهم أن هذا الخط النير خط لكل البشر. و لا سبيل سوى هذا. إذا كانت السلطة في المجتمعات البشرية بيد ذوي الصفات الشيطانية فسوف يسير العالم نحو المحطات التي تشاهدون اليوم مظاهرها في العالم الحديث. كلما ازداد العالم حداثة كلما ازداد خطر مثل هذه الحكومات. طبعاً كلما تطور العالم من الناحية العلمية و المعرفية أكثر كلما ازداد احتمال و أمكانية‌ بروز خط الهداية. إننا لا نشعر بعرقلة خط الهداية بسبب تقدم العلم، لا، إنما سيتقدم هذا الخط.إن منظومة‌ التعبئة الشعبية‌ العظيمة تعبئة المستضعفين في البلاد هي اليوم حقيقة‌ ساطعة و جلية. إنكم باقة من روضة التعبئة العظيمة في البلاد. و هي روضة أوجدها إمامنا الجليل و سقاها بكلماته و سلوكه. و قد ازدادت هذه الغرسات و الحمد لله ثمراً و طراوة‌ يوماً بعد يوم. التعبئة في بلدنا اليوم حقيقة عظيمة منقطعة النظير لا تقبل الإنكار. صحيح أن إعلام الأعداء و أتباعهم و أنصارهم في الداخل يحاولون تصغير التعبئة و الحط منها و إهانتها، و هؤلاء أهانوا حتى كلام الله و الرسول. الشيء الذي يتحلى في داخله بالعظمة و التألق لن يصغر بإهانة المهينين و تهم المتهمين و لن ينقص تألقه شيئاً.التعبئة اليوم حقيقة عظيمة متألقة في بلادنا و ليس لها نموذج أو مثال آخر. لاحظوا الصنوف المختلفة من نساء و رجال و ناشئة و شباب و كهول و شيوخ و شرائح مختلفة من طلبة الجامعات إلى طلبة الحوزات و أساتذة الجامعات و معلمي المدارس و التلاميذ و العمال و المزارعين و التجار و باقي الشرائح المتنوعة المؤمنة في شتى أرجاء البلاد كلهم أعضاء في التعبئة و لهم مشاركتهم فيها، أي إن التعبئة غير محددة بأية حدود من حيث الصنوف و الطبقات أو الجنس أو القوميات أو اللغات. في هذا الحشد الآن يوجد ترك و كرد و لر و فرس و بلوش و سائر القوميات الإيرانية، و كذا الحال في كل أنحاء البلاد. التعبئة جماعة منظمة لها أهدافها، و لا يمكن للمرء أن يشاهد نظيراً لها بهذه السعة و بهذا التنوع و هذا الكم الهائل و هذه الكيفية الإيمانية.قلوبكم منشدة إلى التعبئة. ثمة في العالم أحزاب و قد تكون أحزاباً كثيرة العدد - طبعاً لا يوجد في أي حزب في العالم هذا العدد المليوني الهائل الذي نلاحظه في التعبئة - و لكن حتى هذا الكم الذي نشاهده في الأحزاب فإن أجسام الأعضاء و ألسنتهم و قدراتهم المادية توظف لصالح الحزب، و ليس من المعلوم و المؤكد أن تكون قلوبهم و اختلاجاتهم الإيمانية للحزب أيضاً، أما التعبئة فهي تعبئة القلوب و الأرواح و العواطف و المعتقدات و الإيمان. و هذا ما ينفع الشعب في الشدائد و الصعاب. حينما تواجه الشعوب المشكلات فلن تنفعها الأجسام، و لا بد من نزول القلوب إلى وسط الساحة، و لا بد من تقدم القلوب و ريادتها و تحطيمها للعقبات. الذين كانوا سباقين و محطمين للعقبات و الموانع لم تكن لهم بالضرورة أجسام قوية بل كانت لهم قلوب قوية و إيمان متين استطاعوا به تحطيم الجبال و طي الطرق الصعبة و تجاوز المزالق و الوصول إلى الأهداف. التعبئة مثل هذه الحقيقة. و علينا أن نعرف قدر هذا الشيء. أولاً على التعبوي نفسه أن يعرف قدر هذا الشيء. و كما سمعنا الآن في هذا الميثاق و كما ذكر هؤلاء الشباب الأعزاء عن ألسنة التعبويين فقد حمدوا الله و أثنوا عليه لأنهم أعضاء في التعبئة. و هذه هي الحقيقة. ينبغي تقديم الشكر لله لتوفيقه الإنسان للانضواء‌ في مثل هذه المنظومة.الأهمية الأخرى للتعبئة هي أن التعبئة ليست مقصورة على اتجاه معين و بعد واحد و هدف واحد. مع أن للتعبئة فنونها العسكرية و مشاركتها في خطوط القتال الأمامية إينما اقتضى الأمر، و قد تولت أصعب و أشد المهمات و الأعمال، إلا أنها تستطيع القيام بكل شيء. أي إن التعبئة إذا شاركت في أي ميدان من الميادين كانت طليعية و سباقة. و شبابنا التعبوي اليوم سباقون و رواد حتى في ميادين العلم. و أساتذتنا التعبويين من أنجح الأساتذة في المشاريع العلمية. و الفنانون التعبويون - الذين دخلوا ساحة الفن بروح تعبوية - أصابوا نجاحات أكبر و أفضل و استطاعوا اجتذاب مخاطبين أكثر. في أية ساحة، إذا دخل التعبويون بروح التعبئة و أخلاصها و إيمانها و شجاعتها و شهامتها و قدرتها على الابتكار و الإبداع فبوسعهم إنجاز أعمال كبيرة. هذه هي حقيقة التعبئة.ليعرف التعبويون الأعزاء قدر هذا، و ليعززوا في أنفسهم أركان الحالة التعبوية. للحالة التعبوية‌ أركانها. و علينا جميعاً أن نعزز هذه الأركان في أنفسنا يوماً بعد يوم. أيها الشباب الأعزاء، قلنا مراراً إن المهم بالدرجة الأولى هو روح الإخلاص و روح البصيرة. هذا الإخلاص و هذه البصيرة يؤثران على بعضهما. كلما زادت بصيرتكم كلما اقتربت بكم من الأخلاص في العمل. و كلما عملتم بإخلاص أكبر زاد الله تعالى من بصيرتكم. «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور».. الله وليكم.. كلما اقتربتم من الله أكثر كلما زادت بصيرتكم و رأيتم الحقائق أكثر. إذا توفر النور استطاع المرء مشاهدة الواقع و الحقائق. و حين لا يتوفر النور لا يستطيع المرء مشاهدة الواقع. «و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات» (5). حينما يعمي الطغيان أعين الإنسان و حينما تعمي أهواء النفس - و هي الطاغوت الحقيقي و الأسوء من فرعون في داخلنا - أعيننا، و حينما تعمي أعيننا نزعات الجاه و الحسد و حب الدنيا و عبادة الأهواء‌ و الغرق في الشهوات فلن نستطيع مشاهدة الواقع.رأيتم كيف لم يستطع البعض مشاهدة الواقع القائم أمام أعينهم و لم يتمكنوا من تشخيصه. في فتنة عام 88 المعقدة المخطط لها كانت هناك حقائق أمام أعين الناس، و لم يسمحوا للبعض بمشاهدة هذه الحقائق و فهمها، فلم يروها و لم يفهموها. حينما يظهر في البلد مثيرو فتن مستعدون من أجل نزعات الجاه و السلطة و الوصول للأهداف المتراكمة‌ و المزدحمة في أنفسهم على شكل آمال، مستعدون لأن يتنكروا لمصلحة البلد و أحقية الدرب و يضربون بها عرض الجدار، فسيفعلون ما يثير حماس الساسة الغربيين و أعداء الشعب الإيراني الألداء و يبثون في نفوسهم الأمل فيبادروا لدعمهم. هذه حقيقة واضحة، و هي ليست بالشيء‌ الذي لا يراه الإنسان حينما يكون هنالك نور، لكن البعض لم يروها.. البعض لا يرون، و البعض لا يدركون، و البعض بسبب ظلمة قلوبهم قد يدركون لكنهم غير مستعدين لترتيب أثر على هذا الإدراك و الفهم. هذه كلها من أعراض هوى النفس. و هي كلها من نتائح أوامر و نواهي فرعون الذات. إنه فيل الهوى و النزوات الثمل الذي أعطى الشرعُ المقدس بيد الإنسان المؤمن مطرقة التقوى و الورع ليقرع به رأس هذا الفيل الثمل و يروّضه. إذا استطعنا ترويض هذا الفيل في دواخلنا فسيصبح العالم نيّراً و سنرى كل شيء، و سوف تنفتح أعيننا، و لكن حينما يكون هناك هوى النفس فسوف لن ترى العيون. و أنتم بوصفكم تعبويين و شباب، و قلوبكم طاهرة و نيرة، تستطيعون بنقاء بواطنكم تعزيز هذه الروح و هذه الحالة في أنفسكم. التعبوي أنسان نقي يتحلى بالصفاء و النور. أعزائي، أبارك لكم انضمامكم للتعبئة، و لكن أبقوا تعبويين. الصمود في الدرب حالة على جانب كبير من الأهمية. البقاء على الحالة التعبوية منوط بمراقبتنا الدائمة لأنفسنا. يجب أن نواظب و لا نخرج عن الطريق. لقد قام الشعب الإيراني بعمل كبير. و هذا العمل الكبير هو أنه صرخ بالعالم الذي كان يركض بكل قواه و بأقصى سرعته نحو جهنم و نبّهه و استطاع إنقاذ جزء منه. لقد أدركت جماعات كبيرة من الناس في العالم الحقيقة، و قد غيّر الشعب الإيراني طريقهم بوصفه رائداً و سباقاً. مسار المجتمعات الإنسانية يجب أن يكون نحو الله و نحو الجنة و نحو الحقيقة. طيب، من البديهي أنكم أيها الشعب الإيراني قمتم بهذا العمل الكبير، و أهل الباطل لن يقعدوا ساكتين. الذين يرتبط وجودهم بالباطل و الظلم و سحق الشعوب.. هؤلاء لن يقعدوا ساكتين عن الشعب الإيراني و هو يصرخ بنداء الحقيقة و الهداية و يوقظ الناس و البشرية، إنما سيعارضون حركة الشعب الإيراني.و بالطبع، إذا واصلنا صمودنا فإن نتائج هذه المعارضة ستكون إيجابية «و لينصرن الله من ينصره» (6). جعل الله تعالى النصر - من دون أدنى شك - للذين يسيرون على درب الحق و يدعون إلى الحق، و هذا ما جرّبناه. منذ ثلاثين عاماً و الأعداء يسعون سعيهم و يعملون ضد الشعب الإيراني، لكن الشعب الإيراني ببركة صموده و إيمانه يزداد قوة يوماً بعد يوم. و العدو يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم. قدرتنا على الصمود حالياً أكبر مما كانت عليه قبل عشرين عاماً، و مما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً. هذه هي تجربتنا. إذن، نهاية هذا الكفاح هو انتصار الإسلام و المسلمين. و لكن يجب أن تتنبهوا إلى أن هناك صراعاً و تحدياً. عليكم أن تحافظوا على جاهزيتكم و استعدادكم و بصيرتكم و إخلاصكم و حالتكم التعبوية. هذا هو رمز نجاح الشعب الإيراني و المجمتمع الإيراني العظيم.ستشهدون أنتم الشباب إن شاء الله اليوم الذي تفتحون فيه قمم الفخر، و كما وعد القرآن الكريم: «لتكونوا شهداء على الناس» (7)، لتكونوا شهداء على الناس و لتكونوا في القمة، و لتنظر لكم الشعوب و تتحرك صوب هذه القمة.اللهم عجّل في فرج وليك و جوهرتك الفريدة في عالم الخلقة. اللهم اجعلنا من المتمسكين بولايته و ولاية أجداده الطاهرين. اللهم اجعلنا مؤمنين و تعبويين و ثوريين بالمعنى الحقيقي للكلمة. ربنا بحق محمد و آل محمد بلغ الشعب الإيراني العظيم العزيز آماله الكبرى. اشمل الروح المطهرة لإمامنا الجليل و أرواح الشهداء الأبرار الطيبة بألطافك و فيضك الدائم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - الكافي، ج 1، ص 420 .2 - سورة المائدة، الآية 55 .3 - سورة الأنبياء، الآية 73 .4 - سورة القصص، الآية 41 .5 - سورة البقرة، الآية 257 .6 - سورة‌ الحج، الآية 40 .7 - سورة‌ البقرة، الآية 143 .
2010/11/25

كلمة الإمام الخامنئي في أهالي إصفهان بمناسبة عيد الأضحى المبارك

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً، أرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين طويتهم هذا الطريق الطويل و ملأتهم في هذا اليوم المبارك و العيد السعيد أجواء‌ الحسينية بإيمانكم و عواطفكم و مشاعركم.كما أبارك يوم عيد الأضحى لكم جميعاً أيها الحضور المحترمون، و لأهالي إصفهان الأعزاء، و لكافة‌ الشعب الإيراني، و لجميع المسلمين في العالم. و هذه المناسبة مواتية جداً فيوم الخامس و العشرين من آبان من رموز تضحية أهالي إصفهان و إيثارهم، و قد صادف هذا العام مع عيد الأضحى المبارك.لو جرى التنبّه للحكمة التي ينطوي عليها عيد الأضحى لانفتحت لنا الكثير من السبل و الطرق. في عيد الأضحى‌ ثمة تقدير و تثمين من الله عزّ و جلّ لرسول مختار هو النبي إبراهيم (عليه السلام) الذي ضحى في ذلك اليوم. و التضحية بالأحباء هي أحياناً فوق التضحية بالروح. كان يجب على النبي إبراهيم (ع) أن يضحي بيديه بحبيبه و عزيزه في سبيل الله، و هذا الحبيب هو ابنه الشاب الذي منحه الله له على كبر سنه بعد عمر طويل من الانتظار، حيث يقول تعالى: «الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل و إسحاق» (1). لقد وهب الله تعالى هذين الولدين لهذا الأب و هو في سن كبير، و بعد عمر من الانتظار و الشوق حسب الظاهر. و لم يكن له أمل في أن يرزق ذرية بعد ذلك. يذكر سيد شهداء العالم كله الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه الصلاة و السلام) - و هو مظهر الإيثار و الشهادة - هذه الحادثة في دعاء‌ عرفة‌ الشريف فيقول: «و ممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنّه و فناء عمره». هذا ما ورد في دعاء‌ الإمام الحسين المبارك في يوم عرفة الذي وفق المؤمنون يوم أمس لقراءته.هذا الإيثار و هذا التجاوز هو رمز للمؤمنين الذين يرومون السير في طريق الحقيقة و التعالي و العروج إلى المدارج العليا. الأمر غير ممكن من دون تضحية. هذه هي في الواقع النقطة الرئيسية في كل الامتحانات التي نمرّ بها.. القضية قضية إيثار و تضحية. و التضحية‌ تكون أحياناً بالروح و أحياناً بالمال و قد تكون أحياناً تراجعاً عن كلام تفوّه به شخص و يريد أن يبقى عليه بكل إصرار و لجاجة. و التضحية في بعض الأحيان هي تضحية بالأعزاء و الأحبة و الأبناء و الأقارب. الامتحان معناه اجتياز وادي المحنة. تعرض محنة أو شدة أمام الإنسان أو الشعب و يكون اجتيازها و عبورها هو الامتحان. إذا استطاع ذلك الممتحَن عبورها فسيصل إلى هدفه و مقصده. و إن لم يستطع - إي لم يستطع تفجير المواهب الكامنة‌ في وجوده و التغلب على هوى نفسه - فسوف يبقى يراوح مكانه.. هذا هو الامتحان. ليس الامتحان الإلهي من أجل أن يعرفنا الله و يرى ما هي أوزاننا و حدود قدراتنا. إنما الامتحان نفسه خطوة نحو الهدف و الغاية. حينما نمتحن أنا و أنتم فمعنى ذلك أننا إذا استطعنا اجتياز الشدة و المحنة فسوف نعيش واقعاً جديداً و حياة جديدة و مرحلة جديدة. و لا فرق بين الفرد و الأمة في هذا المجال.في العام الماضي مرّ الشعب الإيراني بامتحان و فتنة. و ليس معنى هذا مجرد أن الجميع أدركوا أن الشعب الإيراني قوي، إنما المعنى الأهم لذلك هو أن الشعب الإيراني بتحركه هذا و بقدرته على اجتياز الفتنة و المحنة اكتسب وضعاً جديداً و توفر على قدرة جديدة. حياة الإنسان مليئة في كل خطوة بالامتحانات. إذا استطعنا الانتصار على هوى أنفسنا، و استخدام بصيرتنا، و معرفة الظروف، و إدراك ما هي العمل الواجب اللازم و القيام به، فسوف يوفر هذا لنا مرتبة جديدة من مراتب الحياة، فهو إذن سمو و رقي. و بالتالي فيوم الخامس و العشرين من آبان و هو يوم مميز و رمزي له مثل هذا المعنى بالنسبة لأهالي إصفهان.و أرى لزاماً علي أن أتحدث في هذا المجال - أي حول مناقب إصفهان و خصال أهلها - ببعض الكلمات، فهذه هي هوية هؤلاء الأهالي المؤمنين الغيارى الواقفين عند واجباتهم و مهامهم. شيّع أهالي إصفهان في يوم واحد 370 شهيداً، و لم ينل ذلك من عزيمتهم أبداً، ناهيك عن أنهم بعثوا إلى الجبهات في نفس اليوم عدداً كبيراً من المقاتلين، و كان لهم إسنادهم و تحركهم الإيجابي، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. و مثلما تفضلوا بالقول (2) فقد أثنى الإمام الخميني على حركة أهالي إصفهان هذه. في آبان من عام 61 [ 1982 م] تم تشييع 370 شهيداً في إصفهان، و كان عدد شهداء‌ إصفهان في نفس هذا الشهر أكثر من ألف شهيد. ألف و نيّف من الشهداء في شهر واحد.من الذي يرزق الشهادة؟ الشخص الذي يخوض غمار الساحة و يتواجد في ميادين الخطر و يكون رائداً فيها.كان لإصفهان قبل الثورة مشاركتها الواضحة في مختلف الأحداث، و هكذا كان حالها في أحداث الثورة، و بعد ذلك في الحرب المفروضة. الوحدات العسكرية المتواجدة في إصفهان سواء منها التابعة لحرس الثورة الإسلامية، لواء الإمام الحسين بمركزية إصفهان، و لواء النجف بمركزية نجف آباد، و لواء قمر بني هاشم، أو التابعة للجيش، المقر الثامن الذي كان قطباً لتحركات مهمة جداً، و كنت قد شاهدت عن قرب ما يقوم به هذا المقر في إصفهان - رحمة الله على الشهيد بابائي - أو مركز المدفعية في إصفهان، و مجموعة هذه النقاط لها معان كبيرة جداً. و النتيجة هي أن الإصفهانيين كانوا بعد الثورة‌ و طوال الحرب المفروضة و بعد الحرب في مختلف‌ الميادين الحساسة نظير تنمية البلاد و رشدها و قضاياها العلمية من الرواد و السباقين. بعض العقد المستعصية التي واجهتنا في القوات المسلحة تم حلها في المراكز العلمية و البحثية في إصفهان. هذه مفاخر و هي ليست للتباهي و إنما لأجل معرفة الهوية الذاتية و المواهب الذاتية، و التحرك على أساسها و التقدم إلى الأمام. يعلم الجميع - و قد أشير إلى ذلك - أن الإصفهانيين بوحداتهم المتنوعة هذه كانوا يعملون في الخطوط الأمامية في حرب الأعوام الثمانية. هذا شيء معلوم و معروف للجميع. و ما هو غير معلوم للكثيرين هو دور الأفراد المجهولين و غير المتبجحين الذين عملوا و نشطوا طوال هذه الأعوام في مجال الإسناد، النساء اللواتي كن في العوائل، و الكسبة و التجار، و الذين عملوا في الأجهزة الإدارية، و المجاهدون الذين قدموا أنواع الخدمات للجبهات، و منهم بعض الشهداء، الذين استشهدوا أو استشهد ذووهم، و لم يعلنوا شيئاً، و لم يذكروا شيئاً، و لم تسجل أسماؤهم في مكان ما، لكنهم معروفون في السماوات و في الملأ الأعلى، إذ لا تضيع في الحساب الإلهي حتى أصغر الأعمال. كل هذه القوافل المحملة بالمساعدات التي انطلقت من إصفهان، و كل هذه الهمم و الدوافع و عوائل الشهداء.. يعيش الشهداء‌ لحظة صعبة واحدة ثم يعرجون إلى السماء و تنتهي أوجاعهم و آلامهم.. «لا خوف عليهم و لا هم يحزنون» (3).. إنما القضية قضية عوائل الشهداء.. قضية الآباء و الأمهات و الزوجات و الأبناء و الإخوة و الأخوات و المفجوعين. هؤلاء‌ هم الذين صبروا و فخروا بشهدائهم. ثمة في إصفهان عوائل أعطت ثلاثة شهداء، و هناك عوائل كان لها ولد واحد فأعطته شهيداً. هؤلاء‌ هم إبراهيم العصر الذين يصنعون هوية الشعب و يمنحونه العزة و الكرامة. ما من شعب يصل إلى غاياته بالقعود و الأكل و النوم و الاعتماد على الأجانب و تسويد الأهواء و النزوات في الحياة. الذين يطلقون الكلام و الآراء السلبية عند الحديث عن الدفاع المقدس، و يغمزون و يلمزون عند الحديث عن الشهادة، و يقطبون وجوههم إذا جرى الكلام عن المعاقين و المضحين، و يبتسمون استهزاءً عند الحديث عن التقدم العلمي و تحطيم حدود العلم، ويهزون رؤوسهم عند الكلام عن أجهزة الطرد المركزي في مراكز التخصيب النووي و يقولون هذا أمر غير ممكن، هؤلاء لا يفهمون شيئاً عن حركة الشعب. الذين تربّوا على التربية الخاطئة و الأخلاق الفاسدة الطاغوتية لا يدركون شيئاً عن تأثير الإيمان و التحرك و الجهاد.حينما يؤمن الشعب بالجهاد فسوف يتقدم على كافة الأصعدة. و ليس الجهاد مجرد حمل البنادق، إنما الجهاد هو أن يرى الإنسان نفسه دوماً في ساحة النشاط و الحركة و الكفاح ضد العقبات و الموانع و العراقيل، و يشعر بالواجب و الالتزام. هذا هو الجهاد الإسلامي. الجهاد أحياناً بالنفس و أحياناً بالمال و أحياناً بالفكر و أحياناً برفع الشعارات و أحياناً بالنزول إلى الشوارع و أحياناً بالحضور عند صناديق الاقتراع.. هذا هو الجهاد في سبيل الله و هو ما يحقق الرشد و النمو للشعب، و يمنحه الطراوة و التوثب و الحركية و الأمل، و يتقدم به إلى الأمام.حسناً، و الآن كيف يمكن الكفاح و العمل ضد هذا الشعب؟ الجبهة المعادية للإسلام و الثورة الإسلامية و النظام الإسلامي التي تكونت في العالم تريد العمل ضد مثل هذه الظاهرة العظيمة. فكيف تستطيع العمل ضدها؟ الأمر غير ممكن بالحرب - و قد جرّبوا ذلك و وجدوا أنه غير ممكن - و هو غير متاح بالتهديد بالحرب و التهديدات العسكرية، و غير ممكن بالحظر الاقتصادي. الذين يتصورون أن بوسعهم إخضاع الشعب الإيراني بالحظر الاقتصادي إنما يعملون عبثاً. الشعب الذي يحمل الأمل و الإيمان يعلم ما الذي يفعله و لا يمكن فرض التراجع عليه بالتهديدات.من أجل مجابهة مثل هذا الشعب فإنهم يركزون على نفس النقطة التي تركزون عليها (4) - و هذا ما يدل على يقظتكم يا أهالي إصفهان - و أعني بذلك خلق التصدعات و التباعد بين أبناء الشعب و زرع الشقاق و الصراع بينهم و الفصل بين كتل الشعب العظيمة و بين المسؤولين و بث سوء الظن و الجدل على الأمور التافهة. هذه من أهم أدوات العدو في عدائه للثورة الإسلامية. لذلك ينبغي الحذر.طبعاً كان أهالي إصفهان حذرين، و قد تصرفوا بنحو جيد في الأحداث الماضية. في مقابل فتنة سنة 88، و في يوم التاسع من دي العظيم، و في تلك الحركة الشعبية التلقائية كان لهم أداء متألق. على الجميع الحذر من التصدعات و التنافر و الفتنة و سوء الظن بالأجهزة المسؤولة. الذين تلاحظونهم يتهمون النظام الإسلامي و أجهزته من دون أية قيود أو ملاحظات و يقذفونه بكل ما يمكن قوله إنما يتحدثون بالنيابة عن العدو، فهم يريدون ردم الفراغ إذا لم تصل أصوات الأجهزة الإعلامية للجبهة المعادية للإسلام و جبهة الصهاينة و الأمريكيين إلى أسماع البعض، و إيصال أصواتهم و كلامهم لأسماع الناس.. هؤلاء يخونون الشعب، و هذه في الحقيقة خيانة واضحة. بث سوء الظن بين أبناء الشعب، و بين الشعب و المسؤولين، و نشر اليأس في الأجواء و النفوس إنما هو من تلك السبل و الأدوات.و من السبل الأخرى نشر الفساد الأخلاقي في المجتمع. و على الجميع و خصوصاً الشباب الحذر. الفساد و الانحطاط الأخلاقي يستخدم للأسف كأداة لخدمة‌ الأهداف السياسية الاستكبارية. و في العديد من مناطق العالم يستخدمون المخدرات كوسيلة لخدمة الأهداف السياسية - و من أجل ملء الجيوب أيضاً - في سبيل تحطيم الشعوب و القضاء عليها و تدميرها. على شعبنا و شبابنا و مسؤولينا الحذر من هذه الأمور بكل جد.لأصفهان أمكانيات واسعة جداً و قد كان الأمر كذلك في الماضي أيضاً فاعرفوا قدر هذه الأمكانيات و المواهب. إصفهان مركز علمي - علوم الدين و العلوم المتنوعة الأخرى - و قد كانت كذلك في الماضي أيضاً و هي كذلك اليوم أيضاً. لأصفهان اليوم حوزة علمية جيدة جداً و الحمد لله. و فيها عدة جامعات معتبرة على مستوى البلاد. و بالطبع فإن السوابق العلمية لأصفهان أكثر من هذا. من المناسب أن تمتد نظرات العلماء و الباحثين و المفكرين في إصفهان إلى الآفاق الواسعة التي كانت في القرون الماضية. كانت إصفهان ذات يوم قطباً للإشعاع العلمي إلى كافة أنحاء البلاد بل لكافة مناطق العالم الإسلامي، و يتعين عليكم السعي لاستعادة مثل هذه المكانة. و إصفهان إلى ذلك مبرزة في مجالات الفنون و الصناعات الظريفة و الصناعات اليدوية. و كل واحدة من هذه النقاط هي في الواقع مآثر لإصفهان. و العقيدة الدينية و الإيمانية لأهالي إصفهان تقف سنداً لكل هذه المآثر. و هذا ما كان مشهوداً في السلوك الذي أبداه أهالي إصفهان قبل الثورة، لكن كل شيء اكتسب بعد الثورة‌ أبعاداً أوسع. في ذلك الحين كنت كثير التردد و الذهاب إلى إصفهان، و كنت أشاهد تدين الناس و التزامهم بالشعائر الدينية. و بالطبع فقد تضاعف الوضع عشرات المرات بل مئات المرات في الوقت الراهن عمّا كان عليه يومذاك، و هذا سند عظيم. عليكم أن تعرفوا قدر هذه التوسلات بالله و التوجه إلى الله فهي دعامة و سند لكل حالات التقدم الدنيوي و الأخروي.حينما يتحلى الشعب بالإيمان فسيشعر أن لن يضيع له أي عمل و لن يذهب سدى. كل أعمال الإنسان تكتسب المعاني بفضل الإيمان، و يتوجب الحفاظ على هذا الإيمان. لقد استطاع شعب إيران في الوقت الحاضر و بتوفيق من الله فرض الإخفاق على شتى أنواع العداوات. أساس عداء الجبهة المناوئة للإسلام و الجمهورية الإسلامية هو إيمان هذا النظام و هذه الجمهورية الإسلامية و هذا الشعب بالقيم الإلهية، فالساسة الماديون لا يطيقون هذا الشيء. العداوات ضدنا سببها الالتزام بالمبادئ و القيم الإلهية. هذا جانب من القضية.و الجانب الآخر من القضية هو أن المسيرة التقدمية للشعب الإيراني طوال هذه الأعوام الأثنين و الثلاثين إنما كانت ببركة الإيمان بالله و الاعتقاد بهذه القيم، فحافظوا على هذا الالتزام بكل قوة. و اعلموا أن هذا التقدم سوف يستمر و أن تلك العداوات لن تصل بتوفيق من الله و بحول الله و قوته إلى أية نتائج، و سيكون الشعب في إيران المنتصر في جميع هذه الأحداث.اللهم إنزل فضلك و نصرك و رحمتك على هذا الشعب و على أهالي إصفهان الأعزاء. اللهم أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر و اشملنا بأدعيته. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة إبراهيم، الآية 39. 2 - حجة الإسلام و المسلمين طباطبائي نجاد ممثل الولي الفقيه و أمام الجمعة في إصفهان.3 - سورة يونس، الآية 62. 4 - إشارة إلى شعارات الحضور: الموت للمنافقين مثيري الفتن.
2010/11/17

كلمة الإمام الخامنئي في مراسم تخرج جامعة الشهيد ستاري للقوة الجوية

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك للمتخرجين الأعزاء و الشباب المؤمن الذين أنهوا فترة دراستهم الزاخرة بالمفاخر و التحقوا منذ اليوم بالخدمة في القوات المسلحة لنظام الجمهورية الإسلامية و جيش الجمهورية الإسلامية المجيد. كما أبارك للشباب الأعزاء الذين استلموا رتبهم العسكرية و سيمضون إن شاء الله فترة التعليم بموفقية.الحق و الإنصاف أن قواتنا المسلحة اليوم و جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتمتع بمستوى جيد جداً. إنكم تتفوقون على الجيوش الأخرى من ناحيتين: الأولى هي أن هدفكم هدف إلهي و إنساني، و الثانية‌ هي وجود أواصر قلبية وثيقة بينكم و بين الناس. كل المجتمعات و البلدان في العالم تحتاج من أجل أن تستطيع ضمان أمنها و السير في درب عزتها و الوصول إلى الاستقرار المادي و المعنوي، إلى الاقتدار الذي يتوفر جانب مهم و أساسي منه على يد القوات المسلحة في أي مجتمع أو بلد. الفارق الرئيس يكمن في أن نموذج الاقتدار في الأنظمة المادية التي تحكم العالم اليوم يختلف عن نموذج الاقتدار في النظام الإسلامي. الاقتدار في الأنظمة المادية يعتمد على ركائز القوة المادية - المال و السلاح و الإعلام المخادع، و المنافق و المزيف إذا استدعت الحاجة - أما في النموذج الإسلامي و المعنوي فإن هذا الاقتدار يعتمد بالدرجة الأولى على العامل المعنوي و القيم المعنوية و الإلهية، و على الإيمان، و على الثقة بالله تعالى، و على السعي المخلص في سبيل المبادئ العليا. لا أننا يجب أن لا نهتم للسلاح و لا نكترث للنظام و التجهيزات و المعدات و التدريب، فكل هذا لازم، لكن روح كل هذه الأمور - و التي تعدّ الجسم و القالب له - هو الشعور بالتكليف الإلهي و الاتكال على الله تعالى. هذا هو ما يجعل الجيش و القوات المسلحة و الشعب مقاوماً و ثابتاً إلى درجة تعجز معها القوى المادية عن إخضاعه، و تحقق له النصر النهائي.و هذا ليس على مستوى النظرية فقط، و هو ليس من باب الأخيلة و التمنيات و الطموحات المجنحة، إنما هو تجربتنا العملية. بوسعكم أيها الشباب الأعزاء مطالعة هذه الحقائق بدقة في التاريخ القريب لبلدكم. انتصار الشعب الإيراني في مواجهة النظام الطاغوتي مصداق كامل لانتصار العوامل المعنوية على العوامل المادية. النظام الطاغوتي كان نظاماً تابعاً عميلاً فاسداً يحكم في هذا البلد العزيز المظلوم بالاعتماد على مختلف أدوات الاقتدار المادي المستندة إلى القوى الدولية، لكنه انهزم مقابل شعب أعزل متسلح بالإيمان و الثقة بالنفس.التجربة‌ الثانية‌هي تجربة شعب إيران في فترة الدفاع المقدس. كان شرق العالم و غربه يدعم آنذاك النظام البعثي الفاسد المفسد. أمريكا كانت تدعمه، و الناتو كان يدعمه، و الاتحاد السوفيتي كان يدعمه، و الحكومات الرجعية في المنطقة كانت تدعمه و تمده بالمال و السلاح و المعلومات و القوى البشرية من أجل أن يستطيعوا هزيمة‌ نظام الجمهورية الإسلامية. لكن شعب إيران استطاع وسط حظر تام و شامل، و خصوصاً الحظر المفروض على الأسلحة و المعدات الحربية، و في مناخ غربة تامة، و بالاعتماد على إيمانه و إيمان شبابه و شجاعة قواته المسلحة و بسالتهم، استطاع أن يهزم العدو المعتمد على جبال من السلاح و المعدات، و يهدر كل تلك التكاليف و الأموال التي رصدوها لدعم النظام المعتدي.و الحال كذلك اليوم أيضاً. اليوم أيضاً لم يجد الاستكبار بعد طريق مواجهة‌ إيران الإسلامية. الاعتماد على القوة المادية و تجهيز أصدقائهم و المقربين منهم بالسلاح - لاحظوا كم يدخل المنطقة من السلاح المتطور، و كم تنفق من أموال شعوب هذه المنطقة على هذه الأسلحة، و تذهب إلى جيوب أصحاب الصناعات الحربية الأمريكية و الغربية - لا ينفع شيئاً. «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة» (1). ينفقون هذه الأموال لكنها لن تنفعهم شيئاً و لن تحقق لهم أهدافهم.استطاعت إيران الإسلامية‌ باعتمادهما على الإيمان أن تتفوق على الآخرين في مجال المعدات و الأدوات المادية أيضاً. طبعاً كانت القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و شهداؤها الأبرار كالشهيد ستاري، و الشهيد بابائي، و الشهيد خضرائي، و الشهيد دوران، و غيرهم و غيرهم السباقين في هذا الدرب. أول مؤسسة لجهاد الاكتفاء الذاتي في القوات المسلحة تأسست في القوة الجوية. صنع كوادر الطيران الملاحم بشكل، و الكوادر التقنية‌ صنعوا الملاحم بشكل. و الجمهورية‌ الإسلامية ‌لن تنسى هذه الخدمات أبداً. لقد نهض الجيش في هذا الميدان و نهض حرس الثورة أيضاً و نهض مسؤولو القوات المسلحة على اختلاف مستوياتهم و مجالاتهم و قدمت الجامعات المساعدات و تعاون علماء‌ البلاد. و الشعب الإيراني اليوم يعتمد علاوة على قوى إيمانه و معنوياته و قيمه الروحية على أدوات مادية صنعها بيديه و بإبداعه، و هذه كلها مفاخر.نريد أن يشعر شبابنا أن بوسعهم الاعتماد على أنفسهم و على الله تعالى. و بمقدورهم الاستغناء عن مستكبري العالم، و بمستطاعهم تأسيس قوات مسلحة مجهزة بمعدات من أنتاج الذهن الإيراني و الإبداع الإيراني. أنظروا لكل شيء من هذه الزواية، و طالعوا دروسكم من هذه الزاوية، و تابعوا بحوثكم و دراساتكم من هذه الزاوية، و اعتمدوا على أنفسكم، هذه تجربتكم و تجربة بلدكم و تجربة من سبقوكم في جيش الجمهورية الإسلامية و في كل القوات المسلحة. إذا اعتمدتم على أنفسكم فسوف تتفجر طاقاتكم و مواهبكم كالينبوع الخالد و تجود بالنتاجات عليكم و على مؤسساتكم و على شعبكم.التقرير الذي قدمه قائد هذه الجامعة كان تقريراً جيداً. و ما تفيد التقارير إنجازه في المجالات المختلفة يعدّ جيداً. و لكن لا تقنعوا بهذا. طريق الكمال لا نهاية له. و كلما تقدمتم أكثر شعرتم بلذة الكمال أكثر. هكذا هو الحال في الكمالات المعنوية - كالتقرب إلى الله و التوجه له و حبه و القيم المعنوية و العروج في حريم الملكوت الإلهي - و في القضايا المادية أيضاً. كلما تقدمتم أكثر سوف تشعرون بمزيد من العزة و البهجة و الاقتدار. هذا الطريق هو طريقكم أنتم الشباب، فالبلد بلدكم، و الجيش لكم، و المستقبل لكم. إدرسوا جيداً و ابحثوا جيداً و جربوا جيداً. لقد وعدكم الله تعالى أنكم إن نصرتم دينه و سبيله و الأهداف الإلهية فسوف ينصركم. و نصرة الله معناها نصرة‌ كافة‌ القوى الموجودة في هذه الطبيعة. سوف تهبّ كلها لنصرتكم، و سوف تأتي القوى الماورائية أيضاً لنصرتكم. سوف تنصرون و تتقدمون كما تقدمتم في الوقت الراهن.اعلموا أن بلدكم حالياً يختلف كثيراً عمّا كان عليه قبل عشر سنوات، فقد تقدم كثيراً، و يختلف كثيراً جداً عمّا كان عليه قبل عشرين عاماً و يختلف كثيراً جداً جداً عمّا كان عليه في بداية الثورة قبل ثلاثين سنة. هذا ناجم عن همم شعبنا و جماهيرنا و شبابنا و اعتمادهم على الله تعالى، و سعيهم و جدهم في هذا الدرب المقدس، فواصلوا هذا السعي.جامعات القوات المسلحة من أبعث المراكز و المؤسسات الاجتماعية و العلمية على التفاؤل و الأمل. و هذه الجامعة تحمل اسم الشهيد ستاري العزيز الدؤوب النشيط المبدع المؤمن المجاهد. في فترة ‌الدفاع المقدس و قبل أن يتم تعيينه لقيادة القوة الجوية قدم الكثير من العون و الجهود دون أية‌ سمعة أو صيت، كما قدم الكثير من الخدمات في قيادة القوة الجوية. و كذا الحال بالنسبة لسائر شهدائنا الأبرار في القوة البرية و القوة البحرية و القوة ‌الجوية و في القطاعات المختلفة للقوات المسلحة حيث قدموا خدمات جليلة. يجب أن تعرفوا قدر هذه الجامعات و ينبغي تنظيم البرامج دوماً بنحو عصري و بنظرة إلى المستقبل و حسب أفق واضح و مشرق. و على الأساتذة المحترمين الأعزاء أن يبذلوا قصارى جهدهم. و ليطلق الطلبة الأعزاء كل هممهم إلى الساحة. و ليتفقد قادة‌ القوات الكبار هذه الجامعات و يتحدثوا عن قرب مع هؤلاء‌ الشباب الأعزاء، فهذا مفيد نافع لهم و للشباب في الوقت ذاته. إننا نستلهم النشاط و الحيوية بالنظر إليكم أيها الشباب، و بوسعكم أنتم أيضاً أن تنتفعوا من تجارب السابقين لكم.ربنا بمحمد و آل محمد اشمل هؤلاء الشباب الأعزاء برحمتك و فضلك. اللهم اشمل بتأييدك و حمايتك كل قواتنا المسلحة من حرس الثورة و جيش الجمهورية الإسلامية‌ الإيرانية و قوات الشرطة و التعبئة الشعبية العظيمة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الأنفال، الآية 36.
2010/11/10

كلمة‌ الإمام الخامنئي في طلاب المدارس بمناسبة 13 آبان

بسم الله الرحمن الرحيممناسبة ‌الثالث عشر من آبان هي لخيرة شباب بلادنا قبل غيرهم، أي للطلبة الجامعيين و طلاب المدارس. و هذا الاجتماع الذي هو نموذج للتجمع العظيم لشباب البلاد من كافة أنحاء هذا الوطن الإلهي هو اجتماع زاخر بالمعرفة و البصيرة و الحماس و الشوق لمطامح الثورة الكبرى و أهدافها. و هي بالنسبة لي أيضاً من أطيب الفرص أن ألتقي بكم أيها الشباب الأعزاء و يا أبنائي الأحبة و أطرح هنا بعض الكلمات التي يجب أن تطرح بيننا.المناسبات التاريخية لها في الغالب حكم الرمز و العلامة. يوم الثالث عشر من آبان لا يختلف بحد ذاته عن الأيام التي سبقته و الأيام التي تليه، لكنه رمز. ما معنى الرمز؟ الرمز هو ما يحمل وراءه و في داخله معان كثيرة. يتلفظ الإنسان بكلمة و تكون لها معان و حقائق عديدة كامنة فيها. و الثالث عشر من آبان من هذا القبيل. هذا اليوم رمز، و له خلفية و امتداد واسع من الأفكار المهمة، و القضايا الخطيرة، و المسائل التي لا تعدّ تاريخية بحال من الأحوال إنما تعدّ مسائلنا اليوم أيضاً.. لنلق نظرة على مناسبات هذا اليوم.المناسبة الأولى في هذا اليوم هي أنهم نفوا إمامنا الجليل في مثل هذا اليوم من سنة 1343 . لماذا نفوه؟ لأنه ألقى قبل أيام من ذلك التاريخ كلمة حماسية في قم انتشرت فوراً في كل أنحاء البلاد عن طريق أشرطة الكاسيت و الكتابة، و قد طالب فيها بحق من الحقوق الوطنية. و كان هذا الحق الوطني الذي طالب به هو إلغاء قانون الحصانة القضائية الظالم. من المناسب أن يطلع جيل الشباب على هذه الأمور بوضوح، و يعلم أية منعطفات مررنا بها إلى وصلنا إلى هنا.كان للأمريكان عشرات الآلآف من المأمورين في إيران - و ليس عددهم الدقيق بالأمر المهم، خمسون ألفاً أو ستون ألفاً أو أكثر - كان هؤلاء مأمورين سياسيين و أمنيين و عسكريين في داخل المنظومة الإدارية لإيران سواء في الجيش أو المنظمات الاستخبارية أو قطاعات التخطيط و البرمجة أو القطاعات الأخرى، كانوا هناك يتقاضون أجوراً مضاعفة من الحكومة الإيرانية، لكنهم يعملون لأمريكا. كانت هذه حالة سيئة موجودة في بلادنا. النظام الطاغوتي البهلوي بسبب تبعيته لأمريكا و عمالته لها جاء بهؤلاء تدريجياً إلى داخل البلاد و على مدى عدة سنوات. كان الأمر سيئاً إلى هنا. لكن ما حصل كان سوءاً مضاعفاً أضعافاً. و السوء المضاعف هو أنهم صادقوا في مجلس الشورى الوطني و مجلس الأعيان في ذلك الحين على قانون يقضي بإعفاء المأمورين الأمريكان من محاكم إيران و سلطتها القضائية و الأمنية. بمعنى لو افترضنا أن أحد هؤلاء المأمورين ارتكب جريمة كبرى في إيران فلن يكون من حق محاكمنا أن تستدعيه و تحاكمه و تدينه. كان اسم هذا القانون الكابيتولاسيون (الحصانة ‌القضائية). كان هذا منتهى ضعف الشعب و تبعيته للأجانب أن يأتي الأجانب إلى بلده و يفعلوا كل ما يشاءون، و لا يكون من حق محاكم البلاد و شرطتها أن يمسوهم بأي شيء. طلب الأمريكان هذا الشيء من النظام الطاغوتي و قدمه لهم النظام الطاغوتي على طبق من ذهب: قانون الحصانة‌ القضائية.هم طبعاً كانوا يفعلون أفعالهم هذه بدون ضجيج، و لا يسمحون بانعكاسها في الصحافة، لكن الإمام اطلع على الأمر. هتف الإمام في خطابه قبل الثالث عشر من آبان في اجتماع طلبة العلوم الدينية و الناس في قم معترضاً على هذا القانون. و كان تعبيره أنه لو أهان مأمور أمريكي بسيط في هذا البلد مرجع تقليد، أو دهسه بسيارته، أو ارتكب أية جريمة، فإن قوانين إيران ستكون عاطلة تماماً إزاء هذا المأمور، و ليس من حق أي شخص التعرض له بشيء، فالأمريكان أنفسهم يعرفون ماذا يجب أن يفعلوا له. و واضح ما الذي سيفعلوه. هتف الإمام مقابل هذا القانون الظالم و كان قد خرج من السجن لتوّه. كان قد خرج قبل أشهر من سجنه الذي طال عدة أشهر. وقف الإمام و أسمع الجميع هتاف الشعب الإيراني المكبوت. و بالطبع فإن الكثير من أبناء الشعب الإيراني لم يكونوا على علم بالموضوع و بأن الشعب الإيراني يهان بهذه الطريقة، لكن الإمام كان على اطلاع.. و هكذا هو الراصد الحقيقي لمصالح البلد، حينما يطلع ما البلاء الذي ينزل بالشعب و كيف يهينونه و يسحقون شرفه فسوف لن يسكت بل يهتف بأعلى صوته. و كان مثل هذا الهتاف خطراً في ذلك الحين، لذلك ألقوا القبض على الإمام فوراً، و جاءوا به إلى طهران. و لم يبقوه في إيران بل نفوه إلى تركيا. هذا هو الحدث الأول.إذن، أصبح الثالث عشر من آبان هنا رمزاً لحقيقتين كبريين و حساستين و خطيرتين: الأولى طمع الأمريكان. فلو لم يدافع الشعب عن حقه و شرفه فإن الاستبداد و الاستكبار سوف يتمادى إلى حد فرض قانون ظالم مثل الحصانة‌ القضائية على هذا الشعب. هذا هو هدف الهيمنة‌ الاستكبارية. ليست علاقة حكومة مثل الحكومة الأمريكية مع بلد لا يمتلك قوتها و قدرتها بالعلاقة العادية بين بلدين، لا، من وجهة ‌نظر الأمريكان أنفسهم فإن علاقة أمريكا بالبلدان التي يسمونها العالم الثالث علاقة أسياد و رعية، هم الأسياد و هؤلاء‌ الرعية. و هم يملكون كل الصلاحيات في هذا البلد، ينهبون نفطه و غازه و مصالحه و أمواله، و يؤمّنون مصالح أمريكا هنا، و يهينون الشعب هنا و يذلونه.لو صفع عريف أمريكي قائداً كبيراً في الجيش الإيراني لما استطاع أحد الردّ عليه! في هذه المعسكرات المتعددة ‌في البلاد حينما كان العسكري الأمريكي البسيط يواجه ضابطاً أيرانياً كبيراً كان يتحدث معه كما يتحدث السيد مع رعيته! كان رجال الجيش ممتعضين لكنهم لا يجرأون على فعل شيء. هذه هي المسألة الأولى، و هي أن الثالث عشر من آبان رمز الاستكبار الأمريكي و رمز لروح الاعتداء و التطاول الاستكباري على الشعوب و منها الشعب الإيراني.كثيراً ما حاول رؤساء الجمهورية الأمريكان بعد انتصار الثورة و تملقوا كثيراً و أطلقوا الكثير من الكلام المعسول عسى أن يستطيعوا إعادة فتح هذا الطريق المسدود. كانوا يطلقون بعض الكلام في الظاهر، لكن باطن القضية هي تلك القبضة الحديدية التي قلت أنهم يخفونها وراء قفاز من المخمل.إذن، الثالث عشر من آبان يذكر بحقيقة مرة و مهمة جداً هي روح الاستكبار لدى القوى الاستكبارية‌ الطامعة‌ في الهيمنة. شعوب البلدان المختلفة و منها شعبنا يجب أن لا تنسى هذه الحقيقة أبداً و لتعلم أن الوجه الذي يحمله أولئك هو وجه المعتدي المتطاول الجشع الذي يطمع في المزيد و المزيد إلى درجة سحق شرف الشعب و الاعتداء على أعراضه و أرواحه و أمواله من دون أن يستطيع أحد محاسبتهم و طلب الإيضاح منهم.المسألة الثانية التي يرمز لها الثالث عشر من آبان هي الهتاف القوي لإمامنا الجليل. كان ذلك الهتاف و النداء أسلم و أطهر النداءات، و قد خرج من أطهر الأفواه. الكثيرون قد يتحدثون و يعترضون هنا و هناك، لكن اللسان الذي نشر هتاف الثالث عشر من آبان سنة 43 في العالم كان أطهر الألسنة. أولاً كان هذا النداء منبعثاً من الحسّ الديني، و ثانياً كان منبعثاً من الحميّة و الغيرة الإسلامية‌ و الوطنية الطاهرة و التي لم يكن بوسعها إطاقة هيمنة العدو على هذا الشعب، و ثالثاً كان نداء‌ يعتمد على الدعم الجماهيري العام. و سبق أن ذكرت: مع أن الناس لم يكونوا مطلعين على الأمر في البداية، و لكن حين ارتفع نداء‌ الإمام دعمته الجماهير و حمته. و هذا الدعم هو الذي أفضى بعد أربعة عشر عاماً إلى انتصار الثورة‌ الإسلامية. كان ذلك الهتاف الطاهر كالنداءات البليغة القوية التي أطلقها الأنبياء بين الناس فاجتذبت إليها الناس و قلوبهم. قام الإمام بمثل هذه الحركة الهائلة‌ في البلاد و قد صبر على التكاليف حيث فصلوه عن بيته و حياته و عائلته و أصدقائه و أقربائه و نفوه إلى ركن معزول من العالم. إذن، المسألة الثانية هي أن الثالث عشر من آبان رمز لمثل هذا النداء.المسألة المهمة جداً الأخرى التي تقف وراء هذا الرمز هي حادثة الطلاب في سنة 57. بعد مضي أربعة عشر عاماً على تلك الحادثة‌ نزل الشباب و الناشئة و طلاب الثانويات كأطهر و أنقى الشرائح إلى الساحة و قتلوا. يوم الثالث عشر من آبان يوم مذبحة‌ الطلاب في شوارع طهران. حينما نزل هؤلاء الناشئة و الشباب إلى الساحة، و رددوا نداء‌ الإمام قبل أربعة عشر عاماً انتقم منهم الجلادون مرتزقة أمريكا، و فتحوا النار عليهم، و أريقت دماؤهم على أسفلت الشوارع في طهران فخضبتها. هذه أيضاً قضية مهمة لا لمجرد أن عدداً من الشباب و الناشئة قد استشهدوا - و هذا أمر مهم طبعاً - بل لنقطة أهم هي أن الحركة العظيمة التي بدأها الإمام سنة 42 و 43 كانت من الحيوية و الفاعلية و التوثب إلى درجة أن الشباب الطاهر و طلاب المدارس ينزلون للساحة من أجلها و يشعرون بالمسؤولية و الالتزام و يقفون بوجه حراب الأجهزة‌ الطاغوتية‌ المتجبرة. هذا شيء نادر في العالم.و كذا الحال اليوم أيضاً. اليوم أيضاً يقف طلاب الثانويات إلى جانب طلبة‌ الجامعات و سائر شرائح الشعب إلى جانب التعبويين و سواهم في الخط الأمامي للفئات و الشرائح الاجتماعية. خلال فترة الدفاع المقدس كان طلاب المدارس من الرواد و السباقين في الخطوط الأمامية. لو اتصلتم بعوائل الشهداء - و أنا على اتصال بالكثير منهم و ألتقيهم - و سألتموهم كم كان عمر ابنكم لقالوا ست عشرة‌ سنة و سبع عشرة سنة و أربع عشرة سنة. ما معنى هذا؟ معناه أن الشعور بالالتزام و الروح الثورية و الشعور بالمسؤولية الناجم عن البصيرة وصل إلى درجة أن الشاب الطالب من هذا الشعب ينزل إلى وسط الساحة و يفتح صدره للأهوال و يتخلى عن كل طموحات الشباب من أجل أن يحقق المبادئ الكبرى و الأهداف الإلهية و الإسلامية في المجتمع. هذا أيضاً حدث كبير آخر وقع في سنة 57 و يمثل مفهوماً عظيماً جداً يقف وراء‌ كلمة‌ الثالث عشر من آبان. الثالث عشر من آبان رمز لهذه الأمور.المسألة الأخيرة التي وقعت في الثالث عشر من آبان هي احتلال وكر التجسس. في سنة‌ 58 و بمناسبة ذكرى نفي الإمام و استشهاد طلاب المدارس نزل الشباب مرة أخرى و فعلوا ما إذهل العالم و فرض الركوع على أمريكا. هذا هو واقع القضية. هذه ليست شعارات. اعلموا أنه يوم احتل وكر التجسس كانت سمعة الحكومة‌ الأمريكية و اعتبارها و هيمنتها أضعاف ما هي عليه الآن. لا تظروا إلى أمريكا حالياً حيث سقطت من العيون و الأنظار و صغرت و راحت الشعوب تسبها و تلعنها علانية. لم يكن الوضع هكذا في تلك الآونة، كان لأمريكا يومذاك هيمنة كبرى من الدرجة الأولى. و جاء طلابنا الجامعيون بشجاعة و شهامة و باعتبارهم الخط الأمامي لجبهة مقاومة الشعب الإيراني و احتلوا سفارة أمريكا و سجنوا الأشخاص الذين كانوا هناك. طبعاً أبدى الإمام الخميني لطفه و لينه و أمر بعد مدة أن يطلق سراح بعضهم مثل النساء ليعودوا إلى أمريكا، لكن العناصر الأصليين بقوا هنا إلى فترة طويلة. و كانت هذه بدورها حركة عظيمة زلزلت القدرة الأمريكية في العالم فسقطت أمريكا بكل هيمنتها و عظمتها في أنظار العالم فجأة. و وصل الأمر إلى درجة أن رئيس جمهورية أمريكا بادر إلى الهجوم العسكري الخفي الليلي على إيران من أجل إنقاذ هؤلاء الرهائن. و قد عبّأوا جواسيسهم هنا و مهدوا الأسباب و المقدمات و وظفوا أشخاصاً، و عينوا أماكن و هجوا بالمروحيات و الطائرات و جاءوا ليهبطوا في طبس و يأتوا من هناك ليأخذوا الرهائن معهم كما تصوروا، حيث وقعت حادثة‌ طبس المعروفة، و أراق الله تعالى ماء وجههم، و احترقت طائراتهم و مروحياتهم و اضطروا للعودة من طبس. هذه هي أحداث الثالث عشر من آبان.الثالث عشر من آبان رمز له في داخله و من ورائه الكثير من المعاني، و كل هذه المعاني دروس لنا. و علينا أن نتذكرها:‌ طمع أمريكا و تبعية‌ النظام الطاغوتي لأمريكا و فساد أجهزته، و وقفة الإمام الخميني و الجماهير الإيمانية‌ المعتمدة على البصيرة، و تواجد جيل الشباب الثوري و شجاعته و جرأته في مقابل هيمنة أمريكا و وجهها المزيف المخادع، كل هذا كامن في داخل كلمة‌ الثالث عشر من آبان. و بالتالي فالثالث عشر من آبان ليس كلمة صغيرة.تأملوا الآن قليلاً.. في العام الماضي.. عام 88 .. خرجت جماعة صغيرة تعيسة في الثالث عشر من آبان إلى شوارع طهران و رفعوا الشعارات ضد الثالث عشر من آبان، عسى أن يستطيعوا تلويث هذه المناسبة الكبرى. و قد أخفقوا و هزموا بالطبع، و كان واضحاً أنهم سيهزمون، و لكن لاحظوا ما الذي كان يقف وراء تحركهم هذا. ما الذي كانوا يواجهونه؟‌ كانوا يواجهون هذا الرمز الذي تقف وراءه كل هذه المعاني و المفاهيم الكبيرة. الواقع أنهم كانوا يجابهون هذه المفاهيم، و كانوا يريدون إحياء الهيمنة الأمريكية‌ مرة أخرى. أرادوا إسدال الستار على هيمنة أمريكا و تدخلاتها. أرادوا التشكيك في حركة الشعب الإيراني العظيمة مقابل ذلك الظلم الهائل.حينما يدرك المرء ما هو معنى الثالث عشر من آبان يفهم من هم الذين أرادوا تسقيط الثالث عشر من آبان و تشويهه حسب ظنهم و ما هم و ما هو هدفهم. هذه هي البصيرة‌ التي نكررها و نؤكد عليها. ينبغي التأمل و التدقيق.أقول لكم أيها الشباب الأعزاء إنكم اليوم في الخط الأمامي لحركة الشعب الإيراني. يرمق الشعب الإيراني قمماً و يسير نحوها. يعترف الصديق و العدو أن الشعب الإيراني يسير نحو القمم بسرعة. طبعاً لا يزال الطريق طويلاً جداً و ينبغي عدم التفكير بسذاجة. الطريق الممتد أمامنا ليس طريق سنة و سنتين، بل هو طريق طويل، بيد أن الشعب يتحرك و يسير، فما لم تكن هناك حركة لن يتاح بلوغ الأهداف. لا يمكن لأحد الوصول إلى أهدافه بالقعود و التمني و التثآؤب. ينبغي السير في الطريق و التقدم فيه بعزم. و الشعب الإيراني يفعل ذلك.لقد حققنا تقدماً ملحوظاً على الصعيد العلمي و على الصعيد التقني و على المستوى السياسي و في مجال الخدمات المتنوعة و في مضمار إعمار البلاد. إن البلد كله حالياً أشبه بورشة عمل كبيرة يجري في كل جوانبها العمل و تقديم الخدمة و المشاريع العمرانية، و المدراء الإيرانيون يكسبون المهارة و الخبرة و التجارب، و أبناء‌ الشعب الإيراني يستفيدون، و نستغني نحن عن الآخرين.في الماضي إذا أرادوا مدّ جسر في هذه المدينة كان يجب أن يأتوا بخبير أجنبي، و إذا أرادوا بناء سدّ فعليهم تحمل منّة عدة حكومات أجنبية، ناهيك عن الأعمال الأعقد. و الشعب الإيراني في الوقت الحاضر مستغن من هذه النواحي، و يمتلك طاقات بشرية غنية و ثرة و موهوبة و كثيرة. و له مدراء مخلصون و مندفعون و كفؤون. و هو يتقدم إلى الأمام. و لكن من هم الذين يقفون في مقدمة هذه الحركة العظيمة؟ إنهم الشباب و طلبة الجامعات و طلاب المدارس. الشباب هم الذين يتقدمون بهذه الحركة إلى الأمام. داينمو هذه المسيرة‌ الضخمة و هذا القطار العظيم المتقدم إلى الأمام باستمرار هم الشباب.بالطبع لا بد من المدراء الكفوئين و أصحاب التجربة. الاعتماد على الشباب لا يعني عدم احترامنا لأصحاب التجارب و الأعمار الكبيرة و المخضرمين و الشيوخ، لا، هؤلاء أيضاً لا بد من وجودهم، و لكن ما لم يكن الشباب لن تتيسر هذه الحركة. و الشباب اليوم متواجدون في الساحة بتوفيق من الله و حول منه و قوة. و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية و العظمة. أنتم الشباب الخط الأمامي لهذه الحركة سواء في الميادين السياسية أو الساحات الاقتصادية أو ميادين العلم.على الصعيد السياسي كان الشباب هم الذين أحبطوا فتنة سنة 88 . شبابنا و أنتم طلاب المدارس و الطلبة‌ الجامعيون هم الذين كان لهم الدور الأكبر بدرجة تفوق العوامل الأخرى. و إلا فالفتنة كانت فتنة كبيرة. أقول لكم إنه إذا انقضت بعض السنوات فسوف تتحرك الأقلام المغلولة‌ الآن بيد الواعين الدوليين و سوف تكتب، و قد لا أكون في ذلك الحين، لكنكم ستكونون و ستسمعون و تقرأون أية مؤامرة‌ كبرى كانت تقف خلف فتنة عام 88 . كانت تلك الفتنة‌ شيئاً على جانب كبير من الأهمية، و كانت أهدافهم أهدافاً عجيبة غريبة جداً، و قد أرادوا في الحقيقة السيطرة على إيران. الذين كانوا من عوامل الفتنة - الذين نزلوا إلى الشوارع أو بعض الناطقين باسمهم - نزلوا إلى الساحة عن غير وعي في غالب الأحيان، لكن بعض الأيدي كانت توجههم دون أن يشعروا. أما كيف نزل هؤلاء إلى هذه الساحة و كيف ساعدوا العدو دون شعور منهم بذلك فهذا أمر يتطلب تحليلاً نفسياً دقيقاً. بيد أن واقع القضية هو ما ذكرت. كانت هذه القضية عملية‌ كبيرة‌ جداً. و أنتم الشباب من أنجز هذه العملية.أبقوا في الساحة يا أعزائي. البلد بلدكم. و القمم التي ذكرتها لكم. حينما تبلغون كمال أعماركم إن شاء الله سوف ترون هذه القمم و ستصنعون المفاخر لشعبكم. طبعاً ما من حركة يمكن أن تنتهي، فالتحرك مستمر نحو القمم و لا يتوقف أبداً. المهم أن يتعلم الشعب و يتعود و يعقد العزيمة على السير نحو الكمال و السمو. و ينبغي أن لا ينتاب الخور هذه العزيمة في أي وقت من الأوقات.لحسن الحظ فإن الجمهورية‌ الإسلامية‌ و الشعب العزيز الواقف سنداً لهذه الجمهورية يحميها و يحرسها أقوى و أقدر من أي وقت مضى. و طريقنا اليوم أوضح و أسطع من أي وقت آخر، و نعلم ما الذي نفعله و ندري إلى أين نحن سائرون. نعرف أصدقاءنا و نعرف أعداءنا.و أعداء الشعب الإيراني أضعف من أي وقت آخر مروا به، و مكروهون و مبغوضون أكثر من أي وقت آخر، و يعانون المشكلات، و لهم مشاكلهم الاقتصادية و السياسية و شتى صنوف المشكلات. طبعاً هذا لا يعني أننا يجب أن نخلد إلى راحة البال و نتهالك على وسادات وثيرة و ننسى، لا، لا يصح أبداً الاستهانة بالعدو، و ينبغي أن تتذكروا دوماً أن الأعداء‌ في كمائنهم يترقبون و يرصدون، و لكن اعلموا أن العدو اليوم لا يستطيع استخدام الأساليب القديمة. الشعب الإيراني اليوم يقظ واع و شبابنا يقظون واعون صاحون. القسم الأعظم من شباب البلاد اليوم في خدمة‌ هذه الأهداف، سواء في البيئة الجامعية أو في مناخ السوق أو في أجواء‌ طلاب المدارس أو في بيئة رجال الدين، في كل المناخات يخوض الشباب في العمل.اللهم اشمل هؤلاء الشباب بلطفك و رحمتك. اللهم اجعل الصلاح سائداً في هذا البلد. اللهم اجعلنا و جميع الشرائح كما أراد الإسلام و كما يرتضيه الإسلام. ربنا أمدد شعب إيران في انتصاراته الكثيرة. ربنا أسند هذا الشعب بأدعية الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و تقبلها بقبولك الحسن. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2010/11/03

فلتعرفوا قيمة خدمة مسجد جمكران لأن أهل المعنى والتوجّه كانوا عاشقين لهذا المسجد

أثناء زيارته لمدينة قم المقدسة عام 2010 م التقى سماحة الإمام السيّد علي الخامنئي بجمع من خدّام مسجد جمكران المقدس، وأدلى ببعض النقاط حول هذا المسجد وخدمته. وسرد سماحته في كلمته جانباً من ذكرياته حول تشرّفه بزيارة مسجد جمكران قبل انتصار الثورة، مشيراً إلى إقبال أولياء الله ورجال الغيب على هذا المكان المقدّس واهتمامهم به. ينشر موقع KHAMENEI.IR النصّ الكامل لهذه الكلمة التي ألقيت بتاريخ 28/10/2010 م بمناسبة النصف من شعبان ذكرى ولادة الإمام المهدي المنتظر (عج).
2010/10/28

كلمة الإمام الخامنئي في المسؤولين التنفيذيين بمحافظة قم

بسم الله الرحمن الرحيمو الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين.السلام عليك يا سيدتي و مولاتي يا فاطمة يا بنت موسى بن جعفر أيتها المعصومة سلام الله عليك و على آبائك الطيبين الطاهرين المعصومين.نحن مسرورون جداً للقائنا الطيب اليوم بالخدمة الصميميين المخلصين لشعب إيران و مدينة قم. إنني أشكر هيئة الوزراء المحترمة لجهودها و تدابيرها من أجل عمارة قم و المساعدة على رفاهية هؤلاء الأهالي الأعزاء و قدومهم إلى قم و الحضور أمام مرقد السيدة المعصومة (سلام الله عليها). و أشكركم شكراً جزيلاً جميع الحضور المحترمين العاملين على تقديم الخدمة في أي قطاع من القطاعات، و أرجو أن يوفقكم الله تعالى و يكون راضٍ عنكم، و أن تستطيعوا إن شاء الله إرضاء هؤلاء الناس الأعزاء المؤمنين المتحمسين عنكم بكل معنى الكلمة.الخدمة توفيق كبير لكل من يتوفّق لها. تقديم الخدمة للناس هو بحد ذاته قيمة و حسنة عند الله تعالى. و إذا كان أولئك الناس الذين تخدمونهم ذوي سمات و خصال كالإيمان و الجهاد و الدوافع السامية في الأنشطة الاجتماعية، فستكون خدمتهم قيمةً مضاعفة. و خدمة أهالي قم من هذا القبيل.. الأهالي الذين خرجوا مرفوعي الرأس من الامتحانات و في مواجهة المسؤوليات الجسيمة طوال العقود الماضية. خدمة هؤلاء الناس توفيق كبير حقاً. فاعرفوا أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المحترمون قدر هذه الخدمة.كانت قم مبغوضة في عهد حكومة الطاغوت. و قد كانت مبغوضة تحديداً بسبب خصالها المعنوية و الواقعية، بسبب تدين أهلها و ارتباطهم برجال الدين، و بسبب الحوزة العلمية الموجودة في هذه المدينة. انطلق أول نداء لمجابهة ظلم رضا خان من مدينة قم. من أجل أن يستطيع المرحوم الحاج آقا نور الله إصفهاني مواجهة استبداد رضا خان في بداية حكمه جعل من قم مقراً و ملاذاً له، فجاء إلى قم، و اجتمع علماء المدن المختلفة في قم، و قد واجهوا طبعاً قمع الحكومة البهلوية العسكرية المستبدة، و جرى سمّ المرحوم الحاج آقا نور الله فاستشهد. بعد ذلك، رفع عالم دين متق نداءه في هذا الصحن الطاهر ضد كشف الحجاب و فرض السفور، و لفت إليه كل الأنظار، فقام رضا خان من طهران و انهال بالضرب على هذا الرجل العالم التقي الورع المجاهد المعنوي.. لمجابهة الأجهزة البهلوية سابقتها في قم.. إذن، القضية لا تعود إلى بداية فترة كفاح رجال الدين في سنة 41. [1962 م]. أدى كل هذا إلى أن تتعامل حكومة الطاغوت مع قم كما لو أنها عدو. لذلك لم يكن ثمة عمران في قم، و لم تكن تنفق لها الميزانيات اللازمة و لا تتوفر فيها الإمكانيات المختلفة، أي إنهم قلّما كانوا يهتمون بقم. كثير من احتياجات الناس كان يجري تجاهلها خلال فترة الطاغوت، فلا يعملون للناس و لا يخدمونهم، إنما كانت لهم مشاغل أخرى، لكن مع ذلك كانت قم محترمة أكثر من كثير من المدن الأخرى. هذا هو وضع قم.و بعد الثورة جرى اهتمام و إقبال خاص على قم. و لكن للحق و الإنصاف - كما جاء في التقارير، و أنا أصدِّق و أؤيّد هذه التقارير - فقد ازدادت و تسارعت حركة العمران في قم و المساعدة على بناء هذه المدينة، و تحقق نمو ملحوظ فيها منذ خمسة أعوام، و هذا أمر مغتنم طبعاً، و لكن يجب أن يستمر. لو استمرت هذه الهمم و هذا الشوق و الرغبة التي يبديها المسؤولون المحترمون اليوم تجاه قم فمن المأمول إن شاء الله تلافي حالات التأخر المتراكمة عن الماضي تدريجياً.. و هذا أمر مهم بالنسبة للبلاد. تقديم الخدمة لقم ليس مجرد تقديم الخدمة لمدينة معينة، إنما هو تقديم الخدمة لكل البلد و لسمعة البلد، فهنا معقل الثورة، و معقل رجال الدين، و في هذه المدينة أكبر حوزة علمية، و فيها شخصيات علمية و دينية بارزة، و هي محط أنظار الكثيرين في العالم. لاحظوا أن جميع الأجهزة الإعلامية في العالم تركزت خلال هذه الأيام القليلة على قم و أهالي قم و رجال الدين في قم. هذا مؤشر على أهمية هذه المدينة و قطبيتها. و بالتالي فتقديم الخدمة لهذه المدينة هو في الحقيقة خدمة لسمعة الجمهورية الإسلامية.من المخططات الإعلامية للأعداء على امتداد سنوات الثورة هو تضعيف رموز الثورة و الإسلام و الحطّ و النيل منها. كل ما يوجد في البلاد ممّا يرمز للإسلام و الثورة على المستوى الوطني يحاولون النيل و الحطّ منه، كتضعيف رجال الدين و الاستهزاء بهم، و تضعيف الكثير من المعارف الإسلامية و إهانتها و النيل منها من قبل أشخاص مختلفين.. و كذا الحال بالنسبة لتضعيف قم.لقد خططوا لمدينة قم. و كما قلت بالأمس في اجتماع هنا كان قرار جبهة الأعداء أن تخلق في قم نفسها مضاداً للثورة بعد أن كانت مقراً و معقلاً لعظمة الإسلام و رفع راية الثورة، و أن يجعلوا هذا المعقل معقلاً لمناهضة الثورة. و قد سعوا في هذا الاتجاه و خططوا له، و استخدموا مختلف الأساليب، و منها العمل على أفكار أهالي قم و مشاعرهم عسى أن يستطيعوا إخماد هذه المشاعر أو تقليل جذوتها. جرت الكثير من الأعمال و الجهود بهذا الاتجاه خلال هذه الأعوام.و إذا كنتم تجدون ردّ الناس على كل هذه الجهود و الأعمال العدائية رداً حماسياً عظيماً هكذا - الملحمة التي صنعها و أبداها أهالي قم في هذه الأيام الأخيرة - فما هذا إلا بسبب يقظة هؤلاء الناس، و مؤشر على عمق إيمانهم و رسوخه في القلوب. و إلا فالعدو لم يقصّر في شيء و لم يتوان عن شيء. الاهتمام بقم كبير، و يجب فعل ما يجهض هذا الإعلام، و هذا ما يتاح عن طريق خدمة هؤلاء الأهالي و مساعدتهم و تشخيص المشكلات الحقيقية التي تعاني منها هذه المدينة و أهاليها. لذا فإن توصيتي المهمة اليوم في هذا الاجتماع لكم أيها المسؤولون المحترمون هي أن تبذلوا قصارى جهدكم لخدمة هؤلاء الأهالي و حلّ معضلات حياتهم.بالطبع فإن إمكانيات الأجهزة الحكومية محدودة و هي ليست إمكانيات لا محدودة. ينبغي ترتيب الأولويات.. و قد كان الأمر كذلك دائماً. ينبغي النظر ما هي الأولويات.. و هذه إحدى الأولويات. اعتقد أن القضايا المهمة في مدينة قم - و هي على جادة التنفيذ لحسن الحظ - يجب أن تفهرس بدقة. هذه القرارات التي أتخذتها هيئة الوزراء اليوم هنا، و القرارات التي اتخذت في زيارات رئيس الجمهورية المحترم إلى هذه المدينة، يتعيّن تنفيذها بدقة و بحذافيرها. يجب أن يحاول المسؤولون المحترمون متابعة هذه القرارات بدقة و اهتمام إلى أن يفرغوا منها. قضية مياه قم و هي قضية جد أساسية و حيوية بدأت أعمالها منذ أعوام و الحمد لله، و قدت وصلت إلى نتائج إيجابية بنحو نسبي، و لكن يتوجب مواصلة هذه المهمّة و هذا السعي إلى أن تصل مياه الشرب العذبة إن شاء الله إلى مدينة قم و يتنعّم أهاليها بحلاوتها.و قضية المناطق الفقيرة في قم التي أشار لها السادة في كلامهم - السيد المحافظ و السيد النائب الأول المحترمان - قضية على جانب كبير من الأهمية. المناطق التي ذكروا أسماءها و مناطق أخرى لم يذكروا أسماءها. ثمة في قم مناطق فقيرة كثيفة السكان، و أهاليها محبّون للثورة. منطقة »نيروگاه« التي ذكروها و بكل ما فيها من الحرمان، و الأهالي هناك عشاق و محبّون للثورة و سائرون في طريق مبادئها.. نحن على إطلاع بذلك. و قد كان الوضع كذلك في سنوات الدفاع المقدس أيضاً، و ما بعد ذلك إلى يومنا هذا. أو منطقة «شاه إبراهيم» و المناطق الأخرى الفقيرة و المتأخرة في قم.. يجب التفكير بطريقة أساسية و جذرية لتوفير الإمكانيات الرفاهية و الصحية و التعليمية و الخدمية لهذه المناطق. يتعين القيام بخطوات كبيرة و قفزات سريعة كبيرة إلى أن تسير الأمور بعد ذلك في سياقها و سرعتها الطبيعية.من قضايا قم قضية الصحة و العلاج. و قد سمعتُ خلال الأيام التي كنتُ فيها هنا آراء متعددة من طرق مختلفة حول حاجة مدينة قم لمزيد من الإمكانيات الصحية و العلاجية. و قد اتخذت قرارات معينة و سوف يتم تنفيذها إن شاء الله، و لكن يتوجب الاهتمام. سمعت أن من المجالات التي تنقصها الإمكانيات العلاجية هو مجال النساء، و يجب الاهتمام بهذا المجال إن شاء الله.و قضية الصناعات اليدوية في قم - التي أشرت لها في كلمتي في اليوم الأول - قضية مهمة هي الأخرى. منذ أن كنا في قم سابقاً و ما قبل ذلك، اشتهرت هذه المدينة بصناعتها و نسجها للسجاد الجميل و الفاخر جداً. و لا بد من مدّ يد العون لهذه الصناعة. هذه من إمكانيات المدينة و هي فرصة مهمة جداً. سمعنا في كل مكان، و كان نساء قم و رجالها يفخرون بالسجاد الذي يحاك هنا، و كان مشهوراً و يسمى سجاد »نخ فرنگ«. و لا أدري هل لا يزال مشهوراً كما كان و بنفس التسمية أم لا. يتوجب الاهتمام بصناعة السجاد هنا و بباقي الصناعات اليدوية. إذ بوسع ذلك توفير الرفاهية للناس بنحو ذاتي داخلي.و أشاروا إلى قطاع الصناعة و هو أمر حسن جداً. و سمعت بخصوص قضية الزراعة أن من المقرر نقل مقادير من الماء من طهران و ورامين إلى منطقة »مسيله« الزراعية، و كان هذا من مشاريع الحكومة و قد اتخذ قراره مسبقاً.. إنه مشروع جيد جداً و عملية مهمة للغاية ستتم إن شاء الله. لقد تم إنجاز أعمال كبيرة على يد هذه الحكومة و الحمد لله. في الحكومتين التاسعة و العاشرة - كما سبق أن أشير - تم القيام بأعمال و مشاريع قيمة و بأضعاف ما أنجز من الأعمال سابقاً، لكن الاحتياجات لا تزال قائمة، و قد قلّت و تقلّصت، إلا إنه لا بد من مزيد من المساعي و الجهود لأجل رفع جميع الاحتياجات.. و هذا ما يقع على عاتقكم.من الأمور المهمة جداً طريقة تعامل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم مع الناس و المراجعين.. و لا بد أن يكون هذا التعامل بوجه بشوش. يقول الشاعر:إذا لم تستطع حلّ العقد، فلا تعقِّد حاجبيك، كن منبسط الوجه و الحاجبين إن لم تكن منبسط اليد.أحياناً لا يستطيع المسؤول تحقيق الأمور و المطاليب المتوقعة منه. قد تكون اعتمادات المؤسسة و إمكانياتها و ميزانيتها قليلة.. لا إشكال في ذلك.. إذا تمّ التعامل مع الناس بقدر المستطاع و لكن بوجه بشوش و أذرع مفتوحة و بصميمية فإن الناس سوف يرضون و يفرحون. أحياناً يراجعوننا إلى مكتبنا في طهران، و بعضهم لديهم مطاليب لا يمكن لنا تحقيقها، فيقال لهم: نعم، وصلنا طلبكم، و لكن ليس في وسعنا إنجاز هذا الطلب، أو أنه بخلاف القانون، أو لمشكلات و عقبات أخرى. فيقولون: نحن راضوان لمجرد أنكم اهتممتم بطلبنا و تابعتموه حتى لو لم ينجز الطلب. الناس يفرحون لشعور المسؤولين بآلامهم و أوجاعهم و مشاركتهم همومهم. طبعاً، يجب عليهم السعي و العمل و رفع احتياجات الناس بقدر الإمكان. و قد ذكرنا أن إمكانيات الحكومة محدودة. يجب أن لا نتصور أن جميع الأعمال و المهام الضرورية بوسع الحكومة تحقيقها كيفما تريد، لا، ثمة قيود متنوعة لأسباب عديدة، و لكن يجب العمل بالقدر الممكن، و ما نعمله ينبغي أن نعمله بوجه منفتح.. يجب أن تكون وجوهنا منفتحة بشوشة. هذه من أهم الأعمال التي تقع على عاتقنا و على عاتق جميع المسؤولين.أنتم المسؤولين المحترمين في القطاعات المختلفة - سواء في القطاعات التعليمية أو الخدمية أو الصناعية أو الزراعية أو الثقافية أو الصحية و العلاجية أو العسكرية و الأمنية و سواها - اعلموا أن ثواب هذه الخدمة التي تقدمونها ليس مجرد الأجر الذي تتقاضونه من المؤسسة التي تعملون فيها، إنما ثوابها عند الله. الثواب الذي يعطيه الله تعالى أعلى و أحلى و أعظم بكثير من الأجور التي تمنح للإنسان في الدنيا، سواء الأجور الدنيوية المادية أو حتى الشكر و التقدير. قد نفعل أحياناً ما يستدعي شكر الناس لنا، و هذا بدوره أجر، بيد أن الأجر الإلهي أكبر من هذا بكثير. إنكم تقدمون خدمة و تخلصون في عملكم، و تخصصون وقتكم للعمل أكثر من أوقات العمل العادية، و قد لا يعلم بذلك أي إنسان، لكن الله به عليم. كثيراً ما يحدث - و قد شاهدنا ذلك كثيراً طوال خدمتنا على مدى إحدى و ثلاثين سنة - أن يكون هناك أفراد يعملون عملاً مخلصاً من دون أن يدري بذلك أحد، و من دون أن يعلم حتى رئيس الشخص أو مرؤوسيه بذلك. ينظر الشخص في ملف معين أو يتابع عملاً معيناً، و حينما ينتهي وقت الدوام، يقول لنفسه: سأبقى نصف ساعة أخرى أو ساعة أخرى لأنهي هذا العمل. و لا يعلم بالأمر أي شخص و لا يشكره أي شخص. اعلموا أن هذا باق عند الله. إن لم يعلم أي إنسان بذلك، فالكتاب الإلهيون و الكرام الكاتبون يعلمون و يكتبون ذلك و يسجلونه. يوم تحتاج كل العيون و القلوب للطف الله و رحمته و مغفرته، ستكون هذه الأعمال قرة عين و طمأنينة قلب لكم.. ستكون هذه الأعمال في يوم القيامة المهول العسير ظلاً على رؤوسكم. إذن، الأجر الإلهي أعلى بكثير.. خذوا هذا الأجر بنظر الاعتبار. أي عمل تقومون به و أية خدمة تقدمونها للناس فهي محفوظة مسجلة عند الله تعالى. حينما تعملون بهذه الروح فلن تتعبوا من العمل و سوف لن يستنـزفنا العمل، خصوصاً في ضوء أن بلادنا تحتاج إلى العمل حقاً. علينا التقدم و السير بسرعة كبيرة في كافة الميادين.لقد فرضوا علينا التأخر في المجال العلمي طوال مائة عام أو مائة و خمسين عاماً. و كذا الحال على صعيد الصناعة، و نفس الحالة تصدق على المجالات الاجتماعية المختلفة. الحكومات الفاسدة المستبدة اللاهثة وراء شهواتها و بطونها، و في العقود التي سبقت الثورة كانت هناك حكومات عميلة و تابعة بشدة، أذاقت تلك الحكومات البلاد الويل. ذات يوم كان هناك الاستبداد و الدكتاتورية فقط - دكتاتورية ناصر الدين شاه، و فتح علي شاه - و لم تكن هناك تبعية. و لكن في وقت لاحق كان في البلد استبداد و عسف و ضغط على الشعب، و إلى جانب كل ذلك خدمة الأجانب و العمالة لهم. رضاخان الشقي الذي كان يتهجم على الشعب كالذئب المتوحش، أعطى لأسياده الإنجليز أي امتياز طلبوه منه. أخذ معاهدة النفط و ألقاها في المدفئة حسب الظاهر، و لكن بعد أيام وقع معاهدة أسوء و أخزى و لمدة طويلة - أضاف ثلاثين سنة أخرى على فترة المعاهدة السابقة - و سلّمها لهم! و كان مسؤولو حكومته تبعاً له. بعد زوال رضا خان قالوا لتقي زاده الذي كان وزير المالية آنذاك لماذا وقعت تلك المعاهدة في ذلك الحين؟ فقال إنما كنتُ آلة الفعل. أي إن رضا خان نفسه هو المسؤول. الشخص الذي يتعامل مع شعبه بكل هذه الوحشية و الوقاحة و العدوانية، كان ذليلاً صاغراً أمام الإنجليز. هم الذين جاءوا به إلى السلطة. في فترة من الفترات أراد الانتقال من قطب دولي إلى قطب دولي آخر - حيث مال نحو الألمان - فعزلوه و أخرجوه من إيران كعبد ذليل و نصّبوا ابنه مكانه.هكذا عاش بلدنا سنين طوالاً. كان هذا الشعب تحت ضغط الحكومات المستبدة الفاسدة الدكتاتورية الجشعة سنين طوالاً. أينما كان في هذا البلد ملك عامر سجله رضا خان باسمه.. في مازندران، و في خراسان، و في الكثير من المناطق الأخرى.. جمعوا الثروة و الأموال و الأملاك و المجوهرات، و في النهاية أخذوا مبالغ من الثروة الوطنية و هربوا. أخذت إلى أمريكا الآن مليارات الدولارات من أموال هذا الشعب. في بداية الثورة طلبنا من أمريكا إعادة الثروة التي أخذتها العائلة البهلوية معها إلى الخارج، فلم يسمعوا، و كان واضحاً أنهم لن يسمعوا، فهم جميعاً من سنخ واحد. و ببركة الثورة فكّر هذا الشعب في تجديد حياته، و سار في طريق تجديد الحياة، و أنجز أعمالاً كبيرة، لكن أمامه أعمالاً أكبر. لا تزال أمامنا أعمال كبيرة يجب أن ننهض بها من الناحية العلمية و التقنية و الخدمية، و من حيث المؤسسات المختلفة و تنظيم البلاد. ليس بكثير كل ما تقومون به من أجل هذا الشعب. هذا ما أقوله لكم و أوصيكم به.أشكركم جميعاً مرة أخرى أيها المسؤولون المحترمون المتواجدون في هذه المدينة - المحافظ المحترم و غيره من المسؤولين - و أكرر الشيء الذي قلته في اليوم الأول: لتحذر المؤسسات و الأجهزة الحكومية من أن تضرّ الاختلافات فيما بينها بالناس. يجب أن لا تطال نيران الاختلافات الناس.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2010/10/27

كلمة الإمام الخامنئي في الطلبة الجامعيين بقم

بسم الله الرحمن الرحيمو الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين. السلام عليك يا فاطمة المعصومة يا بنت موسى بن جعفر، سلام الله عليك و على آبائك الطيبين الطاهرين المنتجبين المعصومين.اللقاء بكم أيها الشباب الأعزاء في الأيام الأخيرة من هذه الزيارة الطويلة نسبياً كأنما هو مطلع جديد و استعادة للقوى. البيئة الشبابية و المشاعر الشبابية و الأفكار الشابة و الروح و المحفزات الشابة في أي مناخ كانت، تؤثر في ذلك المناخ. من أسباب أن الأجواء ‌العامة في البلاد بتوفيق من الله أجواء‌ زاخرة بالعزيمة و الإرادة و الحماس و العقلانية هو أن الشباب يمثلون الأكثرية في سكان البلاد. و هذا الاجتماع هو اجتماع شبابي بالمعنى الحقيقي للكلمة.بخصوص شباب قم لدي ذكريات و معلومات عديدة و وفيرة. مع أنه يوجد بين الطلبة الجامعيين شباب جاءوا إلى هنا من مدن أخرى، لكن الأكثرية أو الكل تقريباً هم من الشباب القميين. قبل أن يتصاعد الكفاح في سنوات 41 و 42 شهدنا هنا ذكاء الشباب القميين و وعيهم. لا أنسى أنه كان أمام زقاق الحرم أو في الجهة الأخرى للشارع و زقاق ارگ، كان هناك كوشك لبيع الصحف يعلقون فيه الصحف. و حينما كنا نعود من الدرس نقف و نقرأ عناوين الصحف. و عندما اضطرت الحكومة ‌الطاغوتية للتراجع فيما يخص قضية اتحادات الولايات و المحافظات، و أبطلت ما تمت المصادقة عليه، رأيت الشباب حول زقاق الحرم و في شارع إرم - و كنت أرى هؤلاء الشباب غالباً و لم أكن أتصور أنهم يتابعون الأفكار و القضايا السياسية - يأتون و يقولون لنا: نبارك لكم نجاح رجال الدين مقابل الحكومة الطاغوتية. الشباب القمّيون الذين كانوا في الظاهر بمعزل عن هذه الأمور جاءوا و باركوا لنا نحن طلبة‌ العلوم الدينية ذلك النجاح، و هم لا يعرفوننا أبداً.و قد فكرت منذ ذلك الحين مع نفسي: أية روح لدى هؤلاء الشباب القميين - لم يكن في قم ذلك الحين طلبة‌ جامعيون، إنما كانوا طلاب مدارس أو غيرهم، و بعض الشباب العاطلين عن العمل - حتى راحوا يتحسسون هكذا إزاء قضايا الكفاح و النهضة، و صراع رجال الدين مع الحكومة الطاغوتية.بعد ذلك حينما وقعت أحداث عام 56 [1977 م] أبلت قم بلاء حسناً. الحق أن قم هي التي بدأت قيادة حركة الجماهير في الشوارع، و التواجد في الساحات، و الوقوف بوجه القبضات الحديدية و الخشنة لأجهزة النظام. هؤلاء الشباب القمّيون نزلوا إلى الشوارع، و أريقت دماؤهم على الأرض، و قد آذوا بدورهم مأموري و رجال النظام الطاغوتي بدرجة كبيرة. ذكاء الشباب القميين و خفتهم حيّرت رجال النظام بشدة.ثم وقعت الثورة. و كانت قم دائماً في الصفوف الأمامية. لواء علي بن أبي طالب هذا من الألوية الموفقة في الخطوط الأمامية من ملحمة الدفاع المقدس. في كل الامتحانات الكبرى خرج أهالي قم مرفوعي الرأس و ناجحين. و كان الشباب في الصفوف المتقدمة. أريد منكم أيها الشباب اليوم و أنتم أصحاب مشاعر و أحاسيس و فكر و حماس و توثب أن تنظروا و تتذكروا هذه الهوية المجيدة لجيل الشباب القميين قبل عدة عقود.لقد كان لأهالي قم دورهم في الثورة. و كان لهم دورهم في ملحمة الدفاع المقدس. و بعد انتهاء‌ الحرب - خصوصاً بعد رحيل الإمام الجليل حيث حرمنا ظلاله الوارفة - كان دور الشباب القميين أبرز. و هذه نقطة مهمة.لاحظوا أن أعداء الثورة و الجبهة المعادية خططوا في الأعوام الأخيرة من العقد الأول للثورة و بمعونة خبراء إيرانيين لسياسة معينة - و قد استشاروا إيرانيين لأن غير الإيرانيين لم يكن بوسعهم ملاحظة هذه النقطة - هي سياسة خلق مضاد للثورة‌ من قم. كما تفجرت الثورة‌ من قم أرادوا إيجاد مضاد للثورة من قم. قم معقل رجال الدين. و الحوزة العلمية في قم حسب الظاهر، بيد أن رجال الدين موجودون و منتشرون في الحقيقة في كل البلاد. طالب العلوم الدينية الذي يسكن قم له نفوذه في مدينته و في قريته. و هؤلاء‌ الطلبة مجتمعون هنا من كل أنحاء البلاد. يوم يعود هؤلاء الطلبة إلى منازلهم بمناسبة العطل أو لإنجاز أعمالهم فمعنى ذلك أن الحوزة تنتشر في كل البلاد. و إذن، فأية فكرة هنا و أية عزيمة و إرادة و حركة و توجه سيمتد في الحقيقة في كل أنحاء البلاد. هذا ما لم يكن بوسع الأجانب و الأمريكان أن يفهموه و يحللوا حقيقته، إنما بوسع الإيراني العارف بطبيعة رجال الدين أن يفهم هذه الحالة و يعلمها لهم. لذلك حاولوا التمهيد للفتنة ‌في قم. و لأنني لا أروم ذكر الأسماء فسوف لن أذكر الأسماء و أتجاوز هذا الأمر. في سنة 58 و 59 [1979 و 1989 م] سطّر أهالي قم و أهالي تبريز الملاحم، و لم تتمثل تلك الملاحم بمجرد النزول إلى الساحة و رفع القبضات، بل كانت أيضاً ملاحم معنوية و ملاحم شعور و تحليل صائب. و بعد رحيل الإمام حدث نفس الشيء في قم بنحو آخر. يومها أيضاً خطط المعارضون و الأعداء - و معظم الأعداء ‌خارج الحدود و هم الأصليون - لخلق مثل هذا المضاد هنا. و لو كان أهالي قم غافلين، و لو كان شباب قم عاجزين عن التحليل و لا يتحلون بالذكاء ‌و الوعي اللازم، لكانت المشكلات أشد و أصعب. هذه هي حقيقة الأمر. هذا هو الواقع بالنسبة لعموم الشباب في قم.الذين أخاطبهم في كثير من الأحيان، و من ذلك ما أطرحه اليوم، هم أنتم الشباب لأن الأمر أمركم و البلد لكم. نحن ضيوف لبضعة أيام، و قد انقضى دورنا و نصيبنا و فترتنا، و من الآن فصاعداً تبدأ دورتكم، و عليكم أنتم أن تديروا البلاد، و أن تبلغوا بهذه العزة‌ الوطنية و هذا الاقتدار الوطني حدود الكمال بالاستعانة‌ بالمكتسبات التي تحققت لحد الآن. هذا واجب يقع على عواتقكم في التاريخ. لذلك أخاطبكم أنتم.إذا اقتنعنا أن جبهة الأعداء تخطط ضد بلادنا و ثورتنا على المدى البعيد، إذن لا بد لنا نحن أيضاً أن نخطط و نبرمج للمدى البعيد. لا يمكن القبول أن جبهة‌ أعداء‌ الإسلام و الثورة المهدَّدة بشدة من قبل الصحوة الإسلامية لا تخطط و لا تبرمج برامج طويلة‌ الأمد، هذا ما لا يصدقه أحد إلا إذا كان ساذجاً و غافلاً جداً. لا بد أن لهم خططهم و برامجهم الطويلة الأمد. كما أن هذه الأحداث التي ترون أنها تقع أحياناً في البلاد، و أيدي الأعداء ‌واضحة فيها، ليست أموراً فجائية الظهور و أبنة‌ ساعتها إنما هي مسبوقة بتخطيطات طويلة الأمد و متوسطة‌ الأمد. برمجوا و خططوا فكانت هذه نتائج مخططاتهم.. لا أنهم قرروا شيئاً في المساء و بادروا لتنفيذه في صباح اليوم الثاني، لا، في فتنة سنة 88 عرضت على بعض الأصدقاء‌ القرائن و الشواهد.. كان هناك تخطيط منذ ما لا يقل عن عشر سنوات أو خمس عشرة سنة. كان هناك تخطيط منذ رحيل الإمام، و ظهرت آثار ذلك التخطيط في سنة 78 [1999 م] في أحداث الحي الجامعي و الأمور التي يتذكرها أغلبكم، و ربما لم يكن البعض يتذكرونها بشكل جيد. و الأحداث التي وقعت العام الماضي كانت بمثابة‌ الانبعاث لتلك المخططات. طبعاً حاولوا القيام بهذا العمل بملاحظة ‌الوقت و الظروف و الجوانب المختلفة، و قد أخفقوا و الحمد لله، و كان يجب أن يخفقوا. إذن لجبهة الأعداء مخططاتها طويلة الأمد. إنهم لا ييأسون حين يشاهدون أنهم أخفقوا اليوم و لا يكفون عن مساعيهم، لا، بل يواصلون التخطيط لعشرة أعوام أخرى، و عشرين عاماً آخر، و أربعين سنة أخرى. يجب أن تستعدوا دوماً.يتعين أن يكون لنا تخطيطنا طويل الأمد. طبعاً ليس هذا هو موضع طرح هذا التخطيط طويل الأمد - المراكز الفكرية و السياسية و الثقافية تتابع هذه الأمور و يجب عليها القيام بهذه المهام و هي تقوم بها - و ما استطيع أن أقوله على الإجمال هو وجود أرضية أساسية للتخطيط طويل الأمد أشرت إليها مراراً، و أرى من الضروري هنا أن أتحدث عنها أكثر، و هي مسألة التحلي بالبصيرة.لقد تحدثت كثيراً في السنة الأخيرة و ما قبلها حول البصيرة، و ذكر الآخرون الكثير من النقاط و الأمور، و وجدت أن بعض الشباب قاموا بأعمال جيدة في هذا المضمار. و أريد التأكيد مرة أخرى على قضية‌ البصيرة. و تأكيدي هذا هو في الواقع بدافع أن تتحركوا أنتم المخاطبين، و أصحاب الميدان و الساحة، و الذين تقع المهمات على عواتقكم صوب الأعمال و البرمجة ذات الصلة بالتحلي بالبصيرة، و تأمّنوا هذه الحاجة المهمة. البصيرة‌ هي النور و الضوء و هي مؤشر القبلة و البوصلة. إذا سار المرء في الصحراء‌ من دون بوصلة فقد يصل إلى مكان ما بالصدفة، لكن هذا الاحتمال ضعيف، و الاحتمال الأكبر هو أن يتعرض نتيجة الحيرة و التيه لمشكلات و متاعب و نصب شديد.. لا بد من بوصلة.. و خصوصاً حينما يكون ثمة عدو أمام الإنسان. إذا لم تكن هناك بوصلة فقد تجدون أنفسكم فجأة داخل حصار الأعداء بلا عدة، و عندها لن تستطيعوا فعل شيء. عليه، فالبصيرة هي البوصلة و المصباح الذي ينير الدرب. البصيرة هي التي تهيّئ الرؤية في الأجواء المظلمة. البصيرة تدلنا على الطريق.البصيرة‌ بالطبع شرط لازم للنجاح الكامل لكنها ليست شرطاً كافياً. و حسب تعابير طلبة‌ العلوم الدينية‌ فإنها ليست العلة‌ التامة‌ للنجاح. إذ لا بد للنجاح من شروط أخرى، و سوف أشير إليها إن شاء الله في ختام حديثي إذا اتسع المجال و تذكرت. لكن البصيرة شرط لازم. إذا توفرت كل الأمور اللازمة و لم تتوفر البصيرة، لكان الوصول إلى الهدف و النجاح أمراً عسيراً جداً.يمكننا أن نطرح البصيرة على مستويين. المستوى الأول هو مستوى الأسس و الأصول أو الطبقة التحتية للبصيرة، بمعنى أن يكتسب الإنسان البصيرة في اختياره لرؤيته الكونية، و في فهمه الأساسي للمفاهيم التوحيدية و نظرته التوحيدية لعالم الطبيعة. الفرق بين النظرة‌ التوحيدية و النظرة المادية تكمن في أنه حسب النظرة التوحيدية يعتبر هذا العالم مجموعة منظمة و ذات قانون، و الطبيعة هادفة، و نحن باعتبارنا جزءاً من هذه الطبيعة يعدّ وجودنا و ظهورنا و حياتنا أموراً هادفة، لم نأت إلى الدنيا بلا هدف. هذه من لوازم النظرة التوحيدية. و هذا هو معنى الإيمان بالله العالم القادر. حينما نعلم أننا هادفون عندئذ سوف نبحث عن ذلك الهدف. سوف نحاول أن نعثر على ذلك الهدف. و حينما نجد الهدف و نعلم ما هو يبدأ الجهد للوصول إلى ذلك الهدف، و حينها ستصبح الحياة كلها جهداً و سعياً هادفاً ذا اتجاه معين. و نعلم من جهة ثانية وفق النظرة التوحيدية أن أي جهد و جهاد و كفاح في سبيل الهدف سوف يوصل المرء إلى النتيجة بالتأكيد. وفق هذه النظرة لن يعود لليأس و القنوط و الخيبة و الكآبة معنى في حياة الإنسان. حينما تعلمون أن وجودكم و خلقتكم و حياتكم و تنفسكم إنما هو لهدف معين فسوف تبحثون عن ذلك الهدف، و تسعون و تجدون و تجهدون للوصول إلى ذلك الهدف. و لهذا الجهد و السعي بحد ذاته أجره عند الله تعالى خالق الوجود. و أنتم في الواقع تصلون إلى الهدف مهما كانت المحطة التي تصلون إليها. لذلك لا يمكن في النظرة التوحيدية تصور الخسارة و الضرر للإنسان المؤمن بأي حال من الأحوال. يقول: «ما لنا إلا إحدى الحسنيين». إما أن نقتل في هذا السبيل و هذا هو الأفضل، أو نقضي على العدو و نصل إلى غايتنا، و هذا هو الأفضل أيضاً. إذن لا يوجد هنا ضرر أو خسارة.و هذا بالضبط على الضد من النظرة المادية. النظرة المادية ترى أولاً أن ظهور الإنسان و وجوده في العالم بلا هدف. هم لا يعلمون أساساً لم وجدوا. و هم طبعاً يرسمون لأنفسهم في الدنيا أهدافاً مثل الوصول إلى المال و الحب و المناصب و الملذات الجسدية و الملذات العلمية و ما إلى ذلك، لكن أياً من هذه الأهداف ليس بالهدف الطبيعي الملازم لوجود الإنسان. حينما لا يكون ثمة إيمان بالله سوف لا يكون هناك معنى للأخلاق أو العدالة و لا يكون هناك معنى لأي شيء سوى الملذات و الربح الشخصي. إذا تضرر الإنسان في سبيل الوصول للربح الشخصي فمعنى ذلك أنه تضرر و خسر. و إذا لم يحقق الربح و لم يستطع بذل مساعيه فسوف يأتي الدور لليأس و القنوط و الانتحار و الأعمال غير المعقولة. إذن لاحظوا أن هذا هو الفرق بين النظرة التوحيدية و النظرة المادية و المعرفة الإلهية‌ و المعرفة المادية. هذه هي الركائز الأساسية الأهم للبصيرة.على أساس هذه النظرة، حين يكافح الإنسان فإن كفاحه مقدس، و إذا قاتل قتالاً مسلحاً كان قتاله مقدساً كذلك. و لا يوجد لديه كفاح على أساس التشاؤم و إرادة الشر أصلاً. الكفاح أساسه أن تصل الإنسانية - و ليس الشخص وحده - إلى الخير و الكمال و الرفاه و المراتب المتكاملة. وفق هذه النظرة‌ فإن للحياة وجهاً جميلاً، و السير في هذه الساحة الواسعة عملية محببة طيبة، و تعب الإنسان يتبدد بذكر الله تعالى و بتذكر الهدف. هذه هي الركيزة الأساسية‌ للمعرفة و البصيرة. هذه البصيرة شيء ضروري جداً، و علينا تأمينها و توفيرها في أنفسنا. البصيرة في الحقيقة أرضية كل المساعي و الكفاح في المجتمع. هذا مستوى من البصيرة.و ما عدا هذا المستوى الواسع و العميق من البصيرة فقد يتحلى الإنسان بالبصيرة أو يحرم منها على مستوى الأحداث المختلفة. يجب أن يتحلى الإنسان بالبصيرة. ما هو معنى هذه البصيرة؟ البصيرة‌ الضرورية في الأحداث، و المؤكد عليها في الروايات و في كلمات الإمام أمير المؤمنين (ع) بمعنى أن يتدبر المرء في الأحداث التي تحيط به و التي يمر بها و تكون ذات صلة به، و يحاول أن لا يمرّ بها بنحو سطحي عامي بل يعتبر و يستلهم الدروس، و حسب تعبير الإمام أمير المؤمنين: «رحم الله امرء تفكر فاعتبر» (1). يجب على الإنسان أن يفكر و يستلهم العبر على أساس تفكيره. أي يجب أن يقيّم الأمور و المسائل بتدبر «و اعتبر فأبصر».. يكتسب البصيرة بالتقييم. النظر للأحداث بصورة صحيحة و تقييمها تقييماً صائباً و التدبر فيها يوجد لدى الإنسان البصيرة، أي يوفر له البصر فتنفتح عيناه على الحقيقة.يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام) في موضع آخر: «فإنما البصير من سمع فتفكر و نظر فأبصر» (2). لا يمكن رفض أي قول أو قبوله بمجرد سماعه، بل ينبغي التفكير فيه. «البصير من سمع فتفكر و نظر فأبصر». مشكلة الكثير من الذين زلوا و سقطوا بسبب عدم البصيرة هي أنهم لم ينظروا، و أغمضوا أعينهم عن بعض الحقائق الواضحة. على الإنسان أن ينظر، و حينما ينظر فسوف يرى. إننا في كثير من الأحيان غير مستعدين أساساً للنظر لبعض الأشياء. يرى الإنسان أحياناً بعض المنحرفين غير المستعدين للنظر أصلاً. لا شأن لنا بالأعداء‌ المعاندين - و سوف نشير إلى هذا لاحقاً، «و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً» (3) - للبعض أغراضهم و حوافزهم و عنادهم... هم أعداء ‌على كل حال، و لا نقاش لنا فيهم، إنما النقاش حولنا أنا و أنتم المتواجدين في الساحة. إذا أردنا أن نتحلى بالبصيرة فعلينا أن نفتح أعيننا و ننظر. ثمة أشياء يمكن أن ترى. إذا مررنا بها مروراً سطحياً و لم نرها نكون قد أخطأنا طبعاً.أسوق لكم مثالاً من التاريخ. في حرب صفين اقترب جيش معاوية من الهزيمة، و لم تبق مسافة‌ بينه و بين الدمار و الهزيمة ‌الشاملة. ففكروا في حيلة لأنقاذ أنفسهم، و كانت حيلتهم أن رفعوا المصاحف على الرماح و جاءوا بها وسط الساحة. رفعوا أوراق القرآن على رؤوس الرماح و جاءوا بها وسط ساحة القتال، بمعنى أنهم أرادوا القول إن القرآن حكم بيننا و بينكم. قالوا تعالوا نعمل بأي شيء يقوله القرآن. كانت هذه عملية‌ جميلة تروق العوام و السذج. البعض من جيش الإمام علي (ع) الذين صاروا بعد ذلك من الخوارج و شهروا السيوف بوجه الإمام علي (ع) نظروا فقالوا: هذا كلام جيد و الجانب الآخر لا يقول كلاماً سيئاً يقولون تعالوا ليحكم القرآن بيننا و بينكم. لاحظوا أنهم وقعوا هنا في الخدعة‌، و زلت أقدامهم لأنهم لم ينظروا دربهم و ما هو أمامهم. لا يُعذر أحد الإنسان لأنه زلّ بسبب عدم النظر للطريق و عدم فتح عينيه لمشاهدة‌ المزلات. و أولئك لم ينظروا. لو أرادوا النظر للحقيقة لكانت الحقيقة أمام أعينهم. الذي يدعو و يقول تعالوا نرضح لتحكيم القرآن شخص يقاتل الإمام المنتخب المفترض الطاعة! كيف يؤمن مثل هذا الشخص بالقرآن؟ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ما عدا كونه من وجهة‌ نظرنا منصوب و منصوص عليه من قبل النبي، لكن حتى الذين لا يوافقون هذه الفكرة يسلمون بأن الناس جميعاً بايعوه بعد الخليفة الثالث و قبلوا خلافته فصار إماماً و حاكماً مفترض الطاعة‌ في المجتمع الإسلامي. و كل من يحاربه و يشهر السيف بوجهه يكون من واجب كل المسلمين مجابهته و محاربته. فإذا كان هذا الذي يرفع القرآن على الرماح مؤمناً بالقرآن حقاً فإن القرآن يقول له: لماذا تقاتل علياً؟ إذا كان مؤمناً بالقرآن حقاً يجب أن يرفع يديه و يقول إنني لا أحارب و يرمي سيفه أرضاً. كان يجب أن يروا هذا و يفهموه. هل كانت هذه فكرة‌ صعبة؟ هل كانت هذه معضلة لا يمكن فهمها؟ لكنهم قصروا. و هذا هو انعدام البصيرة. لو تدبروا و تأملوا قليلاً لأدركوا هذه الحقيقة. لأنهم كانوا أصحاب أمير المؤمنين في المدينة، و شاهدوا أن عملاء معاوية و أعوانه كان لهم دورهم في قتل عثمان، و ساعدوا على قتله، و رفعوا في الوقت نفسه قميص عثمان للطلب بدمه. هم الذين فعلوا ذلك و كانوا المقصرين، و مع ذلك راحوا يبحثون عن المقصر. لاحظوا أن انعدام البصيرة هذا ناجم عن عدم الدقة و عدم النظر و إغماض العيون عن حقيقة واضحة.و في أحداث الفتنة الأخيرة أخطأ البعض، و كان ذلك نتيجة انعدام البصيرة. يطلق ادعاء التلاعب بالأصوات في انتخابات كبرى و عظيمة، حسناً، طريق الحل واضح. إذا كان هناك من يعتقد بوقوع تلاعب فعليه أولاً تقديم أدلته على وقوع التلاعب، ثم إذا قدم الدليل أو لم يقدم الدليل فإن القانون قد حدد سبيل الحل و العلاج، و بوسعه أن يشتكي. و يجب التحقيق و إعادة النظر. يأتي أشخاص محايدون و ينظرون ليتضح هل حصل تلاعب أم لم يحصل. هذا هو بالتالي سبيل العلاج. و الذي لا يرضى بهذا السبيل - مع أننا قدمنا مساعدات عديدة و قد مدّدتُ الفترة القانونية لتقديم الشكاوى، بل قلنا ليأت الأشخاص أنفسهم أمام كاميرات التلفزة و يفرزوا - فهو يتمرد.. (4).. انتبهوا رجاء. ليس القصد التحدث عن أحداث ماضية إنما نروم ضرب الأمثلة. إذن التحلي بالبصيرة‌ ليس بالأمر الصعب. إذا نظرتم و وجدتم طريقاً قانونياً معقولاً، و هناك من يتمرد على هذا الطريق القانوني المعقول و يفعل ما يضر بالبلد و مصالح الشعب، فواضح أنه مدان بالنظرة العادلة و المتعارفة و غير المتحيزة. هذا شيء واضح و حكم واضح. و عليه، لكم أن تلاحظوا أن المطالبة بالبصيرة ليست مطالبة بأمر صعب غير ممكن. التحلي بالبصيرة ليس عملية صعبة. ما يلزم للتحلي بالبصيرة هو فقط أن لا يقع الإنسان أسيراً في شراك الصداقات و العداوات و الأهواء‌ النفسية‌ و الأحكام المسبقة المختلفة. بمجرد أن ينظر الإنسان و يتدبر سيستطيع العثور على الحقيقة. المطالبة‌ بالبصيرة‌ هي المطالبة بهذا التدبر و النظر لا أكثر. و هكذا يمكن أن نفهم أن التوفر على البصيرة متاح للجميع، و بوسع الكل أن يتحلوا بالبصيرة. و بالطبع فإن البعض يغفلون أحياناً من دون أن يكونوا معاندين أو سيّئي النوايا. مع أن الإنسان يحب نفسه كثيراً، لكنه قد يغفل للحظة أثناء‌ قيادة السيارة أو ينام فتقع الخسارة. الزلات التي تحدث بهذه الطريقة لا يمكن اعتبارها ذنباً، لكنها إذا استمرت ستكون انعداماً للبصيرة و أمراً غير مقبولاً.المهمة الرئيسية للأعداء اليوم في إطار الحرب الناعمة هو نثر الأغبرة في الأجواء‌ السياسية للبلاد. خذوا هذه المسألة بعين الجد. هذه هي المهمة‌ الأكبر التي يمارسها العدو حالياً. المطلعون على الشأن السياسي و القضايا السياسية يعلمون أن قوة‌ القوى الكبرى اليوم تكمن في أموالهم المكدسة في البنوك، و قدراتهم الإعلامية و أصواتهم العالية التي تصل إلى كل مكان، قبل أن تكون في قنابلهم النووية. و هم يتقنون الأساليب الإعلامية إتقاناً جيداً. و هم متقدمون حقاً في العمل الإعلامي. لقد تعلم الغربيون - سواء في أوربا أو في أمريكا - أساليب حديثة و متطورة جداً في العمل الإعلامي. و نحن متأخرون في هذا الجانب. من أهم صفاتهم و أعمالهم أنهم یحسنون العملیة الإعلامية. بهذه الأساليب الإعلامية و الضجيج و بث كم هائل من الكلام المخالف للواقع يسعون إلى تغيير أجواء‌ المجتمعات و التأثير فيها. ينبغي التنبه لهذه النقطة و الحذر منها. الواجب الذي يقع على كاهل شبابنا في هذا الإطار اليوم جسيم جداً. لستم وحدكم من يجب أن يعرف الحقيقة و يشخصها، إنما ينبغي عليكم أن تبثوا البصيرة في البيئة المحيطة بكم و توضحوا الأمور للآخرين.من النقاط الأساسية في هذا المضمار أن الباطل لا يظهر أمام الإنسان جلياً مفضوحاً دوماً حتى يستطيع الإنسان تشخيص أنه باطل. كثيراً ما يظهر الباطل بلبوس الحق أو لبوس جانب من الحق. يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع): «إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله». ثم يصل إلى قوله: «فلو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين» (5). لو ظهر الباطل و الحق صريحين علنيين بلا أية شوائب لما حصل خلاف حولهما. الكلّ يحبون الحق و الكل يبغضون الباطل. «و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من ذاك ضغث فيمزجان فحينئذ يشتبه الحق على أوليائه». يخلطون جزءاً من الحق بجزء من الباطل، و لا يظهرون الباطل صرفاً صريحاً، لذلك يشتبه المتلقون. و يجب التدقيق جداً في هذه المسألة. يركز الإعلام العالمي اليوم كل جهده على قلب الحقائق في بلادكم و مجتمعكم و نظامكم الإسلامي، و إمكانياتهم الإعلامية واسعة و كبيرة، و هم يعملون بنحو مستمر دائم. و بالطبع يوجد أشخاص في الداخل يكررون كلامهم و يعكسونه عن علم أحياناً أو عن غير علم في بعض الأحيان.حسناً، ثمة هنا نقطة و هي أن البصيرة قد تتوفر أحياناً لكن الخطأ و الاشتباه يستمر مع ذلك، و سبق أن قلنا إن البصيرة ليست شرطاً كافياً للنجاح بل هي شرط لازم له. ثمة هنا عوامل مها عدم توفر العزيمة و الإرادة. البعض يعرفون بعض الحقائق لكنهم لا يتخذون القرار للعمل و المبادرة، أو للتعبير عن ما يعرفونه و إعلانه، أو للوقوف إلى جانب الحق و الدفاع عنه. و لعدم اتخاذ القرار هذا أسباب منها طلب السلامة و العافية و منها هوى النفس و منها أحياناً الشهوات و منها أيضاً حسبان المصالح الشخصية و منها أحياناً اللجاجة. يقول الإنسان كلاماً و يريد البقاء‌ على كلامه و عدم تغييره، لأنه يشعر بالعار إذا عاد عن كلامه. لذلك قيل: «لعن الله اللجاج». ثمة أشخاص على إطلاع و علم بالواقع، و مع ذلك يساعدون الاتجاه المعارض و توجهات الأعداء. الكثير من هؤلاء ‌الذين ندموا و عادوا عن الطريق كانوا في يوم من الأيام ثوريين متطرفين، لكنكم ترون أنهم وقفوا في يوم آخر في الاتجاه المعاكس تماماً لما كانوا عليه، و راحوا يقدمون الخدمات لأعداء ‌الثورة! السبب في ذلك هو هذه العوامل المذكورة: أهواء‌ النفس و شهواتها و الغرق في الماديات. و السبب الرئيسي لكل هذا هو الغفلة عن ذكر الله، و عن الواجب، و عن الموت، و عن يوم القيامة. هذا ما يؤدي إلى تغيير اتجاههم مائة و ثمانين درجة.و بالطبع فإن البعض يخطئون. لا يمكن اعتبار الجميع مقصرين. رأينا البعض جاءوا و أعطوا البعض أموالاً كهدايا و من باب أبداء المحبة، و قد أخذ هؤلاء ‌الأموال و لم يدركوا أن اسم هذه الأموال هو الرشوة. ما يقع في عالم الواقع يشبه بعضه بعضاً، لكن المهم هو التفطن إلى أن اسم هذا الشيء هو الرشوة. حينما تكون في موقع تستطيع فيه القيام بعمل ما حسب رغبته و يأتي و يقبل يديك و يعطيك مالاً، فهذا اسمه رشوة. هذه هي الرشوة الحرام.و كذا الحال في قضايا الفتنة. البعض دخلوا في هذه الفتنة و في هذا الضجيج و لم يفهموا أن اسم هذا الفعل هو إسقاط النظام. لم يدركوا أن هذه هي الفتنة التي قال عنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «في فتن داستهم بأخفافها و وطأتهم بأظلافها و قامت على سنابكها» (6). الفتنة تحطم و تدمر الذين يسقطون تحت أقدامها. هؤلاء لم يدركوا الفتنة. قال شخص كلاماً و راحوا هم يكررونه. و بالتالي لا يمكن الحكم على جميعهم بحكم واحد. حكم المعاند يختلف عن حكم الغافل. و طبعاً يجب إيقاظ الغافل.أريد أن أقول لكم أيها الشباب، إنكم من أجل أن تبنوا إيران الإسلامية، أي من أجل أن ترفعوا رأس شعبكم و وطنكم العزيز و تاريخكم و كذلك من أجل أن تؤدوا واجبكم إزاء الإسلام العظيم - و إذا سعى الإنسان اليوم لشموخ إيران الإسلامية يكون قد قدم الخدمة لوطنه و شعبه و تاريخه، و كذلك للإسلام العزيز الذي فيه خلاص البشرية - يجب عليكم أن تكونوا واعين يقظين متواجدين في الساحة، و أن تجعلوا البصيرة محور عملكم. احذروا من أن تقعوا في حالة اللابصيرة.اعرفوا الأعداء. و لا تنخدعوا بظاهر العدو. النزعات المادية و التفكير المادي و الحضارة المادية عدو للإنسانية و لكم. توصل العالم الغربي منذ قرنين أو ثلاثة ‌إلى العلوم و التفوق العلمي و التقني، و وجد السبيل إلى الثروة و اكتنازها، و ظهرت فيه مدارس اجتماعية مختلفة و أفكار فلسفية و اجتماعية متنوعة - الليبرالية القائمة على التفكير الأوماني و الأفكار الديمقراطية و ما إلى ذلك - و كان هدف الذين ساروا وراء هذه الأفكار أن يحققوا السعادة و الراحة و السكينة و الرفاه للبشرية. لكن ما تحقق فعلاً هو عكس كل ذلك. لم تصل البشرية في ظل الأفكار الأومانية‌ [الإنسية] و في إطار الأنظمة ذات النزعة الإنسانية إلى الحالة‌ الإنسانية المنشودة و السكينة و الراحة، و ليس هذا و حسب، بل إن أكثر الحروب و المجازر، و أسوء القساوات و أقبح التصرفات التي مارسها الإنسان ضد الإنسان حصلت خلال هذه الفترة.الذين كانوا أكثر تطوراً في هذا المجال كانوا هم الأسوء. قرأت في الصحيفة أمس أنهم نقلوا عن مصادر أمريكية أن أمريكا، من عقد الأربعينات إلى عقد التسعينات أي على مدى خمسين عاماً، دبرت ثمانين انقلاباً عسكرياً في العالم! لاحظوا أن هذا هو توحش الذين وصلوا إلى قمم الثروة و التقنية و السلاح و صناعة‌ الأجهزة و المعدات و .... إلى آخره. قتل البشر شيء عادي بالنسبة لهم. و على حد تعبيرهم بدم بارد! في تعابير الأدبيات الغربية‌ يقولون إن فلاناً يقتل بدم بارد! و هذا دليل على منتهى القسوة. لا في أفغانستان و العراق و المناطق الخاضعة لاحتلالهم فقط، بل داخل مجتمعاتهم أيضاً. راجعوا أدبياتهم الدالة ‌على واقع حياتهم. قتل البشر بالنسبة ‌لهم عملية جد سهلة. من جهة‌ أخرى تلاحظ في مجتمعاتهم و شعوبهم و بين شبابهم حالات كآبة و يأس من الحياة و تمرد على الآداب و الأعراف الاجتماعية. نمط ثيابهم و تسريحاتهم مرده غالباً إلى تمرد و نفاد صبر الشباب من الأجواء ‌التي تسودهم. هذه هي نتائج تجارب المدارس و النظم التي ابتدعها الغربيون. و السبب في كل هذا هو بعدهم عن الدين و القيم الروحية و الله. و عليه فسلوكهم سلوك معادٍ للإنسانية.و أنتم اليوم تسيرون في النقطة المعاكسة لمسيرتهم. تريدون التوفر على العلم في إطار الفكر الإلهي. تريدون التوفر على الإمكانيات الطبيعية و الإنسانية لخير الشعوب، و لخير شعبكم المادي و المعنوي، و لخير البشرية مادياً و معنوياً. اتجاهكم اتجاه إلهي، و هذا ما سيكتب له النجاح و التقدم، و هو المسار المعاكس للمسار المنحرف الخاطئ الذي بدأه الغرب منذ قرنين أو ثلاثة قرون. هذه الحركة حركة مباركة و سوف تستمر.على الشاب الإيراني المسلم أن يعدّ نفسه و يتجهز و يتوكل على الله تعالى في سبيل التقدم، و يستمد منه العون، و يتقدم إلى الأمام ببصيرة، و عندها سوف يتوفر على الأدوات و الوسائل المناسبة لمواجهة‌ الأساليب الخاطئة السائدة في العالم و سيصل إن شاء الله لكل المطامح و الآمال التي رسمتها هذه الثورة ‌و الإسلام.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 103.2 - نهج البلاغة، الخطبة‌ رقم 153.3 - سورة النمل، الآية 14.4 - هنا يطلق الحضور بعض الشعارات.5 - نهج البلاغة، الخطبة 50.6 - نهج البلاغة، الخطبة 3.
2010/10/26

كلمة الإمام الخامنئي في الطلبة غير الإيرانيين بحوزة قم

بسم الله الرحمن الرحيمو الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية‌ الله في الأرضين.السلام عليك يا فاطمة يا بنت موسى بن جعفر أيتها المعصومة، سلام الله عليك و على آبائك الطيبين الطاهرين المعصومين.أنا سعيد جداً لأني وفقت اليوم لقضاء هذه الدقائق الثمينة بينكم أيها الطلبة و الفضلاء‌ الأعزاء غير الإيرانيين، و كذلك إلى جوار المدرسين و الأساتذة و المدراء في هذه المنظومة. ليعلم الطلبة و الفضلاء غير الإيرانيين أنهم ليسوا غرباء في إيران الإسلامية. إنكم لستم حتى ضيوفنا بل أنتم أصحاب الدار. إنكم أبنائي الأعزاء. إننا نحيي قدوم هذه الفراشات العاشقة التي سافرت إلى هذه الديار شوقاً لتحصيل معارف الإسلام الأصيل. و نجد أن من واجبنا تزويدكم بما نتوفر عليه من معارف الإسلام الأصيل و معارف أهل البيت (عليهم السلام) ضمن حدود قدراتنا.الدرس الأول الذي أهدته لنا الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية‌ المبارك هو أن نحول نظرتنا من داخل جدران الشعب الإيراني و نتسع بها لتشمل الساحة الواسعة للأمة الإسلامية. علمنا إمامنا الجليل أن نظرتنا يجب أن تتوجه نحو ساحة الأمة الكبيرة. صحيح أن بلد إيران كان خلال عهد الطاغوت تحت ضغوط الاستبداد و الاستعمار، و قد بلغت به الروح التراق، و كان يسحق، و كان لا بد من إنقاذه، بيد أن الضغط الأساسي و الهجوم الأساسي التاريخي كان يشن على الأمة الإسلامية. الأمة الإسلامية التي تقع في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية الجغرافية منيت بالضعف و الانكسار و التخلف و التضرر من الاستعمار و الفقر المادي و العلمي بسبب تدخل القوى الكبرى في شؤونها، و أطماع الحكومات العظمى المقتدرة و تعديات الاستكبار طوال عدة قرون من الزمن. كانت الثورة ‌الإسلامية ‌تنظر بعين الاهتمام للعالم الإسلامي و لرفع أيدي الظلم و العدوان الاستكباري عن الأمة الإسلامية و حياتها. لذلك حين انتصرت الثورة في إيران شعرت الشعوب المسلمة في شرق العالم و غربه أن نسائم جديدة قد هبّت على حيواتها، و أن الأجواء قد تغيرت، و أن فتحاً و فرجاً قد تحقق في أمورها. لذلك شعر المسلمون في أفريقيا و في آسيا و في كافة ‌المناطق التي يسكنها المسلمون أن انتصار الثورة الإسلامية و تأسيس النظام الإسلامي قد فتح طريقاً جديداً أمامهم. هذا ما تعلمناه من إمامنا، و قد كان هذا هو الخط النيّر لنظام الجمهورية الإسلامية منذ البداية و إلى اليوم.جزء من المهمات الكبرى هو هذا الذي تقومون به أنتم. إنكم تتجمعون هنا من قرابة مائة بلد في العالم للتعرفوا على تعاليم الإسلام الأصيل المنقذ. ليس الهدف أن نصدِّر الثورة بالنحو المألوف في العرف السياسي و في القاموس السياسي إلى هذا البلد و ذاك.. ليست الثورة شيئاً يمكن تصديره بالأدوات السياسية أو التقدم به بالأدوات العسكرية و الأمنية. هذا خطأ، و قد أغلقنا هذا الطريق منذ البداية.قضية ‌الجمهورية الإسلامية‌ قضية إعادة إنتاج المعارف الإسلامية السامية حتى يشعر المسلمون بهويتهم و بشخصيتهم الإسلامية و يتعرفوا على تعاليم الإسلام المنقذة‌ للبشرية و يعلموا ما معنى قول الله تعالى : «و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم»‌ (1). ما هي هذه الأغلال و السلاسل التي تضربها البيئة المشركة على الإنسان و يروم الإسلام أن يضعها عن الإنسان؟ لقد نسيت الأمة الإسلامية هذه الحقائق نتيجة الغفلة التي طالت بها أزماناً متمادية. بوسع الأمة الإسلامية أن تكون حرة و متقدمة و عالمة و عزيزة و مقتدرة، و هذا ما يتحقق بفضل التعاليم الإسلامية. لقد حاول الاستكبار و الأجهزة الاستعمارية طوال مائتي عام إنساء المسلمين هذه المفاهيم، و إغفالهم عن هويتهم، ليستطيعوا مدّ يد العدوان نحو بيئتهم السياسية و الاقتصادية و ثقافتهم المحلية و التطاول عليهم. و قد ذكّرت الثورة ‌الأمة الإسلامية بهذه الأمور.و أمامكم اليوم هذه الفرصة الكبرى في الجمهورية الإسلامية، و في العاصمة العلمية قم، و في جامعة المصطفى بأن تتعرفوا على هذه المعارف: «ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» (2)، و أن تكونوا مصابيح و أضواء تنير الأجواء. العالم الإسلامي اليوم بحاجة لهذا.أنتم اليوم تعيشون هنا في الغربة‌ طبعاً. مع أن الدار داركم لكنكم بعيدون عن أهلكم و عن قراباتكم و عوائلكم. و لكم متاعبكم و مشكلاتكم و تعيشون أنتم و عوائلكم و زوجاتكم بعض المشاكل، و لكن عليكم أن تصمدوا. في بداية‌ البعثة النبوية وضع الله تعالى عدة خطوط أساسية أمام الرسول الأكرم (ص) ليستطيع في ضوء هذه الخطوط و التوجهات المهمة أن يصبر على حمل هذه الأعباء الثقيلة المنقطعة النظير. من هذه الخطوط الصبر. «و لربك فاصبر».. «بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها المدثر قم فأنذر و ربك فكبر و ثيابك فطهر و الرجز فاهجر و لا تمنن تستكثر و لربك فاصبر» (3). وضع الله تعالى أمام نبيه الكريم خط الصبر. ينبغي الصبر. و الصبر معناه الصمود و عدم التعب و عدم الهزيمة ‌أمام المشكلات. ثمة مشكلات عديدة في طريقنا جميعاً. و يجب أن لا نهزم أمامها. و قد علمنا إمامنا الجليل هذا الدرس عملياً حيث صبر و تحمّل. يوم ارتفع نداء ‌الإمام الخميني في مدينة قم هذه لم يكن له من الأنصار سوى جماعة من طلبة‌ العلوم الدينية، فقد كان غريباً. كان الإمام غريباً في وطنه و في مدينته، لكنه صبر. فرضت عليه شتى صنوف الضغوط المادية و المعنوية، لكنه صبر و صمد.. «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف».. لم يستطع أي من هذه الأعاصير أن يزعزع تلك الإرادة الفولاذية و العزيمة الراسخة.. صبر و صمد. و حينما تتفجر عين ماء في القمة‌ فإن السفوح سترتوي أيضاً. و قد فاض صبره على غيره فتعلمه منه الآخرون، لذلك صبر الآخرون أيضاً. و قد استطاع الشعب الإيراني الكبير التغلب على كل هذه المؤامرات بهذا الصبر.تعلمون كم من المؤامرات و كم من الخناجر الخفية المسمومة استخدمت ضد هذه الشعب، و ضد هذا النظام منذ بدايات انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية و لحد الآن. من تلك المؤامرات التي شنت ضدنا الحرب المفروضة‌ التي استمرت ثمانية أعوام. فرضوا علينا الحرب ثمانية أعوام. و من المؤامرات التي حيكت ضد الجمهورية الإسلامية الحظر الذي تواصل ثلاثين سنة. يثيرون اليوم ضجيج الحظر الاقتصادي، لكن الحظر ليس شيئاً حصل في الفترة المتأخرة، فالجمهورية‌ الإسلامية تواجه الحظر الاقتصادي منذ ثلاثين سنة. لقد انتصر صبر هذا الشعب و صموده و ثباته على كل تلك المؤامرات الخبيثة و العداوات و العراقيل. و الجمهورية ‌الإسلامية‌ اليوم تقف بتوفيق من الله، و بإذنه تعالى، في قمة الاقتدار السياسي و الأمني.لا تنسوا الصبر و الصمود و الثبات. هذا أمر مهم في خطة حياة كل إنسان له أهدافه السامية. أنتم ذخائر الإسلام و رصيده العظيم. تعلموا هنا جيداً، و تنفسوا أجواء‌ الثورة و نظام الجمهورية‌ الإسلامية و عودوا على بركة‌ الله في الوقت اللازم إلى شعوبكم و انقلوا لهم هذه الحقائق بأدوات العلم و الحلم و الأخلاق و التواضع و المحبة و العطف.ليس الهدف من تواجدكم هنا هدف سياسي، بل هو هدف علمي و تربوي واضح و شفاف جداً. للعلم طلابه في كل مكان. الكلام الحسن و المعرفة النيّرة لها طلابها في كل مكان. قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه الصلاة و السلام) لأحد أصحابه: «رحم الله عبداً أحيى أمرنا». رحم الله من أحيى أمر أهل البيت و معارفهم. يقول الراوي: «فقلت له كيف يحيي أمركم؟ فقال : يتعلم علومنا و يعلمها الناس». يتعلم علوم أهل البيت و معارفهم و ينقلها للناس و القلوب المشتاقة و الأذهان المتطلعة. «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» (4).ليس من الضروري لنشر معارف أهل البيت أن تطرقوا هذا الباب و ذاك، أو تتوسلوا بسوء الأخلاق و التهجم على هذا و ذاك، بل يكفي أن نتعلم معارف أهل البيت بصورة صحيحة و ننقلها للآخرين. هذه المعارف التوحيدية، و معارف علم الإنسان، و المعارف المستوعبة لقضايا الحياة الإنسانية هي بحد ذاتها جذابة و تستطيع أن تستقطب القلوب و تضعها على طريق الأئمة الأطهار. هنا فرصة كبيرة متاحة أمامكم. تجمّعتم هنا من شعوب و بلدان مختلفة و أمام كل واحد منكم فرصة التعرف على إخوته المسلمين و ثقافاتهم المحلية في هذه البيئة.بوسع من كان من أوربا أن يقيم العلاقات هنا مع شرق آسيا.. و من كان من أفريقيا أن يقيم العلاقات مع الشرق الأوسط. تجمعت هنا نماذج من الشعوب، فتعرفوا على بعضكم و اعرفوا بعضكم. يمكن التعرف على ثقافات البعض و مطامح و آمال البعض و الأهداف بعيدة المدى التي يحملها الإخوة من الشعوب الأخرى. تعلموا هذه الأشياء من بعضكم حتى يتحلى الفرد المسلم بالشمولية. هذه فرصة كبيرة جداً لكم. و هي لا تتوفر في مكان آخر. لقد تشكلت هنا نواة دولية علمية إسلامية. تجمّعكم إلى جوار بعضكم، و حياتكم في بيئة واحدة، و تعرفكم على بعض، يخلق هنا نواة أولى للمجتمع العلمي الإسلامي الدولي. استفيدوا من هذه الفرصة إلى أقصى حد.إنكم شباب، و الرصيد الأكبر للشاب هو قلبه النيّر الطاهر. أعزائي، استفيدوا من هذا القلب النيّر و متنوا علاقتكم بالله تعالى. إذا استطاع الشاب بموهبته و خشوعه و ذكره لله و تضرعه و توسله تعريف قلبه على الله تعالى فسيكون مصداقاً لـ «نور على نور».. سوف تسطع على قلوبكم أنوار المعرفة الإلهية. من المهم البعد عن المعاصي، و الأنس بالله، و اغتنام الصلاة.الصلاة من أكبر نعم الله، فهي تمنحنا فرصة التحدث مع ربنا كل يوم عدة مرات، فنخاطب الله تعالى و نطلب منه العون، و نعرض عليه حاجاتنا، و نعزز تسليمنا للرب من خلال هذا التضرع و طلب الحاجة. الأكابر كانوا يهتمون بالصلاة اهتماماً بالغاً. و الصلاة متاحة للجميع. و غالباً ما لا نعرف قدر الصلاة. الصلاة ليس مجرد إسقاط تكليف، لا، إنما هي فرصة كبيرة ينبغي الاستفادة منها. قيل إن الصلاة كينبوع ماء في بيوتكم تغتسلون فيه كل يوم خمس مرات. يمكن لهذا الينبوع أن تكون له آثار باقية في قلوب الشباب. يمكن بالطهارة و التقوى استلام هدايا الكلام النافذ و المؤثر من الله تعالى.من الأسباب التي جعلت كلمة واحدة من إمامنا الجليل تؤثر كل ذلك التأثير المذهل في المناخ العمومي الهائل للبلاد في ظروف الشدائد و المحن و في كل الأحوال هو معنويته و صفاء نفسه و ارتباطه و اتصاله بالله و دموعه في منتصف الليل. قال لي المرحوم الحاج السيد أحمد الخميني في زمن حياة الإمام: حينما ينهض الإمام منتصف الليل لا تكفي المناديل العادية لمسح دموعه، فيضطر لمسحها بالمنشفة. كان يبكي إلى هذا الحد. ذلك الرجل الفولاذي الذي تنهال عليه أحداث و ضربات تهز شعباً و لا تهزه، ذلك الرجل الذي كانت عظمة و هيمنة القوى العالمية في نظره لا شيء، كان يبكي و يدعو و يستغيث بتلك الصورة أمام عظمة الله. هذه أمور قيمة جداً فاعرفوا قدر هذه الفرص.أقول مرة أخرى إنني سررت للقائي بكم أيها الأعزاء. ينبغي لي أن أشكر من الصميم حضرة السيد أعرافي و مسؤولي جامعة «المصطفى» و العاملين فيها و المدرسين و كل الذين يمارسون دورهم في هذه الحركة العظيمة. شملهم الله جميعاً و شملكم جميعاً و كل الذين ساعدوا في هذا السبيل بألطافه و عنايته.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الأعراف، الآية 157.2 - سورة التوبة، الآية 122.3 - سورة المدثر، الآيات 1 إلى 7. 4 - بحار الأنوار، ج 2، ص 30.  
2010/10/25
  • « الأولى
  • ‹ السابقة
  • …
  • 15
  • 16
  • 17
  • 18
  • 19
  • 20
  • 21
  • 22
  • 23
  • …
  • التالية ›
  • الأخيرة »

المستقبل للإسلام وللشباب المؤمن

2017/05/27
خطابات
  • الخطابات
  • القرارات
  • رسائل وندائات
مرئيات
  • الفيديو
  • الصور
  • تصاميم
  • موشن غراف
السيرة
  • السيرة الذاتية
  • قصص وخواطر
قضايا وآراء
  • تقارير
  • مقالات
  • حوارات
مؤلفات
  • مؤلفات الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الثورة الإسلامية
المزيد
  • الأخبار
  • أفكار ورؤی
  • الإمام الخميني
  • إستفتاءات
إنّ كلّ المحتويات الموجودة على KHAMENEI.IR مرخّصة بموجب ترخيص Creative Commons Attribution 4.0 International License.