إن تقهقر وانسحاب الصهاينة من غزة بعد ٣٨ عاماً من احتلالها حدثٌ بالغ الأهمية. اللافت هو أن تعلموا بأن هذا الانسحاب لم يكن خياراً اتخذه الكيان الصهيوني؛ إنما كان هزيمةً وإجباراً؛ لقد أُجبروا على ذلك ولم يكن لديهم أي خيار سوى هذا الخيار. لقد أثَّر الضغط النفسي لهذه الهزيمة اليوم على كافة أركان الشعب والحكومة الصهيونية وهي تتكفل بزعزعتهم. البعض منهم يعترضون والبعض الآخر يُبدي انزجاره. منذ أيام سيّروا مظاهرة تضم مئتي ألف متظاهر في تل أبيب. هم تائهون، لكن لم يكن لديهم أي خيار. البعض يحاول الإيحاء بأن الانسحاب جاء نتيجة للتفاوض؛ هذا كلامٌ تافه جداً. طوال ٧٠ عاماً من احتلال فلسطين، لم يتراجع الصهاينة عن متر واحد من الأراضي المحتلة بالتفاوض؛ أي تفاوض؟! لقد جاء هذا الانسحاب نتيجة مقاومة الفلسطينيين. الحادثة الأولى كانت الانسحاب والهرب من جنوب لبنان؛ وهذه الحادثة الثانية التي تحققت بفضل المقاومة. فليعلم الشعب الفلسطيني، فلتعلم مجموعات المقاومة الجهادية الفلسطينية؛ فليحذروا الوقوع في فخ التوهم بأن المفاوضات هي من حررت غزة؛ لا، لم يُحرر التفاوض غزة؛ ولن يُحرر أي مكان حتى أبد الآبدين. ما حرّر غزة كان ضغط مقاومة الشعب الفلسطيني؛ لم يكن لديهم أي خيار.

 

حل القضية الفلسطينية يكمن في استفتاء الشعب الفلسطيني

الملاحظة المهمة الآخرى هي أن القضية الفلسطينية لن تُحل بهذا الإنسحاب؛ فليعلموا. فلتعلم أمريكا، وليعلم الصهاينة، وليعلم كل من لديه حالة السمسرة ويعملون بشكل مشابه لعمل السماسرة، فليعلموا أن القضية الفلسطينية لن تُحل بهذه الطريقة. أن يقوموا بالانسحاب من قسم من الأراضي، وبعدها تنتهي القضية، هذا لن يحدث. أن يأتي شخص ويحتل بيتك بالقوة، وبعد فترة يُعطيك غرفة صغيرة في إحدى زوايا هذا البيت، ويُسجِّل بقية البيت باسمه؛ هل يصحُّ القيام بهكذا شيء؟ أخذوا فلسطين؛ واليوم اضطروا للانسحاب من إحدى زواياها؛ يأتي شخصٌ ويقول جيد جداً، اليوم بما أنكم سلَّمتم هذه المنطقة، فبقية فلسطين لكم ! هل يصحُّ القيام بهكذا شيء؟ لن تُحل القضية الفلسطينية بهذه الطريقة. للقضية الفلسطينية حلٌ واحدٌ فقط؛ وهو نفس الشيء الذي أعلناه قبل عدة أعوام: أن يتم استفتاء الفلسطينيين الأصليين- سواء من هم داخل فلسطين، أو أولئك الساكنين في المخيمات، أو أولئك المقيمين في البلدان الأخرى؛ سواء أكانوا مسلمين، أم يهود أم مسيحيين، ليس ثمة اختلاف؛ (المهم) أن يكون فلسطينياً؛ وتأتي الحكومة التي يريدونها مهما كانت. هذه الحكومة إذا كانت إسلامية، أو مسيحية، أو يهودية، أو مختلطة؛ إذا كانت ناشئة عن أصوات الفلسطينيين أنفسهم فإنها سوف تكون محط الاعتراف وسوف تقوم هذه الحكومة بحل القضية الفلسطينية. بدون القيام بهذا العمل فإن القضية الفلسطينية لن تُحل.