الشاعر الجواهري

الأدب العربيّ المعاصر لم يستهوني بأجمعه؛ بل وجدتُ في بعضه ما يسيء إلى الذوق العربي واللغة العربيّة. وأخصّ بالذّكر ذلك النموذج المتأثّر بالآداب الأوربيّة أسلوباً ومضموناً. إنّه ليس بأدب عربيّ ولا أوربيّ، إنّه مسخ يمجّه كلّ طبعٍ سليم، وذوقٍ جيّد. ولذلك رحتُ أبحثُ عن ذلك الأدب الذي ينسجم مع ما نشأتُ عليه من تذوّق اللغة العربيّة، ويستند إلى أصالة في اللغة والأسلوب. ولقد قرأت لكبار الكتّاب والشّعراء المعاصرين المصريّين والشاميّين والعراقيّين. 
ولقد وجدتُ ضالّتي فيما وجدتُ في شعر الشاعر العراقيّ محمّد مهدي الجواهري. والجواهري يتمتّع بالأصالة في التعبير العربي، بحكم نشأته الأدبيّة والدينيّة الأصيلة في عائلة الجواهري، وفي بيئة النّجف الدينيّة الأدبيّة. ويمتاز أيضاً بتفاعل شعره مع آلام الجماهير وآمالها، كما أنّه يتميّز بتسجيل مواقف شجاعة تحدّى فيها الحكّام الظالمين، وتعرّض بسببها للاعتقالات والسّجون.
ولقد ازداد إعجابي بالجواهري حينما حدّثني صديقي الأديب اللبناني الفاضل المرحوم السيّد محمّد جواد فضل الله عن ثوريّة هذا الشاعر ومواقفه الصّلبة. كما حدّثني عن إنشاد الجواهري قصيدة أمام المرحوم الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، وهذه القصيدة هزّت الشيخ من الأعماق، فلم يتمالك نفسه من فرط الإعجاب، فصاح: أنت والله متنبّي هذا العصر، فأجابه الجواهري على الفور: شيخنا كان المتنبّي شاعر سيف الدّولة، وأنا شاعر سيف الإسلام، ويقصد بسيف الإسلام الشّيخ نفسه.

مقتطف من مذكّرات الإمام الخامنئي في كتاب "إن مع الصّبر نصرا"، ص 59

 

مقتطفات من كتاب 《إنّ مع الصّبر نصرا》 الذي أهداه الإمام الخامنئي للشّباب العرب

 

موقف عجيب من صديق قريب

لا أنسى أني بعد عودتي إلى البيت توجّهت في الليلة نفسها إلى الحرم الرضوي للتشرف بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام)، وللصلاة في مسجد "گوهرشاد". كانت الساعة متأخّرة وصحن الروضة خالياً تقريباً، لكنّي رأيتُ عن بُعد صديقين من زملائي في العلوم الدينيّة أحدهما تربطني به علاقة خاصّة، وبيننا شَبَهٌ في الملامح حتى يظنّ من لا يعرفنا أنّنا شقيقان. فرحتُ كثيراً لهذه الصدفة لأنّني لم أتوقّع أن أرى أحداً هناك. توجّهتُ نحوهما يحدوني الشوق لزيارة وجوهٍ حال بيني وبينها السّجن. وكنت أتوقّع أنّهما ما إن يرياني حتّى يُقبلا عليّ ويفرحا برؤيتي بعد هذا الافتراق.
أسرعتُ في سيري نحوهما، واقتربتُ منهما، وأوشكتُ على السّلام إذ وجدتهما يُعرضان عنّي!! وكأنّ أحدهما قال لصاحبه: لقد خرج من السّجن الآن، ولعلّه مراقب، فلنُعرض عنه! كان وقع الموقف عليَّ شديداً. سجينٌ مثلي أُطلق سراحه قبل ساعات يتوقّع من أصدقائه وخاصّة الذين يُفترض بهم أن يحملوا الهموم والآمال الإسلاميّة نفسها غير هذا الموقف. والحقّ أنّي رأيت مثل هذه المواقف من بعض رجال الدّين كثيراً! بينما كان الشباب، سواء من طلبة العلوم الدينيّة أو من الجامعيّين، على العكس يزدادون التفافاً حولي والتصاقاً بي كلّما دخلتُ سجناً ومتى ما تعرّضتُ لاضطهاد السّلطة.

مقتطف من مذكّرات الإمام الخامنئي في كتاب "إن مع الصّبر نصرا"، ص 202 و203

 

مقتطفات من كتاب 《إنّ مع الصّبر نصرا》 الذي أهداه الإمام الخامنئي للشّباب العرب

 

يا سيّد جدّك ويّانه

كنت جالساً في ممرّ السّجن بعد صلاة ظهر يومٍ من الأيام آكل وحدي طعام الغداء، وأذكر أنّه كان حساء، وإذا بشرطيّ يناديني قائلاً: أنت مطلوبٌ في المكتب. ارتديتُ عباءتي وذهبت إلى مكتب الضابط. وحين رآني قال: أنت مطلق السّراح. اجمع أمتعتك واخرج! عدتُ إلى الزنزانة وقلبي طافحٌ بسرورٍ مشوبٍ بشيء من الأسف على مفارقة هؤلاء الإخوة الذين أنستُ بهم كثيراً بعد تلك المعاشرة الجميلة في أيام السجن ولياليه. كنت أجمع أمتعتي إذ رفع الشرطي صوته داخل السجن قائلاً: فلان أطلق سراحه، فهبّ جميع السّجناء من زنزاناتهم، وساعدوني في جمع الأمتعة التي جاء بها بعض أهلنا في طهران إلى السجن من بطانية وغيرها، ولم تكن شيئاً يُذكر، فحملها الشرطي. ثمّ اجتمع الإخوة العرب، وعملوا "هوسة" عربيّة ردّدوا فيها: "يا سيّد جدّك ويّانه" و"ويّانه" تعني في اللهجة العاميّة: معنا.
بعد أيّام حان موعد المقابلة الأسبوعيّة للسجناء. ولم يكن لي مقابلة مدّة وجودي في السجن طبعاً؛ إذ كنت ممنوعاً منها، فاشتريتُ حلويات وذهبتُ إلى السّجن، فزرت الإخوة ووزّعت الحلويات عليهم.

مقتطف من مذكّرات الإمام الخامنئي في كتاب "إن مع الصّبر نصرا"، ص 146 و147

 

مقتطفات من كتاب 《إنّ مع الصّبر نصرا》 الذي أهداه الإمام الخامنئي للشّباب العرب