* دوماً كان تقدّم العراق وتمتّعه بالاستقلال في القوّة والأمن من الأولويّات الأساسيّة للجمهوريّة الإسلاميّة. في الواقع دائماً ما أعلنت الجمهوريّة الإسلاميّة ومسؤولوها أنّ تقدّم العراق واقتداره يصبّان في مصلحة إيران. ما المصاديق التي يُمكن ذكرها في هذا الصّدد؟

على أيّ حال، العراق بلدٌ مهمّ ويقع في جوارنا. ونحن لدينا أطول حدود مشتركة بين 15 بلداً تجاورنا. لقد كنّا بلداً مشتركاً مع العراق طوال 18 سنة. رغم تقسيم هذه الجغرافيا، لا يزال العراق وإيران يتمتّعان بنقاط مشتركة كثيرة، وقد يتسنّى لنا القول إنّ من بين الدول المجاورة لنا نملك أكبر قدر من نقاط الاشتراك مع العراق. الموضوع الأهمّ الذي يربط بيننا هو العتبات المقدّسة وقضيّة وجهات النّظر المشتركة. بطبيعة الحال، ونظراً إلى طول الحدود الجغرافيّة بيننا، إنّ التراكم السكاني للعراق على الحدود الإيرانيّة له قدرٌ من الأهميّة أيضاً.

نحن أيضاً نملك امتداداً عشائريّاً على امتداد مختلف الحدود بين إيران والعراق. وبطبيعة الحال، دوماً استطاع الدور المحوري لحوزتي النّجف وقم أن يوجد نقاط اشتراك بيننا، وهذا النوع من المميزات ربط في الواقع بين بلدينا بما يتعدّى الحدود الجغرافيّة. عليه، ونظراً إلى تاريخ العراق وأيضاً الظروف التي مرّ بها، من المؤسف أنّ الشعب العراقي عانى بعض المشكلات، فكلّما استلم زمام الأمور في العراق حاكمٌ دكتاتوري، عانى شعبُ العراق وتبعاً له شعبنا وحدودنا من مشكلة فقدان الأمن. إذاً، من البديهيّ والطبيعي تماماً أن لو كان العراق بلداً آمناً ومزدهراً ومستقرّاً ومتقدّماً ومرتقياً، فسوف تترك هذه القضية تأثيراً مباشراً في الأوضاع داخل بلدنا.

لا شكّ في أن لو كان العراق بلداً مستقلّاً، فإنّنا نملك أكبر كم من نقاط الاشتراك التي تخوّلنا تطوير علاقاتنا السياسيّة والثقافيّة. ولا ريب في أن لو كان العراق بلداً آمناً، فإنّ أمنه يؤثّر مباشرة في بلدنا، وهذه القضيّة متبادلة. لذلك، نحن لا نشعر بفقدان الأمن من ناحية سائر الجيران بهذا القدر. ومع وجود حدود طويلة تربطنا بالعراق، يكون أمن العراق أمننا. بطبيعة الحال، يُمكن لتقدّم العراق أن يصبّ في مصلحة سوقنا الاقتصاديّة. والمجالات التي تهمّ العراق هي أيضاً مجالات تهمّنا وتشكّل فرصة للعمل المشترك.

 

* من اللوازم الأساسيّة لتقدّم العراق الاستفادةُ القصوى من الطاقات الشابّة والمفعمة بالدّوافع. ما المشاريع التي يُمكن إدراجها على لائحة العمل بغية نقل التجارب إلى هذا البلد في مجال الاستفادة من الطاقات الشابّة كي تكون نافعة له؟

لاحظوا: العراق بلدٌ غنيٌّ وثريّ، ويُمكن أن يكون في عداد البلدان الثريّة على المستوى العالمي نظراً إلى ما يملكه من مدّخرات ومصادر ومكانة أمنيّة جيوسياسيّة، وأيضاً الأراضي التي لديه، كما كان في مقدوره ذلك في السابق أيضاً. مع ذلك، إنّ رؤساء نظام الهيمنة العالمي، بسبب المخاوف التي راودتهم، تحمّلوا دائماً الأثمان الباهظة من أجل إبقاء العراق بلداً متخلّفاً عن سائر البلدان. ومن أعمالهم في هذا الصّدد سعيهم على مرّ العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية لإبقاء مستوى العلم والتعليم متدنّياً في العراق. عليه، حين يبقى مستوى التعليم متدنّياً لا يُستفاد عمليّاً من الطاقة التي يحتاجها الشّباب ويُجبر هؤلاء على الهجرة أو ترك تلك القوّة التي يحتاجونها في البيئة الداخليّة بسبب الظروف المفروضة.

من ناحية أخرى، إنّ الأمريكيّين، بسبب الأثمان الباهظة التي تكبّدوها في العراق، يحاولون دائماً تحمّل الأثمان والعمل على جعل حكومة العراق عديمة التأثير والفائدة. هم قلقون من أن حكومة العراق في حال كانت مؤثّرة واستطاعت تحقيق النجاح في مجال الديمقراطيّة، سيؤثّر هذا النجاح حتماً وجدّياً في سائر حلفاء أمريكا في المنطقة العربيّة، إذ إنّ الدول العربيّة ستقول إنّ العراق استطاع أخيراً نيل حقوقه وحقوق شعبه كافّة عبر حصوله على استقلاله وديمقراطيّته، فنحن قادرون على تحقيق هذا الأمر. بناء على ما تقدّم، لو أرادت الدول الأخرى فعل هذا الأمر، فإنّ الخطوة الأولى التي لا بدّ لهم من المبادرة إليها هي طرد أمريكا من بلادهم.

هذا ما يجعل الأمريكيّين في قلق شديد، وهم يبذلون المساعي، ويدفعون الأثمان، ويمارسون النفوذ، ويستخدمون عناصرهم، لكي لا تتمكّن حكومة العراق من أن تكون حكومة كفؤة ومؤثّرة وكي لا تنجح الديمقراطيّة في العراق، لأنّه لو تحقّق هذا التأثير اليوم، فإنّ أمريكا لن تحقّق أيّ نفع بعد ذلك. لأذكر لكم مثالاً: الأمريكيّون تقاضوا من العراقيّين حتى اليوم مبلغاً مقداره 40 مليار دولار كي يحلّوا مشكلة الكهرباء لديهم، ولا تزال مشكلة العراق غير محلولة، وأعني ما تبقّى من احتياجات للعراق في مجال الكهرباء وهي تُساوي ثمانية آلاف ميغاواط ويُمكن حلّها بمبلغ مقداره ثمانية مليارات دولار إلى تسعة. مع ذلك، لا يزالون يفرضون عليهم ظروفاً قاسية جدّاً كي يتمكّنوا من إظهار الحكومة عديمة الفائدة والتأثير، ولكي يُقلّبوا الشعب ضدّ الحكومة وينشروا أعمال الشّغب، فتُسلّم الحكومة في العراق لأمريكا مئة بالمئة كما فعلت حكومتا السعوديّة والإمارات. حسناً، كذلك هي ظروف العراق، لكن من الناحية التاريخيّة لا يمكن له أن يخضع لأمريكا مئة بالمئة. يعيش الأمريكيّون في العراق تناقضاً كبيراً، فهم لو تخلّوا عنه ودمّروه، فسيضيّعون فرصهم كافو، وإذا بقوا في العراق، فلا بدّ لهم من تكبّد الخسائر دون الحصول على المكتسبات. لهذا ونظراً إلى هذه المساعي الأمريكيّة، يجري الالتفات إلى إمكانات العراق وطاقاته وإحداها طاقة الشّباب. العراق من حيث الظروف العُمريّة بلدٌ شاب للغاية وهي فرصة وميزة جيّدة لمستقبل هذا البلد.

 

* من القضايا المهمّة في المشهدين السياسي والميداني للعراق حصول الحكومة المركزيّة على الاقتدار في مختلف أنحاء هذا البلد، لكي لا تتمكّن أيّ جماعة في أيّ نقطة من العراق من زعزعة أمن البلدان المجاورة. ما الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة المركزيّة في بغداد في هذا الخصوص وأيّ خطوات ينبغي لها فعلها؟

تحاول أمريكا تضخيم حكم القوميّات والمذاهب في العراق وإبرازه، وألا تسمح بنشوء هويّة وطنيّة في هذا البلد. حين لا تجري تقوية الهويّة الوطنيّة، تتشكّل قوى مناطقيّة وقوميّة وطائفيّة مشتّتة، ويضعف ذاك الاقتدار الوطني. لكن بفضل الله ونظراً إلى قضيّة تأسيس وحضور «الحشد الشعبي» الذي كان في وجه المؤامرة الأمريكيّة، «داعش» بصورة أساسيّة، إنّ هذه المجموعة المقاومة استطاعت إحياء هذه الهويّة الوطنيّة من جديد. أنتم تلاحظون اليوم كيف أنّ الحشد تحوّل إلى مجموعة قويّة ومقتدرة لا تسمح لـ«داعش» بأن يسرح كما يحلو له، ولا لأمريكا بممارسة جشعها، وهي تدمج بين الشيعة والسنّة والمسيحيّين والإيزديّين من مختلف القوميّات العراقيّة. لذلك، هم لا يزالون يحاولون القول إنّ الأكراد قضيّة مستقلّة عن العراق، والسنّة موضوعٌ مستقلّ، والشيعة أيضاً. بطبيعة الحال، يؤثّر هذا الأمر في تراجع قوّة العراق وعنصر القدرة لديه. لحُسن الحظّ، يبدو أنّ في الانتخابات الأخيرة اختيرت حكومة قادرة على إدارة قضيّة الوحدة والانسجام الداخلي جيّداً. هذا ما يمنح العراق للمرّة الأولى بعد عشرين سنة الفرصة والأمل في أن يتمكّن الجيش العراقي، والشرطة، والجهاز الأمني وخاصّة «الحشد الشعبي» من تأسيس نواة قوّة مركزيّة تجعل الأجزاء ضمن العراق تتبع لها. بطبيعة الحال، يُمكن للحكومة المقتدرة أن تجذب هذه القوى المشتّتة، والحكومة الجديدة التي اختارها الشعب العراقي واستلمت زمام الأمور بقوّة واقتدار يُمكن أن تشكّل نقطة البداية لتكوّن الهويّة الوطنيّة بمعنى تقوية عناصر القوّة.

 

* لدى قائد الثورة الإسلامية عبارتان في ما يتعلق بدعم طهران حلفاءها. قال ذات مرة إن الجمهورية الإسلامية أظهرت أنها تخاطر في أوقات الخطر وتمسك بيد أصدقائها. وقال في لقائه مع رئيس وزراء العراق أيضاً إن إيران تصون أمن العراق. السؤال هنا: كيف يمكن أن يستمر دعم الجمهورية الإسلامية لأصدقائها وحلفائها في المجالات الأمنية وكذلك في المجالات الأخرى؟

هذه علاقة متبادلة، فمثلاً عندما هاجم «داعش» العراق، كان لدى الأمريكيين عقد رسمي لتزويد العراق بمقدار كبير من الأسلحة والطائرات والتكنولوجيا. لكن في ذلك الوقت لم يفوا بالتزاماتهم. نحن لم يكن لدينا أي عقد، ولم يكن لدينا أي التزام، ولكننا ساعدنا العراق بموجب ذاك الالتزام الأبعد من العسكري. هذا يعني العبارة نفسها التي كما تفضلتَ وقلت إن قائد الثورة قالها: لقد وضعنا إمكاناتنا كلها بيد العراق: الطائرات والأسلحة والمعدات والخبرات، وأي خبرة لدينا، فبالطبع لولا هذه الأشياء، فلم يكن واضح أبداً ما كان سيفعله «داعش» بالعراق. هذا ليس ادعاءً، فعلى الأقل في هذه المدة الأخيرة أثبتت إيران أنه إذا كان العراق معرضاً للخطر، فإن الجمهورية الإسلامية سوف تخاطر وتدخل الميدان وتقدم على الأقل المساعدات كافة إلى العراقيين دون قيد أو شرط. بالطبع، العراق بلد غني، ولديهم المال ويدفعون. لكن أنك تنهض لمساعدته في ذاك الوقت هذا حدث مهم جداً.

النقطة الثانية في ما يتعلق بتعاوننا مع بغداد هي أننا نعتقد أنه إذا صار العراق دولة آمنة ومتقدمة ومزدهرة ومتنامية، فهذا يصب في مصلحة جغرافيتنا، وبطبيعة الحال في مصلحة الشعب العراقي أيضاً. لذلك إن إستراتيجيتنا منطبقة تماماً ومئة بالمئة مع إستراتيجية الشعب العراقي وليس لدينا خلاف في هذا الرأي. هم يسعون إلى الإعمار كما نسعى إلى إعمار العراق، وهم يسعون إلى أمن العراق كما نسعى إلى تحقيق أمنه، ويتطلعون إلى تقدم العراق، وتقدمه مهم لنا. إنهم يتطلعون إلى استقلال العراق، ونحن نصر بشدة على أن يتمتع الشعب العراقي بالاستقلال. يتطلع الشعب العراقي إلى ديمقراطية حقيقية، كما نتطلع إلى ديمقراطية حقيقية في العراق. هذا التطابق بين إستراتيجيتنا مع شعب العراق يمكن أن يخلق تآزراً جيداً، وبطبيعة الحال، إذا كان هناك تهديد في مرحلة ما، ولأن هذا التهديد سيكون ضدنا أيضاً، فمن الطبيعي والبديهي أن تخاطر الجمهورية الإسلامية وتدافع عن حلفائها وبلادهم.

 

* من القضايا المهمة في العلاقات بين إيران والعراق تعزيز العلاقات الاقتصادية، وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى هذا الموضوع في لقائه مع رئيس الوزراء العراقي. بالنظر إلى أنّ في المرحلة الجديدة من السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية اعتُمدت إستراتيجية جديدة مع تأكيد العلاقات مع الجيران، كيف يمكن لطهران وبغداد اتخاذ خطوات نحو التطبيق العملي للاتفاقات الاقتصادية؟ ما الخطوات التي عليهم اتخاذها؟

العراق بلد يحتاج إلى تأمين 80% من حاجاته من الخارج، وبحمد الله، الجمهورية الاسلامية لديها قدرة جيدة على تلبية احتياجات العراق ودول الجوار. من ناحية أخرى لدينا أطول حدود لنا مع العراق ونرى تمركزاً للسكان العراقيين على طول حدودنا. لذلك، من حيث المسافة والشحن والنقل، إيران لديها أفضل فرصة مقارنة بالدول المجاورة للعراق، وهذا في حد ذاته امتياز.

الامتياز الآخر: وفق الظروف التي يمتلكها العراق، كل المتطلبات التي يحتاجها يمكن بطبيعة الحال توفير غالبيتها في بلدنا، فكما نرى الآن أيضاً هذه القدرة [لتلبية احتياجات العراق] موجودة. في رأيي، الوضع الجديد الذي حدث الآن هو الحكومة الوطنية لإيران. فلحسن الحظ، مع هذه الحكومة التي أتت إلى السلطة، الحكومة الثالثة عشرة، هناك أمل كبير جداً في أن الحكومة ستعمل بطاقاتها كافة، لأن العمل الاقتصادي عمل وطني وعابر للحدود. حتى إننا نذهب إلى كثير من الأماكن باتحادات إقليمية ودولية لجلب حلفائنا للعمل على تعزيز الاقتصاد العراقي. ثمة أماكن إذا ذهب الإيرانيون إليها، فلديهم القدرة والمقدرة المالية للاستثمار في العراق. في بعض الأماكن، يمكننا تبادل البضائع، بطبيعة الحال. حتى الآن لدينا مشكلاتنا الخاصة، ولكن تبدو الأجواء المستقبلية أفضل بكثير من الماضي. بالإرادة والهمة التي تمتلكها الحكومة الثالثة عشرة هناك الكثير من الأمل في أن نتمكن من جلب اتحادات دولية في كل من مجال تصدير البضائع، وصادراتنا الهندسية والفنية، والاستثمارات الاقتصادية. في رأيي هناك أمل كبير في أن نتمكن من زيادة مستوى العلاقات الاقتصادية مع العراق بالنظر إلى المجالات والقابليات والمزايا الموجودة، كما قلتم.