الكاتب: محسن فايضي
يُعدّ «طوفان الأقصى» من أعظم معارك المقاومة الفلسطينية وأخلدها في مواجهة الكيان الصهيوني المحتل. أظهرت المقاومة والشعب الفلسطيني في المعركة هذه ذروةَ الصمود والشجاعة والحكمة، وألحقوا بالعدو الصهيوني هزيمة تاريخية.
مع بدء اتفاق وقف إطلاق النار وانتشار الصور الكاملة من غزة عبر وسائل الإعلام العالمية والإقليمية، أحدث ذلك صدمة كبيرة للمراقبين الخارجيين جميعهم، ذلك أنَّهم شاهدوا غزة على عكس تصوّراتهم؛ مدينة حيوية ونشطة ومتفائلة بالمستقبل، ورغم تدمير 70% من بنيتها التحتية، ولكنها تؤيد المقاومة الإسلامية الفلسطينية الممثلة بحركة «حماس».
أثبتت مشاهد الناس في أول يوم من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أنه رغم 471 يومًا من الحرب والعمليات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال وحلفاؤها في قطاع غزة واستشهاد أكثر من 40 ألف شخص، غير أن حركة «حماس» ما زالت حية ونشطة ومسيطرة على قطاع غزة. كان السبب في هذه الصدمة والذهول لدى الصهاينة هو لأنهم لا يدركون جوهر المقاومة. يظنّون أن المقاومة، مثل كثير من التفكّرات والتيارات، ستنهار أو تغيّر مسارها بعد تلقي الضربات أو إضعاف الحياة الطبيعية. لكنَّ الفرق يكمن في نظرة الإنسان الفلسطيني والمقاومة، إذْ إن الفلسطيني، حتى بعد 471 يومًا من الحرب والمجازر، يعود إلى مزاولة الحياة متفائلًا بالمستقبل.
يقول الإمام الخامنئي في خطاب له في تاريخ 11/12/2024: «جبهة المقاومة ليست مجرّد عتاد مادّي لتنكسر أو تنهار أو تزول. المقاومة إيمان وفكر وقرارٌ قلبي وحاسم. المقاومة مدرسةٌ، وهي مدرسةٌ عقديّة. إنّها ما يؤمن به عددٌ من الناس، وليست اتفاقاً عارضاً، ولا يقتصر الأمر على انعدام ضعفها بممارسة الضغوط، بل ستغدو أكثر قوّة».
رغم الضغوط كلها، لا تزال المقاومة في غزة حية، وبهذه النظرة والعقيدة الإيمانية نفسها، يكتب الإمام الخامنئي في بيان تعزيته باستشهاد قائد «طوفان الأقصى»، الشهيد يحيى السنوار، بكل ثقة ويقين بالنصر وبقاء حركة «حماس»: «إنّ شخصًا مثله قضى عمره في مواجهة العدوّ الغاصب والظالم، لا تليق به خاتمةٌ سوى الشهادة. لا ريب في أنّ فقده مؤلمٌ لجبهة المقاومة، ولكن هذه الجبهة لم تتخلّف عن المضيّ قُدُمًا مع استشهاد شخصيّات بارزة مثل الشيخ أحمد ياسين وفتحي الشقاقي والرنتيسي وإسماعيل هنيّة، ولن تشهد أدنى توقّفٍ مع استشهاد السنوار، بإذن الله. "حماس" حيّة، وستبقى حيّة».
«حماس» هي غزة وغزة هي «حماس»
إحدى عجائب الأيام الأولى من وقف إطلاق النار لم تكن التأييد فقط بل المحبة التي عبّر عنها أهالي قطاع غزة تجاه «كتائب القسام» والمقاومة. كثرة التقارير والصور والفيديوهات التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإخبارية لا تترك مجالًا للإنكار؛ حتى أن أحد المحللين الإسرائيليين، رون بن يشاي، يعترف قائلاً: «لا بد من الاعتراف أن "حماس" ليست حركة دينية متطرفة وخارجية فرضت نفسها على أهالي غزة. "حماس" هي تعبير تنظيمي أصيل في الثقافة والطموح والأيديولوجيا، للتعبير عن مظالم الغالبية التي يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة في قطاع غزة. "حماس" هي غزة وغزة هي "حماس"».
اعتراف هذا المحلل، الذي تكرّرَ ما يشبهه من تصريحات على لسان بعض السياسيين والنشطاء الإعلاميين الصهاينة والغربيين، كان قد طرحه قائد الثورة الإسلامية منذ سنوات عدة. يشير الإمام الخامنئي في لقائه مع أحد قادة «طوفان الأقصى»، الشهيد الشيخ صالح العاروري، في عام 2019، إلى أن قضية فلسطين هي القضية الأولى والأهم في العالم الإسلامي، ومع الإشادة بصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المذهلة وفصائل المقاومة، بما في ذلك حركة «حماس»، يقول مؤكدًا: «لا يتحقّق النصر بعيداً من المقاومة والكفاح، ونحن نعتقد استناداً إلى الوعد الإلهي الحتمي أنّ قضية فلسطين ستنتهي في مصلحة الشعب الفلسطيني والعالم الإسلامي... "حماس" تقع في قلب حركة فلسطين، كما أنّ فلسطين تقع في قلب حركة العالم الإسلامي».
«حماس» هي قلب فلسطين، لأنها الممثل الحقيقي المنبثق من المجتمع الفلسطيني المقاوم والعريق. يقول الإمام الخامنئي في أول تصريح له بشأن «طوفان الأقصى»: «ماذا يفعل أيّ شعب مقابل هذا الظلم والإجرام كله؟ ما رد الفعل الذي يُظهره شعبٌ غيور وعريق... أمام هذا الظلم كله؟ من الواضح طبعاً أنه سيفجّر الطوفان. حين يجد فرصة سيفجّر الطوفان. أيّها المستبدّون الصهاينة، أنتم أنفسكم المقصّرون. أنتم أنفسكم المسبّبون لهذا الطوفان. أنتم أنزلتم هذا البلاء فوق رؤوسكم. لا سبيل أمام أيّ شعب غير ردّ الفعل الغيور والشجاع هذا مقابل مثل هذا العداء».
أهم مكوّن في «حماس» الذي يمثّل خصائص المجتمع الفلسطيني هو الإيمان. الكلمة المفتاحية لأهالي فلسطين التي تنبع من عمق الشعب وأبرز شخصياته وشهدائه هي الإيمان بـالقرآن والإيمان بالوعد الإلهي. يؤكد قائد الثورة الإسلامية، في خطاب له، هذه القضية ويعدّ إيمان أهالي غزة الميزةَ والكلمة المفتاحية لدى الشعب الفلسطيني، ويقول: «هذه هي خصوصيّة الصّبر والتوكّل. لقد روّج أهالي غزّة الإسلام بصمودهم. في أرجاء العالم وأكنافه، يسعى الباحثون إلى العثور على هذا العامل الذي يجعل المناضل الفلسطينيّ يصمد كذلك في الميدان: ما هذا الإسلام؟ لقد عرّفوا الإسلام وقدّموه، وجعلوا القرآن محبوباً في أنظار كثيرين. إلهي، بحقّ محمّد وآل محمّد، زِد يوماً بعد يوم رفعة المناضلين في جبهة المقاومة وعزّتهم، وخاصّة أهالي غزّة المظلومين ومناضليهم».
هكذا هو شعب جبهة المقاومة
لقد أظهرت «طوفان الأقصى» ومرحلة وقف إطلاق النار بوضوح أن المجتمع الفلسطيني وحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وسائر حركات المقاومة، هم رمز الصمود والإيمان والعقيدة في مواجهة الإبادة الجماعية والجرائم وخطر طمس الهوية.
بعد 15 شهراً من المقاومة، ستستمر غزة في التقدم بعزم أكبر وبإيمان أعمق في المقاومة حتى تحرير المسجد الأقصى. يؤكد الإمام الخامنئي في خطاب له في هذه الحرب: «انظروا إلى غزة! ها قد مرّ عام وبضعة أشهر وهم مستمرون بقصف غزة وقتلوا الشخصيات البارزة فيها، مثل يحيى السنوار، وأوقعوا هذه الضربات؛ ومع ذلك، بقي الناس صامدين. كانوا يظنون أنهم سيضعون الشعب تحت الضغط ليقفوا ضد "حماس" ويثوروا عليها؛ لكن حدث العكس؛ أصبح الناس أكثر تأييداً لـ"حماس". و"الجهاد" كذلك، وبقية الفصائل الفلسطينية على المنوال نفسه. هذه هي المقاومة وهذه هي جبهة المقاومة: تزداد صلابة بقدر فرضكم الضغوط، وتتعزّز دوافعها بقدر ارتكابكم الجرائم، وتتّسع أكثر بقدر قتالكم ضدّها، وأقولها لكم: سوف يشمل نطاق المقاومة المنطقة بأسرها، أكثر من السّابق، بحول الله وقوّته».
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir