تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
  • English
  • Français
  • Español
  • Русский
  • हिंदी
  • Azəri
  • العربية
  • اردو
  • فارسی
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • خطابات
  • أفكار ورؤی
  • مرئيات
  • السيرة
  • قضايا وآراء
  • مؤلفات
  • إستفتاءات
  • خط حزب الله
خطابات
الخطابات
القرارات
رسائل ونداءات
مخطّط بياني

كلمته في زيارته لمنطقة العملية العامة لكسر حصار آبادان في شرق الكارون بمحافظة خوزستان

الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيّما بقية الله في الأرضين. حتى لو غضننا الطرف عن العوامل المعنوية و ما وعده الله تعالى للمؤمنين و المجاهدين في سبيل الحق، فحسب القوانين العادية لحياة المجتمعات البشرية، ترتبط عزة أي مجتمع و اقتداره و سمعته و مكانته و هويته بالجهاد و السعي الدؤوب. لا يمكن لأي شعب بالكسل و التراخي أن يكتسب منزلة لائقة بين شعوب العالم أو في التاريخ. ما يجعل الشعوب في التاريخ و في عصورها التي تعيشها شامخة بين سائر شعوب العالم هو الجهاد و السعي. و لهذا السعي طبعاً أشكال متنوعة، فهناك السعي العلمي و هناك السعي الاقتصادي و هناك السعي بمعنى التعاون الاجتماعي بين الأفراد.. هذه كلها أمور لازمة و ضرورية. و لكن على رأس كل هذه المساعي الاستعداد للتضحية بالأرواح، فهذا هو الذي يجعل شعباً شامخاً مرفوع الرأس بين الشعوب. إذا لم يكن بين أفراد شعب من الشعوب من هم على استعداد للتضحية بأرواحهم و راحتهم في سبيل الوصول لمطامحهم و مبادئهم، فإن هذا الشعب لن يصل لأية نتيجة. الشيء الذي فعلته الثورة لشعب إيران هو أنها أضاءت هذا الطريق أمامنا، فأدرك كل واحد من أبناء الشعب و شعر بضرورة الجهاد في سبيل المبادئ و الأهداف، و الصمود بوجه أعداء هذه المبادئ، و قد صمدوا. دفاعنا المقدس و فترة حرب الأعوام الثمانية الزاخرة بالأحداث في هذا البلد هي قصة صمود شعب إيران و صمود شبابنا بوجه خبث و عداوات الكفر و الاستكبار العالميين. صحيح أن الذي كان يقف أمامنا هو حسب الظاهر نظام البعث أو صدام، و قد كان خبيثاً و معادياً للإنسانية بما فيه الكفاية، لكنه لم يكن وحده، فما جعل هذه الحرب تستمر ثمانية أعوام هو العوامل التي كانت خلف ستار الاستكبار العالمي، و التي كانت تشجعه و تعده و تمده بالإمكانيات و المعدات. يوم اضطر أعداؤنا في أراضي خوزستان هذه - التي شاهدتم الآن جوانب منها - للتراجع و الانسحاب، أعطتهم حكومة أوربية وسيلة ليستطيعوا مواصلة خبثهم و شيطنتهم و شرورهم في البحر، أعطتهم صواريخ. لم يكونوا يسمحون للعمليات التي تحصل في المناطق الحربية أن تنهي الحرب و تقرّر مصيرها. كانوا يشجعونه و يرغبونه. أي إن يد الاستكبار العالمي و يد هذه الحكومات الأوربية و الحكومة الأمريكية كانت تسند النظام البعثي الخبيث و تشجعه على مواصلة الأمر. لم يكونوا يريدون للجمهورية الإسلامية أن تخرج منتصرة مرفوعة الرأس من هذه الحادثة الكبرى، و كانوا يقولون ذلك بصراحة. بعد هذه العمليات التي حصلت في هذه المنطقة - منطقة دارخوين، فقد كان هذا المكان ساحة لمعركة حاسمة جداً هي عمليات ثامن الأئمة - خطط لها الحرس الثوري و جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتعاون مع بعضهم من أجل تطبيق أمر الإمام الخميني، و استطاعوا في هذه المنطقة فرض التراجع على العدو و تحطيم المعنويات التي اكتسبها بسبب دعم الأجانب و الأوربيين له، و تدميرها، و كسر حصار آبادان، بعد هذه العملية تتابعت العمليات فكانت عمليات طريق القدس، و بعدها عمليات الفتح المبين، و بعدها عمليات إلى بيت المقدس، في هذه العمليات المتتابعة كان مقاتلونا الأعزاء و شبابنا المضحّي يعملون في إطار الجيش، و في إطار الحرس الثوري، و في إطار التعبئة و القوات الشعبية، و على شكل مجاميع عشائرية، و حتى على شكل شرطة و قوات درك و اللجان التي كانت يومذاك، كانوا يعملون في ساحة الحرب و يقدمون هذه التضحيات، و كان بوسع هذه العمليات أن تنهي الحرب، لكن جبهة أعداء النظام الإسلامي - و هم الأوربيون و الحكومات الأوربية و الحكومة الأمريكية - لم تكن تسمح بذلك، فقد كانت تشجّع الطرف الآخر و تمنحه إمكانيات و معدات جديدة و تبث فيه الأمل بالفوز في هذه الحرب، لذلك استمرت هذه الحرب ثمانية أعوام. ليس من الهزل ثمانية أعوام من الحرب. الحروب الكبرى و المعروفة في العالم خلال الفترات القريبة من زماننا تستمر أربعة أعوام و خمسة أعوام و ستة أعوام و ما إلى ذلك، بينما استمرت هذه الحرب ثمانية أعوام و في منطقة واسعة تمتد فيها المعارك و الاشتباكات من الشمال إلى الجنوب، أي من منطقة شمال غرب البلاد إلى نهاية الجنوب هذه. كان هدفهم أن يفعلوا ما من شأنه أن يشعر النظام الإسلامي بأنه غير قادر على مواجهة هؤلاء الأعداء. أرادوا أن يفعلوا ما يجعل الجمهورية الإسلامية تظهر كمنظومة ضعيفة عاجزة. لكن الله تعالى أظهر يد قدرته و حطم بيد السنة الإلهية الفولاذية فم أعداء الجمهورية الإسلامية و أعداء راية الإسلام الخفاقة، و مرّغ أنفهم بالتراب، و أثبت أن النظام الإسلامي و لأنه يعتمد على إيمان الشعب و عواطفه يستطيع حتى في مواجهته لكل القوى المادية في العالم، الدفاع عن نفسه و أن يفرض على الطرف المقابل الاعتراف بالعجز. لقد اعترفوا بعجزهم و بعدم قدرتهم على الوقوف بوجه القبضة الحاسمة للمؤمنين بالإسلام و بالوعود الإلهية، و أحبط إعلامهم و ذهب أدراج الرياح. كانوا يحاولون إقناع شعب إيران - المؤمن بالآيات الإلهية الكريمة - بأنك غير قادر على مواجهة القوى المادية في العالم.. أرادوا إقناعه بهذا الشيء. و أقولها لكم أيها الإخوة الأعزاء و لكل الشعب الإيراني: إن اندحار شعب يحدث عندما يعتقد أنه لا يستطيع فعل شيء. هذه بداية هزيمة أي شعب. لقد أرادوا بث هذا الشعور في قلوب الإيرانيين خلال فترة الحرب المفروضة، لكن القضية انقلبت إلى العكس. لقد أثبتت الحرب المفروضة - أي الدفاع المقدس لشعب إيران - أن الشعب في ظل اتحاده و في ظل إيمانه بالله، و في ظل حسن ظنه بالله تعالى و اعتقاده بصدق الوعود الإلهية، يستطيع اجتياز كل المنعطفات الصعبة، و بوسعه الوقوف بوجه الأعداء و فرض الهزيمة و التراجع على العدو. هذا ما أثبتته لنا الحرب المفروضة. أقول لكم: لا تدعوا ذكرى فترة الدفاع المقدس تمحى من الخواطر و الأذهان. المجيئ إلى هذه المناطق الحربية - سواء في عطل النوروز أو على مدى العام، و الحمد لله على أن هناك من يأتي إلى هذه المناطق على طول السنة و يزور هذه الأراضي و الأماكن - عمل حسن جداً و صحيح و عقلاني يقوم به شعب إيران. حافظوا على ذكرى هذه الأراضي حية. هذه الأراضي و هذه الصحاري و نهر الكارون هذا و طريق أهواز - آبادان أو أهواز - إلى خرمشهر، هذه الأماكن المتنوعة التي تعرّف لكم نفسها اليوم بأسماء مختلفة، شاهدة على أرقى التضحيات و الجهاد و الفداء. إنني لا أنسى في الأشهر الأولى من الحرب - في شهور المحنة و عدم وجود قوات و إمكانيات و معدات و تدريب، و عدم توفر انسجام و تنظيم، في تلك الصعوبات المادية الشاملة - كان شبابنا يأتون بمعنويات عالية من أهواز هذه إلى مختلف المناطق، بما في ذلك هذه المنطقة، منطقة دارخوين. جماعة من الشباب المؤمنين المتدينين، و أنا على معرفة ببعض شخوصهم، جاءوا إلى قرية محمدية هذه القريبة من هنا، و حفروا خنادق فردية، و كانوا يخرجون في ظلام الليل من خنادقهم الفردية و يتقدمون مائة متر أو مائتي متر إلى الأمام، و يحفرون هناك الخنادق ثانية، و يبقون في تلك الخنادق اليوم كله تحت شمس خوزستان الحامية، و يتحملون الصعاب و الشدائد، و يقتربون من العدو، إلى أن حان موعد العملية في شهر مهر من السنة التالية لهجوم العدو - في آخر شهر شهريور 59 بدأ هجوم العدو، و كان ما نتحدث عنه في شهر مهر سنة 60 - في منطقة دارخوين هذه و كل هذه المناطق المحيطة بها بقوات مقاتلة من الجيش و الحرس الثوري و التعبئة و غيرها، و استطاعوا كسب أجر و جزاء ذلك الجهاد و الصعاب و إهدائه للشعب الإيراني. هذه ذكريات قيمة، و يجب أن لا تسمحوا بنسيانها و انمحائها من الخواطر. في كل واحدة من هذه المناطق وقعت أحداث، و كل واحد من هذه الأحداث إذا وقع لبلد أو شعب لكان كافياً لشموخ ذلك الشعب في التاريخ. الأحداث التي وقعت في عمليات بيت المقدس، أو ما حدث في عمليات الفتح المبين، أو ما حدث بعد ذلك في عمليات خيبر، كل ذرة من هذه العمليات و هذه الشخصيات التي أبدت هذه التضحيات و صنعت هذه الأحداث، يمكنها تسجيل مفاخر كبرى و خالدة و لا تنسى لشعب إيران. الأعداء يريدون لنا أن ننسى، يريدون لقضية الدفاع المقدس أن تمحى من أذهاننا، و أن ننسى التضحيات، و أن لا نعرف الشخصيات التي كان لها دور في هذه التضحيات، أو أن ننساها.. هذا ما يريدونه. و البعض يريدون تخطئة تلك الفترة و تخطئة أولئك النفر، و تخطئة ذلك الاتجاه و المسار الذي رسمه الإمام الخميني الجليل الحكيم و عبد الله الذي منّ عليه ربّه بالبصيرة، لأنهم يعلمون أن كل ذرة و كل جزء من تلك الأحداث مما لا يقبل النسيان بالنسبة للشعب الإيراني و له تأثيرات بناءة كبيرة. أعود و أقول للشعب الإيراني بأن يغتنم تحرك «السائرين إلى النور»، و أتقدم بالتقدير و الشكر لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين قدمتم من طرق بعيدة إلى هذه المنطقة و شكلتم جزءاً من المجموعة العظيمة لتحرك «السائرين إلى النور»، و أتمنى أن تكونوا جميعاً مأجورين، و أن تعودوا كلكم من هذه المنطقة إن شاء الله بأيد ممتلئة و زاد وفير و تجارب جمّة و بصيرة و أنوار إلهية معنوية. حفظكم الله تعالى جميعاً. اللهم بمحمد و آل محمد احشر الأرواح الطيبة لشهداء الحرب المفروضة الأبرار مع أوليائك. اللهم خلد ذكرى هؤلاء الأعزاء و المضحّين في الخواطر و في قلب تاريخنا. ربنا اجعلنا نقف حتى النهاية بوجه الأعداء و العداء و الخبث بنفس الروح و المعنويات التي يرتضيها الرسول الأكرم (ص) و أئمة الهدى (ع). اللهم انصر شعب إيران على أعدائه، و احشر الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل مع أوليائه.
2014/03/25

كلمته في الحرم الرضوي الشريف في اليوم الأول من السنة الإيرانية الجديدة 1393 هـ ش

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمّد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيّما بقية الله في الأرضين. اللهم صلّ على فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها. اللهم صلّ على وليك علي بن موسى عدد ما أحاط به علمك، صلاة دائمة بدوام عظمتك و كبريائك. اللهم سلّم على وليك علي بن موسى الرضا عدد ما في علمك، سلاماً دائماً بدوام مجدك و عظمتك و كبريائك. أشكر الله تعالى و أحمده على أن تفضل و منّ بالعمر كي نستطيع الحضور مرة أخرى و عاماً آخر إلى جوار هذا المرقد السماوي النيّر و وسط هذه الحشود الصميمية المتحمّسة للتحدث معكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. أولاً أرى لزاماً عليّ أن نبارك مرة أخرى النوروز و حلول العام الجديد لكل الإخوة و الأخوات الذين يستمعون لكلمتنا و لكل شعب إيران، و نسأل الله تعالى للشعب الإيراني و لكل المسلمين في العالم سنة مباركة و حياة تغمرها السعادة، و نرجو أن يتفضل الله تعالى فتكون السنة التي بدأت اليوم سنة تليق بشأن الشعب الإيراني الكبير، و عاماً زاخراً بالخيرات و البركات و الفضل الإلهي و عناية الربّ. نذكر نقطة تتعلق بالعام 92 الذي انتهى يوم أمس. لقد أشرنا في النداء بمناسبة بداية هذا العام إلى أن شعب إيران صنع ما هو متوقع في سنة 92 كملحمة سياسية. و من المتيقن منه أن الملحمة السياسية تجلت في خطوتين كبريين للشعب الإيراني أكثر من غيرهما من الخطوات: الخطوة الأولى الانتخابات في النصف الأول من السنة، و الخطوة الثانية تظاهرات الشعب العامة العظيمة في النصف الثاني من السنة. لقد تحدثنا كثيراً حول الانتخابات، سواء هذه الانتخابات أو كل الانتخابات العديدة التي أقيمت منذ بداية الثورة و إلى اليوم. و كذلك تحدثتُ و تحدث غيري عن التظاهرات الكبرى العامة في الثاني و العشرين من بهمن، و ذكرنا الكثير من النقاط لا نريد تكرارها، و لكن ثمة نقطتين حول هاتين الحادثتين. بشأن كل واحد من هذين الحدثين الذين يمكن القول و بالمعنى الحقيقي للكلمة إن كل واحد منهما كان وسيلة إعلام شاملة عامة تعكس وضع بلادنا و شعبنا مقابل التضليل و التشويه المغرض للإعلام العالمي، بشأن كل واحد منهما توجد نقطة أرغب أن أذكرها قبل الخوض في النقاط ذات الصلة بالعام الجديد 93 . النقطة الأولى تتعلق بالانتخابات. تنبّهوا أيها الإخوة و الأخوات إلى أن مستوى مشاركة الشعب في الانتخابات منذ بداية الثورة و إلى اليوم لم ينخفض و لم يهبط، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. في الانتخابات الأخيرة التي توجّه فيها شعب إيران إلى صناديق الاقتراع - أعني انتخابات رئاسة الجمهورية الحادية عشرة - كانت مشاركة الشعب بنسبة 72 بالمائة، و هذا الرقم عال بين الانتخابات التي تجري في العالم و يمثل مستوى مميزاً، و كذلك هو من أعلى الأرقام بين الانتخابات التي أقيمت في البلاد منذ بداية الثورة و إلى اليوم، فما معنى هذا؟ معنى هذه المشاركة الواسعة للشعب في الانتخابات أن الديمقراطية الدينية تكرّست و ترسّخت في البلاد. معناها أن نظام الجمهورية الإسلامية نجح في مأسسة الديمقراطية في البلاد و جعلها ظاهرة مؤسساتية راسخة، و هذا ليس بالشيء القليل. البلد الذي عايش طوال قرون متمادية حكاماً مستبدين و دكتاتوريين تعرف على الديمقراطية و مشاركة الشعب في انتخاب أصحاب السلطة، و امتزج بهذه الحالة إلى درجة أنه بعد مضي 35 عاماً على هياج بدايات الثورة و حماسها، حينما يتوجّه الناس للانتخابات يشارك فيها 72 بالمائة من الشعب. ينبغي معرفة قدر هذا الشيء. أقول لكم أيها الشباب و لكل أصحاب الرأي و الفكر في كل أرجاء البلاد: يجب أن لا ننكر هذه النعمة الكبيرة بل ينبغي شكرها، و في عام 88 لم يشكر البعض هذه النعمة الإلهية. و من عدم الشكر أن يُسمع أحياناً أن البعض ينسب عدم السلامة للانتخابات في البلاد، و هذا تكرار لكلام أعداء الشعب الإيراني. لقد تحولت الديمقراطية في البلاد إلى سياق عادي مألوف، لذلك يعتبر أبناء الشعب في كل أنحاء البلاد، و في القرى و المدن، أنفسهم أمام واجب حينما يتوجّهون لصناديق الاقتراع، و يشاركون بنسبة 72 بالمائة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية، و هذا الرقم من الأرقام العالية في العالم.  و النقطة الثانية التي ينبغي أن يتنبّه لها إخوتي و أخواتي الأعزاء هي حول تظاهرات الثاني و العشرين من بهمن. هناك من يحسبون و يقيسون الجموع و الحشود بالكاميرات و بوسائل متنوعة ليخمّنوا عدد الجموع. و كل الذين ينشطون في هذا المجال و كل الذين رصدوا هذه التظاهرات بدقة في هذه السنة رفعوا لنا تقارير تقول إن حشود المتظاهرين في طهران و المدن الكبرى و المعروفة كانت أكثر من السنوات الماضية و أشدّ حماساً. أي إن شعارات الشعب كانت شعارات عميقة و ذات مغزى و معنى و حماس. لماذا؟ المحللون الذين يدرسون مختلف القضايا و الشؤون فهموا، و نعتقد أن فهمهم هذا صحيح، بأن السبب هو اللهجة غير المؤدّبة للمؤثرين في السياسات الاستكبارية تجاه شعب إيران. بسبب أنه جرت مفاوضات حول القضايا النووية، صرّح الساسة الأمريكان بأن الشعب الإيراني تراجع عن كلامه و تخلى عن أصوله و مبادئه! من هذه الخلفية كانت لهجتهم تجاه شعب إيران لهجة غير مؤدبة و مهينة. و قد سمع الشعب ذلك و علم به. حينما ينزل العدو إلى الساحة بوجهه الواقعي، أو بوجه قريب من وجهه الواقعي، سيكون لدى الشعب حوافز أكثر و همم أعلى للمشاركة، و لأن الشعب شاهد أن الأمريكان يسيئون الأدب تجاهه و يقولون إنه انفصل عن النظام، أراد أن يثبت في الثاني و العشرين من بهمن أنه يعشق النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية و راية الإسلام المرفرفة من أعماق وجوده. هذا دليل على حساسية الشعب الإيراني و غيرته حيال الأعداء، و شرور أعداء الجمهورية الإسلامية، و أعداء إيران. كانت هذه نقطة تتعلق بتظاهرات الثاني و العشرين من بهمن. أما ما يتعلق بهذه السنة فقد سجّلت هنا بعض النقاط و لديّ ما أقوله و أحاول أن ألخّص و اختصر - ضمن هذا المجال المتاح لنا اليوم، فاليوم هو يوم الجمعة و وقتنا ينتهي بصلاة الجمعة - إن شاء الله لأقول ما عندي ضمن هذا الوقت. و إذا بقيت نقطة لم تذكر فأتمنى أن يوضّحها للرأي العام أصحاب الخبرة و العلماء في المجتمع الذين يدركون سياسات الجمهورية الإسلامية و طبيعتها في الوقت الحاضر، و ما الذي يجري و يحدث في الفترة الحالية. كلامي - و ما أريد اليوم أن أقوله باختصار و إجمال - هو أن شعب إيران يجب أن يقوّي نفسه. هذا هو كلامي. الكلام عن الاقتدارالوطني. أقول لشعبنا العزيز إذا لم يكن شعباً قوياً و إذا كان ضعيفاً فسوف يفرضون عليه منطق القوة و العسف. إذا لم يكن شعباً قوياً فإن ابتزازيي العالم سوف يبتزونه، و إذا استطاعوا فسوف يهينونه، و إذا استطاعوا فسيسحقوه بأقدامهم. هذه هي طبيعة العالم الذي يُدار بأفكار مادية. كل من يشعر بالقوة و القدرة سوف يتعسف مع الذين يشعر بأن فيهم ضعفاً، سواء كان ذلك تجاه فرد أو تجاه شعب. يقول الشاعر المعروف: الموت شيء طبيعي للضعيف كل قويّ ضعفَ أولاً ثم مات يقال إنهم جاءوا بدجاجة مطبوخة لشخص لا يأكل الدجاج و لا لحوم الحيوانات، فنظر لها و «ذرف الدموع من عينيه» و قال لها: «استضعفوك فوصفوك فهلّا وصفوا شبل الأسد». قال للفرّوج لو كنت تستطيع الدفاع عن نفسك و لك من نفسك قوة و اقتداراً لما تجرّأوا على قطع رأسك هكذا. إنني لا أعتقد بذلك الشاعر، و لا بأبي العلاء المعري الذي قيل هذا القول نقلاً عنه، لكنني اعتقد أن موت الضعيف أمر طبيعي في عالم يُدار بالأفكار المادية. هذا شيء أعتقد به. إذا لم يصحُ هذا الشعب على نفسه، و لم يقوّ نفسه، فسوف يتعسف الآخرون معه. بعض الشعوب تفصلها مسافات عن القوة و الاستقواء، و لا أمل لها بأن يكون لها من نفسها قوة تستطيع بها مواجهة العتاة و المتغطرسين في العالم. لكن شعبنا ليس من هذا القبيل. فأولاً لدينا القابلية الكبيرة على أن نكون أقوياء، و لدينا الكثير من الإمكانيات و الطاقات، و قد تحرك شعبنا نحو الاقتدار الوطني و قطع أشواطاً طويلة. و على هذا الأساس أرى أن الخارطة العامة لسنة 93 في هذين العنصرين الذين ذكرتهما في نداء تحويل السنة: الاقتصاد و الثقافية بعزيمة وطنية و إدارة جهادية.   ليس استقواء شعب كامناً فقط في أن يتوفر على أسلحة حربية متطورة. طبعاً الأسلحة ضرورية بدورها، و لكن بالأسلحة وحدها لن يغدو أيّ شعب قوياً. حينما أنظر أجد ثلاثة عناصر، إثنان منها هما العنصران الذان ذكرتهما في نداء بداية العام، إذا جرى الاهتمام بهذه العناصر الثلاثة سيمكن لشعب أن يكون قوياً: العنصر الأول هو الاقتصاد، و الثاني هو الثقافة، و الثالث هو العلم و المعرفة. حول العلم قيل الكثير على مدى هذه الأعوام الإثني عشرة الماضية، و قد كان هذا الكلام مؤثراً و الحمد لله. إننا في الوقت الراهن نتقدم على صعيد العلوم - و قد أعود و أشير إلى هذا الجانب - و لكن حول الاقتصاد و الثقافة ينبغي إبداء اهتمام أكثر من الحدّ المألوف لنستطيع جعل اقتصاد البلاد بالشكل الذي لا يستطيع أحد في ذلك الطرف من العالم بقراراته أو اجتماعاته التأثير على اقتصاد بلادنا و على معيشة شعبنا. هذا شيء في أيدينا نحن و يجب أن نفعله. و هذا هو الاقتصاد المقاوم الذي تم تبليغ سياساته في شهر إسفند الماضي. و قد كانت لي اجتماعاتي مع المسؤولين و المدراء الكبار في البلاد و تحدثنا بالتفصيل حول هذا الشأن، و قد تجاوبوا، بمعنى أن مسؤولي السلطات الثلاث كانوا هم أنفسهم مؤثرين و مشاركين في إعداد هذه السياسات، و رحبوا بها و قالوا إننا سوف نقوم بهذا الشيء و ننهض بأعبائه. أريد اليوم أن أتحدث قليلاً لشعبنا العزيز عن الاقتصاد المقاوم، و أن يسمع الناس مني ما أروم ذكره حول هذا الموضوع. الاقتصاد المقاوم هو ذلك الاقتصاد الذي يستطيع مقاومة الاهتزازات و التحريضات العالمية، و لا يتقلب بسياسات أمريكا و غير أمريكا. إنه اقتصاد يعتمد على الشعب. هناك ثلاثة أسئلة حول الاقتصاد المقاوم سوف أطرحها. السؤال الأول: ما هو الاقتصاد المقاوم و ماذا يجب أن يكون و ماذا يجب أن لا يكون؟ ما هي خصوصياته الإيجابية و ما هي خصوصياته السلبية؟ و السؤال الثاني: هل الاقتصاد المقاوم الذي نرفع شعاره ممكن التحقيق، أي هل هو ممكن أم إنه محض خيال ساذج؟ و السؤال الثالث: إذا كان تحقيق الاقتصاد المقاوم ممكناً فما هي متطلبات ذلك، و ما الذي يتعيّن القيام به من أجل ذلك؟ سوف أجيب اليوم عن هذه الأسئلة الثلاثة فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي. و بعد ذلك سأذكر نقاطاً عن الشأن الثقافي الذي اعتقد أنه على جانب كبير من الأهمية. السؤال الأول: ما هو الاقتصاد المقاوم و ما يجب أن يكون و ما يجب أن لا يكون؟ إنه أولاً نموذج علمي مناسب لاحتياجات بلادنا - و هذا هو الجانب الإيجابي من القضية - لكنه لا ينحصر ببلادنا، فالكثير من البلدان اليوم و بالنظر للاهتزازات الاجتماعية و التقلبات الاقتصادية التي وقعت طوال هذه الأعوام العشرين أو الثلاثين الأخيرة، فكّرت في مثل هذا المشروع بما يتناسب و ظروفها. إذن النقطة الأولى هي أن ما نقوم به يمثل في الوقت نفسه هموم البلدان الأخرى، و ليس شيئاً خاصاً بنا. و ثانياً قلنا إن هذا الاقتصاد ذاتي التدفق. فما معنى أنه ذاتي التدفق؟ معناه أنه يتدفق و ينمو من صميم إمكانيات البلد ذاته و إمكانيات الشعب و طاقاته. نمو هذه الغرسة أو الشجرة يعتمد على إمكانيات بلادنا نفسها. هذا هو معنى التدفق الذاتي. لكنه في الوقت نفسه ليس منكفئاً على نفسه. فليس معنى هذا الاقتصاد المقاوم أن نحصر اقتصادنا ببلادنا و لا نخرج عن حدودها. لا.. إنه ذاتي التدفق لكنه في الوقت نفسه خارجي التطلعات و له تواصله و تعامله مع الاقتصادات العالمية، و يواجه اقتصادات البلدان الأخرى باقتدار. إذن، فهو ذاتي التدفق لكنه ليس داخلي التطلعات. نقول هذا لأن الأقلام و الألسن و العقول المغرضة حالياً تعمل على كافة الأصعدة لتوحي بالقول: «نعم.. إنهم يريدون تحديد اقتصاد البلاد و حصره في الداخل». يمارسون مختلف أنواع التحليل من أجل صرف الشعب و المسؤولين عن هذا الطريق و هو طريق السعادة. لذلك أذكر هذه النقاط لتتضح الأمور للرأي العام. النقطة الثالثة هي أن الاقتصاد الذي يطرح على أنه اقتصاد مقاوم له أساس شعبي، بمعنى أنه لا يدور حول محور الحكومة و ليست اقتصاداً حكومياً بل هو اقتصاد شعبي يتحقق بإرادة الشعب و رساميله و مشاركته. و كونه غير حكومي لا يعني طبعاً أن الحكومة لا تتحمّل مسؤوليات حياله، بلى، تتحمّل الحكومة مسؤوليات البرمجة و تمهيد الأرضيات و صناعة الإمكانيات و التوجيه و المساعدة. العمل و النشاط الاقتصادي بيد الناس و للناس، لكن الدولة - باعتبارها مسؤولاً عاماً - تشرف و توجّه و تساعد، و تمنع و تصدّ الذين يريدون الاستغلال و الفساد الاقتصادي، و إذا احتاج أحد للمساعدة تساعده. إذن، تمهيد الظروف و الأرضيات و التسهيل من واجبات الحكومة. النقطة الرابعة هي أن هذا الاقتصاد كما قلنا اقتصاد علمي المحور، بمعنى أنه يستفيد من التقدم العلمي و يعتمد على التقدم العلمي و يدور حول محور العلم، غير أن هذا لا يعني أنه اقتصاد مقتصر على العلماء و لا يمكن إلّا للعلماء أن يلعبوا دوراً في الاقتصاد المقاوم، كلا، التجارب و المهارات - تجارب أصحاب الصناعات و العمال ذوي التجارب و المهارات المتنوعة - يمكنها أن تؤثر و تمارس دوراً في هذا الاقتصاد. حين يقال إنه اقتصاد علمي المحور فليس معنى هذا أن العناصر ذات التجارب من صناعيين و فلاحيين أنجزوا على مدى الأعوام الطويلة الكثير من الأعمال الكبرى اعتماداً على تجاربهم، لن يكون لهم دور فيه، لا، يقع على كواهلهم دور مهم جداً. خامساً يدور هذا الاقتصاد حول محور العدالة، أي إنه لا يكتفي بمؤشرات الاقتصاد الرأسمالي من قبيل النمو الوطني و الناتج الإجمالي القومي. ليست القضية أن نقول إن النمو الوطني ازداد بهذا المقدار أو الإنتاج القومي الإجمالي ارتفع بهذه النسبة، كما هو المشهود في المؤشرات العالمية و في الاقتصاد الرأسمالي. فقد يرتفع الناتج القومي الإجمالي في بلد من البلدان ارتفاعاً كبيراً و مع ذلك يموت بعض أبناء ذلك البلد من الجوع! هذا شيء لا نقبله و لا نريده. و عليه فمؤشر العدالة - العدالة الاقتصادية و العدالة الاجتماعية - من المؤشرات المهمة في الاقتصاد المقاوم، بيد أن هذا لا يعني إهمال المؤشرات العلمية الموجودة في العالم، لا، تلك المؤشرات أيضاً يجري الاهتمام بها و أخذها بنظر الاعتبار، و لكن العمل يدور في الوقت نفسه حول محور العدالة. العدالة في هذه الخطة و في هذا الكلام ليست بمعنى توزيع الفقر، بل بمعنى إنتاج الثروة و زيادة الثروة الوطنية. سادساً لا شك في أن الاقتصاد المقاوم هو أفضل الطرق لمعالجة مشكلات البلاد الاقتصادية، لكن هذا لا يعني أن الهدف هو معالجة مشكلات البلاد الحالية - و التي يعود السبب فيها بمقدار معين إلى الحظر، و إلى خطأ هذه الخطة أو ذلك البرنامج بمقدار معين - لا ، إنما هو مشروع دائمي مستمر. الاقتصاد المقاوم معناه جعل الاقتصاد مقاوماً و تقوية أركانه و أسسه. مثل هذا الاقتصاد سوف يزدهر و ينمو و يساعد الناس، سواء في ظروف الحظر أو في ظروف عدم وجود حظر. هذا عن السؤال الأول. و السؤال الثاني هو هل هذه الخطة الاقتصادية التي تسمّونها اقتصاداً مقاوماً أمر خيالي وهمي و أمل تحلمون بتحققه أم أنه عملية ممكنة على أرض الواقع؟ الجواب هو إنها ممكنة عملياً تماماً. لماذا؟ بسبب وجود الإمكانيات اللازمة لها، و لأن هذا البلد له الكثير من الطاقات الاستثنائية. و سوف أعرض بعض هذه الإمكانيات التي يتمتع بها البلد. و هي ليست بالأمور التي تحتاج إلى إحصائيات عجيبة و غريبة، بل هي أشياء قائمة أمام أعيننا و الجميع يراها. من إمكانياتنا المهمة هي الطاقات و الكوادر البشرية في البلد. الطاقات الإنسانية في بلادنا من أضخم إمكانيات بلادنا، و تمثل فرصة كبيرة. و قد قلنا إن الشباب في البلاد - من عمر الخامسة عشرة إلى الثلاثين - يشكلون حجماً هائلاً من شعب إيران، و هذا بحد ذاته إمكانية. و لدينا عشرة ملايين خرّيج جامعة، فقد تخرّج طوال هذه الأعوام عشرة ملايين من شبابنا من الجامعات. و يدرس في الجامعات الآن أكثر من أربعة ملايين طالب جامعي سوف يتخرّجون على مدى الأعوام القليلة القادمة. ليعلم الشباب الأعزاء أن هؤلاء الملايين الأربعة الذين نتحدث عنهم يعادلون 25 ضعفاً بالقياس إلى عدد الطلبة الجامعيين في نهاية عهد الطاغوت، و عدد سكان البلاد بالقياس إلى تلك الفترة ازداد ضعفاً واحداً فقط، لكن عدد الطلبة الجامعيين مقارنة بذلك الوقت ازداد 25 ضعفاً. لدينا في الوقت الحالي هذا العدد من الطلبة الجامعيين و الخرّيجين. إضافة إلى ذلك لدينا الملايين من الكوادر الماهرة و صاحبة التجربة. و لاحظوا أن هؤلاء هم الذين أمدّوا القوات المسلحة بما تحتاجه خلال فترة الحرب. من مشكلاتنا خلال فترة الحرب المفروضة عطل الأجهزة، و قصف مراكزنا المختلفة، و خلوّ أيدي قواتنا المسلحة من المعدات اللازمة من قبيل وسائط النقل. فهبّ عدد من الصناعيين المهرة أصحاب التجربة من طهران و المدن الأخرى - و قد شهدتُ ذلك بنفسي في بدايات الحرب، و كنت أراهم، و قد توفّقت في الآونة الأخيرة أيضاً و الحمد لله فكان لي لقاء بجماعة منهم، و قد كانوا في ذلك الحين شباباً لكنهم اليوم كهول، و مع ذلك لا زالوا يحملون نفس الحماس و التحفز - و خاضوا غمار ساحات الحرب في الخطوط الأمامية، و قد استشهد بعضهم، و قاموا بالتعميرات و التصليحات اللازمة، و صنعوا و أنتجوا، و كان من صناعاتهم الجسور العجيبة الغربية التي تنفع القوات المسلحة في الحرب، و غير ذلك من المعدات و وسائط النقل و الطرق.. هذه الكوادر الماهرة صاحبة التجربة هي التي قامت بهذا، و هم موجودون اليوم و عددهم كبير في البلاد ما شاء الله، و هم ليسوا من الخرّيجين لكنهم أصحاب مهارة و تجربة، و قد يكونوا في بعض الحالات أفضل و أنفع من الخرّيجين. هذه أيضاً من إمكانياتنا الإنسانية.. لدينا مثل هذه الطاقات و الكوادر في مجال الزراعة أيضاً و في المجال الصناعي. و من الإمكانيات المهمة في بلادنا المصادر الطبيعية. تحدثت هنا في العام الماضي عن النفط و الغاز، و قلت إن مجموع النفط و الغاز في إيران هو الأول عالمياً. أي لا يوجد بلد في العالم يملك ما تملكه إيران من مجموع النفط و الغاز. نفطنا و غازنا مع بعضهما أكثر مما يمتلكه أي بلد من بلدان العالم شرقاً و غرباً. و في هذه السنة حيث أتحدث لكم الآن حصلت اكتشافات لاحتياطيات الغاز تشير إلى ارتفاع احتياطياتنا و مصادرنا من الغاز عمّا كانت عليه في العام الماضي. هذا هو وضع النفط و الغاز في بلادنا. أكبر ذخائر الطاقة - التي يحتاجها العالم لضيائه و تدفئته و صناعته و ازدهاره - موجودة في بلادنا. بالإضافة إلى ذلك هناك مناجم الذهب و المعادن النادرة المنتشرة في كل أنحاء البلاد. أحجار الحديد و الأحجار الثمينة و أنواع الفلزات و المعادن الأسياسية اللازمة - و التي تعتبر أمّ الصناعات و أساسها - موجودة في إيران. و هذه أيضاً من الإمكانيات الكبرى. الإمكانية الأخرى هي موقعنا الجغرافي. إننا جيران لخمسة عشر بلد و بيننا و بينهم ذهاب و إياب. النقل و المواصلات و الترانزيت من الفرص الكبيرة في بلادنا. هذا شيء متوفر لبلادنا و هناك إطلالة على البحار الحرة في الجنوب، و على المياه في الشمال. يعيش في هذه البلدان الجارة لنا نحو 370 مليون نسمة، و هذا العدد من التواصلات و الجيران يعدّ فرصة كبيرة لازدهار اقتصاد بلد من البلدان. هذا فضلاً عن السوق الداخلية عندنا. إنها سوق يصل عدد نسماتها إلى 75 مليون نسمة، و هذه سوق مهمة بالنسبة لأيّ اقتصاد. و من الإمكانيات الأخرى المتوفرة في إيران البنى التحتية الرقائقية و الصلائدية.. البنى التحتية الرقائقية من قبيل سياسات المادة 44 ، و ميثاق الأفق العشريني، و الأعمال التي تمت خلال هذه الأعوام، و هناك أيضاً بنى تحتية متنوّعة نظير الطرق و السدود و الجسور و المعامل. تمثل هذه كلها أرضية مناسبة جداً للتقدم الاقتصادي في البلاد. هذه هي إمكانيات البلاد. طيّب، قد يقول قائل: إذا لم يكن هناك حظر لكان ممكناً الاستفادة من هذه الإمكانيات، و لكن لأنه يوجد حظر فلن تستطيعوا الانتفاع من هذه الإمكانيات. هذا خطأ.. هذا الكلام غير صحيح. فقد توصلنا في الكثير من المجالات الأخرى إلى محطات جد مميزة و راقية رغم وجود الحظر. من الأمثلة على ذلك إنتاج العلم، و من الأمثلة أيضاً الصناعة و التقنية. لقد فرضوا علينا الحظر في هذه المجالات و لا زالوا يفرضون الحظر. بخصوص العلوم المتطورة و العصرية لا تزال أبواب المراكز العلمية العصرية المهمة في العالم مغلقة بوجه العلماء و الطلبة الجامعيين الإيرانيين، و مع ذلك تقدمنا في مجال النانو، و في المجال النووي، و في الخلايا الجذعية، و في الصناعات الدفاعية، و في صناعة الطائرات من دون طيار، و الصواريخ، تقدمنا في كل ذلك على الرغم من أنف العدو، فلماذا لا نستطيع التقدم في الاقتصاد؟! ما دمنا قد حققنا كل هذه النجاحات في الميادين و المجالات المختلفة، إذن لو عقدنا العزيمة و تعاضدنا من أجل التقدم في الاقتصاد سنستطيع الوصول إلى الازدهار. يجب أن لا نسمّر أعيننا على العدو و ما يجود به و متى سيرفع عنا هذا الحظر و متى سيوافق على المسألة الفلانية.. ليذهب إلى الجحيم..! ينبغي أن ننظر و نرى ما الذي نستطيع نحن فعله. و لأطرح الآن السؤال الثالث و أجيب عنه. كان السؤال الثالث هو: ما هي اللوازم و الأعمال المطلوب إنجازها من أجل تحقيق هذه العملية الكبرى، أي الاقتصاد المقاوم؟ أقولها باختصار: أولاً يجب على المسؤولين دعم الإنتاج الوطني. الإنتاج الوطني أساس الازدهار الاقتصادي و حلقته الأساسية. على المسؤولين دعم الإنتاج الوطني. كيف؟ إذا كانت هناك في موطن من المواطن حاجة لقانون معين فيجب أن يدعموا قانونياً، و إذا كانت هناك حاجة لدعم قضائي فيجب أن يقوموا بهذا الدعم، و إذا كانت هناك في موطن ما حاجة لدعم تنفيذي يجب أن يشجّعوا و يعملوا اللازم. يجب القيام بهذه الأمور. يجب أن يزدهر الإنتاج الوطني. ثانياً يجب على أصحاب الرساميل و الطاقات العملية و هم المنتجون أن يهتموا للإنتاج الوطني. بأيّ معنى؟ بمعنى زيادة الفائدة. الفائدة معناها الانتفاع الأمثل من الإمكانيات الموجودة و إلى أقصى حد. العامل حينما يعمل يجب أن يعمل بدقة. «رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه». هذا هو معنى الفائدة. و هذا الحديث مرويّ عن الرسول الأكرم (ص). الذي يستثمر يجب أن يحاول أن ينتفع أكبر قدر ممكن من استثماره، بمعنى أن يقلل تكاليف الإنتاج، فبعض حالات سوء التدبير و السياسات الخاطئة من شأنها رفع تكاليف الإنتاج و بالتالي تقليل فوائد الاستثمار و العمل. ثالثاً ينبغي لأصحاب الرساميل و الأرصدة أن يرجّحوا الأنشطة الإنتاجية على غيرها من الأنشطة. لقد شاهدنا أصحاب الرساميل - الرساميل الكبيرة أو الصغيرة - و الذين كان بمستطاعهم أن يوظفوها في مجالات معينة يكسبوا من خلالها الكثير من الأرباح، لم يفعلوا ذلك، بل وظفوها في مجال الإنتاج و قالوا نريد تقوية إنتاج البلاد. و هذه حسنة و صدقة و من أفضل الأعمال. أصحاب الرساميل - سواء كانت هذه الرساميل قليلة أو ضخمة - ليوظفوها في خدمة إنتاج البلاد أكثر. النقطة الأخرى هي أن يروّج الناس للإنتاج الوطني و على كل المستويات. ما معنى هذا؟ معناه القضية التي ذكرتها هنا بكل إصرار قبل سنتين أو ثلاث سنوات في هذا المكان، و لحسن الحظ عمل بها بعض الناس، و لكن ينبغي أن يعمل الجميع، و هي «استهلاك المنتجات الداخلية». أعزائي.. حينما تشترون بضاعة داخلية بدل البضاعة الخارجية فإنكم توفرون بنفس المقدار فرص عمل، و تدفعون العامل الإيراني لعرض إبداعاته في السوق. حينما يجري استهلاك البضاعة الداخلية فإن منتج تلك البضاعة و صانعها - و له إبداعاته و ابتكاراته - سوف يضاعف يوماً بعد يوم من ابتكاراته. حينما تستهلكون البضاعة الداخلية تزيدون من الثروة الوطنية. في الماضي، أي في عهد الطاغوت، كان من التقليدي و الدارج ترجيح استهلاك البضاعة الأجنبية. حينما كانوا يريدون شراء بضاعة يسألون هل هي داخلية أم خارجية؟ فإذا كانت خارجية يرغبون فيها أكثر. يجب أن يتغير هذا و يكون العكس هو الدارج. لا نقول إن شراء البضاعة الخارجية حرام، لكننا نقول إن ابتياع البضاعات الداخلية ضرورة لجعل الاقتصاد مقاوماً، و عملية تترك تأثيراتها على كل شيء في البلاد. يجب التنبّه لهذه النقطة. و هذا من دور الشعب كله. طبعاً هنا أيضاً و مثل كل المواطن يتحمل المسؤولون و مدراء البلاد مسؤوليات أكبر من الآخرين. الكثير من حالات الإسراف و التبذير في سلوك الناس سببها نظرهم لسلوك الذين يعتبرونهم «الأكابر». إذا لم يكن هناك أسراف على المستويات العليا فسوف يقل الإسراف بين الناس. إذن، ترجيح الإنتاج الداخلي من الممارسات المهمة. لألخّص هذا الجانب من كلمتي و أقول: الاقتصاد المقاوم معناه جعل أركان الاقتصاد مقاومة و هذا من واجباتنا العامة اليوم، و بوسع الجميع أن يمارسوا دورهم فيه، سواء المسؤولون و مسؤولو السلطات الثلاث، أو كل أبناء الشعب، أو أصحاب المهارات، أو أصحاب الرساميل و الأرصدة، أو أصحاب الرأي و الخبرة. طبعاً كان هذا الذي قلناه خلاصة لما يجب قوله، و يقع على عاتق المختصين و الخبراء عرض التفاصيل. الجانب الثاني من كلامي هو حول الثقافة. و أقول بكلمة واحدة: أعزائي.. الثقافة أهم حتى من الاقتصاد. لماذا؟ لأن الثقافة تعني الهواء الذي نتنفسه. إنكم مضطرون لتنفس الهواء شئتم ذلك أم أبيتم. فإذا كان هذا الهواء نقياً كانت له آثار معينة في أجسامكم، و إذا كان هواء ملوثاً كانت له آثار و تبعات أخرى. ثقافة البلد كالهواء، إذا كانت ثقافة صحيحة سليمة كانت لها آثار. كنا الآن نتحدث عن الإنتاج الداخلي، و إذا أردنا تحقق ظاهرة استهلاك المنتجات الداخلية بالمعنى الحقيقي للكلمة يجب تكريس ثقافة استهلاك المنتجات الداخلية في أذهان الناس. و إذا أردنا للناس أن لا يسرفوا فيجب أن تكون هذه هي قناعة الناس، و هذا معناه الثقافة. الثقافة معناها قناعات الناس و معتقداتهم و إيمانهم و عاداتهم، و الشيء الذي يتعاملون معه في حياتهم اليومية، و يلهمهم في تحركاتهم و أعمالهم. هذه هي الثقافة. إذن، هي على جانب كبير من الأهمية. على الصعيد الاجتماعي مثلاً تعدّ النزعة القانونية و أن يحترم الناس القانون، ثقافة. و التعاون الاجتماعي ثقافة. و تشكيل العائلة و الزواج يعدّ ثقافة. و تعدد الأولاد ثقافة. إذا كانت توجّهات الناس و رؤيتهم في هذه الأمور توجّهات صحيحة فستكون حياة المجتمع بشكل، و إذا كانت توجّهاتهم خاطئة لا سمح الله فستكون الحياة على شكل آخر، و سنبتلى لا سمح الله بنفس البلاء الذي نزل حالياً بالبلدان التي هدمت العائلة و صرح العائلة و أطلقت العنان للشهوات - وَاتَّبِعوُا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يلقَونَ غَيا - (1) . إذن تركيز الأعداء منصبّ على الثقافة أكثر من باقي المواطن. لماذا؟ للدور و التأثير الحاسم الذي تتميّز به الثقافة. و الهدف الذي يستهدفه الأعداء في تحركاتهم على المستوى الثقافي هو إيمان الناس و معتقدات الشعب. على المسؤولين الثقافيين أن يراقبوا و يرصدوا الثغرات الثقافية. الثغرات الثقافية خطيرة جداً. يجب أن يكونوا حساسين و يقظين. لا نروم القول إن كل الآفات الثقافية هي من فعل الأجانب، لا، فنحن أيضاً مقصرون.. المسؤولون على اختلافهم.. المسؤولون الثقافيون، و المسؤولون غير الثقافيين، و قلة العمل و الأخطاء، هذه كلها مؤثرة، و لا نلقي الذنب كله على الأعداء، لكن تواجد العدو على المستوى الثقافي مما لا نستطيع نسيانه. اليوم و منذ الأيام الأولى للثورة صبّت الأجهزة الإعلامية للعدو كل قدراتها و طاقاتها على زعزعة اعتقاد الناس بأركان هذه الثورة و مرتكزاتها. فهل هذا عمل ثقافي؟ استهداف إيمان الناس و مهاجمة معتقداتهم و قناعاتهم القلبية.. هذا مما لا يمكن للمرء تجاهله.   هنا قد يطرح سؤال يقول: طيّب، حين تقولون إن على مسؤولي البلاد أن يكونوا حساسين، فكم يجب أن يكونوا حساسين؟ ألا يتنافى هذا مع الحرية، و هي من شعارات الثورة، و من أركان الجمهورية الإسلامية؟ الجواب هو: لا، إنه لا يتنافى مع الحرية أبداً، فالحرية غير التحلل، و الحرية غير التخلي عن كل الضوابط. الحرية - و هي نعمة إلهية كبرى - لها ضوابطها، و لا معنى للحرية من دون ضوابط. إذا كان البعض في داخل البلاد يعملون على استئصال إيمان الشباب فلا يمكن التفرّج عليهم تحت طائلة الحرية. كما أنه إذا أراد شخص توزيع الهيروئين و سائر المواد المسمّمة لجسم الإنسان و الجالبة التعاسة للعوائل، فلا يمكن العقود و عدم الاكتراث. أنْ نرى البعض يستخدمون الفن و البيان و مختلف الأدوات و يستخدمون المال لقطع طريق الناس و الهجوم على إيمانهم و خلق الثغرات في ثقافة الناس الإسلامية و الثورية، فنقعد و نتفرج و نقول إنها حرية، فمثل هذه الحرية غير موجودة في أي مكان من العالم! في أيّ مكان من العالم. البلدان التي تتشدق بالحرية و تدّعيها متشددة جداً بشأن الخطوط الحمراء التي ترسمها. لاحظوا أن أحداً في البلدان الأوربية لا يجرؤ على التحدث عن الهولوكاست التي ليس من المعلوم هل هي صحيحة أصلاً أم لا، و إذا كانت صحيحة فبأيّ شكل كانت. التصريح حول الهولوكاست و التشكيك في الهولوكاست يعد من أكبر الذنوب، و هم يحولون دونه و يمنعونه، و يلقون القبض على من يفعله و يسجنونه و يلاحقونه قضائياً، و يتشدقون مع ذلك بالحرية. ما يعدّ بالنسبة لهم خطاً أحمر يقفون دون تخطيه بأسنانهم و مخالبهم و بكل قوة و عصبية. فكيف يتوقعون منا تجاهل الخطوط الحمراء العقيدية و الثورية لبلادنا و شبابنا؟ إذا استهدف شخص روح الاستقلال الوطني - يوجد الآن أشخاص إذا جرى الكلام عن الاستقلال يستهزئون بالاستقلال و يقولون إن هذا تخلف، و ما عسى أن يكون الاستقلال؟ - و أراد التنظير للتبعية، و سخر من الاستقلال، و زعزع قلوب الشباب حيال الحياة المستقلة، فلا يمكن عدم فعل شيء تجاهه، بل ينبغي أن يكون هناك ردّ فعل. شخص قد يوجّه الإهانات لضروريات المجتمع الأخلاقية و الدينية، أو يستهزئ باللغة الفارسية، و يهين الأخلاق الإيرانية، و هذه أمور موجودة و توجد في الوقت الحالي. البعض يحاولون أن يحطوا من قدر روح العزة الوطنية لدى الشباب الإيرانيين، و يكرروا دوماً نسبة الأخلاق و الطباع السلبية لهذا و ذاك، فيقولوا: تعلموا من الأوربيين، تعلموا من الغربيين، إنهم يتحمّلون بعضهم، و نحن لا نتحمّل بعضنا! هل هذا هو واقع القضية؟ في شوارع البلدان الأوربية و العواصم الأوربية - و لا يعود هذا لما قبل عشرين عاماً و خمسين عاماً - امرأة تراعي حجابها قليلاً تتعرّض لهجوم عدد من الشباب فيضربوها أمام أنظار الناس و يجرحوها أو يقتلوها، و لا يتجرّأ أحد على القول: لماذا ! يشعلون النار في شخص أمام أنظار الناس لأنه ليس من أهل تلك البلاد! هل هذا تحمّل الطرف المعارض؟ و هذا شيء وقع في الآونة الأخيرة. قبل أشهر من الآن قام شباب شقاة في إحدى مدن بلد أوربي بضرب شخص إيراني ضرباً مبرحاً و إراقة البنزين عليه و إشعاله بالنار، و الجيران يقفون يتفرجون هكذا دون أن يبدوا أيّ ردّ فعل! هل هذا تحمّل للمعارضين؟ الذين يوجّهون الإهانات لشعب إيران و الوطنية الإيرانية و الأخلاق و الطباع الإيرانية، و الذين يزعزعون الركائز الإسلامية في الأذهان، و الذين يهاجمون الشعارات الرئيسية للثورة بجد، و الذين يقللون من قيمة المؤسسة العائلية و يعتبرون الزواج بلا معنى - و هذه أمور موجودة اليوم في مجتمعنا، و هناك من يفعل هذا - و الذين يعتبرون طلب اللذة شيئاً محبذاً و قيمة و يروجون لأصالة اللذة و هي هدية الثقافة الغربية، و يدافعون عن كل ما يحقق اللذة للإنسان، و هناك بالتالي شخص تتحقق له اللذة بالإدمان، و آخر بالشهوات الجنسية، و آخر بالانهيال بالضرب على هذا و ذاك.. يعتبرون كل ما يحقق اللذة أمراً مباحاً.. لا يمكن القعود بلاأبالية إزاء الذين يروّجون لهذه الأشياء. البعض يروّجون للإباحية. و على الأجهزة المختصة أن تشعر بالمسؤولية تجاه ذلك. في عملية التخريب الثقافي، ما يفعله المخربون الثقافيون هو أن يبثوا التشكيك و التردد بين الناس بدل إشاعة العزيمة الوطنية الراسخة. الشعب ما لم تكن لديه عزيمة راسخة فلن يستطيع الوصول إلى أيّ مكان. يحاولون ضعضعة العزيمة الراسخة للشعب في ما يتعلق بالقضايا المهمة ذات الصلة بمصير البلاد. ينشرون الشعور بالدونية و الحقارة بدل الشعور بالعزة و الثقة بالذات الوطنية، و يبثون الشبهات و انعدام العقيدة بدل الإيمان الراسخ، و بدل ترويج قيم العمل و السعي و الهمّة العالية يروجون لطلب اللذة و الشهوات و ما إلى ذلك. هذه أشياء و أمور تحصل، و على الأجهزة الثقافية الرسمية في البلاد أن تنهض بواجباتها مقابل ذلك. طبعاً بعض الواجبات واجبات إيجابية و بعضها واجبات دفاعية، كلا النوعين من الأعمال و الواجبات يجب أن يتم، سواء الواجبات الإيجابية أو الواجبات الدفاعية. الأجهزة الإعلامية في بلادنا - سواء منها المرتبطة بالحكومة مباشرة أو غير المرتبطة بالحكومة مباشرة - يجب أن لا تهاب الضجيج و اللغو الذي تثيره وسائل الإعلام الأجنبية أو وسائل الإعلام التي تتحدث بالنيابة عن الأجانب، و لا تنظم تصرفاتها وفقاً لها. هذا ما يتعلق بالأجهزة الثقافية الرسمية. لكن النقطة الأهم في كلامي هي خطاب للشباب الذين يمارسون نشاطات ثقافية تلقائية في كل أنحاء البلاد، و هي و الحمد لله نشاطات واسعة جداً. أريد أن أقول لهؤلاء الشباب سواء كانوا في طهران أو في مختلف المدن و في مختلف المحافظات و في مشهد نفسها و في الكثير من المدن الأخرى، و يمارسون أعمالاً ثقافية بإرادتهم و بحوافزهم - و قد أنجزوا أعمالاً و إنجازات جيدة جداً و نحن على علم ببعضها و الحمد لله - أقول لهم و أطلب منهم أن يتابعوا العمل بكل جدية. ليعلموا أن تنمية هذه الأعمال الثقافية بين الشباب المؤمن المتدين الثوري له دور كبير جداً في تقدم البلاد و صمودنا بوجه أعداء هذا الشعب. أضف إلى ذلك المرجعيات الثقافية. ما معنى المرجعيات الثقافية؟ إنهم علماء الدين و الأساتذة و المثقفون الثوريون و الفنانون الملتزمون، هؤلاء عليهم أن يتابعوا و يواصلوا نظراتهم النقدية لأوضاع البلاد الثقافية، و ينبّهوا للأخطاء. أنا طبعاً اعتقد في ما يتعلق بالتنبيه للأخطاء أنه يجب عرض الآراء الصحيحة بمنطق متين و بيان واضح. إنني لا أوافق توجيه الاتهامات و إثارة الضجيج، و لا أوافق التكفير و رشق هذا و ذاك بالاتهامات. ما اعتقده هو أن المنظومة الثورية في البلاد - و هي تضم و الحمد لله الكثير من الشباب الإيراني و أصحاب الرأي و الاختصاص و الأساتذة و الشخصيات البارزة و الخريجين في إيران - بمستطاعها النزول إلى الساحة و ممارسة النقد بمنطق رصين، و عرض نقاط الضعف و النقاط السلبية على المسؤولين. أحياناً لا يتفطن المسؤول إلى ما يحدث في المجتمع، لكن ذلك الشاب مُندكّ بالمجتمع و يدرك ما يحدث. تلك العزيمة الوطنية و الإدارة الجهادية التي تحدثنا عنهما تتجلى بهذه الصورة على الصعيد الثقافي. في ختام كلمتي أشير إلى نقطة لكم يا شعب إيران: اعلموا أن واقع المجتمع العالمي لا يسير طبقاً لإرادات أمريكا و نواياها. ما أراد الاستكبار العالمي و أعداء الشعب الإيراني العنودون تحققه لم يتحقق في الساحة العالمية، و سوف لن يتحقق إن شاء الله. لقد فشلت أمريكا في فلسطين. الخطة التي رسموها لفلسطين و بذلوا الكثير من المساعي لتطبيقها لم تتحقق و سوف لن تتحقق إن شاء الله. لقد أرادوا تبديل بلد فلسطين إلى بلد يهودي، بمعنى أن لا يستطيع الفلسطينيون - سواء كانوا من المسلمين أو المسيحيين - العيش في فلسطين، أي إنهم أرادوا القضاء على فلسطين تماماً. لقد تابعوا هذا الهدف و بذلوا الكثير من الجهود و المساعي طوال هذه الأعوام، لكنهم لم يستطيعوا. لم تصل أمريكا لنتائجها في فلسطين، و لم تصل لنتائجها في سورية، و كذلك في العراق، و كذلك في أفغانستان و في باكستان، لم تتحقق مقاصدها. و في الآونة الأخيرة تلاحظون و تسمعون أن مخططات أمريكا أخفقت. و يجب أن نعلم أنهم فشلوا في بلدنا العزيز أيضاً بعد ثلاثين عاماً من المساعي ضد هذه الثورة و ضد الشعب الثوري، و المؤشر على ذلك هو تواجد الجماهير و مشاركتها في الساحة. هذا ما قالته الشخصيات المؤثرة في الحكومة الأمريكية و النظام الأمريكي بصراحة. قالوا: لقد فرضنا الحظر و ضاعفناه لننزل الشعب الإيراني إلى الشوارع ضد النظام. لقد قالوها بصراحة: إن الهدف من الحظر هو استئصال الثورة و وضع الشعب مقابل النظام الإسلامي. فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة ما قلناه، في سنة 1392 أقيمت انتخابات بمشاركة شعبية عالية، و خرجت في الثاني و العشرين من بهمن سنة 92 تظاهرات أكثر حماساً و ضخامة من تظاهرات الأعوام السابقة، و هذه هي الفكرة التي كرّرتُها مراراً: ليعلم شبابنا الأعزاء أن المستقبل لكم و أعداؤكم محكوم عليهم بالهزيمة بتوفيق من الله، و نتمنى أن يأخذ الله تعالى بأيديكم جميعاً إلى سبل السعادة، و يرضي عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (عج). و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش: 1 - سورة مريم، شطر من الآية 59 .
2014/03/20

كلمة الإمام السيد علي الخامنئي للشعب الإيراني بمناسبة عيد النيروز

بمناسبة عيد النيروز، وجّه قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي كلمةً إلى الشعب الإيراني والعالم قدّم خلالها تهنئته ومباركته بحلول هذا العيد. وخلال هذه الكلمة قيّم سماحته مسيرة الجمهورية الإٍسلامية في المجالين السياسي والاقتصادي خلال العام الفائت وأطلق سماحته شعار "سنة الاقتصاد والثقافة بعزيمة وطنيّة وإدارة جهادية" على السنة الجديدة مؤكداً على أهمية العمل الجهادي في المجالين الاقتصادي والثقافي وقيام الناس بمساعدة المسؤولين للوصول إلى النتائج المرجوة بإذنه تعالى.
2014/03/20

كلمته في لقائه لجنة تكريم مكانة شير عليمردان خان بختياري

بسم الله الرحمن الرحيمإنه لعمل جد مناسب أن نبحث عن الوجوه النزيهة و البارزة بين مختلف قوميات بلادنا و نعرّفها. و إنه لظلم كبير أن يوافق المرء على أن تبقى شخصيات مضحية ممتازة أبدت عن نفسها خصالاً مميزة منسية مغفولاً عنها، و أن يجري تجاهل تضحياتها و جهادها. كما أوضح الأعزاء فإن البختياريين و اللريين عموماً - و هم متواجدون و يعيشون في مناطق واسعة من البلاد - من أفضل و أوفى القوميات الإيرانية. طبعاً من مميزات بلادنا تنوّع القوميات فيها. و الحمد لله على أن الجميع هم على هذه الشاكلة، أي إن المرء حينما ينظر يجد أن القوميات الإيرانية المتعددة تعيش حالة تضامن و تلاحم و ارتباط و اتصال و توادد بالمعنى الحقيقي للكلمة. و قد كان هذا هو الحال على مرّ التاريخ، و هذا هو الحال في زماننا أيضاً و على أتمّ نحو و الحمد لله. لكل قوم خصوصياتهم طبعاً، و قد عرفنا البختياريين و اللريين بالصدق و الإخلاص و الشجاعة و الغيرة. لقد كانوا على طول الزمن ملتزمين بشدة و مصرّين على العقائد الإسلامية و العقائد المذهبية و معتقدات التشيع، و هذا هو أيضاً الحال المستشعر في زماننا، و قد شهدناه. كم يحترمون السادة، و كم يحترمون آل الرسول، و كم يحترمون رجال الدين على نحو الإطلاق. و قد قالوا (1) إن الشخصيات العلمية هناك لم تشتهر، لكنني عندما زرت قبل سنوات مدينة «شهر كرد»، و كما أتخطر، تعرّفنا هناك على بعض رجال الدين اللريين و خصوصاً البختياريين، و قد ذكروا أسماء بعض الشخصيات، بيد أن مظلومية هؤلاء القوم هي أنه حتى شخصياتهم من رجال الدين ليست مشهورة، و يجب بالتالي البحث عن هؤلاء. و الآن و أنتم تعملون و الحمد لله في هذا السياق من المناسب أن تواصلوا العمل و تبحثوا بحق لتجدوا الشخصيات، و لكن كما هي على حالها، بمعنى أنه يجب التدقيق و الحذر من صناعة الشخصيات. و كما تفضلت حضرتكم (3) و أشرتم صحيح جداً أن خوانين البختياريين لم يكونوا كلهم على شاكلة واحدة، نعم، قدموا إلى إصفهان و جرت تلك الأعمال الكبرى، لكنهم لم يكونوا كلهم على شكل واحد. الميزة الأهم لعليمردان خان لم تكن مشاركته في حرب البختياريين في الثورة الدستورية - كان في ذلك الحين شاباً في الثامنة عشرة أو العشرين من عمره - إنما كان فعله الأهم كفاحه ضد رضا خان، بحيث اعتقل بعد ذلك ثم أعدم على يد رضا خان. و ثبت و قاوم. طبعاً أشار السيد رضائي إلى أن والدته - بي بي - كانت مناهضة للبريطانيين، و هذا يدل بحق كيف أن تربية الأمّ تصوغ شخصية الابن. أي إن هذه الأم استطاعت تنشئة هذا الولد بحيث يكون شخصية ممتازة. تكريم مكانة شخصية مثل عليمردان خان و والدته ممن ناضلوا و كافحوا ضد الاستبداد و رضا خان و الدولة البهلوية، عملية حسنة و مناسبة. و يجب إيضاح توجّهات هؤلاء. راية «لا إله إلّا الله» التي ذكرتموها، اعتقد أنها شيء مهم ليتضح أنهم كانوا أناساً يكافحون و يقاتلون من منطلق العقائد الدينية و المشاعر النابعة من العقيدة الدينية و المؤيّدة بالعقائد الدينية. نتمنى أن يوفقكم الله، و دققوا في التمييز بين الذين خاضوا كفاحاً حقيقياً بصدق و إخلاص و في سبيل الله و ما يمكن تسميته جهاداً و بين الذين كانت لهم أغراض أخرى. على كل حال نتمنى أن يحشر الله الماضين الخدومين الأعزاء الذين كانوا في كل أنحاء بلادنا مع أوليائه و يرفع من درجاتهم و يغفر ذنوبهم، و يوفقكم لتستطيعوا إن شاء الله تعويض حالات التأخر السابقة، و لتستطيعوا إن شاء الله تعريف العلماء الكبار و الشخصيات البارزة بين هذه المجاميع. نعم.. كان في منطقة بروجرد و مناطق لرستان شخصيات مبرزة و كبيرة من اللريين، و سنشهد هذا أيضاً بين البختياريين إن شاء الله. وفقكم الله و أيّدكم. و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌الهوامش:1 - إمام جمعة مدينة «مسجد سليمان».2 - بتاريخ 15/07/1371 هـ ش [ 06/10/1992 م ] .3 - م س .4 - السيد محسن رضائي.
2014/03/17

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء توضيح سياسات الاقتصاد المقاوم

في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم وبحضور جمعٍ من مسؤولي الأجهزة المختلفة ورجال الاقتصاد ومديري المراكز العلميّة والإعلاميّة والإشرافيّة تحدث قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي عن الاقتصاد المقاوم مبيّناً خصائص ومميزات هذا الاقتصاد، وقد تناول سماحته نقاط القوة والموارد الضخمة لاقتصاد الجمهورية الإسلامية. كما لفت سماحته إلى المسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدولة ومؤسساتها فيما يسهم بإنجاح سياسات الاقتصاد المقاوم.
2014/03/11

كلمته في لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة بعد اجتماعهم الرسمي الخامس عشر من الدورة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيمنشكر الله على توفيقه لأن أبقانا أحياء للنشارك في جلسة أخرى من اجتماعكم العظيم هذا و نستمع إلى بعض الآراء و نذكر بعض الأمور. أشكر رئيس مجلس الخبراء المحترم (1) الذي يلتزم بتشكيل جلسات هذا المجلس في المواعيد المقرّرة رغم صعوبة هذا الأمر بالنسبة له، و ينفق من الوقت و الطاقة في سبيل ذلك، كما أشكر جميع السادة المحترمين.قيل الكثير حول أهمية هذا المجلس، فقد تحدثنا نحن و تحدثتم أنتم أيها السادة مراراً حول هذا الموضوع. لهذا المجلس مكانة خاصة في مجموعة أركان النظام الإسلامي و نظام الجمهورية الإسلامية. و لكن يحدث أحياناً و لمناسبات و أوضاع معينة - سواء الأوضاع الداخلية أو مجموعة القضايا العالمية - أن يكتسب هذا المجلس و اجتماع كل هؤلاء العلماء و الكبراء و المتنفذين من رجال الدين و المجتهدين في البلاد أهمية خاصة. و نعتقد أن الفترة الراهنة من جملة هذه الفترات، إذ تقع قضايا مهمة حولنا، سواء القضايا التي لها علاقة مباشرة بنا، أو القضايا التي حتى لو لم يكن لها علاقة مباشرة بنا و لكن لا نستطيع أن نمرّ بها مرور الكرام. مثل هذه الأمور و القضايا في العالم و في المنطقة اليوم كثيرة. الأوضاع العامة - سواء في آسيا أو في أفريقيا أو في أوربا - أوضاع معقدة و مهمة. و نظام الجمهورية الإسلامية له طبعاً كلمته حيال كل هذا، و النظر للذات و استعادة الواجب من مسؤولياتنا المهمة في هذه الفترة. قلنا إن هناك معضلات كثيرة في العالم، و تأثير الجمهورية الإسلامية في معادلات المنطقة بل في المعادلات العالمية أحياناً أكثر من أيّ وقت مضى. و عليه فإن كل أركان النظام بما في ذلك هذا المجلس يجب أن تكون لهم نظرتهم المبتكرة و الأساسية للقضايا، سواء من حيث الواجب الشخصي و الذاتي للعلماء - و العلماء هم هداة الأمة و تقع على كواهلهم واجبات و ينبغي أن ينوّروا الشعب، و واجبات العلماء في النظام الإسلامي لا تقتصر على الصلاة و الصيام، بل هم الذين يوعّون الناس و يوقظونهم و يذكرون لهم الحقائق و يزيدون من بصيرتهم - أو من حيث اعتبار هذا المجلس و هو مؤسسة حكومية تقع على عاتقه واجبات معينة. أذكر هنا نقطتين. نقطة حول القضايا الراهنة في العالم، و هي قضايا لها علاقتها بنا طبعاً. و ثمة الكثير من الأمور و القضايا لا صلة لها بنا. سوف أشير إلى عدة قضايا عالمية تتعلق بنا. من جملة هذه القضايا هي أن العالم يشهد اليوم تحولات أساسية و هذا ما لا سبيل إلى إنكاره. أنظروا إلى منطقة شمال أفريقيا و مناطق أخرى من أفريقيا، و إلى منطقة آسيا و القوى التي ظهرت في آسيا و راحت تستعرض عضلاتها في العالم مقابل القوى التقليدية في العالم، أو الوضعية التي تلاحظونها في أوربا. العالم في حال تحوّل و تغيّر. و التحولات العالمية و التاريخية لا تحدث طبعاً خلال فترة قصيرة. ليس الأمر بحيث نظن أنه إذا حدث تطور فيجب أن يتم و ينتهي خلال ستة أشهر أو سنة أو سنتين، لا، يجب ملاحظة علامات التحول حتى لو تمّ هذا التحول تدريجياً على مدى عشرين سنة، و لكن يجب أن نفهم ما الذي يقع في العالم. إذن النقطة الأولى هي أن العالم يمرّ بتحولات أساسية، و هذا ما يجب أن ندركه. النقطة الثانية هي أن الهدوء الظاهري للجبهة العالمية المهيمنة - أي هذه القوى التقليدية التي كانت سائدة في العالم، سواء القوة الأمريكية أو القوى الأوربية، و التي كانت تعيش حالة من الهدوء و الاستقرار من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الإعلامية أو من حيث الهدوء الاجتماعي داخل بلدانهم، و كان هناك هدوء ظاهري يسود حياتهم - راح هذا الهدوء يضطرب حالياً و بوسع المرء أن يشاهد علامات هذا الاضطراب. إنهم مجهزون لا يزالوا مجهزين، سواء بالمال أو بالسلاح أو بالأدوات الإعلامية، و كذلك بالعلم. و عليه فالقوة المتجهزة بهذه العناصر يجب أن تكون مرتاحة البال و يسودها هدوء و استقرار، و قد كان هذا الهدوء سائداً لسنين طويلة، لكنه تحول في الآونة الأخيرة و صار اضطراباً. لقد آل هذا الهدوء إلى الاضطراب على عدة صعد. أولاً على الصعيد الاقتصادي - و قد كان امتيازهم الأهم هو التقدم و النمو الاقتصادي - ترون كيف هو الوضع. أوربا تعاني من أزمة اقتصادية، و أمريكا أيضاً تعاني من أزمة اقتصادية. ذلك الاقتصاد المستقر راحت تظهر عليه حالياً علامات الإفلاس. تصوروا أن حكومة بلاد تكون مقروضة مبالغ تناهز قيمة كل ناتجها القومي الإجمالي. هذا هو الوضع الذي تعيشه أمريكا اليوم. حكومة مقروضة و يبدو حسب الظاهر أنه لا سبيل للخلاص من هذه القروض. طبعاً برامجهم و خططهم العامة لا تطبّق. هكذا هو الوضع داخل أمريكا نفسها، و في البلدان الأوربية الكبيرة و القوية لا تسلط الأضواء بنفس الدرجة، و الكلام عن هذه الأمور أقل، لكن الوضع على نفس الشاكلة في حقيقة الأمر. في أمريكا نفسها وعد رئيس جمهورية أمريكا الحالي - منذ الفترة الأولة التي تولى فيها رئاسة الجمهورية - بضمان الخدمات الطبية العامة للناس، و لكن في الوقت الحاضر و بعد مضي قرابة ست سنوات على ذلك الوعد لم ينجح بعد في تحقيق هذا الشيء. أي إن بلداً بكل تلك الإمكانيات المالية و بكل تلك المصادر، يعد رئيس الجمهورية فيه وعداً لشعبه و لم يستطع العمل بوعده.. هذا هو الواقع. إذن، على الصعيد الاقتصادي - و هو الصعيد المهم بالنسبة لبلدان جبهة الاستكبار و القوى التقليدية في العالم - يعانون من أزمات و مشكلات. و تلاحظون و تسمعون في الأخبار أن مختلف البلدان الأوربية تعاني هي الأخرى العديد من المشكلات الاقتصادية. و قد فشلوا و هزموا على الصعيد الأخلاقي أيضاً. لقد ظهرت الحضارة الغربية الحالية على أساس تكريم الإنسان. لقد قامت كل هذه الحضارة على أساس الأومانية و أصالة الإنسان. و معنى ذلك أن الإنسانية هي العنصر الأصلي و الهدف الأساسي و القبلة الأصلية لهذه الحضارة. و نرى أن الإنسانية قد سحقت اليوم في نظام الحضارة الغربية، و قد منيت حقاً و إنصافاً بالهزيمة. إلى ما قبل مدة قصيرة كانوا يتكتمون على هذا الضعف و النقص بلبوس العلم و الأدبيات الجامعية، لكن هذه النواقص و نقاط الضعف بدأت تظهر تدريجياً، و راح باطن هذه الحضارة المادية - المناهضة للإنسان و المضادة للفطرة الإلهية - يفصح عن نفسه. من النماذج على ذلك القتل و النهب و العنف، و حالات العنف و القتل و النهب تراكمت إلى درجة لم تعد معها خافية على أحد. ذات يوم كانت بريطانيا تمارس جرائمها في الهند و في بورما، لكنهم يتمظهرون في مناطق أخرى بالأناقة و الأدب و اللياقة. أما اليوم فقد ولى ذلك العهد، و صار الجميع على علم بما يمارسونه من عنف. و الذين يتحدثون بكلام الناس يصارحون جبهة الاستكبار بكل هذا العنف الذي تمارسه. القتل و النهب و العنف و الشهوات الماسخة للإنسان: زواج المثليين! و هذا غير المثلية الجنسية، و هو أسوء منها بكثير، فهو منكر مضاد للفطرة يروّجونه علناً في حياتهم.. «وَ تَأتونَ فى ناديكُمُ المُنكَر» (2).. كما ورد في القرآن الكريم. إنهم اليوم يعترفون علناً و صراحة بهذا الشيء، و الشخصان الشاذان يتزوجان مع بعضهما علانية و يسجّل زواجهما في الكنائس، و رئيس جمهورية أمريكا يصرّح و يبدي رأيه و يقول إنني أوافق هذه الأعمال و لا أعارضها! بمعنى أنه خرج من وراء الستار ذلك الفساد الباطني و الداخلي على مستوى الشهوات و ما إلى ذلك. و هناك الدعم الصريح للإرهاب. تلاحظون في إطار أحداث المنطقة و قضاياها أن هناك أشخاص يستخرجون كبد الإنسان من صدره و يعضّونه أمام كاميرات التلفزة، و القوى الأوربية تجلس في أوربا و تحتاط فلا تقول إننا نساعد هذا الشخص بل يقولون إننا نساعد هذه الجبهة المعارضة. هكذا هو الحال، إنهم يدعمون بكل صراحة الإرهاب، و هو إرهاب عنيف وحشي متغطرس مفترس.و يهينون المقدسات بكل سهولة تحت طائلة الحرية.. يشوّهون المقدسات و الوجوه النيّرة و يهينونها. يهينون الأنبياء و العظماء و ليس رسولنا فقط بل كل الأنبياء. ذكرت لبعض المسؤولين الثقافيين إن من المؤسف أن الكثير من مسؤولينا الثقافيين غير متواصلين مع القضايا الثقافية ميدانياً، كأن يقرأوا الكتب المتنوعة، بل هم غالباً على الهامش. قلت إنهم يوجّهون الإهانات للنبي موسى (ع) و للنبي عيسى (ع) و يهينون الرسل و الأنبياء العظام بصراحة. هذا هو الحال اليوم. إذن لقد انهزمت هذه الجبهة المستكبرة على الصعيد الأخلاقي أيضاً. أي إن هناك على هذا الصعيد أيضاً الكثير من الإشكالات و المؤاخذات ترد عليهم. على صعيد منطق الهوية أيضاً اندحرت هذه الحضارة و حماتها، فقد راحت الركائز العلمية للحضارة المادية الغربية تنهار الواحدة تلو الأخرى. جاء علماء و دحضوا آراءهم سواء على صعيد العلوم الإنسانية أو على الصعد الأخرى. الأسس العلمية لهذه الحضارة تنهار الواحدة تلو الأخرى. و على صعيد الاعتبار و القيمة و السمعة العالمية لم يبق لجبهة الاستكبار - و الحق يقال - من ماء وجه، فقد تجلت لشعوب العالم جرائم الحكومات الغربية و الحكومات المستبدة العميلة لهم، و صاروا اليوم مكروهين مبغوضين في العالم. طبعاً بعض رؤساء الحكومات و الحكومات العميلة لهم و الحكومات الضعيفة و المتحرّجة و الخائفة قد يقولون بعض الأشياء من باب المجاملة، لكنهم مبغوضين مكروهين حقاً بين الشعوب. و أمريكا اليوم مبغوضة أكثر من كل الحكومات الأخرى، سواء في هذه المنطقة أو المناطق الأخرى. و هي مبغوضة جداً في المنطقة الإسلامية، و حالها هو نفسه في المناطق الأخرى. إذن، فهم مهزومون على صعيد السمعة و ماء الوجه أيضاً. هذه أيضاً قضية لم تبق شيئاً لتلك الجبهة المتجبّرة التي تقودها أمريكا التي تعدّ أقوى من فيها و الأكثر جاهزية، لكنهم بلا سمعة و لا ماء وجه في العالم. هذه هي النقطة الثانية من النقاط التي أردنا ذكرها. النقطة الأخرى بخصوص حقائق العالم و الأوضاع العالمية هي صحوة الشعوب. و قد قلنا إنها صحوة إسلامية في منطقة شمال أفريقيا و المنطقة العربية، فاصطف البعض ضد هذا التعبير و قال: لا، ما هي بصحوة إسلامية، و لا علاقة لها بالإسلام، و لكن تبيّن أنها إسلامية و على أقوى علاقة بالإسلام. و حسب الظاهر فإنهم قد أخمدوها، لكنها لا تخمد. حينما يتصاعد الشعور بالمسؤولية الإسلامية لدى شعب من الشعوب، و ينمو الشعور بالهوية الإسلامية في شعب من الشعوب، فلا يمكن القضاء عليه بسهولة. لنفترض أن حكومة من الحكومات تُقمع أو تُنحّى - إما بانقلاب أو بأي طريقة أخرى - لكن الروح التي تنبعث في الشعب، و الثقة بالذات و استعادة الذات و استعادة الهوية الإسلامية هذه عناصر لا تزول بسهولة و هي لم تزل و لم تمح. في نفس المناطق و البلدان التي حصلت فيها صحوة إسلامية لا تزال الأحداث تغلي و تفور. ليست حقيقة الأمر أن هذه الصحوة قد زالت و اضمحلت. هذه من حقائق العالم. لقد تصاعدت الاستقامة الإسلامية إلى الذروة. و الواقع الآخر الذي ربما كان أحد أهم هذه الواقعيات هو قضية الشعب الإيراني. رغم مرور 35 عاماً على بزوغ الثورة لم يتخل الشعب الإيراني عن الثورة و لم يبتعد عنها و لم يتركها و لم ينبذ عنه الروح الثورية، و قد لاحظتم الثاني و العشرين من بهمن لهذا العام. هذه ظاهرة أشرنا لها مراراً. و قد تعوّدنا نحن على هذه الحدث. طبعاً سوف أذكر نقطة بشأن شبابنا على هامش الواقعيات و الحقائق التي يجب التنبّه لها. على كل حال هذه أيضاً قضية أساسية. إذن، نحن في مثل هذا العالم. هناك - في الأطراف و في مناطق مختلفة من العالم - تقع أحداث فيها دلالات على تحولات أساسية، و في بلادنا هناك نمو الفكر الإسلامي و الاستقامة الإسلامية و التوثب و نمو شجرة الحكومة الإسلامية و النظام الإسلامي. في ضوء هذا يجب القول إن نظرتنا لقضايانا و قضايا العالم يجب أن تكون نظرة جادة. الجانب الثاني الذي أريد التحدّث عنه هو الأمور و الأعمال التي نتحمّلها كواجبات على عاتقنا. لقد سجّلت هنا عدة أمور و هي طبعاً ليست جميع الأمور، كما أن الأمور و الموضوعات التي سأذكرها ليست بالأمور الجديدة بل هي مما يعرفه جميع السادة، بيد أن تكرارها و ذكرها مفيد. الأمور و الأعمال التي نتحمّلها على عواتقنا كثيرة، و منها هذه التي سأذكرها:من هذه الأمور هي النظرة الواقعية. علينا أن نرى الواقعيات الموجودة في مجتمعنا. في النظر للواقعيات عادة ما يميل الإنسان بطبيعته إلى تحرّي نقاط الضعف. كل هذه الأمور التي نشاهدها، من قبيل أننا نشاهد حالات الغلاء أو عدم تحقق بعض الأهداف الإسلامية، هذه حقائق و واقعيات و غالباً ما نشاهدها - و البعض طبعاً يضخّمون هذه الأمور - و لكن توجد أيضاً واقعيات أخرى في هذا البلد يجب مشاهدتها هي الأخرى. من هذه الواقعيات هي ما ذكرناه، أي واقع صمود النظام القائم على أساس الإسلام. هذه حقيقة و واقع. كان توقع أعداء الإسلام و أعداء إيران هو أن يتعب الناس بعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات، و ينسون الثورة و يتخلون عنها، و هذا ما حدث في الكثير من ثورات العالم. حين أقول الكثير، يجب في الواقع القول كل ثورات العالم. في هذه الثورات التي وقعت على مدى الأعوام المائتين أو المائتين و خمسين في العالم، و في حدود معلوماتي، كان الوضع على هذا الغرار دوماً، فبعد انقضاء مدة من الزمن تعود المياه إلى مجاريها و تخمد أمواج الثورة و تنتهي و تعود إلى حالتها السابقة. زرت بلداً عندما كنت رئيساً للجمهورية، و كان بلداً ثورياً مضت على ثورته سبعة أو ثمانية أعوام، و عندما زرنا البلد كان رئيسه من العناصر التي شاركت في الثورة. حينما دخلت إلى المكان الذي أخذونا إليه للضيافة وجدنا الوضع نفس الوضع الذي كان سابقاً في زمن المستعمر - و كان البلد مستعمرة للبرتغال - كانوا يعيشون نفس الوضعية تماماً، سواء من حيث التشريفات الظاهرية أو من حيث الاحترامات و التقاليد! لم يختلف الأمر أبداً. أي لم يكن الأمر كذلك في بداية توليهم زمام الأمور، ثم غلبوا تدريجياً أمام عادات المستكبرين و المستبدين الذين كانوا قبلهم، و ساروا على خطاهم. لكن الثورة الإسلامية لم تُغلب، و الجمهورية الإسلامية لم تُغلب. الذين أرادوا فرض العادات السابقة و التقاليد السابقة و الأساليب السابقة على هذا البلد و هذه الثورة لم ينجحوا في ذلك، و لا زالت الثورة ترفع كلام الإسلام و آراء الثورة و تتحدث بالاستقلال و الصمود الوطني و تتحدث عن التنمية الداخلية للبلد، و عن العدل و تسعي و تعمل لأجل هذه الأهداف الكبرى. كل هذه من قضايا الثورة، و هي أمور على جانب كبير من الأهمية. هذه حقيقة و واقع. الواقع الآخر الذي يجب عدم الغفلة عنه هو المحفزات الدينية لدى الجيل الثوري الصاعد. تارة نبقى نحن الشيوخ الذين بقينا عن عهد الثورة، نبقى ثوريين و يذهب شبابنا مذاهب أخرى.. نلاحظ أن الأمر ليس كذلك. لدينا اليوم الكثير من الشباب الثوريين في كافة أنحاء البلاد و من كافة الطبقات و الشرائح، و منهم الكثير في الجامعات حيث الشباب المتدين الثوري. و اعتقد أن شأن هؤلاء الشباب أعلى من شأن الشباب الثوري في بداية الثورة. لماذا؟ أولاً لأنه وقعت في ذلك الحين ثورة بتلك العظمة و الهياج، و ثانياً لم يكن في ذلك الزمن أنترنت و فضائيات و كل هذه الدعايات المتنوعة، و لم يكن الشباب عرضة لكل هذه الآفات و الأضرار، و الشباب اليوم عرضة لكل هذه الآفات و المضار، فالأنترنت أمامه و تجري كل هذه المحاولات لانحراف هؤلاء الشباب، لكنهم يبقون متدينين، يقيمون الصلاة و يهتمون بها، و يقيمون صلاة الليل و النوافل، و يشاركون في المراسم الدينية المهمة، و يقفون سنداً و دعامة للثورة، و يطلقون شعارات نابعة من صميم قلوبهم.. هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. جيل الثورة اليوم هو برأينا من المفاخر الكبرى. هذا واقع يجب مشاهدته و ملاحظته. الواقع الآخر الذي يجب التنبّه له هو الإمكانيات و الطاقات الوطنية الكبيرة، و لحسن الحظ فإن مسؤولي البلاد و المسؤولين الحكوميين - و قد التقيتهم على الخصوص في الأيام الأخيرة - بعد تشكيل الحكومة الجديدة نرى أنهم يعترفون و يعتقدون و يعلمون بوجود إمكانيات هائلة في داخل البلاد. و وجود هذه الإمكانيات - و الحمد لله - أرشدتنا أنا و الزملاء و الخبراء إلى قضية الاقتصاد المقاوم، و إلّا إذا حُرم بلد من الإمكانيات و الطاقات الداخلية فلن يمكنه إطلاق اقتصاد مقاوم. الاقتصاد المقاوم ممكن عندما تكون لدينا إمكانيات داخلية. مع أي واحد من المسؤولين الاقتصاديين و ذوي الصلة بهذه الشؤون يجتمع المرء يجد إنهم يعددون الإمكانيات الداخلية الجمّة. و هذا بدوره واقع على جانب كبير من الأهمية. و حقيقة واقعة أخرى ينبغي عدم نسيانها هي عداء الأعداء. يجب عدم الغفلة عن عداء الأعداء. على حد تعبير الشاعر سعدي الشيرازي «حينما تنتهي حيل العدو.. يدخل من باب الصداقة» (3) و عندها يفعل تحت طائلة الصداقة أفعالاً لم يفعلها أي عدو. يجب أن لا ننسى هذا، فهو واقع و هم أعداؤنا و أعداء الإسلام و أعداء استقلالنا الوطني و أعداء شعبنا، و سبب عدائهم له هو هذه الخصوصيات. نعم، إذا تخلى هذا الشعب عن الثورة و عن الإسلام و استسلم للمعتدي فسيكونوا راضين جداً عن شعبنا و لمدحوه كثيراً، لكنهم خصوم الشعب بسبب هذه الخصوصيات.. «قَد بَدَتِ البَغضآءُ مِن اَفواهِهِم» (4) و الكلام الذي يقولونه يدل كم هذه البغضاء و العداوة عميقة. «وَ ما تُخفى صُدورُهُم اَكبَر» (5).. فهذا المقدار الذي يقولونه إنما هو جزء من ذلك العداء يطفح على ألسنتهم، و إلّا فإن ما في قلوبهم أكبر و أعظم بدرجات. هذه بدورها حقيقة يجب أن لا تنسى، بل تستحضر على الدوام. الواقع الآخر هو أن هذا العدو نفسه عاجز عن مواجهة شعب إيران و النظام الإسلامي. و الدليل على عجزه لو أردتموه هو فرضه الحظر الاقتصادي. يفرضون الحظر لأنهم عاجزون عن المواجهة، و ألّا لو كانوا يستطيعون المواجهة فلماذا الحظر؟ و الدليل على أن الحظر لم يكن فيه فائدة و لن تكون فيه فائدة هو أنهم يهدّدون عسكرياً على الدوام. لو كانوا يستطيعون القضاء على هذه الثورة و فرض الخنوع على هذا الشعب بالأساليب المألوفة الدارجة في العالم، فما سيكون الداعي لهذه التهديدات و الضغوط. و هذا الحظر ليس بجديد و قد أثبتوا ذلك. من حسن الحظ أن هناك اليوم إجماع بين المسؤولين المحترمين في الحكومة، سواء رئيس الجمهورية المحترم أو الوزراء ذوو الصلة بالموضوع، و رئيسا السلطتين الأخريين، هناك إجماع على قضية الاقتصاد المقاوم - و هذا ما يستحق التقدير و الشكر لهم، فهم رحّبوا حقاً بهذه الفكرة، و بالطبع فقد كانوا هم أنفسهم في مجمع تشخيص مصلحة النظام قد شاركوا في النقاشات و قدموا استشاراتهم بخصوص هذه القضية - و هذا الإجماع و الاتفاق في الآراء يدل على أن هذا الحظر الذي فرضوه ظلماً و عدواناً و بسبب بغضهم للشعب الإيراني سوف لن يؤثر، و سوف يتغلب هذا الاقتصاد المقاوم على أحابيلهم و مكرهم. هذا واقع. و لنذكر هذا الواقع الآخر، و الواقعيات الإيجابية كثيرة، و هو أننا أين ما اعتمدنا على الله و على الطاقات الشعبية و كنا مستعدين للتحرّك الجهادي، استطعنا تحقيق النصر. انظروا للمسيرة منذ مطلع الثورة و إلى هذا الحين، أين ما أخذنا الشعب إلى وسط ساحة العمل و بدأنا على اسم الله و كان تحركنا تحركاً جهادياً انتصرنا هناك. حدث هذا بالنسبة لأصل الثورة حيث شارك الشعب و ملأ الشوارع و هبّت شرائح الشعب المختلفة إلى الساحة و كان التحرك تحركاً جهادياً. و في الدفاع المقدس طوال ثمانية أعوام - ليس بالهزل ثمانية أعوام من الحرب، حيث فرضوا على هذا البلد الحرب لثمانية أعوام - نزلت الجماهير إلى وسط الساحة. أدرك الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) - غمر الله الروح الطاهرة لهذا الرجل الكبير بالسرور و حشره مع الأنبياء و الأولياء - أدرك سرّ القضية و ما الذي ينبغي أن يفعله، و قد ألهمه الله و هداه، فجاء بالشعب إلى وسط الساحة و رفع اسم الله و سار قدماً إلى الأمام. لقد انتصرنا في حرب الأعوام الثمانية. و في كل القضايا و الأمور الأخرى التي شارك فيها الشعب و كان اسم الله تعالى على ألسن الناس و في قلوبهم و كان العمل عملاً جهادياً، استطعنا تحقيق النصر و الظفر.. هذه أيضاً حقيقة من الحقائق. النقطة الأخيرة التي أذكرها في خصوص هذه الأمور الواقعية هي: أين كنا و إلى أين وصلنا. «وَ اذكُروا اِذ اَنتُم قَليلٌ مُستَضعَفُون» (6).. يجب أن لا ننسى اليوم الذي كنا فيه مستضعفين و عددنا قليل و خاضعين لغيرنا، فقد كان الشعب على هذا النحو و كذلك المجتمع المتدين و كذلك رجال الدين، و الشباب المتوثب أيضاً، كانوا قليلين و مستضعفين و خاضعين، و اليوم أعزّهم الله تعالى و له الحمد و جعلهم أقوياء. أعتقد أنه من واجباتنا أن ننظر و لا ننسى هذه الواقعيات. يجب أن نتذكر هذه الواقعيات و الحقائق.. هذا واجب. و واجب آخر سجّلته هنا و يجب أن نضعه دوماً نصب أعيننا، و خصوصاً في هذه الفترة، هو واجب رسم الحدود و تشخيصها بصورة صحيحة و صريحة مع جبهة الأعداء. تقول الآية القرآنية الشريفة: «قَد كانَت لَكُم اُسوَةٌ حَسَنَةٌ فى اِبراهيمَ وَ الَّذينَ مَعَهُ اِذ قالوا لِقَومِهِم اِنّا بُرَءآؤُا مِنكُم وَ مِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ الله كَفَرنا بِكُم وَ بَدا بَينَنا وَ بَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضآءُ ابداً حَتّى‌ تُؤمِنوا بِاللهِ وَحدَه» (7).. القرآن الكريم لا يذكر أمراً تاريخياً و حسب، بل يصرّح بأن هذه أسوة حسنة لكم.. «قَد كانَت لَكُم اُسوَةٌ حَسَنَةٌ فى اِبراهيم».. أي إن حالكم أيضاً يجب أن يكون على هذا الغرار، و ينبغي أن تشخصوا حدودكم الفاصلة عنهم. و ليس تشخيص الحدود بمعنى أن نقطع علاقاتنا.. دققوا في هذه النقطة. لا يغالطوا و يقولوا إنكم تقولون إننا أعداء للعالم كله، لا، بل شخصوا الحدود و لا تختلط الحدود. الأمر على شاكلة الحدود الجغرافية. في الحدود الجغرافية ترسمون بينكم و بين البلدان المحيطة بكم حدوداً، و ليس معنى هذه الحدود أنكم لا تذهبون إلى هناك و هم لا يأتون إلى هنا، بل معنى هذه الحدود أن أيّ ذهاب و مجيئ سيكون خاضعاً لضوابط، و سيكون واضحاً متى نذهب و من يذهب و كيف يذهب، و من يأتي و متى يأتي و كيف يأتي و لماذا يأتي. هكذا هي الحدود الجغرافية، و هكذا هي الحدود العقائدية. في نفس هذه الآية القرآنية الكريمة بعد أن يذكر الله سبحانه و تعالى هذه الأسوة الحسنة و منهج إبراهيم هذا، يقول: «اِلّا قَولَ ابراهيمَ لِاَبيهِ لَاَستَغفِرَنَّ لَك» (8).. بمعنى أن هذه الحدود لا تمنع أن يقول إبراهيم لأبيه إنني أشفق عليك و أترحّم و استغفر لك.. هذه كلها أمور موجودة. إذن، معنى تشخيص الحدود هو أن يتحدد من نحن و من أنتم. أخال أن سورة الكافرون المباركة.. «قل يا أيها الكافرون» تعبّر عن هذه الحدود.. «لا أعبد ما تعبدون، و لا أنتم عابدون ما أعبد» (9) أي إن الحدود يجب أن تكون واضحة و لا تختلط. الذين يحاولون التقليل من شأن هذه الحدود و أهميتها أو محوها و القضاء عليها لا يقدمون خدمة للشعب و البلاد. سواء الحدود الدينية و العقيدية أو الحدود السياسية يجب أن تكون واضحة. الاستقلال حد من حدود البلاد، و الذين يحاولون هدم أهمية استقلال شعب من الشعوب - تحت عناوين العولمة و الذوبان و التطابق مع المجتمع العالمي - أو التقليل من أهميتها، و يكتبون في ذلك المقالات و يتحدثون، هؤلاء لا يقدّمون أية خدمة لهذا البلد. تقولون يجب أن تكون لنا علاقاتنا مع العالم.. لا بأس، لتكن لكم علاقاتكم بالعالم، و لكن ليتضح مع من ترتبطون و لماذا و ما هي طبيعة الروابط، يجب أن تكون هذه الأمور مشخّصة. هذا هو معنى تشخيص الحدود. و كذا الحال في الاصطفافات الداخلية. هذه أيضاً من القضايا التي نعتقد أنه يجب الاهتمام بها. من واجباتنا تشخيص الحدود. البعض بمجرد أن تحدث مشكلة للبلاد يهرعون لملامة الذين استقاموا و قاوموا و يقولون لهم: أرأيتم، حينما يصرّ المرء على كلامه هكذا فستحدث هذه المشكلات! و قد كان هذا في صدر الإسلام أيضاً: «لَو اَطاعونا ماقُتِلوا قُل فَادرَءوا عَن اَنفُسِكُمُ المَوت» (10).. لقد شاء الله سبحانه و تعالى أن نعاني المشكلات إذا لم نسر طبقاً للسنن الإلهية. ليس الأمر بحيث يقولوا في معركة بدر «يقولونَ لَو كانَ لَنا مِنَ الاَمرِ شَى‌ءٌ ما قُتِلنا هاهُنا» (11).. ليس الأمر بحيث لو استسلمنا مقابل الأعداء فسوف تنتهي مشكلاتنا و تزول.. كلا. إنني يجب أن أتقدم بالشكر لمسؤولي البلاد بحق على كلامهم الصريح مع العدو، و إعلانهم بلسان صريح عن عدم انفعال شعب إيران و عدم انفعال الثورة. هذا شيء ضروري جداً. يجب أن نجعل هذا الشيء خطاباً و سوف أتحدث عن هذا الجانب أيضاً.. هذه أيضاً من قضايانا. و قضية أخرى تعدّ من واجباتنا هي أننا يجب أن لا نهاب عداء الأشرار. ثمة عداء بالتالي. ما من شعب تكون له كلمته و أفكاره و تحركاته يبقى بمعزل عن عداء الأعداء. و اعتقد أن من حسن حظ الشعب الإيراني في الوقت الحاضر أن يكون عدو شعب إيران و أعداء شعب إيران من أسوء الأطراف سمعة في العالم. لاحظوا أن الحكومة الأمريكية اليوم تُطرح على المستوى الدولي كلاعب عنيف و ملوّث بالجرائم و هذا هو واقع القضية. هذه هي الحكومة الأمريكية اليوم على المستوى الدولي. إنها لاعب عنيف و ملوث بالجرائم و غير مكترث لأعماله و ممارساته القبيحة و لانتهاكه حقوق الشعوب و حقوق الإنسان. و في داخل بلادهم يُعرفون كحكومة و نظام كاذب و مزوّر يقطع الوعود و لا يعمل بها. لذا فإن إيمان الناس بهذه الحكومات - بهذا الرئيس الحالي لأمريكا و بالرئيس الأمريكي السابق - في الاستبيانات و استطلاعات الرأي التي يجرونها هابط جداً، مما يدل على أن شعوبهم لا تؤمن بهم. هؤلاء هم أعداؤنا.. ليس عدونا حكومة ذات سمعة حسنة و آراء و طروحات متينة و منطقية. لذلك يجب عدم الخوف منهم. و الاعتماد على الحماية الإلهية حالة على جانب كبير من الأهمية. و قد قرأ سماحة الشيخ مهدوي (12) آية قرآنية كريمة ذات صلة بقوم موسى (ع)، و أقرأ أنا جانباً آخر إذ عندما سار بنو إسرائيل و خرجوا من مصر و قادهم النبي موسى (ع)، بعد مدة لحق بهم جيش فرعون من ورائهم.. «فَلَمّا تَرآءَا الجَمعانِ قالَ اصحابُ موسى‌ اِنّا لَمُدرَكون» (13).. حينما وصلت هاتان الجماعتان إلى بعضهما بحيث صار من الممكن أن تريا بعضهما عن بعد، و شاهد قوم موسى جيش فرعون يلحق بهم من بعيد.. «قالَ اصحابُ موسى‌ اِنا لَمُدرَكون».. قالوا سوف يقضون علينا و لن تبقى لنا باقية.. «قالَ كَلّا اِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيهدين» (14).. لاحظوا، هذا درس لنا: حين تكونوا مع الله فهل يترك الله تعالى عبده الذي معه؟ «لاَتخافا اِنَّنى مَعَكُما اَسمَعُ و اَرى‌« )15) و هذا في جانب آخر من قصة النبي موسى. إذا كنا مع الله و في سبيل الله فسوف يمدّ الله يد عونه. هذا عن واجب آخر هو عدم الخوف و التهيب.و هناك أيضاً قضية الوحدة الوطنية و صيانة الاتحاد و هي من واجباتنا. تواجد القوى التكفيرية التي تنشط اليوم في بعض أنحاء المنطقة للأسف، خطرهم الكبير ليس أنهم يقتلون الأبرياء، و هذه بدورها جريمة كبيرة، بيد أن الخطر الكبير هو أنهم يشيعون أجواء من سوء الظن و السلبية بين الطائفتين الشيعية و السنية. هذا خطر كبير جداً. يجب أن نمنع هذه الأجواء السلبية و نحول دونها. من جهة يجب أن لا يتصور الشيعة أن هذه الجماعة العجيبة التي تتعامل بهذه الطريقة مع الشيعة هم جبهة سنية تجابههم، و من جهة ثانية يجب أن لا يتأثر السنة بكلام هذه الجماعات و ما يقولونه عن الشيعة و بالتهم التي يطلقونها و النيران التي يؤجّجونها. يجب الحذر و التدقيق.. على الشيعة أن يحذروا و على السنة أيضاً أن يحذروا. على الجميع في كل أنحاء البلاد أن يعلموا ذلك، ليعلم ذلك السنة و ليعلمه الشيعة، لا يسمحوا بزوال هذه الوحدة التي تسود البلاد اليوم. و من جوانب الوحدة هي الوحدة بين مذهبي الشيعة و السنة و الوحدة بين القوميات. تضخيم الخصوصيات القومية و تأجيج نيران القومية من الممارسات الخطيرة و لعب بالنار. يجب التنبّه لهذه القضية أيضاً. و قضية أخرى هي قضية الثقافة، و قد تبيّن أن السادة أيضاً لديهم ما يقلقهم بهذا الشأن، و أنا أيضاً قلق لذلك. قضية الثقافة قضية مهمة. أساس هذا الصمود و هذه الحركة و الانتصار إن شاء الله في نهاية المطاف هو صيانة الثقافة الإسلامية و الثورية، و تعزيز التيار الثقافي المؤمن، و تقوية و دعم هذه الغرسات الفتية التي نمت في التربة الثقافية. لدينا و الحمد لله شباب متدين صالح ينشط و يعمل في المجالات الثقافية و الفنية.. بعضهم شباب و بعضهم ربما تجاوز فترة الشباب. العناصر الثقافية لدينا ليست بقليلة. يجب أن نهتم حتمياً بالقضية الثقافية.. الحكومة المحترمة يجب أن تهتم، و الآخرون أيضاً يجب أن يهتموا. و أنا أشارككم هذا القلق و أتمنى أن يتنبّه المسؤولون الثقافيون ما الذي يفعلونه. لا يمكن المزاح مع القضايا الثقافية، و لا يمكن عدم الاكتراث و عدم ملاحظة الاعتبارات و الظروف. إذا حصلت ثغرة ثقافية فلن تكون كالثغرات الاقتصادية يمكن تداركها و ردمها و جمع الأموال لتلافيها أو منح حصص تموينية أو دعم نقدي. ليست المسألة كذلك و لن يكون بالإمكان ترميمها بسهولة، بل سيكون في ذلك الكثير من المشكلات. و الحق هو أن الجميع يجب أن يعرفوا قدر الشباب المؤمن المتدين الثوري.. الجميع.. فالشباب المتدين الثوري هو الذي يصنع من صدوره دروعاً في أيام الخطر و الأهوال، و يسير إلى ساحة المعارك في ثمانية أعوام من الحرب المفروضة. الذين ينظرون لهؤلاء الشباب بسوء ظن أو يسيئون نظرة الناس عنهم لا يخدمون البلاد، و لا يخدمون استقلال البلد و تقدمه، و لا يقدمون خدمة للثورة الإسلامية. يجب الحفاظ على هؤلاء الشباب و رعايتهم و تقديرهم، و هم اليوم لحسن الحظ ليسوا بقلائل بل هم كثر. يجب أن لا نعمل بعناوين و ذرائع مختلفة على إقصاء هؤلاء الشباب و عزلهم، و سوف لن يُعزلوا طبعاً، فهؤلاء الشباب المتدينون المتحفزون لا يعزلون بهذه الأمور، و لكن يجب بالتالي معرفة قدرهم و تقديرهم. و النقطة الأخيرة هي صناعة الخطاب. هذه النقاط التي ذكرناها ليست مجرد نصائح و هموم نتداولها بيننا، و تقولونها أنتم فاستمع أنا، و أقولها أنا و تستمعون أنتم، إنما ينبغي أن تأخذ شكل الخطاب. و الخطاب معناه القناعة و الاعتقاد العام، أي الشيء الذي يتحول إلى كلام و رأي مقبول لدى العموم، و يهتم به الناس. و هذا ما يتحقق بالكلام و التبيين - التبيين المنطقي و العلمي و البعيد عن أنواع التطرّف و التمادي - و بلغة صحيحة و لسان علمي منطقي و باللسان الطيّب أي بالتي هي أحسن.. يجب بهذه الوسائل نقل هذه الأفكار و النقاط. نتمنى أن يمنّ الله سبحانه و تعالى على كل السادة المحترمين بتوفيقاته، و أن يعيننا و يهدينا و يأخذ بأيدينا لنعرف أولاً واجباتنا إن شاء الله، و يمنحنا العزيمة الجادة للعمل بهذه الواجبات. «اللهم قوّ على خدمتك جوارحي، و اشدد على العزيمة جوانحي، و هب لي الجدّ في خشيتك، و الدوام في الاتصال بخدمتك».و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - آية الله الشيخ مهدوي كني.2 - سورة العنكبوت، شطر من الآية 29 .3 - كتاب گلستان لسعدي الشيرازي، الباب الثامن، في آداب الصحبة.4 - سورة آل عمران، شطر من الآية 118 .5 - سورة آل عمران، شطر من الآية 118 .6 - سورة الأنفال، شطر من الآية 26 .7 - سورة الممتحنة، شطر من الآية 4 . 8 - سورة الممتحنة، شطر من الآية 4 .9 - سورة الكافرون، الآيتان 2 و 3 . 10 - سورة آل عمران، شطر من الآية 168 . 11 - سورة آل عمران، شطر من الآية 154 .12 - رئيس مجلس خبراء القيادة.13 - سورة الشعراء، الآية 61 .14 - سورة الشعراء، الآية 62 .15 - سورة طه، شطر من الآية 46 .
2014/03/06

كلمته في لقائه حشود أهالي آذربيجان بمناسبة ذكرى انتفاضة مدينة تبريز ضد نظام الشاه في 18/02/1978 م

بسم الله الرحمن الرحيم أرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء من أهالي تبريز و آذربيجان، و أشكركم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء لتجشّمكم عناء السفر و هذا الطريق الطويل في هذه الأيام الباردة من الشتاء لتنشروا الدفء و الحماس في أجواء حسينيتنا في هذه الأيام التاريخية المهمة. أشكر جميع الإخوة و الأخوات من الصميم، و على وجه الخصوص عوائل الشهداء المبجّلة و العلماء الأعلام و المدراء رفيعو المستوى، و كذلك حضرة الشيخ شبستري إمام جمعة تبريز المحترم الذي بذل و يبذل - و الحق يقال - جهوداً قيمة جديرة بهذه المدينة الكبيرة و هذه المحافظة العظيمة. أبدأ كلمتي بعبارة شكر للشعب الإيراني الكبير على العظمة التي أبداها عن نفسه و عن اقتداره في يوم الثاني و العشرين من بهمن. اللسان يعجز عن الوصف و التقدير و الشكر. في الدرجة الأولى يجب أن نمرّغ جبهة الشكر و الحمد في التراب مقابل ربّ العالمين و هو محوّل القلوب و مقلب النوايا و العزائم، و كل شيء دائر بإرادته. و في الدرجة الثانية نشكر شكراً صميمياً كل أبناء الشعب الإيراني الكبير في كل أنحاء البلد على عرضهم يوم الثاني و العشرين من بهمن على العالم بهذا الشكل الحيوي المميز المزدهر. ثم سأعود لأشير إشارة إلى قضية الثاني و العشرين من بهمن. اجتماعنا اليوم و لقاؤنا بكم أيها الأعزاء من أهالي مدينة تبريز و باقي مدن آذربيجان هو بمناسبة ذكرى التاسع و العشرين من بهمن. ليس التاسع و العشرون من بهمن مجرد اسم، أو يوم كباقي الأيام، أو مجرد حادثة. التاسع و العشرون من بهمن معناه تلك الواقعة و الحادثة التي وقعت في سنة 56 في مثل هذا اليوم و التي تحمل في حقيقتها عدة معان. الشباب الحاضرون في هذه الجلسة - و هم أعزائي و أبنائي - الكثيرون منكم لم يشهدوا التاسع و العشرين من بهمن، بيد أن درس التاسع و العشرين من بهمن لا يزال حياً، و عبر التاسع و العشرين من بهمن لا تزال حية. هناك عدة معان في هذا الحدث الكبير: المعنى الأول هو التأشير و التعبير عن الخصوصيات الأخلاقية و خصال أهالي تبريز و أهالي آذربيجان. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. علينا أن نعرف أنفسنا بخصالنا و خصوصياتنا الأخلاقية. الآخرون يعملون على تعريف أخلاق الإيرانيين بطريقة مصحوبة بالتحريف و قصر النظر! علينا أن نعرف أنفسنا بنحو صحيح في مرآة هذه الأحداث. في حدث التاسع و العشرين من بهمن عبّر أهالي تبريز عن هذه الخصال في أنفسهم: أولاً إيمانهم الديني العميق، و ثانياً: غيرتهم الدينية، و ثالثاً: شجاعتهم. و بعد ذلك هناك قضية معرفة الظرف و الوعي الصحيح للأحداث. هذه أمور على جانب كبير من الأهمية للجماعة المؤمنة الشجاعة و التي تتوفر على القدرة على المبادرة و تعرف زمن المبادرة و توقيتها. فالمبادرة قبل أو بعد الوقت المناسب لن تكون مؤثرة. و قد قام أهالي تبريز بانتفاضة التاسع و العشرين من بهمن في وقتها المناسب. هذه الخصوصيات على جانب كبير من الأهمية. و قد تحلت تبريز و آذربيجان بهذه الخصوصيات حتى قبل التاسع و العشرين من بهمن، و هم يحملون هذه الخصال لحد اليوم، و قد أثبتت الأحداث اللاحقة ذلك، و يجب الحفاظ عليها و الاستمرار فيها. الإيمان الإسلامي و الغيرة الإيمانية و الشجاعة و المبادرة و الريادة و الاقتحام و القيام بأعمال مميزة و مبتكرة في سبيل الأهداف السامية، و معرفة الزمن و الظرف و تنفيذ الأعمال المتناسبة مع الظرف، كلها كانت من بركات و آثار التاسع و العشرين من بهمن الذي جسّد الخصال المميزة لأهالي تبريز و آذربيجان في مرآة التاريخ. النقطة الثانية التي يمكن قراءتها في التاسع و العشرين من بهمن التعبير عن حقيقة البركة الجمّة الكامنة في التلاحم بين الأجزاء المتعددة للبلاد. أين قم و أين تبريز؟ وقعت حادثة لمدينة قم (1) و الذين قاموا بتلك الحادثة لم يريدوا أن تبقى تلك الحادثة حيّة بل أرادوا ضياعها و إدراجها في مطاوي النسيان. و فجأة و في منطقة بعيدة عن قم، هي تبريز، نهض الناس و أحيوا الحادثة التي وقعت لأهالي قم. لم يكن الأمر بحيث يُحيي أهالي قم أنفسهم أربعينية حادثة التاسع عشر من دي التي وقعت لها، بل أحياها أهالي تبريز. لقد أصاب الفزع الأجهزة الطاغوتية المتجبّرة، و قامت بردود فعل صبيانية مقابل أهالي تبريز، فاستشهد البعض منهم. الإعلام الذي مارسوه في ذلك الحين كان إعلاماً جد صبياني و خاطئ، فقد أرادوا التضليل و التحريف. و مضت الحادثة و أحيى أهالي يزد أربعينية ما حدث لأهالي تبريز. لاحظوا.. هذا هو التلاحم بين الأجزاء المتعددة للبلاد، ثم استمر هذا المسلسل. و كنتم أنتم أهل الابتكار و المبادرة في إقامة أربعينية لشهداء الثورة، ثم تواصل هذا التيار في يزد و شيراز و بوشهر و باقي مناطق البلاد. هذه هي النقطة أو القضية الثانية من قضايا التاسع و العشرين من بهمن.النقطة الثالثة هي أنه لو قيل في ذلك اليوم لأهالي قم في التاسع عشر من دي أو لأهالي تبريز في التاسع و العشرين من بهمن أن تحرككم هذا سوف يؤدي إلى ثورة عظيمة، لما صدّق ذلك أحد، لكنه تحقق. هذا علامة على أن الشعب إذا عقد العزم و الهمّة و نزل إلى الساحة و لم يتراجع فسوف يستطيع زحزحة الجبال من أماكنها، و لاستطاع خلق معاجز، و قد تحققت هذه المعجزة. أعزائي.. أيها الشباب.. فكروا و طالعوا في ما يتعلق بحادثة الثورة و ظهورها. حادثة انتصار الثورة أشبه الأحداث بمعجزات الأنبياء. هل كان يخطر بخيال أحد أن ينهض شعب في بلد خاضع تماماً لسيطرة أمريكا، و أسير للثقافة الغربية، و اقتصاده بالكامل في قبضة أعدائه الدوليين المقتدرين، و هو ضعيف من الناحية العسكرية، و معزول من حيث المكانة الدولية.. ينهض ضد كل رموز القوة المادية الفارغة، و يرفع راية الإسلام في العالم المادية، و يقف بوجه الشرق و الغرب - كانت أمريكا و الاتحاد السوفيتي مختلفين مع بعضهما في مائة قضية، لكنهما متفقان على قضية واحدة هي ضرب الثورة الإسلامية - و ينتصر و ينجح و يفرض عليهم التراجع! من كان يصدق هذا؟ لكنه تحقق، و هذا درس و عبرة. من دروس الثاني و العشرين من بهمن لكم أنفسكم و لنا و لكل شعب إيران هو أن تعلموا أنه ما من حدث كبير أو عقبة كبرى أو قوة كبرى تستطيع المقاومة أمام الإرادة الراسخة لشعب. الكلام كثير في مناقب التاسع و العشرين و مناقب أهالي آذربيجان و تبريز. و بعد ذلك و إلى اليوم، تواصل نفس النهج و نفس الروح و نفس الشعور بالواجب و المسؤولية و الالتزام و التحفز لدى أهالي آذربيجان، و قد تألق أهالي تبريز في شتى الأحداث، و ينبغي الحفاظ على هذه الدروس و استذكارها. قلنا: أولاً معرفة الخصوصيات و الخصال الذاتية المحلية، و ثانياً التواصل و التلاحم بين الأجزاء المتعددة للبلاد، و هذه نقطة يركّز عليها الأعداء حيث يريدون أن تتجابه القوميات الإيرانية التي تعيش مع بعضها بأخوّة و تتعاضد في كل الأحداث، و تقف ضد بعضها. ليعلم الشعب الإيراني كله هذه الحقيقة. لدينا أتراك، و لدينا عرب، و لدينا فرس، و لدينا لر، و لدينا بلوش، و لدينا كُرد، و لدينا تركمن، و أنواع من القوميات منتشرة في إيران. و هناك خصوصية واحدة تسودهم و تعمّهم جميعاً و هي سيادة إيران الإسلامية التي تجمعهم كلهم تحت راية الإسلام و المفاخر الإسلامية و اسم إيران الجميل. تجري اليوم محاولات للفصل بين هذه الجماعات. ليعلم الجميع و لنكن كلنا واعين يقظين، فهناك من يتربّصون و يخططون ليضعوا القوميات الإيرانية مقابل بعضها. يجب أن لا ننسى رسالة الاتحاد و التعاطف و التضامن و التواكب في التاسع و العشرين من بهمن. هذه هي النقطة الثانية. و النقطة الثالثة هي معجزة إرادة الشعب. أعود الآن إلى قضية الثاني و العشرين من بهمن و ظاهرة الثورة، التي هي قضية أمسنا و يومنا و قضيتنا دائماً. يعبّر الثاني و العشرين من بهمن في كل سنة عن نفسه بشكل أعظم و أبهج من السنة الماضية. هناك أفراد يطلقون تحليلات مختلفة، و هذه التحليلات تحصل في الواقع داخل فراغ، فهم يجلسون و يفكرون مع أنفسهم، لكن واقع الناس يقول شيئاً آخر. الذين يرصدون بدقة و بملاحظة ما في الشارع، و البعض منهم بكاميرات مشخصة، و يقيسون حجم الجماهير و المتظاهرين، يرفعون لنا تقارير متعددة بأن الجماهير المتظاهرة في السنة الماضية - سنة 91 - كانت أكثر بدرجة ملحوظة من السنة التي قبلها. و في هذه السنة رفع نفس أولئك الذين قاموا بهذه الحسابات الدقيقة أو القريبة من الدقة تقارير تفيد أن حجم الجماهير هذا العام أكبر من السنة الماضية. هذا الكلام الذي يتكرّر على الألسن قد يخاله البعض مجرد لقلقة لسان أن يقال «كل سنة أفضل من السنة التي قبلها»، و لكن لا.. إنه واقع. ما الذي يعبّر عنه هذا الواقع؟ تشخيصي هو أن احتفال ذكرى الثورة ظاهرة منقطعة النظير كالثورة نفسها. ما معنى هذا؟ معناه كما أن ثورتنا باعتراف حتى الأعداء لم يكن لها نظير من وجوه مختلفة على طول تاريخ الثورات، فإن إحياء ذكرى هذه الثورة لا نظير له في أي مكان من العالم. غالباً ما تكون ذكريات الثورات في البلدان المختلفة التي شاهدناها و علمنا بها من التلفزة و الأخبار، غالباً ما تكون مراسم رسمية جافة تقام بعد مضي سنتين أو ثلاث سنوات أو أربع. أما هنا فالقضية ليست على هذا النحو، إنما الشعب هو الذي يحتفل، لا في طهران فقط بل في كل مراكز المحافظات. و ليس في مراكز المحافظات فقط بل في كل مدن البلاد، و ليس في الذكرى السنوية الأولى أو الثانية أو الخامسة أو العاشرة، بل في الذكرى السنوية الخامسة و الثلاثين. أليست هذه بالظاهرة العجيبة؟ مضت على الثورة 35 سنة. الذين ولدوا في السنة الأولى للثورة هم اليوم رجال و نساء يبلغون من العمر 35 عاماً - أي إنهم تجاوزوا حتى فترة الشباب تقريباً - و في الوقت نفسه تقام ذكرى الثورة كل سنة بتحفز و شعور بالاستقامة و وفاء لمبادئ الثورة و باقتدار و شوكة. أليس هذا عجيباً؟ دعوا وسائل إعلام العدو تفعل ما تشاء بألسنتها، لكن غرف عملياتهم تفهم ما الحقيقة و الواقع هنا. الذين يدرسون و يطالعون يفهمون أنه لا يمكن مواجهة هذا الشعب و هذه الثورة و هذه المحفزات و هذا الإيمان. ما هي طبيعة الشعارات التي يرفعها أبناء الشعب؟ شعارات الصمود على الخط و الصراط المستقيم للثورة - و هذا هو الحال في كل مكان - الشعارات في كل أرجاء البلاد هي شعارات الصمود و الثبات. بمعنى أن الشعب بتظاهراته في الثاني و العشرين من بهمن يثبت أن الله تعالى وفّى بوعده إذ قال عزّ و جلّ: «اِن تَنصُروا اللهَ يَنصُركُم وَ يُثَبِّت اَقدامَكُم» (2).. الله سبحانه و تعالى يثبّت أقدامكم و يرسّخ خطواتكم، و لا يسمح بأن تضطروا للتراجع و الانسحاب. هذا هو الوعد الإلهي، و قد تحقق هذا الوعد الإلهي بالنسبة للشعب الإيراني. لقد نصرتم دين الله و منّ الله سبحانه و تعالى عليكم بتثبيت أقدامكم. احتفال الذكرى الخامسة و الثلاثين لانتصار الثورة هذه السنة يعبّر عن ثبات الأقدام. طيّب، ما هي رسالة هذا الاحتفال؟ انظروا لشعارات الناس.. يجب استقاء الرسالة من شعارات الناس. حسب ما أرى فإن هناك رسالتين في هذه التظاهرات التي تخرج في الثاني و العشرين من بهمن: الأولى رسالة الاستقامة و الثانية رسالة الوحدة. ما معنى الاستقامة؟ معناها ثبات شعب إيران على مبادئ الثورة. لقد كان لنا مبادئ إيجابية و مبادئ سلبية. مبادئنا الإيجابية هي إننا نسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، و نسعى للتواجد و المشاركة الشعبية في مختلف أحداث البلاد. و نحن نريد الإسلام و نسعى لتطبيقه. و نحن نرى سعادة البلاد في العمل بتعاليم الإسلام، و نروم تحقيق اقتصاد مستقل، و نصبو إلى ثقافة غير تابعة للأجانب بل لثقافتنا الإسلامية و الإيرانية الأصيلة. كما أننا نسعى لإيواء المظلوم و مجابهة الظالم، و نحاول التقدم بالبلاد إلى الأمام، و نسعى للتطور بالبلاد علمياً. نروم أن تكون بلادنا متقدمة رائدة في العلوم و الاقتصاد و الثقافة و الشؤون الاجتماعية و الأخلاق و المعنوية. هذه هي الرسائل الإيجابية لثورتنا. و للثورة أيضاً رسائلها السلبية. رسالة الثورة السلبية هي عدم الاستسلام للتعسف و عدم الاستسلام للابتزاز و عدم الاستسلام لنظام الهيمنة. نظام الهيمنة هو أن تريد عدة قوى متوفرة على قدرات مادية و تسليحية و مالية و ما إلى ذلك السيادة على العالم. و مظهر نظام الهيمنة في الوقت الحاضر هو أمريكا. و قد قال شعب إيران في الثورة و في الأحداث التي أعقبت الثورة و في الحرب المفروضة و في الثاني و العشرين من بهمن لهذه السنة، قال: إننا لا نستسلم لتعسف و ابتزاز أمريكا. لا يحاول البعض تجميل وجه أمريكا و تزويقه و مكيجته و محو القبائح و الإرعاب و العنف عنه أمام شعب إيران، و إظهار الحكومة الأمريكية على أنها حكومة محبّة و إنسانية. و حتى لو حاولوا ذلك فإن محاولاتهم ستبقى بدون فائدة. على مرّ التاريخ، أو خلال هذه الأعوام السبعين أو الثمانين الأخيرة على الأقل - و طبعاً هناك الكثير من الكلام في تاريخ أمريكا قبل ذلك، و لا نريد هنا الخوض في تلك الفترات - لاحظوا ما الذي فعلته أمريكا في العالم؟ لاحظوا الحروب التي أشعلتها أمريكا، و الناس الأبرياء و غير العسكريين الذين ضرّجتهم أمريكا في هذه الحروب و في غيرها من الحروب. المستبدون في شرق العالم و غربه الذين دعمتهم أمريكا - و أحدهم محمد رضا بهلوي في إيران، و العشرات غيره من أمثاله في البلدان الآسيوية و البلدان الأفريقية و بلدان أمريكا اللاتينية من عسكريين و غير عسكريين - و الذين مارسوا الظلم و الجور ضد شعوبهم لسنين طويلة، و سفكوا دماء الناس، و نهبوا ثرواتهم و أنزلوا بهم أشدّ البلايا و الويلات. دعم هؤلاء المستبدين مدرج في ملف أعمال أمريكا.و كذلك دعم الإرهاب الدولي و إرهاب الدولة. هذه الحكومة الصهيونية الزائفة المجرمة الغاصبة لفلسطين تحظى منذ سنين بدعم أمريكا. تقتل الناس و تهدم البيوت و تمارس الظلم و تسجن الشباب و النساء و الرجال و الأطفال. هاجموا بيروت و دمرّوا صبرا و شاتيلا، و فعلوا ما فعلوا.. هؤلاء يحظون بدعم أمريكا. هذه ممارسات مسجلة في ملف أعمال أمريكا. الهجوم على العراق و قتل عشرات الآلآف من الناس - نحن لا نعرف الإحصائيات بشكل دقيق إنما يقال إنهم فتكوا خلال هذه الأعوام بنحو مليون عراقي بشكل مباشر و غير مباشر، و نحن لا ننسب هذا الآن، نقول إنهم قتلوا عشرات الآلآف على الأقل، و حتى قتل إنسان واحد لهو كثير - قتلوا الناس في العراق. و الأمر على شكل آخر في أفغانستان أيضاً. أطلقوا شركات التقتيل و الإرهاب - و قد ذكرت اسم إحداها في إحدى كلماتي ذات مرة، و هي شركة بلاك ووتر الأمريكية المعروفة التي تعمل على تقتيل الناس و إرهابهم - ضد الناس. و حتى هذه الجماعات المتطرّفة المتشددة القاتلة التكفيرية هم الذين أسسوها أول مرة، و قد ارتدّت في بعض المواطن و صاروا يتلقون سهامها. أمريكا مثل هذه الحكومة. ليس الكلام عن الشعب الأمريكي و الناس في أمريكا، فهم كباقي الناس، إنما الكلام عن النظام الأمريكي و الحكومة الأمريكية. كيف يمكن تغيير هذا الوجه بالتجميل و المكياج مقابل أنظار الشعب الإيراني؟نحن الشعب الإيراني ما الذي تجرّعنا؟ منذ انقلاب الثامن و العشرين من مرداد، و قرابة ثلاثين عاماً أو خمسة و عشرين عاماً من حكومة محمد رضا الظالمة - بعد الثامن و العشرين من مرداد سنة 32 إلى سنة 57 [من 1953 إلى 1979 م] - ثم من بعد انتصار الثورة حيث لم ينقطع إيذاؤهم و خبثهم و إساءاتهم لشعب إيران. و الناس قد ترى هذا الحظر الاقتصادي الأخير.. لقد بدأوا الحظر منذ بداية الثورة. منذ بواكير الثورة كل من أراد العمل ضد الثورة دعمه الأمريكان.. سواء كان من اليسار أو اليمين أو عسكرياً أو غير عسكري، لم يختلف الأمر بالنسبة لهم. كل من كانت لديه دوافع ضد نظام الجمهورية الإسلامية - على شكل قوميات أو على شكل أناس مختلفين - ساعدوه بكل ما استطاعوا. و آخر ما شاهده الناس بأعينهم هو فتنة عام 88 . وقف رئيس جمهورية أمريكا و دعم أرباب الفتنة في طهران بكل وقاحة. و هم يدعمونهم الآن أيضاً، و في هذه الآونة الأخيرة. هذه هي لائحة إساءات هذه الحكومة. و في الوقت الحاضر أيضاً راحت تتجلى النوايا المشؤومة التي لهم خلف الستار و التي حاولوا التكتّم عليها. لقد أعلنتُ في اليوم الأول من هذا العام 92 في مدينة مشهد إلى جوار مرقد ثامن الحجج (ع) بأنني لا أخالف.. بعض المسؤولين و المدراء - سواء المدراء في تلك الحكومة أو المدارء في هذه الحكومة - يتصورون أننا يجب أن نتفاوض مع الأمريكان في خصوص الملف النووي من أجل معالجة الموضوع. قلنا: لا بأس.. إذا كنتم مصرّين فاذهبوا و تفاوضوا في هذا الموضوع على وجه الخصوص. لكنني في تلك الكلمة في بداية العام قلت إنني غير متفائل.. لا أعارض لكنني، غير متفائل. لاحظوا التصريحات السخيفة المتتابعة للأمريكان.. عضو بلا ماء وجه في مجلس الشيوخ الأمريكي يتقاضى المال من الصهاينة ليذهب و يسبّ الشعب الإيراني في مجلس الشيوخ الأمريكي. لا أنه يوجّه إهانات بل يوجّه سباباً. و كذا الحال بالنسبة لرؤسائهم، يوجّهون الإهانات للشعب الإيراني على مستويات مختلفة. و بالطبع فقد تلقوا الصفعة على أفواههم من شعب إيران في يوم الثاني و العشرين من بهمن. من أسباب التجمّع الأكثر للشعب هذه السنة أنهم شاهدوا كيف يتعامل المسؤولين الأمريكان بوقاحة و جشع و بذاءة و سوء أدب. الغيرة الدينية للشعب هي التي أخذتهم إلى الساحة ليقولوا للعدو: لا تخطئ.. فنحن موجودون في الساحة. أراد الشعب الإيراني في هذه المظاهرات في الثاني و العشرين من بهمن أن يقول لنا جميعاً - أراد أن يقول لي أنا و لمختلف المسؤولين و لمن يبذلون الجهود في إدارة البلاد بحق و صدق، سواء منهم الذين يعملون في السياسة الخارجية أو الذين يعملون في السياسة الداخلية - أراد القول لنا: كونوا واثقين مطمئني النفوس فالشعب الإيراني واقف صامد متواجد في الساحة، و لا تشعروا بالضعف في مواجهتكم للعدو. كانت هذه من الرسائل الكبرى لشعب إيران. و هذا نفس الكلام الذي قلته في بداية السنة، ثم قلناه بعد ذلك - سبق أن قلناه و كرّرناه بعد ذلك - و هو أن الملف النووي مجرد ذريعة عند العدو. حتى لو تمّت معالجة الملف النووي ذات يوم - على فرض المحال - طبقاً لرأي أمريكا، فسوف تأتي قضية أخرى عقباً له. لاحظوا أن الناطقين باسم الحكومة الأمريكية يثيرون قضية حقوق الإنسان و قضية الصواريخ و قضية التسلح و ما إلى ذلك. أنا أتعجب.. ألا يخجل الأمريكان من التحدّث عن حقوق الإنسان. حتى لو تحدث كل من تحدث في العالم عن مناصرة حقوق الإنسان فيجب أن لا يتحدث الساسة الأمريكان عن ذلك.. بكل هذه الفضائح التي في ملفهم بخصوص حقوق الإنسان. من بين مائة عمل ناقض لحقوق الإنسان يقومون به، ربما لا يعلم الناس في العالم بتسعين عملاً أو ثمانين عملاً. و مجرد هذه الأعمال العشرة أو العشرين تشكل كتاباً أسوداً ضخماً. الكل يعلمون بسجن غوانتانامو و الكل شاهدوا سجن أبي غريب في العراق. و الكل شاهدوا شركة بلاك ووتر، و شاهدوا الهجمات على قوافل الأعراس في أفغانستان.. و شاهد الجميع مساعدة الإرهابيين المعروفين الذين يفخرون بإرهابهم، و شاهدوا نكث العهود و الأكاذيب.. العالم كله شاهد هذا، و يعودون و يقولون حقوق الإنسان و لا يخجلون! الحقيقة أن هذا القدر من الوقاحة في سلوكهم لهو شيء عجيب. و أقولها لكم: إن العمل الذي بدأته وزارة الخارجية الإيرانية و المسؤولون الإيرانيون سوف يستمر، فإيران لن تنقض ما قرّرته و تعهدت به. طبعاً يبذل المسؤولون جهودهم و يقومون بأعمالهم، لكن الأمريكان يعادون الثورة الإسلامية و يعادون الجمهورية الإسلامية، و يعادون هذه الراية التي رفعتموها أنتم أيها الشعب، و هذا العداء لا يخبو بمثل هذه الأمور. العلاج لمجابهة هذا العدو هو شيء واحد ليس إلّا: الاعتماد على الاقتدار الوطني و القدرات الداخلية الوطنية و تعزيز البنية الداخلية للبلاد ما أمكن ذلك.. و كلما عملنا على هذا الصعيد فهو قليل. و قد ذكرت في يوم سابق (3) إنه سوف يجري قريباً أن شاء الله تبليغ سياسات الاقتصاد المقاوم. سبيل حل مشكلات البلاد هو السير في طريق الاقتصاد المقاوم، أي الاعتماد على الداخل و الذات. لا نسمّر أعيننا على الآخرين.. نحن قادرون، و نحن أثرياء، فلدينا ثروات بشرية - طاقاتنا الإنسانية نادرة النظير في العالم إن لم نقل إنها منقطعة النظير - و لدينا أيضاً ثروات جوفية. ثرواتنا استثنائية. و العالم يحتاج إلينا. إننا لا نحتاج العالم بمقدار ما يحتاج العالم لنا. و العالم اليوم يدور حول محور النفط و الغاز. و نحن البلد الأول في العالم على هذا الصعيد بين القائمة الطويلة لبلدان العالم. لقد قلت هذا في مشهد بداية هذه السنة: نحن البلد الأول في العالم من حيث الاحتياطيات النفطية و الغازية. في الفترة الأخيرة رفع لي المسؤولون المحترمون في الحكومة تقريراً يفيد أننا أصبحنا حالياً أول بلد في العالم من حيث الاحتياطيات الغازية بعد أن كنا ثاني بلد. نحن اليوم من حيث احتياطيات الغاز التي كنا فيها إلى قبل مدة - ربما إلى قبل سنة أو سنة و نصف - في المرتبة الثانية عالمياً، نحن اليوم نقف في المرتبة الأولى. هذه هي احتياطياتنا و العالم بحاجة لهذه الأشياء. لاحظتم أن الشركات الأجنبية هجمت بمجرد مشاهدتها ابتسامة بسيطة.. فهم يريدون المجيئ إلى هنا و العمل. إلى متى يستطيع الأمريكان المقاومة على لجاجتهم هذه؟ إذا اعتمدنا على قدراتنا فإن مقاومتهم سوف تنكسر. ليعلموا هذا. طالما سمّرنا أعيننا على أيدي الآخرين، و انصب اهتمامنا على مقدار الحظر الذي ارتفع و المقدارالفلاني الذي صار كذا و كذا، و ماذا قال المسؤول الأمريكي الفلاني أو لم يقل، طالما انصب اهتمامنا على هذه الأشياء فلن نصل إلى نتيجة. إننا بلد كبير و شعب قوي.. شعب ذو ثقافة و موهبة و ثروات إلهية كبيرة جداً. و المسؤولون و المدراء في بلادنا لحسن الحظ مسؤولون مخلصون و يريدون العمل و نحن نساعدهم و ندعو لهم. و بالطبع نصرّ على المسؤولين أن يعتمدوا و يستندوا على الطاقات الداخلية، و نطلب من المسؤولين أن يثقوا بالشعب و بالطاقات الداخلية و يحاولوا تفجير و تفعيل هذه الينابيع الفيّاضة اللامتناهية في الداخل. إذا حصل هذا فسوف تنفتح كل الأبواب المغلقة. يجب أن يتحركوا و يعملوا بهذه الطريقة. و نيتنا نية إلهية. نشكر الله على أن هدفنا هو رضاه، و نعلم أنه لو كان هدفنا و غايتنا من تقدم هذا البلد و شموخ هذا الشعب رضا الله فإن الله سوف يمدّ يد عونه. و كما قلت فإن الآية القرآنية الشريفة تقول: «اِن تَنصُروا اللهَ يَنصُركُم».. إذا نصرتم الله، أي نصرتم دين الله فسوف تترتب على ذلك نتيجتان: النتيجة الأولى هي «ينصركم» أي إن الله يعينكم و يساعدكم و ينصركم، و النتيجة الثانية «و يثبّت أقدامكم» أي لا يسمح بأن تضطروا للتراجع. و اعلموا أن أهداف أمريكا و الاستكبار العالمي تجاه إيران و الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني سوف تندحر و تسقط عاجلاً أو آجلاً بتوفيق من الله. و اعلموا أن شعب إيران سوف يحتفل بانتصاره على كافة الصعد و المجالات مقابل أنظار الخصوم و الحساد إن شاء الله. و نتمنى أن يشملكم الله تعالى جميعاً أيها الأهالي الأعزاء - أهالي مدينة تبريز و المدن الأخرى في آذربيجان - و كل الشعب الإيراني العزيز بعنايته و هدايته و إرشاده. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - حادثة التاسع عشر من دي سنة 1356 هـ ش [9 يناير 1978 م].2 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .3 - في لقائه قادة و منتسبي القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتاريخ 08/02/2014 م .
2014/02/17

كلمته في لقائه قادة و منتسبي القوة الجوية بالجيش في ذكرى بيعتهم التاريخية للإمام الخميني (رض)

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بكم أيها الإخوة الأعزاء و قادة و منتسبو القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و أبارك لكم هذا اليوم المجيد و هذه الذكرى الكبيرة، و نحيّي الذين خلقوا حادثة التاسع عشر من بهمن في ظرفها الذي كان بالغ الحساسية و الأهمية. أشكر تقرير القائد المحترم (1)، كما أشكر من الصميم لكم هذا النشيد العميق و الكثير المعاني الذي قدّمتموه.بعض الأحداث أكبر مما يلاحظ في بادئ الأمر. أحياناً تكتسب حادثة أبعاداً و مديات لم يكن يتوقعها حتى صانعوها. يقول القرآن الكريم: «يعجب الزرّاع» (2).. يذكر الله عزّ و جلّ صفات لتصوير و وصف أصحاب الرسول الأكرم (ص) و المؤمنين في صدر الإسلام و المجاهدين الكبار، فيشبّههم بنبات يخرج من الأرض و يستحكم تدريجياً و ينمو و يكبر بحيث يثير أعجاب حتى المزارعين الذين بذروا هذه البذرة في الأرض. و حادثة التاسع عشر من بهمن هي من هذا القبيل. في ذلك اليوم قلّ ما كانت أبعاد هذه الحادثة تلوح للأنظار، لكن أبعادها تجلت و ظهرت تدريجياً. و بمقياس أكبر و أوسع فإن الثورة الإسلامية نفسها كانت من هذا القبيل أيضاً. يوم بدأ الإمام الخميني الجليل النهضة في سنة 1341 [1962 م] ما كانت هذه الحصيلة المذهلة و هذه المديات الواسعة لتخطر على بال أحد، لكنها وقعت و حصلت، و طبعاً لذلك أسبابه و كيف يمكن لحادثة أن تكون مباركة معطاءة - و ليس هنا محل الحديث عن ذلك - على كل حال كانت حادثة التاسع عشر من بهمن حادثة زاخرة بالبركات. من الأشياء التي حصلت غفلة عنها في تحليل هذا الحدث و آثاره هو تأثيرها في صناعة الاستقلال.. أين؟ في الجيش. أي قطاع من النظام الاجتماعي في عهد الطاغوت تحمّل أكبر الآلآم و المحن من هيمنة و تدخل الأجانب. لقد أيقظت حادثة التاسع عشر من بهمن الشعور بالاستقلال في مثل هذا الجهاز و في مثل هذه المنظومة. لقد أيقظت هذه الحادثة الشعور في كل الجيش - في القوة الجوية أولاً و من ثم في باقي الأجزاء و القطاعات - بأنه يمكن إخراج الذات من تحت مظلة نفوذ الأجانب و تدخلهم و تطاولهم. لذلك كنت أقول الآن للأعزاء (3) إن أول مكان حصل فيه «جهاد الاكتفاء الذاتي» هو القوة الجوية، ثم انتشرت هذه الحالة إلى كل الجيش. لقد كانت روح الاستقلال و الثقة بالذات هذه مهمة للجيش و للقوات المسلحة، و هي مهمة إلى هذا اليوم، و مهمة في المستقبل أيضاً. و أقول هذا كجملة معترضة، و إلّا فإن ما أروم قوله شيء آخر: من أجل أن تستطيعوا استعراض كفاءتكم في مواجهة التحديات و التهديدات من موقعكم و هو موقع صيانة الأمن الجوي للبلاد يجب أن تشعروا بالاستغناء عن الآخرين و بالاستقلال و العودة إلى الذات و الاعتماد على إمكانياتكم و طاقاتكم، و عندئذ سوف تتفجّر المواهب. و هذا ما حصل لحد الآن و ما سيحصل بعد الآن أيضاً. قضية الاستقلال قضية مهمة لكل البلاد و للثورة برمّتها. الاستقلال من أركان الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية. كان شعار الاستقلال إلى جانب شعار الحرية من أهم شعارات الثورة و لا يزال و سيبقى. لاحظوا أنه بعد اندحار أسلوب الاستعمار المباشر - و الذي كان سائداً في الماضي و كانوا يستعمرون البلدان بشكل مباشر - و قد نسخ ذلك الأسلوب، ظهر الاستعمار الحديث كبديل. و الاستعمار الحديث هو أن لا تدخل القوى التدخلية الخارجية مباشرة إلى البلدان الأخرى و تديرها و تستعمرها، إنما يتربع على رأس تلك البلدان عملاء الاستعمار و الذين يصغون لكلامه و يعتمدون عليه، و حيث أن الحكومة المعتمدة على الخارج غير ممكنة من دون الاستبداد، فقد كانوا يحكمون بطريقة استبدادية و يؤمّنون مصالح القوى الخارجية. هذا هو الاستعمار الحديث. و ما كان الكفاح ضد الاستبداد قد وصل إلى نتيجة و ما كان سيصل من دون مكافحة تلك القوى الخارجية التي تقف وراء الدكتاتور. و كذا الحال اليوم أيضاً. إذا افترضنا شعباً طفح به الكيل من استبداد حكامه و ثار و أطلق ثورته و حارب ذلك المستبد، لكنه استسلم لتلك السلطة المهيمنة الخارجية التي وقفت سنداً لذلك المستبد فسيكون مصير تلك الثورة و المسؤولين و المدراء فيها إما الهزيمة أو الخيانة، و لا يخرج الأمر عن هاتين الحالتين. إما أنهم سوف يمنون بالخيانة و يخونون ثورتهم و بلادهم. أو إذا أرادوا أن لا يخونوا فسوف ينهزمون و يمحون من الساحة. و كما لاحظنا في بعض هذه الثورات التي وقعت في الأعوام الأخيرة حيث حاربوا المستبد و غفلوا عن القوى التي تقف خلف المستبد و تسانده، أو فكّروا أحياناً بالمداهنة و المداراة معها، و تلاحظون النتائج اليوم. مكافحة المستبد و مصالحة المستكبر لا تؤدي إلى أية نتيجة. الثورة الموفقة الناجحة و المنتصرة هي التي ترى تلك القوة التدخلية التي تقف وراء الدكتاتور و تحاربها. لذلك عندما تحرّك شبابنا و استولوا على وكر التجسس الأمريكي و وجّهوا ضربة مهينة لأمريكا قال الإمام الخميني إن هذه ثورة أكبر من الثورة الأولى. الثورة الأولى أيضاً كانت ثورة، و كانت عظيمة و منقطعة النظير، و لكن في هذه الخطوة الثانية أثبت الشعب الإيراني أنه يعرف الطبقة التالية للهيمنة و المشاكل، و هو عاقد العزم على محاربتها و النضال ضدها.هنا يمكن فهم قضية الاستقلال. الاستقلال معناه أن يفهم البلد القوى التدخلية و يواجهها و يقف أمامها. ليس الاستقلال بمعنى سوء الأخلاق مع العالم كله، إنما الاستقلال معناه مجابهة تلك القوة التي تريد التدخل و الأمر و النهي و إنفاق شرف الشعب و مكانته لصالح مصالحها. هذا هو معنى الاستقلال. من هو عدو استقلال شعب من الشعوب؟ القوى الخارجية التدخلية هي التي تهاب و تخاف من مشاعر الاستقلال في بلد من البلدان و تحاول إضعاف هذا الشعور لدى الشعب و عند أبناء ذلك الشعب السائرين في الدرب و عند قادته و روّاده، لذلك تنطلق أجهزتهم الإعلامية لأجل تثبيط الشعوب عن الاستقلال. يروّجون لفكرة أن الاستقلال السياسي للبلدان أو استقلالها الثقافي و الاقتصادي يتنافى مع تقدمها. و أنتم تسمعون مثل هذا الكلام. المطلعون على الإعلام العالمي يسمعون مثل هذا الكلام. غرف العمليات الفكرية تنشر مثل هذه الأفكار في العالم باعتبارها أفكاراً فلسفية. و ثمة أفراد في داخل البلدان - بما في ذلك بلادنا - ينشرون نفس هذا الكلام بالنيابة عنهم، و يقولون إن بلداً ما إذا أراد أن يكون له مكانه بين مجموعة البلدان المتقدمة في العالم فلا مفرّ أمامه من أن يخفّض من ميوله للاستقلال، و إلّا فلا يجتمع أن يريد البلد أن يكون مستقلاً و يشدّد على مصالحه فقط و يكون له في الوقت نفسه مكان في منظومة التقدم العالمية. هذا الكلام كلام خاطئ تماماً، و هو من صناعة الذين يعارضون استقلال البلدان. ما يأمله و يهدف إليه المقتدرون التدخليون هو أن يتدخلوا في البلدان ليستطيعوا بذلك تأمين مصالحهم، و ليس من المهم بالنسبة لهم أن تسحق مصالح تلك الشعوب. إنهم مصرّون على التدخل. و هذا ما كان في النظام الطاغوتي. كانوا يتدخلون صراحة في من يكون لنا بهم علاقة و من لا يكون لنا بهم علاقة، و من نبيعه النفط و بأيّ مقدار نبيعه و كيف نستهلك، و من يتولى المسؤولية الفلانية الحساسة و من لا يتولاها. و مثل هذا البلد سيصبح جهازاً أو وسيلة لمصالحهم، و تنسى المصالح الوطنية بالكامل. لن يعود هدف مدراء البلاد و مسؤوليه المصالح الوطنية بل تأمين مصالح المتدخلين. و الاستقلال يُنهي هذا السياق الخاطئ الخياني و يحول دونه. هذا هو معنى استقلال البلد. ليس الاستقلال بمعنى الزعل مع البلدان الأخرى، إنما هو بمعنى إيجاد سدّ أمام نفوذ البلدان التي تريد تهميش مصالح ذلك البلد و الشعب لصالح مصالحها هي. هذا هو معنى الاستقلال، و هو أهم الأهداف بالنسبة لبلد من البلدان. و الشيء الذي يستطيع تأمين الاستقلال لثورتنا الإسلامية هو الاعتماد الصريح و الواضح على ركائز الثورة. يجب الاعتماد على أصول الثورة و مبانيها و قيمها بشكل صريح و شفاف. و هذا ما كان عليه إمامنا الخميني الجليل. منذ بداية النهضة طرح الإمام الخميني كل كلامه و آرائه بصراحه و دون أي غموض. منذ البداية رفض الإمام الخميني النظام الطاغوتي الوراثي الملكي الاستبدادي، و لم يتحرّج في ذلك. منذ البداية كان واضحاً أن الإمام الخميني ينشد نظاماً شعبياً جماهيرياً. و الملكية الوراثية مرفوضة عنده. و النظام الاستبدادي مرفوض عنده. و النظام الفردي المعتمد على إرادة الفرد مرفوض عنده. هذا ما أعلنه الإمام الخميني بصراحة و دون تحفظ أو غموض. أعلن الإمام بصراحة أنه يجب أن يقوم نظام حكم إسلامي يستند على الفكر الإسلامي و القيم الإسلامية. و لم يتكتّم على ذلك. و لم يجامل الإمام الخميني في قضية مواجهة الشبكة الصهيونية الخطيرة التي تريد السيطرة على العالم، و لم يترك بعض الكلام مغلفاً، بل اتخذ موقفه بصراحة من الصهيونية. لقد اتخذ الإمام الخميني موقفاً صريحاً من الكيان الصهيوني الزائف الغاصب الذي يحكم منطقة فلسطين المظلومة. و لم يتردد في ذلك أو يتكتم أو يغلف الكلام بأغلفة معينة. لاحظوا.. هذه هي الأصول و الركائز. لم يتكتم الإمام الخميني إطلاقاً على أننا نعارض نظام الهيمنة. نظام الهيمنة هو ذلك النظام الدولي الذي يعتمد تقسيم العالم إلى مهيمن و خاضع للهيمنة. و هذا ما رفضه الإمام الخميني بكل حسم. و نظام الهيمنة يتجسّد بأكمل أشكاله في الحكومة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية، لذلك اتخذ الإمام الخميني موقفه من أمريكا بكل صراحة. موقفنا مقابل أمريكا ليس من باب أنهم شعب و نحن نعارض ذلك الشعب أو يكون للخصوصيات العرقية تأثير في ذلك.. ليست هذه هي القضية.. القضية هي أن طبيعة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية و ذاتها و سلوكياتها تدخلية و سلطوية. و قد اتخذ الإمام الخميني موقفه الصريح و الشفاف من هذا النظام. و لذلك ترون أن الثورة لا تزال بعد مضي 35 عاماً على نفس أصولها و ركائزها و دربها الحقيقي.. الثورة لم تتبدل و لم تتغير، و لم تغير كلامها و لم تبدّل دربها و لم تغير أهدافها.. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. تفقد الثورات مقاومتها أمام الطوفانات التي تعصف بها. الكثيرون يغيرون كلامهم أو يغيرون طريقهم أو يمحون بالكامل و لا تبقى لهم باقية. لكن الثورة الإسلامية حافظت على أهدافها الواضحة منذ ظهورها و لحد اليوم، و سارت نحو الأهداف و حققت حالات مذهلة من التقدم في مختلف القطاعات. و هي تعمل لتنتشل نفسها من بلد و شعب منسي عديم التأثير في العالم لتصبح قوة كبيرة في المنطقة و عنصراً مؤثراً في السياسات الدولية. في أنحاء شتى من العالم تعرف كل الشعوب شعب إيران كشعب شجاع صادق ذكي و مقاوم. و قد أطلقت كل هذه المحاولات و المساعي و الممارسات الإعلامية ضد النظام الإسلامي. طوال فترة من الزمن ركّزت الأجهزة الإعلامية و السياسية لأعداء الشعب الإيراني مساعيها على ترويج التخويف من إيران - التخويف من الإسلام أحياناً و التخويف من إيران أحياناً أخرى - لكن شعبية الشعب الإيراني تضاعفت بين شعوب العالم. هكذا هم اليوم، لا فقط أبناء شعوب العالم العاديون بل و حتى النخبة غير المغرضة منهم. لاحظوا تصريحاتهم و آراءهم حول الشعب الإيراني: شعب مقاوم و ذكي و صبور.. ينظرون لشعب إيران من هذه الزاوية. هذا ما أثمرته اليوم سياستهم في التخويف من إيران. الشعوب لا تخشى من نظام الجمهورية الإسلامية و شعب إيران بل تخشى و تحذر من هيمنة أمريكا. أمريكا هي المعروفة بالتعسف و التدخل في شؤون البلدان و إثارة الحروب. الشعوب تعرف أمريكا باعتبارها حكومة مثيرة للحروب و مؤجّجة للنزاعات و متدخلة في شؤون الشعوب الأخرى. الشعوب تحذر من أمريكا و تكره أمريكا. وجه نظام الجمهورية الإسلامية يزداد إشراقاً يوماً بعد يوم بتوفيق من الله، و قد تعالت سمعة الشعب الإيراني في العالم باستمرار، و سوف يستمر هذا السياق. السرّ في بقاء نظام الجمهورية الإسلامية على درب الثورة و الخطوط الأصلية للإمام الخميني الجليل هو هذه الصراحة. يجب عدم التخلي أبداً عن هذه الشفافية و الصراحة. يجب أن تكون مواقف الجمهورية الإسلامية شفافة أمام المعارضين و أمام الأصدقاء و الأعداء. يمكنهم تغيير التكتيكات و أساليب العمل لكن الأصول يجب أن تبقى قوية متينة. هذا هو سرّ متانة الثورة و رمز تقدم البلاد. من هم أعداء ثورتنا في الوقت الحاضر؟ أعداء الثورة هم عدة قوى فاسدة ليس لهم سمعة أو ماء وجه في العالم. هؤلاء هم أعداء شعب إيران. و أصدقاء شعب إيران هم كل الذين سمعوا رسالة الثورة و رسالة الجمهورية الإسلامية. قد لا يكون البعض على اطلاع. كل من سمع شعارات الجمهورية الإسلامية و علم بصمودها و تعرّف على ثباتها إلى جانب ظلامتها يناصر نظام الجمهورية الإسلامية. و نظام الجمهورية الإسلامية معناه شعب إيران و جماهيرها. ليس الشعب منفصلاً عن النظام، إنما هو يقف سنداً و دعامة وراء النظام. هذا هو سرّ رصانة النظام و اقتداره. من جوانب ما يقوله المسؤولون الأمريكان لمسؤولينا في تصريحاتهم المختلفة هو إننا لا نعتزم تغيير النظام في إيران. أولاً هم يكذبون، فلو كانوا يستطيعون لما ترددوا لحظة واحدة في تهديم هذا الأساس. و ثانياً هم لا يستطيعون. أجهزة الاستكبار تستطيع زحزحة النظام الذي لا يتوكّأ على أبناء الشعب. نظام الجمهورية الإسلامية يعتمد على إيمان الشعب و على محبة الشعب و على إرادته. أية ثورة يحضر فيها الشعب في الشوارع و يرفع الشعارات القوية المدوية لإحياء ذكرى الثورة بعد مضي عشرات الأعوام عليها؟ و سوف ترون إن شاء الله في يوم الثاني و العشرين من بهمن أن شعب إيران سيحضر مرة أخرى في كل المدن بكل قوة و يرفع صوته و يبدي اقتداره الوطني. المهم هو أن يعلم شعب إيران أن الصمود و الثبات هو سرّ نجاحه. و الشعب الإيراني و الحمد لله يعرف ذلك. المهم هو أن يعلم أن طريق أمنه هو عرض اقتداره الوطني، فليعرضوا اقتدارهم الوطني. للاقتدار الوطني مظاهر، و الشعب يعرض هذا الاقتدار في التجمعات الحاشدة، و في الميول و الاندفاع، و في أمثال مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن، و في الانتخابات المختلفة، و يعرضه أيضاً في حالات التقدم العلمي، و في مواكبته لنظام الجمهورية الإسلامية. هذا هو المهم. الشيء الذي يصون أمن البلاد هو إبداء الاقتدار الوطني. حين يبدي الشعب اقتداره الوطني أمام الأعداء فلن يستطيع الأعداء فعل شيء. للأسف يلاحظ المرء اليوم أن بعض الكلمات تصدر عن الأعداء بين حين و آخر، و هذا مبعث عبرة لشعبنا. في هذه المفاوضات التي تجري في هذه الأيام على الشعب الإيراني أن يرصد هذه المفاوضات و يراقبها، و أن يرى التصريحات غير المؤدّبة للمسؤولين الأمريكان و يراقبها و يعرف العدو. البعض يريدون صرف رأي الشعب عن عداء الأعداء، لا، لاحظوا العدو و لاحظوا ازدواجيته و نفاقه. المسؤولون الأمريكان يتحدثون في الجلسات الخاصة مع مسؤولي بلادنا بشكل و بمجرد أن يتركوهم يتحدثون في الخارج بشكل آخر. ليلاحظ شعب إيران هذه الازدواجية و النفاق لدى العدو و نيّاته السيئة القذرة. ليكن الشعب واعياً متنبّهاً. ليلاحظ الشعب الإيراني ضرورة صيانة اقتداره الداخلي. هذه هي توصيتنا الدائمة للمسؤولين. المشكلات الداخلية لا يعالجها سوى شيء واحد و هو النظر للإمكانيات الداخلية - و هذه الإمكانيات و الحمد لله كبيرة و كثيرة جداً - و الاستفادة منها بشكل حكيم. و لحسن الحظ فإن المسؤولين الاقتصاديين في الحكومة متنبّهون لهذا المعنى و قد توصلوا لهذه النتيجة. السبيل إلى رفع المشكلات الاقتصادية للبلاد - و نتحدث الآن عن هذا الجانب من المشكلات - ليس في النظر للخارج و رفع الحظر الذي يفرضه العدو و ما إلى ذلك. السبيل هو النظر للداخل و تقوية البنية الاقتصادية الداخلية، و هم يعتزمون القيام بهذا و سوف يتقدمون و يتوفقون في هذا الأمر إن شاء الله. لا يمكن النظر للعدو و التوقع منه. يقول الأمريكان في بعض تصريحاتهم و قلقلة ألسنتهم إننا أصدقاء للشعب الإيراني. إنهم يكذبون، و يمكن استنتاج هذا من أعمالهم. إنهم يهدّدون إيران، ثم يتوقعون أن تقلل الجمهورية الإسلامية من قدراتها الدفاعية.. أليس هذا مضحكاً؟ أليس هذا سخرية؟ في الوقت الذي يهددون يقولون قللوا قدراتكم الدفاعية. لا ، المسؤولون في القطاعات المختلفة و في القوات المسلحة سوف يزيدوا من قدراتهم الدفاعية يوماً بعد يوم بتوفيق من الله. ما ينقذ البلاد هو الاعتماد على الطاقات الداخلية و النظر للذات، سواء على الصعيد الاقتصادي أو على صعيد مختلف الشؤون الاجتماعية و السياسية أو على مستوى الشؤون الثقافية. و سوف يجري تبليغ سياسات الاقتصاد المقاوم في المستقبل القريب إن شاء الله. و بعد تبليغ هذه السياسات سوف يصار إلى إنشاء البنى اللازمة و الأعمال اللازمة و المساعي اللازمة لتكوين اقتصاد مقاوم يعتمد على مقاومة الشعب، و سوف يواصل الشعب مسيرته. المهم هو أن يحافظ أبناء شعبنا على وحدتهم. على أبناء الشعب و المسؤولين و النخبة أن لا يسمحوا للهوامش بالمساس بالأصل. الأصل في مسيرة الشعب اليوم هو إيجاد الاقتدار الداخلي و الوقوف بوجه الأعاصير المعارضة المعاكسة. كانت هناك على مدى هذه الأعوام الـ 35 أعاصير و طوفانات شديدة و قد وقف الشعب و الحمد لله و أحبط تحركات الأعداء في هذه الأعوام الطويلة، و بعد الآن أيضاً يجب أن يستطيع الشعب إن شاء الله إحباط هذه التحركات و سوف يحبطها. ليحافظ أبناء الشعب على وحدتهم.. ينبغي رفع درجة الوحدة و الاتحاد و التعاطف و التقارب بين المسؤولين و أبناء الشعب. ليثق مسؤولو البلاد و مدراؤها بالشعب، و ليثق الشعب أيضاً بالمسؤولين. قد يكون لدى البعض نقودهم فلينقدوا، لكن لتكن النقود منصفة. بالنظر إلى أن الحكومة لم يمض على توليها زمام الأمور سوى شهور يجب منح الفرصة لتستطيع أن تتقدم بالأمور إن شاء الله إلى الأمام باقتدار و جدارة. على الناقدين أن يتفطنوا لهذه النقطة و يتعاملوا مع الحكومة بصدر منشرح، و على المسؤولين الحكوميين أيضاً أن يتعاملوا بصدر منشرح مع الناقدين. على الجميع أن يحترم بعضهم بعضاً و أن يقدروا ظروف بعضهم. لدينا أعداء و لأعدائنا عملاؤهم في داخل البلاد، هذا شيء ينبغي عدم الغفلة عنه. لا نسمح و لا تسمحوا لعملاء الأعداء في داخل البلاد باستغلال نقاط الضعف و إيجاد حالات من خلل و تضعضع. لنسر كلنا سوية و إلى جانب بعضنا في طريق الإمام الخميني الجليل و على درب اقتدار هذا البلد إن شاء الله. و الله تعالى سوف يوفق هذا الشعب، و سوف تسير الأمور على أحسن وجه إن شاء الله، و سوف ينتصر الشعب الإيراني في هذه الفترة من الزمن إن شاء الله على أعدائه بتوفيق من الله و حوله و قوته، سواء في ما يتعلق بالملف النووي أو القضايا المختلفة الأخرى. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً لتستطيعوا أين ما كنتم - سواء في القوة الجوية أو في أي موقع من جيش الجمهورية الإسلامية، و في مجموعة القوات المسلحة، و كل أبناء الشعب - أن تنهضوا بواجباتكم، و أن ننهض كلنا إن شاء الله بواجباتنا، و نوفر إن شاء الله مستقبلاً جيداً لبلادنا و نظامنا و شعبنا العزيز.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - اللواء الطيار حسن شاه صفي.2 - سورة الفتح، شطر من الآية 29 . 3 - أقيم قبل اللقاء العام لقاء حضره قادة القوة الجوية.
2014/02/08

كلمته في لقائه مسؤولي الدولة و ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية بمناسبة ميلاد الرسول الأكرم (ص) و الإمام

19/01/2014 م
2014/01/19

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أهالي مدينة قم المقدّسة

عبَّر الإمام الخامنئي خلال لقائه أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة 19 دي (9/1/1979) عن افتخاره بأهالي مدينة قم بجميع فئاتهم، وأشاد سماحته بمكانة أهالي قم الرائدة في مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية، كما استعرض سماحته أبرز معالم المؤامرة التي تحاك ضد الجمهورية الإسلامية، وأبرز تفاؤله بوعي وثقافة الشعب الإيراني.
2014/01/09

كلمته في لقائه أعضاء لجنة تكريم مكانة عشرة آلاف شهيد من محافظة مازندران

نُشر في صباح يوم الخميس 02/01/2014 م في مصلى مدينة ساري مركز محافظة مازندران شمال البلاد نص كلمة سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في لقائه أعضاء اللجنة المسؤولة عن إقامة مهرجان تكريم مكانة عشرة آلاف شهيد من هذه المحافظة (1)، و كان هذا اللقاء قد انعقد بتاريخ الإثنين 16/12/2013 م. في ما يلي ترجمة نص الكلمة:بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أتقدم بالشكر من صميم قلبي للإخوة الأعزاء على ما أبدوه من همّة لتكريم مكانة الذين يعتبرون للحق و الإنصاف متقدمين على الناس في عصرنا، أي الشهداء و المجاهدين. هذه العملية بحد ذاتها عمل قيم جداً.. تكريم مكانة الشهداء و إحياء أسمائهم، و التحقيق و البحث حول أعمالهم و بطولاتهم، و إنتاج الآثار المكتوبة و التصويرية و الصوتية و ما إلى ذلك عن حيواتهم و أعمالهم و جهادهم.. هذه أعمال و إنجازات قيمة جداً. و هذه اللائحة التي عرضها الآمر المحترم (2) حول الأعمال التي من المفترض أن تتم في هذا المهرجان، لهي لائحة جيدة تمثلاً أعمالاً جيدة جداً، و لكن تفطنوا إلى أنه ينبغي القيام بالأعمال بصورة عميقة، بمعنى أن لا تكون القضية مجرد تأمين عنوان، بل ليكن العمل عميقاً تماماً و بروية و دقة و بطريقة فنية من ناحية و روح بحثية علمية من ناحية أخرى حتى يكون عملاً باقياً مؤثراً. إذن، العمل عمل جيد جداً، و له قيمته العالية. و طبعاً أنا على اطلاع بأن المازندرانيين أقاموا لحد الآن تجمعات و مهرجانات كثيرة للشهداء من مختلف أنحاء المحافظة و بطريقة عفوية تلقائية و شعبية، و هذه أعمال لها قيمة كبيرة جداً، و عملكم هذا بدوره عمل جمعي كبير مهم، نتمنى لكم فيه التوفيق إن شاء الله.ملحمة الدفاع المقدس فضلاً عن أنها كانت اختباراً كبيراً لشعب إيران، فقد كانت اختباراً لظهور المواهب.. مواهب الأشخاص و مواهب المناطق المختلفة في البلاد. حول مواهب الأشخاص أرى أن هناك نقطة مهمة و جدير بالاهتمام، لكنها لا تؤخذ بنظر الاعتبار، أي لشدة وضوحها يُغفل عنها و تبقى خافية، و هي إن الدفاع المقدس كان وسيلة لظهور و تفجر المواهب المكنونة داخل الأفراد بشكل عجيب. حرس الثورة مثلاً، تلاحظون أن شاباً يدخل ساحة الحرب و هو لا يعرف شيئاً عن القضايا العسكرية، و بعد سنة أو سنة و نصف يصبح استراتيجياً عسكرياً.. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. طيّب، إنكم حين تنظرون الآن لأحوال الشهداء و القادة و الآمرين الكبار و أمثالهم، خذوا مثلاً الشهيد حسن باقري، لقد كان بلا شك مخططاً حربياً. و كل من ينكر هذه القضية فهو غير مطلع، و إلّا فمن يطلع على الأمور سيرى أن ذلك الشاب الذي لم يكن يتجاوز عمره عشرين و نيفاً من السنين كان مخططاً حربياً. متى؟ في سنة 1361 [1982 م]. و متى دخل ساحة الحرب؟ في سنة 1359 [1980 م]. هذه هي المسيرة ما بين جندي صفر إلى استراتيجي عسكري.. مسيرة تطول عادة عشرين سنة أو خمساً و عشرين سنة قطعها هذا الشاب خلال سنتين! هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية.أو لنفترض مثلاً القائد الحربي الفلاني - و لنذكر المثال من الشهداء و الماضين، و الأحياء كثر أيضاً، من قبيل سيدنا العزيز مرتضى (3) الجالس هنا و آخرين، و كلهم من هذا القبيل - الشهيد باكري.. لقد كان في بداية الحرب شاباً جامعياً تخرّج لتوّه، و قضى عدة أشهر أو فترة معينة في المعسكرات، ثم خرج إطاعة لأمر الإمام الخميني الذي أمر بالخروج من المعسكرات.. هكذا كان حال الشهيد باكري في شهر مهر من سنة 59 [تشرين الأول 1980 م]. ثم انظروا له بعد ذلك في عمليات بيت المقدس، و عمليات خيبر، و قبل ذلك في عمليات الفتح المبين، حيث ظهر ذلك الشاب كقائد و آمر عسكري بارع يستطيع تحريك فرقة كاملة أو مقر كامل في بعض الأحيان و توجيهه. أليس هذا بعجيب؟ أليست هذه معجزة؟ إنها معجزة الثورة. هذا بخصوص ظهور الشخصيات، و الكلام في هذا الشأن كثير، و لكن قلنا إن هذه الأمور لشدة وضوحها يُغفل عنها، و لا ينتبه أحد إلى مَن كان أولئك؟ و ماذا كانوا؟ شاب في السابعة أو الثامنة و العشرين أو في الثلاثين على الأكثر عند استشهاده، و في ذروة القدرات العسكرية للإنسان، من أين بدأ هذا حتى وصل إلى هذا الموقع؟ و في أي مدة من الزمن وصل لما وصل إليه؟ هذا شيء مهم جداً. الدليل على مهارتهم و عظمة أعمالهم هو أن خبراءنا العسكريين و الإخوة الذين كانوا في الجيش و عملوا هناك لسنين طويلة - و كانوا يتعاونون مع بعض في التخطيط للعمليات، من قبيل عمليات الفتح المبين و بيت المقدس و خيبر و غيرها - كلهم كانوا يؤيدون أفكارهم و يصدقونها و يشهدون لها. و الدليل الأوضح هو أنهم استطاعوا محاصرة جيش مجهز مدعوم من قبل القوى الكبرى بكل ما كان له من معدّات و تجهيزات في عمليات عجيبة جداً، و إلى درجة أثارت حيرة حتى قادة ذلك الجيش. في عمليات الفتح المبين مثلاً أدّت تخطيطات هذه القوات الشابة إلى أن يشعر العدو فجأة في تلك الصحراء الهائلة التي كان قد ملأها بقواته، و قد شاهدت بنفسي في زمن الحرب تلك الصحراء من الجوّ و انتشار قوات العدو فيها و كيف كانوا يستولون على كل تلك الصحراء في دشت عباس و هنا و هناك، شعر العدو فجأة أن هذه القوات التي أمامه و هو منهمك في قتالها، تهاجمه من ورائه! أليس هذا بالأمر المهم؟ و هل هذا بالشيء الصغير؟ أليست هذه الحركة العظيمة جديرة بأن تكون موضوعاً للأعمال و الأفكار و البحوث و الآثار الفنية؟ هل هذا بالهزل؟ أو في عمليات بيت المقدس، فجأة تشعر فرقتان أو ثلاث فرق للعدو مدجّجة بالسلاح أنها محاصرة، و تتعرض للهجوم في صحراء خوزستان من الشمال و من الشرق و من هذا الجانب و من ذاك الجانب. إذن، تجلت أهمية و صحة تخطيطات شبابنا و مواهبهم الممتازة هنا أيضاً أي مقابل جيش مدجج بالسلاح و قوات مسلحة مجهزة من كل النواحي و فيهم جنرالات متمرسون و قدماء و ضباط بارزون كما يسمّونهم، و يحظون بالدعم و المساعدة من قبل أعدائنا على المستوى العالمي، و تصدر لهم الأوامر و التوجيهات منهم، و يُعلّمون الأساليب المناسبة، و حتى التكتيكات، مثل هذا الجيش الكبير يبقى يتخبّط أمام تخطيطات شبابنا و يسقط في يده و يُهزم. على ماذا يدل هذا؟ إنه يدل على أن الأمر و العمل هنا كان يمتاز بمثل هذه العظمة و الأهمية. إذن، لقد برزت هذه المواهب و الطاقات و ظهرت إلى النور.. هذا في ما يتعلق بالأشخاص.و كذا الحال بالنسبة للمناطق. و الآن أقول بمناسبة تكريم شهداء مازندران: إن مازندران خرجت و الحق يقال مرفوعة الرأس من امتحان الحرب المفروضة. لمازندران أكثر من عشرة آلاف شهيد، و السادة يذكرون الرقم من دون تفاصيله فيقولون إنهم عشرة آلاف شهيد، بينما هم أكثر من عشرة آلاف. فما معنى هذا العدد من الشهداء؟ و كم توجّه هؤلاء للجبهات؟ و كم توجّهوا للجبهات بصورة مكررة ثم عادوا ثم توجّهوا للجبهات ثانية؟ و كم بقوا هناك بحيث قدموا طوال ثمانية أعوام أكثر من عشرة آلاف شهيد؟ و هناك شهداء معروفون، و لكن هناك أيضاً شهداء غير معروفين و هم أيضاً من أصحاب المواهب التي أشرنا لها. لقد شاهدتُ في ذلك الحين فرقة كربلاء 25 ، و لم يكن الأمر طبعاً مقتصراً على فرقة كربلاء 25 ، فقد كانت هناك أيضاً فرقة گرگان 30 و وحدات أخرى من أهالي مازندران، لكن القوة الأهم كانت فرقة كربلاء 25 ، و قد شاهدنا عن كثب هذه الفرقة و أعمالها، و سمعنا عنها، و قد نهض هؤلاء بأعمال كبيرة في الحرب، و قد ضحّى أهالي مازندران تضحية حقيقية و بعثوا شبابهم إلى الجبهات بكل إخلاص، و سار هؤلاء الشباب فقاوموا و صمدوا، و استطاعوا إنجاز مهمات و أعمال كبيرة في العمليات المختلفة التي ذكروها (4) .و كذا الحال في مجالات أخرى غير ملحمة الدفاع المقدس. في قضية آمل نفسها حيث أبدى أهالي آمل تحرّكاً شعبياً عجيباً (5) ، و أنْ يذكر الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) أهالي آمل في وصيته فهذا دليل على عظمة ما قاموا به بكل شرائحهم حتى النساء منهم.الفتاة ذات الأربعة عشر أو الخمسة عشر ربيعاً تتوجّه في قضية آمل إلى الحرب و تستشهد. (6) و بالطبع فإن بطولات و سوابق أهالي آمل كثيرة، و قد قلت مراراً إنه منذ العهود القديمة كانت منطقة طبرستان هذه و منطقة ما وراء هذه الجبال الشاهقة.. حيث لم يكن بوسع قوات الخلفاء أن يعبروا هذه الجبال، فكان الفارّون من جورهم من آل الرسول (ص) و الشباب الذين يتعرضون للضغوط في المدينة و الكوفة و مناطق العراق و الحجاز يهربون هم و نساؤهم و أطفالهم و يوصلون أنفسهم إلى الطرف الآخر الذي لا تستطيع القوات المسلحة آنذاك الوصول إليه. لذلك كان أهالي مازندران منذ أن دخلوا في الإسلام من أتباع أهل البيت (ع) أي إن إسلامهم منذ البداية كان مصحوباً باتباع أهل البيت (عليهم السلام). لقد قاموا بمثل هذا العمل العظيم. و حتى بعد ذلك عندما أراد بعض السادة الزيديين و المقاتلين من أتباع المذهب الزيدي أن يقوموا ببعض التحركات في اليمن، سار البعض من مازندران لمساعدتهم و استطاعوا إقامة حكومة علوية و زيدية في اليمن خلال القرون الإسلامية الأولى. القصد أن مفاخر أهالي مازندران ليست قليلة أو معدودة. و بعد ذلك في مجال البناء تولّى أهالي مازندران إعادة بناء مدينة سوسنگرد، و قاموا بإعادة البناء قبل غيرهم و أنهوا العمل و سلّموه، أي إنهم قاموا بعمل كبير و مميز في مجال البناء. و إلى الآن لا زال أهالي مازندران أوفياء و الحمد لله، على الرغم من أن أعداء الإسلام و عملاء أجهزة الطاغوت عملوا الكثير خلال عهد الحكم الطاغوتي ضد الدين و العفاف و المعنوية - سواء من الناحية الأخلاقية أو من الناحية السلوكية أو من الناحية العقيدية - في هذه المحافظة، لكن أهاليها حافظوا على إيمانهم و عبّروا عن هذا الإيمان بهذه الصورة في فترات مختلفة. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً لتستطيعوا أن تتقدموا بهذا العمل الكبير و أعمال كبيرة أخرى من هذا القبيل على أحسن وجه. و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌الهوامش:1 - أقيم هذا المهرجان في يوم الخميس الثاني من كانون الثاني 2014 م.2 - إشارة اللواء السيد محمد تقي شاهچراغي ( أمين عام المهرجان) إلى البرامج التالية: البحث و تجميع آثار الشهداء و المضحّين في أربعة أطر هي: البحث في العمليات، و البحث في الشهداء، و التاريخ الشفهي، و الذكريات الشفهية، و نشر صحيفة مهرجان الشهداء بعنوان «الأخضر الأحمر»، و إطلاق موقع إعلامي إنترنتي بعنوان «الحرب و الكنز»، و دعم المواقع الالكترونية المماثلة، و تعليم رواة ملاحم الحرب، و إقامة ملتقيات، و اللقاء بعوائل الشهداء، و إنتاج برامج تلفزيونية و إذاعية، و بناء و إحياء الأبنية الخاصة بذكريات الدفاع المقدس، و المتحف - المنتزة الخاص بالدفاع المقدس في مازندران.3 - اللواء الأمير مرتضى قرباني.4 - أمين عام المهرجان5 - في صباح يوم السادس من بهمن سنة 1360 هـ ش 26/01/1982 م و بهدف إطلاق انتفاضة عامة احتل جماعة من الشيوعيين مدينة آمل، لكن الأهالي المضحين في هذه المدينة جابهوهم مجابهة مسلحة في النفس اليوم و انتهوا الفتنة في عصر نفس اليوم.6 - الشهيدة طاهرة هاشمي.7 - أمين عام المهرجان.  
2013/12/16

كلمته في لقائه أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بالإخوة الأعزاء و أختنا المحترمة (1)، و أدعو لكم بالعون الإلهي لجهودكم و أعمالكم و متابعتكم و اهتمامكم الذي أبديتموه في ما يتعلق بالشؤون ذات الصلة بهذه المنظومة المهمة. و نسأل الله تعالى أن يوفقكم و يعينكم. نحن بحاجة للعون الإلهي و الهداية الإلهية للوصول إلى الفكر الصحيح، و نحتاج كذلك لعون الله في مجال القدرة لتنفيذ ما نعتقده صحيحاً و ما نتخذه من قرارات. يجب أن نتوسّل إلى الله و نتوجّه إلى الله تعالى و نطلب منه العون. من واجبنا أن ننزل هممنا و جهودنا إلى الساحة، و تبقى البركة و العون على الله. بهممكم و مساعيكم سوف تتقدم الأعمال الثقافية المهمة التي بين أيدينا إلى الأمام إن شاء الله.لقد سجّلت بعض النقاط أذكرها للأعزاء. القضية الأولى تتعلق بأهمية موضوع الثقافة في المجتمع. أنتم جميعاً و الحمد لله شخصيات ثقافية و لا حاجة لإعادة ذكر هذا الموضوع و إعادة التدقيق فيه لكم. المسؤولون في إيران و الحمد لله كلهم من أهل الثقافة و هم من رجال الساحة الثقافية قبل كل شيء. السيد الدكتور روحاني و هو رئيس جمهورية إيران، عنصر ثقافي قبل أن يكون عنصراً سياسياً. لقد عرفناه منذ سنين طويلة بهذا العنوان و بهذا الشكل. منذ بدايات عقد الخمسينيات [السبعينيات من القرن العشرين للميلاد] و إلى الآن عرفناه كعنصر ثقافي. و كل رؤساء السلطات و مسؤولي البلاد من هذا القبيل و الحمد لله، فأنتم رجال الساحة الثقافية، و الناشطون في الواقع على الساحة الثقافية قبل أن يكون لكم أي عنوان آخر. لذلك ليس من اللازم أن نقول شيئاً لكم في ما يتعلق بأهمية القضية الثقافية و القيم الثقافية لبلد من البلدان. بيد أننا نطلب اهتمامكم الخاص في التركيز على هذا الموضوع. لأن لديكم أين ما كنتم و الحمد لله مكانة و موقعاً للتحدّث و التأثير، و هناك منابر تحت تصرّفكم، فاستفيدوا من هذا من أجل أن توضع قضية الثقافة في مكانها المناسب اللائق في المجتمع و في أنظار النخبة في البلاد. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. الثقافة هوية الشعب. القيم الثقافية روح الشعب و معناه الحقيقي. كل شيء يترتب و يقوم على الثقافة. ليست الثقافة على هامش الاقتصاد، و لا هي على هامش السياسة، بل الاقتصاد و السياسة هما على هامش الثقافة. يجب التنبّه لهذا الشيء. لا نستطيع فصل الثقافة عن المجالات الأخرى. و كما أشاروا (2) حين قلنا لتكن للقضايا الاقتصادية و لمختلف الشؤون الأخرى ملاحق ثقافية (3) فهذا هو المعنى المراد من قولنا. معناه عندما نروم إطلاق حركة أساسية في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي أو في مضمار البناء أو في التقنية و الإنتاج و التقدم العلمي، يجب أن نتفطن للوازمها الثقافية. أحياناً يدخل المرء في عمل و مشروع معين و يقوم بعمل اقتصادي لكنه غير منتبه للوازم و التبعات الثقافية لعمله هذا. نعم، العمل عمل كبير، عمل اقتصادي كبير، و لكن تترتب عليه لوازم و تبعات و آثار فيها ضرر على البلاد. هكذا هي الثقافة. يجب أخذ الجانب الثقافي بنظر الاعتبار في كل الأمور، و أن لا نسمح بنسيان هذا الجانب. و الثقافة بحاجة للبرمجة. يجب أن لا نتوقع لثقافة البلاد - سواء الثقافة العامة أو ثقافة النخبة أو ثقافة الجامعات و غير ذلك - أن تصلح و تتقدّم إلى الأمام من تلقاء نفسها. لا.. فهذا الأمر بحاجة للبرمجة. و سوف أتحدث عن شؤون الإشراف و الرصد و ما إلى ذلك. لا يمكن أن لا يشعر المسؤولون في البلاد بمسؤولية في ما يخص الهداية الثقافية للمجتمع. و كما أشار السيد رئيس الجمهورية (4) من واجب الحكومة و المسؤولين أن يهتموا للتيار العام لثقافة المجتمع، فينظروا إلى أين نحن سائرون، و ما الذي يحدث و يقع، و ما الذي ينتظرنا، و إذا كانت هناك حالات تزاحم و عراقيل يجب أن يرفعوها، يجب أن يرفعوا الموانع و العقبات و العوامل المخرّبة و المفسدة. إذا قلنا لفلاح أو لبستاني ماهر و خبير و طلبنا منه رفع الأدغال الزائدة في حديقة فليس معنى هذا أننا نروم الحيلولة دون نمو الأزهار في هذا الحديقة أو أن نتأمّر عليها، لا، اسمحوا للزهور العطرة أن تنتفع حسب طبيعتها و مواهبها من الماء و الهواء و من أشعة الشمس و تنمو و تتفتح. و لكن إلى جانب ذلك لا تسمحوا للأدغال الزائدة بالنمو، لأنها إذا نمت حالت دون نمو الزهور. حين نعارض بجد بعض الظواهر الثقافية و نتوقع من مسؤولي البلاد - سواء المسؤولين الثقافيين أو غير الثقافيين - و من هذا المجلس أن يحول دونها، فهذا هو السبب. بمعنى أن معارضة العراقيل الثقافية لا تتنافى إطلاقاً مع تنمية الإيجابيات الثقافية و تركها حرّة و تربيتها. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. لقد قلتُ أشياء بهذا المضمون لوزراء الثقافة و الإرشاد و لوزير الثقافة و الإرشاد المحترم، و تحدثت كذلك مع حضرة السيد روحاني في هذا الخصوص، و أقول لكم أيضاً إن من الواجبات الإشرافية و المراقباتية للحكومة أن تتنبّه لهذه العراقيل. افترضوا مثلاً وجود عامل و آفة مهمة في الثقافة العامة اسمها الطلاق، أنتم مضطرون طبعاً للحيلولة دون هذا العامل، أي إذا أردتم أن لا يشيع الطلاق في المجتمع فيجب التنبّه لهذا المعنى. ينبغي أن تحولوا دون هذا الشيء الذي يأخذ الناس بشكل طبيعي و يأخذ الشباب و البنات و البنين نحو عدم الرغبة في العائلة و عدم الاكتراث للمؤسسة العائلية و عدم الاهتمام للزوج. هذه نقطة من النقاط. و عليه، نتحمّل مسؤولية شرعية و مسؤولية قانونية حيال ثقافة البلاد و الثقافة العامة في الوطن. و طبعاً نجد في بعض المطبوعات و الصحف و الكتابات و الأقوال أن البعض يتحدثون عن «دين حكومي» و «ثقافة حكومية» و يريدون تقليص إشراف الحكومة و تخريبه و تكوين وصمة خاطئة و معارضتها، فيقولون إن هؤلاء يريدون جعل الدين حكومياً و جعل الثقافة حكومية! ما معنى هذا الكلام؟ الحكومة الدينية لا تختلف إطلاقاً عن الدين الحكومي. الحكومة جزء من الشعب، و الدين الحكومي معناه دين الشعب، و هو نفس هذا الدين الذي يحمله الناس، و الحكومة لها نفس هذا الدين. من واجب الحكومة ترويج الدين أكثر. كل شخص و بمقدار استطاعته يجب أن يعمل و ينفق من طاقته.. رجل الدين يجب أن ينفق طاقاته، و الجامعي يجب أن ينفق طاقاته، و الإنسان الذي يمتلك منبراً أو دائرة نفوذ على الناس يجب أن ينفق طاقته و قدراته. و الأقوى من كل هؤلاء هو الجهاز الحكومي في البلد، و من الطبيعي أن ينفق هذا الجهاز أيضاً طاقاته و قدراته في سبيل إشاعة الفضائل و الحيلولة دون ما يعرقل نمو الفضائل. و إذن، ثقافة المجتمع تحتاج إلى مسؤول، و هي في ذلك كالاقتصاد.إنكم على الصعيد الاقتصادي أيضاً تعتقدون أن الأمور يجب أن تكون بأيدي الناس، و هذه عقيدتنا نحن أيضاً، و قد عرضنا هذا المعنى في تفسير المادة 44 . (5) ليس معنى هذا بالتالي أن الحكومة تسمح للفرد بالعمل الاقتصادي بحيث يمسك بيديه شيئاً محتكراً و يفضي هذا الاحتكار في نهاية المطاف إلى ضرر الناس. إنكم في هذه الحالة سوف تحولون دون هذا الشخص و تحولون دون هذا الاحتكار، و تمنعون العدوان و التطاول، و تقفون بوجه الفساد الاقتصادي و بوجه استغلال مصادر الحكومة و المصادر العامة. أي إنكم تحولون دون هذه العراقيل. و الحال أننا نعتقد أن الاقتصاد يجب أن لا يكون حكومياً - لقد كانت هذه عقيدتي منذ البداية، أي منذ أن كانت حكوماتنا تسعى نحو الاقتصاد الحكومي، لم أكن اعتقد بهذا، و كنت أسوق لهم الأمثلة في هذا المعنى - (6) و لكن لا بدّ في الوقت نفسه من إشراف الحكومة، بل و لا بدّ في بعض الأحيان من تدخل الحكومة. مثلاً تلاحظون عدم وجود رغبة في النشاط الاقتصادي الفلاني، و أصحاب الرساميل لا يريدون الاستثمار في هذا المجال، فماذا تفعلون بوصفكم حكومة؟ سوف تستثمرون هناك بالطبع. و على سبيل المثال نحتاج في البلاد إلى مادة معينة، و المستثمر - باعتباره تاجراً ذا نظرة اقتصادية - لا يتجه بذلك الاتجاه، لأن فيه مشاقاً له و لا توجد فيه جدوى اقتصادية له. فماذا تفعلون أنتم؟ سوف تتدخلون و تنتجون تلك المادة بأنفسكم.و بالتالي، مثل كل مكان حيث تكمّل الحكومة النواقص و ترفعها، و تعدّل الاعوجاجات، و تحول دون الانحرافات، و بالطبع فإن هذا المعنى في المضمار الثقافي أكبر بكثير من المجال الاقتصادي. و قد تحدثت عن الاقتصاد كمثال. إذن، تدخّل الجهاز الحكومي في القضية الثقافية لا يعني إلغاء نشاط الشعب. و كما أشار السيد الدكتور روحاني و هو على حق (7) فإن الثقافة تعتمد على الناس، كل مجالس العزاء هذه، و كل مجالس الخطابة هذه، و كل هذه الاتحادات الأدبية، و كل هذه الاتحادات و الجمعيات العلمية، كيف تستطيع الحكومات أن توجد كل هذه الأنشطة؟ و أين يمكن للحكومات مثل هذا؟ كل صلوات الجماعة هذه، و كل هذه الأعمال الثقافية المتنوّعة التي تتم و تجري على مستوى البلاد، لو افترضنا أن الحكومات أرادت القيام بكل هذه الأعمال و الأنشطة فلن تستطيع ذلك، إنما هي من فعل الشعب و الناس. لكن هذا لا يستدعي أن لا تتدخلوا لو رأيتم في مكان ما تحركاً داخل نفس هذه الأنشطة الشعبية فيه آفات و أضرار اجتماعية، و أن تقولوا إننا لا نتدخل. لا، هنا من اللازم أن يصار إلى التدخل و الهداية و العمل. و في بعض الأحيان ينظر المرء فيرى للأسف أن بعض الذين لا مسؤوليات لهم في الأجهزة و المؤسسات و ما إلى ذلك يتحدثون بطريقة غير مسؤولة، فهم ينظرون للادعاءات التي تطلق في البلدان الغربية حول الحريات الثقافية و ما إلى ذلك، و الحال أن الأمر ليس كذلك. إصرار الغربيين و مقاومتهم على قيمهم الثقافية ليست بأقل منا، بل أكثر. مثلاً من الدارج في ثقافة البلد الفلاني أن يوزّع و يُحتسى المشروب الفلاني في مجالس ضيافة رئيس الجمهورية. و إذا قال رئيس جمهورية أحد البلدان إنني غير مستعد لذلك فإنهم سوف يلغون مجلس الضيافة من أساسه، أي لا يقيمون مجلس ضيافة، و هذا ما حدث، و نحن مطلعون على مصاديق من ذلك في زمان حياتنا، و أنتم أيضاً ربما كلكم أو أكثركم مطلعون على مثل هذا. إذا لم يربط الشخص ربطة العنق و أراد الدخول في مجلس رسمي يقولون إن هذا بخلاف البروتوكول، و غير ممكن، و لا بد لك إما أن تربط پاپيوناً أو ربطة عنق! ما معنى هذا؟ هذه بالتالي ثقافة، و هم متعصبون و ملتزمون بهذه الأمور إلى هذا الحد.و قضية اختلاط المرأة و الرجل التي أطلقوا عليها اسم المساواة، و هي للأسف ليست مساواة، بل هي اختلاط بين المرأة و الرجل.. إنه اختلاط مضرّ و مسموم جداً و قد سمّم اليوم المجتمعات و المجتمعات الغربية أكثر من غيرها، و راح مفكروهم الآن يدركون أن هذا المسار مسار لا نهاية له أساساً، بمعنى أن هذا المسار سيستمر هكذا و الطبع الجشع للإنسان سوف يأخذ هذا المسار إلى متاهات. هم يعتبرون هذا الاختلاط أحد أصولهم و مبادئهم، و إذا لم توافقوا ذلك يقصونكم و يطردونكم و يرفضونكم و يذمّونكم، أي إنهم متعصّبون و ملتزمون أكثر منا بأشياء غير معقولة. أو أمور من قبيل الحفلات التنكّرية الدارجة في البلدان الغربية و كم فيها من الفجائع التي يطول شرحها. القصد أنهم متعصبون أكثر منا و تأخذهم اللجاجة أكثر منا على قيمهم الثقافية و هي في الواقع قيم سلبية. فلماذا لا نصرّ نحن على ثقافتنا؟ على هذا الأساس، أهمية الثقافة و الاهتمام بالثقافة قضية تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى على مسؤولي البلاد، و هذا المجلس هو أعلى المراكز.و القضية الثانية هي قضية هذا المجلس. المجلس الأعلى للثورة الثقافية أحد الإبداعات المباركة بحق للإمام الخميني الجليل. في البداية كانت لجنة الثورة الثقافية، ثم اقترح عليه مجلس الثورة الثقافية، فوافق دون أي تردد، و أصدر حكماً أكيداً قوياً. بعد ذلك سألته حين كنتُ رئيساً للجمهورية هل إن قراراتنا قوانين، فقال يجب العمل بالقرارات. (8) أي إنه جعل القرارات في حكم القوانين. كان هذا من الأعمال المهمة للإمام الخميني. و قد قال السيد الدكتور روحاني بحق إن هذا المجلس هو أعلى و أفضل مركز، أي إنه لا توجد حكومة تستغني عن مثل هذه المجموعة التي تعدّ و الحمد لله رصيداً كبيراً. و أكبر رصيد لهذا المجلس هو أنتم الأعضاء المحترمون. بمعنى إن هذه المجموعة التي تشكّلت - سواء الأعضاء الحقيقيون أو الأعضاء الحقوقيون - أفضل مجموعة توجد هنا. رئيس المجلس هو رئيس الجمهورية أي رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، و نوّاب الرئيس هم رئيس مجلس الشورى الإسلامي و رئيس السلطة القضائية. هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. هؤلاء في الغالب عناصر و شخصيات ثقافية، و من أهل الثقافة و من أصحاب الهموم الثقافية و تمثل القضية الثقافية بالنسبة لهم قضية أساسية دوماً. و الأعضاء أعضاء مهمّون. من أهم الخواص و النقاط المهمة في هذا المجلس هي أن هذا المجلس يجعل القضية الثقافية غير تابعة لمتغيرات التيارات و الفئات السياسية. من المهم جداً إنقاذ القضية الثقافية من الرتابة اليومية. مثل هذا الموضع المستقر و هو موضع ثابت و مستقر في كل الحكومات - قد يتغيّر في بعض الأحيان عدد من أعضاء المجلس و هذا لا يؤثر سلباً على التركيبة المهمة للأعضاء الحقيقيين و الحقوقيين للمجلس - مما يجعل الحركة الثقافية للبلاد حركة ثابتة. و قد أنجزت أعمال مهمة في هذا المجلس قد أشير لها خلال كلمتي. ما أروم التأكيد عليه في هذا الجانب من كلمتي و المتعلق بالمجلس هو أن أعضاء هذا المجلس يجب أن يؤمنوا به. يجب أن تؤمنوا أن هذا المجلس هو المقر المركزي لثقافة البلاد، و أن تؤمنوا أن هذا المكان هو مقر قيادة القضايا الكبرى في ثقافة البلاد و في رسم سياسات البلاد. ينبغي للأعضاء أن يلاحظوا هذا الشيء و ينتبهوا له. التواجد المستمر سواء تواجد الأعضاء بشكل مستمر أو تواجد المجلس نفسه، بمعنى أن المجلس لا يقبل التعطيل. رؤساء البلاد لديهم أسفارهم بالطبع و هم يذهبون هنا و هناك، و هذا يجب أن لا يؤدي إلى تعطيل المجلس، فالمجلس يجب أن يستمر، بمعنى أن هذه الآلية الإدارية للمجلس التي تقررت هي من أجل أن لا يتعطل المجلس أبداً. هذه بدورها نقطة تتعلق بهذا المجلس. بخصوص القرارات، نعم أنا أيضاً أعتقد تمام الاعتقاد أنه يجب الخوض في الكليات و القضايا المهمة و الأساسية و الجذرية، و هو ما حصل خلال هذه الأعوام الأخيرة. في السابق كنا غير راضين عن أن المجلس يخوض أحياناً في قضايا جزئية و يخصّص لها وقتاً طويلاً. في ذلك الحين أي في عقد الستينيات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد] عندما كنت أنا نفسي في المجلس كنا نواجه هذه المسألة، فأحياناً كنا ننفق وقتاً على شخص معين و تبقى الأمور الأساسية المهمة دون معالجة. و لكن الوضع الآن و الحمد لله ليس بهذا الشكل. المسألة الثالثة هي مسألة الضمانة التنفيذية. يجب تنفيذ القرارات التي يصادق عليها المجلس الأعلى للثورة الثقافية. و إذا دوّنتم آلية لضمان التنفيذ فبها و نعمت، و إذا لم يجر في هذا المجلس تدوين آلية خاصة لضمان تنفيذ الآليات، فإن نفس تواجد رئيس الجمهورية و رئيس السلطة التشريعية - عندما تكون هناك حاجة لتشريع القوانين - و الوزراء المحترمين و مسؤولي الأجهزة المعنية، يجب أن يكون بمعنى الضمانة التنفيذية. أي عندما يجري تدوين الخارطة العلمية الشاملة - و للحق أن من الأعمال الكبرى في المجلس الأعلى للثورة الثقافية تدوين هذه الوثيقة أي الخارطة العلمية الشاملة للبلاد، و هي مشروع جيد جداً و قد تمّ تدوين آلية تنفيذية جيدة له، و هي من جملة الأعمال - على الأجهزة و المؤسسات التنفيذية أن تهتم بدورها بتنفيذ و تطبيق هذه الوثيقة. أو على سبيل المثال وثيقة الهندسة الثقافية - و التي سمعنا أنها على وشك الانتهاء أو قد انتهت فعلاً - هذه أيضاً يجب إعداد آلية تنفيذية لها بكل تأكيد لتتحقق و تتنفذ. أو وثيقة الجامعة الإسلامية مثلاً، أو وثيقة التحوّل الجذري في التربية و التعليم، حيث يجب أن يتعهّد وزير التربية و التعليم المحترم بتنفيذ هذه الوثيقة عملياً. أو الميثاق الاستراتيجي للنخبة في البلاد - و قد شاركت بنفسي في ذلك الاجتماع، و هو ميثاق على جانب كبير من الأهمية - و على معاونية رئاسة الجمهورية المحترمة أن تتابع هذه القضية. و الخلاصة هي أن أعضاء المجلس و الأجهزة الثقافية نفسها يجب أن تؤمن بأننا جعلنا هذا المجلس مقراً مركزياً. و تعبير المقر قد يكون ثقيلاً على آذان البعض - فالمقر مصطلح حربي و عسكري - و يقولوا إن المقر يختص بالشؤون العسكرية، و أنتم لا تتركون التفكير العسكري حتى في القضايا الثقافية! واقع القضية أن المعركة الثقافية إنْ لم تكن أهم من المعركة العسكرية و أخطر، فإن خطرها و أهميتها ليست بأقل.. اعلموا ذلك، و أنتم تعلمونه.. إنها فعلاً ساحة معركة. و الأمر على هذا النحو خصوصاً في المقرات العسكرية. لا يتحمّل المقر مسؤولية تنفيذ التقسيم بمعنى أن تتعلق وحدة معينة به، لكن الوحدات تكون تحت تصرفه، و حسب التعبير العسكري تكون تحت سيطرته العملياتية. عندما نقيم مقراً عسكرياً يقول الحرس مثلاً إن هذه الوحدات من الحرس تحت سيطرة عملياتية من قبل تلك التشكيلات، فدعم و إمداد تلك الوحدات يرجع إلى تلك المنظمة - إما الجيش أو الحرس أو الأجهزة الأخرى - لكن استخدامها و توجيهها يقع على عاتق المقر. ينبغي هنا التنبّة إلى مثل هذه الحالة. على كل حال، هذه الوثائق التي أعددتموها - و هي وثائق جيدة جداً و قد ذكرتُ بعضها، و هي طبعاً أكثر من ذلك، فقد جرى تدوين عدة وثائق أخرى - يجب أن تأخذوها مأخذ الجد، و لا يكون الأمر بحيث لو دوّنتم وثيقة تتعلق مثلاً بجهاز التعليم العالي، أو وزارة الصحة، أو التربية و التعليم، أو وزارة الثقافية و الإرشاد، و صادقتم عليه، تعطونه لذلك الجهاز و تنسحبون و تتركون الأمر. هذا ليس من المصلحة. عليكم أن تواصلوا إشرافكم على كيفية التنفيذ، إما إلى نهاية الأمر أو على الأقل إلى حين يأخذ العمل سياقه الطبيعي و تجدون أن الأمور يجري تنفيذها. و عليه، اعتقد أن مسؤولية المجلس الأعلى للثورة الثقافية كبيرة هنا أيضاً، أي في ما يتعلق بضمانة التنفيذ. النقطة الرابعة التي أروم الإشارة لها هي قضية الغزو الثقافي. لقد طرحنا قضية الغزو الثقافي قبل سنوات، و أنكر البعض أساساً وجود غزو ثقافي، و قالوا: أي غزو؟ ثم وجدوا تدريجياً أننا لسنا وحدنا الذي نقول بذلك، بل الكثير من البلدان غير الغربية أيضاً تثير قضية الغزو الثقافي و تقول إن الغربيين يهاجموننا، ثم وجدوا أنه حتى الأوربيون يقولون إن أمريكا تهاجمنا و تغزونا! لا مراء أنكم شاهدتم مثل هذه الأقوال و قرأتموها حيث قالوا إن الأفلام الأمريكية و الكتب الأمريكية تشنّ علينا غزواً ثقافياً و تعمل على التأثير على ثقافتنا. و بعد ذلك و بفضل قبول الآخرين، وقع كلامنا هذا موقع القبول لدى الكثير من الذين لم يكونوا قد وافقوه! الغزو الثقافي واقع. هناك المئات - و حين أقول المئات يمكن القول الآلآف، و لكن لأنني أرغب أن احتاط بعض الشيء في ما يتعلق بالإحصائيات و الأرقام، لذا أقول المئات - من وسائل الإعلام المسموعة و المرئية و الإنترنتية و المكتوبة في العالم تعمل و هدفها إيران! الهدف هو إيران! لا أنها تعمل على رسلها و بشكل طبيعي. تارة تعمل إذاعة البلد الفلاني أو تلفزيون البلد الفلاني على رسله و بشكل طبيعي و لنفسه. لكن الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام هذه ليس على هذا النحو، بل هي تستهدفنا تحديداً، فهي تنتج البرامج باللغة الفارسية، و تنظم البث حسب أوقات مشاهدة الإيرانيين و الناطقين بالفارسية، و هم يرصدون قضايانا و يعدّون موضوعات برامجهم و مضامينها على أساس تلك القضايا. و بالتالي، من الواضح جداً أنها تستهدف إيران. و هم يصرّحون بذلك و لا ينكرونه. إذن، الغزو الثقافي حقيقة موجودة و قائمة. يريدون التأثير على أذهان شعب إيران و على سلوكه، من شبابه و أحداثه و حتى أطفاله. و من جملة ذلك هذه الألعاب الإنترنتية. هذه الألعاب التي تدخل البلد من جملة ذلك، و قد تحرّقت وتآلمت كثيراً في ما يخص قضية إنتاج ألعاب داخلية جذابة و ذات معنى، و تحدثت في ذلك مع بعض المسؤولين ليتابعوا الأمر. طبعاً يبدو أنه تم في المجلس الأعلى للثورة الثقافية اتخاذ قرار في هذا الشأن و الحمد لله، و سوف تتابعون هذا القرار إن شاء الله ليجري تنفيذه. جاء أصدقاؤنا في إحدى المؤسسات الناشطة و المسؤولة و صنعوا عرائس جيدة. في البداية أثار الأمر حساسية الطرف المقابل - أي المعارضين و الأجانب - بأن هؤلاء أنتجوا هذه العرائس في مقابل باربي و ما إلى ذلك. لكن كلامهم لم يجد نفعاً. و قد قلت لهم إن الإشكال في مشروعكم هو أنكم عرضتم في الأسواق دمية ولد اسمه فلان و دمية بنت اسمها فلانة، لكن أطفالنا لا يعرفون عرائسكم هذه - لاحظوا، هذا ما نسمّيه الملاحق الثقافية - فهي عرائس ليس إلّا، في حين يعرف الأطفال رجل العنكبوت، و يعرف الأطفال بتمن (رجل الوطواط). أنتجوا عشرة أفلام أو عشرين فيلماً، و شاهد الناس هذه الأفلام، و حين يرون أن نفس تلك الشخصية التي شاهدوها في الفيلم موجودة في المحلات التجارية على شكل عرائس، سيطلب الأطفال من آبائهم و أمهاتهم أن يشتروا لهم هذه العرائس لأنهم يعرفونها. هذه هي الملاحق الثقافية. عليكم إلى جانب هذه العرائس التي تنتجونها إنتاج أفلام للأطفال لتعريف هذه العرائس، و بعد أن يجري تعريفها و ترويجها فإنهم سيشترونها بصورة طبيعية، و لكن عندما لا يجري تعريفها فلن تكون لها أسواق و سوف تصاب بالإفلاس و الخسارة، و قد أصيبت بالخسارة. يجب التدقيق في هذه الأمور. على كل حال، الغزو الثقافي حقيقة واقعة بهذا الشكل. كتب تعليم اللغة.. تعلمون أن تعليم اللغة الإنجليزية - و خصوصاً اللغة الإنجليزية، و اللغات الأخرى بدرجات أقل بكثير - شائع اليوم بكثرة، و هم يؤسسون الكثير من مراكز و معاهد التعليم. و حين تكون هناك مراكز للتعليم و كتب للتعليم و هي كتب موضوعة بأساليب جديدة و جيدة لتعليم اللغة الإنجليزية، فإن ذلك سينقل أسلوب الحياة الغربية و أسلوب الحياة الإنجليزية. أطفالنا و أحداثنا و شبابنا سوف يقرأون هذه الكتب و لا يتعلمون اللغة فقط، بل قد ينسون تلك اللغة، لكن ما يؤثر عليهم أكثر هو التأثير و الانطباع الذي سيحمله القارئ نتيجة قراءته هذا الكتاب بخصوص أسلوب الحياة الغربية، فهذا الانطباع لا يزول. إنهم يفعلون هذه الأفعال و النشاطات. طيّب، ما الذي ينبغي فعله مقابل هذا؟ في مقابل هذا لا بدّ من شيئين: الأول العمل و الثاني الإبداع. هذان العملان و هاتان النقطتان المهمّتان يجب أن تؤخذا بنظر الاعتبار. يجب أن نعمل و العمل يجب أن يكون إبداعياً. طبعاً مسؤولية الإذاعة و التلفزيون في هذا الخصوص ثقيلة جداً، و مسؤولية وزارة الثقافة و الإرشاد جسيمة جداً. أتخطر أنني قلتُ هذا لحضرة السيد جنتي (9)، إن من الأعمال التي يجب أن نقوم بها هو إنتاج الكتب، و ترجمة الكتب. لاحظوا ما الذي ينشر في العالم مما يجب على الشاب الإيراني أن يعرفه، قوموا بترجمته، و أنفقوا المال لتترجم هذه الأعمال. هذا ما يقوم به الآخرون أيضاً - إنني كثير الانشداد للكتب و أقرأ الكثير من الكتب، و على اطلاع واسع بسوق النشر و الجديد من الكتب - هناك أعمال تنجز و صاحب رأس المال يعطي مالاً كبيراً للمترجم لترجمة الكتاب الفلاني. سألت بعض السادة هل المترجم يراجعكم أم أنتم تراجعون المترجم؟ قال: لا، نحن نراجع المترجم. و هو على حق و صدق، فهم يجدون المترجم ليترجم الكتب. و أنتم أيضاً يجب أن تفعلوا الشيء نفسه.. ترجموا الكتب، و أنتجوا الكتب، و أنتجوا الأفلام. و الحمد لله على أن إمكانيات إنتاج الأفلام عندنا في الوقت الحاضر كبيرة. قلتُ للسيد الدكتور روحاني مؤخراً و قبل مدة وجيزة بأنني شاهدت فيلماً هو للحق و الإنصاف شبيه بمستوى الأفلام الهوليوودية من حيث الأسلوب و البناء و طراز العمل. من المهم جداً أننا في الوقت الحاضر لدينا في البلاد إمكانيات في الإعلام و الإيصال و نقل الأفكار. الأفلام أدوات جذابة، و السينما عنصر جذاب جداً، و وسيلة إعلامية ممتازة، و للحق فإنه لا يوجد اليوم شيء كالسينما في تأثيره. اعملوا على هذا الصعيد، و لتكن أعمالكم إبداعية. و كذا الحال بالنسبة للألعاب، و كذا الحال بالنسبة للألعاب الكومبيوترية، و كذا الحال بالنسبة للدمى و العرائس.. هذه أمور ضرورية و لازمة. لقد أصبحت البندقية اللعبة الشائعة لدى أطفالنا. و الأمريكان الذين سبقونا بكثير في هذا المجال ها هم اليوم نادمون و حائرون و لا يدرون كيف يعالجون الموضوع. كان أطفالنا يعلبون ألعاباً فيها حركة و رياضة و تسلية، ثم أخذناهم إلى الإنترنت حيث لا حركة جسمية و لا حركة روحية، و جرى احتلال أذهانهم من قبل الطرف الآخر. تعالوا و أنتجوا الألعاب و أشيعوها و انشروها على غرار الألعاب القديمة التي كانت دارجة بين أطفالنا. أشيعوا هذه الأعمال و انشروها. يجب أن لا نبقى ننظر دوماً للغربيين و ما يدعمونه من الألعاب فندعم و نشيع نفس الألعاب. و لا أريد أن أتحدث حول بعض هذه الرياضات، و لكن لدينا الكثير من الأعمال و الأشياء الجيدة المحلية. و سبق أن قلت (12) إن لعبة الچوگان من ألعابنا، و قد أخذها الآخرون و سجّلوها باسمهم (13). أشيعوا هذه اللعبة و هي لعبة تراثية و جميلة و فنية. لكم أن تروّجوا هذه الأشياء حتى يتجه الشباب و الأطفال نحوها. أطفالنا - أحفادي - يعرفون أسماء لاعبي و نجوم كرة القدم على أحسن وجه، و هم يذكرون أسماءهم الواحد تلو الآخر، و هذا مشجّع لذاك و ذاك مشجّع لهذا، و الفريق الفلاني زيّه اللون الفلاني، و الفريق كذا يلبس كذا، لكنهم لا يعرفون اسم العالم الفلاني المعاصر لهم، و إذا ذكرت اسمه لا يعرفون من هو. هذه أشياء سيئة، و يجب علينا العمل في هذا المجال بجدّ. أريد أن أقول إننا في تعاملنا مع الظواهر الهجومية يجب أن نتعرف على الظاهرة في بداية دخولها أو حتى قبل دخولها. لنفترض أن شيئاً أو فكرة أو منهجاً يشيع في العالم، و واضح أنه سوف يدخل إلى بلادنا - و العالم عالم الاتصالات و الارتباطات و لا يمكن بناء أسوار حول أنفسنا - ففكروا ما هو التعامل الحكيم مع هذه الظاهرة قبل دخولها. و ليس معنى هذا أن نرفض هذه الظواهر و الأشياء دوماً. لا.. فهناك أحياناً ظواهر نستطيع قبولها، و هناك أحياناً ظواهر نستطيع إصلاحها، و هناك أحياناً ظواهر نستطيع استكمالها بشكل يرفع مشكلاتها. التأخر في العمل و المبادرة، و التأخر في الفهم، و التأخّر في التفكير بالعلاج، سوف يسبّب لكم لاحقاً مشكلات لا تستطيعون مواجهتها. إذن، لا أقول لتكن لنا مواقفنا الدفاعية فقط - و بالطبع حين يكون هناك هجوم يجب على الإنسان الدفاع، فهذا مما لا شك فيه - و ما أوصي به ليس مجرد المواقف الدفاعية، بل يجب أن تكون لنا مواقفنا الأصلية و الهجومية و تحركاتنا الصحيحة. على كل حال أسوء الأفعال و أقبحها مقابل الثقافة المهاجمة هو الانفعال. و أكثر الأفعال خسارة هو الانفعال. الثقافة الغازية المهاجمة يجب أن لا تدفعنا نحو الانفعال. أقصى حد أن نقول: حسناً، لا نستطيع فعل شيء مقابل هذا، لكننا في الوقت نفسه لا ننفعل. الانفعال و تقبّل هجوم الأعداء خطأ يجب اجتنابه. النقطة الخامسة التي سجّلتها هنا لأذكرها تتعلق بقضية العلم في الجامعات و مراكز البحث العلمي، و قد لاحظنا لحسن الحظ أن السيد الدكتور روحاني مهتم بها. إنها لقضية مهمة جداً قضية العلم. أولاً تقدمنا العلمي خلال هذه الأعوام العشرة أو الإثني عشر عاماً الأخير حقيقة واقعة، و البعض لم يصدقوا هذا الواقع، بل و أنكر البعض هذا الواقع. هناك شخص عزيز - و بعض الحاضرين في هذه الجلسة يعلمون من الذي أقصده، و لا أريد ذكر الاسم - في بداية ظهور هذه القضية النووية و أجهزة الطرد المركزية و ما إلى ذلك و تداولها على الألسن، كتب لي في رسالة إن هذا الكلام كذب و لا تصدقه - تحدث الرجل عن هذا الموضوع و أخال أنه تحدث أيضاً عن الخلايا الجذعية، و لا أتذكر هذه المسألة على وجه الدقة.. رسالته لا تزال بين أوراقنا - و قال إن هؤلاء الذين يأتون و يرفعون لكم التقارير لا تصدق كلامهم فهو كلام غير واقعي، و يقولون أشياء بخلاف الواقع! و قد كان هذا الشخص نفسه رجلاً عالماً و مقبولاً و موثوقاً لديّ، و أنا أحبّه، لكنه لم يكن يصدّق، و كنا نحن نصدق طبعاً، و قد تأكّد تصديقنا هذا و الحمد لله يوماً بعد يوم. و بعد عدة أعوام، عقدت هنا جلسة حضرها بعض الأعزاء الحاضرين في هذه الجلسة، و التفت إلى نفس ذلك الشخص العزيز و قال إنهم في جامعاتنا لا يرحّبون بحالات التقدم التي يحققها شبابنا، و راح يشكو بالاتجاه الآخر و يقول إن شبابنا ينجزون الكثير من الأعمال و لا من يرحّب بهم و يحتضنهم. و تذكرت كلامه الذي قاله لي قبل سنوات بأن حالات التقدم هذه كذب. لا يا سيدي.. هذا التقدم حقيقة.. فمن الحقيقة أن سرعة تقدمنا العلمي أكثر من متوسط النمو العالمي بثلاث عشرة مرة. هذا ما قاله الآخرون و المعارضون. في المجالات و القطاعات المختلفة استطاع شبابنا و الحمد لله إنجاز أعمال كبيرة و قد عملوا و تقدموا إلى الأمام. توصيتي خصوصاً لوزير التعليم العالي المحترم و وزير الصحة و العلاج المحترم هو أن لا تسمحوا بتباطؤ حركة هذه العجلة. اعملوا ما استطعتم على تنمية هذه الحركة و تسريعها و التقدم إلى الأمام. من الأشياء التي تحول دون هذا التقدم هو تسييس الجامعات. ليتفطن السيد فرجي دانا (12) و السيد هاشمي (13) لهذا. لا تدعوا الجامعات تصبح ساحة لصولات الحركات السياسية و جولاتها. أن نتقبّل الشاب بوصفه الداينمو المحرّك للتحوّلات السياسية فهذا كلامي و رأيي. قلتُ هذا ذات مرة، و بعض الذين يتحدثون الآن عن الجامعات لاموني و قالوا إنك تحرّض الشباب و تدعوهم للهياج.. لا، أنا أؤمن بهذه القضية. الجيل الشاب في كل مجتمع هو الداينمو في حركة التحوّلات الاجتماعية و التحوّلات السياسية. و خصوصاً الشاب الجامعي. هذه هي طبيعته. هذا كلام آخر. هذا غير أن نجعل الجامعة ساحة لصولات و جولات التيارات السياسية و بعضها يعارض أصل النظام أو يعارض توجّهات النظام. يجب أن تحذروا من هذا حذراً تاماً و تحولوا دونه. و أذكر في هذا الصدد نقطة هي إن شعب إيران رفع شعار «نحن قادرون»، فلا تدعوا هذه الـ «نحن قادرون» تتبدّل إلى عكسها. قالوا إننا نستطيع الارتقاء إلى القمم العلمية الرفيعة، و نستطيع أن نكون مرجعية علمية عالمية، و نستطيع إنقاذ أنفسنا من المهانة العلمية، و قد أنقذوا أنفسهم اليوم، و راح أعداؤنا و معارضونا يعترفون بأن إيران توفرت على العلم، لا في المجال النووي و حسب، بل في مجالات أخرى هم يعترفون بها. هذه الـ «نحن قادرون» التي تتفاعل في أرواح الشباب الإيراني لا تسمحوا بزوالها. قولوا أنتم أيضاً نحن قادرون و تابعوا هذا الشعار. نحن قادرون على إقامة الحضارة الإسلامية الحديثة و تشييد عالم زاخر بالمعنوية و يسير إلى الأمام بمعونة المعنوية و هدايتها. نحن قادرون على القيام بهذه الأعمال و سنقوم بها بتوفيق من الله. النقطة السادسة التي سجّلتها هنا هي حول قضية اللغة الفارسية. أنا قلق كثيراً على اللغة الفارسية.. قلق جداً. لقد عملنا قبل سنين في هذا المجال و بادرنا و جمعنا أشخاصاً حول بعضهم. و أرى أنه لا يصار لعمل شيء صحيح في هذا المجال، و الهجمات على اللغة الفارسية كثيرة. إنهم يستخدمون المفردات الأجنبية بشكل منفلت. يستحي الشخص من أن لا يستخدم التعبير الأجنبي و يستخدم بدلاً عنه التعبير الفارسي أو العربي.. يستحي و يشعر بالعار. هذا شيء سيّئ جداً. هذا جانب من جوانب الثقافة العامة يجب محاربته. أيها الأصدقاء.. ذات يوم كانت اللغة الفارسية لغة العلم من القسطنطينية و اسطنبول إلى شبه القارة الهندية. هذا ما أقوله عن اطلاع. في الآستانة (14) - مركز الحكم العثماني - كانت الفارسية اللغة الرسمية لفترة طويلة من الزمن. و في شبه القارة الهندية كانت أبرز الشخصيات تتحدث باللغة الفارسية. و عندما وفد الإنجليز إلى شبه القارة الهندية كان مما قاموا به منع اللغة الفارسية، فقد حالوا دون انتشار اللغة الفارسية بأنواع الحيل و المكر الخاصة بالإنجليز. بالطبع لا تزال اللغة الفارسية شائعة هناك و لها عشاقها و طلابها، و هناك في الهند - و قد ذهبت إلى هناك و شاهدت، و التقيت بالبعض ممن زاروا إيران - من يعشقون اللغة الفارسية و يحبّونها. و نحن هنا في مركز اللغة الفارسية نسير باتجاه نسيان اللغة الفارسية، و لا نفعل شيئاً لتعزيزها و تعميقها و نشرها و الحؤول دون تغلغل المفردات الأجنبية إليها. تدريجياً راحوا يستخدمون في لغتنا تعابير - و تظهر أشياء جديدة في كل يوم - لم نسمع بها. أحياناً يأتون و يقولون كلمة فأقول إنني لا أفهم معنى هذه الكلمة، فما هو معناها؟ و حين يذكرون المعنى نعلم لتوّنا بمجيئ هذه الكلمة. و قد انسحب هذا شيئاً فشيئاً إلى مختلف شرائح الناس و طبقاتهم، و هذا شيء خطير. يكتبون الاسم الفارسي بالخط اللاتيني! لماذا؟ من يريد قراءة هذه الكلمة؟ شخص لغته فارسية أم شخص لغته أجنبية؟ اسم فارسي بحروف لاتينية! أو أسماء أجنبية على منتجات داخلية إيرانية و قد جاءوني بصورها! و ما الداعي لأن نفعل هذا؟ نعم، تارة تكون لديكم بضاعة للتصدير، يمكن إلى جانب الاسم الفارسي - و يجب أن يكون هناك الاسم الفارسي، و لا ينبغي أبداً إلغاء اللغة الفارسية من على منتجاتنا - وضع الكلمات الأجنبية باللغة التي يراد تصدير البضاعة إلى البلدان الناطقة بها. لكن بالنسبة للبضاعة التي تنتج في الداخل و تستهلك في الداخل، ما الضرورة لذلك؟ ما الضرورة لكتابة تعابير أجنبية على حقائب أطفال المدارس في الإبتدائية؟ و كذا الحال بالنسبة للألعاب.. أنا أتعجب حقاً. هذه من الأمور التي تتحمّلون بشأنها مسؤوليات كبيرة. و لديّ طبعاً أمثلة على استخدام اللغة الفارسية لا أريد ذكرها، من قبيل أسماء الشركات و أسماء المنتجات و أسماء المحال التجارية! و هكذا تترى التعابير الأجنبية و خصوصاً الإنجليزية من هذا القبيل. إنني أشعر بالخطر من هذا و من الضروري بالنسبة للسادة في المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن يتابعوا هذه القضية بجدّ، و أن تتصدى الحكومة لهذه المسألة باهتمام. و ليس معنى التصدي و المواجهة التعامل بطريقة شديدة فوراً و منذ يوم غد. تعاملوا مع القضية و لكن بطريقة حكيمة.. انظروا ما الذي تسطيعون فعله للحيلولة دون ذلك.. هذه أيضاً نقطة من النقاط.و قضية العلوم الإنسانية بدورها قضية أخرى على جانب كبير من الأهمية. طبعاً رفع لي السيد الدكتور حداد - و يبدو أنه غير حاضر في جلسة اليوم - تقريراً مفصلاً و جيداً عن الأعمال التي جرت في الهيئة المسؤول هو عنها بخصوص العلوم الإنسانية (15)، و قد كان بعض الأعزاء عاتبين على عدم وجود منتجات و جدوى لهذا العمل، و يشتكون من ذلك، و هذا ما ينبغي أن يُطرح في جلسات المجلس. اعتقد أن أهم الأعمال هو تدوين الأساس العلمي و الفلسفي للتحوّل في العلوم الإنسانية. هذه هي المهمة الأساسية و العمل الأول الذي يجب أن يتمّ و يُنجز. النقطة الأخيرة تتعلق بالآفات الاجتماعية و أسبابها الثقافية. لقد أشرتُ لقضايا الطلاق و المخدرات و الفساد المالي و الجرائم. و من تأثيرات الغزو الثقافي للأعداء زيادة السرقات المسلحة من البنوك. هذا ما شاهدناه بداية في الأفلام السينمائية - و المسألة هنا جديرة بملاحظة حضرة السيد ضرغامي - (16) حيث يهجمون، و راحت نفس هذه العمليات و الأمور تحدث هنا، و هم يتعلمون بالتالي. يجب أن نعلم ما الذي نفعله. أي يجب أن نفهم هذه الآفات بشكل حقيقي. و كذا الحال بالنسبة لقضية السكان. من الأخطار التي حين يفكر الإنسان بأعماقها ترتعد فرائصه هي قضية السكان هذه. و أتخطّر أنني ذكرت نقطة مختصرة للسيد الدكتور هاشمي (17) و تحدثت بالتفصيل مع السيد الدكتور روحاني. خذوا قضية السكان مأخذ الجدّ، فنسبة الشباب في البلاد آخذة بالتناقص، و سوف تصل الأمور إلى محطات لا يمكن معها علاج المشكلة. أي إن قضية السكان ليست من القضايا التي يمكن أن نقول بشأنها إننا سنفكر فيها بعد عشرة أعوام.. لا.. إذا مضت عدة سنوات و شاخت الأجيال فلن يعود بالإمكان معالجة المشكلة. نتمنى لكم التوفيق و التأييد إن شاء الله، و حفظكم الله جميعاً و أبقاكم، و سوف يكون هناك اهتمام بهذا الذي قلناه إن شاء الله.و نحيّي ذكرى المرحوم السيد الدكتور حبيبي الذي شارك في المرة السابقة حينما اجتمعنا هنا رغم أنه كان مريضاً و يعاني وعكة صحية، و قد شكرتُه على مشاركته. حفظكم الله تعالى، و يجب أن تعرفوا معرفة حقيقية قدر هؤلاء الفضلاء و النخبة المجتمعين هنا و الطاقات الشابة الموجودة بينكم، فوجودهم مغتنم و ثمين حقاً، و هم يتمتعون و الحمد لله بحيوية الشباب و الطاقات و الإبداعات الشبابية.و السّلام و عليكم و رحمة الله.‌الهوامش:1 - السيدة كبرى خزعلي.2 - إشارة رئيس الجمهورية لتأكيد قائد الثورة بشأن إعداد ملاحق ثقافية للمشاريع المهمة. 3 - من ذلك تبليغ السياسات العامة للخطة الخمسية الخامسة في إطار ميثاق الأفق العشريني بتاريخ 10/01/2009 م.4 - إشارة رئيس الجمهورية لحاجة المجلس الأعلى للثورة الثقافية إلى قسم للإشراف على الشؤون الثقافية. 5 - تبليغ السياسات الكلية للمادة 44 من الدستور الإيراني بتاريخ 23/05/2005 م.6 - من ذلك كلامه بتاريخ 19/08/1983 م.7 - إشارة رئيس الجمهورية لضرورة مشاركة جماهير الشعب في القضية الثقافية.8 - رسالة الإمام الخميني (رض) لرئيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية حول تنفيذ قرارات هذا المجلس بتاريخ 25/02/1985 م.9 - وزير الثقافة و الإرشاد الإسلامي.10 - من ذلك كلامه بتاريخ 28/12/1996 م.11 - إشارة إلى تسجيل لعبة الچوگان باسم جمهورية آذربيجان في شهر آذر من العام الإيراني الجاري 1392 هـ ش (ديسمبر 2013 م) في لجنة التراث اللامادي بمنظمة اليونسكو.12 - وزير العلوم و البحث و العلمي و التقنية (التعليم العالي).13 - وزير الصحة و العلاج و التعليم الطبي.14 - لقب مدينة اسطنبول في الزمن العثماني.15 - تأسست شوري تطوير و رقي العلوم الإنسانية بتاريخ 13/10/2009 م تحت إشراف المجلس الأعلى للثورة الثقافية.16 - رئيس مؤسسة الإذاعة و التلفزيون الحاضر في هذه الجلسة.17 - وزير الصحة و العلاج و التعليم الطبي.
2013/12/09

خطاب الإمام السيد علي الخامنئي خلال لقائه خمسين ألف قائد من قادة التعبئة الشعبية (الباسيج)

احتضن مصلى الإمام الخميني في طهران لقاءً جمع الإمام السيد علي الخامنئي مع خمسين ألفَ قائد من قادة التعبئة في الجمهورية الإسلامية. وخلال الكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية أكد سماحته على وجوب تقوية مجموعة التعبئة الشعبية ورفع مستواها من الناحية الأخلاقية والسلوكية والعملية، كما أكد الإمام الخامنئي على إحقاق حقوق الشعب الإيراني ومن جملتها الحقوق النووية.
2013/11/20

كلمة الإمام السيد علي الخامنئي لدى لقائه أعضاء المجلس المركزي لموكب "مجاهدي الإسلام"

استقبل قائد الثورة الإسلامية في تاريخ 11/11/2013م أعضاء المجلس المركزي لموكب مجاهدي الإسلام، حيث تقدَّم سماحته ببعض التوجيهات والنصائح المتعلقة بعمل الهيئات الدينية والمجالس العاشورائية، وأكد على أنّ أكثر مجموعة جديرة بإحياء عزاء سيّد الشهداء، هم هؤلاء المجاهدون في سبيل الله. كما أشار قائد الثورة الإسلامية إلى استحالة أن تكون مجالس الإمام الحسين (ع) مجالس علمانيّة، وأن كلّ من لديه ميول للإمام الحسين فهو يميل للإسلام السياسي.
2013/11/11

خطاب الإمام السيد علي الخامنئي بمناسبة اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي

بمناسبة اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي، ألقى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي خطاباً بحضور آلاف الطلاب الإيرانيين، أشار فيه إلى أن مناهضة الاستكبار تعني عدم الخضوع لتدخلات القوى المستكبرة وما تريد فرضه، وفي الملف النووي، قال سماحته: لستُ متفائلاً، ولا أظن أن المفاوضات الجارية ستثمر النتائج التي يتوقعها الشعب الإيراني، لكنها ستزيد من خبرته.
2013/11/03

كلمته في لقائه رئيس و أعضاء مجلس خبراء القيادة

05/08/2013 مبسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالسادة المحترمين العلماء الأعلام و رجال الدين المبرّزين من كل أنحاء البلاد، المجتمعين و الحمد لله في هذه الجلسة. مع أن واجب مجلس خبراء القيادة واجب محدّد في دستور البلاد، لكن نفس تشكيل هذه الجلسة و اجتماع السادة من شأنه أن تطرح بحوث و نقاشات متنوعة تتعلق جوانب مختلفة و شؤون متعددة للبلاد، و يبدي السادة آراءهم فيها. و المسؤولون حاضرون في الجلسة، و لحسن الحظ فإن رئيس الجمهورية المحترم و بعض المسؤولين المحترمين الآخرين أعضاء في هذا المجلس، و يتضاعف الأمل بأن تحظى آراء السادة بمزيد من الاهتمام. نتمنى أن يكون الأمر كذلك إن شاء الله، و سوف نساعد على تحقق ما يرنو إليه السادة في حدود القدرة و الإمكانية و سعة مجال المسؤوليات و الصلاحيات. و أرى من اللازم أن أشير إلى نقطة معينة هي أن تشييع جثامين الشهداء - الذي حصل في بداية هذا الاجتماع - عملية جد مفيدة و بناءة. (1) أن يرى الناس الشخصيات المحترمة الكبيرة و رئيس مجلس الخبراء المحترم و غيره يحيّون جثامين و توابيت الشهداء - الشهداء الذين لا يعرفونهم، و لمجرد أنهم شهداء سبيل الثورة و الحق - و يحملون التوابيت و يشيّعون فهذا درس لمجتمعنا. و أقول إن بلادنا و مجتمعنا يحتاج لفترات طويلة إلى أن تبقى ذكرى الشهداء حيّة و سبيلهم نيّراً مشعاً. الفكرة التي خطر ببالي ذكرها هي أننا على مختلف مستويات اتخاذ القرار و صناعة القرار للنظام الإسلامي من واجبنا أن ننظر لقضايا البلاد المختلفة نظرة عامة جامعة. واضح أن الأحداث المتنوعة الخارجة عن إرادتنا - سواء على مستوى المنطقة أو على مستوى العالم أو على مستوى البلاد - تحدث بطبيعة الحال. للنظام الإسلامي و المسؤولين و الأركان المقوّمة لهذا النظام واجباتهم إلى جانب كل واحد من أبناء الشعب، و لا يمكن تحديد و تعريف هذه الواجبات في حدود علاقتها بالأحداث، أي أن تقع حادثة معينة و تصدر عنّا حركات انفعالية مقابل هذه الحادثة أو نتخذ قراراً أو نقوم بعمل معين. هذا غير ممكن. هذا معناه انجرار نظام الجمهورية الإسلامية إلى هذا الصوب و ذاك الصوب. من الضروري الحفاظ على النظرة الجامعة العامة للأمور و القضايا، و الحمد لله على أن هذه النظرة الجامعة العامة كانت متوفرة في البلاد، و لم يكن المسؤولون منذ مطلع الثورة و إلى اليوم غافلين عن هذه الحقيقة. و ينبغي اتخاذ المواقف و معرفة الأحداث على أساس هذه النظرة الجامعة. لقد تشكل نظام الجمهورية الإسلامية وسط طوفان الأحداث المتنوّعة. هذا كلام قيل مراراً، و لكن يجب أن لا ننسى أن النظام الذي يرفع شعار تحقيق دين الله في حياة الناس و المجتمع و البلاد، و يرفع شعار صياغة حياتنا الاجتماعية على أساس الشريعة و الدين الإلهيين و الضوابط و القيم الإلهية، مثل هذا النظام كان أشبه بالمعجزة في عالم سار بسرعة طوال قرنين أو ثلاثة قرون نحو المادية و تشكّل على أسسها، و هذه المعجزة قد وقعت و حدثت فعلاً. منذ بداية تشكيل النظام الإسلامي انطلقت حالات الاعتراض على اعتماده على الإسلام. لا نقل إن استقلال البلاد أو سياسة مقارعة النظام الاستكباري هي التي أدّت إلى حالات العداء - و هذه بدورها حقيقة من الحقائق - لكن مقارعة الاستكبار تتدفق من صميم الإسلام، و ديمقراطيتنا تنبع من كبد الإسلام. قيل مراراً إننا حين نرفع شعار الديمقراطية الدينية فهذا لا يعني تركيباً و جمعاً بين الديمقراطية بمفهوم معيّن و الدين بمفهوم آخر. ليس الأمر كذلك. ديمقراطيتنا تنبع من الدين، و قد عرض الإسلام هذا الطريق علينا. بهداية الإسلام وصلنا إلى نظام الجمهورية الإسلامية، و سيكون الأمر كذلك بعد الآن أيضاً بتوفيق من الله. هذه العداوات مركّزة و موجّهة ضد الإسلام. إذا سلبوا الإسلام من هذا النظام، فإن ما ينبع من الإسلام سوف يحذف بصورة طبيعية أو يؤول إلى الضعف و الخفوت. يجب تحليل الأمور و القضايا من هذه الزاوية. ثمة اصطفافات في العالم، و نحن في كثير من هذه الاصطفافات طرف من الأطراف. يجب النظر من هو الطرف المقابل، و ما هو ؟ و لماذا يمارس عداءه ضدنا ؟ و لماذا نقاوم أمامه ؟ يجب النظر لهذه الأمور نظرة عامة شاملة. يقول سبحانه و تعالى: «أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشي سويّاً على صراط مستقيم» (3). معنى «سويّاً على صراط مستقيم» هو أن ننظر و ندقق بأعين مفتحة و ببصيرة و بالنظر لكل الجوانب و الأبعاد فنرى ما هو الهدف و ما هو طريق الوصول إلى هذا الهدف، و ما هي الواقعيات و الحقائق التي تعترض طريقنا نحو ذلك الهدف؟ و نتخذ قراراتنا و نتحرك في ضوء هذه الحقائق و الأمور. لاحظوا أن أحداثاً متنوعة تجري في الوقت الحاضر في هذه المنطقة. منذ عدة سنين و إلى اليوم جعلت الأجهزة الاستكبارية من منطقة غرب آسيا ميداناً لصولاتها و جولاتها. على الرغم من تواجد الاستكبار في المنطقة و نشاطه فيها فقد وقعت الصحوة الإسلامية. و أقول لكم إن الصحوة الإسلامية لمّا تنته بعد، لا نتصوّر أنه بالأحداث التي وقعت في بعض البلدان زالت الصحوة الإسلامية و مُحيت و انتهت. لم تكن الصحوة الإسلامية حدثاً سياسياً محضاً مثل انقلاب أو تغيّر يأتي بموجبه شخص و يغادر شخص، ثم يأتي آخر ليغادر هذا الذي آتى. معنى الصحوة الإسلامية انبثاق حالة تنبّه و وعي و ثقة بالذات في المجتمعات الإسلامية قامت على أساس الإسلام. في شمال أفريقيا طبقاً لبعض المقتضيات، في مصر مثلاً أو تونس أو في السودان قبل ذلك وقعت أحداث، و هناك أرضية كامنة لذلك في مناطق أخرى. لا نتصوّر بأن الصحوة الإسلامية قد انتهت، لا، هذه حقيقة كامنة تحت الجلد الظاهري للمجتمعات. لذلك تلاحظون أنه في البلد الذي يدّعي الميل نحو الإسلام يصوّت الشعب للحكومة ذات الميول الإسلامية. هذا مؤشر على الإقبال على الإسلام و التوجّه للإسلام. إذن، فحدث الصحوة الإسلامية حدث كبير جداً وقع على الرغم من إرادة الاستكبار و رغباته و مخططاته. و من الطبيعي أن تكون هناك ردود أفعال من ذلك الطرف. إننا نشاهد اليوم ردود أفعال جبهة الأعداء سواء في شرق منطقتنا أو في منطقة باكستان و أفغانستان إلى أقصى غرب آسيا أي منطقة سورية و لبنان، ثمة أحداث و وقائع. جبهة الاستكبار - و على رأسها و الطرف البارز فيها هو حكومة الولايات المتحدة الأمريكية - ترى لنفسها مصالح في المنطقة على أساس نظرة استكبارية هي امتداد للنظرة الاستعمارية التي سادت في القرن التاسع عشر و لكن بصورة جديدة، و يحاولون معالجة كل قضايا المنطقة في ضوء المصالح التي يرونها لأنفسهم فيها. و من هذا القبيل قضية سورية، و كذلك قضية البحرين. تواجد الاستكبار في هذه المنطقة تواجد عدواني و تعسفي و جشع يريد القضاء على أية مقاومة تقف في وجهه. طبعاً لم يستطيعوا لحد الآن و الحمد لله فعل شيء و لن يستطيعوا. هذه المنطقة منطقة زاخرة بالثروات و لها موقع جغرافي و طبيعي مهم جداً، و من الطبيعي أن يهتموا لهذه المنطقة و تمتد أعينهم إليها، و إذا نظر الإنسان في تصريحاتهم و كلامهم و ما قاموا به لحد الآن لوجد أن هدفهم في هذه المنطقة الاستيلاء عليها و تكريس سيادتهم فيها و جعلها تدور حول محورية الكيان الصهيوني، هذا ما يريدونه. و في الأحداث الأخيرة في سورية تلاحظون أنهم يطرحون في الفترة الأخيرة ذريعة الأسلحة الكيمياوية. و هم طبعاً يحاولون بطلاوة اللسان و اللعب بالألفاظ التظاهر بأنهم يريدون التدخل في القضية لأسباب إنسانية. و من في العالم لا يعلم كذب هذه الادعاءات؟ الشيء الذي لا يهتم له الساسة الأمريكان بكل تأكيد و بلا أدنى ريب هو هذا الجانب الإنساني من القضية. إنهم من سجنوا في سجن غوانتانامو و قبل ذلك في سجن أبي غريب في العراق الآلآف من السجناء دون محاكمات و لمجرد التهمة سنين طويلة، و لا يزال عدد منهم هناك، فهل هذه ممارسات إنسانية؟ إنهم من شاهد القصف الكيمياوي الواسع الذي مارسه صدام في هذه المنطقة - سواء ما وقع في مدينة حلبچه العراقية أو ما وقع في مدننا الإيرانية مثل سردشت - و لم ينبسوا ببنت شفة، بل و كانوا يساعدون المجرم، و لنفترض أن المساعدة لم تكن بمعنى أن الأمريكان منحوا معدات كيمياوية لصدام - طبعاً منحه الغربيون مثل هذه المعدات و المواد و هذا مما لا شك فيه و لدينا الوثائق الدالة على ذلك - و لكن الأمريكان على الأقل شاهدوا ما وقع و اطلعوا عليه و لم يعترضوا أبداً. هكذا هي قضاياهم الإنسانية. يفتحون النيران في أفغانستان و باكستان على قوافل الأعراس الشعبية و يقتلون الناس، و قد قتلوا في العراق الآلآف ظلماً و عدواناً، و لا يزال عملاؤهم يفعلون ذلك، و لم ينبسوا ببنت شفة. القضية الإنسانية ليست مما يوجد في العالم من يصدّق بأن الأمريكان يهتمون لها، لكنهم يتشدقون و يلعبون بالألفاظ و يقلقلون ألسنتهم و يتحدثون بها من أجل أن يستطيعوا تبرير تحركاتهم و أعمالهم. و طبعاً نعتقد أنهم على خطأ، و سوف يشعرون بالضربات التي سيتلقونها على هذا الصعيد، و سوف يتضرّرون و يخسرون بالتأكيد. هذا مما لا ريب فيه.. هذا هو وضع المنطقة. نظام الجمهورية الإسلامية بسوابقه الشبيهة بالإعجاز - حيث ظهر وسط هذا الطوفان، ثم صمد طوال سنين أمام كل حالات المعارضة، و لم يهن و لم يضعف، و لم تخفت شعاراته، و ليس هذا و حسب بل ازداد قوة حقيقية يوماً بعد يوم، و الجمهورية الإسلامية اليوم تختلف عن الجمهورية الإسلامية قبل ثلاثين عاماً و خمسة و عشرين عاماً، من حيث الاقتدار و التنمية و النفوذ و القدرات الداخلية من الأرض إلى السماء، و شعاراته شعارات متينة قوية - و بالنظر لخارطة الأعداء في هذه المنطقة، يجب أن يعلم ما الذي يريد أن يفعله. ما نعتقد أنه واجبنا و واجب كل المسؤولين في البلاد و واجب حكومة الجمهورية الإسلامية هو أن نأخذ بنظر الاعتبار هذه العناصر الثلاثة الكبرى في كل قراراتنا و خطواتنا: العنصر الأول هو مبادئ نظام الجمهورية الإسلامية و أهدافه، و هي أهداف و مبادئ يجب عدم نسيانها بأيّ حال من الأحوال. و يمكن تلخيص مبادئ و أهداف نظام الجمهورية الإسلامية في العبارة القصيرة «إيجاد حضارة إسلامية». الحضارة الإسلامية هي المناخ الذي يستطيع الإنسان فيه النمو و الرشد من الناحية المعنوية و من الناحية المادية، و يصل إلى الغايات المطلوبة التي خلقه الله سبحانه و تعالى من أجلها، فتكون له حياة طيبة صالحة عزيزة، و يكون إنساناً عزيزاً ذا اقتدار و إرادة و إبداع و يعمل على بناء عالم الطبيعة. هذا هو معنى الحضارة الإسلامية، و الذي يمثل هدف نظام الجمهورية الإسلامية و مبدؤه.و العنصر الثاني هو الطرق التي توصلنا إلى هذه الأهداف. الاستراتيجيات العامة الكلية.. يجب معرفة هذه الاستراتيجيات و منها الاعتماد على الإسلام و عدم ممارسة الظلم أو الخضوع له في العلاقات و المعاملات المتنوعة. حين قال: «كونا للظالم خصماً و للمظلوم عوناً» (4) فهذا واجب و وظيفة و استراتيجية كلية عامة. و هناك أيضاً استراتيجية الاعتماد على أصوات الشعب و ما يعتبر أركاناً للديمقراطية، و استراتيجيات أخرى من هذا القبيل، هذه هي السياسات العامة و الأساسية و الاستراتيجيات الأصلية لنظام الجمهورية الإسلامية للوصول إلى تلك المبادئ و الأهداف.. من الاستراتيجيات أيضاً العمل العام و الجدّ و السعي و الابتكارات و الإبداعات و الوحدة الوطنية. و العنصر الثالث هو الواقع.. يجب النظر للواقع و أخذه بعين الاعتبار. و قد قلت بحضور المسؤولين و المدراء في شهر رمضان المبارك (5) إن ما نحتاجه هو النزعة المبدئية إلى جانب النظر للواقع و الواقعيات. يجب فهم الواقعيات بصورة صحيحة. يجب معرفة الواقعيات التي تفضي و تؤدي إلى الاقتدار، كما ينبغي معرفة الواقعيات التي تمثل نواقص و ثغرات. و يجب أيضاً معرفة موانع المسيرة و عقباتها. يجب فهم الواقع و الواقعيات بشكل صحيح. و قد ذكرت هناك عدداً من الواقعيات باعتبارها من الحقائق الطيبة الحلوة التي نعيشها، إذ لا ينبغي النظر للنواقص و الثغرات فقط. توفر أفكار و آراء متميزة، و وجود عناصر فعالة و مبدعة، و شياع المعرفة الدينية و النزعة المعنوية بين قطاعات واسعة من جيل الشباب في إيران، و بقاء الشعارات الدينية و الإسلامية، و النفوذ المتصاعد لنظام الجمهورية الإسلامية في المنطقة و العالم.. هذه حقائق و واقعيات موجودة و يجب رؤيتها و أخذها بعين الاعتبار. و طبعاً ثمة واقعيات مرة إلى جانبها شأنها شأن كل حيوات البشر التي تمتزج فيها الحلاوات بالمرارات. بالاعتماد على تلك الواقعيات الحلوة و تعزيزها يجب السعي للتغلب على الواقعيات المريرة السيئة أو تقليلها. ينبغي أخذ هذه العناصر الثلاثة بنظر الاعتبار، أي يجب عدم نسيان المبادئ و الأهداف و المُثُل، كما يجب عدم نسيان الاستراتيجيات و تجاهلها، و طبعاً ينبغي أخذ الواقعيات أيضاً بنظر الاعتبار. إذا لم ننظر للواقع و الواقعيات فسوف لن نسير في الطريق الصحيح، بيد أن وجود الواقعيات يجب أن لا يصرفنا عن مبادئنا و مثلنا. إذا كان وجود صخرة في الطريق مثلاً يمنعنا من مواصلة الطريق و العودة إلى عن الدرب فنكون هنا قد أخطأنا. و إذا تجاهلنا هذه الصخرة و سار الإنسان دون اكتراث ليصطدم بها فيكون قد وقع في الخطأ أيضاً، أما إذا نظرنا في هذه الصخرة و في ما حواليها من الطرق الممكنة أو الممكن إيجادها، أو كيف يمكن رفع هذه الصخرة نفسها و تفتيتها أو إيجاد منفذ فيها أو العثور على طريق مواز لها، فستكون هذه نظرة صحيحة للواقع، و هذا هو الدرب الذي سار فيه إمامنا الخميني الجليل في الفصل الأول من الثورة الإسلامية أي الأعوام العشرة الأولى الحاسمة و الشديدة الحساسية من عمر الثورة. لم يغمض الإمام الخميني عينيه عن الواقع و الواقعيات لكنه في الوقت ذاته لم يتنازل و لم ينس الاستراتيجيات. لاحظوا وضع الإمام الخميني و حياته و شعاراته. الإمام الخميني الجليل هو الذي لم يخش من أي بشر في خصوص الكيان الصهيوني، و قال إن الكيان الصهيوني غدة سرطانية و يجب أن يزول. لم يمارس التقية أبداً أمام شرور القوة الأمريكية المستكبرة المتدخلة، و كان من أقواله إن أمريكا هي الشيطان الأكبر. و من أقواله و مواقفه أيضاً أنه اعتبر هجوم الشباب المسلم و الطلبة الجامعيين المتدينين على السفارة الأمريكية و استيلاءهم على وثائق و أدوات التجسس الأمريكية، اعتبر ذلك ثورة ثانية ربما كانت أهم من الثورة الأولى.. هذه هي كلمات الإمام الخميني و مواقفه و منهجه. حين قال في خصوص الحرب: حرب حرب حتى رفع الفتنة، كان الآخرون يقولون: حرب حرب حتى النصر، بينما قال الإمام الخميني: حتى رفع الفتنة. حالات الصمود هذه هي التي عززت النظام الإسلامي و كرّسته. الذين لم يعرفوا الطريق و عملوا في بعض البلدان بشكل آخر من أجل أن يخطبوا ودّ المستكبرين، و تنازلوا عن أصولهم و مبادئهم و نسوا شعاراتهم الأصلية الأساسية، تلاحظون ما الذي حلّ بهم. إنهم الذين لو كانت في مصر شعارات مقارعة إسرائيل، و لو لم يتنازلوا أمام وعود أمريكا و عملاء أمريكا، لما كان من الأكيد أن يحدث ما حدث، أي ما كان سيحدث ما حدث يقيناً، حيث تم إطلاق سراح الدكتاتور الذي حكم مصر و إذلّ شعب مصر لمدة ثلاثين عاماً من السجن، بينما من المحتمل أن يحكم على الذين انتخبهم الشعب بالإعدام، ما كان من الممكن أن يحدث مثل هذا على الإطلاق. البسطاء الذين وقفوا في الميدان بوجه هؤلاء المنتخَبين و رفعوا الشعارات ضدهم، لو كانت هناك شعارات مبدئية لانحاز نصفهم أو أكثرهم لجانب المنتخَبين، أي ما كانوا سيصبحون معارضين. حينما يتراجع المرء عن المواقف المبدئية فسيحدث مثل هذا. هذه أمور يجب مراعاتها على كل حال. ما نشعر أن من اللازم القيام به من أجل رفع المشكلات و حلها - و المشكلات ليست بنت اليوم فقط بل كانت هناك دوماً مشكلات، و ثمة مشكلات في كل البلدان، بمعنى أنه لو تصوّر أحد عدم وجود مشكلات في كذا أو كذا من البلدان المتقدمة أو البلدان الأوربية أو الغربية أو الثرية أو ذات العدد الكبير من السكان أو ذات العدد القليل من السكان، فهو على خطأ.. المشكلات موجودة في كل مكان، و من طبيعة أي شعب أن يواجه بعض المشكلات، و على مسؤوليه أن يعملوا على رفع هذه المشكلات و يواصلوا مسيرتهم و حركاتهم. البعض قد يريدون رفع مشكلاتهم بمساعدة الآخرين و الاعتماد عليهم أو إعطائهم رشاوى، أو التذلل لهم، و البعض لا، يريدون حل مشكلاتهم بطاقاتهم و قدراتهم الذاتية الداخلية - هو أن نولي أهمية لتعزيز و تقوية البنية الداخلية للنظام، هذا هو أساس الأمر. يجب أن نقوّي أنفسنا من الداخل. تقوية الداخل و الذات أمر ممكن بالتفكير الصائب و النظرة العقلائية، سواء عن طريق التقدم العلمي أو عن طريق البنية و الإدارة الاقتصادية الصحيحة.. هذه أمور نعتقد أنها ممكنة. لاحظوا أنهم في الوقت الحاضر حينما يضغطون علينا في قضية النفط، فمن أين ينشأ هذا؟ إنه ينشأ من أننا لم نستطع تخفيض اعتمادنا على النفط منذ ما بعد الحرب و نهاية الحرب و إلى اليوم. لو خفضنا اعتمادنا على النفط لما كان الضغط على ورقة النفط صعباً علينا إلى هذه الدرجة. إذن، يجب أن نعود إلى أنفسنا، و نطلب من أنفسنا حل العقد و المشكلات بقوة الإرادة. و اليوم استلمتْ زمام الأمور و الحمد لله حكومة جديدة فتية، و من امتيازاتنا في الوضع الراهن أن حكومة جديدة بكامل قواها قد نزلت إلى ساحة العمل و لها أفكارها الجديدة و تصوراتها الجديدة و بمجموعة من الأفراد و الشخصيات ذوي قدرات و طاقات، و يريدون أن يعملوا و يتقدموا إلى الأمام إن شاء الله نحو تلك الأهداف المعلنة. و رئيس الجمهورية رجل دين ذو سوابق نشطة في شتى مجالات الثورة و البلاد، و هذه بحد ذاتها من الامتيازات المتوفرة حالياً. طبيعة الأمور و الأعمال تقتضي أن نمدّ جميعاً يد العون. إنني أجد من واجبي أن نساعد كل الحكومات و قد دعمنا كل الحكومات و سوف نساعد هذه الحكومة أيضاً بكل تأكيد و ندعمها، و هذا ما يجب على المسؤولين الآخرين أيضاً. طبعاً دعمي للحكومات لا يعني أن نوافق كل ما تقوم به تلك الحكومات، لا، كانت هناك خلال فترات متعددة حكومات مختلفة، و قد دعمناها جميعاً، و كانت لنا عليها كلها مؤاخذات معينة في ميادين مختلفة، لكن تلك المؤاخذات يجب أن لا تجعلنا نعتبر الحكومة أجنبية و غريبة علينا، و لا نمدّ لها يد العون و المساعدة التي يجب على الجميع مدّها نحوها. من اللازم تقديم هذه المساعدة إن شاء الله، و من اللازم أن ندعو و نوصي و ننصح.. النصيحة لأئمة المؤمنين.. أي الكلام الخير النابع من نيّة خيّرة، و قد يكون هذا الكلام الخيّر شديداً و حاداً و قوياً في بعض الأحيان، و هذه من طبيعة العمل و الأمور، و إذا فكر المسؤولون الذين وُجّه لهم هذا الكلام الحاد الشديد بصورة جيدة فأظن أنهم سيكونوا راضين عن النتيجة، لأن ذلك الكلام الحاد الشديد هو أيضاً لصالحهم. على كل حال حين أنظر لوضع البلاد و مستقبلها، و على الرغم من وجود بعض المشكلات التي طرحها الأعزاء و لم يطرحوا الكثير منها، أرى أن المستقبل مشرق جداً و الطريق طريق نيّر، و مبادئنا مبادئ مشخّصة، و نعلم ما الذي نريد أن نفعله، و الطريق إلى هذه المبادئ طريق نيّر مشرق، و استراتيجياتنا ليست غامضة أو مضبّبة و نعلم ما هي الأمور و الأعمال التي يجب أن تنجز. و قد ظهرت في هذه الأعوام اصطفافات و جبهات إقليمية و عالمية. و بالطبع فإن المرونة و اللين و المناورات الفنية و البطولية عمليات جيدة و مقبولة في كل الميادين السياسية، بيد أن هذه المناورات الفنية يجب أن لا تعني تجاوز الخطوط الحمراء أو العودة و العدول عن الاستراتيجيات الأساسية أو عدم التنبّه للمبادئ و المثل.. هذه أمور يجب مراعاتها. طبعاً لكل حكومة و لكل شخص و شخصية أسلوبها و إبداعاتها و سوف يعملون بهذه الإبداعات و ستتقدم الأمور و المشاريع إلى الأمام. إنني متفائل جداً و اعتقد أن المشكلات الموجودة، سواء كانت مشكلات اقتصادية أو سياسية أو أمنية، و الأهم من كل ذلك المشكلات الثقافية التي تعتبر أعمق و أهم من المشكلات الاقتصادية - رغم أن بعض الأعمال و المشاريع الاقتصادية قد تكون أكثر فورية منها - كل هذه المشكلات ممكنة الحل، و الطريق طريق ممكن السلوك و المسير. و نسأل الله تعالى العون و المدد. و كنتُ قد سجّلت هذه الجملة أيضاً لأذكرها، و هي أن يتنبّهوا إلى أن من الاستراتيجيات الأساسية لأعداء الإسلام و خصوصاً أعداء النظام الإسلامي في المنطقة، استراتيجية بث الخلافات الطائفية و المذهبية و مماحكات الشيعة و السنة. تنبّهوا إلى هذه المسألة. و ثمة في هذا المجال نوعان من عملاء العدو و مرتزقته: فئة من السنّة و فئة من الشيعة. فئة من التكفيريين المنحرفين عن حقيقة الدين و فئة من الذين يعملون للعدو باسم الشيعة فيثيرون مشاعر الآخرين و يبرّرون العداوات و يؤجّجون نيران الفتنة. أية مجموعة و أية حكومة تنطلي عليها خدعة هذه المؤامرة الكبيرة و تغرق في هذه القضية، و أية مجموعة تخطئ، فسوف توجّه يقيناً ضربات للحركة الإسلامية و للنظام الإسلامي، و خصوصاً لبلدنا. إنني أصرّ على أن يتفطن كبار علماء الدين، سواء من الشيعة أو من السنة، و سواء كانوا في إيران أو خارج إيران، إلى أن الاختلافات بين الفرق و المذاهب الإسلامية يجب أن لا تؤدي إلى أن نفتح جبهة جديدة أمامنا، و نغفل عن العدو الأصلي و هو عدو الإسلام و عدو الاستقلال و عدو تقدم شعوب المنطقة و ازدهارها. نتمنى أن يعيننا الله تعالى جميعاً، و أن تشملكم و أيّانا جميعاً عنايات سيّدنا بقية الله الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و أدعيته.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش:1 - أقيم هذا اللقاء بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع عشر من الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة في يومي الثالث و الرابع من أيلول سنة 2013 م .2 - في أحدث عمليات تفتيش خارج الحدود قامت بها لجنة التفتيش عن مفقودي الحرب المفروضة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية تمّ العثور على جثامين 92 شهيداً في مناطق من العراق - منها مناطق الفاو و جزيرة مجنون - و نقلوا في الخامس عشر من آب 2013 م عن طريق منطقة شلمچه الحدودية إلى أرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تم تبادل هذه الجثامين مع أجساد 61 من الجنود العراقيين في مراسم خاصة. و جرى تشييع هذه الجثامين الطاهرة يوم الثاني من أيلول 2013 م في طهران تزامناً مع ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام). 3 - سورة الملك، الآية 22 . 4 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 47 .5 - بتاريخ 21/07/2013 م .
2013/11/02

خطاب الإمام السيد علي الخامنئي لدى لقائه العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـلتغيّرات السكانية

التقى الإمام السيد علي الخامنئي في تاريخ 28 تشرين الأول 2013م العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـلتغيّرات السكانية؛ حيث أشار سماحته إلى أن الوجه الشاب للبلاد قضية أساسية ومهمة وحاسمة، وأوصى بتشخيص ودراسة عوامل انخفاض عدد السكان وعوامل زيادة عدد السكان بالشكل المطلوب والمعتدل في ضوء الوضع الجيوسياسي للمنطقة و للجمهورية الإسلامية في ايران.
2013/10/30

كلمته في لقائه مدراء الدولة و سفراء البلدان الإسلامية في عيد الفطر السعيد سنة 1434 هـ

09/08/2013 مبسم الله الرحمن الرحيمنبارك عيد الفطر السعيد للأمة الإسلامية الكبرى في كل مكان من العالم، و للشعب الإيراني الكبير الرشيد - الذي أثبت جدارته و كفاءته في مختلف المجالات و الساحات لتلقّي الهداية و النعم الإلهية - و نبارك أيضاً لكم أيها الحضور المحترمون و المسؤولون الفخورون في البلاد، و أيضاً لضيوفنا سفراء البلدان الإسلامية المحترمين. كما ينبغي تقديم التبريك لشعب إيران على قضائه شهر رمضان قضاء مباركاً بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشعب الإيراني بأعماله العبادية الواجبة و المستحبة في هذا الشهر جعل من نفسه مرة أخرى جديراً بنزول الرحمة الإلهية عليه. هذه الأفواه الصائمة في النهارات الطويلة الحارة، و هذه الليالي المزدهرة بالذكر و العبادة و الدعاء و المناجاة، و هذه الجلسات الكثيرة لقراءة القرآن الكريم في كل أنحاء البلاد، حيث يبدي فيها كل أبناء الشعب، و خصوصاً الشباب و الأحداث، حبّهم الوافر للقرآن الكريم، و ليالي القدر و الجلسات العبادية العظيمة ذات المعاني الغزيرة، و التي تستقطب كل صنوف الناس من شتى الشرائح و الطبقات و المهن و الأذواق بمظاهر و أزياء متنوعة.. الكلّ ينجذبون فيها إلى قطب ذكر الله و دعائه و التوسّل إليه.. هذه ظواهر قيّمة جداً. يجب أن نعرف قدر روح التوسّل و الذكر الشائعة في بلادنا و الحمد لله، و التي تتجلى و تبرز أكثر في الكثير من مناسبات السنة و خصوصاً في أيام شهر رمضان المبارك و ليالي القدر. أرى من اللازم بمناسبة عظمة هذه الأيام و قيمة و أهمية ذكر الله، أن أوصي مسؤولي البلاد المحترمين و المجموعة الجديدة من المدراء في البلاد الذين استلموا زمام الأمور، و سوف يعملون إن شاء الله بثبات و إصرار و إرادة و عزيمة راسخة، أن أوصيهم بالتسلح على امتداد هذا الطريق الصعب بسلاح ذكر الله تعالى و التوجّه و التوسّل إليه، و الثقة به و الاعتماد عليه. «يا من لا يجبه بالردّ أهل الدّالّة عليه» (1).. الدعاء الوارد في يوم عيد الفطر في الصحيفة السجادية المباركة. الله تعالى يشمل برحمته حتى الذين يتحدثون بوقاحة مع خالق الكون. الرحمة الإلهية الواسعة تشمل الذين يطلبونها و يريدونها. المهم هو أن نطلب الهداية و الرحمة الإلهية، و سوف نصل إليها و نتمتع بها. ليتوجّه كل مدراء البلاد - و خصوصاً المدراء رفيعو المستوى - إلى الله تعالى و يتوسّلوا به. الأعمال الثقيلة و الواجبات المهمة و الحقوق العامة للناس مسؤولياتٌ ملقاة على عواتقهم، و يمكن أداء هذه المسؤوليات على نحو جيد بمعونة الله. إذا استطعنا أن نفتح سبيل العون الإلهي على أنفسنا و في وجوهنا، فلن تكون هناك مشكلة غير قابلة للحل. ليكونوا واثقين آملين بالله تعالى، و ليبدوا كل مساعيهم و جهودهم و يعرضوها في الساحة. لا يمكن الركون إلى الكسل و عدم العمل و التفاؤل بالرحمة الإلهية. الهداية الإلهية و معونة الله سبحانه و لطفه يحصل عندما نعرض كل قدراتنا و إمكانياتنا - و هي بدورها مما منّ الله تعالى به علينا - في الساحة، و ننتفع من الفكر و التدبير و الطاقات الجسمية و القدرة على العمل و من الإمكانيات البشرية العظيمة في البلد و من كل شيء، و عندئذ سيمنّ الله يقيناً بفضله. كان هناك الكثيرون أصابهم اليأس من مستقبل البلاد في بعض المراحل و الأطوار. مررنا خلال هذه الأعوام الثلاثين و النيّف بتجارب متعددة. و كان هناك أفراد إما إنهم قصيرو النظر أو ضعيفو الثقة بالعون الإلهي، أو لم يكن لهم حسن ظن بالوعود الإلهية، فأصابهم في بعض المنعطفات ما عبّر عنه القرآن: «و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر الله» (2). و قد حدث هذا على مرّ التاريخ، و في تلك المراحل يمنّ الله تعالى بعونه. و لكم أن تلاحظوا شعبنا و بلادنا في الوقت الحاضر و قد تقدم على كل الظروف التي مرّ بها في الماضي، و تحول التقدم إلى ظاهرة ذاتية في حركة الشعب الإيراني. تقدم الشعب الإيراني باستمرار و الحمد لله، و سوف يتقدم أكثر.. المهم أن نعزز علاقتنا بالله تعالى. يعاني العالم الإسلامي اليوم من مشكلات كبيرة. إننا في منطقة تعيش للأسف العديد من بلدانها مشكلات هي في الغالب مصدّرة إليها و مفروضة عليها من الآخرين الأجانب. لا مراء أن الأحداث التي تقع حالياً في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا، لو لا تدخلات الأجانب و السياسات المغرضة للقوى الكبرى، لما تعقدت الأوضاع بهذا الشكل. و سبيل العلاج في الوقت الراهن هو أن تتخذ الشعوب القرار بنفسها و لا يتدخل الآخرون و الأجانب. علاج الأحداث الجارية راهناً في هذه المنطقة هو هذا ليس إلّا. هكذا هو الوضع في مصر و في ليبيا و في سورية. تستطيع الشعوب بحكمة نخبها و توجيه روّادها و عقلاء القوم أن تعثر على سبل الخلاص، هذا إذا تركها الأجانب و شأنها و لم يصدّروا النفاق و الترديد إليها. الشعب الإيراني و بفضل من الله و حوله و قوته، و بروح الإيمان و الاتحاد و الانسجام، و بالوحدة التي حققها لهم الدين، استطاعوا السير في هذا الدرب، و سوف يواصلون المسيرة في المستقبل أيضاً بتوفيق من الله. المؤامرات التي ارتكبوها في بلدان أخرى لا تأثير لها في هذا البلد. إما أنهم اشعلوا الصراعات بين الناس تحت طائلة الخلافات المذهبية و الطائفية، أو وضعوا الإخوة بوجه الإخوة بذريعة الخلافات القومية، أو قاموا بهذا الشيء تحت عنوان الخلافات الحزبية، أيّ من هذه الأسلحة الفتّاكة المسمومة لا أثر لها في إيران الإسلامية. المذاهب المتنوعة و القوميات المتعددة متعاضدة إلى جانب بعضها، و الجماعات و التيارات المختلفة تعمل و تسير بوحدة نظر في القضايا الأساسية المهمة. و توصيتي للمسؤولين في البلاد و للنخبة السياسية و الشخصيات الدينية و لمن لديهم نفوذهم و منابرهم بين الناس هي: ليشددوا ما استطاعوا على الاتحاد و الانسجام القيّم بين أبناء الشعب.. الإيمان بالله و الاتحاد، الدين و وحدة الكلمة.. هذان هما الشيئان الذان بوسعهما جعل الشعوب تقف على أقدامها، و تمنحهم القدرة على المقاومة، و الشعب الإيراني و لله الحمد يتمتع بهاتين الخصيصتين. و ليت المسؤولين السياسيين و الثقافيين في البلدان الأخرى يهتمون بهذه النقطة اهتماماً مضاعفاً، و يعالجون المشكلات التي عنّت لهذه المنطقة بالحكمة. ندعوا الله تعالى أن يجعل الأمة الإسلامية شامخة صامدة. اللهم بحق محمد و آل محمد لا تقطع فضلك و رحمتك عن الأمة الإسلامية في كل أرجاء العالم. اللهم قصّر أيدي الأجانب عن حياة الناس في البلدان الإسلامية. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش:1 - الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 46 .2 - سورة البقرة، الآية 214 .
2013/10/29

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد في الأول من شوال سنة 1434 هـ

09/08/2013 مالخطبة الأولىبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوكّل عليه، و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته، بشير رحمته و نذير نقمته، سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرّمين، سيّما بقية الله في الأرضين. أوصيكم و أدعوكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلون و المؤمنون الحاضرون في هذا التجمّع العظيم، و أوصي و أدعو نفسي إلى رعاية التقوى و الورع فهما سبب السعادة و الفوز في الدنيا و الآخرة. و أبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً و لكل الشعب الإيراني و لكل المسلمين في العالم. مرّ شهر رمضان على شعبنا و على سائر المسلمين مفعماً بالبركات الإلهية، و تمتع كثير من السعداء ببركات و خيرات هذا الشهر. في هذا الجوّ الحار و في هذه النهارات الطويلة و بأفواه صائمة و شعور بالجوع و العطش و اجتناب للملذات و الأهواء النفسية، قضوا النهارات في طاعة الله و الليالي بالدعاء و الذكر و المناجاة و القيام لله. الذين قاموا بواجباتهم بعبادة الله و أداء الفرائض الإلهية في هذا الشهر، يشعرون بالرضا و البهجة. الأعمال المعنوية و مجاهدة النفس في هذا الشهر يمنح أصحاب الهمم و الإرادة، و هم أنتم أيها الشعب العزيز ممن تحمّلتم الصيام، الشعور بالفرح و المسرّة المعنوية. هذه من خصوصيات العمل لله و السعي و المجاهدة في سبيله، و هي أن العامل و المجاهد رغم تحمّل الصعاب و المشاق يشعر بالفرح، و قد وصل الله هذه الفرحة بفرحة يوم عيد الفطر، و يكفي لعظمة هذا اليوم أنكم في الأدعية التسعة لقنوت هذه الصلاة المباركة تقسمون على الله بهذا اليوم: «أسئلك بحق هذا اليوم» (1). و هذا دليل على المرتبة السامقة لهذا اليوم. نتمنى أن يتقبل الله تعالى أعمالكم و يجزل رحمته و فضله على شعب إيران، و يثيبكم أجراً جزيلاً على جهودكم و مشاقكم في هذا الشهر. من الجهود الكبرى في هذا الشهر مظاهرات يوم القدس، و للحق لا يمكن وصف أهمية ما قمتم به بأيّ لسان، حيث خرجتم إلى الشوارع في هذا الجوّ الحار في كافة أنحاء البلاد و أنتم صيام من أجل أن تثبتوا صمود شعب إيران بشأن هذه القضية المهمة من قضايا العالم الإسلامي و تاريخ الإسلام. هذا هو معنى الشعب الحيّ. من الضروري أن أتقدم بالشكر من كل كياني و من أعماق قلبي لشعب إيران على همّته هذه. و قد لوحظت في هذا العام سُنّة حسنة أكثر من السنين الماضية، و من الجدير التنبّه لها و الاهتمام بها، ألا و هي توزيع طعام الإفطار البسيط في المساجد و في الشوارع في معظم مدن البلاد - و هو عمل لائق جداً - مقابل طعام الإفطار المشتمل على الإسراف الذي سُمع و ذاع أن البعض و بذريعة الإفطار يقومون بأعمال مسرفة، و بدل أن يتحول شهر رمضان إلى وسيلة للتقرب الروحي من الفقراء و المعوزين، يغرقون أنفسهم بأعمالهم هذه في الملذات الجسمية. لا نريد القول إنه إذا تناول شخص طعاماً طيّباً في إفطاره فقد قام بعمل ممنوع، لا، الشرع لم يمنع هذه الأمور، إنما الإسراف هو الممنوع، و التمادي هو الممنوع، و التبذير الكثير الذي يحدث في مثل هذه المجالس أحياناً هو الممنوع. ما أحسن أن يعمل الذين يريدون توزيع طعام الإفطار بهذه السنّة الحسنة، فيولموا للناس و للمارّة و للذين يريدون تناول طعام الإفطار على هذه الموائد المجانية و بجود و كرم في الأزقة و الشوارع و الحسينيات. نتمنى أن يمنّ الله تعالى عليكم جميعاً يا شعب إيران بالبركة، و يتقبّل أعمالكم و يوفقكم للحفاظ على مكتسبات شهر رمضان المبارك إلى العام القادم. بسم الله الرحمن الرحيمو العصر، إن الإنسان لفي خُسر، إلّا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر. (2)الخطبة الثانيةبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما عليّ أمير المؤمنين، و سيدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين، سبطي الرحمة و أمامي الهدى، و علي بن الحسين زين العابدين، و محمد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمد الهادي، و الحسن بن علي العسكري، و الحجة القائم المهدي، صلوات الله عليهم أجمعين، و السلام على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين، و نستغفر الله و نتوب إليه. أدعو كل الإخوة و الأخوات و أوصيهم بمراعاة التقوى في القول و الفعل و اتخاذ المواقف و في كل حركاتهم و سكناتهم الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية. تحدث في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا و في المنطقة الإسلامية عموماً هذه الأيام الكثير من الأحداث و الوقائع. و أشير إلى بعض هذه الأحداث باختصار. في بلادنا هناك حدث مهم هو تشكيل الحكومة الجديدة حيث تمّت و الحمد لله هذه الإرادة القانونية و السُنّة الوطنية على أحسن وجه بهمم الشعب و المساعي المتظافرة الشاملة. و بقيام مجلس الشورى الإسلامي قريباً إن شاء الله بواجبه تجاه منح الثقة للوزراء الصالحين ستتشكل الحكومة و تبدأ الأعمال و المشاريع المهمة الكبيرة الملقاة على عاتقها. هذا رغم أنها بدأت من الآن الكثير من الأعمال. نتمنى أن يشمل التوفيق الإلهي رئيس الجمهورية المحترم و المسؤولين التنفيذيين في البلاد، و تكون مواكبة الجماهير في عونهم، و تساعدهم أدعية الجماهير ليستطيعوا إنجاز الأعمال الكبرى التي على عواتقهم - و في الأعمال الكبرى مصالح كبرى أيضاً و فيها كذلك مصاعب كبرى - على أحسن وجه. أما بالنسبة لسائر البلدان التي حوالينا - في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا - فإن الأحداث ليست سارّة على نفس النحو، بل هي أحداث مقلقة. من الأحداث نذكر حوادث فلسطين المظلومة، حيث بعد مضي خمسة و ستين عاماً على الاحتلال الرسمي لفلسطين لا يزال الظلم و الجور و الإجحاف مستمراً يومياً على هذا الشعب المضطهد.. تخريب البيوت و اعتقال الأبرياء، و فصل الأبناء عن الآباء و الأمهات، و ملء السجون بالأبرياء أو الذين انقضت فترات أحكامهم.. و الأكثر إيلاماً أن القوى الغربية المهيمنة تدعم أولئك المجرمين بكل قواها و قدراتها. هذه من مصائب العالم اليوم أن يكون الظلم العلني المركّب من عشرات بل مئات المظالم المتراكمة مدعوماً من قبل الذين يتشدّقون بمناصرة حقوق الإنسان و الديمقراطية و ما إلى ذلك من الشعارات البرّاقة الملونة الجميلة التي تقلقل بها ألسنتهم، لكنهم يدعمون المجرمين عملياً!و الآن بدأت ثانية مفاوضات بين الحكومة الفلسطينية و الصهاينة، و لن تكون لها من نتيجة بالتأكيد سوى ما تمخّض عن المفاوضات السابقة، ألا و هو تراجع الفلطسينيين عن حقوقهم و تشجيع المعتدي على مزيد من الاعتداء، و قمع كفاح الشعب الفلسطيني العادل. يخرّبون البيوت و الديار و يبنون أبنية غصبية للمحتلين الغاصبين، و يقولون نحن نتفاوض! و قد أعلنوا الآن أن المفاوضات سرية. طبخة الاستكبار في هذه المفاوضات في ضرر الفلسطينيين يقيناً. ما نعتقده هو أن العالم الإسلامي يجب أن لا يتنازل عن تحفّزه تجاه قضية فلسطين حتى للحظة واحدة، و يجب أن يدين الفعل الغاصب للذئاب الصهيونية المفترسة و حماتهم الدوليين. هذه المفاوضات التي تجري بوساطة أمريكا - و أمريكا في الواقع ليست وسيطاً بل هي طرف في القضية.. طرف متحيّز لصالح الصهاينة الغاصبين لفلسطين - يجب أن لا تؤدي إلى مزيد من الظلم ضد شعب فلسطين و إلى عزلة الفلسطينيين المسلمين المناضلين. و القضية الأخرى قضية مصر. إننا قلقون مما يجري في مصر. ظنون اشتعال الحرب الأهلية في مصر تزداد يوماً بعد يوم في ضوء ما يحدث هناك، و هذه فاجعة. من الضروري لشعب مصر الكبير، و النخب السياسية و العلمية و الدينية في هذا البلد الكبير أن ينظروا للوضع الموجود و يروا ما هي العواقب الوخيمة المترتبة على هذا الوضع. لينظروا لوضع سورية و ما هي آثار و تبعات تواجد مرتزقة الغرب و إسرائيل و الإرهابيين في أي منطقة ينشطون فيها. لينظروا لهذه الأخطار و لا يغفلوا عنها. يجب الاهتمام للديمقراطية و حكومة الشعب. تقتيل الناس مدان بشدة، و لغة العنف و القوة بين الجماعات الشعبية ضد بعضها غير مُجدية على الإطلاق، و فيها الكثير من الأضرار. لا جدوى من تدخل القوى الأجنبية - كما يشاهد اليوم - سوى الضرر لشعب مصر. عقدة مصر ينبغي أن يحلها الشعب المصري نفسه، نخبتهم يجب أن يحلوا هذه العقدة. يجب أن يفكّروا و يدرسوا العواقب الوخيمة و الخطرة التي قد تترتب على هذا الوضع. إذا حصل لا سمح الله هرج و مرج و فوضى، و إذا وقعت لا سمح الله حرب أهلية، فما الذي سيمكنه الوقوف بوجهها؟ سوف تتوفر الذرائع لتدخّل القوى الكبرى و هي أكبر بلاء على أي بلد و على أي شعب من الشعوب. نحن قلقون.. نوصي النخبة في مصر توصية أخوية و نوصي شعب مصر و التيارات و الجماعات السياسية و الدينية و علماء الدين أن يفكروا هم أنفسهم و يبادروا و لا يسمحوا للأجانب و الجبابرة - و من المحتمل جداً أن أجهزتهم التجسسية ليست عديمة الدور في خلق هذا الوضع - بالعودة إلى التدخّل و التغلغل. و القضية الأخرى هي قضية العراق. تولّت الحكم في العراق حكومة على أساس المعايير الديمقراطية و أصوات الشعب. و لأن القوى الكبرى و القوى الرجعية في المنطقة غير راضية و غير مرتاحة لهذا الشيء، لذا يريدون عدم السماح للشعب العراقي بالراحة و تنفس الصعداء. هذه التفجيرات و هذا التقتيل و هذا الإرهاب و الإجرام مدعوم يقيناً مالياً و سياسياً و تسليحياً من بعض القوى في المنطقة و خارج المنطقة. و هي قوى لا تريد للشعب العراقي أن يعيش حياته العادية. هنا أيضاً يجب على الساسة العراقيين و المسؤولين العراقيين و الجماعات العراقية من شيعة و سنة و عرب و كُرد أن ينظروا بدقة للوضع القائم في بلدان أخرى، و يتأملوا في عواقب الاختلافات الداخلية و الحرب الأهلية التي تقضي على البُنى التحتية في البلد و تبدّد مستقبل الشعب. في كل هذه الأمور يقف الكيان الصهيوني و الغاصبون الإسرائيليون و هم يتفرّجون على هذا الوضع بفرح و سرور و راحة.. فهل هذا مقبول؟اللهم بمحمد و آل محمد أيقظنا جميعاً من نوم الغفلة. اللهم قصّر أيدي الأشرار و المعتدين عن الشعوب و البلدان الإسلامية. اللهم بمحمد و آل محمد، انصر الإسلام و المسلمين في كل مكان. بسم الله الرحمن الرحيمإنا أعطيناك الكوثر، فصلّ لربّك و انحر، إن شانئك هو الأبتر. (3)و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - مفاتيج الجنان، أعمال يوم عيد الفطر.2 - سورة العصر، الآيات 1 - 3 .3 - سورة الكوثر، الآيات 1 - 3 .
2013/10/29

كلمته في لقائه رئيس الجمهورية و أعضاء مجلس الوزراء بمناسبة أسبوع الحكومة

28/08/2013 مبسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالإخوة الأعزاء و أختنا المحترمة (1) و أبارك أسبوع الحكومة - الذي اقترن مع تشكيل الحكومة الجديدة - لكل الأعزاء و لكم جميعاً و لرئيس الجمهورية المحترم. أسبوع الحكومة مناسبة لكي يبارك المرء و يدعو بالخير و العون لكل العاملين و المدراء و المسؤولين في السلطة التنفيذية، و أنا لا أفوّت هذه الفرصة، و أبارك لكم جميعاً هذا الأسبوع و لكل المدراء و لكل المسؤولين في السلطة التنفيذية على مختلف المستويات ممن يعملون و يقدمون الخدمات و يمارسون الأنشطة المختلفة، و أسأل الله تعالى لهم جميعاً و لكم جميعاً توفيق الخدمة. الجميل في هذه الذكرى السنوية للحكومة أن اسمي الشهيدين الجليلين الخدومين يزيّنان كل الأقوال و الكتابات. إنه لشيء كثير المعاني و عميق المغزى أن تعمل كل الحكومات و رجال كل الحكومات طوال هذه الأعوام المتمادية على جعل ذكرى هذين الشهيدين شعاراً ليوم الحكومة و أسبوعها، و لم يسمحوا لمرور الزمن و تعاقب الأحداث المختلفة بدفع قيمة الشهادة و قيمة الخدمة الصميمية المتواضعة لهذين الرجلين العظيمين إلى مطاوي النسيان. أرى من الضروري أن أقدم شكري الصميمي لرئيس الجمهورية المحترم على مبادرته السريعة في تسمية الوزراء و تقديمهم لمجلس الشورى الإسلامي. كنت أعلم و أرى إصراره و كنت في قرارة نفسي أثني على هذا الإصرار على تشكيل هيئة الحكومة و الوزراء بأسرع ما يمكن. و لحسن الحظ استطاع و في أول لحظة ممكنة بعد التحليف و من دون تفويت للوقت أن يقدم اقتراحه لمجلس الشورى الإسلامي المحترم. كما أشكر مجلس الشورى المحترم لأنه منح الثقة للوزراء بأصوات جيدة و في بعض الحالات بأصوات عالية جداً، و بذلك بدأت الحكومة و مجلس الشورى الإسلامي العمل. هذا من ناحية دليل على وجود عزيمة للعمل و من ناحية أخرى مؤشر على وجود تناسق و تناغم بين السلطتين، و هاتان النقطتان من النقاط التي أشدّد عليها و اعتبرها في غاية الأهمية و الحساسية، سواء التنسيق و الانسجام بين السلطتين، و الذي عبّر عن نفسه لحسن الحظ في هذه الوهلة الأولى بشكل جيد جداً، و كذلك بخصوص البدء بالعمل الدؤوب غير المنقطع في جميع المجالات و الميادين. نتمنى أن تستطيع حكومتكم و منظومتكم أن تبرّز نقاط القوة الموجودة فيها و تظهرها، و تغذّوا إن شاء الله هذا الأمل الذي أشار السيد رئيس الجمهورية إلى انبثاقه في قلوب الناس تجاه الأعمال و المشاريع الكبيرة المميّزة و اجتياز الموانع، و مضاعفته في قلوبهم من خلال إبراز نقاط القوة فيكم. و طبعاً مما لا شك فيه أن شخص السيد روحاني من نقاط القوة في هذه المنظومة. إنه شخص ذو سوابق في الثورة و ذو سوابق في الكفاح الثوري و له مواقف جيدة و صحيحة طوال أكثر من ثلاثين عاماً، و قد طرح نفسه للترشيح و تولى اليوم و الحمد لله رئاسة الأجهزة التنفيذية باعتباره رئيساً للجمهورية و موثوقاً به. و يدرك المرء من مجموعة الأمور التي ذكرها و من مجموعة سوابقه التي نعرفها عنه أن هناك عزيمة راسخة لديه و لدى زملائه إن شاء الله لإنجاز الأمور على أفضل وجه و بأصحّ اتجاه. ندعو الله له و لكم أن يوفقكم و تستطيعون إنجاز و أداء الواجبات التي تقع على عاتق الحكومة الجيدة المنشودة. في هذه الجلسة الأولى معكم أيها الأعزاء نراجع مؤشرات الحكومة التي تعد في هذا الزمن حكومة منشودة محبّذة. طبعاً نحن لا ندّعي بأن حكومتنا حكومة إسلامية بالمعنى الحقيقي و الكامل للكلمة. إنني أنظر لنفسي فأشاهد فيها الكثير من النواقص و نقاط الضعف، و أقارن هذا بأقل ما أهدته لنا المقامات العالية المقدسة المطهرة في صدر الإسلام الأول، فأرى إننا أصغر بكثير من أن نستطيع تشكيل تلك الحكومة المنشودة أو حتى أن نطيقها، و لكن حسب ما يمكن تسميته في زماننا و ظروفنا بالحكومة الإسلامية، ثمة مؤشرات أشير إلى بعضها. و هذه بالطبع ليست بالكلمات الجديدة، و أنتم أنفسكم تعلمونها، لكن تذكّر ما نعلمه مفيد دوماً بالنسبة لنا، و لا ضرر في أن نراجع هذه المؤشرات مرة أخرى. المؤشر الأول هو المؤشر العقيدي و الأخلاقي - خصوصاً في المسؤولين رفيعي المستوى - إنها السلامة العقيدية و السلامة الأخلاقية و سلامة العمل و الأداء الناجمة عن العقيدة الصحيحة و النظرة الصائبة لحقائق المجتمع. هذا هو المؤشر الأول. إننا و الحمد لله لا نعاني من تشوّش و حيرة بخصوص العقيدة الصحيحة و بالنسبة لما يجب اعتباره حقاً، ففضلاً عن المصادر الإسلامية - و قد يكون لمختلف الأشخاص تصوراتهم المختلفة للمصادر الإسلامية - لدينا مجموعة توجيهات و إرشادات الإمام الخميني الجليل. فنحن جميعاً نؤمن بالإمام الخميني و نقبله و نذعن له. و بين أيدينا مجموعة كلمات الإمام الخميني و مواقفه و توجيهاته. و هذا بحد ذاته مؤشر و بوصلة يجب أن نعتقد به و نعمل على أساسه، و نراجع هذا المؤشر الأصلي في مواطن التشابه و الاختلاف. و ستكون هذه سلامة عقيدية. و هذه هي أصول الثورة و قيمها، و أسس الثورة و مبادئها مودعة مدرجة في هذه الكلمات و التوجيهات. هذه أمور إذا التزمنا بها و انشددنا لها و رسمنا خططنا و برامجنا على أساسها، يلوح أن الأمور و الأعمال ستكون ناجحة و موفقة في المستقبل، و سوف نتقدم إلى الأمام. من الأمور و الأشياء التي أشدد عليها في إطار العقيدة و النظرة القلبية و الميول الروحية، حالة الثقة بالله تعالى و الثقة بوعوده. هذه من جملة الأمور التي أصرّ على أن لا نقصّر فيها. حين يعدنا الله تعالى بصراحة فيقول: «إن تنصروا الله ينصركم» (2) و «لينصرن الله من ينصره» (3).. عندما يعدنا الله تعالى بكل هذه الصراحة بأنكم إذا نصرتم دينه و اتبعتم سبيله فإنه سينصركم، فيجب أن نثق بهذا الوعد و أن نعمل على أساسه. و قد تكون هذه القضية بعيدة عن ذهن الشخص الذي لم يجرّبها و قد يستبعدها، لكننا أنا و أنتم جرّبناها و شاهدنا كيف أن الأمور غير الممكنة قد تحققت. لم يكن هناك أمر أكثر استحالة و تعذراً من أن ينزل المرء خالي اليدين إلى الشوارع فيستطيع إسقاط نظام مستبد مستكبر معتمد على القوى العظمى في العالم، و يؤسس مكانه نظاماً إسلامياً، و هو نظام لا يتطابق مع المعايير و المقاييس الغربية، بل نظام إسلامي يعتمد على الفقه. من كان يصدّق أن مثل هذا الشيء يمكن تحقيقه عملياً؟ لكنه تحقق هذا الشيء الذي كان مستحيلاً. قضية الاضطرابات و حالات التمرد في بداية الثورة، و قبل بدء الدفاع المقدس، قضية أخرى. إنها حالات تمرد كانت مدعومة من الخارج - و أنتم تتذكرون - و قد حصلت في شرق البلاد و في غربها و في شمالها و في جنوبها. في أي منطقة لم تكن هناك حالات تمرد قومية و طائفية و ما إلى ذلك؟ أي بلد و أية حكومة فتية ليس لها جيش و ليس لها قوات مسلحة و لا قوى أمن جيدة تستطيع أن تشتبك مع مثل هذه الأزمات و تتغلب عليها؟ لكن الجمهورية الإسلامية تغلبت عليها.و النموذج الآخر هو الحرب المفروضة و ملحمة الدفاع المقدس. هذا كلام قيل ألف مرة أو آلاف المرات، و لكن يجب أن نتذكر هذه الأمور. الحرب المفروضة لم تكن مجرد حرب حكومة جارة، إنما كانت حرباً دولية ضدنا بكل الوسائل و الإمكانيات. الكل بذلوا جهودهم و مساعيهم و لم يستطيعوا بعد ثمانية أعوام أن يحتلوا شبراً واحداً من بلدنا، فهل هذا بالشيء القليل؟ و كذا الحال بالنسبة لقضايا أخرى متنوعة. هذه بالتالي وعود قد تحققت. «إن تنصروا الله ينصركم» آية قرآنية إذا كان الآخرون قد قرؤها في القرآن فقط فقد جرّبناها نحن في حياتنا. إذن، يجب أن نثق بالله. اعملوا لله أيها السادة، و اجعلوا هدفكم إلهياً، و ثقوا أن الله سيفتح الطريق. هذه المعادلة المتعددة المجاهيل التي ذكرها الدكتور السيد روحاني - التي حين ينظر فيها الإنسان يجد التعارض و التناقض من كل جانب - ترون في بعض الأحيان أن الله تعالى يحلها بعمل صغير. يحدث أن تريدون وضع جسم فوق جسم آخر فتواجهكم عشر مشكلات و موانع، لأن الإنسان الذي يريد أن يقوم بذلك غير مؤهّل و لا يحسن القيام بذلك. و يأتي إنسان ماهر يجيد العمل فيقوم بحركة بسيطة جداً و إذا بالأمر يتمّ و ينجز. بمعنى أنه يمكن افتراض أن كل هذه القضايا و الأمور ممكنة الحل على أساس النظرة الصحيحة العلمية العقلانية - و المعتمدة طبعاً على التوسل إلى الخالق و العناية الإلهية و الأمل و الثقة بالله تعالى - و هذه هي عقيدتي. على كل حال هذا هو أحد المؤشرات: الثقة بالله و الأنس و الاندكاك بالمعنويات. الذي أرجوه منكم - و ربما لا ضرورة لأن أطلب ذلك منكم لأنه تحصيل حاصل - أن تمتّنوا علاقتكم بالقرآن الكريم و لا تقطعوها. أقرأوا حتماً مقداراً من القرآن الكريم في كل يوم. و عزّزوا علاقتكم بالدعاء و التوسل، فهذه الأعمال تقلل الضغوط و ترفع مصاعب العمل و تعيد لكم نشاطكم و حيويتكم و تجعلكم مستعدين جاهزين لمواجهة الموانع و العقبات الكبرى. أي إنها تعيد للإنسان حيويته و فاعليته، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. و لا تنسوا كذلك النوافل و غيرها من العبادات. المؤشر الثاني هو خدمة الناس. روح الخدمة هو الخطاب الأصلي للحكومة الإسلامية. بل إن فلسفة وجودنا ليس شيئاً سوى هذا. لقد جئنا لنخدم الناس و يجب أن لا يصرفنا أي شيء عن هذا الواجب. طبعاً لكل واحد منا رغباته و ميوله و ذوقه على الصعد السياسية و الاجتماعية و لنا صداقاتنا و علاقاتنا و عداواتنا، لكن هذه كلها هوامش، أما الأصل فهو الخدمة و تقديم الخدمة للناس. يجب أن لا نسمح لتلك الهوامش بالتأثير السلبي على هذا الأصل. و من النقاط التي يجب الإشارة لها على صعيد هذا المؤشر، أعني مؤشر خدمة الناس، هي أن الوقت محدود. فأربعة أعوام، أو ثمانية أعوام من زاوية نظر أخرى، وقت محدود و يمضي كالومضة الخاطفة. و قد كررت هذا المعنى في هذه الغرفة أو تلك الغرفة مع بعض الأشخاص في الحكومات التي سبقتكم و قد كان بعضكم فيها، و قلت لهم: تذكروا منذ اليوم الأول لمدة حكومتكم أن فترتها تمرّ مرور الومض الخاطف. حين ينظر المرء لأربعة أعوام مضت وراءه يجد و كأنها كانت يوماً واحداً - تمرّ مرّ السحاب - (4) و لكن في حدود هذا الوقت المحدود القليل هناك ما لا نهاية له من الفرص. بمعنى أن كل ساعة من ساعاتكم تمثل فرصة لكم. و كل حدث يقع لكم هو بمثابة الفرصة لكم. و كل فكرة تخطر ببالكم و كل إبداع أو ابتكار يعنّ لكم إنما هو فرصة أمامكم. فلا تفوّتوا هذه الفرص. و النقطة الثانية في إطار مؤشر الخدمة هي أن تجعلوا العمل عملاً جهادياً. و الجهادي هنا لا يعني العمل غير القانوني. إنكم تعلمون أيها الأعزاء الذين عملنا مع البعض منكم لسنوات طويلة - تعاونّا و تزاملنا مع الكثير منكم أيها الإخوة في مجالات مختلفة - و تعلمون روحيّتي و ميولي، إنني لست ممن يدعو إلى تجاوز القوانين، بل أنا معارض أشد المعارضة لتجاوز القوانين، و لكنني اعتقد أنه في إطار القانون يمكن العمل بشكلين: أحدهما العمل الإداري المقرّر العادي، و الثاني العمل الجهادي. العمل الجهادي معناه تجاوز العقبات و الموانع و تذليلها، و عدم مشاهدة الموانع الصغيرة على أنها كبيرة، و عدم نسيان المبادئ و المطامح، و عدم نسيان الاتجاه، و التشوّق للعمل.. هذا هو العمل الجهادي. يجب القيام بالأعمال على نحو جهادي حتى تتم خدمة الناس على صورة جيدة إن شاء الله. و المؤشر الثالث هو قضية العدالة. لقد قلت مراراً - في الجلسات الخاصة مع بعضكم طوال هذه الأعوام - إنني لا أؤمن بالتقدم من دون العدالة. لقد أطلقنا على هذا العقد اسم «عقد التقدم و العدالة». و التقدم من دون العدالة ستكون نتيجته ما تشاهدونه في الحضارة الغربية الشديدة البريق في الوقت الراهن. لم يكن هناك من يتصوّر الثروة و القدرة و العلم و التقنية أكثر مما لديهم في هذه الحقبة. إنهم يمتلكون الحد الأقصى من هذه الأشياء. و لكن في الوقت نفسه تلاحظون أنهم يفتقرون للعدالة. و قد نراهم يتشدقون كثيراً في ما يخص العدالة القضائية و في الإعلام السينمائي و القصص و الروايات و ما إلى ذلك - و هو كذب في الغالب، أي ثمانون بالمائة منه كذب، و المعلومات التي يكسبها المرء حول وضعهم القضائي تشي بأن هذا الإعلام غير صحيح - و لكن الأمر واضح جداً على الصعيد الاقتصادي. ثمة أناس يموتون من الجوع، و هناك أشخاص يموتون في البرد بدرجة عشرة تحت الصفر مثلاً في البلد الفلاني، أو يموتون من حرارة أربعين فوق الصفر! لماذا يموت الإنسان في درجة حرارة أربعين؟ أليس لأنه لا مأوى له و لا بيت و لأنه مرمي على الرصيف، و لا يصله الماء في جوّ تبلغ حرارته أربعين درجة، فيموت؟ و من ناحية أخرى توجد ثروات هائلة متراكمة أسطورية في الغرب اليوم. هذا معناه غياب العدالة، و هذا شيء لا نريده، و الإسلام لا يريده لنا. إننا بحاجة إلى التقدم، التقدم بالمعنى الذي يسمّونه في الأدبيات الغربية اليوم بالتنمية، و نسمّيه نحن تقدماً. هذا التقدم يجب أن يكون بالضرورة مصحوباً بالعدالة. و أنتم تلاحظون في القرآن الكريم أن كل حالات بعث الرسل و إنزال الكتب و ما إلى ذلك «ليقوم الناس بالقسط» (5). من أجل أن يعيش المجتمع على أساس القسط. إذن، هذا أيضاً مؤشر آخر يجب أن نتذكره و نستحضره دوماً. المؤشر الآخر و هو الرابع يتمثل في النزاهة الاقتصادية و مكافحة الفساد. المناصب الحكومية موضع للسلطة و القوة و المصادر المالية. الوساوس هنا لا تترك الإنسان يستريح. و لا تنظروا لأنفسكم فأنتم متديّنون و مستوياتكم عالية و تستطيعون المقاومة حيال هذه الوساوس. أما في الدرجات الأدنى فقد لا يستطيعون المقاومة حيال هذه الوساوس و النزوات. يجب أن تراقبوا و تحذروا و تفتحو أعينكم البصيرة الثاقبة على كل الجهاز أو المؤسسة الخاضعة لإشرافكم و إدارتكم، فلا تسمحوا لوقوع عدم نزاهة اقتصادية في زاوية من الزوايا، و أن تفعل هذه الوساوس فعلها. حتى قبل أن تتدخل الإجهزة الإشرافية في الأمر، و لدينا بالتالي أجهزة إشراف و رقابية في البلاد، و عليها واجباتها، سواء ما يتعلق بمجلس الشورى الإسلامي، أو ما يتعلق بالسلطة القضائية، أو ما يتعلق بالسلطة التنفيذية نفسها - نظير تفتيشات السلطة التنفيذية - و لكن قبل أن يصل الدور لهذه الأجهزة المختصة بالتفتيش و المراقبة، ليراقب مدير المؤسسة بنفسه سلامتها و نزاهتها، و هذا بحاجة للنظر و التدقيق الدائم، لذا يجب عدم الغفلة. إنني أحياناً أسوق مثالاً للأعزاء و المدراء الذين اجتمع بهم و أتحدث إليهم فأقول مثل البروجتكر الكاشف القوي الذي شاهدتموه ينصب في بعض القلاع و يتحرك باستمرار و على مدار الساعة، كذلك أضواء نظراتكم و تدقيقكم يجب أن تسطع و تتحرك باستمرار، فلا تكن هناك أية ثغرات للتغلغل. يجب أن ننظر دوماً و نراقب. الحق أن الفساد كالأرضة، فلا تسمحوا للفساد و الرشوة و الوساطات و الإسراف و البهجرة و الإنفاقات الزائدة و ما إلى ذلك بالتغلغل إلى مؤسساتكم. جانب من هذا العلاج الذي أشار الدكتور السيد روحاني له في مضمار الشؤون الاقتصادية، يمكن تأمينه بهذا الاقتصاد و مكافحة الفساد. أحياناً تحصل حالات من الإنفاق الزائدة و غير الضرورية - و الكلام هنا عن الإنفاقات الزائدة و التي قد لا تكون محرّمة، و ربما كانت الأشياء الزائدة محرمة بمعنى من المعاني، لكنها على كل حال ليست محرمة بصراحة، إلّا أنها إنفاقات زائدة - و هذا ما يجب الحؤول دونه، و يمكن عن هذا الطريق القيام بالكثير من الأعمال الكبيرة . الحقيقة أن معظم العاملين في الأجهزة التنفيذية أناس مخلصون مجدّون دؤوبون طاهرون نزيهون، و لكن حين تكون هناك حالة واحدة أو حالتان أو عشر حالات من الأشخاص غير النزيهين في مؤسسة معينة، فإنهم سينشطون هناك كالأرضة و يضيّعون خدمات و جهود أولئك المخلصين المثابرين، و يشوّهون سمعتهم و تذهب كل جهودهم أدراج الرياح. الفساد يقضي على أجواء الطمأنينة و الثقة. المؤشر الآخر هو النزعة القانونية و الالتزام بالقانون. القانون هو السكة الحديدية التي يجب السير عليها و عدم الخروج عنها. إذا خرجنا عن هذه السكة فسيكون الأضرار و الإصابة حتمية. قد يكون القانون ناقصاً أحياناً، و قد يكون فيه عيب أحياناً أخرى، بيد أن هذا القانون المعيب إذا لم يعمل به - مما يؤدي إلى الفوضى و الهرج و المرج - سيكون ضرر عدم العمل به أكبر من ضرر العمل به. هذا شيء يجب تكريسه و مأسسته. ينبغي تكريس هذا المفهوم في مجموعة مؤسسات البلاد و أجهزتها. و من جملة عمليات مراعاة القانون مراعاة الوثائق الفوقية الأمّ و المتوفرة في البلاد اليوم لحسن الحظ، نظير السياسات العامة للنظام، و ميثاق الأفق العشريني، و قرارات المجالس العليا، مثل المجلس الأعلى للثورة الثقافية، و المجلس الأعلى للفضاء المجازي (السايبري)، و قد تحدثت بالأمس أو قبل أمس عن هذا باختصار مع السيد الدكتور روحاني، و سوف أتحدث أكثر، فللمجلس الأعلى للفضاء المجازي (السايبري) - و قد اجتمعنا في هذه الغرفة لأربع جلسات استمرت كل واحدة منها ثلاث أو أربع ساعات بحضور رؤساء السلطات الثلاث و مجموعة من القوى و تشكل هذا المجلس و يمثل قضية على جانب كبير من الأهمية - قراراته، و ينبغي أن ينظروا بعين الاعتبار لهذه القرارات و يعملوا طبقاً لها. إذا تم تكريس النزعة القانونية و الالتزام بالقانون، فلا مراء في أن الكثير من الآفات و السلبيات سترتفع. من جملة الأمور التي من المناسب أن أنوّه بها هنا في إطار السياسات العامة، السياسة العامة المتعلقة بتحوّل النظام الإداري و التي تمت المصادقة عليها و تبليغها. إننا حقاً نعاني من مشكلات و آفات مزمنة في مضمار القضايا الإدارية و النظام الإداري. و قد طرحت هذه السياسات و تمت دراستها في مجمع تشخيص مصلحة النظام، و جرى تبليغها، و اعتقد أنها سياسات جيدة جداً. يجب وضع برامج تنفيذية لها و تطبيقها عملياً، فهي من الأمور المهمة جداً التي لم يجر للأسف الاهتمام بها و تأخّرت و بقيت غير مطبقة. مؤشر آخر هو الحكمة و العقلانية في الأعمال، و العمل الخبروي و العملي و الدراسة الصحيحة و ملاحظة جوانب و آثار و تبعات العمل و الخطوة التي يراد اتخاذها، و أحياناً ملاحظة تبعات حتى التصريح الشفهي. أحياناً يكون للتصريح الذي يدلي به مسؤول ذو موقع أو ذو منبر تأثيرات سيئة، لو أراد الإنسان محوها فيجب عليه العمل كثيراً. و الأمر هنا أشبه بإلقاء حجر في بئر يعجز العقلاء عن إخراجه و معالجة المسألة. يجب التصريح بصورة مدروسة و ناضجة. لا يكون الأمر بحيث إذا كنا مسؤولين أو مدراء و خطر ببالنا شيء لم تجر دراسته و فحصه و ملاحظة جوانبه المختلفة، يجب أن لا نقذف به في أجواء الرأي العام، لأن معالجته في بعض الأحيان تكون صعبة و عسيرة. هذه هي العقلانية و الحكمة في الإدارة و العمل. و من جملة فروع هذه الحكمة الانتفاع من الإمكانيات العالية جداً للخبراء و المتخصصين في شؤون البلاد، و لحسن الحظ لدينا في الوقت الحاضر إمكانيات جيدة جداً من حيث الخبراء و التخصّص. للحق أنه حيث ينظر المرء يجد أن إمكانيات البلاد في القطاعات المختلفة عالية، و إذا انتفعنا من هذه الإمكانيات و هذه الطاقات الجمّة التي تربّت و تخرّجت بعد الثورة و دخلت حيّز العمل و الخدمة، فسنربح حتماً و بلا ريب. و نذكر مؤشراً آخر، و لا أريد متابعة هذا الجانب أكثر من هذا المقدار، إنه الاعتماد على الإمكانيات الذاتية للبلاد. لا تتسمّر أعيننا على الخارج. هذا هو ما نوصي به. ليس معنى هذا أن لا نستفيد من الإمكانيات الموجودة في الخارج.. يجب أن لا يختلط هذان المعنيان. لا نعقد الآمال على ما هو خارج الإمكانيات الداخلية للبلاد. ثمة في خارج منظومة البلاد و نظام الجمهورية الإسلامية جبهة كبيرة حاولت منذ أكثر من ثلاثين عاماً و إلى الآن أن لا تسمح لهذه الثورة بالتجذر و لا لنظام الجمهورية الإسلامية بالاستقرار، أو التقدم، أو تحوله إلى نموذج في المجالات و الأصعدة المختلفة. لا يمكن توقع الصداقة و المحبة و الصميمية من العدو و أساليبه العدوانية. لا نقول: لا تنتفعوا منهم، و لكن نقول لا تثقوا بهم و لا تطمئنوا إليهم، و لا تنظروا لهم بل انظروا للداخل. ثمة في داخل البلاد الكثير من الإمكانيات، و إذا ركزنا أنظارنا عليها سواء على الصعد الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها من الصعد و المجالات، و إذا استطعنا الاستفادة و الانتفاع من هذه الطاقات الداخلية، لكان فيها مفتاح حل المشكلات. في داخل البلاد إمكانيات و طاقات و قدرات يمكن الانتفاع منها بشكل عقلاني حكيم. يجب معرفة هذه الطاقات و تشخيصها. و هذا ما يرفع رتبتنا و مكانتنا في العالم. مكانة كل بلد في العلاقات الدولية بمقدار قدراته الداخلية، كلما كان اقتداره و مؤهلاته الداخلية أكثر كان نصيبه في العلاقات الدولية أكبر. يجب أن نؤمّن هذا الاقتدار و الطاقات، و هو ما حصل و الحمد لله طوال هذه الأعوام الماضية و على نحو تدريجي، حيث ارتفع مستوى اقتدار النظام و متانته باستمرار على مدى هذه الأعوام، لذلك ترون أن مكانة الجمهورية الإسلامية و حيثيتها قد ازدادت هي الأخرى، و الشواهد على ذلك كثيرة جداً. كانت هذه هي المؤشرات الست أو السبع التي أردت ذكرها، و قد أشرنا طبعاً إلى أنها ليست بالحقائق الجديدة عليكم، إلّا أنه من اللازم التذكير والتكرار. و أذكر نقطتين أو ثلاث نقاط أخرى.. يجب أن نراعي الأولويات. لقد استلمتم العمل لتوّكم، و إمكانياتكم ليست لانهائية، و هممكم ليست غير محدودة، و وقتكم ليس بدون حدود، يجب أن تنظروا ما هي الأولويات. يجب متابعة كل الأعمال و الأمور، و لا يمكن تعطيل بعض الأمور و تأخيرها إلى أن تتم أعمال أخرى، و لكن يجب أن تشخّصوا الأولويات و ما يسترعي النظرات الأساسية. اعتقد أن هناك مسألتين تستدعي أن نركّز عليها أنظارنا و اهتمامنا: الأول مسألة الاقتصاد و الثانية مسألة العلم. الاقتصاد و العلم. هاتان المسألتان اعتقد أنهما يجب أن يكونا في الوقت الحاضر على رأس الأولويات، بالنسبة لكم أنتم بوصفكم السلطة التنفيذية، و بالنسبة للسلطات و المؤسسات الأخرى. على الصعيد الاقتصادي توجد في الظرف الراهن و لحسن الحظ الكثير من البنى التحتية التي لم تكن موجودة قبل سنوات. خلال هذه الأعوام العشرة أو الإثني عشر الأخيرة تم إنشاء الكثير من البنى التحتية في البلاد التي يمكن الاستفادة منها. الشيء الضروري بالدرجة الأولى على الصعيد الاقتصادي هو الاستقرار و الهدوء و إخفات التلاطم و الاضطرابات الاقتصادية. أي إن هذا التلاطم الموجود، سواء في أذهان الناس، أو في السوق، تجب معالجته عن طريق التدبير، و هذا يعود قبل كل شيء إلى سياساتكم و تصريحاتكم و بعض خطواتكم السريعة. و من القضايا أيضاً قضية احتواء التضخّم، و منها أيضاً تأمين الاحتياجات الأساسية لأبناء الشعب. هذه هي الأمور ذات الأولوية التي ينبغي الاهتمام بها قبل غيرها. و هناك أيضاً تنشيط الإنتاج الوطني. هذه من القضايا الأساسية في اقتصادنا، و يجب الاهتمام بها. طبعاً هناك مشكلات، و قد ذكر السيد الدكتور روحاني بعض هذه المشكلات أو الكثير منها. و نحن على معرفة و علم بدرجات معينة بهذه المشكلات، و نعلم أنها موجودة، و يجب أن تنظروا لتروا كيف يمكن التخلص من هذه المشكلات، و إذا استطعتم إن شاء الله أن توفروا هذا الهدوء و الاستقرار في المجال الاقتصادي، و تحتووا التضخم و تنشّطوا الإنتاج، فسيكون هذا بداية للملحمة الاقتصادية التي طرحناها في بداية العالم و طالبنا بها من كل الشعب و من مجموعة المسؤولين. و بطبيعة الحال فإن الملحمة الاقتصادية ليست عملية ستة أشهر أو سنة أو سنتين، بل لا بدّ لها من حركة طويلة الأمد. و لا أحد يتوقع من الحكومة الحالية، لا الشعب، و لا نحن، و لا أي إنسان منصف، أن تعالج كل هذه المشكلات خلال فترة قصيرة، لا، المتوقع هو التحرك و العمل باتجاه حل المشكلات، و أن يشعر الناس بأن هناك تحركاً نحو حل المشكلات على أساس نظرة حكيمة مدبّرة. و ثمة على صعيد الشؤون الاقتصادية الكثير من النقاط لا مجال هنا لطرحها. و أريد الإشارة إلى قضية الاقتصاد المقاوم. لقد تم تدوين مباني الاقتصاد المقاوم و مجموعة سياسات الاقتصاد المقاوم، و تم إرسالها للتشاور و الدراسة في مجمع تشخيص مصلحة النظام، و هم يدرسونها هناك. الاقتصاد المقاوم لا يعني التقشف، و لا يعني أن نتقوقع على أنفسنا، بل له معنى أعمق و أكثر عقلانية بكثير يمكن فهمه و الدفاع عنه، و هذا هو العلاج. يجب أن نستطيع إيجاد اقتصاد في البلاد يكون مقاوماً منيعاً حيال الأزمات و التقلبات الدولية. هذا شيء لازم و واجب. طبعاً له شروطه، و سوف يأتي المشروع من مجمع تشخيص مصلحة النظام إن شاء الله، و ما أحسن أن يؤكد هناك السيد الدكتور روحاني، و هو عضو في المجمع، على إنجاز هذا المشروع بأسرع ما يمكن إن شاء الله.و على صعيد العلم.. لاحظوا أننا سرنا منذ نحو عشرة أعوام أو أحد عشر عاماً و إلى الآن مسيرة متسارعة في مجال العلوم المختلفة. انطلقت حركة جيدة و كما أرى و كما تشير التقارير فإن هذه الحركة متصاعدة و متسارعة يوماً بعد يوم. منذ اليوم الأول الذي طرحنا فيه قضية الاستغناء العلمي و تحطيم حدود العلم و النهضة البرمجية، لم أكن حتى أنا أصدق بوجود كل هذه الإمكانيات و الاستيعاب للتقدم و السرعة العالية في التطور، ثم شاهدنا فجأة أن الإنجازات تتدفق من هنا و هناك كالينبوع. لاحظوا الآن أن مراكزنا البحثية و متنزّهاتنا العلمية - التقنية و جامعات إيران تتدفق كلها على مختلف المجالات و الصعد، و هذا ما يجب أن يستمر و لا يتوقف. و على المستوى الاقتصادي فإن هذا بدوره ما يمكن أن يساعدنا مساعدة أساسية، أي إننا إذا استطعنا التقدم بالأعمال و المشاريع العلمية و جعل العلوم مشاريع اقتصادية - و سوف أشير لهذه النقطة - فمن المتيقن أن ذلك أنفع و أجدى لنا بكثير على الصعيد الاقتصادي من بيع النفط و بيع الخامات التي نبيعها الآن. في شهر رمضان من هذا العام - و لا أتذكّر هل كان ذلك في اللقاء بأساتذة الجامعات أو الطلبة الجامعيين، في واحد من هذين اللقائين - ألقى أحد الحضور كلمة، و عرّف عنصراً أو منتجاً عائداته على البلاد أضعاف - و لأنني لا أتذكّر الآن الرقم للأسف لا أستطيع أن أقوله، و قد سجّلته بالطبع - عائدات بيع النفط مثلاً أو الغاز، بحيث لو عملنا على ذلك المنتج، و هو منتج له زبائنه في العالم و هم راغبون فيه، و ليس فيه مشكلات إنتاج، لاستطعنا أن نحقق كذا و كذا من العائدات و الدخول. النتيجة هي أن من مفاتيح حل المشكلات و المعضلات الاقتصادية كامنة في التوكؤ و الاعتماد على العلم. في مضمار العلم يجب أن نستطيع أولاً عدم السماح لهذه الحركة العلمية المتسارعة بالتباطؤ مطلقاً. خصوصاً الحكومة يجب أن تهتم لهذا الأمر اهتماماً جدياً. ذكرتُ أن هذا من الأولويتين الأوليين في برامج البلاد. بمعنى أنه يجب العمل بنحو خاص على قضية التقدم العلمي. طبعاً المسؤول بالدرجة الأولى عن قضية التقدم العلمي هما وزارتا العلوم و الصحة، لكن وزارات الصناعة و الزراعة و حتى الوزارات الخدمية تستطيع كلها المساعدة على هذا الصعيد و يجب عليها المساعدة، أي إن التعاون بين الجامعات و المراكز العلمية و البحثية و الأجهزة الخدمية - مثل وزارات الصناعة و الطرق و النفط و الزراعة، هذه الوزارات المختلفة ذات الصلة بالقضايا و الشؤون التقنية - هذه الأجهزة تستطيع حقاً أن تعمل على استقطاب الجوهر العلمي الموجود في مراكز البحث و العلوم، و أن تحضّ هذه المراكز على العمل و التحرك و الإنتاج. هناك نقطتان بخصوص القضايا العلمية: النقطة الأولى استكمال سلسلة العلم و التقنية، بمعنى أننا يجب أن نستكمل هذه السلسلة من الأفكار إلى العلوم إلى التقنيات إلى الإنتاج إلى السوق و التسويق. و إلّا إذا قمنا بالعمل البحثي و وصلنا إلى التقنيات، لكن الإنتاج لم يتحول إلى إنتاج وفير مثلاً، أو لم ترصد له الأسواق مثلاً، فإن السلسلة ستبقى غير مكتملة. ينبغي النظر و الاهتمام لكل هذه الأمور و العناصر و الحلقات و متابعة سلسلة العمل العلمي إلى مراحل الإنتاج و التسويق. أي إن الأنظار يجب أن تتركز على كل مراحل هذه السلسلة. هذه نقطة. و النقطة الأخرى هي الشركات العلمية المحور. من حسن الحظ أن الشركات العلمية المحور تشكلت حالياً بأعداد جيدة و هي موجودة و تعمل. اهتموا ما استطعتم بالشركات العلمية المحور. طيّب، لقد طال بنا الكلام. لدينا الكثير من الكلام أيضاً عن الثقافة و السياسة الخارجية، يجب أن نطرحه إن شاء الله مع المختصين بهذه الشؤون. و قد ذكر السيد الدكتور روحاني آراء جيدة بشأن السياسة الخارجية. و قد سمعت مقابلة للسيد ظريف (6) و كان المقدار الذي سمعته منها جيداً جداً. من الضروري فهم أسس العزة و الحكمة و المصلحة. يجب أن نفهم شعارات العزة و الحكمة و المصلحة بصورة صحيحة، و إذا استطعنا تطبيقها فإن سياستنا الخارجية ستكون ما تحتاج إليه البلاد و ما يناسب نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. و ثمة الكثير من الكلام حول الثقافة. و أشير أيضاً لقضايا المنطقة. كما قال السيد الدكتور روحاني فإن المنطقة منطقة حساسة، و تمرّ هذه الفترة بأيام عصيبة مأزومة في الواقع. في ما يخص تطورات مصر، نحن لا نرغب أبداً بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، لكننا لا نستطيع غضّ أنظارنا عن التقتيل الذي يتعرض له شعب مصر. إننا ندين هذه المذابح، أيّاً كان الفاعل. إطلاق النار بهذه الصورة على الناس - الناس العزّل الذين لا يحملون أي سلاح، تارة يكون الناس مسلحون و يقاتلون حكومة معينة، و في مثل هذه الحالة سيكون لتلك الحكومة ذريعة معينة - و إسقاط المئات و على رواية أخرى الآلآف بتلك الطريقة، فهذا شيء مدان بالمطلق. في ما يتعلق بمصر نعتقد أنه ينبغي تجنّب الحرب الداخلية بكل شدة. و قد قلت في يوم عيد الفطر بأن من همومنا و من حسراتنا و آلامنا أن تقع في مصر لا سمح الله حرب بالمعنى الحقيقي للكلمة بين الجماعات المختلفة، و هذا ما سيكون فاجعة للعالم الإسلامي و للمنطقة. و ينبغي أن يكون الهدف العودة للديمقراطية و أصوات الشعب. بعد سنوات من حكم الاستكبار و الاستبداد على مصر، استطاع الشعب بفضل الصحوة الإسلامية أن يقوم بانتخابات صحيحة، و لا يمكن لهذا السياق أن يتوقف و يعود إلى الوراء. و في إطار القضية السورية، هدّدت أمريكا و قالت إننا نريد التدخل، و سيكون هذا يقيناً فاجعة للمنطقة، و لا شك أن الأمريكان سيتضررون من هذا الشيء. هذا ما يجب أن يعلموه، سوف يتضررون بالتأكيد، كما تضرروا في العراق، و كما تضرروا في أفغانستان. سيكون هذا أيضاً ضرراً آخر عليهم. تدخل القوى الخارجية و البعيدة عن المنطقة في بلد - سواء كان سورية أو غير سورية - لا معنى له سوى تأجيج الحروب و طلب المعارك، و مضاعفة كراهية الشعوب لهم، و إسقاط سمعتهم أكثر في المنطقة، فضلاً عن أن هذا التدخل ليس له أي مستقبل واضح. المنطقة حقاً أشبه بمخزن بارود إذا قدحت فيه أية شرارة من هذا القبيل لا يعلم المرء ماذا ستكون الأبعاد. نتمنى أن يقي الله تعالى هذه المنطقة شرور أمريكا و الصهيونية و ذوي الطويّة السيئة، و أن يحفظ بلادنا و شعبنا و حكومتنا و رئيس جمهوريتنا في ظل حمايته و رعايته، لتستطيعوا إن شاء الله العمل بواجباتكم. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - المعاونة الحقوقية لرئيس الجمهورية السيدة إلهام أمين زاده.2 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .3 - سورة الحج، شطر من الآية 40 .4 - نهج البلاغة، الحكمة رقم 21 .5 - سورة الحديد، شطر من الآية 25 . 6 - محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني.
2013/10/23

خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه المشاركين في المؤتمر الوطني السابع للشباب النخبة

شهد صباح يوم الأربعاء 9/10/2013 لقاء قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي بالمشاركين في المؤتمر الوطني السابع للشباب النخبة. وخلال هذا اللقاء أكد الإمام الخامنئي على أن مستقبل الجمهورية الإسلامية سيصنعه الشباب، وأن الطاقات الشابة والقدرات الإنسانية في إيران والنخب الإيرانية، قادرون على إيصال البلاد إلى قمم التقدم.
2013/10/09

كلمته في لقائه راوي كتاب «جيش الطيّبين» و محرّرته و القائمين على نشره

... آجركم الله تعالى أيها الإخوة الأعزاء الذين تحمّلتم في فترة الدفاع المقدس كل تلك الجهود و الصعاب، و زاد الله في عزّتكم في الدنيا و الآخرة، و آجر الله كذلك السيد رضائي الذي روى هذا الكتاب (1) و السيدة سپهري التي حرّرته. الرواية رواية جيدة جداً، و التحرير و الكتابة أيضاً كتابة ممتازة. و كانت هذه السيدة قد حرّرت في السابق كتاب نور الدين (2) أيضاً. حقاً إنها لقيّمة جداً هذه الأقلام. إنني أشكر الله حين أطلع على هذه الظواهر الممتازة جداً و الجزلة لأدب الثورة الإسلامية. الحق أنه موضع يجب أن يشكر الإنسان فيه الله. كل شطر و جزء من أجزاء الدفاع المقدس هو شيء مميّز و بارز. أي إن الإنسان كلما تعمّق و دقّق أكثر و اطلع أكثر تجلت في عينه أكثر عظمة هذه الظاهرة العجيبة و الحادثة المهمة التي استمرت ثمانية أعوام. لقد كنا على اطلاع على القضايا و الأمور في ذلك الحين، و كان القادة يأتون و يرفعون لنا التقارير، و كنا نتصوّر أننا نعلم كل شيء. و حين يقرأ المرء هذه الكتب يتجلى أننا لم نكن نعلم سوى شيء بسيط من ذلك المحيط الهائل و الجهود و الجهاد و القيم.. إنها ملحمة استثنائية حقاً. طيّب، كانت هناك في السابق عدة كتب قرأناها، و هذا الكتاب «جيش الطيّبين» الذي كتبته هذه السيدة و المتعلق بفرقة عاشوراء كتاب جيد جداً جداً. و هو مهم خصوصاً من حيث أنه حول قوات الاستخبارات و الغوّاصين. فقوات الاستخبارات لا يتحدثون مع الآخرين - و يراعون المبدأ القائل: قالوا لنا لا تقولوا - لذلك بقيت غالباً الكثير من المعلومات و التجارب التي لديهم مكتومة طوال هذه الأعوام، و يمكن تسليط الضوء عليها الآن و نشرها. و قضية الغواصين هي حقاً قضية عجيبة و غريبة، و أحداث جد ممتازة، و قد شُرحت في هذا الكتاب بشكل جيد. من أكبر ميزات الكتّاب - أي الذين يحرّرون الروايات و الشهادات سواء كانوا من كتاب الروايات أو من كتاب القصص القصيرة أو من كتاب الخواطر و المذكرات - و من أهم أجزاء عملهم هو أن يستطيعوا رسم اللحظات الحساسة و تجسيدها. ينظر المرء في بعض الكتب فيجدها قصة مفصلة، و حين يصلون إلى لحظة حساسة تقع فيها حادثة داخلية في وجود إحدى شخصيات القصة أو يقع حدث مهم في الخارج، نراهم يتجاوزون هذه اللحظة الحساسة لأنهم لا يقدرون على تصويرها. إنهم هنا أشبه بمن يضع نقاطاً بدل الكلمات التي حذفها.. يتجاوزون هذه اللحظات بسرعة. هذه المذكرات التي تُكتب و أنا أقرؤها الآن - و أنا و الحمد لله متواصل و مندمج منذ سنين مع هذه المذكرات و أقرؤها - من محسّنات هذه الكتابات الجيدة و المميزة أنها استطاعت تصوير تلك اللحظات الحساسة و شرحها و بيانها. هناك بعض اللحظات لا يمكن إدراكها إلّا بمعايشتها المباشرة أو تصويرها جسمانياً و استعراضياً، و إذا استطاع الكاتب تصوير هذه اللحظات بإنشائه يكون للحق قد أبدى فناً كبيراً، و نقل الحس و الشعور للقارئ مهما كانت لغته، أي إن هذه الكتب ستبقى مفيدة مهما كانت اللغة التي تُترجم لها. بمعنى أنه يمكن نقل الرسالة. إذ أن التعبير - سواء تعبير الراوي أو إنشاء الكاتبة - تعبير فني و شروح جيدة جداً. و اللحظات الحساسة ليست قليلة في هذا الكتاب. خصوصاً أوضاع الغوّاصين و شروحها و صورها و أعمالهم و شعر «غوّاصلار» للحاج صمد.. لمن يفهم مضمون هذا الشعر، هذه كلها روايات و أوضاع تهزّ كيان الإنسان. الشاعر نظم الشعر بشكل جيد، و الحاج أصغر، هذا المدّاح من زنجان، أيضاً يظهر أنه كان يقرأ هذه التراتيل بشكل حسن. أجل، إنها أشعار استثنائية جداً و الكتاب أيضاً كتاب جيد جداً. ما أوصيكم جميعاً به - أنتم الذين جرّبتم هذه المشاهد بأجسامكم و أرواحكم و عشتم هذه الساعات الصعبة لحظة لحظة و شعرتم بها، و الآخرين أيضاً - هو أن لا تسمحوا لهذه المشاهد بأن تُنسى. منذ أن بدأ الدفاع المقدس و انطلقت هذه الملحمة العظيمة بالأنفاس الدافئة للإمام الخميني الجليل، و هبّ هؤلاء الشباب بكل شوق إلى جبهات القتال، عملت كل الأيدي الشيطانية على أن لا تسمح لجماليات هذا الحدث و عظمته بالظهور. حاولت أن لا تنتشر العظمة التي كانت في هذا العمل. أضف إلى ذلك أن الكثير من صور تلك العظمة لا يستطيع المرء أن يفهمها ما لم يكن قريباً منها و يلمسها أو يطلع عليها، على الأقل، عن طريق أسلوب فني. و كذا كان الوضع في الفترة اللاحقة أيضاً. طوال هذه الفترات التي أعقبت الحرب - هذه الخمسة و عشرين عاماً التي أعقبت انتهاء الحرب إلى اليوم - حاول الكثيرون أن لا يسمحوا بإحياء هذه الملاحم، و اعملوا أنتم على الضد من تلك المحاولات. و قد كنتم أنتم بأنفسكم هناك، فتحدّثوا عن تلك الملاحم و دعوا هذه الكتابات يقوّي و يعاضد بعضها بعضاً. لقد اطلعت في كتاب نور الدين على اسم هذا السيد مهدي قلي رضائي. يقول نور الدين في أحداث الغوّاصين إن مهدي قلي رضائي من المقاتلين ذوي السوابق في الجبهة. هذه الكتابات يؤيّد بعضها بعضاً تماماً، أي إن الأبعاد المختلفة للأمور تتضح و تتكامل فيها. يجب أن يتحدثوا بهذه الوقائع بأكثر ما يستطيعون، و يجب أن تكتب أكثر فأكثر، و ينبغي أن تنتشر التفاصيل بمنتهى الصدق. من دون زيادة أو نقصان، و من دون مبالغات. فتلك الأحداث لا تحتاج إلى المبالغة. إنها عظيمة بالقدر الذي لو رووها لعبّرت عن ما في داخلها من عظمة. يجب عدم المبالغة إطلاقاً، و يجب عدم الانتقاص من الأحداث. ينبغي عرض كل التفاصيل المهمة و المؤثرة، و كلها مؤثرة. كما نوصي السادة المحترمين في مركز الفكر و الفن الإسلامي و باقي المؤسسات المختصّة بالنشر أن يعرفوا قدر هذه الكتابات. اعرفوا قدر هذه الظواهر و هذه المنتجات من تاريخ الثورة و تاريخ الدفاع المقدس. يجب معرفة قدر هذه الأمور كثيراً. و لتنتشر بين الناس. شباب إيران لم يروا الحرب و لم يسمعوا روايات جيدة عن الحرب. و هذه هي الروايات الصحيحة و الجيدة.. هذه الكتب.. اعملوا ما في وسعكم لتوفيرها للشباب كي يعرفوا الحرب، و يدركوا ماذا كان، و ماذا حصل، و ما هي الجمهورية الإسلامية، و من هم الشعب الإيراني، فلا يستهينوا بهذه الطاقة العظيمة المودعة في الشعب الإيراني لمواجهة الامتحانات الكبرى. من الأشياء التي تجعل الشعوب جبانة دوماً و خاضعة لهيمنة الآخرين هو أن تغيب نقاط قوة تلك الشعوب عن أعينها، فلا يدركوا أيّة قيم و أية قدرات و أية نقاط قوة موجودة فيهم. ينبغي أن يرى الشباب و يدركوا ماذا كانت حادثة الحرب، و كيف هبّ الشباب الإيرانيون إلى جبهات القتال و ماذا فعلوا، من دون أن تكون لهم معدات و أدوات جيدة، و من دون استعدادات و تجهيزات ضرورية عادة لمثل هذه الأمور. و يجب ترجمة هذه الأعمال. طبعاً في ترجمة هذه الأعمال يجب أن يكون المترجم في رأيي شخصاً يترجمها إلى لغته الأم. فمن دون هذا لا يمكن. يجب أن يكون كاتباً و تكون اللغة التي يترجم لها لغته الأم. و قد لا يكون من السهل العثور على أشخاص من هذا النوع بالنسبة لبعض اللغات، لكن الأمر سهل بالنسبة للغات أخرى. تستطيعون أن تجدوا أشخاصاً لغتهم الأم أو اللغة التي تربّوا عليها في فترة طفولتهم، حتى لو لم تكن لغتهم الأم، الإنجليزية مثلاً. إذا كان الشخص من أهل الخبرة و الذوق و الكتابة و القلم و ترجم هذا الكتاب فإنه يستحق كل ما تنفقونه. طبعاً شريطة أن تستطيعوا نشر الكتاب. من ممارسات الأجهزة الاستكبارية و أعمالها - خلافاً لنا نحن الذين نغدو بعض الأحيان مستنيرين جداً فنقول ليتوفر لكل إنسان كل شيء، أما هم فعلى خلاف ذلك، إنهم شديدو التعصّب و التصعّب في هذا المضمار - و لا يسمحون بسهولة للشيء الذي ترجمتموه أن يصل لأيدي المتلقّين و القرّاء، و لكن يجب أن تجدوا الطرق و تستطيعوا أن تعملوا. و بالتالي فالترجمة عملية مهمة جداً. على كل حال، نتمنى أن تكونوا جميعاً موفقين مؤيدين إن شاء الله. لقد فرحنا اليوم للقائكم، و للقاء السيد مهدي قلي رضائي، و للقاء السيد نور الدين مرة أخرى. أدعو لكم بالتوفيق و التأييد جميعاً، و أن تكونوا إن شاء الله جنوداً ثابتي الأقدام دوماً للثورة. و كذلك السيدة سپهري التي بذلت حقاً جهوداً كبيرة، و كان عملها ذا قيمة عالية جداً، هي أيضاً نتمنى لها التوفيق إن شاء الله. و اعلمي يا سيدة سپهري أن هذا العمل الذي قمت به - هذان الكتابان الذان أخرجتهما تحريراً و شاهدتُهما - هو مصداق حقيقي للجهاد في سبيل الله، لأن أعداء هذه الثورة و أعداء سبيل الله يحاولون أن لا يسمحوا لهذا الطريق اللاحب بالتجلي أمام الأنظار، و قد عملتم أنتم على الضد منهم تماماً و في الاتجاه المقابل. إذن، فهذا جهاد في سبيل الله، فتقبّل الله منكم أعمالكم، و جعل الله نوايانا جميعاً خالصة، و جعل كل أفكارنا و كلامنا و أعمالنا له و في سبيله. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش:1 - كتاب «جيش الطيّبين».2 - كتاب «نور الدين ابن إيران».
2013/10/07

خطاب الإمام الخامنئي في مراسم تخرّج طلاب جامعات ضباط جيش الجمهورية الإسلامية في إيران

بمناسبة تخرّج دفعة جديدة من ضبّاط جيش الجمهورية الاسلامية في إیران، حلَّ سماحة الإمام السيد علي الخامنئي ضيفاً على جامعة الشهيد ستّاري للضباط ؛ حيث استعرض سماحته القوات المشاركة في العرض العسكري الذي أقيم بهذه المناسبة. كما ألقى خطاباً أشار فيه إلى أنّ تعزيز قدرات القوّات المسلّحة وتقويتها هي العامل الأهمّ في سبيل الحفاظ على الأمن الخارجي للشعب الإيراني والجمهوريّة الإسلامية في إيران.
2013/10/05

خطاب الإمام الخامنئي في لقائه قادة قوات الحرس الثوري بمناسبة ولادة الإمام الرضا (ع)

تزامناً مع ذكرى ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، التقى الإمام الخامنئي صباح يوم الثلاثاء 17/9/2013م قادة قوات الحرس الثوري، حيث أشار سماحته إلى أن الحرس الثوري استطاع أن يربّي أذكى وأقوى القادة العسكريين، وأن يقدّم أفضل مدراء البلد تدبيراً وقوّةً في المجالات غير العسكريّة، وفيما يتعلق بالملف النووي أكد سماحته أن الجمهورية الإسلامية لا تقبل امتلاك سلاح نووي بسبب عقيدتها وليس مخافة أمريكا وغيرها.
2013/09/17

خطاب الإمام الخامنئي في لقائه العاملين في بعثة الحجّ

بمناسبة قرب موسم أداء فريضة الحج، استقبل الإمام الخامنئي صباح يوم الأربعاء 11/9/2013 العاملين في بعثة الحج لهذه السنة، حيث أشار سماحته إلى أن الحجّ هو مصدر قوّة للأمّة الإسلامية، وأن التشيّع الذي سيُبث للعالم من أمريكا ومن لندن لا يفيد الشيعة، ومن ناحية أخرى أكد قائد الثورة الإسلامية على أن الأعداء إضافةً إلى الأعمال التي يقومون بها على صعيد إيجاد الاختلاف الفكري والروحي والعقائدي، يوقدون نار الفتنة من أجل أهدافهم السياسيّة ومصالحهم غير المشروعة.
2013/09/11

خطاب الإمام السيد علي الخامنئي بمناسبة أسبوع الحكومة

بمناسبة أسبوع الحكومة في الجمهورية الإسلامية، استقبل قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة الجديدة حيث استعرض سماحته أهم خصائص ومؤشرات الحكومة المطلوبة في هذا الزّمن. كما تناول الإمام الخامنئي ما يجري على الساحتين السورية والمصرية وحذر سماحته من خطر نشوب حرب أهلية في مصر على المنطقة والعالم الإسلامي بأسره.
2013/08/28

خطاب الإمام السيد علي الخامنئي بمناسبة عيد الفطر السعيد

بالتزامن مع عيد الفطر السعيد أمَّ قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي صلاة عيد الفطر في مصلى جامعة طهران بحضور الآلاف من أبناء الشعب الإيراني. وخلال خطبتي العيد توجّه سماحته بالتبريك لكلّ الشّعب الإيراني ولكلّ مسلمي العالم بهذه المناسبة، كما عبَّر سماحته عن قلقه لما يجري في مصر والعراق وأكد أن الخلافات الدّاخليّة والحرب الأهليّة تدمّر البُنى التحتيّة لأيّة دولة وتقضي على مستقبل أيّ شعب.
2013/08/09

خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي الدولة وسفراء الدّول الإسلاميّة

بمناسبة عيد الفطر السعيد التقى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي مسؤولي الجمهورية الإسلامية وسفراء الدول الإسلامية العاملين في طهران، حيث أوصى سماحته مسؤولي البلاد بأن يستفيدوا من سلاح الذّكر والتوجّه والتوسّل إلى الله تعالى والاعتماد عليه في تأدية مهامهم الصّعبة، كما أشار سماحته إلى أن ما يحفظ الدّول والشّعوب ويمنحها قدرة المقاومة، هو الاعتماد على الإيمان بالله والاتّحاد، وعلى الدّين ووحدة الكلمة.
2013/08/09

خطاب الإمام الخامنئي في لقائه مع أساتذة الجامعات

في آخر أيام شهر رمضان المبارك، التقى مئاتٌ من الأساتذة والباحثين العلميين في جامعات الجمهورية الإسلامية مع قائد الثورة الإسلامية. وبعد أن اسمتع سماحته إلى كلمات البعض من الحضور ألقى الإمام الخامنئي كلمة أكد خلالها على أنَّ التطوّر العلميّ والنّجاحات التي تحقّقت في البلاد هي ببركة الثّورة الإسلاميّة، وأنَّ خصوم إيران غير راضين عن تقدّمها العلميّ ولا يريدون للمجتمع الإيرانيّ أن يُحقّق هذا الإقتدار النّابع من الذّات.
2013/08/06

خطاب الإمام الخامنئي في مراسم تصديق رئاسة الجمهورية الإسلامية في دورتها الحادية عشرة

استضافت حسينية الإمام الخميني (رحمه الله) مراسم تصديق حكم رئاسة الجمهورية من قِبل قائد الثورة الإسلامية. وخلال هذه المراسم ألقى سماحته كلمةً أكد فيها أنه في عهد الجمهورية الإسلامية يشعر الناس أنهم أصحاب القرار في مجال تقرير مصيرهم وإدارة بلدهم، كما توجه سماحته لرئيس الجمهورية المنتخب ببعض النصائح والتوجيهات و طالب الجميع بأن يساعدوا المسؤولين والحكومة ورئيس الجمهورية في إنجاز مهامهم.
2013/08/03

كلمته في لقائه الطلبة الجامعيين في التاسع عشر من شهر رمضان سنة 1434 هـ

بسم الله الرحمن الرحيمأشكر الله تعالى أن أعطى من العمر ما سمح لي باللقاء بكم مرة أخرى في هذا المحفل الودّي من الطلبة الجامعيين الأعزاء في أيام شهر رمضان المباركة هنا في هذه الحسينية. ستكون هذه الجلسة إن شاء الله، سواء ما ذكرتموه أنتم، أو ما سوف نذكره نحن، مفيدة في المستقبل للبلاد و للجامعة و للحركة الطلابية الجامعية العظيمة. هذه الأيام أيام طيبة، إنها كما ذكرنا طيبة شهر رمضان و الصيام و طيبة ليالي القدر و الطيبة المتصاعدة من ذكرى مولى المتقين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو مظهر الطيبة و النقاء و الصفاء. نحمد الله على أن جماعة الشباب الجامعيين في إيران - و أنتم طبعاً نماذج منها - و كل الجماعة الطلابية الجامعية في البلاد، جماعة باعثة على الأمل من نواح متعددة. نتمنى أن يكون مستقبلكم و مستقبل البلاد بفضل جهودكم و مساعيكم زاخراً بالأمل و الحلاوة و الطاقة إن شاء الله. الآراء و الأفكار التي ذكرها الأعزاء كانت جيدة جداً. و في العام الماضي أيضاً أتذكر أن الأفكار التي ذكرها الإخوة و الأخوات من الطلبة الجامعيين هنا كانت لافتة و ماتعة جداً، و هذا ما ذكرته في حينه. طبعاً لا تبقى تلك الكلمات بتفاصيلها في بالي، لكنني أتذكر كلياً أنها كانت جيدة جداً. و كذا الحال في هذا العام. في هذه السنة أيضاً ما ذكرتموه أيها الشباب حول مختلف القضايا و الأمور كان أفكاراً ناضجة و مدروسة. و أنا أوافق معظم هذه الآراء التي ذكرتموها. و قد تضمنت كلماتكم اقتراحات نتمنى أن تستطيع أجهزة البلاد و مؤسساتها، و نحن بدورنا، و المسؤولون الآخرون، أن ندرس هذه الاقتراحات أكثر، و نعثر على سبل تحقيقها. لقد أشّرت على عدة آراء وردت في كلماتكم أريد أن أعلّق عليها ببعض الكلمات. أحد السادة ذكر أشياء عن ضرورة المراكز الفكرية. و هذا كلام صحيح تماماً و أنا أؤيّده، و يجب التخطيط لهذا الشأن. و قد قال صديقنا العزيز إننا لدينا نموذج محدود لهذه الفكرة و سوف نقدّمها، و لم يقدّموا لي شيئاً حسب الظاهر. و أشار أحد الأعزاء إلى فكرة الاعتدال، و أراد مني أن أشرح فكرة الاعتدال و معناها، لأن الحكومة المنتخبة ترفع شعار الاعتدال. اعتقد أن هذا ليس من تكليفي أن أوضّح معنى الاعتدال. لكل شخص بالتالي نواياه و له أفكاره الكامنة وراء كلماته و شعاراته. و رئيس الجمهورية المنتخب المحترم سيقوم بهذا بالتأكيد و سوف يوضح معنى الاعتدال، و المجال مفتوح للتقييمات و الأحكام. إننا لا نمنع أحداً من تقييم الأفكار التي تطرح. و طبعاً لديّ توصيات ربما ذكرتها إن شاء الله في ثنايا الكلام. أشار أحد الأعزاء إلى وجود بعض حالات الوحشة و الكدر بين الطلبة الجامعيين بسبب اختلافاتهم في تحليل القضايا المختلفة. أريد بكل جدّ و تأكيد أن أرجو الجميع بالعمل و السعي لأن لا يؤدي اختلاف وجهات النظر و التحليلات و التصورات حول الوقائع إلى حالات كدر و نزاع. كما هي الأجواء العلمية، قد يكون لشخصين آراء و نظرات علمية متباينة، و هذا لن يؤدي بالضرورة إلى نزاع و عداء و تعارض. هناك رأيان بالتالي. و في مضمار القضايا السياسية و الاجتماعية يبدو لي أنكم يجب أن تتعاملوا، بعضكم مع بعض، بهذه الطريقة حين تكونوا متفقين في الأطر. لا تسمحوا بتفاقم الأمور إلى كدر و وحشة. نعم، قد يكون هناك أشخاص يعادونكم في الأصول و المباني و الركائز، هذه قضية أخرى و بحث آخر. لكن اختلاف وجهات النظر يجب أن لا يؤدي إلى نزاع و كدر، و ربما عنف أحياناً. كان الإمام الخميني (رضوان الله عليه) يقول مراراً و تكراراً - لا للطلبة الجامعيين طبعاً - و إنما للسياسيين و النواب و المسؤولين و الناشطين السياسيين بأن يتصرفوا مع بعضهم كما في المباحثات العلمية بين طلبة العلوم الدينية. طلبة العلوم الدينية قد يغضبون على بعضهم أحياناً في مباحثاتهم العلمية - و يقال من حيث المضمون بأنهم يضربون رؤوس بعضهم بالكتب! و هذا طبعاً غير صحيح و غير واقعي - فيتحدثون و يتباحثون و ترتفع الأصوات، و إذا نظر ناظر تصوّر أنهم يريدون تقطيع بعضهم إرباً، و الحال أن الأمر ليس كذلك، فبعد أن تنتهي المباحثة ينهضون و يذهبون ليجلسوا على مائدة واحدة يتناولون طعامهم و يتحدثون بصداقة و ودّ. كان الإمام الخميني يقول إن على السياسيين في مجلس الشورى و الحكومة و الحزب الجمهوري الإسلامي يوم كان الحزب، و باقي المجالات و الميادين السياسية، أن يتعاملوا مع بعضهم بهذه الطريقة. قد تكون هناك اختلافات في وجهات النظر و جدال و سجال، و لكن يجب أن لا يسمحوا لحالات الكدر و العداء أن تدبّ بينهم. من حسن الحظ أن مجتمع الطلبة الجامعيين في البلاد - و أقول هذا على نحو الأعم الأغلب - يسير على أسس مشتركة، رغم وجود أذواق سياسية مختلفة. و ما أعتقده هو أنه يجب البحث و النقاش مع الأذواق المتنوعة و التحاور معهم، و لكن من دون عداء و عراك و نزاعات و كدر و ما إلى ذلك. حاولوا جهدكم أن تبعدوا هذه الحالات عن المناخ الطلابي الجامعي. أشار أحد الإخوة إلى أحداث عام 88 و ما شابه. و الذي أرجوه هو أنكم إذا أردتم طرح قضايا عام 88 فلتركزوا على القضية الأصلية المهمة في هذه الأحداث و لتأخذوها بنظر الاعتبار، و هي أن جماعة وقفت مقابل السياق القانوني بشكل غير قانوني و غير نجيب، و وجّهوا ضربة للبلاد. لماذا تنسون هذه المسألة؟ طبعاً قد تكون هناك على هامش حدث كبير أحداث و صدامات لا يستطيع المرء أن يشخّص فيها الظالم من المظلوم، أو قد يكون هناك شخص ظالم في موقف و مظلوم في موقف آخر. هذه أمور ممكنة تماماً، و لكن يجب عدم نسيان القضية الأصلية في هذه الغمرة. في انتخابات سنة 88 لماذا عمل الأشخاص الذين تصوروا حدوث تلاعب في الانتخابات، لماذا عملوا في مواجهتهم للتلاعب على إشعال اضطرابات في الشوارع؟ و لماذا لا يجيبون عن هذا السؤال؟ لقد سألنا مائة مرة، لم نسأل في المحافل العامة، لا، بل بشكل يمكن معه الإجابة، لكنهم لا جواب لديهم. طيّب، لماذا لا يعتذرون؟ يقولون في الجلسات الخاصة إننا نعترف بعدم وقوع تلاعب. طيّب، إذا لم يكن قد حدث تلاعب فلماذا تسببتم للبلاد بكل هذه الخسائر؟ و لماذا كلفتم البلاد كل هذه التكاليف؟ لو لم يساعد الله تعالى هذا الشعب، و لو كانت مجاميع الناس قد اشتبكت ضد بعضها، أتعلمون ماذا كان سيحدث؟ أترون اليوم في بلدان المنطقة ما الذي يحدث حين تقف مجاميع الناس ضد بعضهم؟ أخذوا البلاد إلى حافة مثل هذه الهاوية، لكن الله لم يسمح، و أبدى الشعب عن نفسه البصيرة. هذه هي القضية الأصلية في أحداث سنة 88 ، فلماذا تنسونها؟ لدينا الكثير مما نقوله حول أحداث عام 78 ، إذ أن لها قصة أخرى. و أقول تتمة للموضوع الذي ذكرته إن أحد الأعزاء أشار إلى أنه لو حدث في الجامعة كذا و كذا فإننا سنتصدى بشدة. و أنا لم أفهم معنى هذه الـ «بشدة» جيداً! هذا الأخ الذي قال هذه العبارة كان له منطق بياني رصين و متين و دقيق جداً. طيّب، إذا كنتم من أهل المنطق و تقيمون براهينكم و أدلتكم بهذا الشكل الجيد، و تستطيعون الدفاع عن أسسكم و مبادئكم الصحيحة بهذه الطريقة، فما الحاجة لأن تتعاملوا بشدة؟ إذا كان المراد من الشدة، الشدة في البيان و النقاش و البرهنة و الكتابة، فلا كلام في ذلك، أما إذا كانت بمعنى آخر فلا، أنا لا أوافق أن تتصرفوا مقابل الرأي المخالف لكم أو الظاهرة المخالفة لرأيكم بعنف و شدة، بهذا المعنى الذي قد يكون هو المقصود من كلامكم. و سأل عدة أعزاء عن قضية «التكليف» و «النتيجة»، و سوف أقدم لاحقاً بعض الإيضاحات حول هذه القضية. و تحدث أحد الإخوة حول «الإشراف»، و أنا أؤيد كلامه تماماً. و ذكر الإشراف على بعض المؤسسات من قبيل مؤسسة الإذاعة و التلفزيون، و هذا ما نؤيده تماماً و هو شيء ضروري، و لكن كيف هي آلية الإشراف على مؤسسات مثل مجلس الشورى الإسلامي؟ هذه قضية مهمة و ليست بالشيء الصغير، أو كيف يمكن أن تكون آلية الإشراف على السلطة القضائية أو بعض الأجهزة و المؤسسات الأخرى؟ هذا موضوع مهم، و يمكن أن يكون من الموضوعات التي يبرمج لها الناشطون من الطلبة الجامعيين ذوي المستوى الفكري العالي، و يفكروا فيها و يعملوا و يقدموا اقتراحاتهم. أعتقد أنها من أعمالكم و مهماتكم، فأنجزوا هذه الأعمال، و ساعدوا التنظيمات و التشكيلات العامة للبلاد. و نبّه أحد الإخوة إلى أن بعض الأجهزة و المؤسسات المرتبطة بالقيادة تمتنع عن النشاطات الشفافة الواضحة و عن التفتيش. أنا طبعاً لا أظن هذا. و إذا كان هذا فنعم، يجب عدم الامتناع عن البيان الشفاف بشأن القضايا الممكنة التبيين و التي يجب بيانها، كما يجب عدم الامتناع عن التفتيش. و لا أظن أن مؤسسات مثل مؤسسة المستضعفين أو ما شاكل مستثناة من التفتيش، أي إنني لا أحمل مثل هذا التصور لحد الآن. و على كل حال إذا كان هذا فهو إشكال وارد، و من اللازم أن تستطيع أجهزة الإشراف ممارسة الإشراف على هذه المؤسسات. و سألني أحد الإخوة عن إحداثيات المناخ الجامعي المتوثب، و هذا موضوع لافت، و قد سجّلت بعض الملاحظات في هذا الخصوص، سوف أذكرها. سألني أحد الأعزاء ما هي توصيتك للطلبة الجامعيين الذين سيلتحقون في شهر مهر القادم بالبيئة الجامعية؟ توصيتي لأولئك الطلبة الجامعيين كتوصيتي لكل الطلبة الجامعيين. إنني أدعو كل الطلبة الجامعيين لطلب العلم بالمعنى الحقيقي للكلمة - أي السعي وراء العلم و طلبه - و أدعوهم للنشاطات المتناسبة مع طلب العلم، سواء النشاطات الاجتماعية أو النشاطات السياسية. النقطة التي ذكرها أحد الأعزاء حول التأمين المالي للجامعات هي الأخرى نقطة صحيحة و جديرة بالملاحظة. على كل حال ذكر السادة و السيدة الذين تحدثوا نقاطاً كانت جيدة جداً و صحيحة. ما سجّلته لأقوله لكم - و طبعاً هذا الكلام يتعلق بمجاميع الطلبة الجامعيين لكنه يقبل التعميم على كل البلاد و كافة شرائح الشباب على اختلافها - منه السؤال القائل: ما هي العلاقة بين الشاب و الطالب الجامعي و العناصر الثورية و بين مبادئ الثورة؟ أعتقد أن مبادئ الثورة - و هي ذات أطر معينة و سوف أذكر بعضها و أحددها - مما لا يمكن متابعته و الوصول إليه من دون طاقات الشباب و حيويتهم و شجاعتهم. هذه هي علاقتكم المنشودة بالمبادئ. عقيدتي هي أنه لو لا طاقة الشباب و قدراتهم الفكرية و البدنية و لو لا الحيوية و الحراك و الروح المتوثبة و كذلك الجرأة بمعنى اقتحام الخطوط، و هي من خصوصيات الشباب، فإننا لن نصل إلى مبادئنا و أهدافنا و مطامحنا. لذلك يتحمّل الشباب مسؤوليات كبيرة على صعيد تحقيق المبادئ و تطبيق أهداف الثورة و المثل الإسلامية، و لديهم إلى ذلك الكفاءة العالية لتحقيق ذلك. كل من يطمح إلى تحقيق المبادئ و المثل يجب أن ينظر بجد لدور الشباب، و اعلموا أنني أنظر بجد لدور الشباب. ما ذكرته مراراً بشأن الشباب، سواء الشباب من الطلبة الجامعيين - و خصوصاً الشباب من الطلبة الجامعيين - أو الشباب من غير الطلبة الجامعيين، لم يكن مجرد مجاملات لسانية، إنما عقيدتي هي أن الشباب بوسعهم حل العقد و المشكلات. طبعاً المهم هو أن يعرفوا ساحة العمل و الحراك و يشخّصوها بصورة صحيحة، و يجب أن يحددوا و يشخصوا العمل الذي يريدون القيام به بصورة صحيحة. هذه نقطة. نقطة أخرى هي أن مبادئ النظام الإسلامي - و هي في الحقيقة المبادئ الإسلامية - منظومة و مجموعة ذات نظام لها مراتبها المختلفة. بعض هذه المبادئ تمثل أهدافاً أكثر غائية و نهائية، و بعضها تمثل أهدافاً قصيرة الأمد لكنها من جملة المبادئ. يجب متابعة و نشدان كل هذه المبادئ. مثلاً المجتمع العادل و المتقدم و المعنوي هو من المبادئ و المطامح و المثل، و هو من المثل المصنّفة على الدرجة الأولى و من أعلى المبادئ و أهمّها. أولاً الإسلام ينشد إيجاد مجتمع يدار بنحو عادل. أي إن مدراء المجتمع و مسؤوليه يتصرّفون بشكل عادل. و ثانياً أن يكون المجتمع نفسه مجتمعاً عادلاً - فالعدالة لا تقتصر على المدراء إنما يجب على كل واحد من أبناء الشعب أن يكون عادلاً مع أبناء الشعب الآخرين - ثم يجب أن يكون المجتمع مجتمعاً متقدماً. الإسلام لا يقبل إطلاقاً المجتمع المتأخر في الشؤون العلمية و السياسية و الحضارية، و في أي مجال من المجالات الأخرى. الإسلام ينشد تكوين مجتمع متقدم متطور، و جزء مهم من الأحكام الإسلامية تنادي بهذا المعنى. كما ينشد الإسلام أن يكون المجتمع معنوياً. المجتمع في النظام الإسلامي يجب أن يدار بطريقة عادلة، و يكون مجتمعاً عادلاً في داخله، و يكون مجتمعاً متطوراً، و كذلك مجتمعاً معنوياً، أي يكون مشبّعاً بالمعنويات.. المعنويات التي تجعل الإنسان لا ينظر للأهداف المادية الشهوانية اليومية التافهة في الحياة على أنها أهداف سامية طويلة الأمد، إنما تكون له أهداف أرقى و أسمى. و أن تكون العلاقة بين كل الناس و ارتباط القلوب مع الله محفوظة مصانة. هذا هو المجتمع الذي يريده الإسلام. هذه من المبادئ و المثل و الأهداف. و مثل هذا المجتمع سيكون نموذجياً. إذا استطعنا بالعمل و الجهود الجماعية تكوين مثل هذا المجتمع - و أعتقد أن هذا الشيء ممكن تماماً و قابل للتحقيق و عملي، و قد تقدمنا في هذا المسار أشواطاً طويلة - فإن هذا المجتمع سيكون نموذجاً يحتذى، لا من قبل المجتمعات و البلدان المسلمة فقط، بل حتى من قبل البلدان غير المسلمة. طيّب، تكوين و إيجاد مجتمع بهذه الخصوصيات من المبادئ. مطمح آخر من المطامح و المبادئ هو الاقتصاد المقاوم، و هو مطمح أصغر من المطامح السالفة التي تحدثنا عنها. و مع أن الاقتصاد المقاوم شيء مهم إلّا أنه يأتي تبعاً تلك المبادئ السابقة. السلامة و الصحة في المجتمع، و الصناعة المتفوقة، و الزراعة المتفوقة، و التجارة المزدهرة، و العلوم المتقدمة، هي كلها من المبادئ و المطامح. و النفوذ الثقافي في العالم، و النفوذ السياسي في العالم و في المنظومة السياسية في العالم هي أيضاً من المبادئ و المطامح. و تحقيق العدالة الاجتماعية أيضاً من المطامح. و عليه، حين نقول مطامح و مبادئ لا ينصرف الأذهان إلى أمر غير محدد و لا يمكن تحقيقه عملياً. هذه هي المبادئ، و هي كلها مبادئ، على اختلاف درجاتها في الأهمية. مجموعة هذه الإرادات و الأهداف تشكل منظومة المبادئ الإسلامية. من أجل أي واحد من هذه المبادئ سعيتم و عملتم تكونوا في الواقع قد عملتم من أجل المبادئ. الجماعة التي تعمل مثلاً في سبيل الاقتصاد المقاوم، أو الجماعة التي تعمل في مضمار تنمية الثقافة الثورية و الإسلامية في العالم الإسلامي، هؤلاء كلهم يعملون عملاً مبدئياً. و الذي يبذل الجهود على الصعيد السياسي و الدبلوماسي عمله هذا عمل مبدئي. و الذي يعمل في ميدان الصحة و السلامة إنما يعمل في سبيل المبادئ. هذه هي المبادئ. إنها كلها ضرورية و مهمة و لها بالطبع مراتب و درجات متفاوتة من الأهمية. السؤال الآخر الذي طرح و قد سجّلته هنا مسبقاً - و هذا يدل على أن هذا السؤال قد وصلني مسبقاً، بمعنى أنه سؤال مطروح على بساط البحث - هو: ما هي العلاقة بين المبادئ و الواقع؟ الحظر الاقتصادي مثلاً. الحظر حقيقة واقعة. و من مبادئنا و مطامحنا التقدم الاقتصادي في البلاد، و من جهة توجد حقيقة واقعة اسمها الحظر. أو على صعيد القضايا السياسية المختلفة، في الانتخابات و غير الانتخابات. ما استطيع قوله هو إننا نؤيّد النزعة المبدئية مائة بالمائة، و نؤيّد النظر للواقع و أخذه بعين الاعتبار مائة بالمائة. النزعة المبدئية من دون ملاحظة الواقع ستفضي للأخيلة و الأوهام. حينما تتحركون و تسيرون لبلوغ هدف و مبدأ معين يجب أن تأخذوا الواقع المحيط بكم بنظر الاعتبار و تفحصوه و تخططوا طبقاً لذلك الواقع. من دون أخذ واقع المجتمع بنظر الاعتبار لن يكون تصورنا عن المبادئ و المطامح تصوراً صحيحاً صائباً بالدرجة الكافية، ناهيك عن أن نحقق هذه المبادئ و نطبقها عملياً. لو أردنا أن نسوق مثالاً لقلنا إن المبادئ مثل القمة. من هم من أهل التجول في الجبال و الصعود إلى القمم يتصورون القمة بصورة صحيحة. الصعود إلى القمة مطمح، فشبّهوا المبادئ بالصعود إلى قمة جبل. يرغب الإنسان أن يصعد إلى تلك القمة. حينما تكونون في أسفل الجبل تحبّون أن تصعدوا و تصلوا إلى تلك النقطة في الذروة و القمة المرتفعة التي تنظرون لها، و لكن ثمة واقع و أمور واقعية، فإذا أردتم الصعود من دون الاكتراث لهذه الواقعيات سوف تهدرون طاقاتكم. و الواقع هو أن الوصول إلى تلك القمة لا يعني أن تنظروا فقط لما ينتصب أمام أعينكم فتقولوا: هذه هي القمة و هذا هو السفح، إذن لنصعد. ليست القضية بهذا الشكل، إنما هناك طريقة للصعود. إذا لم تحتاطوا، و لم تنظروا إلّا لما هو أمامكم، فأخذتم السفح و سرتم و صعدتم فسوف تصلون بالتأكيد لنقاط لا سبيل فيها للتقدم إلى الأمام و لا التراجع إلى الوراء. الذين هم من أهل الصعود للقمم و التجوال في الجبال تحدث لهم مثل هذه المواقف، و قد حدثت لي. حين يسير المرء من دون معرفة للطريق، يصل لمناطق لا يمكنه فيها التقدم إلى الأمام و لا التراجع للوراء، و يجب أن ينقذ المرء نفسه من هذه المشكلة بكثير من الجهود و الصعوبة. الواقع هو الطريق الذي يجب أن نكتشفه و نعرفه. طبعاً يجب النظر للواقعيات بالمعنى الواقعي للكلمة، و لا نتصور الإيحاءات و التلقينات على أنها واقع. أنتم الشباب تعلمون جيداً أنه من الممارسات التي تستخدم في الحروب النفسية الشائعة في العالم اليوم الإيحاء بواقع غير واقعي. يوحون بأشياء على أنها واقع لكنها غير واقعية. يصطنعون الشائعات و يتحدثون، لكن ما يقولونه غير واقعي. و إذا لم يكن المرء ذا عيون مفتحة بصيرة فسيقع في الخطأ. و لهذا نؤكد كل هذا التأكيد على البصيرة. من فاعليات البصيرة أن يرى الإنسان الواقع كما هو. قد يضخّمون في الإعلام أحياناً واقعاً فيظهرونه أكبر من حقيقته عدة أضعاف، في حين قد لا يتحدثون عن واقعيات أخرى على الإطلاق. مثلاً واقعية من الواقعيات أن بعض نخبة البلاد يخرجون من البلاد، نعم، هذا واقع، و لكن ثمة في مقابل هذا الواقع واقع آخر هو ازدياد عدد النخبة و الطلبة الجامعيين النخبة. متى كان لنا هذا العدد من الطلبة الجامعيين النخبة؟ انظروا لتاريخ الجامعات في بلادنا.. ازدياد أعداد الطلبة الجامعيين النخبة في الأعوام العشرة أو العشرين الأخيرة و على شتى المستويات و الصعد، ازدياد ملحوظ تماماً. كم لنا من الأساتذة النخبة. حينما انتصرت الثورة الإسلامية كان عدد الأساتذة في جامعات البلاد محدوداً و قليلاً - و لأنني لا أتذكر الآن العدد بشكل دقيق لا أريد ذكره، لكنه كان عدداً قليلاً جداً، و أتذكره الآن على وجه التقريب - و اليوم أصبح العدد أكثر عشرة أضعاف، و هؤلاء كلهم نخبة. و لنفترض أن عدداً من هذه المجاميع الهائلة من النخبة الذين خرّجتهم جامعات البلاد - من طلبة و أساتذة و نخب علمية - قد غادروا إلى الخارج. إذا كان الإنسان يرى ذلك الواقع فيجب أن يرى هذا الواقع أيضاً. الذين يثيرون الدعايات و الإعلام ضد الجمهورية الإسلامية يضخّمون ذلك الواقع و يتجاهلون هذا الواقع. بل و لا يذكرونه إطلاقاً. و عليه، يجب مشاهدة هذا الواقع. المبادئ ممكنة التحقق بالنظر للواقع. و لكن يجب النظر للواقع و ليس إلى ما يُوحى به بأساليب الأعداء على أنه واقع. من رأيي أن الناشط من الطلبة الجامعيين المبدئيين الذين يعرفون الواقع يجب أن لا يشعر في أية ظروف بالانفعال و الانغلاق. أي يجب عدم التخلي عن النزعة المبدئية، لا عند الانتصارات الحلوة و لا في الهزائم المُرّة. كانت لدينا انتصارات كبيرة في ساحات الدفاع المقدس، و كانت لنا هزائم مُرّة. كان الإمام الخميني (رضوان الله عليه) يوصي و يقول: لا تقولوا انكسار، بل قولوا عدم فتح. أحياناً يكون النصر من نصيب الإنسان و أحياناً لا يكون النصر من نصيبه، و ما المهم؟ ثمة البعض إذا كانت مسار الأمور على ما يرومون و يوصلهم إلى الهدف الذي ينشدونه يتخلون عن متابعة المبادئ و السعي لها. هذا خطأ. «فإذا فرغت فانصب» (1) يقول لنا القرآن: إذا انتهى عملك و فرغت من مساعيك، فلتستعد توّاً لمواصلة العمل. البعض هكذا - و هذا خطأ - و البعض على العكس، فإذا لم يكن مسار الأحداث طبقاً لمرادهم يصابون باليأس و الانفعال و الهزيمة. هذا أيضاً خطأ. كلا الحالتين خطأ. ليس ثمة أساساً طريق مسدود في النزعة المبدئية الصحيحة الواقعية. حين يلاحظ المرء الواقع لن يكون هناك شيء غير قابل للتخمين و التقدير في نظره. ما أتوقعه من الطلبة الجامعيين الأعزاء هو أن يسعوا نحو المبادئ و المطامح دوماً، سواء عندما تكون الأحداث مطابقة لمقاصدكم و رغباتكم، أو عندما تكون الأحداث غير مطابقة لمرادكم. لا تتخلوا عن النزعة المبدئية المصحوبة بالنظرة الواقعية. و كذا الحال بالنسبة لأصل الثورة الإسلامية، و كذا الحال بالنسبة للحرب، و هكذا كان الحال في الأحداث المتنوعة التي وقعت طوال هذه الأعوام. البعض لا تكون مواقفهم و أوضاعهم الروحية و المعنوية و الفكرية حيال الأحداث المتنوعة متناسبة مع ضرورات النزعة المبدئية. و السؤال الآخر هو - و قد ذكر هذا أيضاً بعض الأعزاء هنا - كيف يجب أن تكون العلاقة بين «التكليف» و «النتيجة»؟ لقد قال الإمام الخميني: إننا نسعى لأداء واجبنا. فهل معنى ذلك أن الإمام الخميني لم يكن يفكر في النتائج؟ كيف يمكن أن يقال مثل هذا؟ الإمام الخميني الجليل الذي تحمّل بتلك الشدة و الحدة و في سني شيخوخته كل تلك الصعاب من أجل أن يؤسس النظام الإسلامي، و قد نجح، هل يمكن أن يقال إنه لم يكن يهتم للنتائج؟ لا بدّ أن معنى التكليف و نزعة التكليف أن يعمل الإنسان في سبيل الوصول إلى النتيجة المطلوبة على أساس تكليفه و واجباته، و لا يعمل بخلاف التكليف، و لا يقوم بأعمال غير مشروعة. و إلّا فالمساعي التي قام بها الأنبياء و أولياء الدين كانت كلها من أجل الوصول إلى نتائج معينة.. كانوا يسعون لتحقيق النتائج. فهل يمكن القول إننا لا نسعى للنتائج و لا نهتم لها؟ أي لتكن النتائج ما كانت؟ لا، طبعاً الشخص الذي يعمل بتكليفه من أجل الوصول للنتيجة، إذا صادف و لم يصل لنتيجته المرجوّة سوف لن يشعر بالندم، لأنه مرتاح البال من أنه عمل بتكليفه و واجبه. و إذا لم يعمل الإنسان بتكليفه من أجل الوصول للنتيجة، فإنه حين لا يصل سيشعر بالخسارة. أما الذي قام بواجبه و تكليفه و مسؤولياته و نفذ ما يجب عليه تنفيذه من أعمال، و لاحظ كما سبق أن ذكرنا الواقع و خطط و عمل على أساس الواقع، و لم يصل للنتائج المرجوّة في نهاية المطاف، فإنه لن يشعر بالخسارة، فهو قد أدّى واجبه. و عليه، إذا تصورنا أن نزعة التكليف معناها أن لا ننظر أبداً للنتائج، فهذا تصور غير صائب. في الدفاع المقدس و في كل الحروب التي وقعت في صدر الإسلام في زمن الرسول الأكرم (ص) أو بعض الأئمة (عليهم السلام) كان الذين يخوضون غمار الساحة يعملون بواجبهم و تكليفهم. و قد كان الجهاد في سبيل الله تكليفاً. و كذا الحال في سنوات الدفاع المقدس. كان الدخول في هذه الساحة نابعاً من الشعور بالتكليف و الواجب. الذين كانوا يسيرون للانخراط في هذه الساحة كانوا يشعرون بالواجب غالباً. و لكن هل كان هذا الشعور بالواجب و التكليف بمعنى أنهم لم يكونوا يفكرون بالنتائج؟ و لا يحسبون حسابات طريق الوصول للنتائج؟ و لم تكن لديهم غرف عمليات؟ و ليس لديهم خطط و تكتيكات و غرف قيادة و تشكيلات عسكرية؟ لم يكن الأمر كذلك. إذن، نزعة التكليف لا تتنافى إطلاقاً مع السعي للحصول على النتائج و أن ينظر الإنسان ليرى كيف يحصل على هذه النتائج و كيف يمكن له تحقيقها، فيخطط حسب السبل المشروعة و الميسّرة المفضية إلى تلك النتائج. نقطة أخرى هي أن الحيوية و النشاط حالة لازمة و ضرورية في الجامعات. الجامعة التي تعاني من الركود ليست جامعة جيدة. ما هو المراد من هذا الحماس و الحيوية؟ تعبّر هذه الحيوية عن نفسها في مواطن و مساحات متنوعة، فهناك المساحات العلمية و هناك المساحات الاجتماعية و السياسية التي يمكن للحيوية أن تعبّر عن نفسها هناك. البيئة الجامعية بيئة بحث عن آراء صحيحة على الصعيد السياسي و فيما يتعلق بإدارة البلد و كذلك باقي القضايا العامة الكبيرة. حول قضية الصحوة الإسلامية مثلاً - و هي قضية مهمة - تعتبر البيئات الجامعية و الطلابية مكاناً للبحث عن الآراء الصحيحة في هذا الموضوع. و على أساس الأفكار و البحوث و الحراك الذهني يحصل الحراك العملي، و تتجلى الواجبات و الوظائف، و يجب القيام بأعمال معينة على أساس تلك الوظائف، و هي أعمال تجري في الوقت الحاضر. إذن، البحث و التحليل و الفهم و التشخيص في الجامعات من المساحات المتنوعة للحيوية و الحراك. و من مساحات الحيوية و الحراك و الاندفاع الطلابي و الجامعي الفصل بين القضايا الأصلية و الفرعية و عدم الخلط بينها، و تمييز قضايا الدرجة الأولى عن قضايا الدرجة الثانية، و عدم الانشغال بالقضايا التي لا تحظى بالأولوية و معرفة هذه القضايا و تشخيصها. إذا كنتم ترون البعض ينشغلون بقضايا فرعية فعلى المناخ الجامعي أن يستطيع أن تكون له في هذا الخصوص تقييمات صحيحة: هذه قضية أصلية و تلك قضية فرعية، و هذه قضية تتمتع بالأولوية و تلك لا تحظى بالأولوية. المناخ الجامعي و الطلابي مثل هذا المناخ. و هذا لا يعني أن هناك فكراً واحداً بالضرورة يسود كل هذه الجموع الطلابية، لا، فقد تكون هناك اختلافات في الآراء. أنتم تقولون إن هذه القضية لا تحظى بالأولوية و الأهمية، و آخر يقول إنها مهمة و ذات أولوية. لا بأس، المناخ مناخ بحث و تبادل وجهات نظر، و هذا ما يوجد الحيوية و الحراك. أخال أن هناك اليوم موضوعات يمكن أن تكون موضوع بحث و نقاش في المناخات الطلابية الجامعية، و هذا ما يوفر أرضيات الحيوية و الحراك العلمي و الاجتماعي. و من هذه الموضوعات قضية «الملحمة الاقتصادية». الملحمة الاقتصادية عنوان أطلق و استخدم، و يمكن البحث و الكلام حول حدود هذا العنوان و تخومه، و مناقشة سبل تحقيقه. بوسع البيئات الجامعية و الطلابية أن تنشط في هذا المجال. هذه من الأمور و النقاشات التي يمكن أن تغيّر مصير البلاد. طبعاً ليست الملحمة الاقتصادية قضية عابرة، ليست القضية أننا نطلق ملحمة اقتصادية لعدة أشهر و نصل إلى نتائج، لا، الملحمة الاقتصادية عنوان لحركة و مسيرة طويلة الأمد، يمكن أن تبدأ في سنة 92 ، و يجب أن تبدأ. أو «الاقتصاد المقاوم» على سبيل المثال. عنوان «الاقتصاد المقاوم» عنوان مهم بالتالي. طبعاً هو عمل تمّ و جرى تعريفه و نوقش و رسمت سياساته - في المراكز المختصة بالتخطيط و رسم السياسات - و لكن فيه مجال للبحث: ماذا يعني الاقتصاد المقاوم؟ ما هي المقاومة المقصودة في مضمار قضايا البلاد الاقتصادية؟ و كم تستطيع الجامعة الخوض في هذا البحث باعتباره بحثاً و عملاً علمياً؟ هذه كلها يمكن أن تعتبر موضوعات لبحوث الطلبة الجامعيين. و هناك قضية «أسلوب الحياة» - التي طرحتُها العام الماضي في زيارتي لمدينة بجنورد و جرى الترحيب بها - و هي قضية على جانب كبير من الأهمية. البحث حول قضايا أسلوب الحياة و إبداء وجهات النظر الموافقة و المعارضة حول شتى المواد و التصورات، هذه بحوث تبعث الحيوية و النشاط في الجامعة. مثل هذه البحوث المهمة و المختصة بالواقع تمثل دماء تجري في هذا الجسم العظيم. هذه تختلف عن البحوث الشائعة التي شاهدناها و كانت دارجة في أيام شبابنا. في ذلك الحين كنا نسمّي مثل هذه البحوث و النقاشات بحوثاً تنويرية، و لم تكن تمتّ للواقع بأية صلة. كانوا يجلسون ساعات و يتناقشون فيثبت هذا شيئاً و ينفي ذاك شيئاً، و لم تكن لها أية نتائج، و لم تكن مرتبطة بالواقع الاجتماعي، أما هذه فكلها بحوث مرتبطة بالقضايا الاجتماعية. أو قضية «الصحوة الإسلامية» و آفات هذه الصحوة. الحدث الذي وقع في هذه البلدان من العالم الإسلامي لم يكن بالحدث الصغير، بل كان حدثاً كبيراً. طبعاً تحليل أحد الأخوة كان صحيحاً تماماً، فالصحوة الإسلامية منبعثة بلا شك من الجمهورية الإسلامية في إيران. لا نريد طرح هذا الرأي اعتباطاً لإثارة الحساسيات في البلدان المختلفة، لكنه واقع. هذه الصحوة الإسلامية نفسها ظاهرة على جانب كبير من الأهمية. و القضية ليست بحيث يمكن القول إن المضادات التي اختلقوها لها قد عملت على تفتيت هذه الصحوة و القضاء عليها، لا، ليس الأمر كذلك. لقد حصلت هذه الصحوة، و هذه الأحداث التي تشاهدونها في الوقت الحاضر في مصر و بعض المناطق الأخرى تدل كلها على عمق الصحوة الإسلامية في هذه البلدان. طبعاً لم تجر إدارة هذه الأحداث بشكل جيد، و برزت حالات من الفجاجة و الخطأ. و من الموضوعات أنْ تبحثوا في حالات الفجاجة و الخطأ هذه، و تحددوا أين أخطأوا، و ما الذي فعلوه و لم يكن يجب عليهم فعله، أو ما الذي لم يفعلوه و كان يجب عليهم فعله. هذه من الموضوعات المهمة لبحوث الحلقات الطلابية في الجامعات. أعتقد أنه من المهم أن نعلم و نقارن بين الثورة الإسلامية و تشكيل الجمهورية الإسلامية في إيران و ما حدث في بلد كبير مثل مصر باعتباره ثورة إسلامية. برزت هناك آفات و الساحة المصرية اليوم ساحة مؤلمة جداً.. إنها مؤلمة جداً بالنسبة لنا نحن الذين نراقب الأحداث فيها. و السبب في ذلك هو الأخطاء التي حصلت ، و قد وقعت أمور و أعمال ما كان يجب أن تحصل، و كانت هناك أعمال يجب أن تحصل لكنها لم تحصل. ثم تجري مقارنة هذه بالنماذج المماثلة و النظائر في نظام الجمهورية الإسلامية.. كيف جرى العمل هنا منذ البداية، و كيف جرى العمل هناك؟ نعتقد أن هذه البحوث مهمة جداً. يصطف الاستكبار اليوم اصطفافاً عجيباً فهناك جبهة طويلة مقابل هذه الصحوة، و تشاهدون جوانب من هذه الممارسات في البلدان الثائرة و الأحداث التي تجري فيها، و كذلك في أحداث بلادنا. العمل عمل مهم جداً. و من الموضوعات الأخرى التي يمكن البحث و الدراسة فيها العمق الاستراتيجي للنظام في النظر لقضايا المنطقة. في النظر لقضايا المنطقة يلاحظ المرء ظاهرة، ألا و هي العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ثمة أحداث يمكن اعتبارها كالجذور أو الحبال الممسكة للخيمة، أي إنها عامل على القوة و الرصانة داخل البلاد. هذا عمق استراتيجي. حين تلاحظون الإمام الخميني يتحدث بكلام صراحة في تلك الأيام عن الثورات خارج البلاد و الخلايا الثورية، فذلك من أجل تشكيل مثل هذا العمق، و قد تشكل فعلاً. الأجهزة الاستكبارية تتخبط اليوم في محاولاتها محاربة هذا العمق الاستراتيجي. و لم يصلوا إلى نتيجة طبعاً، و لن يصلوا. و من القضايا المهمة في هذا الصدد الأعمال التي يقوم بها الأعداء لبث الخلافات بين الشيعة و السنة، و ضرب المجاميع الشيعية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. لأن العدو يتصور أن العناصر الشيعية تمثل بصورة طبيعية مواقع و قواعد للجمهورية الإسلامية، لذا يريدون ضرب هذه المواقع و تفتيتها، و هم على خطأ طبعاً. فمواقع الجمهورية الإسلامية لا تنحصر بالشيعة. الكثير من الإخوة السنة في الكثير من البلدان يدافعون عن الجمهورية الإسلامية دفاعاً مستميتاً بنحو لا يفعله الكثير من الشيعة. البعض من هؤلاء المعارضين للثورة في خارج البلاد - و على حد تعبيركم في الجهة الأخرى من الماء - و يتحدثون دوماً ضد الجمهورية الإسلامية، إذا سألتهم ما هو مذهبكم لقالوا نحن شيعة. و الكثير من المسلمين من غير الشيعة الإمامية - إما شيعة زيدية أو من أهل السنة - لا يقلون شيئاً عن إخوتهم الشيعة في الدفاع عن النظام الإسلامي. و بالتالي، فأعداؤنا ليس لديهم فهم صحيح بخصوص العمق الاستراتيجي، و الذي يفعلونه خطأ. و عليه، فمن المساحات المهمة و الضرورية للحيوية في الجامعات مساحة القضايا السياسية و الاجتماعية و القضايا المتعلقة بواقع الحياة. و بوسعكم البحث فيها و تنضيجها و دراستها و عرضها على الأجهزة الإدارية في البلاد و توفيرها للنظام الإسلامي كنتاجات علمية و فكرية. و ستكونون أنتم أنفسكم بعد فترة غير طويلة من المدراء في مختلف القطاعات بالبلاد. يجب أن تنتفعوا من هذا في الوقت الحاضر. و من المجالات الأخرى المتعلقة العلم و النشاط العلمي. و أقولها لكم إن من الاحتياجات الأساسية و ذات الدرجة الأولى في البلاد اليوم هي الحاجة العلمية. إذا استطعنا على الصعيد العلمي مواصلة حالات التقدم و التطور التي أحرزناها لحد الآن، و الحمد لله، و بنفس السرعة، فستكون في ذلك بلا مراء حلول كبيرة للمشكلات الاقتصادية و للمشكلات السياسية و للمشكلات الاجتماعية و للقضايا الدولية. العلم قضية على جانب كبير من الأهمية. في غضون هذه الأعوام العشرة أو الإحدى عشرة الماضية تم إنجاز الكثير على هذا الصعيد، و لكن يجب مواصلة العمل بعد هذا أيضاً. يجب مضاعفة العمل. عقيدتي و رأيي هو أن العمل العلمي في الجامعات و في البلاد يجب أن يكون جهادياً، يجب القيام بالأعمال العلمية على نحو جهادي. من توصياتي للطلبة الجامعيين الأعزاء تعزيز تواصلهم و علاقاتهم بالأساتذة المتدينين و الملتزمين. الأساتذة الملتزمون و المتدينون في المناخات الجامعية في الوقت الحاضر ليسوا بقلائل لحسن الحظ، فضاعفوا من تواصلكم معهم و زيدوا من علاقاتكم مع المراجع الفكريين، سواء الفكر الديني أو الفكر السياسي، ممن هم موضع ثقة و اطمئنان و نزاهة. و متّنوا من دراساتكم و مطالعاتكم الفكرية، و هذا ما أوصيت و أوصي به الطلبة الجامعيين الأعزاء دوماً. و طرح سؤال حول الموقف من الحكومة الحالية. ما اعتقده هو أنه يجب دعم و مساعدة و التعاون مع كل الحكومات بما في ذلك الحكومة المنتخبة الجديدة التي ستتشكل رسمياً إن شاء الله بعد أسبوع أو أسبوعين و تبدأ أعمالها. و قال الأعزاء إنه لو كانت الحكومة كذا فسندعمها و إذا كانت كذا فسننتقدها. أنا طبعاً لا أعارض النقد، و لكن ينبغي التفطن أولاً إلى أن النقد يختلف عن تحرّي العيوب و تسقّط العثرات. و ثانياً يجب أن تتوفر فرصة للعمل. بخصوص هذه الحكومة التي تتولّى الأمور اليوم، قلت قبل ثمانية أعوام لبعض الذين أرادوا النقد فلتدعوا شيئاً من الوقت يمضي و تتوفر للحكومة الفرصة و المجال لتتحرك، ثم إذا كانت لكم نقودكم فابدأوا النقد. لا تتسرعوا في البدء بالنقد. هذا هو رأينا بخصوص الحكومة و كل الحكومات. و ما من أحد يخلو من الضعف. إنني أنظر لنفسي فأجد فيها الكثير من الضعف. أحياناً يقول طلبة العلوم الدينية حينما يسمعون من شخص شيئاً: لا تقس الأمر على نفسك يا سيدي. و أنا هنا أقيس الأمر على نفسي. أنظر إلى نفسي فأجد فيها الكثير من الضعف، و أقول مع نفسي أن الجميع هكذا. الجميع لديهم نقاط ضعف و قوة و مشكلات، لذلك يجب أن لا يرفع الإنسان التوقعات إلى درجة تخرج فيها عن نطاق المقدرة المنطقية. لا، يجب النظر للواقع و مشاهدة المشكلات و مدّ يد العون و الدعاء إلى الله تعالى بأن يُعين هذه الحكومات و كل الحكومات لتستطيع إن شاء الله النهوض بأعمالها و واجباتها، و تتمكن مجاميع القوى الناشطة على الصعد السياسية و الطلابية الجامعية و الإدارية أن تتعاضد و تتقدم بالأعمال و الأمور إلى الأمام. طيّب، لقد انتهى وقتنا، و نحن نقترب من الأذان، و أريد أن ادعو ببعض الأدعية. و ادعوا معنا أيها الشباب الأعزاء بقلوبكم النقية الطاهرة لتستجاب هذه الأدعية إن شاء الله. اللهم اجعل مصير بلادنا و شعبنا مصيراً يبعث على الفخر و زاخراً بالسعادة و الحلاوة و الفلاح. اللهم منّ على شعبنا و شبابنا و مسؤولينا بالتوفيقات و الهداية و العون. ربنا حقق المبادئ و الأهداف السامية لنظام الجمهورية الإسلامية في المستقبل القريب الذي يراه هؤلاء الشباب. و ضاعف اللهم من هممنا للوصول إلى هذه المبادئ و المطامح يوماً بعد يوم. ربنا أعن شعب إيران و شباب إيران في الميادين الخطيرة، و انصر شعب إيران على أعدائه. اللهم أنزل في هذه الليالي المباركة و في هذه الأيام المباركة المعنوية، رحمتك و بركاتك على شعب إيران. اللهم اجعل ما قلناه و سمعناه لك و في سبيلك. و أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (ع). و أرض عنا جميعاً أرواح الشهداء الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الجليل. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش: 1 - سورة الإنشراح، الآية 7 . 
2013/07/28

كلمته في لقائه الشعراء ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً استمتعنا بالقصائد و الأشعار التي قرأها الأعزاء. بعض هذه القصائد كان جيداً جداً. و بعضها كان جيداً. حين أراجع ذاكرتي يبدو لي أن الأشعار هذه السنة في مستوى أعلى عموماً مما كانت عليه في السنوات السابقة، و هذا يدل على أن مسيرة الشعر في البلاد مستمرة و متقدمة و الحمد لله. و هذا شيء مغتنم و سارّ جداً بالنسبة لنا. الشعر من أبرز الفنون و أرقاها، و الفنان - سواء كان شاعراً أو فناناً في سائر الحقول الفنية - من الزبدة و النخبة الذين يتحملون المسؤوليات الأثقل تجاه شتى القضايا، و هذا أمر طبيعي. النخبة - سواء النخبة السياسية أو النخبة العلمية أو النخبة الثقافية - يتحمّلون في أي مجال من المجالات مسؤوليات أكبر من مسؤوليات غير النخبة. طبعاً يجب أخذ المشاعر الإنسانية و البشرية للشاعر بنظر الاعتبار، و ينبغي أخذ اختلاجات الشاعر و همومه أيضاً بنظر الاعتبار، كما يجب أخذ أفكار الشاعر و حكمته بنظر الاعتبار. أي إن كل واحد من هذه الجوانب الثلاثة يحتل جزءاً أو فصلاً من فن الشعر. و لا مكان هنا للعتب، فإذا لم تذكر المشاعر الشاعرية و الأحاسيس العاطفية و المشاعر ذات الصلة بالقضايا الجارية في الحياة الشخصية للشاعر في شعره، فإن الشعر لا يكون قد أنجز كل مهمته. و عليه فجزء من الشعر يتعلق بمشاعر الشاعر و أحاسيسه و عواطفه، و قد تحصل أحياناً بعض حالات الإفراط في هذا المجال، فيُخصّص الشعر كله لهذه المشاعر. جانب من الجوانب هو هموم الشاعر و اختلاجاته، و هذا ما نشاهده في نتاجات الشعراء. الشعراء أشخاص أصحاب هموم و أحزان غالباً، و هذا لا يختص بزمن معين، فالشعراء في كل الأزمنة - في حدود ما سمحت لي الفرصة و استطعتُ أن أتابع و أعرف و أرى - أصحاب هموم و يتحسّرون على شيء فوق ما هو موجود في حيواتهم. و لا نتحدث هنا عن الحسرة على الجوانب المعنوية، لا، إنما لديهم همومهم و عتابهم من حيث أوضاعهم المادية و مشكلاتهم، و اللوعات و الجراح التي يعانون منها. كل الشعراء لديهم مثل هذه الهموم و الأحزان. وجدت في سيرة شعراء أواخر العهد المغولي أن أحد الشعراء يعاتب و يشكو من كساد سوق الشعر، و أن الناس لا يأبهون للشاعر و لا يهتمون له و أن الوضع لم يكن هكذا في السابق بل كان كيت و كيت. و قد كان هذا في زمن كان فيه الشعراء محترمين و يُمنحون الأموال، و قد يُعطون الذهب أو الفضة بمقدار أوزانهم! القصد أن حالة الشكوى و الهمّ كانت موجودة دوماً. هذه الهموم لها نصيبها و سهمها في شعر الشعراء، و لا مجال للومهم على ذلك. إنني لا ألوم أبداً أي شاعر لأنه ذكر في شعره بعض همومه و شكواه من الزمن. روح الشاعر بالتالي روح حسّاسة و ظريفة. قد تزعجه الأشياء و تؤذيه. و عليه، لا إشكال في هذه الهموم و الشكوى إطلاقاً. الكثير من أصدقائنا الشعراء المقرّبين و الصميميين كانت لهم مثل هذه الهموم و الشكاوى، و قد كنتُ من المستمعين الجيدين و الصبورين لأشعارهم المليئة بالهموم. و بالتالي، فنحن نعترف رسمياً بهذين الجانبين من الشعر: الجانب المتعلق بالمشاعر، و الجانب المتعلق بالهموم. و لكن ثمة جانب آخر يتعلق بأفكار الشاعر و حكمته. هذا ما يجب عدم الغفلة عنه. لاحظوا سعدي الشيرازي.. هؤلاء هم على كل حال قمم الشعر عندنا. و لسعدي الشيرازي الكثير من هذه التي تسمّونها قصائد شاعرية و عاطفية و عاشقة، و لديه الكثير من الهموم و الأحزان. يلاحظ عليه ذلك في كتابه «بوستان»، و في غزلياته، و في غيرها من الأنماط الشعرية. و لكن لاحظوا حكمة سعدي كيف تمتدّ على كل منجزه الشعري. يمكن اعتبار سعدي الشيرازي حكيماً. هذا هو ما يأخذ أشخاصاً مثل سعدي الشيرازي و حافظ الشيرازي و صائب التبريزي إلى القمة. الحكمة و الأفكار الحكمية و القضايا اللازم أن يتعلمها الناس، فهم هذه الأمور و إدراجها في الشعر و التعبير عنها - و المعارف الدينية و الإنسانية و أسلوب الحياة من أرقاها - من مسؤوليات الشاعر. إنني أوصي الأصدقاء الأعزاء أن لا ينسوا هذا الجانب المهم من الشعر على الإطلاق. و طبعاً كان في القصائد التي قُرئت الليلة نصيب وافر من هذا الجانب. و تقع على الشاعر أيضاً مسؤوليات تتعلق بقضايا المجتمع و العصر. لقد انطلقت اليوم حركة تاريخية عظيمة من مجتمعنا و راحت تلهم مجاميع بشرية هائلة. و هذه حقيقة واقعة. مواجهة الثورة الإسلامية لنظام الهيمنة الدولي، و الصمود مقابل التعسف و الغطرسة من قبل شعب بقي رازحاً تحت نير التعسف لمدة مائتي عام أو أكثر، و رفع راية الحرية و التحرر في هذا البلد، هذه أمور على جانب كبير من الأهمية، و يجب أن تظهر في قصائد شعرائنا. و كذا الحال بالنسبة لما جاء تبعاً لهذه الحرية. لقد قلت مراراً في هذه الجلسة و جلسات أخرى إن قضية الجهاد العسكري الذي استمر ثمانية أعوام لم يكن بالشيء القليل بل كان حالة مهمة جداً و اعتقد أنه ينبغي الاهتمام به اهتماماً كبيراً في شعرنا. و كذا الحال بالنسبة لجهاد بناء المجتمع الإسلامي، و جهاد تمتين و تقوية بنية الاقتدار الوطني التي شدّدنا عليها مراراً، و جهاد إصلاح أسلوب الحياة - و قد ذكرنا أن هذا هو أصل الحضارة الإسلامية، و ما نناقشه حول غير أسلوب الحياة ينتمي كله للأشكال و الأنماط و المقاييس - كل واحد من هذه الأنماط من الجهاد، و المشاركة فيها عن طريق الشعر، يجب أن يحظى بالاهتمام. و كذا الأمر بالنسبة لقضايا تتعلق بالتاريخ و الزمن. الصحوة الإسلامية اليوم قضية مهمة، و قضية فلسطين قضية مهمة. هذه أمور يجب أن يكون لها نصيبها في شعرنا، و ينبغي أن نتناولها في قصائدنا. على كل حال هذه أمور لها أهميتها. و لديّ توصية أخرى - سجّلتها هنا - هي الاهتمام بشعر الأطفال و الأحداث الذي ينطوي على مفاهيم الحكمة الإسلامية و الحكمة السياسية، فهذا باعتقادنا من الأمور الضرورية و اللازمة، و الذي يبدو أنه لم ينل حظه الكافي من الاهتمام. شعر الأطفال و كتب الأطفال و الأحداث من الجوانب المهمة التي يجب أن تحظى في الوقت الراهن بالاهتمام. الشعراء الذين يجدون في أنفسهم المقدرة و لهم باعهم الطويل و لغتهم الموحية يجب أن يدرجوا المفاهيم الحكمية، أي الحكمة الإسلامية و الإيرانية، في الشعر الفارسي. يجب تنمية و ترشيد المواهب الشابّة. لدينا الكثير من المواهب بين الشباب، و الشباب أقدر على تقبّل الحقائق و التعبير عنها في نتاجاتهم و قصائدهم. نشكر الله تعالى و نحمده على أن لغة شعرائنا اليوم لغة بليغة و موحية و تعبّر عن حقائق جيدة. لو أردنا مقارنة الوضع اليوم بما قبل عشرة أعوام مثلاً - حيث كانت نفس هذه الجلسة تتشكل كل سنة في نفس هذه الليلة أو ما يشبهها من الليالي - لوجدنا أن التقدّم إلى الأمام كان بحيث لا يمكن مقارنة هذه الليلة بتلك الليالي. أي إن شعر ثورتنا و شعر شبابنا و شعر الشعراء الأعزاء الملتزمين المسؤولين في إيران، و شعر الرواد، و شعر الذين ينشطون و يمارسون دورهم في مجال تربية الشباب، حقّق في رأيي تقدماً جيداً جداً. و كما قلت فإن أصدقاءنا و شعراءنا الجيدين يتحسّنون دوماً، سواء في مجال الشعر أو على صعيد النقد. أقرأ أحياناً مقالات بعض الأعزاء في النقد الشعري، و للحق أن المرء يجد متعة و فائدة و عمق في هذه المقالات. و ستواصلون هذا الدرب إن شاء الله. نتمنى أن يبارك الله تعالى في أعمالكم الأخرى أيضاً، و تستطيعون إن شاء الله مضاعفة تقدمكم المطرد من أجل الارتقاء المعنوي بالشعر الفارسي. أشكر الأعزاء مرة أخرى. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2013/07/23

خطاب الإمام الخامنئي في لقائه مع المسؤولين والعاملين في الحكومة

أكد قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي خلال لقائه مع المسؤولين والعاملين في الحكومة أنّ الحروب في الميادين العالمية المختلفة هي في معظمها حرب الإرادات، وأشار سماحته إلى أنه في مجال إدارة الدّولة يجب استخدام جميع الأدوات المتاحة والنّظر إلى الأولويّات، وفي ما يتعلق بالمفاوضات مع أمريكا وصف سماحته الأمريكيّين بأنهم ليسوا محل ثقة وغير منطقيين.
2013/07/21

كلمته في آخر لقاء له بأعضاء الحكومة العاشرة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

بسم الله الرحمن الرحيمكانت جلستنا اليوم جلسة جيدة جداً، و قد عرض الأعزاء و المسؤولون المحترمون جانباً من مساعيهم بلغة الإحصائيات و الأرقام. جلستنا هذه في شهر رمضان من كل سنة مع مسؤولي الحكومة و أعضاء هيئة الوزراء و رئيس الجمهورية المحترم و معاونيه لم ندرج فيها على تلقّي تقارير عمل، إنما كنا نذكر للأصدقاء الأعزاء عادة نصيحة أو عبارة من نهج البلاغة و نتبرك بكلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). أما هذا العام و في هذا اليوم فقد أصررتُ - و اقترحتُ بنفسي على السيد رئيس الجمهورية - على أن يتحدث الأعزاء و يقدموا تقاريرهم، فالأيام هي الأيام الأخيرة لهذه الحكومة و هذه مناسبة جيدة لتقديم تقارير عن مجمل الأعمال و المشاريع التي تمّ إنجازها في هذه الحكومة، و التقارير طبعاً تبقى على نحو النماذج و الواجهة. و نرغب في أن تصل هذه التصريحات التي ذكرت اليوم هنا إلى أسماع الناس و أبناء شعب إيران الأعزاء، فيطلع الخواص و أهل الخبرة و الفن و الاختصاص - لأن الكثير من هذه النقاط التي تذكر لا يعلم بها الأعزاء و نجد أحياناً أنهم لا يتوفرون على معلومات كافية و وافية - و يطلع عليها كذلك عموم أبناء الشعب، مع أن بعض الأعمال و الإنجازات أمام مرأى الناس و أعينهم. طبعاً المعارضون و من ليس لديهم اطلاع - بعض الأجهزة الإعلامية المغرضة في الخارج و البعض في الداخل أحياناً - ينكرون حتى ما هو أمام الأعين و الأنظار. فهناك عمل أو مشروع قد تمّ و أنجز و هو أمام الأنظار و يراه الجميع و تم الإعلان عنه، لكنهم يميلون لإنكاره. لا شأن لنا الآن بأن البعض قد لا تكون لهم نظرة متفائلة أو متعاطفة أو منصفة.. يجب على كل حال ذكر هذه الإحصائيات في الأجواء العامة للبلاد و تسجيلها، فهذا الشيء على جانب كبير من الأهمية. ما يجب أن أقوله للأعزاء اليوم قبل كل شيء هو: ساعدكم الله و قوّاكم. عملتم ثمانية أعوام و بذلتم مساعيكم و جهودكم و أنجزتم أعمالاً جيدة، و أبديتم استعدادكم للصبر على مشاق العمل ليل نهار، و هذا ما شوهد و شُعر به، و أدرك الجميع أن رئيس الجمهورية المحترم و زملاؤه في الحكومة يعملون عملاً مكثفاً جداً و سريعاً بالقياس إلى كل الدورات الأخرى. هذه نقطة ممتازة يجب عدم تجاهلها. كل الذين يريدون تقييم الحكومات و هيئات الوزراء و رؤساء الجمهورية - سواء كان هذا التقييم لأنفسهم أو أمام الملأ و الناس - و إبداء آرائهم في هذا الخصوص، من المناسب أن يتنبّهوا لهذه النقطة: الحجم الكبير من العمل و السعي الدؤوب بدون تعب أو كلل أو ملل، و الإعراض عن الراحة و الدعة و الإمتيازات التي يحصل عليها عادة مسؤولو البلدان في العالم، فهم يستريحون و يرفّهون عن أنفسهم و يأخذون الامتيازات.. عدم طلب هذه الامتيازات و تجاهلها يعدّ بحد ذاته ميزة كبيرة تمتعت بها و الحمد لله هذه الحكومة. نقطة أخرى كانت في بالي حول هذه الحكومة طوال ثمانية أعوام، و قد أشرت لها مراراً، هي أن هذه الحكومة استطاعت و الحمد لله رفع شعارات الثورة و التفاخر بها و طرحها في المجتمع. من الممارسات المهمة التي قامت بها الجبهة المعادية للثورة - سواء ثورتنا أو الثورات الأخرى - على مرّ التاريخ و في كل العالم و لا تزال تمارسها، أنهم حاولوا التقليل من شأن قيم الثورة. و الأمر غير مقتصر على هذه التجربة. يقللون أولاً من شأن القيم ليمحوها تدريجياً، و إذا سنحت لهم الفرصة قلبوها إلى قيم مضادة. هذه ممارسة مألوفة في العالم، و قد شاهدناها في تاريخ الثورات في العالم، و في الثورات التي قامت في زماننا - على مدى هذا العمر الطويل الذي عشناه - و اطلعنا عليها و بلغتنا أخبارها. الجبهة المعادية للثورة لن تنسى أبداً شعارات الثورة، بمعنى أنها تعلم أن الشيء الذي استطاع في هذه المنازلة تحقيق النصر لجبهة الثورة و فرض الهزيمة على الجبهة المناهضة للثورة هو بالدرجة الأولى هذه الشعارات. و كلما كانت الشعارات ذات مغزى و عميقة و جذابة و واقعية و مفهومة و ملموسة من قبل الناس، كلما ساعدت على تقدم الثورة إلى الأمام أكثر. يحاولون محو و تبديد هذه الشعارات على نحو تدريجي. و بخصوص بلد إيران و ثورة إيران بدأ العدو هذه الممارسات أيضاً، و لم ينجح طبعاً، و نحن نشكر الله على هذا. لم يستطع العدو تبديد شعارات الثورة و محوها. و أعتقد أن جزءاً كبيراً من هذا يعود ليقظة الإمام الخميني الجليل. ما تركه الإمام الخميني الجليل بيننا من تصريحات و كلمات و كتابات يمثل بيّنات و محكمات، و ليس متشابهات لا يفهمها أحد. و الكلام الأخير للإمام الخميني مدرج في وصيته. لقد أوصيت دوماً المسؤولين و الذين يتولون أعمالاً مهمة في الحكومة بمراجعة وصية الإمام الخميني. وصية الإمام الخميني لباب القيم التي آمن بها هذا الرجل و التي تركها لنا حيّة متوثبة. لذا فإن هذه القيم غير قابلة للتحريف و التغيير. نعم، تجاهلها أمر ميسور و ممكن للذين يريدون تجاهلها. لقد طرحت هذه الحكومة هذه الشعارات و ركزت عليها و برّزتها و رفعتها و افتخرت بها، و لم تشعر في الأوساط و الأروقة العالمية بالخجل من الدوافع الثورية و الأهداف الثورية و الأساليب الثورية. هذا إنجاز كبير جداً. ما عملتموه لله سجّله الله تعالى في صحيفة إعمالكم و سجّله الكرام الكاتبون لكم، و سينفعكم بلا شك. ما عملتموه، سواء شاهدته أنا و أمثالي و علمنا به و شكرناه أو لم نره و لم نعلم به و لم نشكره فـ «إن الله شاكر عليم» (1).. الله يعلم و يشكر. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى. الشيء الذي يجب أن تعقدوا عليه الهمم هو أن لا تفلتوا زمام الخدمة و العمل. لا تنحصر كل المساعي في الوزارة الفلانية أو المسؤولية الفلانية في الحكومة، لا، ساحة البلاد ساحة سعي و جهد و عمل دؤوب و نشاط. و يمكن لهذا العمل أن يتمّ على نحوين: عمل يرمي للأهداف الثورية، و عمل لا يرمي للأهداف الثورية. سواء تواجدتم في الحكومة الآتية و الحكومات الآتية أو لم يكن لكم حضوركم هناك، فإن الأعمال التي تقومون بها و المسؤوليات التي تتولونها - و أمثالكم طبعاً مدراء أكفّاء جديرون - حاولوا أن تجعلوها منصبّة على تحقيق أهداف الثورة و سائرة نحو أهداف الثورة إن شاء الله. سوف يثيبكم الله تعالى و يجزل لكم الأجر، و نحن أيضاً في حدود مهماتنا نتقدم لكم بالشكر. إنني حسب الدارج - و لم يعد لدينا مجال و لا وقت - أقرأ عليكم عبارة من نهج البلاغة: «و اعلم أن أمامك طريقاً ذا مسافة بعيدة و مشقة شديدة» (2). هذه من وصايا الإمام علي بن أبي طالب للإمام الحسن المجتبى (عليه السلام). و الواقع أنه يجب القول إن الوصية من أكثر ما يمكن للمرء أن يقوله من حيث الصميمية، لأنه كلام يقوله الإنسان للآخر حينما لا يعود موجوداً في عالم المادة، و لا تكون لديه أغراض مادية بطبيعة الحال أو أن هذه الأغراض المادية تنخفض إلى أدنى المستويات و تكون ضعيفة. لذلك تطرح في الوصية أكثر الكلمات و الأقوال صميمية، و خصوصاً عندما يكون المخاطب بالوصية أعز الناس على الإنسان صاحب الوصية، من قبيل نجله، و لا سيما إذا كان هذا النجل شخصاً مثل الإمام الحسن المجتبى الولد الأكبر للإمام علي بن أبي طالب، و هو بلا شك أحبّ الناس إلى قلب الإمام علي (ع) و في عينه. طبعاً قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) إن هذه الوصية لا تختص بكم بل هي للجميع، لكن المخاطب الأصلي بها هو الإمام الحسن المجتبى (ع). و عليه فهذا هو لباب كلمات الإمام علي بن أبي طالب و معارفه و ذهنياته. و بالطبع فإن كل كلمة من كلمات الإمام علي و كل جملة من جمله حكمة، و الأمر لا يقتصر على هذه الوصية. إننا للحق لا نفهم أعماق كلمات الإمام علي بن أبي طالب (ع). أمثالنا غير قادرين على الوصول إلى تلك الأعماق، إنما ننتفع بعض الشيء منها. نشاهد أناساً كلما كانت حكمتهم أرفع، و كلما كان تفكيرهم أرقى، و كلما كانت عمق أفكارهم أكثر استطاعوا اقتناص نقاط و فوائد أكثر من هذه الكلمات. هكذا هو نهج البلاغة. و هنا نحن أمام وصية الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة. يقول: اعلموا أن أمامكم طريق فيه مسافة طويلة و مشقة شديدة. الطريق الذي أمامكم - طريق الوصول إلى جزاء الأعمال في يوم القيامة - طريق طويل. «و إنه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد» (3). في مثل هذا الطريق يجب أن تسير بمنتهى الاندفاع و الطلب. و «الارتياد» يعني الطلب و الإرادة و السعي المصحوب بالإرادة و النيّة. فلا مفرّ أمامك سوى الجدّ في العمل. أي إن هذا الطريق ليس مما يمكن للمرء أن يستهين به. نعم، نحن غافلون و قد نستهين بالأمور، لكن هذه الاستهانة إنما هي بسبب الغفلة . لنعلم ما هي حقيقة الأمر و إلى أين نحن ذاهبون و أين يتحقق مصيرنا الأبدي. إذا تنبّهنا لهذا فسوف نهتم للأمر و نأخذه مأخذ الجدّ. لذلك تلاحظون في دعاء كميل الشريف - و هو أيضاً للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) - أنه يقول: «و هب لي الجدّ في خشيتك» (4). يدعو الله و يسأله أن تكون خشيته لله خشية جادة و حقيقية، و ليست ظاهرية و ناجمة عن مشاعر زائلة و حدثان الحياة. إنه يسأل الله أن يكون خاشياً له خشية حقيقية بالمعنى الواقعي للكلمة. «قدّر بلاغك من الزاد مع خفّة الظهر» (5). إنكم مضطرون لاجتياز هذا الطريق الصعب الطويل الذي هو الطريق إلى القيامة. إنكم تجتازون بالطريق إلى القيامة من وسط الحياة الدنيا. إنكم مضطرون للمرور من هذا المعبر المادي بكل ما للمادة من لوازم و مقتضيات و بكل الخصوصيات التي يشتمل عليها الإنسان بشكل طبيعي في هذه البيئة و الأجواء المادية. إذن، الشيء الذي ينبغي أن تفعلوه لكي تكون تلك النهاية سهلة و يسيرة عليكم، هو: «قدّر بلاغك من الزاد». أي قدّر و خمّن مقدار الزاد الذي يوصلك إلى المقصد، و اعلم كم تحتاج من العمل لتصل إلى مبتغاك. هذا هو الجزء الأول. و الجزء الثاني: «مع خفّة الظهر»، أي خفّف أحمال ظهرك. هذان إرشادان يقدمهما الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أولاً اعلم ما تحتاجه لاجتياز هذا الطريق. و في إيضاح ما نحتاجه لهذا الدرب يقول هو نفسه: اجتناب المحرّمات و أداء الواجبات. أي إن المقدار اللازم من الزاد لاجتياز هذا الدرب هو الواجبات. أداء الواجبات هو المقدار اللازم من الزاد. و كلما زدتم من هذا الزاد و أدّيتم مزيداً من الواجبات ستكون لكم إمكانات أكثر و فرص أوفر و ستنتفعون أكثر. لكن الواجب من الفرائض علينا هو الحد الأدنى مما نحتاجه لاجتياز هذا الطريق. و كذا الحال بالنسبة للمحرمات. بمعنى أن اجتناب المحرمات هو الحد الأدنى لتحاشي الآفات التي قد تعرض لنا في هذا الدرب. و عليه، إذا اجتنبنا المحرمات و أدّينا الواجبات لكان هذا ما يوفر و يسهّل العروج المطلوب لنا أنا و أنتم، و لا ضرورة لأكثر منه. البعض يسعون للتحلي ببعض الخصوصيات، كأن يعثروا على شخص يتعلمون منه ذكراً أو رياضة. هذه أمور غير لازمة و غير ضرورية. الرياضة الشرعية مرسومة و معلومة. إذا أدّينا هذه الصلوات بصورة صحيحة و في أوقاتها و أدّينا أركانها و بتوجّه إلى الله، أو إذا صمنا صيامنا بصورة صحيحة - نفس هذه الواجبات و الفرائض التي بين أيدينا - فإنها تكفي لعروج الإنسان و تحليقه إلى الأعالي. و أقولها لكم: إذا أدينا هذا المقدار فسيكون هذا أرضية لاجتذاب الأنوار الإلهية بمقادير كبيرة. أي إن هذا الحد الأدنى اللازم لنا لا يتميز بمجرد أنه قادر على الأخذ بأيدينا لاجتياز هذا الطريق، إنما ميزته الأخرى هي أنه يمهّد الأرضية لنا لاجتذاب مزيد من الأنوار الإلهية و الفضل الإلهي. أي إن الإنسان إذا أدّى الصلاة الواجبة بصورة جيدة فسيميل بصورة طبيعية إلى النوافل. حين يتجنب الإنسان الكذب و الغيبة و القول بغير علم و التهمة و الإفساد و أكل أموال الناس و خيانة الأمانة، فإن هذا بحد ذاته سيعدّ قلبه لتلقّي الهداية و المعرفة الإلهية، و يتقدم بنا إلى الأمام. هذه هي الوصية الأولى. الوصية الثانية هي قوله: «مع خفّة الظهر».. أي خفّف أعباء و أحمال ظهرك. نحن الذين تحمّلنا أعباء ثقيلة على أكتافنا نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لحمل هذه الأعباء. إذا استطعتم إن شاء الله حمل هذه الأعباء و إيصالها لمقاصدها بسلام فسيكون لكم أجر جزيل. بمعنى أن هذه المسؤوليات الجسيمة الثقيلة مثلما تنحت للإنسان هموماً كبيرة، فإنها من جهة ثانية و إذا تم تحمّلها و إيصالها بسلام، تستوجب فضيلة عظيمة. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً و يؤيّدكم و تكونوا دوماً في خدمة الإسلام و الثورة. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش:1 - سورة البقرة، الآية 158 .2 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 . 3 - م ن .4 - مفاتيح الجنان، دعاء كميل.5 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 .
2013/07/14

خطاب الإمام الخامنئي في محفل الأنس بالقرآن الكريم

بالتزامن مع أول يوم من شهر رمضان المبارك أقيم محفل أنس بالقرآن الكريم بحضور الإمام الخامنئي، حيث أشار سماحته في هذه المراسم إلى أهمية تلاوة وتجويد وحفظ القرآن الكريم، وإلى أن الأمّة المؤمنة والمسلمة هي تلك الأمّة التي تتخذ القرآن الكريم والهداية الإلهية معياراً لها، كما اعتبر سماحته تقليد سكان البلدان الغربية في مسلكهم وأعمالهم وشؤون حياتهم أمراً خاطئاً.
2013/07/10

خطاب الإمام الخامنئي في العاملين في السلطة القضائية

التقى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي صباح يوم الأربعاء 26/6/2013 رئيس، أعضاء والمسؤولين في السلك القضائي في الجمهورية الإسلامية وخلال الكلمة التي ألقاها سماحته أثناء اللقاء توجه الإمام الخامنئي بالشكر لدور السلطة القضائية في إنجاز الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفيما يتعلق بالملف النووي أكد سماحته أن الأمريكيين لا يريدون إنهاء هذا الملف على الرغم من التوصل إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر من مرة.
2013/06/26

حوار مقتضب مع مراسل الإذاعة و التلفزيون بعد مشاركته في انتخابات رئاسة الجمهورية و المجالس البلدية

مراسل الإذاعة و التلفزيون: السلام عليكم.. صباح الخير سماحة السيد.الإمام السيد علي الخامنئي: السلام عليكم و رحمة الله.مراسل الإذاعة و التلفزيون: الملحمة السياسية التي قصدها سماحتكم قد بدأت. ما هو توقّعكم من الشعب و القائمين على الانتخابات من أجل تحقيق هذه الملحمة بصورة كاملة؟الإمام السيد علي الخامنئي: بسم الله الرحمن الرحيم. نحمد الله سبحانه و تعالى على أن وفّقنا و شعبنا العزيز للمشاركة مرة أخرى في عمل و خطوة لها تأثيرها في مصير البلاد. كما أشرتم فإن هذه بحقّ ملحمة، و سوف يثبت الشعب الإيراني اليوم إن شاء الله أن سيصنع ملحمة بالمعنى الحقيقي للكلمة. توقّعي من شعبنا العزيز هو أن يشارك الجميع، و أوصي بالحضور و المشاركة المبكرة، فلا يؤخروا مشاركتهم، إذ في التأخير آفات. أي أنْ يحضروا في بداية الصباح و في النصف الأول من النهار، و لا يدعوا الوقت يمرّ و يفوت. لقد منحتُ صوتي لواحد و ثلاثين شخصاً في انتخابات المجالس البلدية. و أنا طبعاً أعرف بعض هؤلاء السادة عن قرب، لكنني اعتمدت على هذه القوائم التي يقترحونها و ينشرونها. أخذنا إحدى هذه القوائم و وثقنا بهم و كتبنا باقي أسماء الأشخاص الذين لم نكن نعرفهم. نتمنى أن يبارك الله و يستطيعوا أن ينهضوا بواجباتهم في طهران على نحو جيد، و أن يتمّ في كل المدن و القرى إن شاء الله انتخاب عناصر مؤمنة متدّينة و كفوءة و راغبة في العمل. و بالنسبة لرئاسة الجمهورية بدا لي أن انتخب أحد هؤلاء السادة الموجودين، فانتخبته. و لم أقل لأحدٍ لحد الآن من هو.. حتى المقربون إليّ - عائلتي و أبنائي - غير مطلعين من هو الشخص الذي صوّتُّ له. من واجب الناس أن يحققوا و يبحثوا، و يفترض أنهم حققوا لحد الآن و اختاروا الشخص الذي يريدون أن ينتخبوه. نتمنى أن يبارك الله في انتخاب الناس، و أن يتحقق إن شاء الله الخير لهذا البلد و لهذا الشعب و ما يبعث على سعادة الناس و رفاههم المادي و المعنوي. المهم هو أن يشارك الجميع. و لديّ توصيتي للسادة المحترمين المسؤولين عن صناديق الاقتراع و المسؤولين عن فرز الأصوات و ما إلى ذلك من الأعمال.. لديّ توصيتي لهؤلاء الأعزاء و هي أن يعلموا أن أصوات الناس أمانة في أيديهم، و هذه الأمانة هي حق الناس. أي إن صيانة الأمانة في هذه القضية هي حق الناس. و كما تعلمون يجب على الإنسان أن يراعي حق الناس أكثر، و تحمّل أعباء حقوق الناس أصعب من تحمّل أعباء حقوق الله. لذا يجب أن يدققوا في هذه المسألة كثيراً. و على شعبنا أن يشارك بشوق و تحفّز، و ليعلموا أن مصير البلاد في أيديهم، و سعادة الشعب رهن انتخابهم.. رهن انتخابهم للفرد المناسب اللائق، و رهن مشاركتهم أساساً في الانتخابات. المشاركة في الانتخابات نفسها مؤثرة في سعادة البلاد. لذا ترون أن معارضي شعب إيران و أعداءه يحاولون منذ فترة من الزمن أن يفعلوا ما يبثّ اليأس في نفوس الناس و يجعلهم سيّئي الظن و متشائمين أو كسالى أو غير مهتمّين، فلا يحضرون عند صناديق الاقتراع. و قد تجاوز أمر هذه العراقيل أطوار الصحافة و وسائل الإعلام و وكالات الأنباء إلى ساسة جبهة الأعداء أنفسهم، فراح أعداء الشعب الإيراني من السياسيين يتدخّلون مباشرة. الشخصيات السياسية الغربية المعروفة من التابعين لجبهة الأعداء ترونهم يعملون و ينشطون ضد مشاركة الشعب في الانتخابات. و قد سمعنا مؤخراً أن شخصاً من مجلس الأمن القومي الأمريكي قال إننا لا نقبل هذه الانتخابات الإيرانية.. إلى الجحيم إن كنتم لا تقبلون! لو تقرّر أن ينتظر شعب إيران ما تقبلونه و ما ترغبون فيه و يعمل على أساسه لكان من الخاسرين المخدوعين. الشعب الإيراني ينظر و يرى ما الذي يحتاج إليه هو، و ما هي مصلحته فيسير في ذلك الاتجاه. نأمل أن يبارك الله تعالى في هذا اليوم للشعب الإيراني، و أن يعين أذهان الشعب و قلوبهم ليحصل ما يليق بهم و ما يتطابق و مكانة الشعب الإيراني إن شاء الله. مراسل الإذاعة و التلفزيون: اسمح لي أن أبارك بالنيابة عن كل زملائي في وسيلة الإعلام الوطنية [مؤسسة الإذاعة و التلفزيون] و خصوصاً زملائي في راديو إيران، الأعياد الشعبانية لسماحتكم و لكل أبناء وطننا الأعزاء الغيارى. هذه المرة أيضاً و كما في المرّات السابقة حضرت سماحتكم في اللحظات الأولى - أي في تمام الساعة الثامنة - عند صندوق الاقتراع. و تفسيري لذلك هو أنكم تريدون إيصال رسالة لأبناء وطننا من خلال حضوركم المبكّر هذا عند صندوق الاقتراع.. نسمع من لسانكم مباشرة. الإمام الخامنئي: موفقين إن شاء الله. ذكرتُ أن الرسالة هي أن يشاركوا، و يشاركوا في الوقت المناسب، و أن يعرفوا قدر هذه الفرصة. و أنا أيضاً أبارك هذه الأعياد الشريفة لكم جميعاَ أنتم الحاضرين هنا، و لكل الشعب الإيراني. موفقين إن شاء الله.  
2013/06/14

خطاب الإمام الخامنئي بمناسبة مولد الإمام الحسين عليه السلام

تحدث قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي في لقاء مع الآلاف من الشعب الإيراني بمناسبة مولد الإمام الحسين (ع) عن عظمة الثالث من شعبان وثورة الإمام الحسين وواقعة كربلاء، و أشار سماحته إلى عظمة الثورة الإسلامية التي لا نظير لها على مدى عقود، كما اعتبر سماحته مشاركة الشعب الإيراني في الانتخابات وحضوره إلى صناديق الإقتراع، أهم من أي شيء آخر للبلاد.
2013/06/12

خطاب الإمام الخامنئي في لقائه المشاركين في الدورة الثلاثين لمسابقات القرآن الكريم الدولية

التقى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي صباح يوم السبت 8/6/2013 أساتذة وقارئي وحافظي القرآن الكريم المشاركين في فعاليات الدورة الثلاثين لمسابقات القرآن الكريم الدولية. وخلال هذا اللقاء أكد الإمام الخامنئي على أن أحد أهم أوامر القرآن الكريم هو حفظ وحدة وانسجام الأمة الإسلامية واعتبر سماحته الحنجرة واللسان اللذان يدعوان لوحدة المسلمين حنجرة ولساناً إلهيين.
2013/06/08

خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة ذكرى المبعث النبوي الشريف

بالتزامن مع ذكرى المبعث النبوي الشريف حلَّ جمعٌ من مسؤولي الجمهورية الإسلامية وسفراء الدول الإسلامية المعتمدين في طهران وعوائل الشهداء ضيوفاً على قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي. وخلال اللقاء الذي جرى في حسينية الإمام الخميني (رحمه الله) رأى الإمام الخامنئي في الوعي ومعرفة حبائل وخطط الأعداء أهم واجبات الأمة الإسلامية في ظل الظروف الراهنة.
2013/06/07
  • « الأولى
  • ‹ السابقة
  • …
  • 11
  • 12
  • 13
  • 14
  • 15
  • 16
  • 17
  • 18
  • 19
  • …
  • التالية ›
  • الأخيرة »

المستقبل للإسلام وللشباب المؤمن

2017/05/27
خطابات
  • الخطابات
  • القرارات
  • رسائل وندائات
مرئيات
  • الفيديو
  • الصور
  • تصاميم
  • موشن غراف
السيرة
  • السيرة الذاتية
  • قصص وخواطر
قضايا وآراء
  • تقارير
  • مقالات
  • حوارات
مؤلفات
  • مؤلفات الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الثورة الإسلامية
المزيد
  • الأخبار
  • أفكار ورؤی
  • الإمام الخميني
  • إستفتاءات
إنّ كلّ المحتويات الموجودة على KHAMENEI.IR مرخّصة بموجب ترخيص Creative Commons Attribution 4.0 International License.