تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
  • English
  • Français
  • Español
  • Русский
  • हिंदी
  • Azəri
  • العربية
  • اردو
  • فارسی
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • خطابات
  • أفكار ورؤی
  • مرئيات
  • السيرة
  • قضايا وآراء
  • مؤلفات
  • إستفتاءات
  • خط حزب الله
خطابات
الخطابات
القرارات
رسائل ونداءات
مخطّط بياني

كلمته في لقائه رئيس الجمهورية و أعضاء الحكومة

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء ، حضرة السيد رئيس الجمهورية ، و السادة الوزراء ، و المعاونين ، و المسؤولين و المدراء رفيعي المستوى .تقليدنا الدارج هو أن نحيّي فـي أسبوع الحكومة ذكرى شهداء هذا الأسبوع الأعزاء ـ و الواقع أننا بتكرار اسمي الشهيد رجائي و الشهيد باهنر ، نرفع الرايات التـي تحدد مسار الحكومة و نظام الجمهورية الإسلامية بشكل أوضح و أبرز أمام أعيننا ، حتى لا ننسى ما هو الطريق الذي نسير فيه و إلى أين نريد الوصول ـ و نبارك عادةً نهايةَ عام و بداية عام جديد للحكومة المحترمة الخدومة . الأحداث التـي تقع فـي النجف و فـي عموم بلد الجوار ـ العراق ـ تفرض هذه السنة على قلوبنا حزناً يسلبنا حيوية تقديم التبريك و تلقّيه . الحق و الإنصاف أن ما تجترحه القوات المحتلة اليوم فـي العراق و خصوصاً فـي النجف هو من النقاط السوداء الباقية التـي لا تُنسى . إن النجف جامعة و ليست مجرد مدينة عادية . منذ ألف عام و هذه المدينة مركز للعلم ، و مركز لتخريج العلماء الكبار ، و تصدير العلماء البارزين الورعين المتقين إلى كافة أنحاء العالم الإسلامي ، وفوق هذا فهي مرقد أميرالمؤمنين و مهبط قلوب المسلمين لاسيما الشيعة . القوات المحتلة تتجاهل كل هذه الأمور ، و تهجم بهذه السهولة على الذكريات التاريخية الخالدة العزيزة لشعبنا ، و تريد هنا تمرير سياسة مدانة مائة بالمائة من قبل الرأي العام العالمي و فـي كل المعايير الإنسانية . سياسة الأمريكيين فـي العراق و خصوصاً فـي أحداث النجف هذه سياسة تمرير المشاريع بالقوة و القمع ، و من البديهي أن المشروع الذي يُراد له أن يُمرّر بالقوة و القمع ، لن يكون بالتأكيد مشروعاً باقياً ناجحاً . سوف يهزمون بلا أي شك . و من العجيب اليوم أن مخططي السياسة المبتدئين الثملين غير الواعين فـي أمريكا و من يدعمونهم لا يفهمون أي خطأ كبير يرتكبون ، لذلك يواصلون سياساتهم الخاطئة . لا شك أن هذه السياسة فضلاً عن أنها ستوجه ضربات قاصمة للنظام الأمريكي ، ستخلق هوة سحيقة من الكراهية تستمر لعشرات السنين بين الأمريكيين و المحتلين من جهة و بين الأمة الإسلامية و العالم الإسلامي من جهة ثانية . إننا نتعاطف مع الشعب و المظلومين فـي العراق و نواسيهم و ندين ممارسات المحتلين ، و نتمنى أن يظهر الله تعالى مرةً أخرى سنّته الدائمة فـي حماية الحق .تريدون فـي هذه الأيام أن تبدأوا العام الأخير من الحكومة . طبعاً ، لا تختلف السنة الأخيرة لهذه الحكومة عن سنتها الأولى ابداً . كل الأعوام ، و كل الأشهر ، و كل الأيام ، أيام عمل و خدمة، إنما حين تنظرون فـي نهاية دورة من أربع سنوات أو ثمانـي سنوات إلى محصلة أعمالكم و مساعيكم المخلصة التـي بذلتموها ، ستشعرون بالرضا ، و تطمئنون أن الله تعالى راض عن حصيلة أعمالكم ، و يشعر الشعب أيضاً بنتائج ذلك فـي حياته . إذا كان ثمة لا سمح الله نقص فلن يشعر الإنسان بهذا الرضا فـي قلبه ، و لن يطمئن لرضا الله و رضا الشعب . لدينا واجبات . نحن نأتي و نذهب . يأتي مسؤولون شتى و يعملون و يمارسون دورهم فـي هيكلية نظام الجمهورية الإسلامية ثم يغادرون ، بيد أن الهيكلية الفعالة الكفوءة للنظام يجب أن لا تشهد أي تغيير بمجيئنا و ذهابنا سوى أن تتعزز . كاللاعبين فـي الفريق ، يخرج أحدهم و يدخل آخر ، بيد أن الفريق يواصل مهمته و يبذل مساعيه و المصلحة هي التـي تقتضي أن يأتي شخص و يغادر آخر . منوال العمل يجب أن يكون استمرار السياسات العامة التـي رسمها النظام لمستقبل البلاد . طبعاً فترة عمل كل واحد منّا تقتطع فـي الواقع شطراً من عمر هذا النظام . لنفترض أن حكومةً استمرت لدورتين ـ ثمانية أعوام ـ هذا يعنـي فـي الواقع الحالـي أنها شغلت تقريباً ثلث عمر النظام كله و عملت و سعت سعيها . هذه يجب أن تكون معايير تقييمنا لأعمالنا . النقطة الأولي التـي أريد أن أقولها لكم بوصفكم المدراء الكبار لهذه المنظومة هي أن حوافز العمل فـي بداية المشوار و فـي خاتمته يجب أن لا تتفاوت إطلاقاً . المؤلف حينما يكتب كتاباً ، يكتب الصفحة الأخيرة بنفس الهمة و الاندفاع الذي كتب به الصفحة الأولى . فلو أنكم لم تكتبوا الصفحة الأخيرة أو لم تدققوا فيها ، أو لم تكتبوها بخط حسن ، سيبقى الكتاب ناقصاً . أعتقد أن أهم مسألة فـي العام الأخير من مسؤولية هذه الحكومة و خدمتها هي أن يعمل الأصدقاء و الإخوة و المدراء بنفس الاندفاع و السعي الذي كان لهم فـي بداية توليهم الخدمة . لا تدعوا هممكم تنقص لا سمح الله .النقطة الأخرى هي أننا جميعاً مسؤولون حيال ما نجترحه ، غير أن المسؤوليات لا تنتهي بنهاية فترة المسؤولية ، لأن أعمالنا تترك بصماتها و تأثيراتها على أعمال من يأتون بعدنا . كما بدأنا نحن عملنا على ما بناه الذين سبقونا ، سيبدأ الآخرون أيضاً أعمالهم على ما بنيناه.إذن ، يتوجب إرساء الأسس بشكل متين و تشييد البناء بنحو متماسك حتى يستطيعوا أن يبنوا عليه كل ما أرادوا . وسيعود الفخر فـي ذلك إليكم. إذا وضعتم و طبقتم اليوم سياسات جيدة ـ و ستبقى هذه السياسات جارية للمستقبل ـ فسيعود إليكم ثواب و فخر أعمال كل من يسير وفق هذه السياسات . أما إذا قصّرتم لا سمح الله فالأمر كذلك أيضاً ، بمعنى « من سنَّ سُنةً حسنةً كان له أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة و من سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة » . أعمالنا لها آثارها فـي المستقبل . يتحتم أن ننظر بهذه الرؤية إلى كل أعمالنا .التقارير التـي قُدِّمت اليوم كانت جيدة جداً ، ولكن للأسف بدت قصيرة ولم يجد جميع الأعزاء الفرصة لتقديم تقاريرهم ، كما لم يسنح المجال لتقديم تقريرٍ عن كل ما يوجد فـي كل جهاز من الأجهزة . لا يكفي هذا الاجتماع لتقديم التقارير . خصصوا شطراً من الوقت فـي هذا العام لتقديم التقارير للناس . حين قلنا أن هذا العام هو عام تحمل المسؤولية ، فمظهر تحمل المسؤولية هو هذه التقارير التـي ستقدمونها للجماهير . العديد من الأعمال المنجزة فـي قطاعاتكم لا يعلمها الكثيرون . أنا أعلمها طبعاً ، لكنكم لم تذكروها فـي هذه التقارير القصيرة . إنها أعمال جيدة و مهمة أنجزت و لم تجدوا الفرصة لذكرها . إرسموا البرامج ، و أوضحوا و بينوا ما تم إنجازه . سبق أن ذكرتُ هذا الأمر للسيد رئيس الجمهورية . حددوا عمودين : الأعمال و الخدمات التـي أنجزتموها ، و الأعمال التـي لم تنجزوها ، أو لم تنجحوا فـي إنجازها . إعرضوا هذا على الجماهير و اعلموا أنهم يعرفون قدر الخدمة و العمل . علينا أن نعرض بصدق أعمالنا المنجزة و أعمالنا غير المنجزة أو المنجزة بشكل غير صحيح . أكيد أن تلك المساعي و الهمم و الاهتمامات لإنجاز عمود الإيجابيات ستكون عذراً لنا حيال عمود الأعمال غير المنجزة ، لأن اللامنجزات لم تُترك تعمداً ، إنما بقيت غير منجزة بسبب شحة الإمكانيات و قلة المصادر و أحياناً بسبب بطء خطور الفكرة ببال الإنسان و مسائل من هذا القبيل . بيّنوا هذه المسائل للناس ، أنا مصر على هذا المعنى . أعمالكم ليست بمعزل عن أعمال النظام . لا يمكن القول لدينا نظام صالح لكن حكومتنا ليست صالحة . الحكومة منبثقة بالتالـي عن هذا النظام . كل عمل تنهضون به و تؤدونه بشكل جيد فإنه للنظام ، و إذا لم تفعلوا شيئاً أو فعلتموه بصورة سيئة فإنه يعود على النظام أيضاً . نحن مصرون على أن تُبيَّن الأعمال المنجزة و الاهتمامات المبذولة للناس بصدق و صواب و وضوح . حددوا ما الذي استلمتموه و ما الذي سوف تسلمونه . كتقارير الحال التـي يعدها المهندسون عند استلام العمل و تسليمه ، أنتم أيضاً حددوا حالكم و حال عملكم بشكل حقيقي و حاولوا أن تكونوا بمنتهى الدقة و الإتقان فـي ذلك . الحق أننا حين نتعامل مع الناس نستطيع إحراز ثقتهم التامة بصدق اللهجة و عرض الحقائق . يجب عدم التصور بأن الصدق و عدم الصدق سيبقى محجوباً عن الناس ، سوف يعلمونه بالتالـي .النقطة الأخرى هي أنكم يجب أن تقرروا أولويات الفترة المتبقية . حينما يكون مشهد ميدان العمل طويلاً أمام الإنسان ستكون أمامه خيارات متعددة ، ولكن حين يكون المشهد قصيراً سيكون الوقت لمواصلة العمل قصيراً أيضاً و بالتالـي ستكون الخيارات قليلة . ينبغي أخذ الأولويات بنظر الاعتبار . أعتقد أن من الأولويات لهذه السنة من عمر الحكومة هو أن تهتموا لإتمام الأعمال التـي بدأتموها . هذا التقرير الخاص بالأعمال نصف المنتهية ـ الذي ذكره السيد رئيس الجمهورية ـ مهم جداً . لنرى الأعمال نصف المنتهية التـي كانت لنا قبل سنتين أو ثلاث كم كانت و كم هي اليوم ؟ حين ينظر الإنسان و يرى أن هذه الأعمال قد أنجزت يشعر بالنجاح . أرى أن من الأعمال المهمة التـي ينبغي القيام بها فـي غضون هذه المدة هو أن تحاولوا إتمام الأعمال غير التامة . المحطة الثانية فـي سلّم الأولويات هي أن هذا الأمر لا يعنـي نسيانكم الغرسات المنبثقة تواً من التراب ، كلا . مثلاً يجب أن تهتموا لهذه المشاريع البحثية ، و عمليات إنتاج العلوم ، و الأواصر بين الصناعة و العلم ، و هذه المتنزهات أو المراكز البحثية و هي أعمال جديدة و غرسات فتية يافعة و ليست بالأمور المنتهية، يجب أن تهتموا لها كي تستمر حتى تكبر هذه الشجرة . قدموا العون و الدعم لهؤلاء ما استطعتم . هذا من أفضل ما تتركونه عن أنفسكم .النقطة الأخرى هي أن تطهّروا الساحة من الفساد ما استطعتم . لقد شددت كثيراً على قضية الفساد و قد يلوح للبعض أنها مكررة ، و يتساءلون لماذا ؟ لا ، لدي اعتقاد راسخ أننا طالما لم نطهِّر منظومة أجهزتنا التنفيذية ـ سواء أجهزة السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية ـ من الفساد المالـي و الانحراف عن المسالك القانونية السليمة، ستذهب كل أعمالنا هدراً كتلك المياه التـي رفعوا تقريرها . رفعوا تقريراً بإننا لا نستهلك مياه البلاد بصورة صحيحة ، كأساليب الري بالإغراق ، أو كهذا الدعم الذي تقدمه الحكومة و يُهدر جزء كبير منه فيما يذهب جزء منه إلى حيث يُراد له . لقد قلت هذا مراراً ، و ضربتُ الأمثلة و كررتُ أن الفساد فـي الجهاز التنفيذي كما لو كانت لدينا عدة أنابيب بقطر كبير نضخ منها الماء إلى مسبح ، لكن المسبح لا يمتلئ . تبذل كل هذه الجهود ، و يلاحظ الإنسان فـي الوقت ذاته زوايا فارغة يعود جزء كبير منها إلى الفساد المالـي و الاختراقات الأخلاقية فـي شتى مستويات المنظومة . عليكم مكافحة ذلك و مجابهته . ما لم تتوفر عزيمة جادة و راسخة لمواجهة ذلك ـ و مثل هذه العزيمة موجودة الآن و الحمد لله و يمكن للإنسان أن يراها ـ و ما لم يعقب تلك العزيمةَ العملُ و التحرك و المتابعة و عدم التغاضي ، فلن تجتث جذور الفساد و ستبقى تترك تأثيراتها على مجموعة الأنشطة المخلصة التـي تتم فـي مجمل الأجهزة .أشار الأعزاء إلى قضية التقليص ، و الخصخصة ، و الحجم الضخم للحكومة و بدانتها. كل هذا موضع تأييد ، لكنـي أريد أن أذكر النقطة التالية : علينا التفطن فـي دائرة جميع أنشطتنا الاقتصادية و الإنتاجية المتنوعة فـي البلاد و هوامشها إلى أننا ننحو إلى محورية التنمية ، و محورية العدالة فـي الوقت ذاته . إننا لا نتماشى مع بعض السياسات الدارجة فـي العالم اليوم ، وقد يكون لها كثير من الأنصار، فنشدد على تنمية الإنتاج و زيادة الثروة فـي البلاد فقط و ننسى العدالة فـي هذه الغمرة، لا ، ليس هذا منطقنا . إن التجديد فـي نظامنا هو أننا نرنو إلى تحقيق العدالة و التنمية و الازدهار الاقتصادي إلى جانب بعضهما لأنهما ليسا متناقضين . إننا لا نوافق وجهة النظر التـي تخال هذين الأمرين غير منسجمين و يجب اختيار هذا أو ذاك منهما . هذه نقطة تتحتم مراعاتها فـي كل الأحوال ، فـي تقليص حجم الحكومة ، وفـي قضية الخصخصة ، وفـي النظرة العامة للشؤون الاقتصادية ، و فـي توزيع المصادر بين القطاع الخاص و القطاع التعاونـي و القطاع الحكومي .أين ننفق المصادر المالية للبلد أكثر ؟ طبعاً ، من النقاط الصائبة أن يؤكد الأعزاء إننا قدمنا للقطّاع الخاص هذا المقدار من حساب العملة الصعبة أو المصادر الحكومية . هذه فلسفة صحيحة و سياسة صائبة ، ولكن إلى جوار هذا ينبغي أن تلاحظوا إننا نريد بهذه الخطوة تلافـي تأخرنا و يجب عدم التحرك باتجاه الإفراط فـي هذا المضمار . علينا تقوية القطاع التعاونـي ، و الحفاظ على أموال الدولة و ممتلكاتها و أرصدتها لمراعاة مصلحة العموم ، و الحذر من أن تُفتّت أموال الدولة و ممتلكاتها تحت هذا الإطار و القالب .النقطة التالية هي أن نشاطاتنا و أعمالنا قد تتغير بالابتكارات و التصورات الجديدة و الطاقات المتوثبة المتجددة ، غير أن سياساتنا العامة ينبغي أن لا تتعرض للتضعضع و التشويش ، بمعنى أن الخط السياسي المتواصل الذي نقرأه فـي «الأفق» يجب أن يستمر . و بالطبع ، حين تكون لنا أهدافنا سيدخل الساحة عاملون و ناشطون و لاعبون جدد ، فيقدمون ابتكاراتهم و ينهضون بأعمال و مشاريع جديدة ، و يطبقون آراءهم و أفكارهم ، و قد ينسحبون من الساحة و يأتي غيرهم مكانهم فـي هذا القطاع أو ذاك ـ هذا لا إشكال فيه ـ فيقدم ابتكاراته الجديدة بدوره و تكون له رؤيته الجديدة للأمور و القضايا التنفيذية ، ولكن يجب أن نحاول عدم تعريض الاستقرار السياسي للبلد و سياساته العامة للاضطراب و التوتر . استقرار السياسات من الأمور التـي تضمن الثقة و الاطمئنان للأعمال الاقتصادية و الاجتماعية طويلة الأمد فـي البلاد . علينا التنبه و الاهتمام لهذه القضية فـي تصريحاتنا و فـي ممارساتنا ، و فـي عرض أعمالنا للرأي العام .إن سياسة النظام الإسلامي هي الاعتماد على الشعب . الحق أن النظام الديمقراطي بالمعنى الحقيقي للكلمة هو نظام الجمهورية الإسلامية . إننا فـي إطار الإسلام وفـي ظل هديه و رؤيته نتوكأ على الشعب و نتحرك مع الشعب و لأجله . الاعتماد على الشعب ، و على الشباب ، و الدفاع عن حقوق المحرومين ـ حافز الدفاع عن المحرومين فـي بلادنا حافز عام رغم أننا نأمل تضيق دائرة المحرومين يوماً بعد يوم ـ إستثمار الرساميل و إبداعات أصحاب الرساميل ـ أحد جوانب الاعتماد على الجماهير هو استخدام رساميلهم ـ هذه هي على العموم سياسة النظام الإسلامي . إننا نستخدم الأرصدة المالية و الفكرية و الذهنية للناس بغية تقدم البلاد ، و سنجعل عمود النجاحات لهذه الحكومة أطول فأطول إن شاء الله .النقطة الأخرى التـي لابد أن أذكّر بها هاهنا هي أن كل الذين يتحدثون ـ سواء فـي الصحافة أو المنابر الأخرى ـ يجب أن يتحاشوا التشكيك فـي الخدمات و المساعي الصادقة للحكومة بسبب النواقص . إننا لا ننكر النواقص و الإخفاقات فـي الميادين المختلفة ، بيد أن وجود النواقص ينبغي أن لا يكون أبداً ذريعةً لإنكار المساعي الصادقة و الخدمات القيمة و الأعمال المنجزة و التشكيك فيها . لأن هذا من عدم الإنصاف . ارجوا أن لا يصدر عدم الإنصاف هذا عن أي إنسان .أريد أن أرجوكم أن لا تنقضي السنة الأخيرة من خدمة هذه الحكومة الخدومة بالجدالات غير المجدية ، سواء فـي داخل الجهاز التنفيذي ، أو بين السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية ، أو فـي مجمل النظام . التحدث ، و التنبيه ، و التساؤل و الإشراف ـ و هو من مهام مجلس الشورى الإسلامي ـ كلها من الحقوق الأكيدة . ليس لدينا شك فـي هذا ، و نعتقد أن النقد المنصف و الرد المنصف على النقد ممارسات تساعد على تعزيز الأجهزة و النظام . بيد أن هذا يجب أن لا يُخلط بالنقاشات و الحوارات و المجادلات اللفظية .لقد بدأتم هذا العام مشاريع جديدة أعتقد أنها جيدة . مكافحة تهريب البضائع بصورة كفوءة و جذرية ، و وزارة الرفاه و الضمان الاجتماعي ، و منظمة السياحة و التراث الثقافـي ، هذه هي أعمالكم هذا العام ، و الانطلاق فـي أعمال جديدة فـي السنة الأخيرة من عمر الحكومة هو برأيـي مؤشر حسن على أن المسؤولين لا يشعرون أن تاريخ الثورة و البلاد سينتهي بهذه التغييرات و التداول . كما زرع الآخرون و أكلنا ، نزرع ليأكل الآخرون ، نرسي القواعد ليتمم الآخرون البناء و ينتفعوا منه .هذه المشاريع الثلاثة التـي بدأتموها هذا العام أعتقد أن من رسائلها الإيجابية و الحسنة جداً أنَّ الحكومة لا تفكر : بما أنها السنة الأخيرة من عمر الحكومة فهي إذن نهاية نظام الجمهورية الإسلامية ، لا ، الحكومة تؤسس للمشاريع كي يأتي الآخرون و يتابعوها إن شاء الله . و هذه المشاريع التـي بدأت تواً مشاريع جيدة جداً . قضية تهريب البضائع خطر حقيقي يهدد بلادنا و المكافحة الكفوءة للتهريب من الخدمات الكبيرة جداً . الرفاه و الضمان الاجتماعي أيضاً موجّهٌ عموماً للطبقات الفقيرة ، و منظمة السياحة و التراث الثقافـي أثنينا عليهم سابقاً ، و إذا تحدثنا أكثر نخشى أن يكون ذلك كثيراً عليهم ! أتمنى أن يكونوا جميعاً موفقين و مؤيدين إن شاء الله .أرجو من الله تعالى أن يمنَّ عليكم بالتوفيق و يعينكم . أتمنى أن تحظوا بتوفيق خدمة هذا النظام و البلد و دولة الجمهورية الإسلامية المعززة إلى آخر أعماركم إن شاء الله ، و أن تكونوا دوماً فـي خدمة هذا النظام و أن تعملوا من أجله ، و أن لا يطرأ أي تغيير على اندفاعكم و اهتمامكم إن شاء الله حتى اليوم الأخير ، أي ان تشعروا باليوم الأخير من هذه السنة الأخيرة كشعوركم باليوم الأخير من السنة الأولى ، و أن يكون الله تعالى راضياً عنكم و كذلك الشعب .أؤكد عليكم أن ترسموا ذلكم العمودين . لقد تحدثت مرتين أو ثلاث مرات مع السيد خاتمي فـي سنة تحمل المسؤولية هذه ـ قبل فروردين 2 من هذا العام و بعده ـ حول هذا الموضوع . ليس ثمة مشكلة إطلاقاً فـي أن تحدد الحكومة أن هذا الجانب من أدائها العام كان إيجابياً ، و هذا الجانب كان سلبياً . لأن الجانب السلبـي من الأداء ليس معناه أنها عملت بطريقة سيئة ، بل ربما أثّر نقص المصادر و الاعتمادات و عدم توفر الإمكانيات و البُنى التحتية فـي أدائها ، و هذا شىء عملي ممكن تماماً . أقل ما يمكن هو أن يدرج عمود النجاحات إلى جانب عمود الإخفاقات فـي كل قطاع من القطاعات ، و تعرض النتيجة على الجماهير حتى تستطيع الجماهير أن تقيّم تقييماً نهائياً . طبعاً أعتقد أن المؤشر النهائي سيكون إيجابياً . أي أن المحصلة ستكون إيجابية . يجب أن لا يخال الناس أننا نذكر الجوانب الإيجابية فقط و لا نذكر الجوانب السلبية .أشاروا علي أن دمج المهام المتعلقة بالمضحّين فـي مؤسسة المضحّين هو أيضاً من الأعمال الجيدة . نعم ، أؤيد ذلك و قد نسيت التنويه به . هذا أيضاً من الأعمال الجيدة جداً التـي تمت . نتمنى أن يكون هذا المشروع أيضاً من المشاريع الناجحة المتقدِّمة إن شاء الله ، و سيتقدّم إن شاء الله و يكون لصالح المضحّين .وفّقكم الله و أيّدكم  1 افق العشرين سنة .2 فروردين الشهر الاول في السنة الايرانية .
2004/08/24

كلمته أثناء لقائه مدّاحي أهل البيت(ع) بمناسبة ذكرى ميلاد السيدة الزهراء(س)

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً نبارك هذا اليوم العظيم و هذا العيد السعيد ، و نرحب بكم أيها الإخوة الأعزاء ذاكرو أهل البيت (عليهم السلام) و مدّاحوهم ، و قرّاء و منشدو مدائحهم و مناقبهم و مصائبهم . أتمنى أن تكون جهودكم هذه و أنفاسكم الدافئة و مشاعركم الطاهرة مقبولة و محظية عند سيدة الدنيا و الآخرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) .لهذا التوسل قيمة كبيرة . لجوهرة محبة أهل البيت ، و خصوصاً فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) العزيزة لدى كل هذه الدوحة العظيمة ، قيمة كبيرة . الحق أن يوم ولادة هذه العظيمة ـ و هي لؤلؤة صدف النبوة و الولاية ـ عيد كبير للشيعة و محبـي تلك الإنسانة الجليلة و أبنائها المعنويين و الجسمانيين .كان على حق هذا السيد الذي أشار إلى أن أعداء الإسلام و المسلمين جعلوا هذا اليوم الحلو مراً بأحداث العراق و النجف . لعنة الله على هذه القوى المستكبرة الظالمة المنافقة ، و الكاذبة و المخادعة و الطمّاعة التـي لا تكترث أبداً لا لسمعة الناس ، و لا لعقائدهم ، و لا لحقوقهم ، و لا لاستقلال البلدان و لا لعزة الشعوب . إذا ظن أحد أنه يستطيع معالجة شىء بالتملق لهم و الاقتراب منهم و التسليم أمامهم فهو مخطئ . ليس لهؤلاء علاج سوى الثبات و الضرب بسيفٍ قاطع من منطق الحق و العزم الثاقب . علاجهم ليس إلاّ بالإرادة الصلبة ، و المنطق القوي ، و القبضة القوية . إنهم اليوم عاجزون أمام هذه الأمور فـي العالم . الشىء الذي جعل هذه اللقمة الدسمة الناعمة غصّة عليهم فـي العراق و تكاد تخنقهم هو هذا الإيمان و الإرادة لدى مجموعة من الناس المستضعفين المشردين . ليس للعراقيين مال ، و لا سلاح ، و لا دعم دولـي ، إلاّ أنهم بالعزيمة و الإيمان و الصمود لم يسمحوا لأولئك أن يبتلعوا هذه اللقمة الدسمة الناعمة كما توهموا و كما راودتهم أحلامهم الوردية . لقد قلت مراراً و أقول مرة أخرى : الأمريكيون فـي طريق مسدود . إذا تقدموا إلى الأمام خسروا ، و إذا تراجعوا إلى الوراء خسروا . كلما استمروا أكثر زادت خسارتهم أكثر . و إذا تراجعوا و انسحبوا خسروا أيضاً . لقد وقعوا فـي الفخ . الذئب الذي يقع فـي الفخ قد يخيف صراخه و عواؤه البعض ، و قد تجرح مخالبه من يقترب منه ، بيد أنه واقع فـي الفخ . أتمنى أن يكفي الله شر هؤلاء عن العالم الإسلامى، و أن يمن على الشعب المسلم فـي العراق و الشيعة فـي كل أنحاء العالم ، و على كل الشعوب المسلمة و المؤمنة بتوفيقه لاستخدام تلك الإرادة الشريفة التـي طالبنا بها القرآن . حول مقام الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) لا تعيننا ألسنتنا و أقوالنا على البيان . شىء لا يمكن أن يوصف . وصفه أرقى من حدود قوالبنا البيانية العادية . ولكن بلغة الفن يتسنى تقريب الأذهان إلى حد ما . لذلك أؤكد دائماً على المدح و الشعر و الأناشيد الإسلامية . بأجنحة الفن يمكن تقريب الذهن بدرجة معينة ، غير أنه من المتعذر بلوغ حقيقة هؤلاء فـي مقام الوصف . طبعاً ، الذين يطهرون قلوبهم و أعمالهم ، و ينزهون أجسامهم و أرواحهم ، و ينهجون نهج التقوى و الورع و الطهارة و يربون أنفسهم ، و ينأون بها بعض الشىء عن الأدران التـي نعانـي منها أنا و أمثالـي ، ستستطيع أعينهم أن ترى ، إلاّ أنهم لن يتمكنوا أيضاً من الوصف ، لكن قلوبهم الطاهرة و أعين أفئدتهم البصيرة تستطيع ضمن حدود معينة أن ترى الأنوار القدسية لأهل البيت و منهم الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) ، و يمكنهم أن يدركوا مقامهم . لدينا شواهد على ذلك . من هذه الشواهد القول المروي عن الرسول الأكرم : «فداها أبوها» . ومن الشواهد ما روي أن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حين كانت تدخل بيت النبـي ، أو حين كانت تدخل على الرسول حيث يجلس « قام إليها » ، كان الرسول يقوم أمامها و يسير إليها . هذه عظمة . أنْ ينظر العالم الإسلامي كافةً منذ ذلك اليوم و إلى اليوم ـ شيعة و سنة دون استثناء ـ لتلك السيدة الكبيرة بعين العظمة و الجلالة ، فهذا أيضاً من تلك الشواهد و العلامات . من غير الممكن أن يتفق جميع العقلاء ، و العلماء ، و المفكرون من شتى النحل و العقائد المختلفة طوال تاريخ أمة أو شعب من الشعوب على مدح و إجلال شخصية معينة . ما هذا الاّ بسبب عظمةٍ لا توصف تتمتع بها تلك الشخصية ، و هذا بحد ذاته مؤشر و دليل . كل هذه العظمة خاصة بسيدة فـي الثامنة عشرة ، فتاة شابة ! أكبر سن ذكر لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فـي مختلف التواريخ هو ما بين الثامنة عشرة إلى الثانية و العشرين . التكريم الذي كان يخصها به أميرالمؤمنين و التكريم الوارد فـي روايات و أحاديث جميع الأئمة (عليهم السلام) بحق فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ، يشير للإنسان أية عظمة و انبهار يتموّج فـي كلمات الأئمة حول فاطمة الزهراء . كل واحد من الأئمة شطّ صخّاب يروي و ينمّي مناخات المعرفة و المواهب الإنسانية ، و كل هذه الجداول تنبع من تلك العين ، عين فاطمة الزهراء الدفّاقة (سلام الله عليها) . روايات الصادقين (عليهما السلام) و عظمة الإمام الرضا و موسى بن جعفر و الأئمة التالين ، و المقام الشامخ لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) كلها جداول ذلك الكوثر ، ذلك الكوثر الخالد ، ذلك الينبوع المتدفق . هذه هي بركات فاطمة الزهراء .نريد أن نقدم هذه السيدة الجليلة كنموذج يعيش بيننا . إمرأة شابة ، فتاة شابة كانت حياتها حياةً عادية، و ثيابها ثياب الفقراء ، و عملها فـي المنزل رعاية الأطفال و إدارة البيت و أن تكون ربة هذا البيت الصغير و تطحن بالرحي، بينما يشمخ فـي داخلها جبل من المعرفة و بحر من العلم عظيم . ذكر القرآن أربع نساء كن نموذجيات : اثنتان نموذج الصلاح فـي العالم ، و اثنتان نموذج السوء فـي العالم ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ﴾ زوجة نوح و زوجة لوط ﴿ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ . هذان نموذجان نسويان للكافرين على مر التاريخ . حين يروم الله تعالى تعريف الكفار فـي القرآن و الإشارة إلى نموذج لوجود حالة الكفر و إنكار النعمة الإلهية ، يذكر بدل فرعون و نمرود و غيرهما من الناس امرأتين : امرأة نوح و امرأة لوط ، كانت أبواب الرحمة الإلهية مفتّحةً بوجهيهما ، و جميع أسباب العروج و الرفعة مُعَدَّةً لهما ، و زوجاهما نبيان من طراز النبـي نوح و لوط ، كانتا تعيشان فـي بيتيهما ، و الحجة تامة عليهما . بيد أن هاتين المرأتين لم تعرفا قدر هذه الأنعم ﴿... فَخَانَتَاهُمَا... ﴾ ، خانتا زوجيهما . ليست هذه الخيانة خيانة جنسية بالضرورة ، إنها خيانة عقيدية ، خيانة فـي المسلك ، أي أنهما سارتا فـي الطريق المنحرف . الزوجان مع أنهما نبيّان لهما مقام شامخ لكنهما لم ينفعا مع هاتين المرأتين ﴿ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ ليس لله تعالى مجاملة و صداقة و قرابة مع أحد . حين يسبغ محبته و لطفه و رحمته على أحد فإنما يفعل ذلك عن حساب و كتاب ، لا عن مجاملات . ليس لله أقارب أو عشيرة . و هاتان أيضاً مع أن زوجيهما كانا نبيين إلاّ أن هذين النبيين لم يتمكنا من إنقاذ هاتين المرأتين من الغضب الإلهي . فكانتا نموذج الكافرين فـي كل التاريخ .و فـي المقابل يذكر الله تعالى امرأتين نموذجاً للمؤمنين : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾ إحداهما زوجة فرعون و الثانية السيدة مريم ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ ﴾ . المرأة الأولى لم يفتنها قصر فرعون . إمرأة متربية فـي بلاط فرعون ، إنها زوجة فرعون ، ولابد أن أباها و أمها و عائلتها كانوا من نفس هؤلاء الطواغيت ، فكانت تعيش إذن فـي منتهى الراحة و النعمة و الرفاه و العز الظاهري ، بيد أن إيمان موسى فتن قلبها و احتله ، فآمنت بموسى . و حين آمنت و عرفت السبيل تركت جانباً كل تلك الراحة و الرفاه و لم يعد لذلك القصر العظيم أي جاذبية فـي نفسها ، قالت ﴿ ...رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ... ﴾ ، أنا أفضِّل بيتاً فـي الجنة ، إذ ليس للحياة الدنيا قيمة . و السيدة مريم أيضاً ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا... ﴾ ، صانت شرفها و عرضها ، هذه هي القيم الإنسانية .هاته النساء الأربع لسن نماذج و أمثلة للنساء وحسب ، بل لكل النساء و الرجال . تلكم المرأتان مع أن باب الرحمة كانت مفتوحة أمامهما لكنهما لم تسلكا ذلك الصراط و لم تنتفعا منه . تنكرتا للمعنوية من أجل أشياء تافهة و حقيرة ـ لم يذكر القرآن الأسباب ، ولابد أنها أمور من قبيل الأخلاق السيئة أو الخصال الذميمة ـ شىء صغير يجتذب إليه هذه القلوب الضعيفة فينحرف بها عن سبيل الحق ، فتغدو مثال الكفّار و الإنسان غير الشاكر لربه . أما المرأتان الأخريان فكانتا مثال القيم . جاذبية الروح المعنوية و جاذبية كلام الحق كانت شديدة بالنسبة لها إلى درجة جعلتها تضرب عرض الجدار كل البلاط و البهرجة الفرعونية ، و الأخرى أيضاً تحلّت بالطُهر و العفاف و التقوى .فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) جمعت كل هذه الفضائل مع بعض . فثمة فـي القرآن حول مريم ﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ﴾ و هناك فـي الروايات أنها سيدة نساء العالم فـي زمانها ، بينما فاطمة الزهراء سيدة نساء العالم فـي كافة عصور التاريخ . هذه هي النموذج . إخوتـي الأعزاء ، نحن اليوم بحاجة لهذا النموذج . الأجهزة الدعائية فـي العالم تنصب اليوم النماذج باستمرار أمام أعين الأجيال الإنسانية فـي كل العالم من أجل تضليل البشر . و هي طبعاً نماذج فاشلة و قليلة الجاذبية ، إلاّ أنهم لا يقلعون عن ذلك ، يطرحون الممثلات ، و الكاتبات ، و الشخصيات الصاخبة ذات الظاهر الحسن و الفارغة فـي جوهرها . يأتون بأجساد عبثية لا معنى لها و يعرضونها باستمرار حتى يستطيعوا عن هذا الطريق توجيه الناس باتجاه و طريق معين . إنهم ينفقون الأموال لأجل ذلك ، و الأفلام الهوليودية و الأشياء المماثلة التـي ترونها و تسمعونها و تعلمون بها معظمها موجَّهة . مع أنهم يقولون إن الفن يجب أن يستقل عن السياسة و الاتجاهات السياسية ، إلاّ أن سلوكهم معاكس و ليس كما يزعمون . يستعمل المستكبرون عالم الفن ، و السينما ، و الأفلام ، و الشعر ، و الكتابة ، و الأدمغة ، و البراهين ، و الفلسفة فـي سبيل مصالحهم الاستكبارية و مشاريع نهبهم . هذا الشىء يعد اليوم مظهر الرأسمالية فـي العالم ، و أمريكا هي قوته العسكرية ، و قدراته الاقتصادية هي الشركات التـي تقف خلف الحكومة الأمريكية . هؤلاء يوظفون جميع الإمكانيات لنحت النماذج ، و الشعوب ليس فـي يدها شىء و لا تمتلك النموذج و المثال الذي تستطيع عرضه مقابل ما يعرض أولئك . أما نحن فنمتلك الكثير ، لدينا نساء عظيمات لو اردنا الدخول إلى ميدان قضايا المرأة . ثمة نساء عظيمات فـي تاريخ الإسلام ، و قمة كل هذه العظمة و أوجها هي الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) . و السيدة زينب و السيدة سكينة أيضاً قصتهما قصة مذهلة للناس المفكرين الأذكياء و العقلاء و المتدبرين . قيل عن الإمام الحسن و الإمام الحسين : «سيدي شباب أهل الجنة» مع أنهما لم يكونا شابين دائماً ، وقد بلغا سنـي الشيخوخة و الكهولة ، ولكن قيل عنهما «سيدي شباب» ، أي أن شبابهما يجب أن يكون دائماً النموذج الذي يوضع نصب أعين شباب الدنيا . و كذا الحال بالنسبة لفترة شباب الرسول و شباب أمير المؤمنين .كلامي لكم أيها الإخوة الأعزاء المداحون و الذاكرون هو أن واجبكم فـي هذا المجال كبير . أحياناً أذكر بعض التوصيات . لسنا حائرين فـي عظمة فاطمة الزهراء كيف نبيّن هذه العظمة فنتوسل بالشعر ، و النثر ، و الكلام ، كلا ، إنما نحن بحاجة إلى تلك العظمة . هذه الشمس المتلألئة الساطعة تعمُّ بفائدتها جميع الموجودات فـي العالم ، و يسقط شعاعٌ منها فـي بيوتنا ، علينا أن ننظر كيف نستطيع الاستفادة من هذا الشعاع . تلك الشمس أرفع و أعلى بكثير من أنْ نقضي ساعات طوالاً نصف فيها هذه الشمس ـ التـي لا نعلم ما هي تحديداً و لا تنالها أذهاننا ـ كلاماً ، و شعراً ، و قراءةً ، لكننا لا نجلس تحتها لتدفأ أجسامنا و تنمو و تتعزز و تُضمن حياتنا . هذا ليس بالشىء العقلانـي . شأن هذه العظيمة و هؤلاء العظماء أسمى من هذا بكثير .رحم الله الذين جاءوا بتيار التشيع إلى بلادنا و عرّفونا هذه الحقائق . لولا ذلك لكان الأمر صعباً جداً . رحمة الله على سيوف الألسنة و سيوف الأقلام و سيوف الساحات المختلفة التـي استطاعت اجلاء هذه الحقائق لنا ، و جعلتنا نسير فـي هذا الطريق فنرى و نفهم ، و إلاّ فهذه الأدلة الواضحة قائمة إزاء الكثيرين ، لكنهم لا يفهمونها و لا يدركونها ، لأن العصبيات لا تسمح لهم . لقد كنا محظوظين و علينا أن نشكر الله ليل نهار على حسن طالع التعرف على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) و هو نعمة عجيبة .أنظروا إلى جيلكم الشاب اليوم ـ سواء من الفتيات أو الفتيان ـ و مجتمعكم ، مِن أي فراغ معرفـي يعانـي و يتضرر ، و ما هي العناصر الأخلاقية البناءة التـي يعانـي نقصانها ؟ شخّصوا هذه العناصر الأخلاقية فـي وجود فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و فـي فضائل تلك الإنسانة العظيمة و فـي هذه الوجودات المقدسة ، و عبّروا عنها بلغة الشعر أي لغة الفن . تدبروا ما هي دروس أهل البيت التـي نحتاجها فـي حياتنا السياسية و الاجتماعية ، استخرجوها من سير هؤلاء الأجلاّء ، و هذه السيدة الجليلة خصوصاً ، و عبّروا عنها بلغة الشعر . هذه أمور ضرورية و مهمة ، و إلاّ فإن مجرد المدح لا يكفي ، و ألفاظ هذا المدح تبدو غامضةً بعض الأحيان بحيث لا يفهم المستمع بدقة ما هي حصيلة هذه المدح ، و لا حتى المدّاح يفهم فـي بعض الأحيان ! علينا أن نبدي خضوعنا ، و ابداء الخضوع هذا هو كمالنا « مادحُ الشمس مادحٌ لنفسه » غير أنّا يجب أن لا نكتفي بهذا . علينا النظر ما هي الدروس التـي يمكننا استلهامها من هؤلاء العظماء . هذا واجب المبلِّغ،و واجب الفنان ، و واجب مخرج الأفلام ، و واجب مدراء السينما فـي البلاد ، و واجب مدراء التلفزيون فـي البلاد، و واجب خطباء المنبر ، و واجب المداحين . أريد أن أقول عليكم استعادة واجبكم إلى جانب هذه الواجبات الجسيمة التـي على عواتقنا جميعاً . هذه هي وصيتـي لإخوتي الأعزاء التـي أطلبها منهم و أطرحها عليهم باستمرار . إننا اليوم بلدٌ استطاع شعبنا ببركة دماء و ثورة الإمام الحسين و بفضل الروح الحسينية أن يثور و يُركِع نظاماً استبدادياً فاسداً خبيثاً قبيح الأفعال و الخصال ، و تأسيس حكومة شعبية ذات صبغة إسلامية و روح إسلامية و أعمال إسلامية نسبياً . روحنا روح إسلامية ، لكننا لا نستطيع القول إن أعمالنا إسلامية تماماً ، إنها إسلامية نسبياً و ستغدو أكثر إسلاميةً يوماً بعد يوم إن شاء الله . إنَّ هذا النظام الإسلامي هو بحد ذاته شتمية لكل القوى فـي العالم . وجود نظام الجمهورية الإسلامية بحد ذاته شتمية لأمريكا . حتى لو لم تلهجوا بكلمة «الموت لأمريكا» فإن مجرد وجود هذا يعد ضرباً من السخرية من كافة القوى المعارضة للمعنوية و الفضيلة و استقلال الشعوب و شرفها . من واجب الجميع اليوم أن يخلّصوا هذا النظام من نواقصه و نقاط ضعفه ، و يعززوا عناصر القدرة و القوة المعنوية و المادية فيه ، و يزيدوا منها . إذا كنا بحاجة للوحدة ، إذا كنا بحاجة للعلم ، إذا كنا بحاجة للتعاون ، إذا كنا بحاجة للسعي الاقتصادي أو السياسي ، إذا كنا بحاجة لروح الاستشهاد و البطولة ، و إذا كنا بحاجة للكثير من الأشياء ، فعلى كل واحد منا أن يوجد هذه الأشياء فـي المجتمع بمقدار استطاعته .جبهة الإعلام جبهة واسعة يعمل فيها الفن و التعليم و العلم و الدين و الجامعة و الحوزة و وزارة الإرشاد و الإذاعة و التلفزيون ، و قد عُهد بجانب من هذه الجبهة الواسعة لفئة المداحين ـ الإخوة الذين كانوا فـي الجبهة خلال فترة الحرب و الدفاع المقدس يتصورون كلامي فـي أذهانهم جيداً ـ و هذا نظير أن يتولى مقر من المقرات مسؤولية هذا القطاع الهائل ، ويعهدون إلينا بجزء منه . علينا هنا النهوض بواجباتنا على أحسن وجه ، حتى إذا أستطاع الآخرون أيضاً النهوض بواجباتهم فـي أجزائهم الخاصة بشكل جيد ، كانت النتيجة الإجمالية هي النصر . على الإخوة المداحين التفطن إلى هذا الموضوع . و إلاّ إذا أبدينا بعض الهمة و الذوق فـي قراءة النوحات ، و قراءة التعازي و المراثي ، سنستطيع إدراج كل تلك المفاهيم السامية ، و طبعاً يمكن جعل كل هذه الأعمال عبثية فارغة و جوفاء ليس فيها إلاّ القشور . يمكن لهذه الحالة أن تتوفر فـي التعزية ، و النواح ، و اللطم ، و فـي المدح و ذكر المصيبة ، بحيث تتحرق القلوب فقط و تنهمر قطرات الدموع ، من دون أن تحصل أية فائدة . و كذا الحال فـي أيام الاحتفال . الوظيفة و المسؤولية الكبرى لفئة المداحين هي أن تكون أفكارها غنية و ذات مغزى ، و أن تدير هذه الأمور بشكل صائب ، سواء فـي المصيبة أو فـي المدائح ، فـي العزاء و فـي الاحتفال يجب أن تطرح الأفكار بأشكال مختلفة و قوالب شتى .أرجوا أن يوفقنا الله تعالى جميعاً لأن نعرف واجباتنا جيداً و نعمل بها . مبروك عليكم جميعاً هذا العيد السعيد إن شاء الله .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .  
2004/08/06

كلمته خلال لقائه مسؤولي السلطة القضائية و عوائل شهداء حادثة السابع من تير

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء و المسؤولين و العاملين فـي السلطة القضائية الحساسة المهمة ، و كذلك بالعوائل المكرمة المعظّمة لشهداء حادثة السابع من تير المؤلمة التـي أدت إلى استشهاد شخصيات بارزة من الطراز الأول فـي البلاد .نقطة أذكرها عن حادثة السابع من تير و شهدائها الأجلاء لا سيما شخصية المرحوم آية الله بهشتـي (رضوان الله تعالى عليه) المميزة البارزة . لقد كانت هذه الحادثة من ناحية وثيقة مظلومية شعب إيران و الجمهورية الإسلامية بحق ، و من ناحية أخرى كانت دليلاً على قوة النظام و اقتداره.لا تزال الجمهورية الإسلامية إلى اليوم وثيقة مظلومية . فالذين يرفعون اليوم راية مكافحة الإرهاب لكنهم يرومون فتح العالم و البلدان و تأمين مصالحهم المادية و السياسية ، يتعاملون مع الإرهابين الجرارين الذين اقترفوا حادثة السابع من تير كالأصدقاء و الإخوة و الأقارب ، يدعمونهم ، و يتعاونون معهم ، و يتآمرون معهم ، و يبدون التعاطف مع بعضهم ، و الحال أنهم اعترفوا بل تفاخروا بمسؤوليتهم عن مثل هذا العمل الإرهابـي المفجع فـي بلادنا . هذه هي مظلومية الشعب الإيرانـي .حادثة السابع من تير هي أيضاً مؤشر قوة و اقتدار . فالذي يعرف الشهيد بهشتـي و يعلم متانة أفكار هذه الشخصية الممتازة و إرادتها و إبداعها فـي اتخاذ القرارات و العمل ، سيفهم جيداً معنى ابتسار مثل هذه الشخصية من المنظومة الإدارية للبلاد . لقد كان الشهيد بهشتـي بحق كحجر الرحى الصلب الذي ينجز بدورانه عشرات الأعمال . كان يبث الطاقة بين العاملين و يدفع المشاريع و الأعمال إلى الأمام و ينجزها ، و يتقدم إلى الأمام و ينتج الأفكار . مثل هذه الشخصية التـي كانت فـي تلك المرتبة من حيث الإدارة ، و التنفيذ ، و العمل ، و الفكر ، و المبانـي الفقهية و الفلسفية ، و من حيث التجربة و المعرفة بالعالم ، و الثقافة ، وسعة النظر ، حينما يخرجونها من قلب الكيان الإداري لنظام فتـي ، ويقضون عليها ، كان المتوقع أن يُشل هذا النظام . غير أن النظام لم يُشل و لم يُقعد بغياب بهشتـي و شخصيات مميزة أخرى استشهدت معه أو قبله أو بعده ، و ليس هذا و حسب بل لقد ضُخَّت كلُّ واحدة من هذه الشهادات كالدم الجديد فـي شرايين الجسد الحي الطري لهذا النظام الفتـي ، و جعلته أكثر حيوية و نشاطاً و تحفزاً . هذه هي متانة النظام و التـي لا تزال كذلك إلى الآن .لذلك لا يعزّي شعبنا بعضهم البعض عند استشهاد الشهداء كما يفعلون مع سائر المتوفين ، إنما يباركون لبعضهم . حينما استشهد بهشتـي قال الناس : «نبارك و نعزى» ، حزن إلى جانب الفتح ، و هذا ما يفصح عن هوية هذا النظام و الثورة .اليوم أيضاً لا تزال حادثة السابع من تير حيّة . إذ أن منفذي تلك الحادثة و هم من أكثر المجرمين لئامة و لئامتهم ترجع إلى أنهم ظهروا بمظهر الأصدقاء و فعلوا فعلة أخبث الأعداء ، لا يزالون أحياءً ، و بهشتـي أيضاً ، مؤسس و معمار الجهاز القضائي الحديث فـي البلاد لا يزال حياً .لو كان المفترض أن يبدأ الشهيد بهشتـي مهمته من اللبنة الأولى فـي بلد ليس له أي نظام قضائي ، لكانت مهمته أسهل . تحويل واقعٍ و بناء يمتزج فيه الحسن و السيئ و الصحيح و الخطأ ، و يسير فـي اتجاه خاطئ إلى منظومة يراد لاتجاهها أن يكون سليماً و أن تحقق العدالة الإسلامية ، عملية صعبة جداً جداً . و أنتم لا تزالون مشغولين بهذه العملية الصعبة تواصلونها ، و يجب أن تواصلوها .أما بخصوص السلطة القضائية ، فكما قال حضرة السيد شاهرودي ، فـي نهاية فترة الخمس سنوات و مستهل الفترة الجديدة لمسؤوليته ، من المناسب أن ينظر مسؤولو السلطة القضائية إن شاء الله نظرةً إصلاحية للسلطة القضائية ، و أن يُستثمر كلُّ يوم من السنوات الخمس المقبلة إن شاء الله ليتم إنجاز أكبر قدر من المساعي و الأعمال الممكنة طوال هذه السنوات الخمس و هي ليست بالمدة القصيرة . ما تم إنجازه قيمٌّ كلٌّ فـي محله ، كل خطوة و كل درجة قُطعت فـي هذا السلّم الطويل ، تمثل بلاشك عملاً ضرورياً و مقدمة واجبة تم إنجازها ، بيد أن إنجاز المقدمة الواجبة لا يُرضي الإنسان المتطلع إلى الأهداف السامية . لو كنّا قد قطعنا من هذه المائة درجة ، لا خمسين درجة بل تسعين درجة و حتى خمساً و تسعين درجة لما كنّا قد وصلنا إلى السطح بعد ، رغم أننا اقتربنا إلى الهدف .أنظروا ما هو المطلوب من السلطة القضائية ، وقد وردت هذه التوقعات فـي دستورنا . لو نظرتم إلى ذهنية عامة الناس و إلى الذهنية الإسلامية لشاهدتم أن التوقع من السلطة القضائية هو جعل العدالة ملموسة فـي حياة الناس ، أنْ يشعر الناس بالعدالة و تتفشى هذه الظاهرة ـ كما ذكرت لكم فـي وقتٍ ما ـ بحيث يكون لكل من تعرض لظلم صغير أو كبير بصيص أمل فـي قلبه أنـي سأتوجه الآن إلى السلطة القضائية و أنال حقي . هذا ما يجب أن يعمَّ و ينتشر . لم نصل إلى هذا المستوى بعد . طبعاً كل الطريق الذي تقدمنا فيه و كل خطوة قطعتموها نحو الأمام رافقها الأجر الإلهي ، و الحسنات ، و ثناء المطلعين عليها ، و كانت قيمة جداً جداً فـي الميزان الإلهي حتى لو لم يعلم بها أحد . ما من شك فـي هذا . وهي دليل على القيم التـي تحملونها . كل هذه الخطوات خطوات قيمة قد تمت . ولكن طالما لم نصل إلى هذه النقطة ـ و هي نقطة الطموح و الهدف ـ ستعد كل هذه الخطوات مقدمة ، و هذه المقدمات يجب أن لا تُرضي أحداً . هذا هو كلامي و وصيتـي الرئيسة لكافة مسؤولـي السلطة القضائية .نقطة القوة فـي الواقع الحالـي هي أن وضع السلطة القضائية و إدارتها الممتازة ، تبعث الأمل و التفاؤل فـي النفوس . تارةً ينظر الإنسان إلى منظومة معينة فيشعر بالخيبة ، لكنه ينظر تارةً أخرى إلى الإمكانات و الشخصيات و الفرص المتوفرة فتتوهّج أنوار الأمل فـي فؤاده . هكذا هي السلطة القضائية . يشاهد الانسان ـ والحمد لله ـ مديراً بارزاً ، فاضلاً ، عالماً ، مجتهداً ، و مثقفاً على رأس هذه السلطة ، و شخصيات قضائية و علمية ممتازة فـي مجمل كيانها ، من الصدر إلى الذيل . هذه هي إمكانيات السلطة القضائية . حتى لو لم يكن لهذه الشجرة ثمار ، ولكن حيث أنها سليمة و مليئة بالمواهب ، و قوية ، و ذات جذور سليمة ، و فارعة الجذع و الأغصان ، يمكن للإنسان أن يتفاءل بأن تؤتي أكلها و ثمارها بلاشك . الضروري هو المتابعة و الجد و المثابرة .المحور فـي السلطة القضائية هو القاضى. باقي التشكيلات و التنظيمات كلها ممهِّدات للقاضي . كلها فـي حكم قوي الإسناد للخط الأمامي الذي يمثله القاضي . ما يحدث على صعيد القضاء و فـي قاعة المحكمة هو ذلك الشىء الذي يدل على أن : «الثمرة تنبئ عن الشجرة» أي أنه مؤشر على طبيعة الوضع خلف هذا الخط الأمامي و هذه الجبهة المتقدمة . إعملوا على أن يكون حيز المحكمة حيز عدالة . طبعاً ما من شك أن البعض سيبقون غير راضين ، لكن ليس هذا هو المناط ، فحتى أولئك الذين سيبقون غير راضين يجب أن يتذكروا قول الإمام : « فإن فـي العدل سعة و من ضاق عليه العدل فالجور علية أضيق » ، العدل سعة للجميع ، حتى لمن يصدر الحكم ضده . إذا صدر الحكم ضد شخص وفق المعايير و فـي ضوء العدالة ، وشقَّ عليه هذا الحكم ، ليعلم إنه لو كان الظلم هو المعيار لكان الأمر عليه أشق . إذ من الممكن أن يربح فـي محكمة الظلم ، إلاّ أن أخطار اللاعدالة ستطاله فـي مائة طور قادم من أطوار الحياة . ينبغي تطبيق العدالة دون الخضوع لأية تأثيرات كالثروة ، و السلطة ، و البيروقراطية . إذا كانت البيروقراطية و التشكيلات الإدارية عندنا مما يخل بالعدالة فهذا مضر . ينبغي تنظيم البيروقراطية بشكل يساعد العدالة ، ذلك أن العدالة هي الملاك و الأصل : تطبيق العدالة و إحقاق الحق و إبطال الباطل .النظام الإسلامي لا يقف بوجه الجماهير . المواجهة بين السلطة و الجماهير تنتمي لأدبيات الأنظمة الاستبدادية و الدكتاتورية . ثمة إلى جانب الأنظمة الاستبدادية و الدكتاتورية أنظمة حتى لو كانت ديمقراطية و شعبية فـي ظاهرها ، إلاّ أن باطنها قائم على الثروة و المال و مصالح طبقات خاصة . هذه الأنظمة أيضاً تقف بوجه الجماهير ، سواء اعترفت بذلك أم لم تعترف . أما فـي النظام الإسلامي فالحكومة موظفة لدى الجماهير ، و هي بيد الجماهير . إنها نائبة الشعب و خادمته و موظفته . أصحاب الحق هم الجماهير . فـي مثل هذه المنظومة تعد السلطة القضائية ذراعاً قوياً ، أينما حصل انحرافٌ عن هذه الحالة أو مخالفةٌ ، يجب أن يمسك هذا الذراع بتلابيب المخالف و لا يتركها . هذه هي الوظيفة الكبرى للسلطة القضائية . و ينبغي عدم الفزع من إثارة الأجواء و التهجم و الاتهامات و التشنيع ، و عدم التأثر بتكشير الأنياب ، و استعراض العضلات ، و اللهاث وراء السلطة ، و المال ، و الأثرياء ، و ما إلى ذلك . ينبغي التشديد على هذه الأمور . يجب على السلطة القضائية أن تفكر بالقاضي . من أجهزة الإمداد و التمهيد جهاز تشخيص النخب و إعدادهم . أي صناعة الكوادر فـي الجهاز القضائي و تأسيس التشكيلات العلمية و التعليمية فـي السلطة القضائية ، و التـي ينبغي أن تعمل بمنتهى الجد و المثابرة . القسم الآخر هو أجهزة الإشراف و التقييم . و القسم الثالث الأجهزة الإدارية . و القسم الرابع الأجهزة التـي تنظر فـي الأحكام لئلا تكون غير صائبة ، سواء قبل صدور الحكم أو بعده . و القسم الخامس يتعلق بالمحكومين ممن تطبق العدالة بحقهم ، و كل هذه الأقسام موجودة طبعاً داخل الجهاز القضائي . ينبغي النظر للعدالة من هذه الزاوية .بخصوص المدانين يجب القول إننا ينبغي أن لا نتصور العدالة بشأن من حكم عليه بالسجن هي أن نسجنه و نطلق سراحه فـي الموعد المقرر . هذا جزء من العدالة فقط . الجزء الآخر هو أن لا يكون السجن مكاناً يفسده أو يزيد من فساده أو يحطِّم شخصيته أو يجر البؤس على عائلته . إن هذا النزوع الموجود اليوم فـي السلطة القضائية لإلغاء السجون نقطة جد إيجابية و حسنة . طبعاً ما من شك فـي أن الأمر يجب أن يتم بنظام و ترتيب و انضباط و أفكار صحيحة و برمجة دقيقة . بيد أن الاتجاه الصحيح هو هذا الاتجاه ، و علينا عدم اصطناع أماكن تتسبب هي ذاتها فـي تحطيم الأصالة و الشرف و القيم . التحدث عن هذه الأمور سهل بالطبع لكن العمل بها صعب جداً . و كما قيل : « الحق أوسع الأشياء فـي التواصف و أضيقها فـي التناصف » . الحق شىء جيد جداً فـي الوصف اللسانـي ، شىء جد واسع و رحب يمكن التحدث عنه طويلاً ، ولكن حين يأتي الدور للعمل به ستكون المهمة صعبة . و ليست هذه الصعوبة بمعنى الاستحالة ، إنما تستدعي السعي و الهمة و المتابعة و استخدام العلم و العقل و التدبير و التعاون .أتمنى على الله تعالى أن يثيبكم و يعينكم جميعاً . العمل الذي تقومون به من أهم و أثمن الأعمال و كل من يخدم فـي هذا السبيل عليه أن يشكر الله تعالى أنْ وفّقه هذا التوفيق العظيم . شملتكم جميعاً ، إن شاء الله ، الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) ، و شملت الرحمة و البركات و الفيض الإلهي شهداءنا الأعزاء و شهداء السلطة القضائية و شهداء السابع من تير .و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
2004/06/26

كلمته في لقائه لفيفا ً من الممرضين و الممرضات

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بكنَّ أيتها الممرضات العزيزات و أنتن بحق ملائكة الرحمة لكل المرضى و ذويهم فـي المجتمع ، و أبارك يوم الممرضة الموافق ليوم ولادة سيدة التاريخ الإسلامي المضحية زينب الكبرى . لقد تولّت تلك العظيمة مثلكن أصعب الأعمال فـي ساحة عاشوراء ، ألا و هي رعاية الأطفال و البائسين و النساء و المشردين .فـي هذا الاجتماع الذي وفقتُ فيه و الحمد لله أن ألتقيكن أيتها العزيزات ، سوف يتركز حديثي فقط حول مهنة التمريض و واجبات الجميع قبال الذين يزاولون هذه المهنة الصعبة جداً ، سواء من الجماهير أو المسؤولين .أقول شيئاً واضحاً بالنسبة لكن أنتن الممرضات ، و الكثير من الناس يعلمون ذلك ، بيد أن الفهم العام لمجتمعنا و ثقافة الناس العامة يجب ان تعي هذه الفكرة بشكل صحيح و هي أن أهمية التمريض تحتل المستوى الأول فـي الحفاظ على سلامة المجتمع . أي حتى لو قام أفضل الأطباء و الجراحين بواجباتهم مع المريض على أحسن وجه ، لكنه لم يُمرَّض و يُراعَ فإن عمل ذلك الطبيب أو الجراح الحاذق سيبقى بلا فائدة . دور التمريض و رعاية المرضى يحتل الدرجة الأولى فـي حفظ سلامة المريض و عودة العافية إليه . إنه دور يعادل دور الطبيب الماهر . الكثير لا يتفطنون إلى هذه النقطة ، لذلك تغيب عن أذهانهم تلك المكانة و القيمة التـي يجب أن تخصص للممرضة ، و لا يراعونها .نقطة أخرى تعرفنها أيضاً أفضل من سواكن ، لكن الناس و المسؤولين عندنا يجب أن يعرفوها و يتنبهوا إليها أيضاً و هي أن التمريض من أصعب الأعمال من حيث الضغط الروحي و الجسمي على الممرضة . الجلوس بجانب المريض ، و المعاشرة الدائمة للمريض ، و الاستماع لشكاته ، و التعامل معه بعطف ، و الابتسام له ، و تحريره من معاناته الكبيرة خلال فترة المرض عبر التصرفات و السلوك و الاستقبال ، أمر يستدعي صبراً فولاذياً . هذا هو الواقع الذي تواجهه الممرضة . المريض الذي يتألم ، المريض الذي يضعف لديه الأمل بالحياة ، المريض المنقطع عن كل الناس و كل مكان ، خصوصاً الأطفال المرضي ، أو المصابون بأمراض عضال ، أو الخاضعون للعناية الفائقة ، لاحظوا كم يسبب تمريضُ هؤلاء الأشخاص من الضغوط على الروح و الجسم و الأعصاب . أي رصيد هائل من الحلم و الصبر و التجاوز و المداراة و الأخلاق الطيبة يلزم الممرضة حتى تستطيع مواصلة المشوار مع هذا المريض . بيد أن طبع المريض مع الممرضة ، و على الضد من طبع الممرضة ، لا يتسم بالعطف ، بل بالحدة أحياناً . إضافة إلى المريض فإن ذوي المريض أيضاً و الذين يحيطون به ، إذا تأخرت الخدمة قليلاً ، تكتسي توقعاتهم من الممرضة لون الاعتراض ، و يحقدون أحياناً و قد يتصرفون بطريقة عدوانية . الصبر على هؤلاء صعب جداً . صعوبة عمل الممرضة ليست صعوبة جسمية ، ليس عملها ضرباً بالمعاول أو فـي أجواء صعبة كأجواء المناجم مثلاً ، إلاّ أنه أصعب من تلك الأعمال من حيث الضغط النفسي و العصبـي . كل الذين يصنِّفون تراتبية صعوبة المهن ، عليهم أخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار . أضف إلى ذلك أن الممرضة تبتعد عن بيتها ، و زوجها ، و أبنائها ، ليلاً و نهاراً ، و فـي منتصف الليل ، و فـي أيام العيد ، و أيام الجمعة ، و أيام العطل حيث يذهب الناس للترفيه و قضاء أيام العطلة . لا تستطيع الممرضة ترك المريض و المستشفى . ينبغي التنبه إلى هذه الأمور. صعوبة العمل ،و عدم انتظام أوقاته ، و الحضور المستمر ، و الانفصال عن مناخ الحياة ، يضاعف صعوبات هذه المهنة . أعتقد أن على كل جماهيرنا و جميع المهتمين لمصير المرضى و سلامة البلاد أن يهتموا لشريحة الممرضات و يعطفوا عليها، سواء المسؤولون أو كل واحد من أفراد المجتمع . ثقافة المجتمع يجب أن تكون معرفة أهمية عمل الممرضة و صعوباته . هذه هي المسألة التـي كنتُ أود أن يراعيها كل أفراد المجتمع و المسؤولون أيضاً ضمن حدود إمكانيات الحكومة ـ سواء بالنسبة لتوظيف ممرضات جديدات ، أو فيما يتصل بمتابعة شؤونهن المعاشية ، أو جميع الأمور المتوقعة ـ و أن ينظروا للموضوع من هذه الزاوية . أما الذي أريد أن أقوله لكنَّ أيتها الممرضات فهو أن العمل كما ذكرتُ و كما شعرتن و لمستن قبل ذلك بكثير ، عمل صعب دون شك . بيد أن كفّتـي الصعوبة و الأجر متساويتان دوماً فـي الميزان الإلهي . مستحيل أن يكون ثمة عمل أصعب لكن أجره يساوي أو يقل عن أجر عملٍ أقل منه صعوبةً . كل شىء محسوب و دقيق فـي الميزان الإلهي . قرأتم فـي القرآن « مثقال ذرة » ، أي حتى فـي وزن ذرة واحدة . الذرة بمعنى هذه الذرات و الأغبرة التـي لا ترونها بالعين إلاّ إذا سطع نور إلى داخل الغرفة من النافذة ، عندئذ تستطيعون رؤية هذه الذرات العائمة فـي الفضاء . الذرة هي الواحدة من حبات هذه الأغبرة . كم هو وزنها ؟ الميزان الإلهي يحسب حتى وزن هذه الذرة . و عليه إذا قمتم بعمل صالح حسن فسوف يسجله ميزان الحساب الإلهي ، و حين تقومون به بنية خالصة و فـي سبيل الله و بحافز معنوي و إلهي ، ستتحول هذه الذرة عند الله تعالى إلى جبل من الثواب تدريجياً . أنظروا إلى عملكم بهذا المنظار . الممرضة كما أشرت ملاك الرحمة للمريض . حين ينقطع المريض عن كل مكان و فـي الساعات التـي لا يكون إلى جواره حتى زوجته و أبناؤه و أبوه و أمه ، فإن أمله سينعقد بعد الله على الممرضة ، و الممرضة هي التـي تداوي كملائكة السماء و الرحمة أوجاعه و مشكلاته و حاجاته الجسمية و العاطفية . هذه أمور مهمة جداً ، و لن تُنسى فـي حضرة الله تعالى . طبعاً قد لا ترى أي عين جهودكنّ هذه . الكثير من المشقّات التـي تعانينها و الأتعاب التـي تتحملنها لا يراها أحد . أحياناً ابتسامة واحدة منكن لمريض كئيب تبث فيه روحاً جديداً . من الذي يرى هذه الابتسامة ؟ من الذي يحسب لها حسابها ؟ من الذي يخصص أجراً و مكافأةً مالية لهذه البسمة ؟ لا أحد . لكن الكرام الكاتبين يرونها ، و المسؤولين عن حسابات الميزان الإلهي يرون ابتسامتكن هذه . و إذا عبستن بدل الابتسامة فسوف يرون أيضاً عبوسكن . ما من حسنة ولا سيئة تخفي عن الأنظار الثاقبة لمحاسبـي الديوان و الميزان الإلهي . إعرفن قدر هذه المهنة و هذه الخدمة القيمة . إذا لم يعرف الآخرون قدرها أحياناً ، اعرفن أنتن قدر هذا العمل . إنه عمل على جانب كبير جداً من الأهمية . فـي الرواية أن من يقف على سرير المريض كالذي يغرق فـي الرحمة الإلهية . قد يستغرب البعض و يتساءل و ما هي ميزة الوقوف على سرير المريض ؟ أنتن العارفات بحاجة المريض و تأثير عملكن تفهمن لماذا قُرِّر مثل هذا الثواب العظيم للممرض ، لأن تأثيره تأثير لا يمكن حسبانه ، فهو فوق مرتبة الحسابات العادية . رفع معنويات المريض قد يكون أحياناً أكثر فاعلية و تأثيراً بدرجة كبيرة من إعطائه الدواء . أنتن من يرفع هذه المعنويات . نقرأ فـي الأدعية : « اللهم إنـي أسألك موجبات رحمتك » . الرحمة الإلهية لا تمنح لأحد دون حساب و بلا مبرر . ينبغي التضرّع لله حتى يمنحنا موجبات رحمته ، فنؤدي الأعمال التـي توجب الرحمة ، فيبعث الله رحمته كنتيجة لذلك . هذه المهنة من أرقى موجبات الرحمة ، و هي مغتنمة و قيمة جداً. هذه هي النقطة التـي كُنتُ أود أن تلتفتن إليها و تعلمن أي مهنة قيمة تمارسنها.أما النقطة التـي أريد ذكرها للمسؤولين ـ و قد ذكرها لـي الآن الدكتور السيد پزشكيان و هي صحيحة ـ فهي أن المسؤولين المعنيين بالقضايا الإدارية فـي البلاد يجب أن يفتحوا باباً مستقلاً و جديداً لهذه المهنة . قضية التوظيف ، قضية إعادة التأهيل ، تخصيص فترات استراحة للممرضات ، هذه موضوعات تترك تأثيرها فـي طبيعة عمل التمريض . إذا كان دور الممرضة مهم إلى هذه الدرجة ـ و هو كذلك ـ إذن الممرضة المتعبة ، الممرضة التـي تتراكم المهمات على عاتقها ، الممرضة التـي تعمل بقرف و ضجر و تعب و لا تكون راضية عن عملها ، لن تعود قادرة على النهوض بهذا الدور . يجب أن تكون الممرضة نشيطة ، متوثبة ، مستعدة ، و متشوِّقة للخدمة ، و عارفة بالمعلومات التـي تساعدها على الخدمة ، و إمكانات هذه الأمور و مقدماتها مما يتعين على المسؤولين توفيره . طبعاً لا مراء أن ثمة نواقص تقيد المسؤولين بحيث لا يمكن لكنَّ ولا لـي أنا و لا لأي شخص آخر أن يتوقع من الحكومة إنجاز شىء خارج حدود إمكاناتها و قيودها . مسألة الحكومة مسألة تحمل المسؤولية تجاه كل البلاد و كل طبقات المجتمع ، ولكن ضمن إطار هذه الإمكانات يجب علي المسؤولين بذل كل الجهود و النهوض بكل أعمالهم ليستطيعوا إخراج هذه الوظيفة الكبرى و هذه الخدمة القيمة بشكلها الحقيقي .ينبغي أن نستمد من الله تعالى العون و التوفيق للخدمة . إذا منَّ الله تعالى علينا فـي كافة المراتب بتوفيق الخدمة لكان ذلك أكبر سعادة و أكبر فرحة بالنسبة لنا . لنطلب من الله أن يستطيع كل واحد منا فـي أي مكان كان أن نعمل بواجباتنا إن شاء الله ، و أدعوا أن تكون جهودكن و خدمات شريحة الممرضات العزيزات مما تشمله الألطاف و الرحمة الإلهية و العناية الخاصة لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) .والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
2004/06/22

كلمته خلال لقائه الهيئة العلمية و الخبراء في «الجهاد الجامعي»

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أنا مسرور جداً للقائنا هنا اليوم بجماعة من الواعين و النخبة الشابة و الباحثين الذين يبشّرون بمستقبل زاهر لمناخ البلاد العلمي . ثقوا أنه لو كان ثمة وقت و فسحة و تحدثتم فرداً فرداً حول قضايا الجهاد ، و العلم ، و البحث ، و الأعمال التـي تشتغلون بها ، لاستمعت بكل رغبة و استمتعت بذلك . أشكر الله تعإلى من الأعماق على نعمة وجودكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء ، و حيث أنه ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ أتمنى ببركة الشكر و الحمد القلبـي الذي لدي أمام الله على وجودكم ، أن يسبغ الله على وجودكم البركة ، و يزيد من كمكم و كيفكم يوماً بعد يوم . أود أن أقول شيئاً عن الجهاد الجامعي ، و شيئاً عن قضية العلم و البحث العلمي فـي البلاد ، و شيئاً عن قضية راهنة هي الضجة العالمية التـي أطلقت على الوضع النووي لإيران .بخصوص الجهاد الجامعي أعتقد أن هذه التركيبة ـ الجهاد و الجامعة ، و الجمع بين الجهاد و هو حالة قيمية معنوية و العلم و المعرفة و الجامعة ـ لها رسالتها الخاصة ، فهي تدل على إمكانية وجود علم جهادي و جهاد علمي . و هذا هو المجال الذي تعملون فيه . علمكم علم جهادي ، فهو مصحوب بالجهاد و الاجتهاد ، ليس استجداءً أو انتظاراً متكاسلاً لأن يأتي العلم هديةً من هنا أو هناك . أنتم تتحركون و تسيرون طلباً للعلم لتكتسبوه . هذا هو العلم الجهادي المنبعث عن الجهاد و الاجتهاد و السعي . أنتم تعملون عملاً جهادياً من ناحية . الجهاد معناه الكفاح من أجل هدف سامٍ مقدس. ولهذا الجهاد سوحه . من سوحه التواجد فـي المعارك المسلحة المعروفة فـي العالم . وهنالك الساحة السياسية . و هناك الساحة العلمية ، و هناك الساحة الأخلاقية . الملاك فـي صدق الجهاد هو أن يكون لهذا التحرك اتجاهه و أن تبذل الهمم لرفع العقبات التـي تواجهه . هذا هو الكفاح . الجهاد هو هذا الكفاح الذي إنْ كان له اتجاه و هدف إلهي ، عندها سيكتسب الطابع القدسي . أنتم تمارسون كفاحاً علمياً ، ذلك أن عملكم هذا له بكل وضوح أعداء جد ألداء لا يريدون لهذه الحركة العلمية و البحثية أن تتم . لذا أعتقد أن الجهاد الجامعي ليس مجرد مؤسسة ، إنما هو ثقافة ، إنه اتجاه و حركة . كلما استطعنا إنشاء هذه الثقافة فـي المجتمع أكثر و تكريسها و تعزيزها أكثر ، نكون قد تقدمنا نحو الشموخ و العزة و الاستقلال الحقيقي .لحسن الحظ لبّى الجهاد الأمور التـي كانت متوقعةً منه . ذات يوم ربما ساد التصور أن الجهاد مشروع يشبه البيوت الزجاجية اصطنعناه لتوفير النموذج . و اليوم تحوِّل هذه البيوتُ الزجاجية مناخَ المجتمع إلى بساتين و حقول . فهو لم يكتف بتوفير النماذج ، بل راح يفيض ببركاته . هذه الإحصاءات التـي قدموها لها معانٍ كثيرة و قد بعثوها إلـى مسبقاً و راجعتها. حينما تنشطون فـي صفوف العلم المتقدمة فـي بعض القطاعات ، و توظفون هذه القطاعات للتقدم العلمي و الصناعي و التقنـي فـي البلاد و تطورون البحث العلمي ، فمعنى ذلك أن هذه البيوت الزجاجية لم تعد بيوتاً زجاجية ، إنما هي فضاء مفتوح عاطر ينمو و يتسع باستمرار ، و أنا من أنصار هذا الاتساع . يجب أن يزداد هذا الاتساع و النمو يوماً بعد يوم . فـي التقرير الاول الذي ذكره كان هناك إنتاج الخلايا الأساسية وتكثيرها و تجميدها ، وقد استلمت تقارير جد مُرضية عن هذا العمل البحثي المميّز ، ويبدو أنهم أنتجوا لأول مرة فـي العالم ـ كما أتخطّر ـ الخلايا الصانعة للأنسولين ، وقد قرأت مؤخراً فـي الصحيفة أنهم يختبرون الخلايا الأساسية للقلب من أجل ترميم القلب ، و قد زرعوها و ربطوها . هذا معناه فيضان هذه البركات على مستوى المجتمع . و النقاط الأخرى التـي ذكروها أيضاً تعد كل واحدة منها مثالاً بارزاً لبركات الجهاد الجامعي .لقد بذلوا جهوداً حثيثة فـي العالم من أجل أن يثبتوا أن للعلم طبيعة علمانية ، و أنْ لا صلة للعلم بالقيم ، و قد نحتوا فلسفة لتسويغ ذلك ، و ساقوا استدلالات و بحوثاً من أجل تقديم العلم بوصفه مفهوماً خالياً من القيم ، و هذا على النقيض تماماً مما فعلتموه الآن . أنتم تقولون الجهاد الجامعي ، و الجهاد حالة قيمية . والحقيقة هي أن العلم و العقل أدوات ذات بعدين . يمكنها أن توظف لخدمة القيم ، و يمكن أن تستخدم للعدوان و النزعات الحيوانية . هذا يعود إلى مَن يتولى ادارة العلم . إذا كانت إدارة العلم بيد طلاّب الدنيا و السلطة و المال ، ستكون الحصيلة ما تشاهدونه فـي العالم اليوم . أي أن العلم يتحول أداة للاستعمار ، و الاستغلال ، و إهانة الشعوب ، و الاحتلال ، و إشاعة الفحشاء و الجنس و الهيروئين . لولا العلم لما كان الاستعمار . لقد استطاع الأوربيون بفضل علومهم السير فـي العالم و اخضاع الشعوب لسلطاتهم الاستعمارية ، و إبقاءها متخلفةً مائة سنة ، و مائة و خمسين سنة ، ومائتـي سنة على اختلاف الأقاليم ، و حرمانها من ثرواتها المادية ، و تحطيم مواهبها الإنسانية ، و القيام بمذابح ضدها . حين يخضع العلم لإدارة عناصر لا تفكر إلاّ بالجوانب الحيوانية للحياة ، ستكون هذه هي النتيجة . أما إذا أدير العلم من قبل العباد الصالحين فسيقدم الخدمة و لا يضر . لو كان الذين اكتشفوا الطاقة الذرية من أهل الفضيلة و التقوى ، و لو كان الذين استخدموها من اهل الفضيلة و من العباد الصالحين ، لما وقعت حادثة هيروشيما أبداً . و إلى اليوم حينما تنظرون ترون أنهم يستخدمون هذه الطاقة الهدّامة بمقدار ما يستطيعون . لقد استخدمت هذه القوى الطاقة الذرية المنضّبة فـي حربهم مع العراق قبل عشر سنوات أو اثنتـي عشرة سنة . و قد استخدموها فـي هذه الأحداث أيضاً . و استخدموا هذه الأسلحة فـي مناطق أخرى من العالم أيضاً فتسببت فـي إهلاك الحرث و النسل ، ﴿ يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد ﴾ بما ينطبق و الآية القرآنية . يفسدون الأراضي و يقطعون ذرية البشر . تركوا للشعوب و الاجيال القادمة الآثار المخربة لهذه الأشعة السامة المدمرة إلى سنين متمادية لا يعلمها الاّ الله . لو كانت إدارة العلم بيد الصالحين ، فلن تقع مثل هذه الأحداث و سيستخدم العلم لخدمة الإنسانية ، لأن فيه مثل هذه الإمكانية و يمكنه أن يكون كذلك . إذن ، لو أردنا علمنة العلم و إثبات أن العلم لا يمكنه أن يترافق مع القيم ، لكانت هذه مغالطة كبيرة جداً و خدعة كبيرة لأذهان البشر . كلا ، يمكن للعلم أن يرافق القيم . النزعة المعنوية الإسلامية تعارض الحيوانية و الفساد و استغلال العلم ، و لا تعارض العلم و التقانة و البحث العلمي . يمكن للمعنوية أن تصحب العلم و يمكن لنتائج العلم و البحث أن تتحرك فـي طريق المعنوية .عنوانكم هو الجهاد الجامعي . شددوا على هذا الإسم و التزموا بمقتضاه و جاهدوا حقاً . حين يكون ثمة جهاد ، أي السعي الهادف فـي سبيل الله ، فإن النجاح سيكون حليفه دون ريب .ثقوا أن سبيلنا نحو تخوم العلم المتقدمة فـي كافة المجالات لن يُقطع إلاّ بروح الاستقلال ، و روح التوكل على الله ، و روح العمل للإيمان . علينا أن نقطع هذا الطريق بسرعة ، و نجد الطُرق المُختزِلة ، و نوصِل أنفسنا . علينا أن نفتح حدود العلم و نوجد حدوداً جديدة . هذه عملية ممكنة ، فهذه أرض تُنبت العلم ، وقد أثبتم أن هذا الأمر ممكن . هناك الكثير من أبواب هذه العلوم مغلقة أمام بلدان مثل بلدنا ، بلدان لا تحمل هذه العلوم . ولايسمحون لهذه العلوم بأن تنتقل إلاّ حين تكون قد أصبحت قديمة وبالية وبلا أية حيوية و طراوة . و الأمر كذلك طبعاً فـي كافة الميادين . فـي ميدان العلوم الإنسانية أيضاً الأمر كذلك . لقد قلتُ ذلك اليوم للأصدقاء الناشطين فـي حيز الاقتصاد و إدارة البلاد بمختلف أقسامها و كانوا هنا ، أن الأمور التـي ينادي بها البعض هنا منسوخة . نظرياتهم الأرقى نزلت إلى السوق و جرى استخدامها و راحوا يعملون بها ، لكن البعض هنا ـ ممن انبهروا بآرائهم ـ يطرحون لتوِّهم تلك الذيول القديمة ! البعض يقول يجب أن لا نتعبد حيال الله تعإلى و حيال الدين ، إلاّ أنهم أنفسهم يتعبدون حيال الغرب و حيال أورپا و أمريكا ! إنهم يرفضون التعبد لله غير أنهم يوافقون من أعماق نفوسهم التعبد للرأسمالية الغربية و أجهزة الاقتدار السياسي المرتكزة إليها ! هذه مؤسسة ثورية ، فابقوا ثوريين . هذه هي وصيتـي الأكيدة . التحرك الثوري ، و خلافاً لإيحاءات الخبثاء و بعض الأقلام الأجيرة التـي تشيع أن الثورة تعنـي الاضطراب و التيه والفوضى و العبثية و عدم تماسك الأمور ، التحرك الثوري ليس كذلك أبداً ، إنما الانضباط الثوري هو أرقى و أقوى أنماط الانضباط . عدم الانتظام الذي كان مشهوداً بداية الثورة كان بسبب وجود بناء خاطئ أعوج متهرئ يجب هدمه و تشييد بناء جديد مكانه . ذلك الاضطراب يعود لبداية الثورة . ليست الثورة بمعنى ذلك الاضطراب و التشتت . الثورة حالة مستمرة . الثورة معناها البناء ، أي النماء و الطراوة . وهل النماء و الطراوة أمور ممكنة من دون انضباط أو قانون أو نظام ؟! أفضل الأعمال هي تلك التـي قام بها أشخاص تحلّوا فـي عملهم بالروح الثورية ، سواء فـي الحرب ، أو فـي إعادة الإعمار ، أو فـي العلوم و القضايا الثقافية . إذن ابقوا ثوريين . الروح الثورية بمعنى عدم البقاء فـي أسر الحدود المفروضة بالإكراه ، و عدم الاقتناع بأخذ القطرات الشحيحة المعطاة من هنا و هناك ، وهي التحرك المتفائل نحو الهدف ، و الوصول إليه بفضل الحوافز و الحيوية و الإصرار و المثابرة . هذه هي الثورة و التحرك الثوري .بخصوص قضية العلم و البحث العلمي ينبغي أن أقول إن الموضوعات الرئيسة التـي تشدد عليها قوى الهيمنة فـي نظام الهيمنة العالمي من أجل الحفاظ على علاقة المهيمن و الخاضع للهيمنة ، هي ثلاثة موضوعات : الهيمنة الثقافية ، و الهيمنة الاقتصادية ، و الهيمنة العلمية . الشرط اللازم لذلك هو أن لايسمحوا للطرف الخاضع للهيمنة أو الجانب الذي فرضت عليه الهيمنة أن يصل للاستقلال و الثقة بالذات و التقدم فـي هذه الصعد الثلاثة ، لا فـي حيز الشؤون الثقافية التـي تشمل الايمان و العقيدة و الثقافة بالمعنى الأخص و القيم و الأهداف و التوجهات ، و لا فـي الحيز الاقتصادي ، ولا فـي المجال العلمي .البلدان الخاضعة للهيمنة لم يكن لها اقتصاد متماسك فـي أي وقت من الأوقات . أحياناً يتمتعون بازدهار ظاهري ، و ترون أن ثمة ازدهار ظاهري فـي بعض البلدان الخاضعة للهيمنة ، بيد أن البنية الاقتصادية منخورة ، أي أنهم إذا أغلقوا أنبوباً واحداً عليهم ، أو سدوا حساباً واحداً عنهم ، أو استعمروهم اقتصادياً ، فسوف ينهار و يتحطم كل شىء . رأيتم أن رأسمالـي واحد استطاع فرض الإفلاس على عدة بلدان فـي جنوب شرق آسيا خلال شهرين أو ثلاثة . وقد كانت هذه البلدان ذات تنمية و ازدهار اقتصادي جيد نسبياً . رئيس أحد هذه البلدان كان يزور فـي تلك الأيام طهران لمناسبة ما ، وقد التقى بـي و قال أقول لكم إننا أصبحنا فقراء تماماً فـي ليلة واحدة ! رأسمالـي أمريكي يهودي تصرف كما لو يسحبون خيطاً دفعةً واحدةً ، فيسقط بناءٌ هو أشبه بالدُّمى ، حيث سحب الخيط و قلب كل شىء . فـي المكان الذي يحتاجه الأمريكيون يضخون خمسين أو ستين ملياراً ـ خمسون ملياراً لهذا و ثلاثون ملياراً لذاك ـ لكنهم لايضخون حيث لا يحتاجون ، و يذلون ذلك البلد . و الضخ طبعاً معناه إقامة نفس ذلك البناء الشبيه بالدُّمى على هيئة مختلفة . على كل حال ، لا يدعون اقتصاديات تلك البلدان تتعزز و ترسخ . فيما يتصل بثقافة البلدان الخاضعة للهيمنة ، أول ما يفعله المهيمنون ـ وهذا دارج منذ القدم ـ هو أنهم يستخدمون أساليب الإذلال و الضغط و القوة ، و أحياناً قوة السيف و سمل العيون ـ و فـي التاريخ نماذج لذلك ـ للقضاء على ثقافة تلك البلدان ، و لغاتها ، و قيمها ، و تقاليدها ، و إيمانها . و لا يسمحون للناس أن يتكلموا بلغتهم حتى يتقبلوا اللغة الوافدة . حينما دخل الانجليز إلى شبه القارة الهندية لم يسمحوا باستمرار اللغة الفارسية التـي كانت لغة الدواوين الدارجة هناك و استخدموا الرصاص و الضغوط ليقولوا للناس : لا يحق لكم التحدث بالفارسية ، فنسخوا الفارسية ، و أحلوا محلها الانجليزية . و فـي عهد الحكم الپهلوي الأسود سحبوا من الناس تدريجياً المعتقدات الدينية العامة التـي تقوي المجتمع كالإيمان و العقائد ، و عملوا على سلب الغيرة و الإيمان .من الأمور التـي لا يسمحون بنموها فـي البلدان الخاضعة للهيمنة و يحولون دونها بشدة هي الحالة العلمية ، ذلك أنهم يعلمون أن العلم أداة من أدوات القوة . الغربيون أنفسهم اكتسبوا قوتهم بالعلم . كانت هذه إحدى ظواهر التاريخ . طبعاً ، تم تداول العلم بين الشرق و الغرب ، و قد كانوا هم أيضاً يعيشون حالة الجهل لفترة ما . خلال حقبة القرون الوسطى التـي يذكرونها هم أنفسهم كانت العلوم مزدهرةً فـي هذا الجانب من العالم . ولكن بمجرد أن ظفروا هم بالعلم استخدموه كأداة للاقتدار و كسب الثروة و توسيع تسلطهم السياسي و امتصاص ثروات الشعوب و إنتاج الثروة ، و عادوا لينتجوا العلوم من تلك الثروة تارةً أخرى ، فطوروا العلوم و زادوا من معارفهم . إنهم يدرون كم للعلم من تأثير فـي تحقيق الاقتدار و القوة للشعب و البلاد ، لذلك إذا أرادوا الإبقاء على نظام الهيمنة ، أي علاقة المهيمن و الخاضع للهيمنة و تسويدها على النظام العالمي ، فعليهم أن لا يسمحوا للجانب الذي يرغبون فـي بقائه خاضعاً للهيمنة أن يكتسب العلم . هذه استراتيجية لا تتغير ، و منهجهم فـي العالم اليوم أيضاً قائم على هذا المنوال . لهذا يتعين العمل لكسب العلم و تحقيق الجهاد.لقد كنا خلال فترة ما قبل الثورة بعيدين عن العلم لسنوات طويلة . إحدى الفترات كانت فترة السبات والغفلة المطلقة ، فـي فترة أخرى حصلت اليقظة و الوعي بشكل طبيعي لدى الشعوب فكانت فترة الخداع ، إذ لم يسمحوا للعلم بالمعنى الحقيقي للكلمة أن يفد إلى البلاد ، كانوا يشغلون الناس و لا يفتحون طريق البحث العلمي ، و لا ينمّون المواهب و لا يشجعونها ، فجاءت الثورة لترفع هذه الجدران و الحدود و القيود ، فكان أن توفر الوعي الذاتـي العلمي . بيد أن هذا التحرك لن يصل لنتيجة ما من دون إدارة و مثابرة و عزيمة و إرادة . كل الأمور بما فـي ذلك العلوم و البحث العلمي تقتضي إدارة منظمة ، لذا ينبغي التقدم بهذه المهمة إلى الأمام . طبعاً جانب من هذه المهمة يتعلق بالمسؤولين الحكوميين ، و جانب منها تقع مسؤوليته على عاتق الجامعات ، و جانب آخر هو من مسؤولية المراكز العلمية . و أنتم كجهاد جامعي من أهم المراكز التـي يمكنها الاهتمام بهذه القضية و الشعور بمسؤوليتها ، و أنتم كذلك طبعاً . لحسن الحظ أشاهد و أرى أن تقدمكم فـي مجال العلم جيد جداً ، فتابعوا هذه المسيرة.إقترح رئيس الجهاد الجامعي المحترم أن تدار ظاهرة إنتاج العلم و النهضة الرقائقية البرمجية ـ الشعار الذي طرحناه ـ من قبل الجهاد الجامعي . هذه الفكرة جديدة بالنسبة لـي و بالمستطاع دراستها . إهتموا لأعمالكم العلمية . وطبعاً العمل الثقافـي مهم بنفس الدرجة و بشكل مستقل . و كذا الحال بالنسبة للعمل من أجل الإيمان و لأجل المعتقدات المشجِّعة و المورِثة للعزة و الوعي ، و الإيمان الإسلامي يجمع كل هذه العناصر . هذا الموضوع بحد ذاته بحث مستقل تتطرقون إليه طبعاً فـي موضعه ، و هذا بدوره جيد جداً .أما بصدد هذه القضية الأخيرة حيث أثار أعداء الجمهورية الإسلامية و على رأسهم و أخبثهم جميعاً حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الضجيج ضد الجمهورية الإسلامية ، و اتخذوها ذريعة للضغط على الجمهورية الإسلامية ، فهذه هي الأحقاد البدرية و الخيبرية و الحنينية . إنها الضغائن الناجمة عن الثورة الإسلامية و قطع اليد الأمريكية عن البلاد ، الضغائن التـي يريدون تفريغها هنا بنحو من الأنحاء . لقد فتحوا أفواههم الملوثة ضد الشعب الإيرانـي و قالوا كل ما حلا لهم . المشهورون فـي العالم بالخداع و الكذب و الغش اتهموا الجمهورية الإسلامية بالخداع و الكذب ! الذين يلوح خبثهم و عداؤهم للإنسانية كأوضح من النهار ، و الجميع يرون هذا فـي الميادين المختلفة ، اتهموا الجمهورية الإسلامية بانتهاك حقوق الإنسان ! وظهروا هم فـي الساحة كأدعياء لحقوق الإنسان ! أمريكا المفضوحة التـي تنشر سجونها فـي كل أنحاء العالم بما فـي ذلك العراق و أفغانستان ـ جاء فـي الاخبار قبل أيام أن لأمريكا نحو عشرين سجناً شبيهاً بسجن أبـي غريب ـ و هذه المنظومة التـي تحمل على عاتقها اليوم ادعاءات السيادة على العالم ، و هي مظهر الفجائع و انتهاك حقوق الإنسان والتوحش الكامل، يدعون أنهم أنصار حقوق الإنسان ! انظروا أي انحطاط للإنسانية هذا ؟ و أي خزي أفظع اليوم لأجيال البشرية من هذا : أنْ يزعم مثل هؤلاء الأشخاص ، مثل هؤلاء المتوحشين ، و الذئاب المفترسة المصّاصة للدماء أنهم أنصار حقوق الإنسان ؟! هؤلاء أنفسهم يفتحون أفواههم ضد الجمهورية الإسلامية و يطلقون الهراء و الهذر و يقولون كل ما يروقهم .إنهم يقومون بعملين فـي آنٍ واحد : من جهة يهذرون و يتهمون الجمهورية الإسلامية بأنها تعمل على صنع قنبلة ذرية ، و أن المسافة التـي تفصلها عن السلاح الذري قليلة جداً و إذا أرادت اليوم استطاعت بعد عدة أشهر أو بعد سنتين أن تحصل على السلاح الذري . و من جهة أخرى و بلغة ثانية يشيعون أن لا فائدة من هذا و لا تتحركوا باتجاه العلوم الذرية . أبدالهم الصغار و عبيدهم المطيعون يتابعون هذه الخطوط فـي الداخل و يكتبون هذه الأشياء . إن هؤلاء الكتاب المأجورين ، الذين كانوا فـي بلادنا دائماً للأسف ، يبقون متربصين إلى أن يستخدموا أقلامهم و كتاباتهم و اياديهم و فنونهم لصالح الشىء الذي يرومه أعداء هذا الشعب بالضبط . هؤلاء المتملقون التافهون الوضيعون ، و كثيرو الإدعاءات طبعاً ، يقولون بألسنة مختلفة : لا تطلبوا العلم النووي ، و إذا طلبتموه فعليكم أن تذهبوا وتقلِّبوا العتبة الأمريكية حتى تستطيعوا الحصول عليه. أولئك يتكلمون ، و هؤلاء يعكسون نفس الكلام و يكررونه . يُخلَط النقاش بين التقنية النووية و السلاح النووي ، وحقيقة الأمر غير هذا ، إذ لا علاقة بين هذين الأمرين ، و هما شيئان منفصلان تماماً . السلاح الذري منوط بتخصيب لليورانيوم أعلى من تسعين بالمائة و بتقنيات معقدة ، و لا يطلبه إلاّ من تكون له الدوافع لذلك . وليس لدينا نحن هذه الدوافع ، ولم نطلب هذا السلاح و لا نريد أن نطلبه و نسير باتجاهه . ليست لدينا حاجة للقنبلة الذرية . إذا كنا قد انتصرنا لحد الآن على أعدائنا فإن ذلك لم يكن بالقنبلة الذرية . منذ خمس و عشرين سنة و الشعب الإيرانـي يهزم أمريكا ، أليس كذلك ؟ بمإذا انهزمت أمريكا على يد الشعب الإيرانـي طوال خمسة و عشرين عاماً ؟ هل هزمناها بالقنبلة الذرية أم بالعزيمة ، و الإرادة ، و الإيمان ، و الوعي ، و باتحادنا ؟ لقد أدركنا مإذا نريد ، أدركنا ما الذي نصبوا اليه ، و قد عرفنا الطريق ، و بدأنا المسير و لم نخش اسلحة هذا و تجهّم ذاك . هكذا انتصارنا نحن . لم ننتصر بالقنبلة الذرية . ألم يكن للاتحاد السوفيتـي السابق قنبلة ذرية ؟ عدد القنابل الذرية التـي كانت بحوزة الاتحاد السوفيتـي السابق ربما كان اكثر من القنابل الذرية لأمريكا . ألم ينهزم ؟! الانتصار و الهزيمة فـي ساحات العالم الرئيسية ليست بهذه الأشياء . لقد قدمنا للعالم الإسلامي اليوم نموذجاً ، نموذج حكومة الشعب الدينية ، نموذج الاستقلال و العزة الوطنية . لقد تعبأ العالم الإسلامي اليوم ضد أمريكا . منذ خمسة و عشرين عاماً و الشعوب تهتف الموت لأمريكا . من الذي كان يقول الموت لأمريكا ؟ من كان يقول ذلك سوى الجمهورية الإسلامية و سوى الشعب الإيرانـي ؟ و اليوم يقول الجميع ذلك . نحن لم نتقدم بالقنبلة النووية . النصر فـي الميادين العظيمة و التاريخية والخالدة لا يتأتى بهذه الأسلحة . أليس للنظام الصهيونـي اليوم قنبلة ذرية ؟ يقال أن فـي مخازن الكيان الصهيونـي حالياً مائتين أو ربما ثلاثمائة رأس نووي ، ولكن منذ كم سنة و الكيان الصهيونـي عاجز حيال الطرف المقابل الذي ليس له حتى بندقية ، و لا يمتلك إلاّ الحجارة ، طبعاً الحجارة إلى جانب الإرادة ، و الحجارة التـي يسندها الإيمان ؟ قضيتنا ليست قضية قنبلة نووية . مإذا نفعل بالقنبلة النووية ؟ ثم ان القنبلة الذرية حينما تستخدم لا يموت الأعداء فقط بل يموت غير الأعداء أيضاً ، و هذا بخلاف معتقداتنا ، بخلاف مسارنا و منهاجنا . القنبلة الذرية التـي تقتل البر و الفاجر ، و تبيد الصالح و الطالح و تحرق الأخضر و اليابس ليست من عمل النظام الإسلامي .أما قضية التقنية النووية و ذلك المقدار الذي نرومه و نتطلع إليه ، فشىء آخر . المشترك هنا هو مادة اليورانيوم فقط . تلك تحتاج إلى يورانيوم من نوع تسعين بالمائة و صناعة تسليحية معقدة ، و هذه تحتاج إلى يورانيوم من نوع ثلاثة إلى أربعة بالمائة لوقود المحطة النووية و هو ما نمتلكه اليوم فـي بوشهر . أين اليورانيوم المخصب بنسبة ثلاثة إلى أربعة بالمائة و أين المخصب بنسبة أكثر من تسعين بالمائة ؟! هذا هو الشىء المسموح به للجميع طبقاً للقوانين الدولية و لا إشكال فيه ألبته . كل البلدان إذا كانت بحاجة لليورانيوم ـ و إنْ لم تكن بحاجة إليه ـ تستطيع إنتاجه بنسبة ثلاثة إلى أربعة بالمائة . و هناك معاهدة MPT الدولية التـي يتفق عليها الجميع ، و نوافقها نحن و لا يوجد أي إشكال من حيث الضوابط العالمية . إن لم تكن لدينا هذه التقنية فمعنى ذلك أن مفاعل بوشهر النووي إذا انتهى فـي المستقبل فعلينا طرق أبواب هذا البلد و ذاك للحصول على وقوده ، و نقول لهم أعطونا وقوداً . و إذا أرادوا يوماً ما لأي سبب من الأسباب ـ سبب سياسي ، قضايا دولية ، أو علاقات ثنائية ـ عدم تزويدنا بالوقود فمعنى ذلك أنه لم تعد لدينا محطة طاقة . هذا ما يريدونه . يريدون أن تكون لديكم مدفئة ، ويكون نفط المدفئة فـي أيديهم ، أي يرومون مضاعفة التبعية عن طريق تأسيس المفاعل النووي ، و ليس تقليلها .الذي يدفع أمريكا اليوم للضجيج ضد إيران و يجعلها مرتبكة هو أنهم يشاهدون إيران و قد أنشأت محطة الطاقة الذرية و تستطيع إنتاج الكهرباء الذري ، و بمقدورها إنتاج وقود هذه المحطة و تموينها فـي الداخل . هذه هي نقطة قلقهم الأولى . سبق أن قلت إنه لو كان النفط بأيديهم و كنا بحاجة إلى النفط لباعونا قنينة النفط الواحدة بسعر آبائهم و أمهاتهم . ما كانوا سيبيعون برميل النفط الواحد بعشرين ، أو ثلاثين ، أو خمسة و ثلاثين دولاراً مثلاً ـ و الواقع بالمجان ـ كما نبيعه نحن الآن . ولكن تلاحظون أن البلدان النفطية تحوِّل رصيدها غير المتجدد إلى مال بخس . يريدون تكريس ذات المعادلة فيما يخص الوقود النووي ، أي يجعلوننا حتى لو كان لنا محطة طاقة نووية ، محتاجين إليهم فـي وقودها .النقطة الثانية لقلقهم هي أن هذا العلم نبت و ترعرع فـي الداخل ، أي أنه فـي الواقع محلـي ، و هذا مايزعجهم . طبعاً هذا لايعنـي أننا نحن الذين اخترعنا هذا الجهاز ، لا ، إنما بمعنى أننا لم نطرق بابهم لاكتساب هذه المهارة. باحثونا الشباب ـ الشباب من أمثالكم ـ و مئات الأدمغة المفكرة النيرة استطاعوا تشغيل هذا الجهاز الهائل و قطف النتائج ، و تنمية العلوم فيما بينهم ، و إيجاد التقنية ، و عدم طرق باب هذا الطرف أو ذاك . هذا من أسباب قلقهم ، لمإذا ؟ لأنهم يجدون هذا على الضد تماماً من تلك الفلسفة الاستكبارية التـي تروم إبقاء البلدان الخاضعة للهيمنة عديمة الاستقلال فـي العلوم و التقنية . يجب أن تبقى أيديهم ممدودة ، وينبغي أن يبقوا بحاجة إليهم . إنهم يعلمون أن بلد إيران و شعب إيران إذا استطاع الرقي إلى قمة هذه التقنية سيتكرس فـي العالم نداؤه الحق و هو استقلال الأمة الإسلامية و العزة الإسلامية أكثر بين المسلمين و المجتمعات الإسلامية ، و ستتقبله الأذهان أكثر . هذا ما يزعجهم ، لذلك يثيرون الضجيج . وبالتالـي فإن حقيقة المسألة غير ما يقولونه .لقد قال مسؤولو بلادنا ما يجب أن يقولوه بشأن القضايا السياسية لهذه المسألة . ما قاله السيد رئيس الجمهورية و مسؤولو هذا المشروع النووي و وزارة الخارجية عندنا صحيح . لقد أجابوا على هراء الأخرين و تماديهم . لستُ فـي صدد أن أقول شيئاً بهذا الخصوص . أريد أن تتضح حقيقة الأمر للشعب الإيرانـي . لا يريد الشعب الإيرانـي أن يتقبل ظلماً مضاعفاً . يبدون قلقهم من أنكم قد يمكنكم عن هذا الطريق الحصول على السلاح النووي . إذا كان الأوربيون و غيرهم صادقين حقاً و قلقين من الأسلحة النووية ، نقول لهم كلا ، كونوا مطمئنين ، فنحن لا نريد الحصول على السلاح النووي للسبب الذي ذكرناه . أما إذا كانوا منزعجين من امتلاك الشعب الإيرانـي لهذه التقنية الضخمة الراقية بشكل محلي و يريدون إيقاف ذلك ، نقول لهم أيضاً اطمئنوا أن الشعب الإيرانـي لن يتنازل . ما يقوم به الباحثون و العلماء و الحكومة الإيرانية فـي نطاق التقنية الذرية هو واجبهم الكبير ، و هو عمل كبير الهدف منه الحؤول دون التبعية للأجانب و الحفاظ على الاستقلال الوطنـي ، و هو ما يحتاج إليه البلد .لا يحاول الهاذرون و المثرثرون عبثاً أن يشيعوا فكرة : و ما ضرورة هذا الأمر ، و لمإذا يتحركون نحوه ، كلا ، إنه حاجة الشعب الإيرانـي . البلدان المتقدمة فـي العالم اليوم تؤمِّن معظم أو جزء كبير من طاقتها الكهربائية من محطات الطاقة الذرية ، لا من النفط و هو رصيد ثنائي الإنتاج ، و آيل إلى النفاد ، و ممكن التبديل إلى أشياء أثمن بكثير من الوقود . الذين يريدون حرمان الشعوب صاحبة النفط من هذه الموهبة يقولون لهم إن لديكم نفطاً فما حاجتكم إلى الطاقة الذرية ؟! و هل ينبغي استهلاك النفط كله لنمد أيدينا إليكم بعد ذلك ؟! هل مصير الشعوب هو الحاجة إليكم ؟ يقولون استهلكوا النفط ثم حين يخلو وفاضكم كونوا محتاجين إلينا ، تعالوا و اطرقوا بابنا . شعبنا لايريد قبول هذا و علينا التحرك باتجاه الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء . هذه حاجة بلدنا . علينا السير فـي هذا الطريق ، و إلاّ تضاعف تخلف القرن أو القرنين الماضيين ، و عندها سيجعلون هذه الأمة تتخلف قرناً آخر . عليه فإن التحرك باتجاه هذه العملية واجب وطنـي . حينما نتحرك باتجاه هذه العملية يتعين أن نجعلها محلية ، و إلاّ عادت تلك التبعية و عادت تلك الحاجة . حين لا نروم أن نكون تابعين و نريد أن تكون العملية محلية ، ستكون ثمة ضغوط طبعاً . ينبغي الصمود أمام الضغوط . الذين يتحدثون ضد هذه الفكرة من دون أن يفهموها ، لا يفهمون و لا يلتفتون إلى أنهم يخونون هذا الشعب و يقولون و يلهجون بما تريده أمريكا ، ما هي الضرورة ؟ و ما حاجتنا لذلك ؟ لنتركه ! نعم ، من الطبيعي أن يرغب أولئك فـي أن لا ننتج شيئاً و نستلم حتى طعامنا الجاهز منهم ، شريطة أن يكون لدينا المال ، و حين لا يكون المال ، فلن يبالوا حتى لو مات الشعب من الجوع ، لأنهم يقتلون ألفاً تلو ألف ، و لا يأبهون لموت ألف تلو ألف و مليون تلو مليون . واجبنا الوطنـي اليوم هو السير نحو هذه التقنية و التقنيات المماثلة و كل ما يقربنا من قمة العلم ، و متابعة هذا السبيل واجب على شعبنا فـي الوقت الحاضر و وظيفة الذين يستطيعون ذلك ، حتى يتمكنوا من إعزاز الشعب و تحريره من التبعية .أسأل الله تعإلى أن يوفقكم و يؤيدكم جميعاً . الساعون فـي سبيل استقلال البلاد علمياً أدعو أن يوفيهم الله تعإلى أجورهم و يوفقهم إن شاء الله ، و أتمنى أن يُوفَّق الشعب الإيرانـي إن شاء الله أكثر فأكثر للتقدم بهذه الحركة العلمية و البحثية التـي بدأها ـ و الحمد لله ـ شبابُهُ .والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته .  
2004/06/20

كلمته في لقائه نواب الدورة السابعة من مجلس الشورى الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب أولاً بالإخوة و الأخوات الأعزاء ـ نواب المجلس السابع المحترمين ـ و لابد لنا أن نعد هذا اللقاء لقاءً مباركاً بعون الله ، و نتمنى أن يكون تواجدكم فـي مجلس الشورى الإسلامي و موقع التشريع مباركاً لكم و للشعب الإيرانـي أيضاً .أرى من الضروري أن أشكر شعبنا العزيز مرة أخرى لتواجده الذكي الواعي عند صناديق الاقتراع للمجلس السابع . إنه عمل كبير ناتج عن الإدراك و الشعور الصادق . لم يسمح الشعب الإيرانـي كما أراد الأدعياء و أعداء هذا النظام أن تبقى الجمهورية الإسلامية بدون مجلس و بدون سلطة تشريعية حتى ليوم واحد . و أشكركم أيضاً أيها النواب الأعزاء للتجاوب الذي أبديتموه حيال ما قلناه فـي أول المجلس و النداء الذي وجهناه إليكم . إن هذه الإرادة و الحوافز المتبادلة و ترابط الإرادات على المطاليب و الأهداف السامية الكبيرة أمر جد مبارك . كما أشكر حضرة السيد الدكتور حداد عادل لكلمته اليوم و التـي كان اللفظ و المعنى فيها على أرقى المستويات و كانت سليمة و إيجابية تماماً و تحاكي مطامحنا . أريد أن أتحدث قليلاً عن الآية التـي تلاها هنا أخونا العزيز ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ . كل ما تمتلكونه من مكتسبات دنيوية إنما هو متاع حياة قريبة تنقضي فـي طرفة عين . ليست حياةً باقية . إن هذا المتاع ليس أموالاً فقط . هذه الفرص ، هذه المسؤوليات ، هذه المراتب والمواقع التـي تتوفر لـي ولكم ، هي كذلك أيضاً من زاوية ارتباطها بشخوصنا . و نيابة المجلس هي أيضاً من هذه الأشياء ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ، إذا كان الله هو الهدف فـي هذا الأمر ، حينذاك ﴿ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ . إذا كان هدفنا من نيابة المجلس و من المسؤوليات الحكومية و من التربع على المناصب و المواقع المختلفة ـ من المكان الذي تشغلونه إلى المكان الذي أشغله أنا ، إلى المكان الذي تشغله الحكومة ، إلى الأماكن التـي يشغلها مختلف المسؤولين فـي شتى المستويات ـ هذا الشأن الظاهري و الامتيازات الظاهرية ( و هي فارغة ، و لا شىء فـي داخلها ، و تبدو ميزة و متاعاً فـي ظاهرها ، إلاّ أنها ليست متاعاً حقيقياً ) فلا شكَّ أننا قد خُدعنا ، لإننا نعطي شيئاً مقابل ما نأخذه . إنكم طوال فترات أعماركم لا تأخذون شيئاً من جانب واحد ، تأخذون شيئاً و تعطون شيئاً . ما نأخذه هو هذه الأشياء التـي نحصل عليها طوال حياتنا ـ من علم ، و معنوية ، و مال ، ومنصب ، ومكانة فـي أعين الناس ، وشعبية و غير ذلك ـ أما الذي نعطيه فأهم من كل هذا و هو أعمارنا و حياتنا ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ . إننا نمنح مقابل كل مكتسباتنا شيئاً ما على نحو مستمر و بلا توقف ، و هو زمن مهلتنا و فرصتنا فـي هذه الحياة . هذا ما يكاد ينتهي . الرصيد الأصلي ينقص ذرةً ذرةً ، كالثلج الذي يمسكه الإنسان بيده و يذوب . علينا تحويل هذا الرصيد إلى رصيد . إنكم تقولون فـي مضمار القضايا الاقتصادية العامة للبلاد أن النفط المستخرج رصيد وطنـي و يجب أن لا ننفقه على المعيشة اليومية ، بل ينبغي تحويله إلى رأس مال دائم . نظير هذه الحالة تماماً تنطبق علي و عليكم . نحن نعطي رصيداً لا يتجدد هو العمر ، و علينا أن نأخذ مقابله رصيداً يبقى لنا . هذا الجاه و الجلال ، هذه الشعبية ، هذا الموقع السياسي ، و هذا المال لا يبقى للإنسان . الذي يبقى هو «ما عند الله» ، إنه الـ ﴿ خير و أبقى ﴾ ، هذا هو الذي يبقى ، و هذا ما ينبغي أن يكون الغاية من النيابة . فـي هذه الحالة لن تصيبكم خسارة، سواء بقيت شعبيتكم فـي أعين الناس أو لم تبق ، و سواء انتُخبتم فـي الدورة التالية أم لا ، و سواء ألقيت فـي هذه الدورة على عواتقكم أعباء كبيرة أو لا ، كل ما يحدث سيكون خيراً « كل ما يقع للسالك فـي الطريقة فهو خير له » . كل ما سيحدث سيكون خيراً لكم ، لماذا ؟ لأنكم تمارسون صفقة و تجارة مربحة . إذا أردتم العمل لله ، فليكن قيامكم ،و قعودكم ، و توقيعكم ، و خطاباتكم ، و مصادقاتكم ، و رفضكم من أجل تنفيذ الواجب . ولأنها من أجل أداء الواجب لذا سوف تسجل فـي الديوان الإلهي ﴿ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ . إنهم يحصون كل شىء ، حتى الأشياء التـي ننساها نحن . حين نكون فـي منتهى الحاجة سيعيدونها إلينا بكل أرباحها و فوائدها ، لذلك لن نكون قد خسرنا . و كل ما نفعله غير هذا سيكون معناه أننا خُدعنا . و أنا أيضاً كذلك ، و أنتم أيضاً كذلك . ليس ثمة أي فارق بيننا من هذه الناحية .أما بخصوص محتوى المسؤولية و مضمونها ، فثمة طبعاً واجبات على عاتق الإنسان إذا أخذناها بنظر الاعتبار سيحصل هذا الشىء الذي ذكرناه . أهم شىء بخصوص مجلس الشورى الإسلامي هو أن هذا المجلس مظهر حكومة الشعب الدينية . النموذج الذي قدّمه النظام الإسلامي بخصوص حكومة الشعب الدينية ، و آثاره على مستوى السياسة العالمية ، كان تجربة ناجحة دون شك . الكيان الذي تؤثر فيه أصوات الشعب و إرادته و شخصيته و مطالباته لرسم مستقبل المجتمع ، و يكون إطار هذا التحرك متمثلاً بالقيم المعنوية و الإلهية هو الشىء الذي تحتاج إليه الإنسانية اليوم ، و تعانـي من غيابه . هذه الحروب ، و حالات الاستكبار و الظلم ، و الهوة الطبقية ، و نهب ثروات الشعوب ، و الفقر المذهل الذي يسود شطراً هائلاً من سكان العالم ، كله نتيجة غياب المعنوية . حالات الفساد و الشعور بالعبثية والتهتك التـي تشاهد لدى شتى أجيال الإنسانية على مستوى العالم ، كلها بفعل ضمور المعنوية . بدأوا العمل قبل مائة عام ، أو قبل مائتـي عام ، أو قبل ثلاثمائة عام ، و اليوم راحت نتائج عملهم المرة تتجلى للعيان . و هذا ككل أحداث التاريخ التـي لا تظهر آثارها مباشرة ، إنما تتجلى فـي العالم بعد مرور الوقت الطويل ، كالأمراض التـي تظهر أعراضها آجلاً أو الأمراض بطيئة العلاج أو التـي لا علاج لها . على الرغم من الثروة الطائلة الكبيرة التـي تمتلكها الكثير من بلدان العالم التـي تسمى متقدمة ـ كل هذا المال ، كل هذه الثروة ، كل هذه العلوم ، كل هذه التقنية ، كل هذه الدقة العلمية فـي حياة البشر ـ لا تشعر الإنسانية بالسعادة و العدالة ، و لا يُستأصل الفقر من جذوره . هذا نتيجة انحسار المعنوية . لقد جئنا نحن الشعب الإيرانـي لندرج المعنوية على نحو جوهري و مبدئي و جذري ـ لا على نحو الوبال أو المجاملة ـ فـي نموذجنا الجديد . هذه هي حكومة الشعب الدينية . مظهر هذه الحكومة الشعبية هو مجلس الشورى الإسلامي . إنه مجلس شورى ، و هو أيضاً مجلسٌ إسلامي . منتخب من قبل الجماهير ، و ذو توجه إسلامي يتبدى فـي مواد عديدة من الدستور و فـي قَسَم النيابة . هذا نموذج لا نظير له . طبعاً من المتوقع أن يشنوا الدعاية ضده ، أو يبخسوا البضاعة على حد تعبير تجار السوق ، و يحاولوا إسقاطه فـي أعين الناس و إظهاره و كأنه عديم القيمة . هذه حيل معروفة . أحياناً يهوِّنون فـي العالم أرقى المكتسبات و الموروثات الثقافية لشعب من الشعوب و يجعلونه يشمئز من تلك المكتسبات . هذه ممارسة معروفة فـي العالم . على أن حقيقة الأمر هي ما نشعر به . المجلس هو أهم مظاهر حكومة الشعب الدينية . إذن ، لا تغفلوا عن موقعكم . إنتبهوا أين هو هذا المكان و ما معنى مجلس الشورى الإسلامي . لا تغفلوا عن أهمية اتخاذ القرارات و المواقف فـي هذا المجلس . هنا مركز النظام الإسلامي و قمته ، و بتعبير آخر فهو معرضه الخارجي البادي للعيان .إننا غير قانعين بأن لنا مجلس شورى إسلامياً . لنا مجلس شورى إسلامي منذ خمس و عشرين سنة . ينبغي لنا أن نجد و نتابع الآليات التـي تطوِّر المجلس يوماً بعد آخر فـي هذا الاتجاه الصحيح صوب أهدافه ، و تضاعف من كفاءته و تأثيره فـي البلاد حتى يستطيع التأثير بشكل حقيقي ويجعل حركة البلاد العامة متقدمةً ومتسامية يوماً بعد يوم من خلال سن القوانين و الاشراف المناسب و اتخاذ المواقف الصحيحة ، خصوصاً أن أعداء النظام الإسلامي أرادوا لنا دوماً مجلساً عديم الدور و عديم التأثير ، أو ذا تأثير سلبـي ، كلا ، يجب أن يكون المجلس مؤثراً و جلياً و ناشطاً و ذا دور. الجهود كلها ينبغي أن تنصبّ بهذا الاتجاه . كما أننا لا نقنع و لا نكتفي بالقول أن لنا برلماناً على غرار البلدان التـي تسمى نفسها ديمقراطية ، كلا . لتلك البرلمانات إلى جانب نقاط قوتها التـي قد تمتلكها ـ ولابد أنها تمتلكها ، إذ ليس ثمة مؤسسة من دون نقاط قوة و نقاط ضعف ـ نقاط ضعف أساسية . علينا تحاشى نقاط ضعفها الأساسية .أتذكر أن الإمام فـي بدايات الثورة كان يكرر أن ثمة فـي المجالس الأخرى فـي العالم صدامات شنيعة و عراك بالأيدي ، و كان يفخر أن هذه الأمور غير موجودة فـي مجلسنا ، إنما هناك تباحث و جدل . هذا هو المهم . ينبغي أن ننظر ما الذي يفعله الآخرون مما يعد نقاط ضعف لديهم فنجتنبه . من الدارج فـي كثير من مجالس البلدان الرأسمالية أن يذكر النائب علناً و يعبّر عملياً بأنه راعى مصالح الشركات و الكارتلات و الطبقات المختلفة . فهو لا يستحي من ذلك . الغايات و المصالح التـي تتبعها الشركات الكبرى و المراكز المالية العملاقة ـ و التـي يصدر عنها الحجم الأكبر من الظلم فـي العالم ـ يعمل هؤلاء فـي المجالس للتشريع لصالحها و تدبير شؤونها . هذه هي أكبر نقاط ضعفهم . نائب الشعب ينبغي أن يكون نائب عموم الشعب ، و خصوصاً نائب الذين يحتاجون أكثر من غيرهم لتواجد ممثلهم فـي مستويات اتخاذ القرار ، أولئك الذين تقطعت بهم السبل و يعانون من حرمان أكبر . إذن ، ثبّتوا لأنفسكم بالدرجة الأولى نيابةَ الجماهير المحرومة . صحيح أن كل واحد منكم نائب كل الشعب الإيرانـي ، وليس نائب جماعة خاصة ، أو منطقة معينة أو نائب الذين منحوه أصواتهم فقط ـ المجلس يمثل كل الشعب الإيرانـي ـ ولكن مع ذلك هنالك بعض شرائح الشعب الإيرانـي يحتاجون إلى تواجد ممثلهم فـي مواقع اتخاذ القرار أكثر ، لأنهم محرومون ، و لأنهم يعانون الفقر و شحة الإمكانات و التمييز ، و يتضررون من الفساد الذي يجترحه الآخرون . إذن ، اعتبروا أنفسكم بالدرجة الأولى نواباً لهؤلاء .النقطة المهمة جداً هي أن توظفوا كل الفرص و الإمكانيات العملية التـي يتمتع بها المجلس . إذا اُريد يوماً لمؤسسة معينة أن تحدد أنجح مجلس إيرانـي بعد الثورة ، فلاشك أن أنجح مجلس هو المجلس الذي استطاع استخدام كل طاقاته العملية . إمكانية التشريع من الإمكانيات المهمة جداً . أدوات الإشراف فـي أيديكم . لا تستهينوا بديوان المحاسبات . كنت أقول كراراً للمسؤولين و العاملين فـي المجالس السابقة أن ينظروا لديوان المحاسبات بمنتهى الجد ، لأنه وسيلة مهمة جداً . و أقول هذا لكم أيضاً . طبعاً هنالك من أصغوا و هنالك من لم يصغوا ، ولكن اصغوا أنتم . ديوان المحاسبات مهم جداً . الميزانية الهائلة لهذا الشعب هي الوارد الرئيسي العام الوحيد للشعب و الذي يوضع تحت تصرف الأجهزة المختلفة . ينبغي أن يكون من الواضح كيف أنفقت هذه الميزانية . عملية إنفاق الميزانية و تحديد صحة أو سقم الأعمال المنجزة من أهم أدوات الإشراف عندكم ، فلا تغفلوا عن هذا. إذا أردتم استخدام أدوات الإشراف فابذلوا كل جهدكم لتكون علاقتكم بالأجهزة التنفيذية و الأجهزة الخاضعة لإشرافكم علاقةً قانونية . بعض العلاقات المشبوهة إنما هي فـي ضرركم على الإطلاق . لا نريد الإشارة إلى أحد أو شىء أو جماعة . ولكن يمكن الافتراض ذهنياً قيام علاقات مشبوهة وغير صحيحة بين بعض النواب و بعض الأجهزة التـي يشرفون عليها. هذا ما ينال من عملية الإشراف بالتأكيد ، ويسلب القدرة على الإشراف ، و يسلب من المجلس الإمكانية العظيمة التـي منحها له القانون ، و عندها لن يكون المجلس مؤثراً .القضية المهمة الأخرى هي المكانة السياسية للمجلس . أنتم نواب الشعب و عصارته و خلاصته .مواقفكم المتعلقة بالقضايا السياسية و الدولية تشير بمعنى ما إلى مواقف الشعب الإيرانـي . يمكن لهذه المواقف أن تكون على نحوين : بمقدورها أحياناً أن تبعث الأمل لدى العدو فـي مزيد من التدخل ، و تضاعف من وقاحته و طمعه و جرأته ضد النظام الإسلامي . و بوسعها أن تكون على العكس تماماً ، حيث تُشعِر العدو أن فـي الشعب الإيرانـي و نوابه صلابةً و صموداً و وعياً للمصالح و المكاسب ، و إصراراً على المصالح و المكاسب الوطنية ، و عدم انسجام مع الذين جعلوا كل همهم و غمهم اتخاذ المصالح الوطنية ألعوبةً و ترسّم طريقٍ للسيطرة على هذا الشعب . هذه هي مشكلتنا اليوم مع الأعداء الذين نخاصمهم فـي العالم . أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء ! ثمة فـي العالم نقطة عظيمة الفائدة و النفع فـي منطقة حساسة جداً من الناحية الاستراتيجية ـ السياسية و العسكرية ـ اسمها إيران ، كانت لسنوات طوال فـي قبضة القوى المستكبرة ـ روسيا ذات يوم ، و بريطانيا يوماً آخر ، و أمريكا فـي يوم آخر ـ ثم إذا بهذا الشعب ينتزع البلد من مخالبهم اعتماداً على فكرة معينة و إرادة معينة . يريد هؤلاء السيطرة ثانيةً . المعركة كلها من أجل هذا . نحن لا خصام لنا مع أحد . نزاع النظام الإسلامي مع الذين يتحدونه إنما هو بسبب هذه القضية . ليست هنالك مشكلة أخرى . لكل بلدان العالم فـي تعاملهم مع بعضهم تحديات حتمية و طبيعية ـ وهذه غير مهمة ـ المهم هو أن الشعب الإيرانـي و النظام الإسلامي صامد و يروم الدفاع عن هويته و استقلاله و عزته الوطنية . ويريد البعض حلحلة هذه الإرادة و العزيمة . هذا هو سبب المعركة . يجب أن يكون للمجلس فـي هذه المعركة المبدئية الأساسية المصيرية الحاسمة موقع واضح ، ذلك أنكم نواب هذا الشعب . تشاهدون هذا الشعب فـي الانتخابات ، و فـي التظاهرات و المسيرات ، و أثناء إطلاق الشعارات ، و ترونه فـي المطالبات ، ترون من هو و ما هو هذا الشعب . ينبغي أن يكون المجلس مرآةً كبرى للاقتدار الوطنـي و العزة الوطنية و الإصرار على المصالح المالية ومواجهة السلطويين و المتجبرين العالميين و الدوليين . هذه طاقات و فرص مهمة يتمتع بها المجلس.النقطة الأخرى هي أنكم نخبة من مائتين و تسعين شخصاً اجتمعتم من أنحاء البلاد ، و هذه فرصة نادرة جداً . مائتان و تسعون شخصاً هم نواب الشعب ، من النخب و الطبقات الأخرى ، يجتمعون فـي مركز تحت سقف واحد و يبقون مع بعضهم لأربع سنوات . هذه فرصة نادرة و استثنائية . هذا هو مكان التحديات المنطقية و النقاش و الجدل السليم بشأن قضايا البلاد الرئيسة . أنا لا أعارض إطلاقاً المجادلات داخل المجلس ، بل أوافقها بالتأكيد . كان الإمام (رضوان الله عليه) يقول كراراً إن المجلس محل المباحثة ، كمباحثة طلبة الحوزة . إثنان من الطلبة حينما يتباحثان مع بعضهما فقد يصرخان على بعضهما أحياناً ، بيد أن هذا الصراخ ليس بدافع الضغينة ، و لا بدوافع سياسية ، و لا بدوافع شخصية . إن هذا الشخص يدافع عن الحقيقة التـي يرى إنها حقيقة ، و ذلك الشخص ينافح أيضاً عن رؤيته . و كثيراً ما يصلان إلى نتيجة واحدة . ثمة فارق بين صخب أصحاب التخصص و الجدل المنطقي بين العلماء و أصحاب التجربة و الاختصاص ، و بين غوغائية المدارس الابتدائية . حينما يدخل الإنسان مدرسة ابتدائية يسمع ضجيجاً و صخباً عالياً ، و حين يدخل فضاءً علمياً يرى مجموعة من الأفراد جالسين يتناقشون مع بعضهم، هنا أيضاً تعلو الأصوات و يرتفع الضجيج . بيد أن تلك الضجة تختلف عن هذه . الضجة الابتدائية ضجة حزبية و صخب ذو طابع سمسري حيث يمسك البعض بتلابيب بعض طمعاً فـي جيفة الدنيا . إنها ضجة قبيحة لا تناسب مستوى المجلس . أما الجدل العلمي و النقاشات التخصصية ، لاسيما فـي اللجان ـ و اللجان هي محل هذه الأحاديث ـ فهي جد سليمة و صحيحة . بهذا الأسلوب يتم تأمين حيوية المجلس و هي شىء لابد منه .أي نوع من التنمية نتوخاها ؟ هذه النقطة الأساسية مطروحة دائماً فـي النقاشات الاقتصادية و غير الاقتصادية . البعض يريدون قذف كلام يبعدون به أذهان الجماهير عن قضاياهم الرئيسة : النموذج الصينـي ، النموذج اليابانـي ، النموذج الفلانـي . نموذج التنمية فـي الجمهورية الإسلامية و بمقتضى الظروف الثقافية و التاريخية و الموروث و المعتقدات و الإيمان الذي يتحلى به هذا الشعب ، نموذجٌ محلي تماماً و خاص بالشعب الإيرانـي نفسه . يجب عدم تقليد أي مكان ، لا البنك العالمي ، و لا صندوق النقد الدولـي ، و لا البلد اليساري الفلانـي ، ولا البلد اليمينـي الفلانـي . لكل مكان مقتضياته . هنالك فارق بين الانتفاع من تجارب الأخرين ، وبين اتباع النماذج المفروضة و الموحاة ، و المنسوخة غالباً . أرى أحياناً أن بعض الأساليب التـي تقترح للمجالات الاقتصادية و الثقافية و غيرها مقتبسة من الأخرين ـ المفكر الأجنبـي الفلانـي قال كذا ، و المفكر الفلانـي من البلد الفلانـي قال كذا ـ و كأنهم يستشهدون بآيات من القرآن ! الكثير من الأساليب منسوخة . تم تجريبها قبل ثلاثين سنة ، أربعين سنة ، خمسين سنة ، ثم جاءوا بأسلوب أفضل ، أما نحن فنريد الآن استخدام أسلوبهم المنسوخ فـي التربية و التعليم ، و فـي القضايا العلمية ، وفـي المهام الجامعية ، و فـي الأمور الاقتصادية ، وفـي التخطيط و الميزانية . لا ، هذا غير صحيح . تتعين الاستفادة من التجارب و العلوم ، لكن ينبغي اختيار النموذج و الأسلوب بشكل محلي و ذاتـي تماماً .من النقاط الأساسية فـي عمل المجلس أن ابتداء عملكم هو فـي سنة الاجابة و تحمل المسؤولية . إن مهمتكم فـي ميدان الاجابة لها بعدان ، يجب أن تجيبوا ، و يجب أيضاً أن تطالبوا بالإجابات . إذا أرادت الحكومة أن تجيب يمكن لإجابة الحكومة أن توجه للرأي العام ـ و هي شىء محبذ و قد شجعتُ الإخوة فـي الحكومة دوماً أن يوضحوا و يتحدثوا للرأي العام ـ بيد أن الآلية و الأسلوب القانونـي هو إجابة الأجهزة التنفيذية أمام المجلس . ينبغي عليكم المطالبة بالإجابة ، و أيضاً تقديم الإجابة فيما يتصل بمهماتكم . حددوا أولوياتكم . لقد تم انتخاب كل واحد منكم من منطقة معينة ، رفعتم شعارات ، و أطلقتم كلاماً و أعطيتم وعوداً ، اجمعوا هذا و انظروا ما هي الأولويات . حددوا هذه الأولويات و صنفوها ، بل و ارسموا لها جدولاً زمنياً حين ينبغي متابعتها فـي اللوائح التـي تقدمها الحكومة ، و حين يجب تأمينها بمشاريع المجلس نفسه ، و عندما يجب حصولها عن طريق الإجابة و مطالبة الأجهزة الحكومية بتقديم الإيضاحات ، ثم ارفعوا تقاريركم للناس و قولوا توخّينا سن هذا القانون ، أردنا مواجهة هذه المشكلة ، و كان الوقت اللازم ستة أشهر، و قد وصلنا فـي نهاية الستة أشهر إلى هنا . قول السيد الدكتور حداد عادل إننا سنقدم فـي السنة المقبلة شهادةً مقبولة ، ممكن فـي حال رسمتم الأولويات و خططتم و وضعتم جدولاً زمنياً و قلتم إننا نتابع هذه الأولويات . ولا يمكن القيام بكل الأعمال فـي ليلة واحدة . ثمة أولويات . تشخيص الأولويات و متابعتها أمر مهم . فـي هذه الحالة ستجيبون الجماهير ، و ستطالبون الأجهزة الخاضعة لإشرافكم بالإجابة و تحمّل المسؤولية .يتوجب أن لا تفوتوا حتى يوماً واحداً . هذه نقطة اقولها غالباً للإخوة و الأخوات المسؤولين فـي مواقع معينة ، و أقولها لكم أيضاً . احياناً يتصور فريق أن لديهم من الوقت أربعة أعوام و أن الشهرين أو الثلاثة الأولى لا شىء . لا يا سيدي ! حتى اليومان و الثلاثة الأولى مهمة . يجب عدم التفريط حتى بيوم واحد . أربع سنوات وقت طويل شريطة الانتفاع من كل ساعاته و أيامه . نحن لا نتوقع الشىء الكثير . ينبغي الاستفادة بنحو سليم من كل الوقت المقرر للمجلس ، عندئذ ستكون أربعة أعوام زمناً يُعتد به حقاً .أميركبير من الأسماء المجللة بالفخر فـي تاريخنا . لقد كان أميركبير على رأس الحكومة فـي بلادنا لمدة ثلاث سنوات ، مايدل على أن ثلاث سنوات زمن طويل . جميع الأعمال التـي أنجزها أميركبير ، و كل الذكريات الطيبة التـي حفظها التاريخ و شعبنا عن هذه الشخصية إنما هي حصيلة هذه السنوات الثلاث . و بالتالـي ، ليست هذه الأعوام الأربعة بالوقت القصير ـ إنه وقت طويل جداً ـ شريطة أن يستخدم كل هذا الوقت بشكل صحيح .فتشوا عن المثل الحقيقية فـي قوالبها و لبوسها العملي . يجب عدم المطالبة بالمثاليات غير العملية و غير التنفيذية ، لا ينبغي الاقتناع بالقليل و الابتعاد عن تلك المثل . ما ينبغي جعله نصب العينين دوماً هو أفق العشرين سنة . إن هذا الأفق مهم جداً . و أقول لكم إن هذا الأفق عملي تماماً بشهادة الخبراء و المتخصصين فـي هذا الشأن . أي أنه يخلو تماماً من الطموحات المجنحة الفارغة و عديمة الركائز . أنظروا بشكل صائب ، و دققوا ، و اقرأوا أفق العشرين سنة . إننا الشعب الإيرانـي بدستورنا الجامع و بأركان النظام هذه ـ إذا عملوا بشكل جيد و صحيح ـ نستطيع فـي غضون عشرين عاماً البلوغ ببلادنا إلى نقطة الذروة و القمة المرسومة فـي هذا الأفق . خذوا السياسات بعين الاعتبار ، فالسياسات مرسومة على أساس هذا الأفق . يجب أن تتناسق القوانين مع هذه السياسات ، أي أنها يتوجب أن تستقر داخل السياسات و تتحرك باتجاه هذا الأفق المقرر على أساس الإسلام . ينبغي إنفاق كل الوقت و الهمم و الأعمال لهذه الأهداف ، و الواقع أنه يجب الذوبان فـي هذه الأهداف . عبارة «الذوبان فـي الولاية» يستخدمها فـي الغالب معارضوكم الذين يرومون تسجيل بعض النقاط و طرح بعض المضامين ، و إلاّ قليلاً ما سمعت هذه العبارة من شخصيات محترمة . أنا لا أفهم معنى الذوبان فـي الولاية . ما معنى الذوبان فـي الولاية ؟ ينبغي الذوبان فـي الإسلام . الولاية نفسها ذائبة فـي الإسلام . يوم قال الشهيد الصدر « ذوبوا فـي الإمام الخمينـي كما ذاب هو فـي الإسلام » كان المؤشر الوحيد لصحة الطريق هو شخص الإمام ، لم يكن ثمة دستور ، ولا جمهورية إسلامية ، و لا نظام ، ولا أجهزة . كانت هناك قامة شامخة و علم سامق فـي مسرح الاضطراب و الصخب و التيارات و الخطوط المختلفة ، ألا وهو الإمام . وقد قال الشهيد الصدر ذوبوا فيه ، و كان على حق ، فالذوبان فـي الإمام كان ذوباناً فـي الإسلام . ليس الأمر على نفس الشاكلة اليوم . الذوبان فـي القيادة ذوبان فـي شخص معين ، و هذا لا معنى له إطلاقاً . ومن هي القيادة ؟ القيادة أيضاً يجب أن تذوب فـي الإسلام لتنال الاحترام . إحترام القيادة إنما هو فـي ظل ذوبانها فـي الإسلام و فـي هذه الأهداف . إذا وَضَعَ خطوةً معوجةً واحدةً فسوف يسقط . ما من أحد يذوب فـي الشخص و فـي الجهة ، ينبغي الذوبان فـي تلك الأهداف ، ينبغي الذوبان فـي الإسلام . يجب الذوبان فـي الأهداف الإسلامية السامية التـي حددها الله تعإلى لنا . الواقع أنه ينبغي الذوبان فـي الشعب . سمّروا أعينكم على هذه الأهداف و على نقطة الذروة الرفيعة تلك . الإسلام ، و العزة الوطنية ، و الاستقلال ، و العدالة الاجتماعية ، و تقليل الفجوة بين طبقات المجتمع ، هذا ما نحتاج إليه اليوم بشدة . قانون واحد منكم بوسعه تعميق الهوة بين الفقير و الغنـي ، و بمقدوره التقريب بينهما بقدرما . ينبغي أن تطمحوا إلى تقليل هذا البون و ردم هذه الهوة . من أهم الأعمال مكافحة الفساد . إن مكافحة الفساد ليست قضية أخلاقية صرفة . إن إدارة البلد رهن بمكافحة الفساد . قبل سنتين أو ثلاث حين كتبت تلك الرسالة لمسؤولـي البلاد بشأن مكافحة الفساد ، كان ذلك عقب عمل طويل الأمد و دراسة و بحث واسع و شامل . فـي أي اتجاه تحركنا نجد أنه ما لم يُكافح الفساد فستبقى جميع الأعمال مبتورةً عالقةً . كل هذه الأعمال الإيجابية تجري فـي البلاد ـ الأعمال التـي أنجزت ليست قليلة ـ بيد أن وجود الفساد يحبط بعضها. تصوروا مسبحاً يُملأ بالماء من عدة آبار عميقة بأنابيب واسعة الأقطار ، لكن المسبح لا يمتلئ . حينما ننظر نجد أن جدران المسبح متصدعة و قاعه مثقوب . كل ما يريقونه من ماء من هذه الجهة يخرج من تلك الجهة . اسقوا القنوات التـي قررتموها ، فالمياه لا تصل أبداً . هكذا هو الفساد فـي المجتمع . الفساد المالـي كالأرضة ، أو الأيدز ، أو السرطان لابد من مكافحته . طبعاً يجب عدم تضخيم الأمور . البعض يثير الصخب و يضخّم المشكلات و يتحدث و كأن هذا السرطان قد تفشى فـي كل مكان ، كلا ، ليس الأمر كذلك . لدينا كل هذه الأيدي النظيفة ، و الوجوه النظيفة ، و الشخصيات النزيهة فـي الأجهزة و المؤسسات المختلفة من أعلى المستويات إلى أدناها . و هؤلاء هم الأكثرية . غير أن نقطة فساد واحدة تلوث الكيان برمته . حينما يمرض موضع معين فـي الجسم و يصاب بالوجع ـ حينما يفسد الضرس مثلاً ـ لايستطيع الإنسان أن ينام فـي الليل . القلب سليم ، المعدة سليمة ، الرئة سليمة ، دورة الدم سليمة ، بيد أن ضرساً واحداً غير سليم يسلب الإنسان النوم . هكذا هو الفساد . ينبغي مكافحة الفساد بجد . أنتم إحدى ركائز هذه المكافحة . يوم طرحتُ قضية مكافحة الفساد كنت أتوقع أن يبادر مجلس الشورى الإسلامي و يقف فـي الصفوف المتقدمة و يتحرك فـي هذا الميدان حتى لا تعود بنا حاجة للمتابعة ، لكن هذا لم يحصل للأسف . هم لم يفعلوا ذلك فافعلوه أنتم . طبعاً على حد تعبير اخينا الظريف النبيه لا يمكن تنظيف الزجاجة بمنديل مُتسخ . إذا أراد الإنسان مقارعة الفساد ينبغي أن يحذر أولاً من أن يُبتلى هو بالفساد . راقبوا أنفسكم و راقبوا الوضع فـي داخل المجلس . اليد النظيفة ، الذيول الطاهرة ، اللسان النزيه ، و العين العفيفة بوسعها تطهير كل شىء فـي نطاق السلطة الواسعة التـي تمتلكونها . تتمة لهذه التوصية ، أقول لكم أيضاً احذروا المزالق . حين يدعو الإمام السجاد ( عليه الصلاة و السلام ) فـي الصحيفة السجادية لجنود الإسلام ، فمما يشدد عليه هو أن يا إلهي انزع من قلوبهم حب «المال المفتون» أي المال الذي يسبب الفتنة . المال شىء خطير و فتّان للغاية و يزل الكثيرين . نلاحظ شخصيات كبيرة فـي التاريخ زلت بهم الأقدام حين بلغوا هذا الموضع . إذن حاذروا جداً . ما هو اسم هذا الحذر و المراقبة فـي الشرع المقدس ؟ التقوى . حين يوصي القرآن من أوله إلى آخره بالتقوى كل هذه التوصيات المؤكدة فمعنى ذلك هذه المراقبة و المواظبة و الحذر . نفس الإنسان تطمح إلى المزيد . حينما قرأت فـي الصحف أنكم قررتم إعادة النظر فـي بعض أمور المجلس و بعض التصرفات غير الضرورية ، فرحت من الأعماق و دعوتُ لمؤسسي هذا المشروع . إفترضوا مثلاً أن لشخص بيتاً ، ويريد بيتاً ثانياً . لديه امتياز و يريد امتيازاً آخر . أنا شاكر فعلاً لأنكم سلكتم هذا الطريق و أبديتم هذه الهمّة . واصلوا هذا الطريق و أصروا على هذه الأفعال . تصرفوا بشكل منطقي و صحيح ما استطعتم . طبعاً نحن لا نوصي و لا نتوقع أن يعانـي نواب المجلس الجوع و العطش مثلاً و يعيشوا زاهدين ـ لا نحن هكذا و لا أنتم ـ ما نقوله هو يجب عدم التمادي و الإسراف و أن لا تكون الأمور بلا قواعد و الإنفاقات و التكاليف عبثية . قد لا يكون مجموع كل هذه الإنفاقات مبلغاً كبيراً جداً فـي المجلس ، لكنكم حين أغلقتم هذا الطريق وفرتم نموذجاً للجماهير و المؤسسات و رسمتم الطريق و الاتجاه الصحيح . عملكم هذا قيم جداً و جيد جداً ، واصلوا هذا الطريق .المسألة التالية ترجيح المصالح العامة على المصالح الإقليمية . هذه أيضاً من الأمور السهلة جداً باللسان ، لكنها صعبة جداً فـي التطبيق العملي . لقد كنت حيناً ما فـي المجلس و أدري ما هي النيابة . ولنا تعاملنا مع المجلس منذ سنين طوال . لا ترجحوا المصالح الإقليمية على المصالح العامة . أقول من باب المثال إنه من جملة التوصيات التـي كنت أوصي بها منظمة الإدارة و الميزانية ، و الحكومات ، ورئيس الجمهورية منذ سنوات ، و أوصيهم الآن أيضاً ، و أخيراً أوصيت رئيس منظمة الإدارة و الميزانية الذي تولى مهامه حديثاً هي إنهاء المشاريع نصف التامة فـي البلاد بسرعة . لدينا عدة آلاف من المشاريع نصف المنتهية . مشاريع كان يجب أن تتم خلال ثلاث سنوات أو أربع سنوات لكنها استمرت عشر سنوات أو أكثر أحياناً . لماذا ؟ جزء من ذلك يعود لضعف الإدارة ، و جزء آخر يعود إلى شحة الأرصدة . إذا أردنا إتمام المشاريع غير التامة يجب أن لا نضيف مشاريع جديدة ، و إلاّ بقيت جميع هذه المشاريع نصف تامة . و من البديهي أننا إذا استطعنا إنفاق أموالنا لبناء مدرسة يجلس فيها الطلاب خلف رحلاتهم فـي الصفوف لكان ذلك أفضل من البدء ببناء مدرستين تبقى كلتاهما فـي مرحلة البناء و الإعداد و لا تنتهي . وبالتالـي لن يجلس طالب فـي صفه . نفترض ان الهمم عالية و نبدأ بناء مدرستين من دون أن تنتهي حتى واحدة ، هل هذا أفضل أم أن ننفق ذات التكاليف على بناء مدرسة واحدة ننهيها ليذهب الطلاب إلى صفوفهم ؟ المشاريع الإقليمية : مطار فـي المكان الفلانـي ، طريق فـي المكان الفلانـي ، خط سريع فـي المكان الفلانـي و ... ثمة توقعات ، و النائب ينقل هذه التوقعات إلى المجلس لتُنقل من هناك إلى الحكومة و تكون النتيجة مزيداً من الضغوط . و المسؤولون فـي الحكومة يستسلمون أخيراً لأي سبب من الأسباب و يتعهدون بهذه الإنجازات ، ولكن ما هي النتيجة ؟ النتيجة هي أن مشاريعنا نصف المنتهية إذا كانت بحدود أربعة آلاف مشروع ، ترتفع إلى خمسة آلاف مشروع ، ثم ترتفع إلى عشرة آلاف مشروع . المهمة صعبة ولكن يجب تحملها .الكلام كثير طبعاً . يقول :صدرٌ كبيرٌ من الكلام يتموّج فـي فمنا لدينا كثير من الكلام معكم ، ولكن ينبغي ملاحظة الوقت أيضاً .المسألة الأخيرة هي الانضباط . أريد أن أقول لكم إنه فـي أحيان كثيرة حينما كان التلفاز فـي الماضي يعرض المجلس ، و كنت أشاهد المقاعد الفارغة ، أشعر بالخجل و الحياء من الناس و أنا مقابل التلفاز ! لقد قلنا لهؤلاء الناس احضروا عند صناديق الاقتراع ، وقد جاءوا و حددوا النواب ، فما هو الحال الآن ؟ هذه قضية مهمة . تنظرون إلى المجلس فترون أربعة مقاعد خالية و واحد جالس من بعده خمسة مقاعد فارغة . إننـي هنا حين أشاهد هذا المنظر من التلفاز أشعر بالخجل حقاً . هذا عدم انضباط و ينبغي عدم قبوله للمجلس إطلاقاً . الحضور فـي الوقت المحدد ، و الحضور فـي اللجان ، و الحضور فـي القاعة الرئيسية و مزاولة العمل أمور مهمة جداً .بالأمل الذي عقدته الجماهير عليكم و الصورة التـي انطبعت فـي أذهانهم أتمنى إن شاء الله أن يكون سلوككم و تحرككم مضافاً إلى التوفيق الإلهي بحيث يتعزز هذا الأمل لدى الناس يوماً بعد يوم ، و أن يفرح الناس و يبقوا فرحين إن شاء الله لأنهم بعثوا للمجلس نواباً صالحين مثلكم . فـي هذه الحال سنكون نحن أيضاً داعين لكم دائماً .والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/06/15

كلمته في لقائه الطلبة و الأساتذة في مدرسة آية الله مجتهدي للعلوم الدينية

بسم الله الرحمن الرحيمأنا سعيد و مسرور جداً لأنـّي وفّقت أن ألتقيكم هنا أنتم الشباب المؤمن و طلاب العلم و الناشطين فـي مضمار تحصيل العلم و المعرفة فـي المجال الدينـي . كنتُ راغباً جداً منذ سنوات أن أحضر يوماً إلى مدرستكم و هذه الحوزة الدافئة التـي أقيمت و الحمدلله فـي طهران خلافاً للدراج و بهمَّة عالية ، و أن أزور هذا المكان عن كثب . لكننـي ولله الحمد وفّقت اليوم أن تتفضلوا أنتم إلى هذا المكان فألتقيكم عن قرب . قبل مدة طويلة من لقائي بحضرة السيد مجتهدي و زيارتـي له عن كثب ، كنتُ أعرف مدرسته قبل الثورة و سمعتُ اسم هذه المدرسة وصيتها . لقد أبدى همّة عالية و أسس فـي طهران حوزة علمية حقيقية جادة . و كان هذا شيئاً نادراً قل نظيره . حبه و اندفاعه لهذا العمل و الجهد المخلص الذي بذله استجلب العون الإلهي فاستطاع النهوض بهذه المهمة . و قد كان لهذه المدرسة و الحمدلله بركاتها . فقد تخرج منذ سنوات طوال فضلاءُ مميزون و علماء محترمون من هذا المركز المشيد على أساس الحب و الهمة و السعي و الإخلاص ، و راحوا يمارسون واجباتهم فـي مناطق مختلفة . يجب أن نعرف قدر هذا . و اليوم أيضاً إنما تقوم هذه المدرسة بكم ، أنتم الطلاب الأعزاء و حضرات المدرسين و العلماء الأعلام الذين تتولون التدريس فـي هذه المدرسة . المهم فـي المجتمع السائر نحو التطور و صاحب المُثُل السامية العلمية و الاجتماعية و الدنيوية ، أنه إذا كان ثمة تيار ثقافـي متنفذ يقود جهود هذا المجتمع وحركته ، فسيبلغ هذا المجتمع الخير و الصلاح و الفلاح . أما إذا لم يكن فـي المجتمع الآخذ فـي التقدم و النمو العلمي مثل هذه الحركة الثقافية الدينية الإلهية و المعنوية ، فستكون النتيجة ما تشاهدونه اليوم فـي المجتمعات الغربية المتقدمة . كلما ازداد تقدمهم ازداد ابتعادهم عن الصلاح و الإنسانية و العدالة . إنكم تلاحظون اليوم ذروة التحضر المادي من الناحية العلمية و المالية و القدرة العسكرية و المساعي السياسية و الدبلوماسية فـي أمريكا . أمريكا بلد له ثروة و قدرة عسكرية أسطورية و أنشطة سياسية جد مميزة ، لكنكم تشاهدون أيضاً ذروة الابتعاد عن الإنسانية و المعنوية و الأخلاق و الفضيلة فـي نفس هذا المجتمع الأمريكي ، و الذي لم يُشاهَد قبل ذلك فـي أي مجتمع آخر . أنكر الممارسات البشرية و الأخلاقية و الجنسية و الاجتماعية تحولت اليوم فـي ذلك المجتمع المتقدم و المجتمعات المماثلة إلى قوانين و أعراف مقبولة . الخطيئة موجودة فـي كافة المجتمعات البشرية ، أما الخطيئة التـي تغدو عرفاً و قانوناً و ترصد لها الأموال و يدافع عنها ، فهي انحراف لا نظير له . يُشاهد هذا الانحراف اليوم فـي المجتمع الأمريكي بوصفه أكثر المجتمعات تقدماً على الصعد العلمية و الصناعية و المالية و الاقتصادية و السياسية بكل وضوح و جلاء . تلاحظون أن رجلاً أو امرأة بظاهرٍ أنيق و شكل مناسب تماماً ، بحيث لو شاهد شخص هذا الرجل فـي الشارع أو هذه المرأة فـي أحد المحلات التجارية لما اعترته أية مشاعر أو ظنون سلبية تجاه المنحى الأخلاقي لهؤلاء ، لكن هذا الرجل نفسه و هذه المرأة نفسها فـي سجن أبـي غريب ببغداد يتحولان إلى ذئاب مفترسة . تحت هذا الظاهر الإنسانـي النظيف المنسق المعطّر المحلّي بالپاپيون و ربطة العنق ينامُ كلبٌ مسعور . الصور التـي نشرت لسجن أبـي غريب هزت و أيقظت حتى أعمق طبقات المجتمعات الغربية نوماً . الجلاد امرأة ـ بالمشاعر الرقيقة التـي يفترض أن تتحلى بها المرأة ـ و المعذَّبون عدة رجال عراقيين ، و الجريمة أنهم مشتبه بهم . هذا ليس إلاّ ! و التعذيب فـي أسوء درجات الشناعة ، و المجتمع الذي اقترف هذه الجريمة مجتمع متقدم علمياً و صناعياً و مدنياً ، مجتمع كثير التشدق و يزعم قيادة البشرية ! حين تغيب ملامح الهداية المعنوية و التيار الثقافـي السليم المتنفذ فـي مجتمع ما ، فلن تكون النتيجة سوى هذه ، هذه هي الخطيئة الكبرى للحضارة الغربية . حين يقال إن الإسلاميين المستنيرين و المثقفين يعارضون الحضارة الغربية فهذا من تزييف المعاندين الغربيين أنفسهم إذ يشيعون أن هؤلاء يعارضون العلم و التقدم ، والحال أن معارضة المؤمن بالإسلام للحضارة الغربية ليست بسبب تقدمها العلمي أو مكافحة الخرافات و إضفاء الطابع العلمي على كافة العلاقات الاجتماعية ، إنما هو بفعل الفراغ المعنوي و غياب الفضيلة عن هذه المنظومة الدنيوية . هذا طبعاً مصير الغرب أنْ يسقط فـي هذه الورطة . كان هذا هو رد الفعل حيال رجال الدين الذين ابتلي بهم الغرب قبل عصر النهضة فـي أورپا ، بما لهم من اعوجاجات فكرية ، و نزعة رجعية ، و عصبيات عنيدة بعيدة كل البعد عن العقل و المنطق . حين كانوا يعارضون العلم و التقدم و يحرقون البشر فـي النار أحياءً لجرائم وهمية ـ يعود هذا إلى ما قبل قرنين أو ثلاثة فـي أورپا ، و ليس بالأمر القديم جداً ـ و حين سادت الخرافات البشعة كافة الشؤون الفكرية و المعنوية فـي أورپا و الكنيسة يومذاك ، ستكون الثمرة طبعاً ما حصل فـي أورپا و أسقطها إلى هذا المنحدر . أنتم الشباب سترون ذلك اليوم الذي يحل فيه الهلاك و الموت بالعالم الغربـي المتحضر بسبب غياب المعنوية . سيسقطون من ذروة الاقتدار الذي يتمتعون به اليوم إلى حضيض الذل و العجز . نتائج التفاعلات التاريخية ليست سريعة و آنية . ستُشاهَد هذه النتائج يوم لاتكون ممكنة العلاج . هذا يوم سيحل بالحضارة الغربية ، و التحذيرات منه يطلقها اليوم الواعون الغربيون أنفسهم . ليس هذا كلام أجلس أنا المعمم هنا و أقوله عن بعد ، كلا ، إنه كلام و فهم الغربيين أنفسهم . و نحن أيضاً نفهم هذا بالطبع . ما هو السبب فـي ذلك ؟ لم تكن لديهم مشكلة فـي العلوم ، و قد اكتشفوا و أصابوا ثروات لا حد لها عن طريق هذا العلم . إستثمروا الثروات الجوفية و المصادر الإلهية الطبيعية إلى أقصى الحدود ، وصعدوا إلى الفضاء ، و اكتشفوا أعماق الأجسام . كانت لهم إنجازات كبيرة فـي تقدم العلوم ، وقد استخدموا هذه العلوم إلى أقصى الحدود بنحو مشروع و غير مشروع لاكتساب الثروة و الاقتدار و السياسة و كل شىء . مارسوا الاستعمار بهذا العلم ، و اقترفوا مذابح عالمية شتى . قتل الغربيون ملايين البشر فـي القرن الأخير و فـي حروب و احداث شتى . إذن ، لم تكن لديهم مشكلة فـي العلم ، بيد أن العلم من دون الهداية و الفضيلة و المعنوية و الإنسانية ، والعلم المتكالب على الدنيا فقط و بغض النظر عن الآخرة ، هذه هي نتيجته . بدايةً يسبغ الألق على الحياة و يمنح السلطة و الثروة و الجمال ، «للباطل جولة» ، أما نهاية القضية فهذه ، و هذا ما سوف يستمر . إعلموا أن التوحش الأخلاقي للمجتمعات الراقية و المتحضرة التـي لم تعرف المعنوية قط ، سيتفاقم يوماً بعد يوم ، و هذه الوحشية هي المنزلق الكبير أمام الحضارة الغربية اليوم و هو ما سوف يسقطهم . من الذي ينبغي لهُ توفير هذه المعنوية للمجتمع و إيقاد سراج الفضيلة وسط الدوافع الدنيوية المتراكمة ؟ من الذي يجب أن يلجم خيول الأهواء النفسية الجموحة التـي تقذف بالبشر فـي هذه الميادين الخطيرة و يروّضها ؟ رجال الدين الأطهار الواعون العقلاء العلماء الناشطون ، و هذا ما افتقده الغرب . إذا توفر رجال الدين و علماء الدين فـي مجتمع ما على هذه السجايا و أتقنوا علوم الدين ، و تحلوا بالتقوى و الورع بالقدر اللازم ، و كانت لهم الشجاعة اللازمة ، و نزلوا إلى الساحة تقرباً إلى الله ، و عملوا بعقلانية و تدبير ، فكلما ازداد التقدم الدنيوي فـي ذلك المجتمع ، ستتقدم فيه المعنوية بنفس النسبة، ولن يحدث اللاتعادل و اللاتوازن الذي يعانـي منه العالم الغربـي اليوم و الذي سيفضي أخيراً إلى هلاكه . أنتم الشباب و اليافعين من تشكلون هذه المنظومة التـي بوسعها إنقاذ بلادكم و مجتمعكم ، بل المجتمع الإسلامي الكبير ، و من ورائه المجتمع الإنسانـي برمته . أطلّوا على ساحة العمل التـي يراد منكم العمل فيها من هذا المنظار . هذه هي النظرة الصائبة . لا إننا كرجال دين ليس فينا أي نواقص أو عيوب ، بلى ، لدينا الكثير من النواقص ، بيد أن رجال الدين الأسلاف حافظوا على هذه السلامة ، و بذلوا كل جهدهم فـي سبيل العلم و التقوى ، و استطاعوا الحفاظ على السلسلة المعنوية إلى اليوم . إن بلادنا ومجتمعنا الإسلامي اليوم يختلف عما كان عليه فـي كل عصور التاريخ الماضية. وبنفس الدرجة يتميز دور رجال الدين اليوم أكثر بكثير مما كان عليه فـي الماضي . قديماً ، كان رجال الدين عندنا مجموعة منفصلة دوماً عن إدارة حركة المجتمع و تدبير شؤونه . كانت مغلوبة من قبل جماعة هي نفسها مغلوبة . حتى فـي الحقبة التـي ادعى فيها ملوك الصفوية التشيع و كانوا يحترمون العلماء ، و كان فتح علي شاه يزور الميرزا القمي إلى بيته فـي قم ، و يمسكه من تحت أبطه ، كان رجال الدين جماعةً هامشية تماماً . و كأنما هناك تيار يتحرك كالسيل و ثمة إلى جانبه خليج صغير ؛ له صلته بهذا التيار ، إلاّ أنه يعدم أي تأثير أساسي فـي هذا التيار . و ليس رجال الدين فحسب ، بل لقد كان الدين أيضاً كذلك . لقد أضحى الدين فـي بلادنا اليوم و لأول مرة فـي تاريخ هذه البلاد ـ بل فـي تاريخ البلدان الإسلامية ـ بعد صدر الإسلام ، مصدر و منبع السلطة و تدبير الأمور و إدارة المجتمع . ليس المؤشر وجود أو عدم وجود رجال الدين . المؤشر هو وجود أو عدم وجود الدين . مجلسنا التشريعي هو مجلس شورى إسلامي ، أي أن معيار قبول أو عدم قبول القوانين عندنا هو تطابقها أو عدم تطابقها مع الدين ـ مجلس صيانة الدستور ـ بمعنى أن السلطة التنفيذية فـي البلاد و كافة الأذرع و الأيدي و الأصابع المساهمة فـي إدارة البلاد ترتبط بمصدر دينـي . هذه هي الخصائص الرئيسة لمجتمعنا اليوم . و هذا ما لم يكن فـي الماضي . إنْ كنتم ترون جبهة الكفر و الاستكبار الهائلة بكل أشكالها المختلفة تعأرض هذه النقاط بشدة ، فهذا هو السبب . يعارضون مجلس صيانة الدستور بشدة ، يعارضون المجلس بشدة إذا كان مجلس شورى إسلامي ، يعارضون بشدة رئيس الجمهورية الذي ينادي بالإسلام . و من باب أولى يعارضون القيادة و ولاية الفقيه مائة بالمائة ، لأن هذه هي النقاط الأساسية التـي تؤمِّن التحرك و الاتجاه الإسلامي للنظام . إذا رجعنا أدراجنا فـي التاريخ سنجد أن لا سابقة لهذه الحال حتى صدر الإسلام . إنْ كان هذا البلد قد استطاع تحقيق نجاحات فـي ميادين التحرك و التقدم المادي ، و إذا استطاع التوفر على العلوم و التقنية و الصناعة ، و إذا استطاع أن تكون له سياسة دولية و دبلوماسية قوية، و إن كان قد تمكن من إدارة اقتصاد المجتمع ، و إنْ كان قد تمكن من استثمار مصادر الثروة الهائلة تحت الأرض و فوقها ، من مناجم و زراعة و ما شاكل ، وإذا كان قد استطاع الاستفادة من أراضيه الإيرانية الواسعة و المتنوعة و موقعه العسكري المهم ، و باختصار إذا كان قد استطاع مواكبة معايير التقدم العالمي و المدنـي ، فسيكون البلد و الحكومة الأولى التـي استطاعت اكتساب التقدم المادي تحت أنوار مصابيح الفضيلة و المعنوية الوضاءة . و ستكون هذه حضارة جديدة . هذا نادر جداً فـي التاريخ ، و هو ظاهرة تحمل الكثير من النذر و تحذيرات للحضارة الغربية . إذا برّزتم دور رجال الدين فـي هذه المنظومة فسوف تقدمون خدمة عظيمة للمدنية و الحضارة . العلوم الحديثة جيدة جداً . إننا نشجع الشباب الدارسين فـي الجامعات على العلم و البحث و التحقيق . تسمعون و ترون ذلك . أنا أذهب إلى الجامعات و أتحدث للشباب الجامعي و الأساتذة ، و أشجعهم على تحطيم حدود العلم و اجتياز هذه الحدود و اكتساب علوم جديدة و إنتاج العلم . هذه هي الأمور التـي يجب القيام بها . نشجع و نرغّب المدراء و الأذرع الناشطة فـي البلاد فـي العمل التقنـي و الصناعي و الزراعي و إنتاج الثروة و زيادتها ، و نبذل مساعينا و نرصد الأموال فـي هذه المجالات . هذا كله ضروري ، شريطة أن يتم على أحسن وجه . أما إذا غبتم أنتم المشمرين عن سواعدكم للحفاظ على أنوار المعنوية و الفضيلة و الدين الوهّاجة النيرة ، فستفقد كل هذه التطورات قيمتها ، بل تتحول إلى قيم سلبية مضادة . هاهنا تتجلى أهمية الحوزات العلمية . من هذا المنظار مهمتكم أهم من كافة الأعمال التـي يصار إلى إنجازها . إن وجود مجموعة من رجال الدين ، العلماء ، الواعين ، المثقفين ، الشجعان ، الورعين ، النزيهين ، المتحلين بالوعي الواسع و خشية الإله ، يبشِّر فـي المجتمع النامي بأن هذه التطورات لن تستخدم لمزيد من التيه و الضلال ، أو باتجاه السقوط و الانحطاط فـي المسيرة التاريخية . هذا هو دوركم أيها الشباب من طلاب العلم و دارسي العلوم الدينية . إعرفوا قدر هذا فإنه مهم جداً . طبعاً ثمة مشكلات فـي طريقكم . يواجه طلبتنا و رجالُ الدين عندنا اليوم صعوبات عديدة . لديهم مشكلاتهم المادية ، و مشكلاتهم من حيث السمعة و الاعتبار ، لديهم صعوبات شتى و أنواع من الحرمان ، بيد أنها صفر فـي طريق هذا الهدف الكبير . ما من منظومة استطاعت ممارسة و إيجاد دور مؤثر و خالد من دون مكابدة المشكلات . طبيعة الإنسان لا تسمح بوصوله إلى مراتب راقية عن طريق الركون للدعة و التمتع بالراحة المطلقة . ينبغي تحمل الصعوبات . هذا هو التوجه نحو رضا الله و ممارسة الدور اللازم فـي سعادة المجتمع . بمستطاع الحوزات العلمية اليوم بناء نفسها بحيث تكون ذات دور بالمعنى الحقيقي للكلمة . الحوزة العلمية فـي قم تأسست عام 1340 ق ـ أي قبل نحو خمس و ثمانين سنة ـ على يد المرحوم الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري ، و فـي سنة 1355ق ـ أي بعد خمسة عشر عاماً ـ لاح أنها قد تلاشت بوفاة مؤسسها ، أي فـي ذروة اقتدار رضاخان و ممارساته القمعية . حينما توفـي المرحوم الشيخ عبدالكريم الحائري تفرق حتى أولئك المئات من الطلبة الذين كانوا فـي قم . كانوا يعانون الجوع ، و الإفلاس ، و الخوف ، و الافتقار لأي مصدر معيشي ، يذهبون نهاراً إلى خارج مدينة قم يتباحثون فـي البساتين المحيطة بقم ، و يعودون مساءً إلى المدرسة الفيضية أو إلى بيوتهم . ولكن خرج من بين نفس هؤلاء الطلبة المشردين المتفرقين الخائفين المرعوبين من اقتدار النظام الحاكم و المسحوقين تحت الضغوط الاقتصادية و الاعتبارية و السياسية الشديدة ، خرج شخص كالإمام الخمينـي . بعد أربعين عاماً من تشكيل حوزة قم ـ أي فـي سنة 1381 ق ـ انطلقت نهضة رجال الدين . إن لهذا معانـي كثيرة . وقد انقضت عدة سنين من هذه الأربعين سنة بتلك الشدائد . فـي فروردين من سنة 1342 شمسية حين وقعت أحداث المدرسة الفيضية و ضُرِبِ الطلبة و قذفوهم من فوق السطوح ، ذهبنا فـي نفس اليوم لبيت الإمام . كنت ُحينها طالباً شاباً فـي أعماركم الآن . كانت الأجهزة القمعية لمحمدرضا قد شمرت عن سواعدها علناً ضد الحوزة العلمية . فـي شارع إرم بقم لم يكن الطلبة يجرأون ـ و قد شاهدت هذا بعينـي ـ على العبور من إحدى جهتـي الشارع إلى جهته الثانية ! كوماندوز أجهزة الشاه كانوا ينهالون على الطالب كأنهم الشمر فيضربونه و يقذفون عمامته أرضاً و يمزقون ثيابه . فـي مثل هذا الظرف المرعب ، عاد الإمام (رضوان الله عليه) ذلك اليوم بعد صلاتي المغرب و العشاء إلى بيته ـ البيت نفسه الموجود حالياً فـي قم ـ و جاء الطلبة أيضاً ، و كنت موجوداً معهم . ذكّرنا الإمام بأيام القمع فـي عهد رضاخان وخروج الطلبة إلى خارج قم . وقال كنّا يومها نعيش بهذه الطريقة ، فذهب أولئك و بقينا ، و الآن أيضاً سيذهب هؤلاء و ستبقون أنتم . كانت هذه نبوءة الإمام ، نبوءة ترتكز إلى الوعد الإلهي . لقد وعد الله تعالى أي جماعة تجاهد و تصبر فـي سبيله و تكون مؤمنة بأنها ستبلغ هدفها يقيناً . ليس الوعد الإلهي كذباً . يدل الله تعالى الإنسان على الطريق و يأخذ بيده خطوة خطوة . إذا كان الله هو الهدف فستتوفر الهداية الإلهية ﴿و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ . المهم هو وجود هذا الحافز و هذا الإيمان ، و النزول إلى الساحة و بذل الجهود و المساعي . أينما توفر هذا سيتحقق النجاح بلا مراء .لقد استطعنا اليوم أن نشاهد بأعيننا ثمار الجهاد المتظافر و الهائل الذي قرر الله تعالى له أجراً : تشكيل حكومة على أساس الإسلام و معارف أهل البيت (عليهم السلام) ، هل هذا مجرد هزل ؟ هل كان يخطر ببال أحد أصلاً و فـي عصر الهيمنة المطلقة للقوى المادية على العالم و مختلف الأساليب و الآليات الدعائية و السياسية و الاقتصادية و المالية الاستعمارية و الاستعمارية المُحدثة ـ و فـي هذه المنطقة الحساسة من العالم ـ أن تنبثق فجأةً غرسةٌ صالحة بهذه الجذور الراسخة ، و لا تقدر الأعاصير طوالَ خمس و عشرين سنةً أن تلحق بها أي ضرر ؟ لقد كان هذا محالاً . إلاّ أن هذا الأمر نفسه ـ المستحيل بالنظرة العادية و العرفية الدارجة ـ كان حتمياً فـي الميزان و المعيار الإلهي ، و قد تحقق . لقد قلنا اليوم فـي ( أفق العشرين عاماً ) أن بلادنا يجب ان تبلغ بعد عشرين سنة هذه المرحلة من التطور المادي و التقدم السياسي و من الناحية المعنوية و الثقافية . إن الوصول إلى هذه المطامح أمر أكيد إذا كانت هناك مساع ٍ و جهاد من ورائها . ما من شك فـي هذا . ولكن ـ كما أوضحت ـ يمكن لهذا التحرك أن ترافقه الهداية الإلهية و الدينية و إرشاد رجال الدين ، و يمكن أن لا ترافقه . إذا لم ترافقه سنقف فـي أسفل قائمة البلدان المتقدمة فـي العالم . قبلنا بمائة عام و قبلنا بمائتـي عام حقق الآخرون أيضاً مثل هذا التقدم ، و هذه هي النهاية ! سجن أبـىغريب و السجون الأخرى و حربان عالميتان و الوجه الاستعماري البغيض فـي العالم هو نهاية كل ذلك التطور . أما إذا رافقت الهدايةُ الدينيةُ تلك التطورات ، عندئذ سيحدث ما لم يحدث فـي العالم و ما لا سابقة له فـي التاريخ .التحضر ، و العلم ، و التقدم المادي بمعية المعنوية و التقوى و الفضيلة و الهداية الدينية شىء لم يجربه العالم . سنكون على رأس قائمة التقدم فـي العالم . هل ترون كم هو حساس دور رجال الدين و دوركم أنتم الشباب ؟ من بين هذه الجماعة الجالسة هنا و آلاف الطلبة الشباب فـي قم و الحوزات الأخرى المماثلة ، ثمة بالقوة علماءٌ كبار سيشهدهم التاريخ فـي المستقبل إن شاء الله .بينكم أشخاص فـي مصاف الإمام ، فـي مصاف المراجع الكبار ، فـي مصاف كبار مجاهدي طريق الدين والمشاهير العظام فـي تاريخ الدين و المعنوية . و إذا بذلتم مساعيكم ستتحول كل هذه المواهب التـي هي بالقوة إلى واقع موجود بالفعل . إذا توفر فـي مجتمعنا و بلدنا مائة شخص ، أو خمسمائة شخص ، أو ألف شخص كالإمام ، فلكم أن تتصوروا أي تحرك عظيم سيشهده هذا المجتمع . حينما يكون فـي مجتمعنا مئات الشخصيات المتحلية بعلوم الدين و المتمكنة تماماً من المنطق و الاستدلالات الدينية فـي الفلسفة و الكلام و الفلسفة الحديثة و محاججة أصحاب الشبهات ، انظروا أي حدث عظيم سيقع فـي المجتمع . حينما تنشر من قبل هذه الجماعة آلاف الكتب و المجلات و البحوث العلمية على مستوى العالم بلغات مختلفة ، فتصوروا أية شمس مشعة ستشرق من هذه النقطة من العالم على كل المناخ الفكري للإنسانية . هذا كله ممكن و ليس بأخيلة . لا تظنوا أن هذه مطامح عبثية و فارغة ، كلا ، هذا واقع يمكن الوصول إليه . ولكن يجب أن نمد أيدينا لنصل إلى هذا الواقع و نمسك به . هذه المهمة تحتاج إلى همة . ينبغي أن تدرسوا بشكل جاد ـ و هذه هي الوصية التـي اُوصي بها الشباب الطلبة دائماً ـ أتقنوا العلوم الموجودة حالياً فـي الحوزات العلمية و أوصلوا أنفسكم بكل قوة إلى مستوى البحث و التحقيق . لا يمكن للإنسان أن يغدو محققاً بالترميق و الأعمال السهلة . لا يصبح الإنسان فقيهاً و فيلسوفاً بتجميع الثلوج على بعضها . ينبغي أن تبنوا هذه الأسس بقوة لبنةً لبنةً و تواصلوا ذلك حتى تبلغوا الذروة . أنتم نورانيون فـي مجال العلم و التقوى . قلوبكم طاهرة و أرواحكم نقية . أنتم شفافون فحافظوا على هذه الشفافية . ابتعدوا عن المعاصي و اهتموا للذكر و التعبد . هذه الآية التـي قرأوها الآن ﴿ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾ ؛ يستطيع كل من يريد ، أن يسير إلى الله و أن يعرِّف نفسَهُ اللهَ و يقترب إليه . فـي الصلاة ، يجب أن يشعر الإنسان بالمعنى الحقيقي للكلمة أنه يخاطب أحداً و يتحدث اليه ، و يطلب العون منه ، و يلجأ إليه ، و يستضئ بنوره ، ويستنزل رحمته و فضله و معونته . إجتناب الذنوب يأتي فـي المرتبة الأولى ، ثم الواجبات و النوافل و التوجه إلى الله . لديكم أنتم الشباب رصيد جيد جداً . قليل من الهمة و السعي بوسعه أن يتقدم بكم إلى الأمام . إذن العلم و التقوى ركنان أساسيان . الطهارة ، و الورع ، و النزاهة ، و الوعي ، و الاستنارة و الثقافة و التعرف على قضايا المجتمع و العالم هي الركائز الأصلية . قد يكون الإنسان عالماً متقياً ، لكنه لا يعرف العالم ، لذلك ينكِّس رأسه ويسير و إذا به بعد مدة يلاحظ انه ابتعد مسافة كبيرة عن الطريق. لقد كان لدينا مثل هؤلاء الأشخاص . أفراد صالحون جداً ، و مؤمنون ، و علماء ، لكنهم أضاعوا خط الجبهة . حينما لا يكون للإنسان بوصلة ، فسرعان ما سيضل الطريق . معظمكم أيها الشباب لم تدركوا زمان الحرب . فـي الجبهة سريعاً ما يضل الإنسان الطريق . أحياناً يتوهم أنه يطلق النار على العدو ، ولكن ، لأنه لم يحدد الاتجاه بدقة ، إذا به يطلق النار على القوات الصديقة ! لقد شاهدنا أشخاصاً بدل أن يوجهوا إطلاق نيرانهم المعنوية ضد الأعداء ، يوجهون مدفعيتهم إلى جبهة الأصدقاء و يقصفونها بكل ما أوتوا من قوة ! لقد شهدنا هذا فـي فترات الكفاح و النضال ، و السبب هو عدم الوعي . عليكم أن تتحلوا بالوعي . حافظوا على استنارتكم و ثقافتكم ، و احفظوا و عززوا الإرادة و الهمة و المقاومة فـي أنفسكم .زاد الله دوماً من فضله عليكم إن شاء الله ، و نظر إليكم سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) نظرةً حانيةً خاصة أنتم الشباب المؤمن ، و جُعلتم إن شاء الله من المشمولين بألطاف ذلك العظيم ، و عسى أن تمارسوا أدواراً فـي مستقبل الإسلام و المسلمين و مستقبل البلاد .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . 1 إذار و نيسان 1963م .
2004/06/09

الشهيد الصّدر كان حقاً عموداً فكرياً للنظام الإسلامي والمجتمع الإسلامي

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ كلام الإمام الخامنئي في لقاء مع عائلة الشهيد محمد باقر الصدر بتاريخ 8/6/2004 حيث يتحدّث قائد الثورة الإسلاميّة حول نبوغ الشهيد الصدر وكونه من القلائل بين المتقدّمين في القضايا الفكرية والإسلاميّة ويصفه بأنّه كان محطّ أمل كبير للغاية نظراً لكتبه وأنشطته القيّمة.
2004/06/08

كلمته في مراسم الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الإمام الخميني (رض)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين سيّما بقية الله فـي الأرضين . قال الله تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾.بعد خمسة و عشرين سنة من انتصار الثورة الإسلامية و إقامة نظام الجمهورية الإسلامية ، و بعد خمس عشرة سنة من وفاة قائد الثورة الكبير و مؤسس الجمهورية الإسلامية ، لايزال المحور الرئيس للدعاية الحاقدة التـي يبثها أعداء ثورتنا و بلدنا ، هو معاداة إمامنا الجليل . لقد جعلوا أهم أهدافهم ـ حتى بعد خمسة و عشرين عاماً من تشكيل النظام الإسلامي ـ أن ينفقوا آلاف الساعات من التخطيط و البرمجة فـي كل شهر لمئات الإذاعات و التلفزيونات التـي تطلقها الأوساط الصهيونية و الاستكبارية فـي أنحاء العالم ، من أجل أن يشككوا فـي الشخصية الفذة لإمامنا الجليل و وجهه الناصع . ينبغي تصديق أن أعداء النظام الإسلامي ليس أمامهم سبيل سوى هذا لمواجهة و محاربة نظام الجمهورية الإسلامية و حركة الشعب الإيرانـي ، ذلك أن العامل المهم لصمود الشعب الإيرانـي و عدم استسلامه فـي طريقه المحفوف بالمفاخر ، إنما هو الفلسفة السياسية و المدرسة السياسية للإمام الخمينـي التـي آمن بها شعبنا أرسخ الإيمان . ليس أمام أعداء الثورة سوى أن يعادوا فلسفة الإمام ومدرسته وشخصيته ـ التـي ما تزال حية قائمة ـ حتى يستطيعوا كما يتوهمون أن يفرضوا على هذا الشعب التراجع و الاستسلام . لقد استطاع الإمام الكبير بمدرسته السياسية أن يحرر هذا البلد من سيطرة الاستبداد القديمة . بمدرسته السياسية استطاع الإمام الكبير قطع أيادي الناهيبين عن هذا البلد ، الناهبين الذين صيروا من إيران بالتعاون مع الدكتاتوريين بيت آمن لهم ، أولئك كانوا يأملون أن يبقوا إيران بلداً منتحاً للمواد الخام و مخزناً للنفط لا ينفد . أريد أن أركز الحديث على المدرسة السياسية للإمام و التـي لا يمكن أن تنفصل عن شخصيته الجذّابة . سر نجاح الإمام يكمن فـي المدرسة التـي قدمها و استطاع عرضها بنحو متجسد و على شكل نظام سياسي أمام أنظار العالم . ثورتنا الإسلامية العظيمة انتصرت طبعاً على يد الجماهير ، و قد أبدى الشعب الإيرانـى عمق قدراته و إمكاناته الهائلة ، بيد أن هذا الشعب ما كان بوسعه القيام بمثل هذا الإنجاز الكبير من دون الإمام و مدرسته السياسية . تفتح المدرسة السياسية للإمام ميداناً تتسع مدياته حتى اكثر من تأسيس النظام الإسلامي . المدرسة السياسية التـي أطلقها الإمام وجاهد من أجلها و جسدها عياناً ، لديها أفكار جديدة للإنسانية و العالم ، فهي تقترح سبيلاً جديداً . فـي هذه المدرسة أشياء لاشك أن البشرية ظامئة إليها ، لذلك فهي لا تبلى . الذين يحاولون طرح إمامنا الكبير كشخصيته تنتمي للتاريخ و الماضي لن ينجحوا فـي مسعاهم هذا . الإمام حي فـي مدرسته السياسية ، و طالما بقيت هذه المدرسة السياسية حية بقي حضور الإمام و وجوده بين الأمة الإسلامية بل بين البشرية كلها مصدر تأثيرات كبيرة خالدة .لمدرسة الإمام السياسية خصوصياتها و مميزاتها . أود اليوم أن أعرض جملة من الخطوط المميزة لهذه المدرسة . من هذه الخطوط امتزاج المعنوية بالسياسة فـي المدرسة السياسية للإمام . ليست النزعة المعنوية منفصلة عن السياسة فـي المدرسة السياسية للإمام ؛ السياسة و العرفان ، السياسة و الأخلاق . الإمام و هو التجسيد الملموس لمدرسته السياسية جمع بين السياسة و المعنوية و سار فـي هذا الدرب . حتى فـي كفاحه السياسي كانت معنويته المركز الرئيس لسلوكه و أفعاله . جميع سلوكيات الإمام و جميع مواقفه كانت تدور حول محور الله و المعنوية . لقد كان الإمام مؤمناً بالإرادة التشريعية للخالق ، و واثقاً بإرادته التكوينية ، و كان يعلم أن من يسير فـي طريق تطبيق الشريعة الإلهية ، ستقف قوانين الخلقة و سننها عوناً له . كان يعتقد : ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ . إعتبر الإمام قوانين الشريعة أرضية لتحركه وعدها علامات المرور فـي حركته . لقد كانت حركة الإمام من أجل سعادة البلاد و الشعب و على أساس هُدى الشريعة الإسلامية ، لذلك كان «التكليف الإلهى» عند الإمام مفتاح السعادة الذي يوصله إلى الأهداف السامية الكبرى . القول المعروف عن الإمام و الذي نعرفه جميعاً حيث قال «نحن نعمل من أجل التكليف لا من أجل النصر» ليس معناه عدم رغبته فـي النصر . لا ريب أن النصر كان أمل الإمام فـي كل أهدافه الكبرى . الانتصار من أنعم الله ، و قد كان الإمام يرغب فـي النصر ـ لا أنه لم يكن يحب النصر أو يرغب فيه ـ بيد أنَّ ما كان يحضه على التحرك صوب تلك الأهداف هو التكليف و العمل بالواجب الإلهي و التحرك فـي سبيل الله . و لأن هذا هو دافعه لم يكن يخشى شيئاً ، ولم يكن يشك و يتردد ، و لم يكن ييأس ، ولم يكن ليصاب بالغرور ، ولم يكن يتزلزل أو يتعب . هذه هي سمات العمل بالتكليف و العمل لله . الذي يعمل من أجل أداء التكليف لا يعتريه التردد و التزلزل ، ولا يُمنى بالخوف و التعب ، و لا يرجع عن الطريق ، ولا تتدخل المصالح الشخصية فـي تحديد طريقه و اتجاهه . الذي يجمع بين السياسة و العرفان ، و يضع المعنوية فـي موضع واحد مع الحركة السياسية ضمن مسيرة حياته ، لن يبقى للخوف من الموت معنى عنده ، ولا للخوف من عدم الانتصار . هذا بالضبط على الضد من السياسة الغربية البالية المنقرضة التـي يسمونها كذباً سياسةً حديثة ؛ أي فصل الدين عن السياسة ، و فصل الدولة عن المعنوية . قامت الحضارة الغربية على أساس محاربة المعنوية و إقصائها . لقد كان هذا الخطأ الكبير الذي ارتكبه الذين بدأوا الحضارة و الحركة العلمية و الصناعية فـي أورپا . إهتموا للعلم ـ و هذا جيد ـ لكنهم تجنّدوا الحرب النزعة المعنوية ، و هذا انحراف سيئ . لذلك كلما تقدمت هذه الحضارة المادية البعيدة عن الروح المعنوية أكثر كلما ازداد انحرافها . إنها تجعلهم يعيشون المرارة هم و سائر البشرية بثمارها المسمومة ، و هو ما فعلته إلى اليوم . ظاهرة الاستعمار ـ التـي أغرقت عشرات البلدان و ملايين البشر فـي أشد و أقسى المحن لسنوات متمادية ـ أحد الأمور التـي حدثت نتيجة تفكيك العلم عن المعنوية ، و السياسة عن المعنوية ، و الدولة عن الأخلاق فـي أورپا . وقد كانت الحربان العالميتان الأولى و الثانية أيضاً من هذه الثمار المرة . و الشيوعية و حكومات القمع الماركسية أيضاً كانت من التبعات و الثمار المرة لفصل الحركة العلمية و الصناعية عن المعنوية . تداعي المؤسسة العائلية ، و سيول الفساد الجنسي ، و طغيان الرأسمالية المتطرفة ، كلها من نتائج هذا الفصل . واليوم أيضاً تشاهدون ذروة هذا البُعد عن المعنوية فـي سجن أبـي غريب و باقي السجون العراقية . الذين يديرون هذه السجون يزعمون أنهم الأكثر تقدماً فـي الحضارة البشرية ! لقد شاهد سكان العالم حصيلة هذا التقدم عن طريق الصور و الأفلام فـي سجون العراق أو اطلعوا عليه . الفجائع التـي حدثت للشعب العراقي ـ و للشعب الأفغانـي قبله ـ لم تقتصر على هذه الأمور . قبل عامين أو ثلاثة قصف موكب عرس فـي أفغانستان ، و فـي الشهر الماضي حوّلت الطائرات البريطانية مجلس عرس فـي العراق إلى مجلس عزاء . إهانة الشباب العراقي ، تعذيب الرجال العراقيين ، الاعتداء على النساء و الأعراض فـي العراق ، الدخول إلى حريم العوائل العراقية الآمن ، و تشكيل حكومة صورية للشعب العراقي كلها من تبعات ذلك التحرك الذي حينما انطلق كان لابد أن يثمر عن هذه النتائج بشكل حتمي . لقد ألغيت المعنوية من الأجهزة السياسية . فـي الماضي أيضاً كان الحكام والمستبدون والدكتاتوريون فـي العالم فـي شرق الأرض و غربها يمارسون مثل هذه الأعمال ، ولكن حين عرف الأوربيون عناوين و شعارات جميلة مثل حقوق الإنسان و رأي الإنسان ، و حين شرعوا بالسير فـي طريق العلم ، لم يسمح البعدُ عن المعنوية أن تحقق هذه الشعارات الخير للإنسانية كما كان متوقعاً و كما كانوا يفسرونها . غدت نفس هذه الشعارات مصدر شرور و فساد للإنسانية . الأفكار الجديدة التـي قدمتها مدرسة إمامنا الجليل السياسية للعالم هو أن تتصاحب السياسة و المعنوية و السلطة و الأخلاق ، و أن تراعى الأصول الإخلاقية فـي كافة أركان و محطات البرمجة للسلطة السياسية . هذه هي الخصيصة الأولى من الخصائص الرئيسة لمدرسة الإمام السياسية . الخصيصة الثانية هي الإيمان الراسخ و الصادق بدور الجماهير . الإيمان بالكرامة الإنسانية و بالدور الحاسم لإرادة الإنسان . الهوية الإنسانية فـي مدرسة الإمام السياسية لها قيمتها و كرامتها ، ولها أيضاً قدرتها و كفاءتها . و النتيجة التـي تترتب على الاعتبار و الكرامة هي ان يكون لأصوات الجماهير دور رئيسي فـي إدارة مصير الإنسانية و المجتمع . من هنا كانت حكومة الشعب فـي مدرسة إمامنا الجليل السياسية ـ الستقاة من كيان الإسلام ـ حكومة شعبية حقيقية ، و ليست كحكومة الشعب الأمريكية و ما شاكل شعارات و خدع و تضليل للرأي العام . يختار الناس الطريق بآرئهم و إرادتهم و رغبتهم و إيمانهم . و يختارون مسؤوليهم أيضاً . لذلك بعد أقل من شهرين على انتصار الثورة عرض الإمام أساس النظام المنبثق عن الثورة على أصوات الشعب . قارنوا هذا بما يفعله الانقلابيون العسكريون فـي العالم ، و السلوك الذي انتهجته الحكومات الشيوعية ، والسلوك الذي تمارسه أمريكا اليوم . بعد خمسة عشر شهراً من الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق ، لا تزال أمريكا اليوم تمنع شعب هذا البلد أن يقول ماذا يريد و مَن يريد لحكومته . بالأمس تحدث ممثل الأمم المتحدة فقال : لأن للأمريكيين تواجدهم العسكري فـي العراق ، ينبغي مراعاة رأي الحاكم الأمريكي فـي انتخاب عناصر الدولة ! هذه هي ديمقراطيتهم . إسم الديمقراطية لمجرد الخداع . الديمقراطية حتى فـي بلدانهم ليست حكومة شعب حقيقية ؛ انها رياء تفتعله الدعاية الملونة و الاموال اللامتناهية التـي تنفق فـي هذا السبيل . لذلك تضيع أصوات الناس . فـي المدرسة السياسية للإمام تؤثر أصوات الناس و تحسم الأمور بالمعنى الحقيقي للكلمة . هذه هي كرامة و قيمة أصوات الجماهير . من جهة ثانية كان الامام يؤمن اعتمادا ًعلى قدرة أصوات الشعب و الإرادة الفولاذية للجماهير أن بالمقدور الوقوف بوجه كافة القوى المعتدية فـي العالم ، و قد وقف فعلاً . حكومة الشعب فـي المدرسة السياسية للإمام نابعة من أساس الدين ، و منبثقة من ﴿ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ ، و من ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ . إننا لم نستعر هذا من أحد . البعض يريدون تصوير الحالة و كأن الغربيين يجب أن يأتوا و يعلمونا دور الجماهير فـي إدارة الحكومات ! لا يزال الغربيون أنفسهم فـي بداية الطريق ! هؤلاء الأمريكيون و أدعياء الديمقراطية أنفسهم احتضنوا دكتاتوريين من قبيل محمدرضا پهلوي ـ الذي حكم بدكتاتورية مطلقة فـي هذا البلد لمدة خمس و ثلاثين سنة و مارس أبوه من قبله الدكتاتورية نحو عشرين سنة فـي هذا البلد ـ و دعموه و عاضدوه . هؤلاءهم أنصار الديمقراطية ؟! إنهم يكذبون . كل من يريد أن يرى ديمقراطيتهم ليذهب إلى العراق . ليذهب و يرى تصرفاتهم مع الشعب الأفغانـي المظلوم . ليذهب و يرى الديمقراطية فـي الدعم الأمريكي السخي لشارون المجرم . هذه هي ديمقراطيتهم ؛ نحن نتعلم الديمقراطية من هؤلاء ؟! و هل يعير هؤلاء دوراً للإنسان و قيمة ؟ أنظروا أية فجائع تقع اليوم فـي فلسطين . أليس الفلسطينيون بشراً ؟ أليسوا أصحاب أرضهم ؟ أليس من حقهم أن تكون لهم آراؤهم و معتقداتهم ؟ ترتكب اليوم أقبح و أفجع التصرفات فـي فلسطين و العراق و أفغانستان ، و من قبل هذا فـي العديد من المناطق الأخرى ؛ و إذا بنفس أولئك الذين يمارسون هذه التصرفات القبيحة يدعون الديمقراطية ولا يخجلون ! يزعم رئيس الجمهورية الأمريكي بكل وقاحة أن رسالة نشر الديمقراطية فـي العالم و الشرق الاوسط تثقل كاهله ! الناس يرون ديمقراطيتهم فـي سجون مثل سجن أبـي غريب و هي ليست قليلة فـي العراق و غوانتانامو. هذه هي ديمقراطيتهم و حقوق الإنسان لديهم ! إنه لغفلة كبيرة أن يتصور أحد داخل مجتمعاتنا و فـي الأمة الإسلامية أن الغربيين يجب أن يأتوا ليعلموا شعوبنا الديمقراطية و حكومة الشعب ! نحن نتوقع من الخطباء و الكتاب ذوي الإنصاف أن لا يتحدثوا و لا يكتبوا بطريقة توصي أن أولئك هم الذين يحملون اليوم رسالة الحكومة الشعبية لجماهيرنا . الإمام هو الذي جاء بحكومة الشعب،الثورة هي التـي جاءت بحكومة الشعب . فـي البلد الذي لم يعرف طوال قرون متمادية ، باستثناء لحظات عابرة معنى آراء الجماهير و إرادتهم و لم تقع اعيننا طوال عمرنا على صندوق اقتراع ! و لم يعر أحدٌ قيمةً لأصوات الشعب الإيرانـي ، وقد بلغ الدكتاتوريون خلال كل فترات حكمهم ذروة اللامبالات للشعب ، جاءنا الامام و الثورة و النظام الإسلامي بحكومة الشعب . البعض يتحدث بما ينمُّ عن أننا ندخل لتوّنا تجربة الحكومة الشعبية ! أليست هذه مجانبة للإنصاف ؟ أليس هذا أغماض للعيون دون الحقيقة ؟الخصيصة الثالثة من خصائص مدرسة الإمام السياسية نظرتها الدولية و العالمية . الإنسانية كلها هي التـي كان يعينها الإمام فـي كلامه و أفكاره السياسية ، وليس الشعب الإيرانـي وحده . لقد أصغى شعب إيران لهذه الرسالة بروحه ، و وقف إلى جانبها ، و كافح من أجلها ، و استطاع أن يكتسب عزته و استقلاله . على أن مخاطبـي هذه الرسالة هم الإنسانية كلها . مدرسة الإمام السياسية تروم هذا الخير و الاستقلال و العزة و الإيمان لكل الأمة الإسلامية و لجميع البشرية . هذه رسالة على عاتق الإنسان المسلم . طبعاً ، الفارق بين الإمام وبين الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب رسالة عالمية ، هو أن مدرسة الإمام السياسية لا تريد فرض الاعتقاد بأفكارها و طريقها على شعب بالمدافع و الدبابات و الأسلحة و التعذيب . الأمريكيون أيضاً يقولون إن لنا رسالة هي نشر حقوق الإنسان و الديمقراطية فـي العالم . هل طريق نشر الديمقراطية هو استخدام القنبلة الذرية فـي هيروشيما ؟! هل هو المدافع و الدبابات و إشعال الحروب و تدبير الانقلابات فـي أمريكا اللاتينية و أفريقا ؟! اليوم أيضاً نشاهد فـي الشرق الأوسط كل هذا المكر و الخداع و الظلم و الإجرام . بهذه الأدوات يرومون نشر حقوق الإنسان و رسالتهم العالمية ! المدرسة السياسية الإسلامية تترك فكرتها الصحيحة و حديثها الجديد فـي فضاءات الذهن الإنسانـي بعد تبيينه و إيضاحه فيتضوّع فـي كل مكان كنسائم الربيع و أريج الورود . أصحاب الشامّة السليمة سيشعرون به و ينتفعون منه و قد انتفعوا منه اليوم فـي العديد من بلدان الدنيا . الفلسطينيون يقولون إننا استلهمنا حياتنا الثانية و يقظتنا من رسالة الإمام ، و اللبنانيون يقولون إننا تعلمنا الانتصار على جيش النظام الصهيونـي و طرد الصهاينة من مدرسة الإمام ، و المسلمون فـي كل نقطة من العالم ـ الشباب المسلم ، المستنيرون المسلمون ، و النخب المسلمة ـ يعدون فتوحاتهم الفكرية فـي الميادين السياسية وليدة و صنيعة المدرسة الفكرية للإمام . قطاعات الأمة الإسلامية تشتعر العزة باسم الإسلام . هذه هي النظرة الدولية لقضايا الإنسانية فـي مدرسة الإمام ، وهي لا تختص بالعالم الإسلامي . لذا كانت قضية فلسطين بالنسبة لنا قضية أساسية ، و مصائب الأمة الإسلامية مؤلمة بالنسبة لنا . مايحدث فـي العالم الإسلامي تعد قضايا أساسية بالنسبة لشعب إيران و الذين يتعشقون و يأنسون إسم الإمام الكبير و ذكراه . لا يمكنهم أن يمروا بهذه القضايا مرور الكرام ، ولهذا يعتزم العالم الاستكباري اقتراف أعظم الجرائم ضد الشعوب المسلمة . إذا كانت بقية الشعوب المسلمة لا ترى و لا تعي و لا تتخذ قراراً ، و حتى لا تعترض ، فإن الشعب الإيرانـي يرى و يعي و يعترض و يتخذ مواقفه ولا يبقى غير مكترث لقضايا العالم الإسلامي .الخصيصة المهمة الأخرى لمدرسة إمامنا الجليل السياسية هي حراسة القيم التـي أوضح مظهرها إمامنا الكبير فـي تبيينه لأطروحة ولاية الفقيه . منذ مطلع الثورة الإسلامية و انتصار هذه الثورة و تشكيل النظام الإسلامي ، حاول الكثيرون الإشاعة بأن فكرة ولاية الفقيه غير صائبة ، و سيئة ، و مخالفة للواقع . فكانت هناك تصورات مناقضة للواقع و كاذبة و مطاليب و تطلعات لا تتطابق مع هيكلية النظام السياسي الإسلامي و الفكر السياسي لإمامنا الكبير . حين تسمعون الاعلامويين الجانحين إلى الأعداء يذيعون هذه الأفكار ، اعلموا أن هذا ليس بالظاهرة الجديدة ، فقد كانت هناك منذ البداية هذه التيارات و هؤلاء المتدربون و هذه الدعايات من الأخرين . يحاول البعض تصوير ولاية الفقيه بمعنى الحكومة الفردية المطلقة ، و هذا كذب . ولاية الفقيه هي محطة هندسة النظام و صيانة خطه و اتجاهه و الحيلولة دون انحرافه يميناً أو شمالاً . هذا هو مفهوم ولاية الفقيه و معناها الأكثر جذريةً و محوريةً . و بالتالـي فإن ولاية الفقيه ليست حالة رمزية و تشريفية محضة مهمتها تقديم النصائح كما أراد ذلك البعض فـي بدايات الثورة و أشاعه ، ولا هي صاحبة دور فـي السلطة التنفيذية على أركان الدولة ، إذ للبلاد مسؤولوها التنفيذيون و القضائيون والتشريعيون ، و على الجميع النهوض بمهماتهم حسب مسؤولياتهم ، و إنْ يتحملوا عن مسؤولياتهم هذه . دور ولاية الفقيه أن تراقب مسار النظام فـي هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة من المساعي المختلفة لئلا ينحرف عن الأهداف و القيم . يجب أن لاينحرف يساراً أو يميناً . حراسة و مراقبة الحركة العامة للنظام صوب أهدافه السامية الرفيعة هي الدور الأهم و الأعمق لولاية الفقيه . وعى الإمام الجليل هذا الدور و استنبطه من كيان الفقه السياسي الإسلامي و من كيان الدين ، كما منهم فقهاؤنا هذا من الدين و عرفوه و اعترفوا به على امتداد تاريخ التشيع وفـي كافة أطوار تاريخ الفقه الشيعي . طبعاً لم يجد الفقهاء الفرصة لتطبيق ذلك ، بيد أنهم اعتبروه من مسلمات الفقه الإسلامي ، و هذا هو الواقع . ان هذه المسؤولية المتسمة بمنتهى الحساسية و الاهمية تستقي من المعايير و الضوابط الدينية و من أصوات الجماهير و إرادتهم فـي الوقت ذاته . أي أن ضوابط القيادة و ولاية الفقيه حسب المدرسة السياسية لإمامنا العظيم هي ضوابط دينية ، و ليست كضوابط البلدان الرأسمالية التـي تتلخص فـي التبعية لهذا التيار القوي و الغنـي أو ذاك . أولئك أيضاً لهم ضوابطهم و ينتخبون فـي إطار ضوابطهم ولكن هذه هي ضوابطهم : الانتماء إلى هذه العصابة المقتدرة و الثرية أو تلك ، و إذا كان خارج تلك العصابة لم تنطبق عليه الضوابط . الضوابط فـي المدرسة السياسية الإسلامية ليست هذه . الضوابط هنا ضوابط معنوية . الضابطة هنا عبارة عن العلم و التقوى و الدراية . العلم يفرز الوعي ، و التقوى تورث الشجاعة ، و الدراية تضمن مصالح البلاد و الأمة . هذه هي الضوابط الرئيسية طبقاً لمدرسة الإسلام السياسية . إذا سلبت من المسؤول إحدى هذه الضوابط و افتقدها ، ستسقط عنه الأهلية حتى لو وقف كافة الشعب فـي البلاد إلى جانبه . لأصوات الجماهير تأثيرها ولكن ضمن إطار هذه الضابطة . الذي يتولى دور القيادة و ولاية الفقيه ، إذا سلبت منه ضابطة العلم أو التقوى أو الدراية تسقط عنه الصلاحية حتى لو أرادته الجماهير و هتفت باسمه ، ولن يكون بوسعه مواصلة هذه المسؤولية . من ناحية أخرى ، مَن تتوفر فيه هذه الضوابط و يُنتخب بأصوات الجماهير المتحققة عن طريق مجلس الخبراء ـ أي أن له صلته بأصوات الشعب إرادته ـ ليس بمقدوره القول : أنا أتوفر على هذه الضوابط إذن يجب على الناس أن يقبلوا منـي . ليس لدينا «يجب» . الناس هم الذين ينتخبون . حق الانتخاب من حقوق الجمهور . أنظروا كيف اجتمعت الضوابط الدينية و إرادة الشعب بكل مرونة و جمال فـي أكثر النقاط حساسية حيث توجد ادارة النظام . هذا ما جاء به الإمام . من البديهي أن لا يروق هذا الدور لأعداء الإمام الخمينـي و أعداء مدرسته السياسية . لذلك شنوا عليه كل هجماتهم ، و على رأسهم الذين مُنِعت أيديهم ببركة الإمام الكبير و مدرسته السياسية عن أن تنهب المصادر المادية و المعنوية لهذه البلاد . هؤلاء هم الطليعة و ثمة من يتحركون وراءهم . البعض يفهمون ماذا يفعلون ، و البعض لا يفهمون .النقطة الأخيرة التـي سأذكرها كسمة أخرى لمدرسة الإمام السياسية هي قضية العدالة الاجتماعية . العدالة الاجتماعية من أهم و أول الخطوط فـي المدرسة السياسية لإمامنا الجليل . العدالة الاجتماعية و ردم الهوة الطبقية يجب أن تلاحظ و تعد هدفاً فـي كافة البرامج الحكومية من تقنين و تنفيذ و قضاء . أنْ نقول يجب أن نجعل البلاد ثرية ـ أي نرفع من مستوى الناتج الإجمالـي الوطنـي ـ ثم تتكدس الثروات فـي جانب لصالح فئة معينة ، و تبقى مجاميع كبيرة من الناس خالية الوفاض ، فهذا لا ينسجم مع المدرسة السياسية للإمام . ردم الفجوة الاقتصادية بين الجماهير و تبديد التمييز فـي الانتفاع من شتى المصادر الوطنية بين طبقات الناس ، يمثل أهم و أصعب مسؤولياتنا . جميع المخططين ، و المشرعين ، و المنفذين ، و كافة العاملين فـي الأجهزة و المؤسسات المختلفة ، يتعين أن يلتفتوا إلى هذه النقطة و يعدوها من أهم مميزات تحركهم .لقد أسست هذه المدرسة النظام الإسلامي . ومضى على ذلك خمس و عشرون سنة . وقد شنت طوال هذه الخمس و عشرين سنة الكثير الكثير من الهجمات على بلادنا و شعبنا و هذه المدرسة السياسية ، إلاّ أن شعبنا تقدم يوماً بعد يوم . فـي مجال العلوم ، وفـي مجال العمران ، وفـي مجال السياسية الدولية ، وعلى صعيد رفع مستوى الوعي فـي شتى الميادين ، و فـي مضمار إرساء البنى التحتية الهائلة للبلاد ، وفـي ميدان اكتساب القدرات التقنية و إحياء مواهب الجماهير ، و فـي الكثير من المجالات الأخرى حقق شعبنا تقدماً لم يكن حتى ليتصوره فـي الماضي ، و هذا ببركة الإسلام . نحن لا ندعي إطلاقاً أننا تحركنا فـي خطط الثورة حسب المواعيد و بنحو عصري و وصلنا حالياً إلى حيث كان يجب أن نصل ،لا، غير أن هذا بسبب تقاعسنا . نحن المسؤولين فـي المستويات المختلفة إذا عملنا أكثر و أفضل فسنحرز نجاحات أكثر بلاشك . ولدينا اليوم أيضاً نجاحات كثيرة . إن شعبنا اليوم قوي ، وحكومتنا قوية ، والبنى التحتية للبلاد مُعدَّة و تطورنا العلمي وتفجير مواهب شبابنا يحير العقول . بوسعنا تسريع حركتنا ، و هذا ما سيفعله شعبنا و سنتطور بفضل من الله و حولٍ منه و قوة .إن راية الإسلام اليوم ، و راية التدين ، و راية الشجاعة ، و راية الإبداع فـي مجال السياسية بيد شعبنا . يجهد الأعداء فـي دعاياتهم لاظهار هذه الانجازات على انها صغيرة ، ويحاولون الشطب على ما حققته هذه الأمة، لكنهم لايستطيعون . لقد بذلوا شتى صنوف الجهد لمواجهتنا . بل إن الأمر وصل بأعداء الثورة الإسلامية بزعامة أمريكا إلى ان يحاولوا إيجاد نسخة مزيفة مزحومة بالأخطاء للنظام الإسلامي فـي أفغانستان ، فكانت حكومة الطالبان التـي تبدت كاريكاتيراً ساخراً مضحكاً ، وغدت نفسها وبالاً عليهم . ربما أرادوا كما توهموا أن ينتزعوا راية التيار الإسلامي و إحياء الإسلام السياسي من يد هذا الشعب و يعطوها ليد أناس صنعوهم بأنفسهم ، لكنهم لم يفلحوا و لن يفلحوا . نشكر الله أنَّ ارادتنا صلبة ، و طريقنا لاحب ، و جماهيرنا مؤمنة ، و المدرسة السياسية للإمام حية و متألقة . وقد أدرك الأعداء قدرة الشعب و اعترفوا بها . مواقفنا فـي خصوص القضايا العالمية و الدولية المختلفة مستقلة ، لا نخضع لتأثير أحد و لا نميل إلى الضجيج و خلق التوتر ، لكننا ندين الظلم ، ونعلن معارضتنا للظالم و دعمنا للمظلوم . إننا ندين جرائم الصهاينة فـي فلسطين . إننا نعد الفظائع و الجرائم المفجعة و المنقطعة النظير التـي ترتكبها الدولة الصهيونية الغاصبة فـي بلد فلسطين ضد الناس ـ هدم المنازل ، قتل الأطفال ، قتل شيخ مريض عليل كالشيخ أحمد ياسين ، تشريد آلاف الفلسطينيين من منازلهم ـ ممارساتٍ قبيحةً و ندينها و نلعن مرتكبيها و أمريكا الداعمة لمرتكبيها .وفـي قضايا العراق ـ على الرغم مما يزعمه الأعداء ـ لا نتدخل . نعتقد أن العراق للشعب العراقي . أصوات الشعب العراقي ينبغي أن تؤثر فـي تقرير مصير العراق . القادة الدينيون و القادة السياسيون و النخب السياسية و النخب الثقافية و الدينية فـي العراق كثيرة . نعتقد أن المحتلين يجب ان لا يبقوا حتى يوماً واحداً فـي العراق ، ولا تعود لهم حتى قطرة واحدة من نفط العراق ، و يجب أن لا يعينوا حتى مسؤولاً واحداً فـي العراق ، فما هو شأنهم وشأن العراق ؟ نعتقد أن مهمة أمريكا فـي العراق اليوم أصعب بكثير مما كانت عليه قبل سنة ، وستزداد صعوبةً يوماً بعد يوم ، و قد انهزمت أمريكا فـي العراق سواء اعترفت بذلك أم لم تعترف ، و سواء شاءت ذلك أم أبت .ربنا ، نحن نفخر بهذا الشعب الشجاع ، المؤمن ، المندفع ، المتواجد فـي الساحة ، و نشكرك . نحن نفخر بمدرسة الإمام و نشكرك عليها . ربنا ، أنزل خيراتك و رحمتك و لطفك على هذا الشعب . ربنا ، ردّ كيد أعداء هذا الشعب إلى نحورهم . ربنا ، ابلغ بهذا الشعب العزيز المؤمن كافة أهدافه و آماله السامية . ربنا ، اجزِ إمامنا الكبير ـ الذي شرع طريق المفاخر أمامنا ـ خيراً عن هذا الشعب .ربنا ، احشر إمامنا الجليل مع أوليائه . ربنا ، أنزل بركاتك على شعبنا و بلادنا . و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .  
2004/06/02

كلمته أثناء لقائه نخبة من العاملين في مؤسسة الإذاعة و التلفزيون

بسم الله الرحمن الرحيماشكر الله ان وفقنـي لأحضر مرةً أخرى عند مجموعة من العاملين المحترمين الأعزاء فـي الإذاعة و التلفزيون و ألتقي عن كثب كوكبةً من الأصدقاء الناشطين فـي هذا القطاع الثقافـي و السياسي البالغ الأهمية . أنا راضٍ عن هذه الزيارة اليوم ، فقد زرت بعض الأقسام عن قرب و التقيت المدراء العامين لهذه المؤسسة ، و توفرت الفرصة أيضا فـي هذه الساعة للقاء بالإخوة و الأخوات الأعزة الحاضرين هنا و هو ما يسرّنـي . هذه منظومة ثقافية ، و ربما أمكن القول أن المنظومة الثقافية الأكثر تأثيراً فـي البلاد هي هذه الوسيلة الإعلامية الوطنية العامة .الثقافة هي الرصيد الأصلي لهوية الشعوب. ثقافة الشعب هي التـي بوسعها جعل ذلك الشعب متطوراً ، عزيزاً ، قادراً ، عالماً ، تقنياً ، مبدعاً ، و صاحب سمعة حسنة فـي العالم . إذا أصيبت الثقافة فـي بلد بالانحطاط ، و خسر البلد هويته الثقافية ، فلن يستطيع حتى التطورُ الذي يصدره الآخرون لذلك البلد أن يمنحه منزلة لائقة فـي المجتمع الإنسانـي العالمي ، و يصون مصالح ذلك الشعب . حينما أنظر فـي أحداث عهد الاستعمار ـ ابتدأ عهد الاستعمار منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي تقريباً و بلغ ذروته فـي القرن التاسع عشر و استمر حتى أواسط القرن العشرين . التحرك الاستعماري معناه تواجد القوى العسكرية و السياسية العالمية المهيمنة فـي البلدان التـي كان بمقدورهم التواجد فيها عنوةً و تأمين مصالحهم منها ، و الواقع إنهم كانوا يصنعون من الخامات المادية و المعنوية لذلك البلد رصيداً لأنفسهم ، و هذا هو ما أطلقوا عليه اسم الاستعمار و لا يزال يسمى بنفس التسمية ـ أرى أنهم أينما دخلوا إذا استطاعوا تذويب ثقافة ذلك الشعب و التأثير فيها و تضعيفها ، تتعزز أسس اقتدارهم و سلطتهم هناك ، أما إذا لم تتلاش الثقافة الوطنية و المحلية فـي مكانٍ ما بسبب قدمها و تجذّرها و تميزها و لم تضمحل ، لم يتمكن المستعمرون و المحتلون من تأمين مصالحهم هناك لمدة طويلة و اضطروا إلى ترك تلك المنطقة . هذا ما يصدق أيضا على كافة الفتوحات فـي عصور التاريخ الماضية و التـي نقرأ ُها فـي كتب التاريخ . الفاتحون الذين استطاعوا البقاء فـي الأراضي المفتوحة بالسيف و القوة و تمكنوا من نيل أهدافهم و تعزيز سلطانهم هناك هم الذين قدروا على الإمساك بثقافة تلك البلاد فـي قبضتهم و جعلها تحت تصرفهم . أحياناً يستأصلون الثقافة من جذورها كأن يقضوا تماماً على لغة ذلك البلد . لاحظوا الآن فـي أفريقيا ، و أمريكا اللاتينية و الكثير من البلدان لا توجد لغة محلية أصلاً . جاء البرتغاليون و الإسبان إلى هناك و غيروا اللغات و قضوا على اللغات المحلية و الكثير من الدلائل و الخصائص الثقافية . وطبعاً لم يستطيعوا فعل ذلك فـي مناطق أخرى . الثقافة هي العمود الفقري فـي حياة الأمة و هويتها .بعد انتصار الثورة الإسلامية ـ و هي ثورة قامت على أساس هدف ثقافـي واضح ـ حيث جرى الاهتمام بالجانب الثقافـي و بقضية الهوية الوطنية ـ و الهوية الوطنية للبلد هي بحد ذاتها ثقافة و من المصاديق و الأجزاء المميزة لثقافة الشعب ـ ترتبت على هذا الأمر الكثير من الخيرات و الإيجابيات التـي ما كانت لتكون إطلاقاً فـي هذا البلد . هذه الإبداعات ، و هذا التقدم العلمي ، و هذه الجرأة على خوض غمار الميادين العلمية و البحثية الجديدة التـي تلاحظ اليوم فـي بلادنا لحسن الحظ ، ما هي إلاّ بفضل هذه الثقة بالنفس المنبثقة عن إحياء الهوية الوطنية ، و هو ما صنعته الثورة . قبل الثورة كانوا يتشدقون كثيراً باسم الهوية الوطنية و النزعة الوطنية ، إلاّ أنهم لم يعززوا الهوية الوطنية بالمعنى الحقيقي للكلمة إطلاقاً . وقد كان السبب معروفاً ، فالذين كانوا يريدون إيران لمصالحهم و وجدوا مصالحهم فـي بلدنا العزيز كانوا يعلمون أن الهوية الوطنية إذا أحييت فـي هذا البلد ستتعأرض مع مصالحهم و لن يتمكنوا من بلوغ المصالح التـي يستهدفونها . لذلك تم تهميش الهوية الوطنية هنا فـي ذلك الأوان . لقد بلغ بنا الأمر فـي بلادنا على صعيد التبعية و ضمور الهوية الوطنية حيال الأجانب إلى درجة أن شخصيات بارزة اقترحت دون خجل تغيير اللغة و الخط الفارسيين ! طبعاً قلما أثاروا قضية تغيير اللغة ، ولكن بخصوص تغيير الخط الفارسي ـ و خط البلد من النقاط البارزة و المؤشرات المهمة لثقافة ذلك البلد ـ فقد كتبوا فـي الصحف و المجلات التـي كانت تصدر فـي بلادنا أبان عصر الطاغوت ، و دافعوا عن هذه الفكرة و تحدثوا وقالوا يجب تغيير الخط الفارسي ، و كانت استدلالاتهم جدلية تماماً و مكتظة بالمغالطات و الأقوال الناقضة للواقع . لقد تمادوا إلى هذا الحد . الذين جاءوا بالنظام البهلوي إلى الحكم ، لم يكونوا مستعدين لتحمل أي من الخصائص الوطنية . طبعاً امتزجت وطينتنا نحن بالإسلام منذ البداية ، لغتنا ، آدابنا ، علومنا و علماؤنا عناصر امتزجت كلها بالإسلام . تلاحظون فـي التاريخ أن علماءنا المميزين و المشهورين و الخالدين كانوا ممن حملوا علوم الدين إلى جانب العلوم الحياتية العادية . أي أن كل العلوم انبثقت عن المنظومة الدينية . و طبعاً ، هذا لا يعنـي أن طلبة المدرسة الدينية كانت لهم هذه السمة ، لا ، المجتمع كان مجتمعاً دينياً . ثقافتنا ، علومنا ، سلوكنا ، و تقاليدنا امتزجت بالدين ، ونبعت الكثير منها من الدين. حينما كانوا يحاربون الهوية الوطنية و علاماتها ، فقد كانت محاربة الدين جزءاً من هذه العملية بالضرورة ، ولأن الدين و الإيمان هو الرصيد لكافة القيم الإنسانية ، فقد عأرضوا الإيمان طبعاً بكل قوة . لم يتحمل هؤلاء حتى أزياءنا الوطنية . نحن الإيرانيين بماضينا الذي يمتد إلى عدة آلاف من السنين ليس لنا زينا المحلي ، و لا نعرف زينا المحلي ، فـي حين أن كثيراً من بلدان العالم لها أزياؤها المحلية . و الزي المحلي ليس طبعاً من موانع التقدم ، لكننا لا نمتلكه لأنهم حالوا دون ذلك. لقد كان هذا تطبيقاً لتلك التوصية التـي تقول إن الإيرانـي يجب أن يصبح غربياً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ! أنظروا إلى أي درجة بلغ الانهزام النفسي . حين أقول دائماً ثمة غزو ثقافـي ، فهذا هو الغزو الثقافـي . الغزو الثقافـي غير التبادل الثقافـي ، غير استقاء الميزات و انتقاء الحسنات من الثقافات الأخرى ، فهذا شىء مباح بل واجب . يأمرنا الإسلام ، و يوصينا العقل على نحو مستقل أيضا ، أن نتعلم أي شىء جيد و جميل و ذي قيمة أينما وجدناه و أن نستفيد منه . العبارات المعروفة المتداولة على ألسنة الناس عندنا «اطلبوا العلم و لو بالصين» أو «انظر إلى ما قال و لاتنظر إلى من قال» انظر إلى الكلام الحسن و الحديث الحكمي ، و العلم و المعرفة ممن يقولها ، فإذا كان كلاماً جيداً خذه و تعلمه ، هذا الأخذ هو الأخذ الثقافـي ، و الأخذ الثقافـي و التعاطي الثقافـي و انتقاء الحسنات الثقافية ممارسة ضرورية تختلف عن الغزو الثقافـي . لقد قلت مراراً إن الإنسان أحياناً يختار برغبته و حسب حاجته و شهيته و ضرورات حياته نوعاً معيناً من الطعام ، أو نوعاً من الدواء أو مادة ضرورية فيوفدها إلى داخل جسده . هذا اختيار و هو شىء محبذ جداً .ولكن قد يلقون بالشخص على الأرض ويصبّون فـي فمه أو يحقنونه عنوةً بمواد لا هي ضرورية له و لا فيه رغبة فيها و لايشتهيها و لا هي مفيدة له . هذا شىء مشبوه ، و هذا غزو ثقافـي ، و هو ما فعلوه بالشعب الإيرانـي على امتداد سنين طويلة . نحن لا نتوقع شيئاً من رجال السياسة التابعين و من الذين يلجمون أفواههم بالعقود المالية ، ولكن من المتوقع و المرجو من الشخصيات العلمية و الثقافية إبان ذلك العهد أن يقيموا اعتباراً لهوية هذه الأمة الثقافية مهما كانت عقيدتهم و حتى لو لم يتقبلوا الإسلام و لم يتحلوا بالإيمان الإسلامي ، إلاّ أنهم لم يقيموا هذا الاعتبار، و فتحوا البوابات ، و أغمضوا العيون ، و هاموا ، وفتنوا ، وجعلونا نتأخر . لذلك تخلفنا فـي مضمار العلوم و التقنية . فـي أيام شبابـي ـ و الأمر ليس كذلك حالياً لحسن الحظ و إنما اختلف كثيراً ـ كان العرف السائد حقاً أن أية بضاعة تكون مطلوبة و مرغوب فيها لمجرد كونها أجنبية ، و تكون غير مطلوبة لمحض أنها وطنية ، كانت هذه هي الثقافة العامة فـي تلك الآونة ، ولم يكن من المتصور أبداً داخل البلاد أن تتوفر الجرأة و الشجاعة للعمل العلمي ، و البحث ، و افتتاح الطرق المسدودة ، و اجتياز حدود العلم ، و الذين كانوا يأنسون فـي أنفسهم مثل هذه المواهب لم يكونوا ليفكروا بأي طريق سوى العمل فـي خارج البلاد . أما أن نصنع بأنفسنا ، و ننتج بأنفسنا ، و نبتكر بأنفسنا فهذا ما لم يكن متصوراً بالمرة . لدي فـي هذا المضمار نماذج ملموسة كثيرة فـي ضوء التقارير التـي تصلنـي ، و ربما كان بعضكم على معرفة بهذه النماذج و الحالات . أما اليوم فلا ، تتوفر لدينا اليوم لحسن الحظ حالة الشجاعة و الاعتماد على الذات و جرأة ولوج الميادين المختلفة . الثورة هي التـي غيرت هذه الثقافة . هذه هي مقولة الثقافة ، وقد كان هذا مثالاً و مصداقاً لها .هذه الثقافة الآن بأيديكم أنتم العاملين فـي الإذاعة و التلفزيون ، من مدرائكم حتى العاملين المختلفين فـي الأقسام التقنية ، و أقسام التوثيق ، و البحث ، و الأقسام الفنية ، و إنتاج البرامج ، و الأقسام السياسية و الخبرية . فـي كافة هذه الأقسام أنتم من يستطيع نشر أريج الثقافة السليمة فـي مناخ المجتمع ، و ما من أحد بوسعه مقاومة هذا المد الثقافـي الذي تجترحونه . الإعلام هو اليوم أهم أدوات الحرب بين القوى فـي العالم . حتى القوى العظمى تتعامل اليوم مع الإعلام . إن تأثير الإعلام و التلفزيون و الفنون و هذه الشبكات الإعلامية الأنترنتية الهائلة و ... أعظم حالياً حتى من السلاح و الصواريخ و القنبلة الذرية . هكذا هو العالم اليوم . و هم آخذون فـي تنمية و توسيع هذا المضمار يوماً بعد يوم . لقد ذكرت فـي ذلك الاجتماع لمدرائنا أن الاصطفاف الإعلامي و الثقافـي مقابل الجمهورية الإسلامية اليوم اصطفاف جد معقد و متنوع و متعدد و محترف و تقنـي و متطور . و الإذاعة و التلفزيون تقف لوحدها حيال هذا الاصطفاف الهائل ، و استطاعت لحد الآن أن تقابلهم و الحمد لله ، و أنا أريد أن أقول لكم إنكم استطعتم لحد الآن أن تنهضوا بمهماتكم بنجاح . انظروا كم رصدت من أموال لهذه الإذاعات و التلفزيونات و القنوات الإعلامية التـي تستهدف بلادنا . كم رصدوا من الأضعاف المضاعفة قياساً إلى ما نرصده نحن لمؤسسة الإذاعة و التلفزيون عندنا . لو سارت الأمور على النحو الذي قدّروه مع أنفسهم لوجب أن لايكون اليوم أثر للإسلام و الإيمان و الجمهورية الإسلامية ، ذلك أن أنشطتهم لا تعود للحاضر أو الأمس القريب فقط ، إنما بدأوا جهودهم منذ اليوم الأول لانتصار الثورة ، و هم يطورون أعمالهم و يشددونها يوماً بعد يوم منذ خمس و عشرين سنة . و الحمد لله فإن وسيلة إعلامنا الوطنية اهتمت لنفسها و استعدت حقاً بما يتلائم و تواجدها فـي هذه الساحة ، ضمن حدود المتاح ، و نزلت إلى الساحة . أنتم قادرون .أقول لكم أن المنحى الأساسي للإذاعة والتلفزيون يجب أن يكون تماماً فـي مقابل ذلك المنحى الذي اتخذوه لأنفسهم . إنهم يريدون إفراغ ثقافة الأمة من النزوع إلى الإيمان و القيم و الأصول الإسلامية و استقلال الهوية الوطنية . وعليكم الاهتمام بالنقطة المقابلة تماماً لهذا الاتجاه . هم يريدون القضاء على الوحدة الوطنية ، و يريدون محق ثقة الشباب بأنفسهم ، يريدون تصوير الأفق أمام جيل الشباب على أنه ضبابـي غامض و موهوم ، يريدون صرف حتى المدراء السياسيين الكبار فـي البلاد عن اتخاذ خطوات شجاعة بخصوص القضايا المختلفة و بث الرعب فـي نفوسهم ـ الإرعاب من أهم أدوات الاستكبار المتمثل فـي هذه القوى و السلطات العالمية . وقد كانوا كذلك منذ القدم . لقد سمعتم و رأيتم الرسائل فـي بدايات الحروب «فإن الحرب أولها الكلام» حيث يبعثها الملوك لخصومهم السياسيين فـي شتى البلدان و تكون زاخرة بالتهديد و استعراض العضلات و القدرات . هذا لأن التهديد الذي يؤدي إلى إرعاب الجانب المقابل يلعب دوراً مهماً فـي الانتصار ، و اليوم أيضا ترصد أرصدة مهمة لهذا الشأن ـ ذلك من أجل سلبهم جرأة المبادرة و جعلهم قلقين من الوضع المستقبلي . إنهم يستهدفون أيضا الشباب بشكل معين ، و كل فرد من الجماهير بشكل معين ، و المدراء بشكل معين ، ورجال السياسة بشكل معين ، و المبدعين و العلماء بشكل معين ، يستهدفونهم بإعلامهم المعأرض للجمهورية الإسلامية . و عليكم التحرك فـي الاتجاه المعاكس لهم تماماً .البرمجة و التخطيط فـي الإذاعة و التلفزيون ينبغي أن ينصب نحو الوحدة الوطنية ، و زرع الأمل ، و التطلع إلى الآفاق المشرقة أمام شعبنا ، و بث الشجاعة لدى الجماعات المبدعة و الباحثة و المتفننة فـي البلاد ، و بث الجرأة فـي مدراء البلاد و مسؤوليه و أصحاب القرار فـي المجالات المختلفة ، و ترغيب الجماهير فـي التواجد فـي الساحة ، و تواجد الجماهير فـي الساحة و إرادتهم و تصميمهم هو حلاّل كل المشكلات .و بالطبع فإن الجوهر الروحي لكل هذا هو الإيمان القلبـي و الدينـي . حتى لو لم يكن أحدٌ قد آمن بالدين و عرفه بسبب قيمته المعنوية الذاتية السلمية ، فبوسعه الاعتماد على الدين كعلاج قادر على تطبيب أهم مشكلات الشعب الاجتماعية . أنا لا أقول هذا لنا نحن فقط فـي الجمهورية الإسلامية ، و لبلادنا فحسب ، فالمفكرون و النخب السياسية و الفكرية فـي العالم اليوم راحوا أيضا يفكرون فـي هذه الحقيقة . إنهم يشعرون بالفراغ الدينـي ـ خاصةً فـي بعض البلدان الأوربية التـي اتسعت الهوة بينها و بين التدين و الإيمان الدينـي ـ و يحذرون من هذا الفراغ . الإيمان عنصر مهم و ذو قيمة كبيرة جداً لتنظيم و تهذيب التحركات و الحؤول دون حالات التمادي و التطرف و المخالفة و الاضطراب فـي مسائل الحياة المختلفة . و الحق أن هذه العملية هدف أساس للإذاعة و التلفزيون ، أتمنى أن يقدر الجميع على النهوض به .أريد أن أشدد بشكل خاص على نقطتين : البحث و الفن .العمل البحثي على جانب كبير جداً من الأهمية . العمل المنبعث عن منطلقات بحثية و علمية يتميز بقيمة و جاذبية أكبر حتى بالنسبة لعموم الناس ممن لايعدون علماء . العمل العلمي لا يعنـي طبعاً إطلاق أقاويل طنّانة غير مفهومة ، إنما هو العمل المتقن الصحيح ، حتى لو كان بلغة شعبية مفهومة من قبل الجميع . سمعتم جميعاً أن ميزانيات كبيرة تخصص فـي بعض البلدان المتقدمة لكافة مجالات البحث العلمي ، و البحث فـي مجالات المفاهيم الثقافية و القضايا المختلفة التـي تتعامل معها وسيلة الإعلام الوطنية من جملة الممارسات المهمة جداً .أما الفن ، فمهما تحدثت عنه ما وفّيته حقه . قلت مراراً إنه لابد من الاهتمام بالفن ولابد من الارتفاع بمستواه باستمرار ، و ينبغي اختيار الشكل الراقي من الفن . من دون الفن لا يجد الكلام العادي مكانه حتى فـي ذهن الإنسان ، ناهيك عن أن يكون شيقاً جذاباً و راسخاً و خالداً . الفن أهم وسيلة لنشر الفكر الصحيح أو غير الصحيح . الفن وسيلة و أداة و آلة إعلامية ، إنه وسيلة إعلامية مهمة جداً . ينبغي عدم الغفلة عن الفن و عن رقيه و تساميه ، و يجب عدم مساواته بالمعصية و الانحراف و ما إلى ذلك . الفن من أبرز المخلوقات الإلهية و من أثمن ما صنع الخالق ، و يتوجب تثمينه و تقييمه . ينبغي استخدام الفن فـي جميع الشؤون ، حتى فـي الدعاية العادية . إذا تم استخدام أداة الفن فـي الأعمال العلمية و الطروحات الفكرية و العلمية التـي تبث من الإذاعة و التلفزيون فسوف يضاعف ذلك من خلود هذه الأعمال و جاذبيتها . يتعين الاعتماد على البحث و على الفن فـي كافة الأقسام و القطاعات .على أي حال ، أتمنى أن يوفقكم الله تعالى و يوفقنا و المدراء المحترمين الأعزاء فـي الإذاعة و التلفزيون . و أشكركم أيها المسؤولون و العاملون فـي الأقسام المختلفة من الصميم فرداً فرداً . إننـي أشكر الجميع شكراً جزيلاً ، سواء الأقسام التـي ذكرها السيد لاريجانـي أو بعض الأقسام التـي لم ترد فـي كلامه . أرجو أن يتضاعف يوماً بعد يوم تطور أعمالكم و تكاملها و اتساعها و امتدادها و عمقها . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/05/16

كلمته بعد درس البحث الخارج في الفقه

بسم الله الرحمن الرحيمإن القضية الأوجب من المباحثة الدراسية اليوم ، و التـي يجب أن أطرحها على السادة هي الأحوال الأخيرة التـي شهدتها النجف و كربلاء ، و التـي تتسم بالأهمية القصوى ، و لا تعد من القضايا التـي يمكن للمسلم الشيعي و السنـي أن لا يأبه بها . أنا شخصياً استاءت حالـي بشدة و بنحو مستمر تقريباً منذ يومين حينما بدأت هذه التطورات . أي إننـي أشعر حقاً أن الحادثة التـي قام بها هؤلاء الأمريكيون الجهلاء القساة حادثة صعبة جداً عليهم ، إنهم يأتون فعلاً كبيراً و هم لا يفهمون .الإمام الحسين و أميرالمؤمنين ليسا للشيعة فقط ، فكل المسلمين يحترمون و يقدرون هذين العظيمين و هذه المراقد المطهرة . لا يستطيع المسلم المؤمن أن يصبر و يقبل أن يأتوا الى مخيم كربلاء بدباباتهم و مدافعهم و قواتهم المسلحة ، أو يهينوا القبة الطاهرة لأمير المؤمنين و يطلقوا عليها الرصاص . هذه الأمور أمور مهمة جداً .يبدو أن الأمريكيين قد تجاوزوا كل الحدود ، و الواقع إنهم مزجوا الحماقة بالوقاحة و الاستهتار . الاعتداء على مقدسات الناس و ما يعشقه الناس ليس بالأمر الصغير ، إنه قضية مهمة جداً . و العجيب أنهم مع كل هذه الوقاحة و الاستهتار يتشدقون بحقوق الإنسان و الديمقراطية و ...! إنها تلك الوقاحة العجيبة حقاً فـي وجود هؤلاء . أنا واثق أن المسلمين ، و خصوصاً الشيعة ـ سواء فـي بلادنا أو فـي مدن العراق المختلفة أو فـي سائر مناطق العالم ـ لن يسكتوا إزاء اعتداء الأمريكيين هذا ووقاحتهم . لقد انهزم الأمريكيون فـي العراق سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا ، و سواء اعترفوا أم لم يعترفوا . الوضع الذي جرّه الأمريكيون على العراق و بذور الكراهية التـي زرعوها فـي العراق سيذوقون ثمارها المرة الى عشرات السنين فـي العراق ، بل فـي المنطقة كلها . ليس الأمر كما يتوهمون من انهم سيستطيعون البقاء فـي العراق و التسلط على الشعب العراقي و ممارسة الحكم من دون متاعب ، و نهب نفط العراق ، و إهانة شعبه بهذه الطريقة .قضية سجن «أبـي غريب» صارت وصمة عار فـي جبين الأمريكيين . و قد تبين أخيراً إن هذه الحالة لا تختص بسجن أبـي غريب ، إنما تتعامل أمريكا مع العراقيين بنفس الصورة فـي جميع أو أغلب السجون التـي تسيطر عليها فـي العراق ، و هذه الوصمة لن تمحى بسهولة . و مع ذلك يقول الزعماء الأمريكيون ـ رئيس الجمهورية و العصابة الحاكمة فـي أمريكا ـ إننا لم نكن نعلم بذلك ، هذا هو اعتذارهم ! يقولون لم نكن نعرف بذلك ، لقد أغلقنا أبواب سجون التعذيب التـي كانت لصدام . و هل يختلف مَن الذي يُعذِّب الناس ، صدام أم أنتم ؟! التعذيب تعذيب . لم تغلقوا أبواب سجون تعذيب صدام ، بل حللتم محل صدام . حين يقولون إننا لم نكن نعلم ، فهم أولاً يكذبون فـي هذا ، لأن الصليب الأحمر أعلن بصراحة إنه أبلغ المسؤولين رفيعي المستوى فـي الجيش مضافاً الى غيرهم من المسؤولين الأمريكيين بهذه الممارسات منذ فترة طويلة ، مايدل على أن هذه الأعمال كانت تحدث منذ فترات طويلة و قد كُشف عنها النقاب مؤخراً . إذن ، لابد أن تكون أخبارها قد وصلتهم ، و إن لم تكن قد وصلتهم فهذا بحد ذاته جريمة أخرى . ثمَّ هل كان صدام يأتي بنفسه للزنازين و يعذب السجناء ؟ صدام أيضاً كان رجاله يقومون بذلك ، و أنتم أيضاً يمارس رجالكم ذلك .أجهزتكم أجهزة كراهية ، و ظلم ، و استهتار و عدم احترام للكرامة الإنسانية . لماذا دخلتم العراق ؟ لماذا سحقتم بلداً مستقلاً تحت أحذية جنودكم ؟ لماذا تجاهلتم كرامة و قيمة الشعب العراقي ؟ و الآن هاهم يخططون لمشروع نقل السلطة ، ولكن ، السلطة التـي تكون فـي الواقع بيد الأمريكيين أنفسهم . ليعلم الساسة و النخب العراقيون أن أية سلطة تحكم فـي العراق و تعتبر صنيعة للأمريكيين سيبغضها الشعب العراقي كما يبغض أمريكا . الشعب العراقي غير مستعد لأن يرى سلطة أمريكا و صنائعها فـي العراق بعد ذهاب صدام . نقل السلطة هو أن تُنقل إلى الشعب العراقي و تقام انتخابات ، فينتخب الناس ، لا أن يفرض شخص على النخب و السياسيين العراقيين مشروعاً يرضي الأمريكيين ، و يستسلموا هم لذلك المشروع الأمريكي .لقد كان دخول الأمريكيين الى العراق خطأ ً، و بقاؤهم فيه خطأ ، و سلوكهم مع الناس خطأ، و تعيين حاكم أمريكي على الناس كان خطأ ً، و زحفهم نحو كربلاء و النجف خطأ أيضاً . ممارساتهم الأخيرة كانت خطأ ًفـي خطأ ، و ليعلموا إن العالم الإسلامي و لاسيما العالم الشيعي لن يسكت عنهم . شخصية أميرالمؤمنين الطاهرة و شخصية سيد الشهداء الطاهرة (سلام الله عليهما) شخصيات نورانية لها مكانتها فـي أعماق قلوب الناس ، و إذا بهم يجتاحون مدن كربلاء و النجف ، و يتواجدون عسكرياً بجوار «وادي السلام» مدفن الصلحاء و العظام و الأولياء و الأوصياء ، و يقتلون العشرات من الناس الأبرياء فـي النجف و كربلاء .الجريمة التـي يرتكبها هؤلاء أعظم الجرائم ، و هي جريمة مدانة فـي العالم الإسلامي ، و من قبل الشعب الإيرانـي و من قبل كل الشيعة فـي العالم . لا مراء أن الأمريكيين لن يستطيعوا مواصلة هذا الطريق ، و كلما واصلوه أكثر غاصوا فـي هذا الوحل الذي خلقوه لأنفسهم أكثر ، و سيأسرهم هذا المستنقع أكثر . الأجدى لهم أن ينقذوا أنفسهم بأسرع ما يمكن . الأمريكيون وقعوا فـي الفخ طبعاً و لا يستطيعون الآن فعل شىء . استمرارهم هزيمة ، و خروجهم أيضاً هزيمة . لكن الاستمرار هزيمة أكبر ستوجِّه لهم ضربةً أعنف . إنهم اليوم فـي العراق و الصهاينة الغاصبون فـي فلسطين يرتكبون أفظع جريمة إنسانية ، و هذا يكفي لكي يكتشف العالم حقية كلام الجمهورية الإسلامية التـي جعلت من شعاراتها «الموت لأمريكا» و «الموت لإسرائيل» . إذا كانت الدول الأوربية صادقةً حقاً فـي دعاوى مناصرة حقوق الإنسان ، فعليها اليوم العمل بصراحة ضد هذه الخطوة التـي قام بها الأمريكيون ، إذ لا فائدة من الكلام ، و على البلدان الأوربية اتخاذ قرار فـي الهيئة العامة للأمم المتحدة ، لا فـي مجلس الأمن ـ حيث يستخدمون الفيتو ضده ـ و إدانة هذه التصرفات الأمريكية المعادية للإنسانية حتى يثبتوا أنهم صادقون ، و إلاّ مجرد ادعاء حقوق الإنسان لا قيمة له عند الشعوب إطلاقاً .والسلام عليكم و رحمة الله .
2004/05/15

كلمته في لقائه بمسؤولي الدولة و الضيوف المشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيماليوم هو الذكرى السنوية لولادة نبـي الإسلام المكرم سيدنا محمد المصطفى (صلى الله عليه و آله ) و كذلك الذكرى السنوية لولادة الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة و السلام) و الواقع أن هذا اليوم هو عيد كبير للأمة الإسلامية .أولاً أبارك هذه المناسبة الميمونة للأمة الإسلامية الكبرى ، و للشعب الإيرانـي العزيز و للحضور المحترمين فـي هذا اللقاء ، لاسيما الضيوف و الإخوة غير الإيرانيين الحاضرين فـي هذا الاجتماع . و ثانياً بمناسبة تكريم و تعظيم شخصية نبـي الإسلام المكرم لدينا نحن المسلمين الكثير مما نقوله لبعضنا ، و الكثير مما نضعه بيننا على بساط البحث و الدراسة ، ذلك أن رسول الإسلام كان معلم كل الحسنات و معلم العدالة ، والإنسانية ، و الوفاء ، و الأخوة ، و معلم التقدم و التكامل و التطور البشري الدائمي حتى نهاية التاريخ . متى تستطيع الإنسانية أن تتصور زمناً تستغنـي فيه عن هذه الدروس الثمينة ؟ إن الإنسانية اليوم أيضاً و كما كانت دائماً بأمس الحاجة الى دروس رسول الإسلام و تعاليمه .ما أريد أن أقوله اليوم بحضور نخب الأمة الإسلامية و شخصياتها المميزة هو قضية الوحدة و الاتحاد بين المسلمين . يواجه العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية اليوم مصائب كبيرة . صحيح أن الكثير من هذه الويلات تنبعث من داخل أنفسنا نحن المسلمين ، حيث قصّرنا و تكاسلنا و لم ندفع الأمة الإسلامية نحو قمم التكامل الإنسانـي بسبب أنانياتنا و تكالبنا على الدنيا ، و علينا أن نعود ونتحرك ونتوب ، ولكن ما من شك أن جزءاً مهماً جداً من هذا التخلف والمصائب والمشكلات خلال عهود التاريخ الأخيرة ناجمة عن النظام العالمي الباطل فـي الوقت الحاضر و فـي الأمس القريب . إن النظام العالمي نظام سلطوي نزّاع الى القوة ، إنه نظام الاعتماد على القوة ، و ليس نظام الحياة الإنسانية ، بل نظام حياة الغابة . انظروا إلى واقع العالم الإسلامي ! إننا نتذكر دائماً و منذ سنوات طويلة قضية فلسطين كجرح عميق فـي الجسد الإسلامي ، وقد أضيف إليه العراق الآن ! انظروا ماذا يفعل الأقوياء اعتماداً على ما لديهم من قوة . يطرحون كل الأقاويل غير المنطقية و الخاطئة اعتماداً على القوة و على منطق السلاح و الاقتدار السياسي و المالـي و كأنها كلام منطقي ممكن الدفاع عنه فـي العالم ، و يعملون به . يمارسون علنياً الجرائم التـي تعد فـي أعراف كل شعوب العالم جرائم و مجازر ، وأحياناً يطلقون عليها بعض الأسماء للتمويه ، فـي حين يعلمون أن أحداً لا يوافقها ، ولكن أحياناً قد لا يخلعون عليها حتى تلك الأسماء و الأقنعة . الدولة الصهيونية الغاصبة تعلن بصراحة إننـي أغتال النخب الفلسطينيين ، و الحكومة الأمريكية تدعمها رسمياً و علنياً ! هذا هو واقع النظام العالمي اليوم .الإرهاب ـ الذي صارت محاربته ذريعةً لممارسة السلطة و القوة من قبل الحكومة الأمريكية المستكبرة ـ يتحقق بصراحة كفعل مشروع و مسموح به على ألسنتهم و فـي ممارسات الحكام الصهاينة ، و كل هذا اعتماداً على القوة و قدرات السلاح . غزو العراق و احتلاله عسكرياً و إهانة و إذلال شعب كبير صاحب ثقافة جريمة دولية ، بيد أنهم يقومون بهذا الفعل صراحةً و بعناوين حقوق الإنسان و الدفاع عن الديمقراطية و الحرية ، و هذا ما لا يصدقه و لا يقتنع به أحد فـي العالم ، لأن سلوك المحتلين فـي العراق يدل على العكس تماماً ، وجلي إنهم لا يعيرون أي اهتمام لحقوق الإنسان و حق الشعب فـي اختيار حكومته ، و لا يقيمون له أية قيمة . هم ينصّبون و هم يعينون الحاكم و هم يسنون القانون و هم يعاقبون مخالفي القانون بلا أية محاكمة ، و العقوبة هي القتل الجماعي . انظروا ماذا يحدث فـي العراق ! هذا هو واقع الأمة الإسلامية اليوم .الأمة الإسلامية و لمجرد أن جريمتها الوقوع فـي منطقة غنية من العالم ، ولأن عجلة الحضارة العالمية الحالية لا تدور إلاّ بالمصادر الموجودة بوفرة فـي هذه المنطقة من العالم ، صارت موضوعاً لطمع و اعتداء القوي التـي تسمح لنفسها بكل الجرائم فـي هذا السبيل . هذا هو وضع الأمة الإسلامية ! ألا تستطيع الأمة الإسلامية الدفاع عن نفسها حيال هذا التعدي السلطوي ؟ الجواب بلى ، نحن قادرون على الدفاع ، لدينا أدوات كثيرة للدفاع عن حقنا و وجودنا . عددنا كبير جداً ، و ثرواتنا عظيمة ، لدينا شخصيات بارزة و أرصدة معنوية تمنح الجماهير القدرة على الوقوف بوجه المتجبرين ، لدينا ثقافة و حضارة عريقة قل نظيرها فـي العالم ، لدينا إمكانات كثيرة ، إذن نستطيع الدفاع مبدئياً ، ولكن لماذا لا ندافع ؟! لماذا لا نستطيع فعل شىء عملياً على الساحة ؟ لأننا غير متحدين ولسنا يداً واحدة ، لأنهم فرقونا بذرائع مختلفة . فرّقوا جيشاً منظماً عظيماً و مسلحاً اسمه الأمة الإسلامية الى جماعات ليس لها من همٍّ سوى مواجهة بعضها و الاصطدام ببعضها و الخوف من بعضها و الاعتداء على بعضها و الهجوم بالمخالب على وجوه بعضها . فـي مثل هذا الظرف من الطبيعي أن يفقد هذا الجيش فاعليته .لقد حان الوقت الآن لأن يعيد العالم الإسلامي النظر و يفكر فـي قضية الوحدة بجد . إن التهديد الأمريكي فـي المنطقة اليوم غير موجه لبلد واحد أو بلدين ، إنما هو موجه للجميع . إن خطر أصحاب الرساميل الصهاينة الواقفين خلف الجهاز الحاكم فـي أمريكا لن يكتفي اليوم بابتلاع جزء من منطقتنا ، يريدون ابتلاع المنطقة كلها ، وهم يقولون هذا بصراحة اليوم . مشروع «الشرق الأوسط الكبير» ليس له معنى سوى هذا . منذ أكثر من خمسين عاماً حين تأسست الدولة الصهيونية الغاصبة ، ومنذ نحو مئة سنة حين بدأت هذه الفكرة تتبلور فـي الأروقة الغربية و الأوربية ، كانت النية أن يبتلعوا هذه المنطقة و يصادروها لأنهم بحاجة إليها . لا يهمهم سكان المنطقة ، الكل معرضون للخطر ، و حين يكون الكل مهددين فالسبيل الأكثر عقلانية هو أن يفكر الجميع و يضعوا أيديهم فـي أيدي بعضهم . إن وصيتنا و طلبنا الجاد من الحكومات و الشعوب الإسلامية هو أن نفكر فـي هذه القضية و نعمل لصالحها ، لأنها تحتاج الى مقدمات و جهود ، ولابد من تحقيق مقدماتها . العدو طبعاً لن يبقى قاعداً عاطلاً و سيستخدم أدواته القديمة للتفرقة ؛ سيستخدم القوميات و المذاهب و الطوائف وسيؤصِّل الموضوعات التـي أكد الإسلام على إنها ليست أصلية و يجب أن لا تكون أصلية . شدد الإسلام على أن القوميات ليست معياراً للتمييز و الهوية ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ . و أكد إن على الإخوة المسلمين أن يتعاملوا مع بعضهم تعاملاً أخوياً ، لم يقل ذلك للإخوة السنة أو الشيعة أو المنتمين للمذهب الفلانـي ، إنما قالها للمسلمين ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾. كل من يؤمن بهذا الكتاب و بهذا القرآن و بهذا الدين و بهذه القبلة فهو مؤمن . هؤلاء إخوة ، هذا ما يقوله لنا الإسلام . لكننا نخفي الخناجر وراء ظهورنا لنطعن بها صدور إخواننا ! وثمة مذنبون فـي كل المجاميع. ينبغي الوقوف بوجه هؤلاء و التصدي لهم . الأمة الإسلامية اليوم بحاجة للوحدة من أجل حياتها و عزتها و نجاتها و رفع راية الإسلام . أي منطق بوسعه الصمود قبال هذه الأمور حتى يكون الاختلاف ؟ الوحدة اهم من كل الضرورات و الأولويات ، فهي مقدَّمة عليها و تسبقها من حيث الأولوية . لماذا لا نفهم ضرورة الاتحاد بين المسلمين ؟! على عواتقنا عبء ثقيل ، و هذه الفترة فترة حساسة . إذا استطاع الأعداء احتلال هذه المنطقة بالقوة فسوف يتخلف العالم الإسلامي مائة سنة الى الوراء كما كان فـي عهد الاستعمار ، و ستزداد الهوّة بين الأمة الإسلامية و العالم الصناعي المتحضر مائة سنة ، و مسؤولية ذلك تقع على عواتقنا ، نحن المسؤولون اليوم ، المسؤولون اليوم هم الحكومات و النخب و المميزون و الشخصيات الثقافية و الدينية . كلنا مسؤول إزاء وحدة العالم الإسلامي . من أهم الكلمات التـي كان يقولها إمامنا الجليل (رضوان الله تعالى عليه) قبل انتصار الثورة و الى آخر فترة من فترات حياته ، و يشدد عليها ، هي وحدة الأمة الإسلامية و اتحاد المسلمين و عدم تضخيم الاختلافات الصغيرة ، و نحن اليوم نرى و نفهم إنها كانت وصية على جانب كبير من الحكمة و الصحة .ندعو الله تعالى ببركة الروح المطهرة لخاتم الأنبياء و الجهاد الطويل لهذه الشخصية الإنسانية الفذة ، أفضل أولاد آدم ، و الجهاد الذي خاضه المسلمون الكبار ، و الروح المطهرة للإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة و السلام) و الجهود التـي بذلها هذا الإنسان الجليل ، أن يوقظنا جميعاً من نوم الغفلة ، و يهدينا سواء السبيل ، و يعرِّفنا واجباتنا و يمنحنا القدرة على أدائها ، و أن يرد شرور أعداء الأمة الإسلامية إلى نحورهم . والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/05/06

كلمته في لقائه بلفيف من المعلمين و العمال

بسم الله الرحمن الرحيمأيها الإخوة و الأخوات الأعزاء قدمتم خير مقدم . أبارك لكم أيام أسبوع الوحدة الميمونة ، ويوم المعلم و يوم العامل و أسبوع تكريم المعلم ، و أسأل الله تعالى علو الدرجات لشهيد الثورة الكبير المرحوم آية الله الشهيد مطهري ، الذي كان بحق معلّماً كبيراً فـي ماضي هذا البلد و حاضره و مستقبله . لقد كان مفكراً عارفاً بالدين و مؤمناً و مخلصاً و مثابراً . مهنتا التعليم و العمل بمعنييهما الواسعين تجلّتا و تبلورتا بأجمل الأشكال فـي هذه الشخصية الثورية العظيمة . التكريم الذي نقيمه لمكانة المعلم أو لمنزلة العامل ـ سواء فـي هذه المناسبة أو فـي المناسبات المختلفة الأخرى ـ ليس مجرد مجاملة كلامية ، و إنما هو تعبير عن منطق الإسلام بشأن التربية و التعليم و العمل و العامل . إنه عرض للثقافة الإسلامية فـي هذين الميدانين . إن مشكلة المجتمع فـي كثير من الأحيان هي الفهم المغلوط . حينما يُنظر للعامل فـي مجتمع ما كمجرد وسيلة للإنتاج ، و يتم تجاهل شخصيته الإنسانية و كرامته الإنسانية ، فلن يرضيه كل ما يعطونه من مكافآت مادية . أو إذا اعتبر المعلم عضواً فخرياً فـي المجتمع ، و إذا اتخذ الدعم العام للمعلمين فـي الخطط و السياسات و القوانين طابعاً اقتصادياً و غُضَّ الطرف عن الجانب الإنسانـي و الإخلاقي و القيمي للمعلم ، فسيكون ذلك إهانةً للمعلم . لا مراء أن المعيشة قضية على جانب كبير من الأهمية لابد أن تتحقق لهم ، بيد أن قضية الانسان و القيمة الانسانية لاتُختزل فـي مسألة المعيشة . للمعلم فـي الاسلام مكانة رفيعة حقاً.إذا سادت الثقافة الإسلامية فـي مجتمع ما ، فعلى الناس جميعاً أن يشعروا أنهم مدينين للمعلم ، لأن المعلم هو من يبدل المادة الإنسانية الخام الى طاقة فاعلة و بناءة و متفجرة و مفيدة و متخصصة و عالِمة ، و هذا هو أعظم فعل يمكن أن يقع فـي عالم الطبيعة . العامل هو الشخص الذي يحمل على عاتقه أهم جزء من حركة المجتمع . جزء كبير من العمل و السعي و البناء و الإنتاج يقع على عاتق الطاقات البشرية ، أي الشىء الذي يقوم به العامل . إذا تم وعي قيمة العامل فـي المجتمع سيعتبر جميع الذين يتمتعون بمواهب المجتمع أنفسهم مدينين للعامل ، و هذا يخلق للعامل و المعلم شعوراً بالشرف و الكرامة و الحرمة ، و هذا مهم جداً فـي المجتمع . الذين يرسمون السياسات و يضعون الخطط ويسنّون القوانين إذا اعتقدوا بهذه الكرامة والحرمة لشريحة المعلمين أو شريحة العمّال سيكتبون القانون و ينظمون السياسات التنفيذية بحيث تُؤدي حقوق هؤلاء بالنحو اللائق .لو نظرنا بعين البحث عن الحقيقة لوجدنا أن شريحتـي العمال و المعلمين ـ و هم البناة و المنتجون الأصليون فـي البلاد و المدراء الحقيقيون للمجتمع ـ أشرف مئات المرات من الذين يتربعون على مائدة الاستهلاك الجاهزة ، ولايفعلون شيئاً سوى الاستهلاك ، من دون أن يصدر عنهم خير للمجتمع أو لتقدم المجتمع .الشىء الضروري فيما يتعلق بقضية العامل هو أن تنظم القوانين و ترسم السياسات التنفيذية ـ ضمن حدود إمكانات الحكومة وليس فوق طاقة هذه الإمكانات ، و بالمقدار الذي تسمح به القدرات التنفيذية للحكومة و البلد ـ بحيث يشعر العامل بالأمن المهنـي ، و يشعر أيضاً أن قيمة عمله مفهومة . من جهة ، يجب متابعة حقوق العامل ، و من جهة أخرى ينبغي أن لا يُعمل بحيث يُصاب المستثمر بالفزع من استخدام العامل . تتعين ملاحظة كلا جانبـي القضية بواقعية و حكمة لتكون النتيجة الأمن المهنـي للعامل و تمتعه أيضاً بحقوقه المشروعة .فيما يتصل بالمعلمين أيضاً ينبغي التنبه الى أن المهمة الملقاة على عاتق المعلم من أعظم المهمات التـي يمكن للإنسان القيام بها . إنتاجه هو أهم الإنتاجات ، إنتاج الإنسان المتعلم الواعي و الكفوء . إنه الشخص الذي يفجر ينابيع المواهب فـي وجود الأفراد ، و يحول هذه المادة الإنسانية الخام ـ أي الأطفال و الأحداث ـ الى شخصية إنسانية كفوءة مفكرة و مفيدة للمجتمع و البلاد و التاريخ . جميع الأيدي المقتدرة التـي حركت التاريخ ، اكتسبت اقتدارها على أيدي المعلمين . المعلمون هم الذين جعلوها كفوءة قادرة ، و لو لم تكن رعاية المعلم و حنانه و جهوده و مساعيه وراء العديد من المواهب فستبقى تلك المواهب دفينة فـي أعماق وجود الأفراد ثم تضمحل و تتلاشى . إذن لابد من معرفة قدر المعلم .و النظام الاسلامي بدوره مدين حقاً لشريحتـي المعلمين و العمال . ففي بدايات انبثاق الثورة قدمت هاتان الشريحتان مساعدات كبيرة ، و كذلك فـي الحفاظ على الثورة و النظام الإسلامي إلى اليوم ، سواء خلال فترة الدفاع المقدس أو قبل ذلك أو بعد ذلك و إلى اليوم . كانت هناك أيادٍ كثيرة تعمل لفصل هاتين الشريحتين عن النظام ، تشدد على نقاط الضعف ، و النقاط المثيرة للعتاب و الشكوى ، و تبالغ فيها و تضخمها و تبرِّزها لتجعل هاتين الشريحتين المتسمتين بالإيمان والحب و الخدمة وجهاً لوجه أمام الثورة و النظام ، فلم تفلح ، وبقيت هذه الأيدي فاشلة الى اليوم .أريد أن أقول لكم أن السعي لإحياء المطاليب المهنية و استغلال كل هذا لمواجهة الثورة و النظام لصالح أعداء النظام ، لا يزال قائماً الى اليوم . لا يزالون اليوم أيضاً يسعون سعيهم ، و على الجميع أخذ الحيطة و الحذر . و هذا بمعزل عن أننا نوصي الحكومة و المسؤولين و المشرّعين و نؤكد عليهم أن يحذروا من تضييع الحقوق المشروعة لهاتين الشريحتين و غيرهما من شرائح المجتمع ، فهذا يجب أن يحفظ ويُراعى فـي محله طبعاً . فـي هذه الجهة من المسألة كان العمال و المعلمون منذ اليوم الأول نقطة مركزية اهتم بها الأعداء ، و بذلت جهود لفصلهم عن النظام و الثورة ، غير أن يقظة هاتين الشريحتين و إيمانهما و طُهرهما و وعيهما و فهمهما بددت كلها مساعي الأعداء . المعلمون اليوم جماعة طيبة السمعة فـي بلدنا ، بيد أن البعض قرروا سلبهم هذه السمعة الحسنة فـي أعين الجماهير . هذا ما نشاهده فـي بعض المساعي . البعض يخدم الأعداء عالماً ، و البعض يخدمهم دون علم ، أي أنه لا يفهم ما يفعل . اليوم حيث البلاد بحاجة الى سرعةٍ مضاعفةٍ فـي ميادين التعليم و التربية و البحث العلمي و صناعة الشخصيات الكبيرة حتى تعوِّض تخلف العهود الماضية ـ و قد حققنا كثيراً من التقدم بفضلٍ من الله ـ من أعمالهم أن يوقفوا هذا التحرك . يعملون على الجامعات عسى أن يستطيعوا الإخلال فيها ، و يعملون على المدارس أيضاً . معلمونا طبعاً يقظون و واعون ويعرفون قدر خدمتهم وحسن سمعتهم ، ويعلمون أن أي شكل من أشكال القابلية للاستفزاز على أيدي الأجانب المتآمرة أو عملاء الأجانب سيضعهم أمام أولياء أمور الطلاب ، و من هم أولياء أمور الطلاب ؟ إنهم جميع الشعب . هذه مؤامرة . وقد فعلوا مثل هذا مع العمال أيضاً . الآن كان الحديث عن المؤامرة التـي قاموا بها بداية الثورة فـي المعامل المحيطة بطهران ، و قد أحبط الله تعالى مؤامراتهم . لقد خططوا بشكل دقيق جداً ، بيد أن يد إيمان الشعب ، و يقظة الشعب و شبابنا المخلص وجهت لأفواههم الصفعات فـي نفس تلك المعامل و جعلتهم يتراجعون . إنهم يتراجعون طبعاً ، لكن الأطماع لا تتراجع . هذا ليس وهماً ، إنما هو واقع . إن القوى الاستكبارية العالمية اليوم فتحت أفواهها كعهود الاستعمار فـي القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين لتبتلع أية منطقة توفر لهم ثروة و سلطة أكبر . لماذا مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي وضعته العصابة الحاكمة فـي أمريكا بإدارة أصلية من الصهاينة ، و ما هو معناه ؟الشرق الأوسط منطقة غنية . أطماع ابتلاعها لا تتركهم يهدأون و يقعدون . هدفهم ابتلاع هذه المنطقة . لكنهم لا يستطيعون طبعاً ، لأنهم سيغصون بهذه اللقمة التـي ستخنقهم . إن هذه السياسات وهذه النوايا السيئة موجّهة لبلادنا أيضاً ، لكنهم يخشون إيران الإسلامية . لا أنهم يخشوننـي أنا و أمثالـي ، كلا ، إنهم يخشونكم أنتم ، يخشون الشعب ، يخشون إيمانكم ، يخشون تواجدكم فـي الساحة ، يخشون انتخاباتكم ، لذلك لا يقتربون ، بيد أن أطماعهم لا تزال قائمة .أنظروا ماذا يفعلون فـي العراق ! أنظروا ماذا يفعلون بالشعب الفلسطينـي المظلوم ! إن راية الحرب ضد الإرهاب بيد أمريكا اليوم ، أمسكت بهذه الراية و راحت تصول هنا و هناك و تهجم ذات اليمين و ذات الشمال بحجة أننا نريد محاربة الإرهاب ، أما الاغتيالات الإرهابية الجلية للشخصيات الفلسطينية و المسبوقة بالإعلام العلنـي من قبل الصهاينة السفاحين المجرمين فيؤيدونها و لايخجلون و لايستحون ! هذا بحد ذاته دليل على أنهم آيلون الى الزوال وهم لايشعرون . الضعف الحقيقي و أفول الاقتدار فـي النظام السياسي يبدأ حينما يفتقر هذا النظام للبراهين السياسية المقنعة لاعماله ، ويفقد شرعيته السياسية . حينما تغيب الشرعية السياسية لدى النظام و لايعود يمتلك المسوغات لوجوده و ممارساته ، وقتئذ سيخسر قواه المعنوية و يبدأ سقوطه و أنْ لم يشعر أحد بشىء حسب الظاهر و لم يشعر هو نفسه بشىء . انهم ثملون بالسلطة والشهوات الى درجة لا يفهمون معها ما الذي يفعله بهم ضعف أدلتهم و افتقارهم للشرعية السياسية فـي العالم .يبارك للمجرم الصهيونـي شارون أن قتل احمد ياسين أو اغتال الشهيد الرنتيسي ! ما هو دليله لصالح هذا العمل ؟ دليله أن دولة إسرائيل تدافع عن نفسها . عجيب ! أوليس هذا هو منطق مستبدي العالم حينما يقمعون الجماهير و معارضيهم و يدمرونهم و يعذبونهم ؟! كل الرموز السياسية المشؤومة و الخبيثة فـي العالم و المعروفة بالخبث و الدكتاتورية قمعوا معارضيهم بهذا المنطق ، يقولون إننا ندافع عن وجودنا . وهو يقول إن إسرائيل تدافع عن وجودها . الشيخ أحمد ياسين العاجز المقعد الجالس على العربة هل كان بوسعه فعل شىء غير الكلام و غير الفكر ؟ و أنتم تقولون إننا مع حرية التعبير عن الرأي و حرية الفكر . يصيبونه و يقتلونه ، و هو يبارك لهم ذلك ! انظر الوقاحة الى أي حد بلغت ؟! هل تقبّل العالمُ ذلك ؟ أبداً . الغربيون أنفسهم و الرأي العام أيضاً لم يستسغ ذلك . هذا معناه فقدان الشرعية السياسية ، معناه أنهم لم يعد لديهم منطق ، و ما يقولونه لا يوافقه الرأي العام المنصف فـي العالم . و مثل هذا بالضبط يجري الآن فـي العراق . الضجيج الذي بدأ مؤخراً فـي العراق و هذه المواجهات فـي النجف و كربلاء و البصرة و المناطق الأخرى انطلقت من أن الأمريكيين منعوا صحيفة لمجرد أنها تدين الأمريكيين و تكتب ضدهم . ألا تقولون إننا مع حرية الأقلام ؟ ألا تدعون كذباً إنكم تناصرون حرية الفكر و حرية الأقلام و حرية التعبير عن الرأي ؟ إذن لمَ منعتم تلك الصحيفة ؟ لأنها تكتب ضد المحتلين و ضد أصحاب البساطير الذين يدخلون بيوت الناس ؟ هذه المجازر و هذا القمع جاء على إثر هذه القضية . ليس للأمريكيين و الأنجليز اليوم أي مبرر أو أدلة لتواجدهم فـي العراق . قالوا إننا جئنا لمحاربة الإرهاب و للدفاع عن حقوق الإنسان و لتوفير الديمقراطية . هل هذه هي الديمقراطية ؟! هل هذه هي حقوق الإنسان ؟! أن ترى المرأة و الطفل العراقي و الرجل و الشاب العراقي أجنبياً فـي ديارهم و أرضهم يتسلّط عليهم ويفرض عليهم الأمور عنوة ؟ فـي البداية كتموا ما جاءوا من أجله ، بيد أن الرأي العام الأمريكي بدأ تدريجياً يعلن معارضته . قال رئيس جمهورية أمريكا الجاهل قبل أسبوع أو أسبوعين فـي كلمته إننا إذا استطعنا الاستفادة من نفط العراق سنستغنـي عن نفط البلد الفلانـي و البلد الفلانـي ! أي إنه اعترف أنه جاء من أجل النفط، اعترف انه لم يأت بغية الدفاع عن حقوق الانسان و الدفاع عن الديمقراطية . مصالح الشركات هي التـي جرتهم الى هذا البلد . هذا المنطق مكتوب عليه الهزيمة فـي العالم حتى لو ارتعب البعض و لم يتفوهوا بشىء أو تفوهوا و تكلموا و لم تنشر وسائل الإعلام الصهيونية كلامهم . النظام الذي يعربد بهذه الطريقة و يضرب يميناً و شمالاً على أساس هذا المنطق المهزوم عالمياً ، محكوم عليه بالهزيمة و الانهيار . لقد بدأت أمريكا مسار انهيار نظامها الاستكباري ، و قد تمادت كثيراً و ستشهد جماهير العالم ذلك اليوم ، هذا رغم ضجيجها الذي تطلقه باستخدامها للقوة . لقد وقع الأمريكيون فـي الفخ العراقي و لم يعد لديهم طريق للخلاص . كالذئب الذي يقع ذنبه فـي المصيدة فيتخبط و يغرز مخالبه فـي الأرض و يعوي ، و إذا اقترب منه شىء عضه بأنيابه . إن هذا الذئب الأسير إما أن يضغط فينقطع ذنبه من أصله حتى يستطيع إنقاذ نفسه ، أو يجب أن يبقى على هذه الحال . لقد غرق هؤلاء فـي الوحل . ذلك واقع الصهاينة فـي بلد فلسطين المظلوم و هذا واقع هؤلاء فـي بلد العراق المظلوم . وفـي النهاية ستنتصر قوة المظلومية على قوة الظلم المنفلت اللامحدود الذي يمارسه هؤلاء .وهم يعادون إيران الإسلامية بشدة لأن هذا الكلام يطرح فـي إيران . الحقائق التـي نطرحها اليوم بكل هذه السهولة فـي البلاد و يعيها الشعب بيقظته ، لا تجد المجال لأنْ تُطرح فـي العالم . و إذا عبّر أحد فـي مكان ما عن هذه الحقائق تحاصره وسائل الإعلام و تقاطعه مقاطعة تامة ، و لا تسمح بانتشار هذا الكلام ، خصوصاً على مستوى شعب كبير . خوفهم من إيران خوفهم من الشعب ؛ خوفهم من الاسلام .يجب أن لا نخطئ ، فهم لا يخافون من الأشخاص . أنا و أمثالـي لا شىء من دون الدعم الشعبـي و الايمان الشعبـي العميق . الساسة كالجدار الرقيق المفتقر للدعامة و الذي يمكن إسقاطه بضغطة واحدة . الشىء الذي بمقدوره الوقوف بوجههم هو سد الشعوب المتين . على الشعوب أن تستيقظ و الشعوب المسلمة فـي العالم اليوم فـي طريقها الى اليقظة . إنهم يخشون هذا التحرك و النشاط و الإيمان و اليقظة و التواجد الذي تبدونه على الساحة . لقد أخافتهم مشاركتكم فـي الانتخابات الماضية و حطّمت آمالهم . و ثمة انتخابات أخرى أمامنا . إننـي أوصي الجماهير فـي المناطق التـي من المقرر إقامة الانتخابات فيها خلال الأيام المقبلة وصيةً مؤكدةً أن يساهموا فـي الانتخابات بكل جد . مع أن الانتخابات لا تقام فـي كل مكان ، ولكن من المقرر صعود عشرات النواب الى المجلس. دعوا التوثب و الحماس الجماهيري فـي المناطق التـي من المقرر إقامة الانتخابات لها يُجسِّدُ مرةً أخرى مؤشراً على التواجد الشعبـي الهائل . فـي الحالات الأخرى أيضاً يحسم تواجدُ الجماهير و إدارتهم للساحة و يقظتهم و وعيهم كل شىء ، و هذا ببركة الإسلام و تعاليم الإسلام و الهداية الإسلامية . من دون الهداية الإسلامية و الإيمان الدينـي والإسلامي العميق ما كان لمثل هذا الصمود أن يتكون و لما استمر هذا الدعم حيال مؤامرات الأعداء وحيلهم و أحابيلهم . إذا كان شعبنا قد وقف هذه الوقفة القوية فما هذا إلاّ بدافع إيمانه الروحي ، وهذا ما سيستمر ، وسيتعمق إيمان الشعب أكثر يوماً بعد يوم ، و سيتضاعف دعم الجماهير للنظام بلطف من الله و حوله و قوته على رغم أنوف الأعداء .أسأل الله تعالى التوفيق والسعادة والنجاح لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات ، ولجميع العمال الأعزاء و المعلمين الأعزاء و المسؤولين عن أمور هؤلاء الأعزة ، و أدعوه تعالى أن ينصر الإسلام و المسلمين فـي كافة أرجاء العالم ولاسيما البلدان المظلومة . والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/04/30

كلمته في لقائه بشرائح الشعب المختلفة

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بكافة الإخوة و الأخوات الحاضرين فـي هذا الاجتماع الودي الأخوي ، و خصوصاً العوائل الكريمة لشهدائنا الأعزاء و الإخوة و الأخوات الذين تفضلوا بالمجىء من مناطق و مدن أخرى . كما أرحب بالإخوة العراقيين حيث تفضل بالمجىء الى هنا لفيف من الجامعيين العراقيين . الأيام الأخيرة من صفر أيام مفعمة بالذكريات بالنسبة لعالم التشيع و الإسلام . نحن نقترب من أيام رحيل النبـي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) . حياة الرسول الأكرم كانت حياة لله و فـي سبيل الله و وقفاً لنشر التعاليم الإلهية . و الشخصية الفريدة الفذة لذلك الرجل العظيم كانت نموذجاً و درساً و مثالاً أبدياً لكل أحقاب التاريخ الإسلامي ؛ ﴿ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ بهذا الجهاد انتشرت تعاليم الإسلام و امتدت على كل أحقاب التاريخ . لم تكن هذه التعاليم للمسلمين وحسب فالبشرية كلها تنتفع من انتشار التعاليم الإسلامية . لو علمنا نحن المسلمين قدر تعاليم الإسلام و اكتشفنا أعماقها ، فسنستطيع تأسيس عالم جديد متطابق مع المتطلبات الحقيقية و الفطرية للإنسان . تستطيع الأمة الإسلامية عبر تمسكها بالإسلام إنقاذ العالم الغارق فـي الشهوات و الغضب و الجاهلية و الأنانية و عبادة الذات . الروح التـي تسود جميع المعارف و التعاليم الإسلامية هي أن لايُعطي زمام السلوك البشري فـي الحياة لأيدي الشهوة و الغضب ، و أن لا تقود الأنانيات الإنسان و المجتمع الإنسانـي الى هذا الطريق أو ذاك ، بل يقوده العقل و التقوى . لاحظوا معاناة الإنسانية ، ما هي أسباب حالات الفقر و الحرمان و التمييز و الفساد و الجهل و العصبية الفارغة ؟ و من أين تنبع المجازر و الحروب و حالات الظلم و الجور و القسوة فـي المجتمع البشري ؟ أصل كل هذا أن بعض الأفراد الذين لا يمسكون بزمام أنفسهم ، و يخضعون لأسر الشهوات و الغضب و الأنانية و حب الجاه و اكتناز الأموال ، أينما تسلّطوا على مصير الإنسانية قادوها الى الفقر و الحروب و الجهل و التمييز و الفساد و الفتنة . الإسلام يروم معالجة هذا الأمر . يقول الإسلام إن زمام إرادة الإنسان و قراره و حريته ـ و هي مـن أعظم المواهب الإلهية للإنسان ـ يجب أن لايسلّم لأيدي الجهل و الشقوة و حب الدنيا و الأنانية و عبادة الذات ، و إنما ينبغي أن يكون بيد العقل و التقوى .حينما قلنا أن هذا العام هو عام تحمل المسؤولية فإن ذلك ليس مفهوماً غربياً ، بل هو مفهوم إسلامي . البعض إذا راقهم أي شىء يحاولون أن ينسبوه بشكل من الأشكال لمنتجات الأفكار و الحضارة الغربية . كلا ، تحمل المسؤولية حقيقة إسلامية ، إنها ليست سوى المسؤولية . المسؤولية معناها أن الإنسان ، فـي أية مرتبة كان ، عليه أن يسأل نفسه أولاً ، و يرى ما هي العوامل التـي تتحكم فـي سلوكه و أقواله و قراراته ، هل هي عقلائية و على أساس التقوى ، أم أنها كانت أنانية لإشباع شهواته و أغراضه الشخصية . إذا استطاع الانسان إرضاء ضميره و الاستجابة لندائه الداخلي ، فسيمكنه أن يجيب الآخرين أيضاً : ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ هذه العين التـي تمتلكونها و تستطيع أن ترى و تعرف و تميّز ، و هذه الأذن التـي لكم و تستطيع أن تسمع كلام الحق و تنقله الى قلوبكم و تؤثر فـي جوارحكم ، و هذا الفؤاد الذي عندكم و الذي بوسعه أن يشعر و يقرر و يختار الطريق ( وهوية الإنسان الحقيقية يُعبَّر عنها بالفؤاد ) هذه كلها أدوات يقول الله تعالى إنكم مسؤولون قبالها . كلنا يجب أن نجيب ما الذي رأيناه بأعيننا ، هل رأينا ؟ هل دققنا ؟ هل أردنا أن نرى ؟ هل أردنا أن نسمع ؟ هل أردنا أن نتخذ قراراً و نعمل ؟ هذه هي الإجابة و تحمل المسؤولية . يقول : « كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته » ، كلكم مسؤولون . طبعاً الشخص الذي تتأثر مساحة واسعة من حياة الناس بقلمه و لسانه و قراراته تكون مسؤوليته أكبر بنفس النسبة . لذا قلتُ إن كبار المسؤولين ، و السلطات الثلاث ، من القائد نفسه الى كل فرد من الموظفين و المدراء ، يجب أن يكونوا جميعاً مجيبين . يجيبون عن أعمالهم ، يجيبون عن قراراتهم ، يجيبون عن الكلام الذي يصدر عن ألسنتهم و القرارات التـي يتخذونها . هذا هو معنى الإجابة و تحمل المسؤولية . هذه حقيقة إسلامية و الجميع ينبغي أن يلتزموا بها . كل إنسان حينما يريد أن يقول شيئاً ، إذا علم أنه يجب أن يكون مجيباً حيال ما يقوله فسيتكلم بشكل معين ، أما إذا علم أنه مطلق العنان و لن يجيب عن ما يقول ، فسيتكلم بطريقة أخرى . عندما يروم الإنسان أن يتخذ قراراً و يعمل ، إذا أدرك أنه سيكون مجيباً إزاء خطوته هذه فسيعمل بطريقة معينة ، أما إذا شعر بالعكس و أنه مطلق العنان و لن يسائله أحد و لن يحاسبه أحد فسيعمل بطريقة أخرى . علينا نحن المسؤولين أن ندقق كثيراً فـي كلامنا و قراراتنا . و لذلك فإن المسؤولية محترمة ، و لهذا يحترم الناس المسؤول ، لأن خلف عمله و قراره عالماً من المسؤولية يتقبلها و يتحملها . إذا اعتبر هذا الشخص نفسه مسؤولاً فإنه يستحق فعلاً هذا التكريم و الاحترام ، أما إذا لم يعتبر نفسه مسؤولاً فسوف يتعقد كل شىء .أنظروا إلى المشهد العالمي . ما هو سبب أوضاع العراق اليوم ؟ سببها قدرة منفلتة الزمام لا تشعر أنها مسؤولة ازاء الرأي العام العالمي ، ترى فـي منطقة معينة من العالم أن لها قوة غير مسؤولة ، أعنـي الحكومة الأمريكية . إن ما يحدث اليوم فـي العراق جريمة وحشية هائلة و عمل محيّر حقاً . سلطة أجنبية تخطط لأغراضها السياسية و الاقتصادية و لأجل ملء بطون رؤساء الشركات النفطية و الصهيونية و غيرها من ثروة العراق ، و تطلق اسماً معيناً على مخططها هذا : الحرب على الإرهاب ! جاءوا و دخلوا العراق و فرضوا أنفسهم على بلد له كل تلك الثقافة العريقة و العميقة و الماضي التاريخي ، و على شعب تاريخي غيور ذي هوية ، و أمسكوا به فـي قبضتهم و راحوا ينزلون به انواع الإهانات ، و يتوقعون أن لاينقلب هذا الشعب عليهم ، ولا يحدث الواقع الذي تشاهدونه اليوم . لقد كنا نتوقع هذا الوضع ،وقلنا للرأي العام قبل عدة أشهر أن الأمريكيين يعملون على دفع الشعب العراقي تدريجياً نحو الصدام المسلح الغاضب . إن كنتم ترون اليوم أن الشاب العراقي ـ من الشيعة و السنة ـ فـي النجف و الفلوجة و بغداد و سائر المناطق ينظر للأمريكيين بغضب و يوجه لهم الضربات إذا استطاع من دون تريث ، فهذا فعل قام به الأمريكيون أنفسهم ، ليس الذنب ذنب أحد . كالمجنون الذي يهجم دائماً على هذا و ذاك ، و يتهم هذا و ذاك دون مبرر ، « حرّكتهم الجهة الفلانية ، و تدخلت الجهة الفلانية » ؛ كلا ، لم يحركهم أحد ، إنها هوية الشعب العراقي التـي تتبدى للعيان . تستولون على وطن هذا الشعب ، و تنشرون جنودكم فـي أزقة وشوارع هذا الوطن ، و تهينون نساءه ، و تلقون شبابه أمام أعين الجميع على وجوههم على الأرض و تسحقون رؤوسهم بأحذيتكم ، أنا الجالس هنا لا أطيق أن أرى هذا الوضع ، فكيف يطيقه الانسان العراقي المؤمن الغيور ؟! لا حاجة لأن يثيرهم أحد ، أنتم أنفسكم أكبر و أقذر مستفزّ للشعب العراقي . لماذا دخلتم بيوتهم ؟ لما كذبتم ؟ قلتم إنكم تفتشون عن أسلحة الدمار الشامل . أين هي أسلحة الدمار الشامل ؟ لماذا لم تجدوها ؟ إننا نقول هذا الكلام الآن ؟ و فـي نفس أمريكا و أورپا ترتفع نداءات كبار الساسة و غيرهم ليقولوا إنكم قد كذبتم . قالوا لبوش نفسه و العصابة المحيطة به إنكم قد كذبتم . لقد دخلتم العراق بالكذب . لم يكن هدفكم إتلاف أسلحة الدمار الشامل . هدفكم احتلال العراق و الاستيلاء على نفط هذا البلد و الاقتراب الى قلب العالم الإسلامي . أردتم احتلال قلب العالم الإسلامي . هؤلاء أنفسهم الذين يمارسون بأكاذيبهم الجرائم و المجازر فـي كل مكان من العراق ، و لا يختلف السنة عن الشيعة بالنسبة لهم . إنهم أعداء كل فرد من أفراد الشعب العراقي إنْ لم يركع على التراب أمامهم . يقولون يجب أن تركعوا على التراب أمامنا و لا تتفوهوا بشىء ، و يجب أن تغمضوا أعينكم ، لنفعل بكم كل ما نريد ، و إلاّ فأنتم أعداؤنا الإرهابيون ! هذا هو منطق المحتلين و منطق أمريكا فـي العراق . إنهم مخطئون ، يتصورون أن شعوب العالم لا تفهم . يتوهمون أن بالإمكان الاستمرار على هذا النحو . ينادون بالديمقراطية : جئنا للعراق من أجل سيادة الشعب ! سيادة شعب من دون الشعب ! ليست هذه سيادة الشعب ، بل مجزرة الشعب . جاءوا من أجل الديمقراطية و حقوق الإنسان ، هل هذه هي حقوق الإنسان ؟! لقد سودوا وجه الحضارة الغربية اليوم أكثر مما كانت عليه . إنهم مخطئون ، و لن ينجحوا .أقول لكم إن الحكومة الأمريكية تريد اليوم أن تفعل بالشعب العراقي مثل الذي فعله شارون بالفلسطينيين ، أي ترد بقبضةٍ من حديد على أي كلام أو خطوة معارضة منهم . بمقدار ما نجح الصهاينة سينجح هؤلاء أيضاً . إنهم متسلطون على فلسطين منذ ستين عاماً.مرت سنوات لم يكن للفلسطينيين فيها تحرك أو انتفاضة ، لكن الحياة اليوم غدت عصيبة على الصهاينة . وصلت بهم الأمور الى درجة لايتحملون معها وجود رجل دين عجوز مقعد لا يتحرك الاّ بواسطة العربة . لا يستطيعون تحمل شخص مثل الشيخ أحمد ياسين . والأمريكان أيضاً انتهجوا فـي العراق هذه السياسة . يخالون أن هذه السياسة ستصل بهم إلى نتيجة . يغلقون الصحف و يوقفون الصحافة ، ابتداءً من هذه الأعمال و حتى قتل الناس جماعياً .فعل الأمريكيين مدان و مذموم و مبغوض وفقاً لكافة الأصول و المعايير البشرية ، و عملهم محكوم عليه بالإخفاق طبقاً لكل القواعد فـي عالم الطبيعة . ليعلم الأمريكيون أنهم سيخرجون من العراق بذلة و صغار إنْ عاجلاً و إنْ آجلاً . إخوتنا العراقيون بمقدورهم تقصير أمد هذه الفترة ، بوسعهم تقريب موعد التخلص من هذا الخطر الكبير ، بماذا ؟ بوحدة الكلمة ، بالتمسك بالإسلام ، بالحفاظ على الروح الإسلامية والإيمانية ، وبتحكيم العقل و الحكمة و التدبير . يجب أن يعرفوا قدر العلماء ، يجب أن يعرفوا قدر المرجعية و مكانتها ، ليعرفوا قدر هذه المحاور التـي تجمعهم و تؤلِّف بينهم ، ليعرفوا قدر إيمانهم و لا يقعوا فـي فخ التفرقة الذي نصبه لهم الأعداء . إن زرع الفرقة هو اليوم إحدى الخطط الأكيدة للأعداء أي الأمريكيين و الإنجليز و أتباعهم و أنصارهم . يجب أن لا يقعوا فـي هذا الفخ . سنرى إن شاء الله اليوم الذي يعيش فيه العراق مستقلاً حراً بإرادة شعبه و تحت لواء الإسلام .ربنا مُنّ على كافة المسلمين فـي كل أصقاع الأرض بالعزّة . ربنا و اجعلنا و جميع الأمة الإسلامية ممن تشملهم الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) ، و قرب بين قلوب الإخوة المسلمين فـي كل أنحاء العالم ، و اكفف عنهم شرور الأعداء . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . 
2004/04/16

كلمته في صحن الجامع الرضوي بمدينة مشهد المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله فـي الأرضين .أشكر الله المتعال و أحمده أن منحنـي أنا العبد الضعيف هذه الفرصة و أمهلنـي كي ألتقي بكم أيها الإخوة و الأخوات الزوّار و المجاورين الى جانب المرقد المطهر المنور للإمام علي بن موسى الرضا (عليه آلاف التحية و الثناء ) ، و أبارك لكم حلول العام الجديد ، و أدلـي ببعض الأمور لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزة الحاضرون فـي هذا المكان ، و لكل الشعب الايرانـي .مع أن الفرص الإلهية و الإمهالات التـي يمنُّ الله تعالى بها علينا نحن العباد فـي هذه الدنيا تعد نعمةً عظيمة ، إلاّ أنها طبعاً تضاعف من مسؤولية الإنسان بنفس الدرجة ، و تزيد من الحساب الإلهي . كل سنة تنقضي من أعمارنا ، و كل يوم نبقاه أكثر فـي هذه الحياة و فـي هذه الدنيا ، تتضاعف معه بنفس النسبة أعباء مسؤولياتنا أمام الخالق . هذه طبعاً نعمة ، إلاّ أنها مصحوبة بالمسؤولية ، نظير كل النعم الأخرى .مع بدء العام الجديد و فـي مثل هذه المحطات التاريخية و التقويمية ، علينا جميعاً التنبه الى حقيقة أن الدخول الى كل سنة ، و الدخول فـي أي شهر ، و الدخول فـي أي يوم من أيام الحياة، يدعونا إلى معرفة مسؤولياتنا و يحفزنا على أداء هذه المسؤوليات . فـي كلمتنا للشعب الإيرانـي بمناسبة النيروز قلنا إن هذه السنة هي من وجهة نظرنا سنة تحمل المسؤولية من قبل مسؤولـي النظام حيال الشعب . وهذا فـي الواقع تحمّل للمسؤولية أمام الله أيضاً . كما أنه تحمل للمسؤولية أمام الذات و الضمير . تحمل المسؤولية هو فـي الحقيقة ضرب من قراءة الشهادة ، كالطالب الذي يقرأ شهادته فـي نهاية السنة الدراسية ـ يقرأها هو ويقرأها اولياء أمره ـ فيتعرف على نقاط قوته و نقاط ضعفه ، و تشجّعه الدرجة التـي يرتضيها على مواصلة المشوار ، و تحضّه الدرجة التـي تُخجله على تعويض هذه الحالة المخجلة و تلافيها.مجموع الدرجات الجيدة و السيئة تشكل معدِّل الطالب ، ومجموع معدلات الطلاب فـي الفصل يمثل معدل ذلك الفصل و المؤشر على تمكن أو عدم تمكن المسؤولين عن الفصل من التقدم بالطلاب الى الأمام . و بالطبع فإن مجموع معدلات الفصول يشكل معدل المدرسة عموماً و يدل على كفاءة أو عدم كفاءة هذه المدرسة ، و يحثّ المساهمين فـي المدرسة على التفكير ، فيدركون ويعلمون هل نهض مدراء هذا المدرسة بمهامهم بصورة جيدة أم لا ، ويتخذون قراراتهم فـي ضوء ذلك .فـي النظام الاجتماعي و السياسي ، وفـي نظام الجمهورية الإسلامية ، تشير شهادة الأجهزة والمؤسسات الى معدلات تلك الأجهزة ، تشير الى معدلات الأجهزة المختلفة و الى معدل كل واحدة من السلطات الثلاث و الأجهزة المهمة فـي البلاد . و مجموع معدل السلطات الثلاث يحدد معدل النظام عموماً . المساهمون فـي هذا النظام هم أبناء الشعب الايرانـي . أنتم أيها الشعب الإيرانـي أصحاب نظام الجمهورية الاسلامية . إنكم بمعرفتكم معدل الأجهزة و على أساس هذه المعرفة ، و بمعرفة كم استطاع مدراء البلاد النهوض بمهماتهم ، تتخذون قراركم بشأن مدراء البلاد . هذا هو نظام الحكم السليم . بنية الدستور أيضاً تقودنا بهذا الاتجاه و تمد لنا يد العون . النظام الإسلامي يأخذ بأيدي الجماهير حسب وعد القرآن الكريم صوب الحياة الطيبة . تقول الآية القرآنية : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ . الحياة الطيبة هي الحياة العذبة . يتمتع الشعب بالحياة العذبة حينما يشعر و يرى دنياه و آخرته تتحركان طبقاً لمصالحه و تسيران نحو اهدافه . هذه هي الحياة الطيبة . إنها ليست حياةً دنيوية فحسب و لا هي حياة أخروية فقط . الشعوب المتشبثة بالحياة الدنيا و التـي نجحت فـي التقدم بالحياة الدنيوية الى مراتب راقية لاتتمتع ضرورةً بالحياة الطيبة . الحياة الطيبة تتحقق حينما ترافق الرفاه المادي العدالةُ و النزعة المعنوية و الأخلاق . و هذا ما لايكفله للبشر سوى الأديان الإلهية . من جانب آخر ، ليست الحياة الطيبة العذبة حياة أخروية فحسب . لاينادي الإسلام : إنـي أروم عمارة حياة الناس الأخروية بعد الموت ، ولتكن دنياهم ما تكون . ليس هذا منطق الإسلام . منطق الإسلام هو أن حياة المجتمع الإسلامي يجب أن تزخر بالمواهب الإلهية فلاتضل الإنسانية طريق المعنويات عبر تمتعها بالمواهب المادية فـي الحياة ، و إنما تتحرك بنحو صائب . إذا توفرت تلك الحياة فسوف تُستأصل جذور الظلم و الإجحاف و التمييز فـي المجتمع ، و تُجتث أصول التعدي على حقوق الإنسان ، و تتراجع حالات الحروب و الاقتتال ، وتصل حالات انعدام الأمن فـي الحياة الإنسانية الى الصفر . لقد عمل الأنبياء و جاهدوا لأجل هذا ، و ضحّى العظماء الإلهيون المصطفون فـي تاريخ البشرية لأجل هذا .إننا نتطلع الى قمة عالية سامقة ، هي هذه الحياة الطيبة التـي عاشها الأنبياء والأولياء الإلهيون . كل مساعينا و هممنا و أفكارنا و خواطرنا هي أن نقترب من هذه القمة . المسافة بعيدة طبعاً و الطريق شائك ، بيد أن الوصول الى السفوح العليا و الأعلى منها حالة مغتنمة و محببة . نحن ننشد هذا الهدف . ما هو مفتاح النجاح فـي هذه المهمة فـي النظام الإسلامي ؟ مفتاح النجاح هو أن يتحلى مسؤولو النظام الإسلامي ـ كما ذكرت الآية القرآنية ـ بالإيمان و العمل الصالح . ليس الإيمان و العمل الصالح مجرد الاعتقاد بالله و إقامة الصلاة و الصيام ، إنما الإيمان هو الإيمان بالله ، و الإيمان بالوعد الإلهي ، و الإيمان بما أنزله الله تعالى للبشر فـي دساتيره التشريعية عن طريق الأنبياء ، الإيمان بصحة الطريق الذي يسير فيه الإنسان . ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ . النبـي نفسه كان مؤمناً بطريقه ، و المؤمنون أيضاً كانوا مؤمنين بطريقهم و هم يسيرون خلف الرسول . لقد وعدنا الله تعالى جملة وعود ، و علينا أن نؤمن بهذه الوعود . لقد قال لنا الله تعالى على نحو القطع : ﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ . إنها معاهدة تعقدونها مع الله ، اعملوا بهذه المعاهدة ليوفِ الله بالوعد الذي قطعه لكم . هذه هي فاعلية الإيمان فـي وجود الإنسان المسؤول ، الإيمان يمهد لهذا الإنسان الطريق ويهوِّن الصعوبات فـي عينه ، ويرفع من همته و يعصمه من التلوث بأدران الرغبات الدنيوية التافهة ، و يجعله محباً للناس و خادماً لهم ، و يحصّنه حيال تهديد الأعداء و يجعله صلباً صامداً أمام مشكلات العمل والمسؤوليات . العمل الصالح المطلوب إسلامياً من أحد مسؤولـي النظام السياسي هو السلوك الدينـي . معنى السلوك الدينـي هو إفشاء العدل فـي المجتمع و تقديم الخدمة لكل أفراد الشعب . يشدد الإسلام على خدمة الناس بما فـي ذلك غير المؤمنين . إن أفق النظرة الإسلامية واسع جداً :تقديم الخدمة واجتناب التمييز و الكف عن إهدار بيت المال و اجتناب غمط الناس حقوقهم ، و الامتناع عن إساءة استخدام الوظيفة و المسؤولية .الشخص الذي يتولى مسؤولية معينة ، و يصيب جاهاً ومنزلةً عن هذا الطريق [يجب أن يعلم أن] هذا الجاه هو ملك الناس ، كما أن بيت المال هو ملك الناس . كما أن المسؤول لايمكنه الإنفاق من بيت المال لشؤونه الشخصية حينما يكون مفتاح صندوق بيت المال بيديه ، كذلك و لنفس السبب لايحق له توظيف ما له من جاهٍ و قدرة و إمكانية و فرص لمصالحه الشخصية . المساعي الجهادية و المساعي الصعبة ، بمعنى استخدام العقل و العلم و الاختصاص والتجربة و كل إمكانيات المؤسسة التـي يديرها للوصول الى أهداف النظام الإسلامي ، هذا هو السلوك الدينـي . المسؤول حتى لو كان متظاهراً بدرجة عالية من القدسية ، إذا لم يستخدم إمكاناته للعمل و السعي الدؤوب ، فسيكون سلوكه الدينـي ناقصاً . إذا لم يستثمر الفرص و لم يوظِّف العقل والتدبير والفطنة و العلم و الاختصاص و التجارب فإن سلوكه الدينـي سيبقى ناقصاً . معارفنا الإسلامية مترعة بهذه المفاهيم السامية الراقية و قرآننا و أحاديثنا مفعمة بهذه المعارف . المسؤول المتدين هو طبعاً من يأخذ هذه الضوابط فـي حياته بنظر الاعتبار كمبادئ حتمية لا يمكن تخطيها . إذا تقيد مسؤولو نظام الجمهورية الإسلامية بهذه الضوابط فسوف يتقدم النظام الإسلامي يوماً بعد يوم و خطوة إثر أخرى .أعتقد أن نظام الجمهورية الاسلامية اليوم وبما لَهُ من تجربة تمتد الى خمس و عشرين سنة ، بوسعه أن يواصل هذا الطريق بقوة و إصرار شريطة أن يُعد مسؤولو الأجهزة المختلفة قائمة سلوكهم و أعمالهم لأنفسهم بالدرجة الأولى ، و ينظروا فـي الدرجات الإيجابية و السلبية ، و من ثم يعرضوا الأمر على الجماهير و هم أصحاب و مالكو هذه الثورة و المساهمون فـي هذه المنظومة و المؤسسة العملاقة التـي تسمى الجمهورية الإسلامية . السلطة التنفيذية التـي تضم أجهزة مختلفة يجب أن تعرض قائمة أعمالها على الناس بكل تفاصيلها . و أعتقد طبعاً أن الناس فـي هذه الحالة سيفرحون يقيناً ، لأن فـي القائمة درجات جيدة جداً و متألقة . و ينبغي أن تعرض السلطة القضائية أيضاً قائمة أعمالها على الجماهير و لاشك أن فيها كذلك درجات جيدة و متألقة . السلطة التشريعية أيضاً عليها عرض قائمة أعمالها على الناس و فيها كذلك علامات سارة . و لكن ثمة أيضاً فـي جميع هذه الأجهزة علامات سلبية و محزنة لهذه الأجهزة و للناس . لينظر مسؤولو الأجهزة أنفسهم ما هي نقاطهم السلبية و ليجهدوا و يسعوا فـي سبيل القضاء على أسباب هذه النقاط السلبية . و بالطبع فإن رصيد هذا العمل و ضمانته هو الوعي و مطالبات الشعب و توقعاته . إذا حصل هذا فسيتحقق ذلك الإصلاح الثوري الذي تحدثت عنه للشعب الإيرانـي قبل عامين أو ثلاثة فـي صلاة الجمعة بطهران .الإصلاحات ضرورية لكل نظام . الإصلاحات من أولى المستلزمات بالنسبة لكل مجتمع . ونحن أيضاً بحاجة للإصلاحات . الإصلاحات تعنـي أن نسجل النقاط الإيجابية و السلبية ، و نحول النقاط السلبية الى إيجابية . هذا هو الشىء الذي قطعت الثورة خطوته الواسعة الأولى و كانت موفقة فـي ذلك ، و بذلت الكوادر الثورية المخلصة طوال هذه السنوات الخمس و العشرين كل جهودها فـي شتى الأجهزة و المؤسسات من أجل النهوض بهذه المهمة و استطاعوا تحقيق نجاحات كبرى . هذه هي الإصلاحات الثورية الإسلامية . طبعاً ، أعداء هذا النظام و الثورة يستهدفون تغيير بنية النظام جذرياً ، و الإصلاحات من وجهة نظرهم تعنـي تغيير النظام و تبديل نظام الجمهورية الاسلامية الى نظام تابع مطيع للأعداء المستكبرين. الإصلاحات بالمعنى الحقيقي للكلمة تشمل جميع مؤسسات البلاد . يجب أن لا ترى أية مؤسسة نفسها متعاليةً على النقد و خالية من العيوب . كافة أجهزة البلاد يتوجب عليها أن تخضع للنقد المنصف و على الجميع إصلاح سلوكهم باتجاه أهداف النظام و ضمن إطارها . الحكومة ، و المجلس ، و السلطة القضائية و سائر الأجهزة العاملة فـي البلاد ، و التـي تتولى مهاماً خطيرةً ، كلها داخلة فـي هذه القاعدة العامة : النقد ، و الإصلاح ، و تحمّل المسؤولية . هذا هو المعنى الحقيقي لإصلاح النظام الذي يصبو اليه الإسلام ، و الذي نادى به الأنبياء حين قالوا ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ . كل ما فعله الأنبياء هو أن يصلحوا ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً ، أي أن يقضوا على الفساد فـي البلاد . هذا هو معنى الإصلاح الحقيقي .تحمل المسؤولية يجب أن يتحقق بالمعنى الصحيح للكلمة . وعلى المؤسسات الثقافية فـي البلاد ـ سواء المرتبطة منها بالحكومة أو غير المرتبطة بالحكومة كالإذاعة و التلفزيون ـ أن يوضحوا ما هي التدابير التـي اتخذوها لاعتلاء و تثمير الثقافة الإسلامية و الثورية و إغنائها و نشر أبعادها البارزة المهمة . و على المؤسسات الاقتصادية أن تُبيِّن المساعي التـي بذلتها فـي كافة أرجاء البلد لأجل تنضيج اقتصاده ، و ردم الهوة الطبقية ، و التغلب على الفقر و الحرمان لدى طبقاته المحرومة ، و عمرانه و بنائه بوصفه بلداً مليئاً بالخيرات و مؤهلاً للإنماء . و لابد لمدراء الأجهزة العلمية فـي الجامعات و الحوزات العلمية أن يبينوا المساعي التـي بذلوها و الاعمال الكبيرة التـي قاموا بها فـي حقل إنتاج العلوم و التحرر الفكري العلمي و حوار الآراء ، و هذا ما طالبنا به الجامعة و الحوزة . الى أي حد تقدموا إلى الأمام و ما هي المشاريع الأخرى التـي يتعين أن ينهضوا بها ؟ و على المؤسسات الصناعية و المراكز الزراعية فـي البلاد أيضاً أن توضح ذلك . السلطة القضائية أيضاً يجب أن توضح الجهود و الأعمال التـي قامت بها لإحقاق حقوق المظلومين و لأجل أن يرى المظلومون فـي البلاد السلطة القضائية ملجأهم و مأواهم حقاً ، فيلوذوا بها . السلطة التشريعية التـي تتولى واجبين أساسيين هما سن القوانين والإشراف ، ينبغي أن تبيّن المساعي التـي قامت بها فـي مجال التشريع حتى تسن قوانين تسهِّل الإصلاح الحقيقي فـي البلاد . كما يجب على هذه السلطة أن تحدد الأمور و الجهود التـي نهضت بها فـي مجال الإشراف على الأجهزة المختلفة و مراقبة صواب أعمالها .نواب الشعب فـي مجلس الشورى الإسلامي الذين يريدون الانخراط فـي المجلس ينبغي أن يعلموا أن الجماهير ، التـي تعاملت بمحبة و يقظة و شعور بالمسؤولية فـي الانتخابات الأخيرة ، لم يوقعوا عقد أخوة مع النواب . الناس تتوقع من النائب العمل و الإبداع و المشاركة فـي المشاريع المهمة و تقديم اللوائح . توقع الجماهير من نوابهم فـي المجلس و الحكومة و فـي كل موقع لهم فيه نائب ، هو أن يستخدموا كل امكاناتهم و مساعيهم لتقديم ما يتطلع إليه الناس و ما يتطابق و الأهداف الإسلامية .ما أريد أن أقوله فـي خاتمة حديثي هو أن الواجب الأول بالنسبة للمسؤولين و الجماهير على السواء هو باعتقادي اليقظة و الفطنة و الشعور المستمر بالمسؤولية . عليهم أن يقلعوا عن الخصومات الهدامة ، و يبدلوا التنافس السلبـي الى تنافس إيجابـي ، و يعدوا استقرار النظام الإسلامي فرصة كبيرة . أعزائي ، استقرار البلاد و استقرار النظام الإسلامي أكبر فرصة متاحة اليوم للشعب الإيرانـي وللمسؤولين . يريد الأعداء أن تخسر البلاد استقرارها . و إذا انعدم الاستقرار تعذّر إنجاز أعمال علمية أو منجزات اقتصادية أو ثقافية و لا يمكن الدفاع عن حقوق الشعب ، و لا يمكن الحفاظ على عزة الشعب فـي الساحة العالمية . هذا الاستقرار السائد اليوم فـي هذا البلد إنما هو ببركة إبداء الشعب الايرانـي اقتداره فـي الأطوار المختلفة .مجرد حضوركم فـي المظاهرات بذلك النحو ، و تدفقكم على صناديق الاقتراع بكل ذلك الإخلاص على الرغم من مساعي الأعداء و أبواق الدعاية الأجنبية ، إنما هو مؤشر اقتدار وطنـي ، و هذا الاقتدار الوطنـي سند لاستقرار البلاد و النظام الإسلامي . طبعاً مراكز الاستكبار فـي العالم لايروقها أن تتمتع بلادنا بالاستقرار ، يريدون أن يبثوا التوتر فـي البلاد . اعلموا و أنتم تعلمون أنهم يبذلون قصارى جهدهم لخلق الأزمات و إيجاد الاضطراب و الفوضى ، و هذا ما فعلوه . فـي صيف عام 82 2تعبّأت كل أجهزة التجسس المرتبطة بالصهيونية و أمريكا لإغراق البلد فـي الاضطرابات ، بيد أن وعي الجماهير و يقظتهم و المساعي الجهادية لخدّامهم تصدّت لكل هذه المؤامرات و حالت دونها . لقد ذكرت مراراً أن العدو لن يقلع عن عدوانه إلاّ حينما يشعر أن لا فائدة من العداء . إنكم اليوم ـ أيها الشعب الإيرانـي فـي أعين مستكبري العالم ـ شعب يبدي دلائل اقتداره الوطنـي فـي الوقت المناسب و فـي الظرف و الأوان المناسب . لقد عرفوا هذا . إن وعيكم و يقظتكم و استعدادكم هذا هو الذي أحبط و بدّد المؤامرات الثقافية و السياسية للأعداء على مدى عدة أعوام . كانت الأحلام تراودهم وقد تآمروا مراراً ، الاّ أن وعيكم نسف مؤامرات العدو . إن أعداء الشعب الإيرانـي الذين كان هدفهم اليوم أن يدخلوا البلد فـي دوامة من الاضطرابات و الصخب و الاقتتال بين الإخوة ، و الذين رموا الى إشعال الحروب و الاختلافات بين المسؤولين ، وصلوا الى طريق مسدود . وقد وصلوا الى طريق مسدود فـي العراق و فـي فلسطين أيضاً لأن جهاد الشعب الفلسطينـي و تضحياته أوصلتهم الى طريق مسدود . فـي مثل هذه الأيام من العام الماضي توهموا أنهم باحتلالهم العراق و السيطرة عليه يستطيعون الحصول على غنيمة جاهزة و القضاء عليها ، غير أن مشكلات العراق اليوم أغرقتهم فـي الوحل و وصلوا الى طريق مسدود . طبعاً قد يتخذ العدو قرارات جنونية للتعامل مع هذه الطرق المسدودة التـي يواجهها ، لكن أي قرار يتخذونه سيتلاشى أمام شعب حر كالشعب الإيرانـي ... إن شعبنا يقظ .لا أريد أن أؤخركم أكثر من هذا أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء فـي هذا الجو البارد . اللهم بمحمد و آل محمد اجعل حياتنا و موتنا فـي ظل لطفك و رحمتك و عنايتك . انعم بالحياة الطيبة على شعب ايران . اللهم وفّق الشعب الإيرانـي فـي تقدمه نحو الأهداف السامية يوماً بعد يوم . مُنَّ على مسؤولـي النظام الإسلامي المخلصين بالأخذ بيدهم و بهدايتك و لطفك . ربنا أنر قلوبنا بالمعارف الإلهية و الإسلامية . ربنا ردّ كيد الأعداء إلى نحورهم . ربنا بمحمد و آل محمد أرضِ و أدخل السرور على قلب المهدي عنّا . اجعلنا جميعاً ممن تشمله الأدعية الزاكيات لذلك الإمام المنتظر . ربنا اشمل شهداءنا الأعزاء برحمتك و لطفك . احشر إمام الشهداء مع أوليائه و اغفر لمن مات منّا .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .1 المجاورون هم الذين يقطنون مدناً فيها مراقد أهل بيت النبوة (ع) .2 صيف 2003 م . 
2004/03/20

كلمة الإمام الخامنئي في أعضاء مؤتمر » الحكمة المطهرة «

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها السادة العلماء و الأساتذة المحترمون. إنه اجتماع جد طيب. أذكر بعض النقاط، و إذا كان للسادة إفاداتهم فأنا على استعداد للاستفادة منها.هذا العمل و تكريم ذكرى المرحوم الشهيد آية الله مطهري ( رضوان الله تعالى عليه ) هو بلا شك من حسنات مؤسسة الإذاعة و التلفزيون. إن له حقاً كبيراً، و هذا المشروع جزء من عرفان حقه الذي يعدُّ واجبنا جميعاً. طبعاً تتضمن الملتقيات و مراسم التكريم التي تقام على هذا النحو بحوثاً جانبية مفيدة - بحوثاً علمية و فلسفية و غير ذلك - و هي بدورها مغتنمة و قيّمة. لكني اعتقد أن المحور الرئيس في ملتقاكم يجب أن يكون أولاً الشخصية الفكرية و الهوية التنويرية للمرحوم مطهري و دوره في التيار الفكري و التنويري الإسلامي في البلاد؛ و هذه القضية على جانب كبير من الأهمية. ثانياً لتنصبّ المساعي على استمرار هذا التيار بحيث لا يتوقف. لأننا نحتاج إلى مطهري دوماً. لا يمكن التوقف عند شخص مطهري. ينبغي لمجتمعنا و منظومتنا الفكرية الإسلامية الانطلاق من إبداعاته الفكرية نحو إبداعات أخرى. نحن بحاجة لأن يكون لنا أمثال مطهري في عقدي الثمانينات والتسعينات،(1) لأن الاحتياجات الفكرية تتجدد دوماً و يوماً بعد يوم. حول الهوية الفكرية و التنويرية للشهيد مطهري و الدور الذي اضطلع به هذا الرجل الكبير في زمانه لم يتم برأيي تقديم تعريف جامع لحد الآن. طبعاً جرى العمل فيما يتصل بكتبه - و كانت الأعمال جيدة و مناسبة - و لكن ينبغي معرفة العمل الذي قام به المرحوم الشهيد مطهري في أعوام عقدي الأربعينات و الخمسينات(2) في البيئة الفكرية بهذا البلد. لقد خاض بقوة فكره و صواب آرائه في ميادين لم يكن أحد قد خاض فيها حتى ذلك الحين فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية، و ألقى بنفسه في تحديات علمية عميقة واسعة لا نهاية لها بالنظر للأفكار التي شاعت في البلاد يومذاك - الأفكار المستوردة المترجمة عن الغرب و الشرق - أو كانت في طريقها للشياع. لقد خاض جهاداً جد ذكي في جبهة مواجهة الماركسيين، و خاض كذلك في جبهة مواجهة الأفكار الغربية و الليبرالية. هذا دور مهم جداً يتطلب جرأة و ثقة بالنفس، و قدرة فكرية، و اجتهاداً في المجالات المختلفة. كما يستلزم يقيناً و إيماناً قاطعاً. و قد تحلّى هذا الرجل العظيم بكل هذه الصفات مجتمعةً؛ فقد كان عالماً، و مؤمناً شديد الإيمان، و صاحب يقين بإيمانه، و له ثقته بنفسه. هذه أمور ضرورية. هناك أفكار مستوردة في ماضينا التاريخي، و لكن ليس بهذه السعة و الانتشار و القدرة على التأثير. تاريخنا ملئ بمثل هذه اللمحات الفكرية غير السليمة التي اقتحمت تفكيرنا العلمي - سواء في فقهنا، أو فلسفتنا، أو كلامنا - و لكن في العصر الحديث حيث تصاعد الاتصالات و نموها تدفقت الأفكار المتجددة - ببريقها الطبيعي - دوماً على المناخ الفكري للمجتمع و خلقت حاجة لمواجهة صحيحة علمية. كنا في الساحة و نشاهد الأمور. بعض المواجهات التي حصلت يومئذ لم تكن علمية، بل كانت مواجهات عصبية عقيدية؛ يرفضون رأياً من دون قراءة أو فهم و من دون أن يعرفوا ما هو. يأخذون جانباً من رأي واسع الأبعاد و يشنون حربهم ضده و يشتبكون معه و يواجهونه. هذا ما يعيد للذهن التحجر، و المراوحة، و المواجهة غير العلمية. و البعض مال نحو الأفكار المستوردة الجديدة و تأثر بها و حاولوا مطابقة الإسلام و الفكر الإسلامي و الدين معها. و كانوا يمنّون على الدين بادعائهم أنهم جعلوا الإسلام مقبولاً يرغب فيه الشباب و الناس.. أحياناً يصبحون ملكيين أكثر من الملك و يتقدمون خطوات أمام أصحاب هذه الأفكار خوفاً من أن يتهموا بالرجعية و ما شاكل و قد لاحظنا هذا في بعض الحالات.ساقوا النبوة و التوحيد و المعاد و قضايا الإمامة، و القضايا الفقهية، و النظريات الاجتماعية و السياسية الإسلامية صوب نظائرها في المدارس الأجنبية عن الإسلام، و ربما الإلحادية، و الغربية عن الدين تماماً، و يمنّون على الإسلام بأننا جعلنا الإسلام مفهوماً و مستساغاً من قبل الجميع، و حلواً جذاباً في العيون! هذا أيضاً كان انحرافاً آخر. كلا هذين المنحيين كان انحرافاً. و الشيء الذي تميز به الشهيد مطهري في تلك الفترة أنه وقف بقدرته الاجتهادية و بإنصافه و أدبه العلمي - سواء في مجال العلوم النقلية أو في حيز العلوم العقلية - وسط الساحة و خاض معركته ضد هذه الأفكار، و عرض الفكر الإسلامي جلياً نقياً بدون شوائب. و قد شنت ضده الكثير من الحروب و أطلقت الكثير من الأقاويل، و عمل خصومه دون هوادة. لكنه قام بهذه المهمة. و لقد كان هذا دوراً على جانب كبير من الأهمية في التيار التنويري. و أضحى جهده أساس الأفكار اللاحقة في مجتمعنا. إنني اعتقد اعتقاداً راسخاً و قد قلت هذا مراراً أن تيار الفكر الإسلامي للثورة و النظام الإسلاميين يعتمد في شطر كبير منه على أفكار الشهيد مطهري. أي إن أفكاره كانت الدعائم و الأرصدة الإسلامية التي انتهلنا منها في الأفكار الإسلامية و أفضت إلى النظام الإسلامي. لذا فقد كانت أفكار الشهيد مطهري حتى في ذلك الحين موطناً آمناً للشباب طلاب و عشاق الفكر الإسلامي المعرّضين لأعتى حالات القصف بالأفكار الأجنبية.. الماركسيون بشكل ما، والتغريبينون بشكل ما؛ و قد كان ذلك في الجامعات و خارج الجامعات، و حتى في الحوزات العلمية. و قد غدا الشهيد مطهري خندقاً و مأمناً لهؤلاء الأفراد ليستطيعوا صيانة أنفسهم في ظلال هذا الفكر العميق المتين.. صيانة دينهم.. و الدفاع عنه و طرح آراء جديدة. طبعاً كانت دائرة عمل المرحوم مطهري صغيرة حسب الظاهر. الجلسات التي أشار لها السيد لاريجاني كانت جلسات صغيرة هنا و هناك، و هذا الصف أو ذاك في الكلية الفلانية. كانت في أقصى الحدود جلسة في المكان الفلاني يحضرها المئات من الأشخاص. لكنه هو أيضاً لم يكن يتوقع يقيناً أن هذه الجلسات الصغيرة سيكون لها كل تلك الآثار الكبيرة. هذه هي مكانة الشهيد مطهري. ينبغي معرفة هذه المكانة بشكل جيد و تعريفها وإيضاح حالاتها و مصاديقها. ينبغي بيان هذه الأمور. لو أخذنا هذه النقطة بنظر الاعتبار فيما يخص مفكرينا الإسلاميين، و علمائنا، و فقهائنا، فنرى مثلاً ماذا كان دور الملا صدرا في زمانه، و نطرح شخصيته كمحور رئيس لهويته العلمية، فسيكون ذلك ممارسة إيجابية مؤثرة. الأساليب الفنية لها موقعها الخاص طبعاً. اعتقد أننا لم نكتسب بعد المهارة و الحذق اللازم في الأساليب الفنية كي نستطيع فعل الشيء الذي نريده. رموزنا العلمية التي تظهر أحياناً في الأفلام و المسلسلات لا يمكنها تحقيق الانطباع و الانعكاس اللازم في أذهان المتلقين و المشاهدين على النحو الذي يستشعره و يعتقد به العارفون بتلك الرموز و الشخصيات. غالباً ما تكون النتيجة شيئاً آخر، و ينبغي التدقيق أكثر في مجال العمل الفني. إذن، ينبغي إجلاء دور الشهيد مطهري. كان الشهيد مطهري بطلاً في ساحة لم يدخلها أحد. النقطة الثانية التي من المناسب التفكير فيها هي استمرار هذا التيار. لا يمكننا التوقف و المراوحة عند محطة الشهيد مطهري. صحيح أن كتبه لا تزال بعد خمسة و عشرين عاماً على استشهاده من أكثر الكتب مبيعاً و جاذبية و إيجابيةً للأجيال الباحثة عن الفكر الإسلامي المنطقي المتين، و لا نمتلك الآن بديلاً و عديلاً لمجموعة كتب الشهيد مطهري ( رضوان الله تعالى عليه )، و مع أن مشاريع جيدة قد تم إنجازها، إلا أن أعمال الشهيد مطهري لا تزال في أعلى المستويات من حيث الأهمية و التأثير و الجاذبية و الإتقان، لكن تيار الخوض في ساحة تحدي الأفكار الوافدة و نقدها العلمي و التعامل الصحيح معها و تمييز السليم من السقيم فيها، و عرض الفكر الإسلامي و الآراء الإسلامية في خصوصها يجب أن يستمر و يتواصل، و هذا من الوظائف المهمة التي ينبغي النهوض بها. كما أسلفت نحن بحاجة إلى أمثال مطهري في العقود القادمة. بعد انتصار الثورة الإسلامية و تأسيس النظام الإسلامي تعرض الفكر الإسلامي لتحديات جادة، و بعد هذا أيضاً سيتعرض دون شك لتحديات جديدة متجددة يوماً بعد يوم.. لأن الخصوم لن يتركوه و شأنه. علينا هنا أن نستعد لذلك و نحن قادرون. الرصيد الثر و اللامتناهي الذي بين أيدينا اليوم من الثقافة الإسلامية يوفر لنا في هذه المعركة إمكانات هائلة لو كنّا ممن ينتفع منها. الحق أن تحت تصرفنا ترسانة فكرية و ثقافية عظيمة لو استطعنا استخدامها بنحو صائب. يوجد اليوم لحسن الحظ فضلاء شباب نراهم في حوزة قم، و في طهران.. فضلاء، و علماء، و أفراد صالحون، كفؤون من الناحية العلمية و من حيث بعد النظر و قوة الأفكار، و عليهم النـزول إلى هذه السوح و تنمية التواجد في هذه الميادين. حاجتنا اليوم أكبر بكثير من فترة نشاط المرحوم الشهيد مطهري أي سنوات الأربعينات و الخمسينات. كانت حاجتنا يومذاك بشكل معين، و هي اليوم أوسع و أعمق بكثير و من الضروري لهذا التيار أن يستمر. وجّهوا الملتقيات و احتفالات تكريم ذكرى الشهيد مطهري بهذه الاتجاهات كي يتشجع أشخاص على الخوض في هذه الميادين و يستعدوا لمواجهة الأمواج الإعلامية الجديدة الوافدة على كافة الصعد.. على صعيد الفلسفة، و على صعيد علم الكلام، و فيما يتعلق بقضايا البلاد المختلفة مما له صلة بالنقاشات الإسلامية.نتمنى أن يوفقنا الله تعالى جميعاً كي نؤدي الحق العظيم لهذا الشهيد الجليل. في مناسبة أخرى ربما في لقائي هنا بعائلته المكرمة العزيزة بمناسبة ذكراه، قلت إنه ينبغي العمل على دراسة كتبه كما تدرس كتب السطوح في الحوزات العلمية. كتبه من الأمور التي اعتقد أنها ضرورية حقاً للمفكرين و من يريدون عرض الأفكار الإسلامية على الناس كالمبلغين الدينيين، و أهل المنبر، و الخطباء الدينيين. لذلك أوصيكم أن تقرأوا دورة كتب المرحوم المطهري. اصطنعوا أسلوباً لقراءة هذه الكتب و إدراجها ضمن الكتب المدرسية، و أيضاً ضمن الكتب الجامعية. كتبه سهلة الفهم لحسن الحظ. أي إنها مكتوبة بأسلوب محبب جزل. قلمه أفضل من خطابته بكثير. كان يقول إنني لا أرتاح أبداً لسماع محاضراتي، لكنني أرتاح عندما أقرأ كتاباتي. و كنت أعطيه الحق في هذا. خطاباته و محاضراته لم تكن جذابة كما هي كتاباته. الحق أن كتاباته جد محببة و جزلة وانسيابية. لذا ينبغي نشرها أكثر فأكثر. علماؤنا و فضلاؤنا، و شبابنا - خصوصاً طلبتنا الشباب - يجب أن يقرأوا دورة من كتب الشهيد مطهري. كي يكونوا مِن » مَن بنى فوق بناء السلف « إذا أرادوا فعل شيء. بمعنى أن عليهم الانطلاق من تلك الأفكار و الصعود على أكتاف الشهيد مطهري ليفتحوا قمماً أعلى إن شاء الله و يرفعوا فوقها راية الفكر الإسلامي.وفقكم الله و أيدكم.. سررتُ كثيراً للقائكم أيها السادة، و نحن على استعداد للانتفاع من كلماتكم إذا تفضلتم بها.الهوامش:1 - العقدان الأول و الثاني من القرن الحادي و العشرين للميلاد.2 - الستينات و السبعينات من القرن العشرين للميلاد.
2004/03/07

حديثه بعد إدلائه بصوته في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي السابع

- سلام عليكم. صباح الخير. اليوم أيضاً حضرت سماحتك كالعادة عند صندوق الاقتراع في اللحظات الأولى من بدء الانتخابات. ما هو نداؤكم لشعبنا العزيز في مثل هذه اللحظات؟- بسم الله الرحمن الرحيم. أولاً أشكر الله تعالى لأن وفقني مرة أخرى و استطعت المشاركة في هذا الأمر العام المهم من أمور بلادنا أي الانتخابات. انتخبت اليوم ثلاثين شخصاً و أنا مسرور لذلك أولاً لأنني أنجزت واجباً و تكليفاً، و ثانياً لأنني استوفيت حقاً من حقوقي كمواطن. لكل مواطن الحق في المشاركة في انتخابات المجلس بمقدار شخص واحد. و قد كان لي أنا أيضاً هذا الحق و قد استوفيته اليوم. أرى لزاماً علي تقديم التحية للأرواح الطيبة و الأشخاص الكبار الذين فتحوا لنا هذا الطريق بمساعيهم و جهادهم و وفروا لشعب إيران إمكانية أن يختاروا مصيرهم بحرية. إمامنا الجليل على رأس هؤلاء الأشخاص. أحيي روحه الكبير، و أسأل الله تعالى له علوّ الدرجات. كما أحيي شهداءنا الأعزاء، و المضحين في فترة الثورة و فترة الدفاع المقدس و عوائلهم. هم الذين منحونا هذه الفرصة بجهادهم.اليوم يوم عظيم لبلادنا و شعبنا. و هكذا هي جميع الانتخابات، لكني أشعر أن هذه الانتخابات أهم، لأنكم ترون أية جهود يبديها أعداء الثورة الإسلامية و بلد إيران عسى أن يمنعوا حركة الشعب نحو صناديق الاقتراع. الشعب و الحمد لله شعب متحمس متوثب واعٍ و ذكي. أعتقد أن الشباب الذين يرغبون اليوم بشوق و حماس في التدخل في مصير بلادهم عبر التصويت - إما للمرة الأولى، أو للمرة الثانية، أو أكثر من ذلك - و المشاركة بهذا النصيب في مستقبل بلادهم لا يستطيع أحد منعهم من القيام بهذا العمل الكبير و أداء هذا الواجب. أتمنى أن تكون لنا انتخابات جيدة هذا اليوم إن شاء الله و تكون نتيجتها مباركة نافعة لبلادنا و شعبنا.و نشكر أيضاً السادة المراسلين الذين حضروا هنا ليغطّوا أحداث اليوم.
2004/02/19

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

الخطبة الأولىبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين.. نحمده و نستعينه و نؤمن به و نستغفره و نتوكل عليه. و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه و حافظ سره و مبلغ رسالاته، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين، و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين، و نفسي خصوصاً، بتقوى الله، و الورع، و توخي رضا الله، و مراعاة التكاليف التي فرضها الله تعالى علينا لسعادتنا و إصلاح ديننا و دنيانا. إذا انتهج القائل تقوى الله هداه الله تعالى في قوله، و إذا عمل المستمع و العامل بتقوى الله عرّف الله تعالى قلبه على الحق و الحقيقة و هدى قدراته و طاقاته نحو تحقيق الحق و العدل. التقوى رصيد الهداية، و الفرج، و الاقتدار، و العزيمة، و الإرادة الإنسانية. لنغتنم هذا التجمع من أجل الاهتمام بالتقوى. ليست التقوى سوى مراقبة الذات في أقوالها، و أفعالها، و علاقاتها، و قراراتها. لنحذر من تدخل الإرادة الشيطانية في قراراتنا، و أعمالنا، و أفكارنا، و كلامنا. هذه هي التقوى. كل من كانت له هذه المراقبة أعانه الله و سدده. لا أنه لن يخطئ أو سيكون معصوماً من المعاصي و الأخطاء، لكن الله تعالى سيعينه و يأخذه بيده. هذا هو سر ضرورة الاهتمام بالتقوى و التوصية بالتقوى في كل صلاة جمعة. إمام الجمعة نفسه بحاجة لهذه التوصية. كلنا بحاجة لأن يوصونا بالتقوى و ينبهوا قلوبنا و يذكروها بهذا العمود الإسلامي المتين.في بداية حديثي في هذه الخطبة أرى من الضروري أن أشكر شعبنا العزيز على مسيرته الهائلة و العظيمة جداً التي أقامها يوم الثاني و العشرين من بهمن في كل أنحاء البلاد. فقد أثبت الشعب خلافاً لإرادة أعدائه و أعداء هذا البلد و النظام أنه متواجد في الساحة و محبٌّ لمصالحه و يشارك أبناؤه في الموضع الذي يكون لهم فيه دور فيمارسون دورهم. أثبت الشعب الإيراني هذا الشيء في الثاني و العشرين من بهمن لهذا العام كما في كل عام. أقول لكم إن مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن ظاهرة منقطعة النظير في العالم. ما من بلد يشهد أو يتذكر مثل هذا التجمع في مدنه الكبرى و الصغرى في أية مراسم. هذا شيء يختص بكم. الشعارات واحدة، و المحفزات واحدة، و الوعي و الفهم للحقائق فيما يخص هذه الممارسة الهائلة واحد في كل أنحاء البلاد. هذه ظاهرة على جانب كبير من الأهمية؛ لها مضمونها و رسالتها و تدل أولاً على أن الشعب يقظ و واعٍ و متنبّه لمصالحه. و تدل ثانياً على أنه يحب مصير بلاده و نظامه و ثورته و معلم الثورة الكبير الإمام الخميني. إنهم يتداولون و ينقلون هذه المعارف السامية جيلاً بعد جيل. في هذه التجمعات الهائلة هناك شباب لم يكونوا قد ولدوا في الثاني و العشرين من بهمن سنة 57(1)، يشاركون بنفس حماس و اندفاع الذين امتلأت أذهانهم بخواطر تلك الأيام العظيمة. هذه حالة مهمة للشعب و تمنحه المناعة و القوة. أنا بوصفي خادم و أحد أبناء شعب إيران أشكر من الصميم كل واحد من أفراد شعبنا العزيز على تحركهم الشعبي العظيم هذا. علينا نحن المسؤولين معرفة قدر هذه الظاهرة العظيمة و الاستجابة بنحو مناسب و الشعور بالمسؤولية الذي يبديه الشعب. هذا الشعور بالمسؤولية يجعل واجباتنا ثقيلة.سأتحدث في هذه الخطبة عن الثورة بعض الشيء. أولاً ما هي ثورتنا و ما الدور الذي ألقي على عاتقها و مارسته؟ ثانياً ما هي دوافع معاداة هذه الظاهرة و التي استمرت لحد الآن رغم أن الأعداء قد يتغيّرون أحياناً؟ ثالثاً ما هي أساليب المكر التي يستخدمها أعداء هذه الثورة و هذه النظام؟ رابعاً ما هو سبيل العلاج؟ هذه هي رؤوس نقاط ما سأقوله في الخطبة الأولى و أحاول أن أوجز إن شاء الله.كانت هذه الثورة بداية عهد جديد في تاريخنا. كنا نحن الشعب الإيراني نعاني الاستبداد لأحقاب طويلة في الماضي. الملوك المستبدون المتجبرون كانوا يمسكون بكل صلاحيات هذا البلد. كانوا يعتبرون البلاد ملكهم و الشعب رعاياهم. و أضيف في العهود الأخيرة - أي في أواخر العهد القاجاري و طوال العهد البهلوي - داء و وجع آخر لهذه الظاهرة ألا و هو التبعية. إذا كان الملوك القدماء مستبدين فإنهم لم يكونوا تابعين مطيعين للقوى الأجنبية. أما منذ نهايات العهد القاجاري و خلال كل فترة الحكم البهلوي فقد كان الملوك مستبدين و تابعين في الوقت نفسه! فكان هذا داءً مضاعفاً أصاب النظام السياسي الحاكم في إيران خلال الفترة الماضية. كان لهذا الاستبداد و التبعية آثار و تبعات عديدة على بلادنا و شعبنا. هذه الدكتاتورية و التبعية هي التي أبقت بلادنا متخلفة، و أهدت مصادرنا و ثرواتنا الطبيعية للأعداء و حالت دون نمو شعبنا فكرياً و علمياً، و صرنا نحن الذين كنّا ذات يوم حملة رايات العلم في العالم شحاذي العلم - بل و شحاذي مخلفات علوم الآخرين و نتاجاتهم الضعيفة قليلة الأهمية - و مددنا يد الحاجة نحو الآخرين! فكانوا يضعون في أيدينا شيئاً قليلاً متى ما شاءوا، و يمنعوننا متى ما شاءوا، و غالباً ما كان يحدث الشيء الثاني. إذن، تحول شعبنا إلى شعب متخلف ضعيف بسبب شؤم تلك الدكتاتوريات و التبعيات. و قد تم نهب نفطنا و سائر مصادرنا. و قد وضعوا للمستقبل خططاً أخطر بكثير من الماضي. حينما ينظر المرء في وثائق الفترة الأخيرة من الحكم البهلوي المشؤوم يرى بوضوح أنه كان لهم خطط لمستقبل هذا البلد و هذا الشعب خطيرة جداً لو تم تنفيذها لتأخرنا مائة عام أخرى. لكن الثورة جاءت و أوقفت هذا السياق و بدأ عهد جديد في تاريخ شعبنا. السمات الأربع الرئيسية للثورة و هي الاستقلال، و الحرية، و الثقة بالذات، و التقدم، أركان متينة ركزتها الثورة في هذا البلد رغم كل المعارضات و العداوات.الاستقلال يعني أن الشعب و الحكومة الإيرانية لم يعودا مضطرين لقبول ما تفرضه القوى الأجنبية، و أن يحصل كل يرغب فيه الأجانب و يريدونه. فلا تنبس الحكومة ببنت شفة إذا نحروا مصالح البلاد. ولا يتفوه أحد بشيء إذا جرى التطاول و الاعتداء على مصادر البلاد الوطنية، و إذا عارض الشعب ذلك هبّت الحكومة و طرقت على رأسه! هذا واقع لمسناه في العهد البهلوي بجلدنا و لحمنا و أجسامنا و أرواحنا. جاءت الثورة و جعلت الشعب و البلاد و الحكومة مستقلة. ما من قوة في العالم اليوم تستطيع التنفّذ في قضايا بلادنا و فرض شيء علينا. مسؤولو البلاد ينظرون و يفعلون ما يرونه المصلحة. و الشعب يرى أداء المسؤولين و يحكم فيه، إذا استساغه وقف سنداً للمسؤولين، و إذا لم يستسغه استبدلهم .. الخيار بيد الشعب.الحرية تعني أن شعبنا ينتخب مسؤولي البلاد ضمن إطار قانونه و ليس القانون المفروض من قبل الآخرين. إذا كان راضٍ عن أدائهم فسوف يستمر هذا الانتخاب. و إن لم يكن راضٍ استبعدهم و انتخب غيرهم. هذا هو أهم فرع من فروع الحرية في بلادنا. حرية الفكر و حرية التعبير عن الرأي متوفرة في بلادنا راهناً بنحوها التام. وإذا قالت الإذاعات الأجنبية خلافاً لهذا فالشعب نفسه يرى. ثمة أشخاص يرفضون النظام و الحكومة و القيادة لكنهم يتحدثون و يطرحون آراءهم و ليس لأحد شأن بهم. ما من شخص يحاسب حالياً من قبل أجهزة الحكم لأنه يطرح عقيدته. طبعاً هؤلاء يبقون ساخطين غير راضين و السبب في سخطهم هو أن الشعب لا يصغي لكلامهم. هذا ليس ذنب أحد. الناس لا يحبونهم و لا يحملون ذكريات طيبةً عنهم. شاهد الشعب أشباههم و نظائرهم في الماضي القريب منذ بادية الثورة و لحد الآن، لذلك فهو لا يثق بهم. هذا ليس ذنب أحد. إذن، الحرية متوفرة.ثالثاً الثقة بالذات. تحققت لهذا الشعب ثقته بذاته نتيجة الثورة الإسلامية و النظام الإسلامي، أي إنه آمن أنه قادر. هذا هو الدرس الذي أعطاناه الإمام و أهداه لنا المناخُ العام للنظام الإسلامي. شبابنا، و طلبتنا الجامعيون، و أساتذتنا، و باحثونا، و أرباب الصناعة في بلادنا يؤمنون اليوم بأنهم قادرون. هذه الثقة بالذات ساعدتنا في المضمار العلمي. حققنا راهناً تقدماً كبيراً على الصعيد العلمي، لكننا لا نزال متأخرين. لا يظنّن أحد لأننا تقدمنا في ميدان العلم فقد بلغنا الغاية و هذا يكفي، لا، لقد أبقونا متأخرين كثيراً، لكننا تقدمنا للأمام كثيراً طوال هذه الأعوام الخمسة و العشرين. طبقاً للإحصاءات، فإن تقدمنا العلمي خلال فترة الثورة أكبر و أعلى من التقدم العلمي في العالم كله. قبل أيام جاء حشد من الشباب النخبة و ذكرت لهم هذه النقطة. الثقة بالذات ساعدتنا في ميادين العلم، و السياسة، و الدفاع عن البلد. لولا ثقتنا بالذات في فترة حرب الثمان سنوات لذاق هذا الشعب الأمرّين و لسُحق هذا البلد. كان للشاب ذي الخمسة و عشرين ربيعاً من الثقة بالذات و الإيمان و التوكل بحيث يسلّمونه قيادة لواء كامل، فيذهب، و يعمل، و يخطط، و يستعد، و يتحرك، و يبادر، و يعمل الأعمال الكبرى. هذه الثقة بالذات موجودة حالياً. جامعاتنا اليوم تعمل في المشاريع العلمية، و شبابنا يتقدمون علمياً و قد أقلقوا العالم في مجالات التقدم العلمي. كل هذا بفضل الثورة. لا يريدون لشعب و بلد إيران أن يتقدم علمياً. و قد قالوا هذا صراحةً. ما لم يتطور البلد علمياً و اقتصادياً فسوف يفرض عليه الجبابرة ما يريدونه بالقوة. اليابان الذي كان تحت الهيمنة و الاحتلال لملم وضعه و تقدم علمياً. الغربيون الذين لا يرغبون إطلاقاً في النظر لمنطقة الشرق أو الاهتمام لعرق غير عرقهم الأوربي، مضطرون لأخذه مأخذ الجد بسبب تطوره العلمي. قيل في بعض المراكز السياسية أو السياسية - العلمية في أمريكا إننا لا نريد ظهور يابان إسلامية! اليابان الإسلامية هي أنتم. قالوا لا نريد أن نسمح لشعب إيران أن يبدي تقدماً علمياً. إنهم يرون حركة الشعب الإيراني، و يشاهدون هذه الثقة بالذات؛ و هذا أيضاً من بركة الثورة و النظام الإسلامي.رابعاً: التقدم. لقد تقدمنا اليوم بالرغم مما أراده أعداؤنا و أشاعوه. ليس معنى هذا التقدم و التطور أننا بلغنا أهدافنا. قلت مراراً و أقول الآن أيضاً: إنني كطالب حوزة ثوري مؤمن بالإسلام و الثورة اعتقد أننا لا نزال في منتصف الطريق بخصوص الكثير من أهدافنا. كنا نروم العدالة الاجتماعية و استئصال الفقر و بناء البلد بنحو شامل. لكننا لم نبلغ هذه الأهداف لحد الآن و لا نزال في منتصف الطريق. لكننا في الوقت ذاته سرنا و تقدمنا للأمام و قطعنا من الطريق مسافة ملحوظة. هذه إنجازات حققتها الثورة و النظام الإسلامي.هذه الأركان الأساسية الأربعة للثورة أتّت ببركة الإسلام و تحت رايته. لولا الإسلام لما تحقق الاستقلال، و الحرية، و الثقة بالذات، و التقدم. هذه أشياء منحها لنا الإسلام.. إنها موهبة الإسلام. البعض يعارضون اسم الإسلام، و البعض يعارضون أحكامه، و البعض يعارضون روحه. هؤلاء لا يدركون أية ضربة يوجهونها لبلادهم و لمستقبل بلادهم.. إنهم ينشرون بالمنشار الغصن الذي يجلسون عليه. يريدون قطع جذور حركة الشعب الإيراني. طبعاً قوة هذه الشجرة الطيبة و ثباتها أكبر من هذا لحسن الحظ . على كل حال البعض يجرح، لكنهم مخطئون.ما هي العداوات؟ ثمة من يخال أن مسؤولي الثورة أو الإمام الخميني رضوان الله عليه يختلقون الأعداء، كلا، ليست هذه هي المسألة. إذا كان لكم بيت اغتصبه شقي ظالم لسنوات طويلة ثم راجعتم المؤسسات القانونية بوثائقكم و مستنداتكم و صبرتم كي تستعيدوا البيت فمن الطبيعي أن يعاديكم ذلك الظالم. لا يمكن توجيه اللوم لكم بأنكم جعلتموه عدوكم. لقد أردتم أخذ حقكم، وهذا ليس اختلاق أعداء. كانت هناك مائدة ممدودة أمام الأجانب و فعلو كل ما أرادوا بهذه المائدة المابحة.. لملمت الثورة هذه المائدة، و من البيّن أنهم سوف يعادونها و يحقدون عليها و يسخطون. لقد أحيت هذه الثورة الآمال في العالم الإسلامي و العالم العربي. حينما انتصرت ثورتنا كان العالم العربي و العالم الإسلامي يغطّ على العموم في حالة ركود و صمت و قنوط. فرض الصهاينة أنفسهم و مشاريعهم و أفزعوا الجميع و لم يكن أي شعب يتصور أن كوّة أمل سوف تُفتح له. و فجأة تفتّحت بوابة الفرج العظيمة و استعادت الشعوب آمالها. تصوّر الصهاينة أنهم ابتلعوا فلسطين و انتهى الأمر. لاحظوا اليوم أن شعب فلسطين نزل إلى الساحة بكل وجوده و بكل قدراته و لا يزال صامداً رغم الضغط الشديد الذي يوجهونه ضده. هذه ليست هزيمة إسرائيل و حسب، بل هي هزيمة أمريكا .. إنها هزيمة كل القدرات الصهيونية المتسلّطة على العالم. شعب أعزل محاصر في الأراضي الفلسطينية أعجزهم و أذلهم جميعاً. إنها روح الأمل التي أيقظت شعب لبنان. في أيام ثورتنا كانت الأوضاع صاخبةً في لبنان. كان الصهاينة يفعلون ما يشاءون بلبنان: يهجمون، و يقتلون ، و يعتدون، و تحلّق طائراتهم في سماء لبنان و تعود و كأنها سماء بلادهم! و مقابل ذلك اشتبكت الفئات اللبنانية فيما بينها. قبيل انتصار الثورة جاءوا بشريط للمرحوم الدكتور جمران مدته ساعتان سمعته و أنا في مشهد. كان هو في لبنان و شرح تفاصيل الويلات التي يلاقيها أهالي ذلك البلد. أما الآن فبلغ الأمر بشعب لبنان أن يوجّه لإسرائيل ضربة لم يوجه مثلها أي بلد عربي للصهاينة منذ بداية تواجدهم في المنطقة. قبل سنتين فرضوا عليهم الانسحاب، و قبل أسابيع حرروا عدة مئات من سجنائهم و احتلفوا بكل اقتدار على الرغم من الصهاينة. لولا الأمل في قلب الشعب لما حصلت هذه الأمور، و أنتم الذين منحتم هذا الأمل. إفشاء الأمل هذا ملحوظ حالياً في كل العالم الإسلامي و العالم العربي، و لا مجال لعرض تفاصيل النماذج الآن. الثورة الإسلامية بثت الأمل في العالم الإسلامي و أحيته. و واضح أن الثورة حينما تنـزل إلى الساحة بهذه الخصائص فسوف يعاديها الذين استفادوا من خمول العالم الإسلامي و ضعفه. و الكائن الحي الذي نمثله نحن يدافع عن نفسه طبعاً. إذا كان الشعب حياً و تعرض للعداء فمن الطبيعي أن يبدي ردود فعل. لا يمكن أن نقعد مكتوفي الأيدي و يعادوننا سياسياً و اقتصادياً فنقول إننا سنسكت و لا ندافع عن أنفسنا لأننا لا نريد اختلاق أعداء لنا! هذا ليس منطقاً عقلانياً. هذه هي مسألة العداوات.بأية أساليب و خدع تتم ممارسة هذه العداوات؟ لا يقولون صراحةً إننا أعداء. يعادوننا، و لكن بطريقة منافقة. أعداؤنا العالميون و الدوليون في أمريكا و بعض مناطق العالم الأخرى ممن يحرِّشون الحكومات كان هذا مكرهم منذ بداية الثورة و إلى اليوم. أولاً يحاولون الاستهانة بالمتاع القيم الذي حققه الشعب الإيراني و استصغاره. ما حققه الشعب الإيراني يعلنه بشموخ و فخر. لقد عرضنا تجربة جديدة في العالم. استطعنا تكريس الديمقراطية في بلادنا لا بشكل منفصل و غريب عن المعنوية و الدين، بل بنحو نابع من الدين و المعنوية تماماً. البلدان التي تتحدث حكوماتها و بعض نواب مجالسها اليوم عن الديمقراطية و حرية الانتخابات كانت ديمقراطيتهم غريبة عن المعنوية، لذلك زيّفوا تلك الديمقراطيات خلافاً لأصوات الشعب حيثما لزمهم ذلك. رئيس جمهورية أمريكا الحالي يحكم في أمريكا بأقل من خمسة وعشرين بالمائة من أصوات شعبه، و بحكم المحكمة! هذه هي الديمقراطية التي لا تصاحبها المعنوية. ثم إنهم رغم ادعائهم الديمقراطية يمدون يد الصداقة و الأخوة و الصحبة لأفضع دكتاتوريات العالم استبداداً! لاحظوا دكتاتوريات العالم و الانقلابات العسكرية! كل هؤلاء أصدقاء مقربون لهذه الديمقراطيات في العالم و أنصار الديمقراطية و حكومة الشعب. حينما لا ترافق الديمقراطيةَ المعنويةُ و الحقيقةُ و الدينُ فستكون هذه هي النتيجة. لقد طرحنا تجربة جديدة. استلهمنا الديمقراطية من الدين.. ديمقراطيتنا ترافقها المعنوية و الدين. لذلك كانت ديمقراطية دينية، و كانت جمهورية إسلامية. الشعب يغتبط بهذا الانجاز و يدافع عنه و يفخر به. يحاول العدو في إعلامه دوماً الاستهانة بهذا المكسب و بخسه قيمته و تصغيره. يقول الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام لتلميذه إذا كانت في يدك جوهرة ثمينة و قال الناس كلهم إنها حجر و كنت تعلم أنها جوهرة ثمينة فلن تصدق كلام الناس كلهم. و إذا كان في يدك حجر و قال الناس كلهم إنها جوهرة ثمينة فلن تصدق كلامهم أيضاً لأنك تراه حجراً. حينما تكون هناك جوهرة ثمينة لو قال العالم كله إن ما في يدك لا قيمة له ستبقى تراه متاعاً قيماً. لقد أدرك شعبنا ذلك و علمه، و لذا نراه صامداً ثابتاً.من أحابيلهم قضية حقوق الإنسان، و من أحابيلهم قضية الديمقراطية. في بريطانيا دافع أحد نواب المجلس بكلمة واحدة عن تلك الفتاة الفلسطينية فطردوه من الحزب و من المجلس، ثم يتشدقون بالديمقراطية و الحرية! في سنوات الثورة الأولى ذكرت في منبر صلاة الجمعة هذا المناضلين الإيرلنديين و شخصاً اخر يدعى » بابي ساندز « الذي سمّي شارع في طهران باسمه. مات بابي ساندز في السجن بعد خمسين يوماً من إضرابه عن الطعام. و مات شخص ثانٍ بعد إضرابه عن الطعام و أظن أن شخصاً ثالثاً و رابعاً أيضاً أضرابا عن الطعام، لكن هؤلاء البريطانيين أنفسهم أنصار حقوق الإنسان و داعمي الإضرابات و الاعتصامات في المناطق الأخرى، بقوا متفرجين! هذه هي مزاعم السادة في الدفاع عن حقوق الإنسان. لاحظوا ما الذي يجري في فلسطين راهناً، يهدمون البيوت، يقتلون النساء و الأطفال أمام أنظار الجميع، و هؤلاء السادة أنصار حقوق الإنسان لا يبدون أدنى ردود فعل. ثم يقولون إننا نطالب بحقوق الإنسان في إيران! ألا يحق لشعب إيران اعتبارهم كذّابين مخادعين؟ أنصار حقوق الإنسان؟!ما هو سبيل الحل و العلاج؟ شعب إيران لديه سبيل علاج سار عليه لحد اليوم ألا و هو الصمود و الاعتصام بمبادئه و أصوله و المشاركة في الساحة. قلتُ يومها لشعبنا العزيز، و أقولها الآن أيضاً: أيها الشعب الإيراني العظيم، اعلموا أنه لولا صمودكم و تواجدكم في الساحة لما أمكن نظام الجمهورية الإسلامية و لا أيّ من مسؤوليها أن يستمروا حتى لسنة واحدة. عززوا إرادتكم و حافظوا على تواجدكم و وحدتكم. نرى و نعلم أن شعب إيران عمل بهذا لحد اليوم، و سيكون الأمر كذلك بعد الآن أيضاً. شعبنا شعب ممتاز. و إلى جانب هذا على المسؤولين أن يبذلوا جهوداً علمية مخلصة كفوءة ذكية و يعالجوا المشكلات واحدةً تلو الأخرى، و ينهوا هذا الطريق الذي نحن الآن في نصفه. يجب أن يضاعف هذا الشعب من قوته و تطوره باستمرار سواء من الناحية العلمية، أو الناحية السياسية، أو الناحية الاقتصادية. هذا هو سبيل الحل أمام الشعب الإيراني. جانب من هذه العملية يعود للشعب، و قد عمل الشعب و سيعمل بعد الآن أيضاً بفضل الله و حوله و قوته. و جانب منه يقع على عاتق المسؤولين حيث ينبغي أن يعرفوا واجباتهم جيداً و يعملوا بها. في هذه الحالة لن يعود للعداوات من أثر. طبعاً يضغط الأجانب اقتصادياً و سياسياً و لكن لا فائدة من ذلك. قد تكون هناك ضغوط اقتصادية ضد الشعب الإيراني على المدى القصير، لكنهم يعلمون بدورهم أن هذا سيعود بالفائدة على الشعب الإيراني و بالضرر عليهم في المدى البعيد. هذه الضغوط هي التي دفعت شعب إيران و علماءه و شبابه الموهوبين للسير في سبل العلم و اكتشاف الطرق العلمية المعقدة صعبة المنال. إذن، الضغوط الاقتصادية لا تأثير لها. و طالما كنتم في الساحة لن يكون للضغوط السياسية أيضاً تأثيرها.أبدى هذا الشعب مساعٍ هائلة و جهاداً عظيماً، و قد وفّاه الله تعالى أجوره طبقاً لوعوده: الاستقلال و النظام الإسلامي. كتب الله لكم عاقبة طيبة و سوف تبلغون هذه العاقبة إن شاء الله.ربنا، أنزل رحمتك و فضلك على هذا الشعب و زد منه يوماً بعد يوم. ربنا، ألّف بين قلوبنا يوماً بعد يوم. اللهم بمحمد و آل محمد لا تحجب نظرة لطفك عن هذا الشعب. أرضِ القلب المقدس للإمام المهدي ( أرواحنا فداه ) عن هذا الشعب و مسؤوليه. ربنا، قُرُّ عيوننا بجمال ذلك المحبوب الكبير.بسم الله الرحمن الرحيمو العصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر.الخطبة الثانيةبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين، سيما علي أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سبطي الرحمة و إمامي الهدى، و عليّ بن الحسين سيد الساجدين، و محمد بن علي باقر علم النبيين، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمد الهادي، و الحسن بن علي الزكي العسكري، و الحجة بن الحسن القائم المهدي. اللهم صل عليهم و صلِّ على أرواحهم و أجسادهم و أحشرنا معهم و اجعلنا من شيعتهم. و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.أوصيكم مرةً أخرى إخوتي و أخواتي الأعزاء و نفسي بالتقوى. حديث التقوى يبقى هو الأطيب و الأهم و الأكثر تأثيراً. حيثما كان فينا روح التقوى و الشعور بها و نزلنا به إلى الساحة كنّا موفقين ناجحين. و حيثما فشلنا و زلّت أقدامنا و تراجعنا، إذا دققنا في أدائنا وجدنا أن ذلك ناجم عن عدم تقوانا. إذا كانت التقوى لن يُحرم الفرد أو الجماعة أو الشعب أبداً من هداية الله و فرجه.ثمة موضوعان أو ثلاثة على جانب من الأهمية و أهمها هو موضوع الانتخابات. الانتخابات مهمة لشعبنا ، و لأصدقائنا في العالم. و هي مهمة أيضاً بالنسبة لأعدائنا. هذه الانتخابات و كما كانت سابقاتها موضع اهتمام و تدقيق من قبل أصدقائنا و من قبل أعدائنا. و هي مهمة جداً بالنسبة لشعبنا أيضاً.تعود أهمية انتخابات المجلس لسببين. أولاً لأن تواجدكم عند صناديق الاقتراع يعد أبرز مظاهر المشاركة الجماهيرية و هذه هي دعامة الثورة و البلاد. الذين يتابعون الأخبار يرون أن المراكز السياسية في العالم ترفع رؤوسها هنا و هناك و تقول إننا قلقون من الانتخابات الإيرانية و نتابع شؤونها. هذا يعود للسبب المذكور. ينظرون ليروا هل ستتواجد الجماهير في الساحة أم لا. فإذا كانوا متواجدين معنى ذلك أن من المتعذر إيذاء هذا النظام، أما أذا ضعف تواجد الجماهير عندئذ يستنتجون وجود مسافات فاصلة بين الشعب و النظام و أن الأرضية ممهدة للتدخل و الهيمنة و الاستحواذ ثانية على هذا البلد. لذلك يهتمون للانتخابات. إذن الأهمية الأولى للانتخابات تعود إلى أنها خندق البلاد. تواجد الشعب عند صناديق الاقتراع يصون مصير الشعب و يصدّ العدو عن مزيد من التطاول، و التعدي، و الوقاحة. طوال الأعوام الخمسة و العشرين الماضية جرّب أعداء إيران سبلاً متنوعة للسيطرة على هذا البلد و فشلوا في جميعها. و بقيت أعينهم مسمّرةً على هذا السبيل. كل الجهود و الإعلام الذي يصدر عنهم و كل الكلام الزائد الذي يطلقونه يعود لهذا السبب. يريدون فصل الجماهير عن النظام. الانتخابات تصفع العدو على فمه و تبث في نفسه اليأس و تشعِره أن الجماهير تقف بقوة و ثبات في ساحة الدفاع عن البلاد و حدودها و مصالحها و نظامها.السبب الثاني لأهمية انتخابات المجلس هو أنكم بانتخابكم نواب المجلس تقررون في الحقيقة مصير البلاد للسنوات الأربع القادمة. انتخابات المجلس مظهر تدخل الشعب في مصيره و شؤون بلاده، فالمجلس مركز التشريع و التقنين، و القانون معناه الطريق الذي يُفتح كي يسير عليه المسؤولون التنفيذيون و يصلحون و يعمرون بجهودهم أنحاء البلاد ومناطقها المختلفة. افتتاح الطرق يقع على عاتق القانون، و القانون يسنّه نوابكم في المجلس. إذن، المجلس على جانب كبير من الأهمية. أضف إلى ذلك أن المجلس حسب الدستور يشرف على الحكومة. إذا عملت الحكومة في موضع من المواضع بطريقة خاطئة أو السيئة، أو سلكت طريقاً غير صائب، أو حصل استغلال و فساد لا سمح الله فالمركز الذي يستطيع الحؤول دون الفساد و الانحراف هو المجلس. لاحظوا كم هو مهم! يتشكل هذا المجلس بأصوات الجماهير. كلما كانت الأصوات أكثر كلما كان المجلس أقوى. حينما تعرفون عن شخص أنه صالح و جدير و تبتعثونه للمجلس فقد استطعتم استخدام جزء من قدراتكم في بناء المستقبل و تطويره. من هنا تنبع أهمية المجلس. لذا يتحتم على الشعب و من أجل مصالحه و مصالح البلاد و النظام أن لا يسمح بضمور عظمة الانتخابات و حماسها. للأسف بعض الذين يمتلكون المنابر - الأقلام أو الخطابة - و بوسعهم أن يتحدثوا لا يتفطنون لعظمة الانتخابات و المجلس. يعملون و يقولون ما من شأنه تثبيط الناس عن المشاركة في ساحة الانتخابات و الاقتراع. هذا نتيجة الغفلة و عدم التنبه. و إلا فكل إيراني غيور و محب لعزة إيران و عمران البلاد و مصير الشعب يجب أن يسعى لتشكيل مجلس قوي شامخ. طبعاً للمجلس السابع سمة إضافية و هي أنه يجب أن يقطع الخطوة الدورية الأولى باتجاه أفق العشرين عاماً. تمت المصادقة على أفق العشرين عاماً و أبلغ للمؤسسات و الأجهزة المختصة و هو في الحقيقة طريق جد قويم و متين نحو مستقبل مشرق يفتتح أمام الشعب و المسؤولين. الدورة الأولى ذات الأربع سنوات نحو هذا الأفق يجب أن تقطع من قبل هذا المجلس، و الخطوة الأولى يجب أن يضعها هؤلاء النواب، و هي خطوة مهمة. في العالم أناس حريصون على مصالح الجمهورية الإسلامية. هؤلاء هم من الشعوب و من الحكومات. هناك من بين الحكومات من يحرص على مصالح الجمهورية الإسلامية لأسباب عديدة. و الكثير من الشعوب لا سيما الشعوب المسلمة تحرص أيضاً على هذه المصالح. أنظار هؤلاء جميعاً مسمّرة على الانتخابات. تطمح قلوبهم لأن تكون هذه الانتخابات قوية، حماسية، و تبرهن على عزيمة الشعب الإيراني الراسخة. و ثمة أناس في العالم يريدون السوء لشعب إيران. هؤلاء يريدون إما أن لا تقام الانتخابات أساساً كي تغيب هذه الدعامة الجماهيرية، أو إذا أقيمت تقام بنحو بارد جداً و خالٍ من الروح. قبل يومين ظهر عدد من نواب الكونغرس الأمريكي أمام عدد من أنصارهم و وجّهوا أوامر للشعب الإيراني تقضي بعدم الحضور عند صناديق الاقتراع! أي دليل أوضح من هذا على صحة الفكرة التي طرحتها قبل أسبوع على الشعب الإيراني و قلت إن الاستراتيجية العامة للعدو هي عدم إقامة انتخابات في البلاد؟ و السبب واضح. فلو لا الانتخابات لبقي البلد و النظام دون سند. إنهم يعلمون هذا. لذلك يريدون عدم إقامة الانتخابات. بعض البرلمانات الأوربية أوصلت تدخلها في هذه المسألة حد الوقاحة. كلامهم ليس له أهمية طبعاً، ليقولوا ما يريدون. نحن أيضاً لدينا الكثير من الكلام حول ممارساتهم و نقول كلامنا. نحن نقول كلامنا و لا نداريهم، كلا، مسؤولو البلاد يطرحون نقاط الضعف في أعمالهم بصوت عالٍ على الدوام. لذلك لا نعتب عليهم أبداً لما يقولونه، ولا نتوقّع منهم غير هذا، و لكن على الجميع أن يعلموا - سواء حكوماتهم أو برلماناتهم - طلما بقيت القضية ضمن حدود الكلام و الأقوال فلن نهتم لذلك، و لكن إذا أرادوا التمادي للوصول إلى التدخل في شؤون بلادنا فإن الشعب الإيراني سيوجه صفعة قوية لأفواههم جميعاً. الشعب و المسؤولون سيعملون بفضل من الله و طبقاً لواجبهم الثوري و الديني بما تمليه عليهم مصالحهم و بكل وعي و بصيرة. طبعاً، يلاحظ المرء أحياناً بعض الأمور من قبيل أن تعتب بعض الأجهزة على بعضها، و قد تضخّم العتاب أحياناً. أنا لا أؤمن بأن يبادر المسؤولون في مثل هذه الظروف الحساسة للشكاة و العتاب على بعضهم. ينبغي النظر لمصلحة البلاد و الشعب. حصلت خلال الشهر أو الشهرين الأخيرين ممارسات أفرحت الأعداء. طبعاً كان شعبنا يقظاً واعياً و لا يزال. أدرك ما الذي يجب عليه أن يفعله و ما الذي يجب عليه أن لا يفعله. عمل بالشيء الصحيح؛ أحسنتم أيها الشعب. لكن الإنسان يأسف حين يرى البعض يحبّون أن يفعلوا ما يصفّق له أعداء هذا الشعب خارج الحدود! هذا عار، إذا رأيتم العدو يصفِّق لكم فانظروا أين هو الإشكال في أدائكم. قال الإمام: الويل لنا يوم يمدحنا العدو! متى يمدح العدو الإنسان؟ كانت و لا تزال هناك الكثير من النقاط المثيرة للإعجاب في شعبنا و بلادنا و إمامنا يعترف بها الأعداء في قرارة قلوبهم لكنهم لا يريدون الاعتراف بها بألسنتهم. حينما يصفق العدو لأحد و يهتف لصالحه و يشجعه فعليه أن يدرك أنه على خطأ. البعض يقرعون على طبول تعطيل الانتخابات - و هم بفضل من الله ليسوا من كتلة الشعب بل هم معزولون - و الآن أيضاً يظهر هنا و هناك أشخاص يقولون للناس لا تشاركوا في الانتخابات، أو إننا لن نشارك. هذا خطأ. هذا ليس طريقاً صحيحاً. على الشعب القيام بما يضمن مصلحته بوحدة كلمة. و لا أوافق أيضاً قول البعض إذا لم يكن كذا زال الإسلام و انهدم. و البعض يقولون إن لم يكن كذا سحقت الجمهورية و زالت، كلا، ليس الأمر كذلك. الإسلام و الجمهورية متلازمان في هذا البلد و في هذا النظام. جمهوريتنا مستمدة من الإسلام، و إسلامنا لا يسمح بعدم قيام ديمقراطية في هذا البلد. لم نشأ أن نتعلم الجمهورية من أحد. الإسلام هو الذي علمنا هذا الشيء و أملاه علينا. الشعب معتصم بالإسلام و مؤمن بالجمهورية. الله و الشعب يقعان في ذهنية هذا الشعب و في هذا النظام على طول بعضهما، و قد وفّق الله هذا الشعب للسير في هذا الطريق. يأتي البعض و يقولون إذا لم نكن نحن أو إذا لم يكن كذا و كذا، فسيمحى الإسلام. و يأتي البعض ليقولوا إذا لم نكن نحن أو إذا لم يكن كيت و كيت، زالت الجمهورية و الديمقراطية.. لا .. ليس الأمر على هذه الشاكلة. استطاع هذا الشعب، و هذا النظام، و هذا الإطار، و هذا الدستور أن يضمن الإسلام و الجمهورية على السواء. طبعاً حين قلنا ممارسات تفرح الأعداء لا ينصرف الذهن نحو المسؤولين، لا، مسؤولو البلاد و العديد من نواب الشعب في مجلس الشورى الإسلامي و المواقع الأخرى محبون مخلصون. ثمة جماعات صغيرة، و هم موجودون في كل مكان بالتالي، قد يكونوا ممن يرتدون زيّنا، و قد يكونوا من العاملين في مراكز التشريع أو غيرها، هم الذين تصدر عنهم ممارسات تفرح الأعداء و عددهم قليل. إذن، ينبغي أن لا تتشوش الأذهان بخصوص الجماعة الواسعة من مسؤولي البلاد، سواء في المجلس، أو في الأجهزة التنفيذية، أو في المؤسسات الأخرى.على الناس ملاحظة المعايير في انتخابهم للنائب. حينما أنظر أجد و الحمد لله أن هناك بين المرشحين للانتخابات عدداً كبيراً جداً من الشخصيات صاحبة الشهادات، و الصالحة، و الكفوءة، و المطّلعة، و المتدينة، و المخلصة. ابحثوا و شخصوا الأصلح من بين هؤلاء أو استشيروا من تأمنونه و تطمأنون له، و ابتعثوا هؤلاء للمجلس من أجل ممارسة العملية التشريعية. اعتقد أن أهم شروط النائب هو أن يكون متديناً، كفوءاً، مخلصاً، شجاعاً. إذا اجتمعت هذه الشروط الأربعة في نائب فسيفعل الشيء الذي تطمحون و تتطلعون إليه. النائب يجب أن يكون متديناً. عدم التدين و اللاتقوى حالة سيئة تجعل الإنسان عرضة للآفات و الأضرار أينما كان. و إذا كان في موقع حساس كانت هشاشته خطيرة و ذات عواقب جد وخيمة. النائب يجب أن يكون كفوءاً. البعض متدينون لكنهم لا يستطيعون فعل شيء. ينبغي أن يكونوا بحيث يستطيعون النهوض بالواجبات الملقاة على عاتقهم.ثالثاً يجب أن يكونوا مخلصين للشعب، و خصوصاً الطبقات الفقيرة، و يعملوا لهم و يفكروا بهم. في انتخابات الدورة السابقة قلت - و ربما كان ذلك في صلاة الجمعة - إن مرشحي الانتخابات يجب أن يحذروا من اعتبار أنفسهم مدينين للأثرياء و المقتدرين و ما إلى ذلك. إذا كان الشخص مديناً للأجهزة و المؤسسات و الأشخاص و المال و السلطة فلن يعود قادراً على الإخلاص للشعب. إذن، الإخلاص أيضاً شرط كبير.الشرط الرابع هو أن يكون النائب شجاعاً. هذا الشعب شعب شجاع حرّ. شعب لا تفرض عليه تهديدات القوى العالمية المتكبرة التراجع. إذن، نائبه أيضاً يجب أن يكون شجاعاً غير هيّاب. الشجاعة قبال الأعداء، و الشجاعة حيال الباطل، و الشجاعة في قبول كلام الحق. إذا استطعتم بأنفسكم تشخيص أفراد يتوفرون على هذه الخصوصيات فصوّتوا لهم. أما إذا كنتم لا تعرفونهم بأنفسكم فاسألوا الأمناء الذين تطمئنون إليهم أينما كنتم من هذه البلاد، و سوف يعرّفونهم لكم، ليتشكل إن شاء الله مجلس قوي، شعبي، معتمد على أصوات الجماهير، و قادر على النهوض بالمهام الكبرى الملقاة على كاهله، و سيرضي الشعب و يفرحه إن شاء الله بما يليق بهذا الشعب الحر الكبير، و هذا ما يستتبع رضا الله أيضاً.من الضرروي أن أشير أيضاً إلى أن مختلف المسؤولين في شتى الأجهزة و الأقسام قاموا بأعمال جيدة كبيرة في المراحل السابقة للانتخابات. قبل أيام قليلة ذكرت أسماء المسؤولين و الآن أشكرهم جميعاً جزيل الشكر. و هناك مراحل لاحقة أهمها إقامة الانتخابات و صيانة أصوات الشعب. الحفاظ على أصوات الشعب و صيانتها قضية مهمة للغاية. ليبذل المسؤولون كل سعيهم لتتم صيانة أصوات الجماهير إن شاء الله، و تقام انتخابات نزيهة و لا تُوفّر الذرائع في هذه القضية لهذا و ذاك.أرجو من المرشحين للانتخابات أن يطرحوا في إعلامهم كلاماً واقعياً، و يقولوا للناس ما يستطيعون القيام به حقاً و ما يؤمنون به فعلاً. و يتركوا الناس أحراراً لينتخبوا من يشاءون. و لا يُعمل بالإسراف و التبذير في الإعلام. إنني أخال أن من يجتنب الإسراف و الممارسات غير اللائقة في الإعلام في سبيل الله، فإن الله تعالى سيعينه و يوفّقه فيما يقصد إليه.اللهم بمحمد و آل محمد زد من فضلك على هذا الشعب يوماً بعد يوم. أرضِ عنا القلب المقدس للإمام المهدي، و أرضِ عنا أرواح الشهداء الطاهرة.بسم الله الرحمن الرحيمإذا جاء نصر الله و الفتح، و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبّح بحمد ربك و استغفره إنه كان تواباً.والسلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - 11 شباط 1979 م ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
2004/02/12

كلمة الإمام الخامنئي في الشباب النخبة

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها الشباب الأعزاء. أبارك لكم عيد الغدير السعيد. اعلموا أن عيدنا يزداد حلاوة و طيباً بلقاء أمثالكم شباب بلادنا الصالحين الموهوبين. أنني أتفاءل خيراً لنفسي و للبلاد أن ألتقيكم أيها الشباب الكرام في يوم عيد الغدير و هو يوم جد كبير و مهم في تاريخ الإسلام. دمتم موفقين إن شاء الله. نحن الآن مستعدون لأن تبدأوا البرنامج و تواصلوه كما أعددتم له.الاجتماع بالشباب النخبة محبّب إليَّ جداً. و الكلمات التي يلقونها أيضاً محببة إلى نفسي كثيراً. طبعاً ليس بمعنى أن كل ما يقال يتطابق مع رأيي، لا، قد نختلف في وجهات النظر حول بعض الأمور، و قد تطرحون أفكاراً لا أقبلها، لكنني مسرور لأني أشعر أن روح المطالبة و الإرادة و اتخاذ القرارات من أجل السير و التقدم تتصاعد لدى شبابنا يوماً بعد يوم و الحمد لله. هذا هو سرّ جميع صنوف التقدم، و هو شيء آخذ بالتحقق حالياً. جرّبنا في المجالات الأخرى و وجدنا أن شبابنا متى ما أرادوا و كرسوا هممهم وصلوا لأهدافهم و وصلنا. ما طرحته على النخبة العلمية في غضون الأعوام الأخيرة هو إفشاء تركيز الهمم و الإرادة و عقد العزم على بلوغ الأهداف في المضمار العلمي أيضاً. هذا كلام أقوله منذ أعوام لكافة الشباب و الطلبة الجامعيين، و كل الأساتذة متى ما التقيت بهم أو وجّهت نداءً لهم، و أطلبه منهم، و أرى أنه يحصل و يتحقق.الأفكار التي ذكرتموها أيها الأصدقاء تضمنت نقاطاً جيدة. طبعاً بعضها يحتاج إلى تخطيطات شاملة جرى الاهتمام بها و لوحظت، غير أن المخططين في أجهزة البلاد يجب أن يؤمنوا بذلك و يبدوا الهمّة اللازمة، و ستحصل النتائج. من جملة ذلك قضية تغيير هيكلية التعليم على أساس البحث العلمي، و هي فكرة صحيحة أثيرت. و سبق أن ذكروها لي في اجتماع كبير من قبيل اجتماعنا هذا، مع فارق أن الحضور في ذلك الاجتماع كانوا غالباً من أساتذة الجامعات القدماء ذوي التجارب الطويلة. هناك أيضاً طرح هذه الفكرة أستاذ موثوق تماماً. تم التشديد على إنجاز هذه المهمة. و لكن تعلمون أن مثل هذه المشاريع التأسيسية تحتاج إلى زمن. على كل حال الفكرة صائبة تماماً و لا بد من متابعتها. النقطة الجديدة التي ذكرها عدة أشخاص منكم الآن هي منظمة النخبة العلمية في البلاد، أو المركز الخاص بشؤون النخبة و الذي أدلى صديقنا العزيز هذا بمزيد من الإيضاحات حوله في نهاية المطاف. طبعاً لا مراء في أن النخبة أنفسهم هم من يجب أن يديروا مثل هذا المركز. أي ما لم يكن الشخص نفسه عارفاً بالهموم الذهنية و العلمية و العملية للنخبة و منشداً إليها، فلن يستطيع العمل من أجلها. بيد أن القضية لا تتعلق بمن يدير مثل هذه المؤسسة - أي مركز خاص بشؤون النخبة في أي مكان من البلاد سيكون النخبة أنفسهم أفضل من يديره - إنها مهمة الحكومة و لا مفر من أن تنهض الحكومة بهذه المهمة.. إنها فكرة جيدة.. لكن الحكومة حين تكون مسؤولة عن مشروع معين فعليها تسليم إدارة المشروع لأشخاص جديرين كفوئين حقاً. طبعاً ينبغي السعي للحؤول دون ذوبان هذا المركز في الأجهزة الإدارية الأخرى، و لا يكون جهازاً إلى جانب الأجهزة الأخرى و يعاني من نفس مشكلاتها. و خصوصاً ينبغي عدم اصطباغه بالطابع السياسي و الأعمال السياسية و الألاعيب السياسية على الإطلاق. و أؤكد عليكم بأن تستبعدوا الطابع السياسي عن المساحة التي تنشطون فيها نشاطاً علمياً. ليس معنى هذا الكلام أن النخبة العلمية يجب أن لا تكون سياسية. بلى، نحن نعتقد أن رجال الله و الشخصيات المعنوية يجب أن يكونوا سياسيين أيضاً ويعملوا في الحقل السياسي، غير أن هذا لا يعني أن يجعل الإنسان ميوله و رغباته و تحيّزاته السياسية ذات تأثير في المؤسسة أو الجماعة العلمية، أو البحثية، أو الصناعية، أو المهنية - أية مهنة كانت - و ذات دور في اتخاذ القرار.. هذا ما سيفسد العمل بالتأكيد. اعتقد أن من أسباب عدم قيام بعض المؤسسات المسؤولة بالمهمات التي ذكرتموها - و الحال أنها من واجباتهم و جرى التأكيد عليها مراراً - هو أن البعض في تلك المنظومات ينجرفون صوب الممارسات السياسية و يدخِلون الأغراض السياسية في العمل، لذلك يبقى العمل عليلاً. المشاريع الشاملة التي تستطيع المنظومة الإدارية اتخاذ القرار فيها تقع على عاتق الوزارة نفسها، بل إن الكثير من الأمور ذات الصلة بهذا الموضوع لا تحتاج إلى قرار من الحكومة أو قانون، أي إن الوزير نفسه يمكنه اتخاذ القرار ضمن حدود صلاحياته. و حين نرى أنها لم تحصل فالمشكلة تعود إلى ما شاهدته في بعض الأجهزة المسؤولة و ذات الصلة بهذه الأمور، ألا و هو وجود بعض الميول السياسية التي تحول دون إنجاز الأعمال.ذكرتم نقاطاً أخرى سجّلتُ بعضاً من أهمها، و أتمنى أن تتابع. إنني أتابع هذه الملاحظات التي أسجلها. لا تظنوا أنها لا تتابع. بلى، هي تتابع، و تترك تأثيرها و تلاحظون آثارها في العديد من الأجهزة و الكثير من الأعمال التي تم القيام بها أخيراً.. الأعمال العلمية، و البحثية، و بعض الأعمال الضرورية فيما يرتبط بالسياسات العلمية و البحثية. هذه التأثيرات ناجمة عن المتابعات التي تنبثق بدورها عن الآراء التي تطرح في مثل هذه الجلسات و الاجتماعات. عليه، أعتقد أن هذه الجلسات جلسات مباركة و لها آثارها الطيبة و سوف تتابع إن شاء الله. و سوف تتابع الآراء في هذه الجلسة أيضاً.أعزائي، ما أريد أن أقوله لكم هو أنكم أشخاص يجب أن تكون لكم في هذا الميدان الذي نهتمُّ به محفزات عمل قوية كتلك التي يتحلّى بها الجندي في ساحة المعركة. هذا هو لباب القضية. إننا لا نروم فرض شيء على أحد، و هذه العملية ليست كاستقطاب الجنود الإجباري في فترة الحرب. هنا يجب أن تعمل النخبة العلمية في ساحة التربية، و التقدم، و إنتاج العلم كما يعمل الجندي. و إذا لم تعمل فلن يؤاخذها أحد. بيد أن المشكلات الأساسية و الكبرى ستؤاخِذ يوماً ما الشعبَ و البلادَ كلها، و هذا ما جربناه في بلادنا.ما أقوله على العموم هو أن العلم إذا انحصر لسبب تاريخي - و أظن أننا نعرف ذلك السبب التاريخي حق المعرفة - لدی مجموعة من الشعوب و قسم معين من الناس في العالم، و أبقی هؤلاء العلم عندهم حصرياً و مارسوا التمييز و باعوا العلم للشعوب الأخرى و جعلوه أداةً لفرض سياساتهم - و قد نشأ الاستعمار أساساً من هذا المنطلق - لكان هذا ظلماً كبيراً تمنى به البشرية. العلم يجب أن يوزع توزيعاً عادلاً كما توزع الثروة. و هذا هو رأي الإسلام أن العلم يجب أن يوزع بين جميع البلدان و الشعوب. أن نقول إننا يجب أن لا نعطي هذه التقنية للشعوب في آسيا و مناطق أخرى، فهذا معناه حصر التقنية و احتكارها. و إذا حصل مثل هذا في الاقتصاد ستظهر الكارتلات الاقتصادية الهائلة التي تظلم البشر. و حينما يحصل في عالم السياسة تكون النتيجة الحصرية العالمية و هذه الحروب. إننا نريد مكافحة هذه النـزعة الاحتكارية و كفاحنا و همنا منصب على أن نسعى لأن ننتفع من هذا المصدر الهائل الثر الذي تتوفر عليه بلادنا و الكامن في طاقاتنا الإنسانية. هذا ما تستطيع جميع الشعوب القيام به، و الشعب الموهوب أكثر سيستطيع العمل في هذا المجال أكثر. طبعاً سوف تختلقون له العقبات و العراقيل، و ينبغي الكفاح ضد هذه العقبات و العقبات الطبيعية الحتمية التي تواجه العمل.سمعت أنه قيل في بعض الأوساط السياسية الحساسة في العالم إننا لن نسمح بظهور يابان إسلامية في هذه المنطقة! أنتم تلك اليابان الإسلامية. لم يطلقوا هذه الكلمة اعتباطاً، فبلادنا من حيث معدل سرعة التنمية العلمية و البحثية حسب ما تشير له الإحصاءات سجّلت خلال فترة من الزمن و في الأعوام القليلة الماضية أعلى معدلات التنمية في العالم. طبعاً في حدود القدر المطلق و ما نتوفر عليه حالياً لا تزال هناك مسافات شاسعة تفصلنا عن مستوى التقدم في العالم، بيد أن المسافة كانت أكبر بكثير جداً و استطعنا تقليلها بسرعة عالية. حدث هذا في بلادنا خلال الأعوام العشرة أو الخمسة عشرة الأخيرة. و قد اختلف » القدر المطلق « لدينا اليوم عما كان عليه في الماضي اختلافاً كبيراً.أنا على اطلاع بإحصاءات البحوث العلمية المنشورة في المجلات المعتبرة في العالم، بيد أن هذه المسألة - إنتاج البحوث و نشرها في العالم - ليست مسألة مهمة تُصنّف ضمن الدرجة الأولى بحيث تكون العملية كلها قد أنجزت إذا تحققت هذه المسألة، إنما يجب تنضيج تلك الأفكار هنا و انتاجها و الانتقال بها إلى حيّز التنفيذ و العمل كي يمكن القول إن هناك تقدماً قد حصل. طبعاً بذلت على هذه الصعد أيضاً الكثير من الجهود و أنجزت الكثير من الأعمال، و قد تحركنا و سرنا إلى الأمام.من أهم أجزاء الحركة » بداية الحركة « و قد أنجزنا هذا الجزء و بدأنا الحركة. أي إن السلطة العليا التي تتكفل البدء و الافتتاح قد فعلت هذا بفضل الثورة و النظام الإسلامي. اعلموا أن هذه البلاد لو لم تكن قد شهدت بفضل الثورة عملية تحرير الطاقات و القدرات، و لو كان ما حصل في هذا النظام يشبه ما يحصل في سائر الأنظمة و البلدان، لما تحققت مثل هذه الظاهرة العظيمة في بلادنا على الإطلاق. طبعاً نحن انطلقنا و حسب، و هذا على جانب كبير من الأهمية، و لكن ينبغي أن نسير في هذا الطريق. كل ما أقوله في هذه السنوات الأخيرة هو أن تحصل هذه الحركة و المسيرة، و المهمة هنا تقع على عاتق أصحاب المواهب. و بالطبع، يضطلع المسؤولون بواجبات ضرورية و مهمة جداً. هذا مما لا ريب فيه. و تقع مخالفات معينة في بعض الأحيان. و يتم إنجاز الأعمال في أحيان أخرى. مع هذا نحن نسعى لتذليل هذه المشاكل. اعلموا أنني لم أكتف بمجرد طلبي إطلاق النهضة البرمجية. النهضة بمعنى الحركة و العمل و التواجد الكفاحي لا تتحقق بالأقوال و الأوامر و الدساتير، إنما ينبغي تمهيد الأرضيات. الذي أقوله هو أن هذه النهضة البرمجية قد انطلقت و بدأت، لأنها قد تحولت اليوم إلى خطاب و فكرة شائعة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. الكثيرون لم يكونوا مهتمين أو متفطنين أصلاً لأننا نستطيع بل يجب علينا إنتاج العلم و تحطيم حدوده و التقدم إلى الأمام. الفكرة التي قالها البعض صحيحة فالحفظ و الاستظهار لا يكفي. البعض كانوا يكتفون بحفظ علوم الآخرين. أما اليوم فقد ظهر الميل والعزم و الشعور لدى الكثير من الشباب، و الأساتذة، و النخبة في بلادنا بأنه لا بد من إنتاج العمل. و هذا ما أصرُّ عليه و أتابعه. فاعل هذا الفعل هو أنتم منظومة أهل العلم و منهم أنتم النخبة الحاضرون هنا. يجب أن تركزّوا هممكم و لا تركنوا لليأس و الخمول و كما قال أخونا هذا: » نحن موجودون و سنبقى « .. و يجب أن تكونوا موجودين و تعملوا.. هذا هو واجبنا التاريخي نحن و إياكم. مستقبل هذا البلد منوط بالقرار الذي نتخذه و نعمل به اليوم.ذكر أخونا الشاب العزيز هذا أمراً يتعلق بسيدنا بقية الله أرواحنا فداه. يقول أحد الأجلّاء إن شخصاً راجعني و سألني ماذا أفعل كي أحظى بلقاء الإمام المهدي؟ يقول قلتُ له إذا عملت بالواجبات و اجتنبت المحرمات و راقبت نفسك قليلاً فسيأتي الإمام عندك، و ليس من الضروري أن تتكلف و تذهب للقاء الإمام. السبيل الذي فتحوه أمامنا للانتهال من الإمام المهدي هو سبيل تهذيب النفس. و هو ليس بالسبيل الخاص، إنما هو السبيل المعروف لتكامل النفس، و للدخول في عداد الصالحين و أصحاب القلوب النيرة التي تنعكس فيها تجليات الجمال الإلهي. خصوصاً أنتم الشباب أصحاب القلوب الطاهرة لديكم قابلية على السير في هذا الطريق و هو أسهل عليكم بكثير. هل تتصورون أننا لدينا هنا طريقة خاصة للوصول للإمام المهدي؟ لا، حالكم في هذا الخصوص أفضل من حالي، لأن لكم قلوباً طاهرة نقية، و رغباتكم و قيودكم أقل، و بوسعكم الاتصال بسهولة أكبر. هذا التواصل ممكن و ميسور تماماً عن طريق صفاء النفس. و يمكن الوصول إلى صفاء النفس عبر العمل بالواجبات، و اجتناب المعاصي، و عدم تدنيس الذات و عدم التلوث، و مراقبة النفس. طبعاً لن يصبح أحدٌ معصوماً بحيث لا يرتكب أي ذنب، و لكن إذا راقبنا أنفسنا قلّت زلاتنا، و إذا زلّت أقدامنا أحياناً فلن نسقط للأرض على رؤوسنا.. هذه ميزة المراقبة. ما هو اسم هذه المراقبة في الثقافة الإسلامية؟ التقوى. حين يقال: كونوا متقين، فمعنى ذلك: راقبوا وأحذروا .. راقبوا أعمالكم، و أحذروا ماذا تقولون و ما القرار الذي تتخذونه و ماذا تفعلون. من شأن هذه المراقبة أن تحول دون زلل الإنسان، و إذا زلَّ فلن يصاب إصابة شديدة.أحد الإخوة تحدث عن النسبة المئوية لميزانية البحث العلمي و قال: كان المقرر تخصيص واحد و نصف بالمائة من ميزانية البلاد للأعمال البحثية، فتم تخصيص أربعة أعشار بالمائة. هذه الإحصائية تختلف تماماً عن الإحصائية التي طرحت في الجلسة الأخيرة التي كانت لنا و أتخطّر أنها كانت الجلسة الأخيرة أو الاجتماع بهيئة الحكومة أو إحدى الجلسات الرسمية خلال الشهر الأخير. الإحصائية التي ذكرها لي المسؤولون أو السيد رئيس الجمهورية نفسه على ما أظن في تلك الجلسة بخصوص نصيب ميزانية البحث العلمي مختلفة تماماً عما ذكره الآن أخونا هذا. سأحتفظ بهذا في ذهني إن شاء الله و أحقق فيه أكثر. ما قيل لي هو أن ميزانية البحث العلمي ازدادت كثيراً منذ عدة سنوات. أظن أنها ارتفعت ضعفين أو ثلاثة أضعاف.قبل أشهر زرت جامعة الشهيد بهشتي و ربما كان بعضكم من تلك الجامعة، و اطلعت على المراكز البحثية هناك فكانت لافتة جداً بالنسبة لي. ثم إنني سمّيت هيئة تحدث أعضاؤها مع كل واحد من النخبة و المتخصصين الذين زرت مراكز أبحاثهم و تحدثت معهم هناك، و سألوهم عن آرائهم و ناقشوها و وضعوها على طريق العمل ليتم تنفيذها. أي إننا نرغب في تنفيذها و سيتم تنفيذها إن شاء الله.إنني على معرفة ببعض هذه الجماعات التي ذكرها الأعزاء، من قبيل نادي الباحثين الشباب. كتبوا لي عدة رسائل لحد الآن و أجبت عليها.ساق أحد الإخوة مثال البيت الزجاجي و هو ليس بالمثال الصحيح. المناخ العام للبلاد يجب أن يكون مناخ إشاعة العلم، و إنتاجه، و نشره، و تربية العلماء و الباحثين و تخريجهم. و حين يصبح هذا هو المناخ العام للبلاد فليس معنى ذلك أن يكون العلم موجوداً في جميع البيوت أو في كل زاوية من زوايا المجتمع. لا، إنما المناسب هو أن يظهر العلم في مواطنه المناسبة. و عندئذ ستكون الأجواء أجواء علمية و بحثية. و لكن من البديهي أنه حين تكون أجواء البلاد علمية فإن هذا العلم سينمو و يترعرع في مواطنه المناسبة كالجامعات و مراكز البحث و ما إلى ذلك. إذن ليس المراد إيجاد بيوت زجاجية على الإطلاق. البيت الزجاجي ينفع لاستنبات شيء خاص بالزينة فإذا نبتت فيه الزهرة توضع على المنضدة عدة ساعات .. أربعاً و عشرين ساعة أو ثمانية و أربعين ساعة، ثم لا يعود لها فائدة. الأجواء يجب أن تكون أجواء يمكن فيها الحفاظ على النتائج و الانتفاع منها.أبارك لكم مرة أخرى أصدقائي الأعزاء و إخوتي و أخواتي و أبنائي الذين أحبكم جميعاً و أدعو لكم جميعاً و أتمنى لكم التوفيق، أبارك لكم هذا العيد السعيد و كذلك ذكرى الثاني و العشرين من بهمن. أسأل الله تعالى أن يوفقكم للنهوض بالواجب الجسيم الملقى اليوم على عاتق نخبة البلاد المتمتعة و الحمد لله بمواهب رفيعة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2004/02/09

كلمة الإمام الخامنئي في المنتسبين للقوة الجوية بجيش الجمهورية الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك يوم التاسع عشر من بهمن لكل أسرة القوة الجوية الكبيرة في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية. الوجه الغالب في هذه الظاهرة هو الشجاعة الاقتحامية التي أبداها أشخاص لم يكن الشعب الإيراني يتصوّر ذلك منهم. حينما يهتف شعب شعاراته بكل كيانه، و بكل قدرته، و بأعلى صوته في ساحة مبدئية معينة، و يلفت إليه أنظار العالم كله و يدهشه، على ماذا ستعتمد الجبهة التي تواجه الشعب؟ على القوات العسكرية عادةً. هذا تصور كان يعتمل في أذهان الكثير من أبناء شعبنا، لكنهم شاهدوا عكس ذلك فجأة. لاحظوا تحركاً في قلب القوات المسلحة و في القطاع الذي يعد قمة القوات المسلحة - أي القوة الجوية - جعل الثورة و الانتفاضة العامة تتقدم خطوةً واسعةً إلى الإمام. و قد كانت هذه الخطوة خطيرة طبعاً. لا يظننّ أحد أن تلك العملية كانت بلا أخطار في ذلك الحين، لا، كانت خطيرة جداً. لقد قاموا بخطوة شجاعة. و قد كنت يومذاك ممن شاهد و عاين هذه الخطوة الهائلة و لمست تأثيرها على مجمل الأجواء الثورية في البلاد. إذن، فهي خطوة خالدة سيسجلها التاريخ و قد سجلها ككل الخطوات الشجاعة النابعة عن تجلي الإرادة و العزيمة الإنسانية. هذا هو الوجه الغالب للقضية. لكنني لا أنظر لهذه الحادثة من هذه الزاوية فقط - رغم الأهمية البالغة لهذه الزاوية - إنما أركز على قضية أن القوة الجوية ثبتت على موقفها هذا. ربما لا يعلم الكثيرون أية أعمال كبيرة و أية تحركات قيمة انطلقت بعد شروع عهد النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية. أنا أعلم جيداً ماذا حدث في القوة الجوية. لقد ثبتت القوة الجوية على كلمتها هذه. في المستويات العليا من هذه القوة كان ثمة أشخاص لم يرغبوا في هذا المنحى كثيراً، بيد أن شباب القوة الجوية في ذلك الحين - و الكثيرون منهم الآن يعملون في الهيئة الرئاسية لهذه القوة و من القادة الكبار فيها و الكثيرون منهم استشهدوا - عقدوا عزمهم على أن يبقوا في الطليعة و قد بقوا.كانت عملية تنظيم القوة الجوية و تنظيم المرافق المختلفة للجيش قضية مهمة في تلك الأيام. و قد تمت هذه العملية في القوة الجوية بدقة، و مهارة، و التزام بمبادئ الثورة إلى درجة أذهلت حتى المراقبين القريبين و العارفين بالأمور. بعد اندلاع الحرب المفروضة كان لا بد من دوريات و عمليات، و تسمّرت الأنظار على ما ستفعله القوة الجوية. مارست القوة الجوية دورها و ظهرت في وسط الساحة. و مع أنها قوة دعم و إسناد لكنها كانت لفترة مهمة في بداية الحرب محور الدفاع المقدس. كنت حينها نائباً في مجلس الشورى الإسلامي، و قدمت للمجلس تقريراً عن طلعات القوة الجوية في الحرب، و قد أذهل هذا التقرير نواب المجلس! و إذا بالقوة الجوية تذهل المراقبين مرةً أخرى. يوم أحيت هذه القوة الأجهزة التي ظن البعض أنها تعطلت و عطبت و انتهت. ربما في اليوم الأول أو الثاني للحرب سلمني عدد من العسكريين الكبار رسالة تفيد وفقاً للإحصاءات أننا بعد عشرين يوماً كحد أقصى لن تكون لنا أية طائرة تحلق في سماء، البلاد، لا طائرات النقل و لا الطائرات المقاتلة. لا أزال أحتفظ بتلك الرسالة. قالوا لنا إن هذا غير ممكن إطلاقاً، لكن شبابنا - الطيارين، و التقنيين، و العاملين في المضادات الجوية، و الكل - تعاضدوا و أداروا الحرب ثمانية أعوام من دون أن نضيف شيئاً يذكر لما هو موجود في الجيش. و ذلك في مقابل الدعم العالمي المكثف لنظام صدام. كانوا يزوّدون ذلك النظام بالطائرات و أجهزة الرادار، و المضادات الجوية، و بأحدث المعدات و الأدوات. لكن القوة الجوية صمدت: » إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا «.(1) الكثيرون يؤمنون بمبدأ أو فكرة معينة و يدخلون حيّز المؤمنين بها، و لكن حين تداهمهم الصعوبات و ترتفع التكاليف يتراجعون. الله تعالى يُثني على من إذا قالوا: نعم، و دخلوا ساحة الشرف و الصدق، أصرّوا على ذلك، و قوتنا الجوية أصرت على ذلك. هذه شهادتي، و هي شهادة عن قرب. أقول هذا لتعلموا يا شباب القوة الجوية - و الكثيرون منكم لم يدركوا تلك الأيام و تلك الشخصيات، و الكثيرون منكم لم يدركوا » بابائي «، و » ستاري « و سائر الشخصيات البارزة في القوة الجوية - أية أعمال مميزة قام بها الجيل الذي سبقكم و أية خدمات جليلة قدّمها للبلاد و النظام الإسلامي. أنتم اليوم تتحملون نفس تلك الأعباء الثقيلة. اليوم الأول للثورة لا يختلف عمّا بعد خمس و عشرين سنة من حيث جسامة المسؤولية، سوى أننا كلما تقدمنا إلى الأمام أكثر كلما تعقد العمل أكثر و ازداد دقة. و هذا أمر يعنيكم.بلدكم يتعرض للهجمات لأنه يروم في الوقت الراهن أن يكون حراً و مستقلاً و معتمداً على نفسه. ليس في إيران أية مشكلة أخرى. من ذا الذي لا يعلم اليوم أن قضية حقوق الإنسان و الحرية و الديمقراطية و غيرها من الأقوال التي تخرج من أفواه الأبواق الأجنبية، أقوال فارغة و ذرائع واهية ليس إلا؟ هذا ما يعلمه الجميع. من الذي لا يعرف اليوم دعم أمريكا و سائر المستكبرين في العالم للأنظمة الدكتاتورية مائة بالمائة؟ من ذا الذي لا يعلم أن نظاماً دكتاتورياً أسود تابعاً حكم في هذا البلد خمسين عاماً - النظام البهلوي الأول و النظام البهلوي الثاني - و كان يتمتع بدعم القوى الكبرى، بل و بعض هذه الشخصيات الحالية؟ هذا ما يعلمه الجميع. و واضح أن هذا الواقع يدل على أمور عديدة. معارضتهم للجمهورية الإسلامية لها سبب واحد فقط: أراد هذا الشعب و عقد عزمه و استطاع أن يبقى مستقلاً و لا يسلّم نفسه لأيديهم و لا يبيع نفسه لهم. هذه هي القضية اليوم.أردنا ذلك و استطعنا بحول الله و قوته. خمسة و عشرون عاماً ليست مدة قليلة للضغوط الدولية لكن نظام الجمهورية الإسلامية ببنيته الشعبية المتينة - و لِبْنات هذا البناء هي الإيمان و الاستعداد للجهاد - استطاع لا أن يقاوم لحد الآن حيال الضغوط وحسب، بل أن يزيد من متانتهِ يوماً بعد يوم. و سيكون الوضع كذلك بعد اليوم أيضاً. لقد زدنا من قوتنا، و سوف تستمر هذه الضغوط إلى أن ييأس الأعداء. كيف ييأس الأعداء؟ ييأسون حينما يشعرون أن سياق الحركة و تقوية الذات في الجمهورية الإسلامية لا يقبل التوقف. جزء من هذه العملية الكبيرة تقع على عاتقكم، و جزء منها يقع على عاتق العلماء غير العسكريين، و جزء منها على عاتق الجامعات، و جزء على عاتق رجال السياسة. هم أيضاً يستطيعون ممارسة دورهم في صناعة القناعة التي تقلِّل الضغوط. على كل حال ثمة دور أساسي يقع على عواتقكم. يجب أن تبنوا، و تصونوا، و تزيدوا، و تبدعوا، و تعزّزوا التنظيم، و تصنعوا الكوادر الماهرة إلى جانب صناعة الأدوات و المعدات المتقنة.قلت مراراً إن هذا البلد عاش في يوم ما ظروفاً لو تعطّلت قطعة من الطائرات المقاتلة التي لديكم اليوم لوضعوها في طائرة و أخذوها لأمريكا للتصليح ثم يعيدونها. أي إنهم لم يكونوا ليسمحوا بفتح هذه القطعة في إيران ليعلم المهندس و التقني العسكري الإيراني ماذا في داخلها! و اليوم تصنعون الطائرات بأنفسكم و تحلّقون بها. في بداية الحرب حينما كانوا يقولون: ليس لدينا القطعة الفلانية، كنا ندخل في مأتم و نبقى حائرين من أين نأتي بها. أما اليوم فتصنعون بأنفسكم هذه القطع. القوة الجوية كانت أول قطّاع في الجيش يسير على طريق الاكتفاء الذاتي. في حدود سنة الستين(2) أطلق منتسبو القوة الجوية جهاد الاكتفاء الذاتي، ثم نقلوا إلينا الخبر فأسسنا مثل هذه المنظمة في الجيش كله. إذن القوة الجوية قادرة، و أنتم أيها الشباب قادرون.استفيدوا ما استطعتم من تجارب الرواد و السابقين، و من قوى الأبداع لدى الرجال و النساء و الشباب الأعزاء، و من القطاعات الجامعية في البلاد، و قبل كل هذا من قدراتكم الذاتية الداخلية. حافظوا على ما لديكم بدقة و قلّصوا من النواقص و نقاط الضعف، و ضاعفوا من الإمكانات المتوفرة. أنتم قادرون على هذا. اعلموا أن الرصيد الأساس لهذه العملية هو الإيمان و الثقة. الإيمان و الثقة بالله و الإيمان بالذات. الإسلام يرشدنا إلى هذا الطريق. الإيمان خير وسيلة للإنسان. الإيمان يفشي الأمل في نفس الإنسان، و يشجعه، ويحضّه على الصمود، و يصغّر الهزائم في نظره؛ يمنحه الأمل للمضي في تفجير القدرات التي أودعها الله في وجود الإنسان.أدعو لكم جميعاً و أسأل الله تعالى لكم حسن العاقبة. جميعنا نفخر بكم أيها الأعزاء، أيها الشباب و الرجال و النساء الصالحين المؤمنين، و نشكر الله على ذلك.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة فصلت، الآية 30.2 - سنة 1981 م.
2004/02/07

كلمة الإمام الخامنئي في شرائح الشعب المختلفة

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء، لا سيما الإخوة و الإخوات الذين تجشموا عناء السفر من مناطق بعيدة و تفضلوا بالمجيء إلى هنا. كما أبارك أيام عشرة الفجر الميمونة فجر انتصار الثورة الإسلامية، و كذلك عيد الغدير السعيد حيث لم تبق سوى بضعة أيام حتى ذلك العيد. اتمنى ببركة الإيمان و الحماس و الإخلاص الذي تحملونه أيها الشعب العزيز تجاه المقدسات الدينية و أولياء الدين العظام عليهم السلام، أن تشملكم البركات الإلهية جميعاً و كل شعب إيران، و أن تكون هذه الأعياد مباركة عليكم جميعاً و على كل شعب إيران.من المناسب اليوم أن نذكر أهالي مدينة بم المصابين المفجوعين بمناسبة مرور أربعين يوماً على الزلزال في هذه المدينة. مع أن شعبنا العزيز أبدى تعاطفه و مواساته لأهالي بم المفجوعين على خير وجه منذ بداية هذه الفاجعة و أثبت إيمانه و مروءته و أخوته الإسلامية، بيد أن أبعاد هذا الحدث المرير ليست مما يُنسى. مسؤولو الأجهزة الحكومية المختلفة و المؤسسات الثورية الذين بذلوا جهوداً كبيرة جداً لتعويض خسائر أهالي بم و مصائبهم عليهم أن يبذلوا مزيداً من الجهد، و أن يتجلى للعيان تعاطف الجماهير و مساعداتهم و مواكبتهم مع أجهزة الحكومة في هذه القضية إلى أن يطمئن شعب إيران أن هذه الخسارة الكبرى قد عوِّضت و تم تطبيب الجرح و المصائب التي نزلت بجسد الشعب الإيراني.ما أحسن و أجدر أن يواصل الناس في كل مناطق البلاد التفكير بإخوتهم و أخواتهم في بم. يستطيع الإنسان إلغاء بعض التكاليف الزائدة من حياته. الحجاج الذين يعودون هذه الأيام بالسلامة إلى بلادهم إن شاء الله ما أحسن أن يلغوا التكاليف التي تنفق عادة عند العودة من الحج على اللقاءات و الزيارات و التشريفات و يخصصوها لأهالي بم فيساعدوا إخوتهم و أخواتهم المفجوعين.طبعاً هذه الأمور امتحان إلهي للشعب و لأهالي المدينة. البلاء معناه الامتحان و غايته الابتلاء. وقع هذا الامتحان الصعب على أهالي بم و من ثم على جميع الشعب الإيراني. و يجب أن يخرج الجميع من هذا الابتلاء و الامتحان الإلهي مرفوعي الرأس و يعلموا أن ما يرضي الله هو أن نعيد النظر في أعمالنا و سلوكنا و نتلافى نواقصنا و ضعفنا و أخطاءنا. إذا استلهم الشعب الدروس من تجاربه و طابق طريقه على الصراط الإلهي المستقيم، فسيكون مصداقاً لـ » رضي الله عنهم و رضوا عنه «.(1)تمر علينا هذه الأيام ذكرى الثورة الإسلامية العظيمة، و هي عيد لشعب إيران، بل لمسلمي العالم. أحرز الإسلام مفخرة الاشتباك مع هيمنة القوى الناهبة السارقة و إنقاذ شعب من الشعوب. هيمنت القوى الاستعمارية على الشعب الإيراني لعشرات السنين. الويلات التي انزلتها الدولة البريطانية المستعمرة بالشعب الإيراني طوال عشرات الأعوام لا تُنسى. صادروا الثورة الدستورية، و فرضوا على هذا الشعب دكتاتورية رضا خان السوداء، و نهبوا النفط، و أبقوا البلد متأخراً، و أهانوا الشعب و أذلوه، وسحقوا الحقوق العامة لشعب من الشعوب طوال عشرات السنين. بعد ذلك حينما آلت قوة البريطانيين للأفول على المستوى الدولي، أوصل الأمريكان أنفسهم إلى هذه المائدة و شرعوا في التطاول. دكتاتورية رضا خان السوداء التي استمرت خمساً و عشرين عاماً و الجرائم التي ارتكبها البريطانيون استمرت في إيران على أيدي الأمريكيين و ازدادت سطوتهم و نفوذهم في هذا البلد يوماً بعد يوم. كانوا ينهبون الثروات و ينسفون الثقافة الإسلامية و الوطنية، و يكرسون مكانها ثقافة عبادة الأجانب. كل شيء في هذا البلد كان خاضعاً لهيمنتهم و قبضتهم حتى أنهم لم يبقوا لهذا الشعب من رمق. و استطاع الإسلام أن يضخّ دماءً جديدة في عروق هذا الشعب. شعار الصحوة الإسلامية حرك هذا الشعب. و قيادة الإمام الجليل دلَّ الشعب على الطريق. غيّر هذا الشعب - كما قال القرآن الكريم - مصيره بإرادته و صموده و ثباته و جهاده، و أسقط النظام الاستبدادي، و طرد أمريكا من هذا البلد، و قطع هيمنة القوى الدولية عليه، و استعاد حق حريته و اختياره و التسلّط على مصيره. و كانت النتيجة أن بُعث شعب إيران حياً.عشرة الفجر ذكرى انبعاث شعب إيران و بلدنا العزيز إلى الحياة ثانية. الناس يحتفلون في هذه الأيام و من حقهم أن يحتفلوا. و اعلموا أنتم يا أعزائي، حيثما كان في العالم مسلمون واعون يقظون فإن جيلهم الشاب، و نخبتهم الثقافية و السياسية تعتبر هذا الاحتفال احتفالهم، و يعدون هذه الصحوة لصالحهم. استيقظ العالم الإسلامي الذي كان نائماً تحت هيمنة و سيطرة القوى الاستكبارية. في بعض المناطق استطاعوا إنقاذ أنفسهم، و في بعض المناطق كانت الصحوة نفسها مقدمة للخلاص. قيمة هذه الثورة في أنها أنقذت إيران من هيمنة القوى العالمية المستكبرة. انظروا ماذا يفعل الطامعون و المحتكرون الدوليون بالشعوب في العالم. هؤلاء أنفسهم كانوا مسلطون على بلادنا، و شعبنا، و نفطنا، و ثقافتنا، و حكومتنا، و كافة مصادرنا البشرية و المالية. الثورة قطعت أيديهم و طردتهم من هذا البلد و أنهت هيمنتهم على هذا الشعب. هذه هي قيمة ثورتنا. لنعرف قدر هذه الثورة و نحافظ عليها في مسارها و دربها و نساعد على تقدمها نحو أهدافها السامية. هذه الأصول و المبادئ، و الأركان هي التي ستحسن من وضع مستقبلنا، و مصيرنا، و اقتصادنا، و ثقافتنا، و ديننا، و دنيانا، و تعالج جراح جسد إيران العزيز المظلومة.ما يحظى بالدرجة الأولى من الأهمية هذه الأيام، و لا بد أن أذكر بعض النقاط حوله هو موضوع الانتخابات. الانتخابات مظهر مشاركة الشعب و حريته في تقرير مصيره. حينما تنتخبون رئيس الجمهورية فمعنى ذلك أنكم تمنحون جميع الأزمّة التنفيذية للبلاد ليد شخص تنتخبونه و يتولى الأمور بأصواتكم و إرادتكم. حينما تنتخبون نواب المجلس فمعنى ذلك أنكم تسلمون العملية التشريعية مضافاً إلى الإشراف على العمل التنفيذي لأيدي أشخاص عرفتموهم و انتخبتموهم. إذن، أنتم من ينتخب. هذه العملية بمعنى قدرة الجماهير في إدارة البلد و إمساك الأمة بمصير الوطن. هذا ليس بالشيء القليل أو الصغير. هذا هو كل شيء بالنسبة لنا. أقول لكم إن ما صان بلادنا و شعبنا طوال هذه الأعوام الخمسة و العشرين حيال الهجمات الوحشية للطامعين الدوليين هو أنهم كانوا يرون أن الشعب هو الذي يمتلك الحكومة، و المجلس، و المسؤولين. رصيد التواجد الشعبي هو الذي أرعب إلى اليوم و بشكل دائم الحكومات المعتدية القوية في العالم. هذا المشاركة و التواجد أشبه بالخندق بالنسبة لبلادنا. هذه حالة على جانب كبير جداً من الأهمية. لو لم تكن في بلادنا انتخابات و ديمقراطية و مشاركة جماهيرية و إرادتكم المتفجرة أيها الشعب في وسط الساحة، اعلموا أن هذه الثورة ما كانت لتستمر حتى لسنة واحدة، و لما استطاعت الصمود بوجه حتی هجوم سياسي واحد أو حظر اقتصادي واحد. أنتم كنتم الخندق الأصلي.الانتخابات مظهر مشاركة الشعب. و المشاركة في مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن أحد مظاهر التواجد الجماهيري. الأعداء و الأجهزة الاستكبارية تخاف من انتخاباتكم و من مظاهراتكم في الثاني و العشرين من بهمن. لذلك يوظفون كل طاقاتهم لكي يسلبوا الشعب و البلاد الانتخابات و المشاركة الجماهيرية و الأصوات الحرة و تدخل الناس في تقرير مصيرهم. منذ خمسة و عشرين عاماً و هو يبذلون هذه المساعي و يبذلونها الآن أيضاً.تلاحظون و تسمعون اليوم أن ثمة سجالات بين الأجهزة التنفيذية و الإشرافية حول قضية الانتخابات، و قد كانت موجودة دوماً. من البديهي أن تقع اختلافات بين الجهاز المشرف و الجهاز المنفذ بشأن بعض الأمور. هذا ليس بالشيء الجديد، لكن الأعداء يبرون أنيابهم و يفرحون و يضخّمون القضية، و البعض في الداخل يقعون في شراك حيلهم.من يسمع الإعلام العالمي - يكتبون لنا على الورق في كل يوم ما يشبه طوماراً من الإعلام العالمي فنراه و نعلم ماذا يقولون و ماذا يفعلون - سيلاحظ أن كل سعيهم ينصب على نسف انتخاباتنا القادمة التي لم يبق على إقامتها أكثر من خمسة عشر يوماً. هذه هي استراتيجيتهم العامة. يتركز كل جهدهم على عدم إقامة انتخابات في البلاد. أي أن تكون هنا حكومة ديمقراطية من دون مجلس؛ حكومة إسلامية من دون نواب للشعب. ما معنى هذه المساعي؟ معناها قطع الدعم الجماهيري عن النظام. كل همّ المحافل السياسية الأجنبية و سعيها - و أقصد من هم أعداؤنا - و أجهزتهم الإعلامية و المخابراتية اليوم يستهدف هذه القضية. استراتيجيتهم العامة هي أن يهدموا الانتخابات و لا يسمحوا بإقامتها. إنهم منـزعجون ساخطون على الانتخابات بشدة، و يدرون أنها تحول دون مؤامراتهم و خبثهم ضد البلد. لذلك يريدون عدم إقامة انتخابات. هذه هي استراتيجيتهم العامة.حينما تلقون اليوم نظرة على الإعلام العالمي، ترون أن حيلتهم الحالية تعرض في إطار تأجيل الانتخابات! تلك كانت استراتيجيتهم و هذا هو تكتيكهم. و هم يشجعون مسؤولي البلاد و المسؤولين التنفيذيين باستمرار لإقناعهم بأنكم لا تستطيعون إقامة الانتخابات و يجب أن لا تقيموها. الإعلام الأجنبي المباشر و غير المباشر، و الإذاعي، و السياسي، و بكافة صفوفه الأخرى، ينصب على هذه الفكرة.واجب الحكومة و الشعب في إيران هو الوقوف بوجه مؤامرة الأعداء. الانتخابات يجب أن تقام في موعدها - يوم الأول من إسفند - بدون حتى يوم واحد من التأخير. أنا آسف لأن بعض الأشخاص يكرّرون عن غفلة ذات الكلام الذي يطلقه أعداء هذا الشعب. إنهم بإعلامهم و أساليبهم السياسية و حيلهم يشجعون بعض المسؤولين التنفيذيين على الانسحاب و عدم تنفيذ المسؤولية القانونية. و هل تنفيذ الانتخابات و إقامتها حق من حقوق أحد المسؤولين حتى يقول أنا أريد هذا الحق أو لا أريده؟ إنه واجب. الواجب القانوني لأجهزة معينة في الحكومة. عليهم أن ينهضوا بهذا الواجب. إنه حق الشعب. هل بوسع أحد داخل البلاد القول: لأنني لا أستسيغ هذه الظاهرة، أو لا أرتضي هذا المنهج فلن أنفذ ما رسمه لي القانون من واجب؟ و هل يمكن فعل هذا؟ التنصّل من المسؤولية على شكل انسحاب أو استقالة أو غير ذلك هو بالنسبة لهؤلاء المسؤولين مخالفة قانونية و حرامٌ شرعي. و هل يمكن التلاعب بهذا الحق الكبير من حقوق الشعب؟!معظم مسؤولينا، و معظم نواب مجلسنا، و أكثرية مسؤولينا التنفيذيين أناس متدينون محبّون للثورة و مستعدون لخدمة الشعب. لا يذهب البال إلى أن المجلس كذا و كذا. لا، المجلس ركن من أركان النظام. طبعاً قد تكون هناك في داخل المجلس - مثل أي مكان آخر - عناصر مندسّة متغلغلة، تقلب الحقائق، و تعقِّد الأجواء و تلبِّدها على البعض و تدخلهم في عمليات غير مناسبة و غير لائقة. غالبية النواب مستعدون لخدمة الشعب. و هذا هو واجبهم، و عليهم القيام به.. لا بد لهم من الخدمة. الخدمة هي فلسفة وجودي و أمثالي و سائر المسؤولين. نحن خدّام الشعب و شغّالوه. هذا هو مردّ اعتبارنا و سمعتنا، و هو ما قرّره لنا الإسلام. ليس لنا حق في أعناق الشعب، إنما للشعب حق في أعناقنا. بهذه الروح و بهذه النية وقفت هذه الثورة و هذا النظام خمسة و عشرين عاماً، و صمد الشعب كالجبل أمام أعدائه المتآمرين المخادعين خمساً و عشرين سنة. الذين يفقدون هذه الروح، أو يشجعون الآخرين على تركها إنما يخونون الشعب.جميع المسؤولين - سواء في السلطة التشريعية، أو السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية - يجب أن يكونوا مشمّرين عن سواعدهم و متأهبين للخدمة دوماً. و علی المجلس بدوره أن ينهض بواجباته الكبری. هذا واجب شرعي، و واجب قانوني، و واجب أخلاقي و وطني. و على الحكومة أيضاً القيام بواجباتها؛ و السلطة القضائية أيضاً ينبغي أن تقوم بواجباتها. الجميع يجب أن يؤدّوا واجباتهم.البلد يتقدم و الحمد لله بعد تلك الحرب الطويلة، و قد أنجزت أعمال كثيرة و كبيرة. آثار الآفاق الجميلة تظهر تدريجياً، و إذا بالأعداء يريدون فجأة صدَّ هذا التقدم بأساليبهم السياسية، و مؤامراتهم، و مكرهم؛ و هل سنسمح بذلك؟!طبعاً ترتفع هذه الأيام أقوال متنوعة من ألسنة و منابر مختلفة داخل البلاد، بعضها يحزّ في النفس جداً. ينبغي البحث عن الطريق الصحيح. الواقع أن المسؤولين المخلصين يبذلون جهوداً و مساعٍ حثيثة جمة. أنني أشكركم جميعاً. مجلس صيانة الدستور أبدى جهداً كبيراً و سعى كثيراً. هم جديرون بالتقدير و الشكر حقاً. رئيس الجمهورية المحترم و رئيس المجلس المحترم بذلوا جهوداً و أتعاباً كثيرة، و أنا أشكركم أيضاً. و كل واحد من الإجهزة المسؤولة أبدى جهوداً حسنة مناسبة. طبعاً ثمة أشخاص غير قانعين و يريدون بأساليب الفظاظة و الشدة تمرير مشاريعهم. يريدون الضغط على مسؤولي البلاد. تعرّض هؤلاء السادة لضغوط كثيرة لكنهم ثبتوا. أسأل الله لهم التوفيق و أشكرهم لصمودهم و عدم استسلامهم أمام ضغوط مجاميع الضغط و الاستزادة؛ سواء رئيسا تلكم السلطتين المحترمان، أو مجلس صيانة الدستور المحترم.طبعاً، ثمة جدال دائماً، و للجدال سبل حله دوماً. ما من عقدة لا تُحل. هذه العقد الكبيرة و الصغيرة قابلة للحل. استطاعت هذه الثورة طوال السنوات الماضية فتح الطرق المسدودة و التقدم إلى الأمام. ما من طريق مسدود أمامنا بفضل الله و حوله و قوته.نسأل الله تعالى أن ينـزل فضله على هذا الشعب. أنتم الشعب الإيراني بإيمانكم، و إخلاصكم، و عزمكم، و إرادتكم، و تواجدكم مظهر اللطف و الفضل الإلهيين. شملكم الله برحمته و فضله على الدوام، و ساعد الله المسؤولين المخلصين المخدومين، و هدانا جميعاً، و أرضى عنا القلب المقدس لإمام الزمان المنتظر، و حشر شهداءنا الأبرار و إمامنا الجليل مع أوليائهم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة المائدة، الآية 119.2 - سورة التوبة، الآية 100.3 - سورة المجادلة، الآية 22.4 - سورة البينة، الآية 8.
2004/02/03

كلمة الإمام الخامنئي في مصلّى مدينة بم

بسم الله الرحمن الرحيمجئنا لمدينة بم من أجل تقديم العزاء لكم أيها الإخوة و الأخوات في هذه المدينة. و في الأيام الأولى لهذا الحادث المرير وفّقت لتقديم العزاء لأهالي مدينة بم الأعزاء المفجوعين عن قرب. لكن الحقيقة مع أني جئت في تلك الأيام و أوصيت بما يلزم، إلا أن نفسي لم تسكن، لأن مصيبة أهالي بم مصيبتنا جميعاً، و الألم و اللوعة التي نزلت بهؤلاء الأهالي نزلت في الحقيقة بجميع من لهم مشاعر إسلامية و إنسانية. الجانب الآخر للقضية هو واجباتنا. لكلٍّ منا واجبه، و على الناس أيضاً واجبهم. و مسؤولو البلاد أيضاً عليهم واجبهم. مسؤولو المحافظة أيضاً عليهم واجبهم. هذه الواجبات واجبات إلهية، و إنسانية، و وطنية جسيمة، و سوف لن تنتهي بسرعة. لا يزال هناك كثير من العمل لتتحول بم إلى مدينة جديرة بأهالي بم. طبعاً ثمة أشياء يمكن تعويضها، بيد أن هناك أشياء لا يمكن تعويضها ألبتة. أقول لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من مدينة بم: الأشياء ممكنة التعويض ينبغي أن يسعى المسؤولون و أنتم أيضاً لتعويضها. أما الأشياء غير ممكنة التعويض فاحتسبوها عند الله: » و بشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون «.(1) ليس للإنسان ملاذ أفضل من هذا. لو لا ملاذ التوكّل على الله و التعويل عليه في الأمور لحطّمت أعباء المصائب الثقيلة ظهر الإنسان. لهذه القضية بعد آخر. قلت مراراً للأصدقاء الذين تعرضوا لمصائب معينة و أقول لكم: هذه المصائب هي أحياناً بلاء على الإنسان، و هي أحياناً أخرى نعم للإنسان. إذا لم توقظنا المصائب بل جعلتنا نركن إلى الكسل لكان البلاء مضاعفاً. أما إذا وعّتنا المصائب على أنفسنا و ذكرتنا بضعفنا، و تقاعسنا، و غفلتنا، و بعثت فينا الهمّة لترميم هذه الثغرات لتحوّل هذا البلاء إلى نعمة نتمتع بها.أعزائي، هذا معيار و ميزان مهم جداً للمسؤولين و لكم أيها الأهالي أصحاب المصيبة. اعملوا ما من شأنه تبديل هذا البلاء و المصيبة و اللوعة و الألم إلى نعمة إلهية بهممكم و مساعيكم و مثابرتكم، خصوصاً أنتم الشباب، و اعلموا أن هذا ممكن تماماً. مرور الزمن يغطّي الأحزان القديمة بطبقات من النسيان. إذا استطعنا التقدم إلى الأمام مع مرور الزمن فسوف ننتفع من هذا التقدم و العمل. و إذا لم نتقدم لا سمح الله و لم نضاعف عن عزمنا و توكلنا و همتنا و رصانتنا و اتحادنا و تضامننا فسيكون ذلك يوم الندم. الحد الفاصل بين الموت و الحياة لحظة واحدة لا تفرق بين الشباب و الشيوخ. أحياناً يرحل الشباب و يبقى الشيوخ. علينا جميعاً اغتنام الفرصة التي تسمى العمر لكي نعمل بواجباتنا الكبيرة الثقيلة في هذه الفرصة بأقسى ما نستطيع. هذه المصائب يجب أن تقربنا إلى الله و تضاعف من عزيمتنا و إرادتنا.تجولت اليوم في المدينة بعض الشيء و شاهدت مناطقها المختلفة مباشرة. و قبل ذلك كنت قد استلمت تقارير من المسؤولين و ممن طلبنا أن يأتوا إلى هنا و يشاهدوا الوضع عن كثب. لكنني أردت مشاهدة الوضع عن قرب وقد وفقت لهذا اليوم و شاهدت الوضع عن كثب. أنجزت أعمال جيدة جداً. و هناك الكثير من الأعمال الجيدة لم تنجز. اتخذت خطوات مفيدة و لم تتخذ بعض الخطوات التي كان يجب أن تتخذ. في هذه الفترة يتحتم علينا جميعاً بذل كل ما بوسعنا لراحة الأهالي و تأمين احتياجاتهم وفق نظام دقيق صحيح. ما أنجزه المسؤولون لحد الآن قيم جداً. أنجزت أعمال كبيرة. غير أن الحاجة أكثر من هذا و لا تزال النواقص كثيرة. الواجب في هذه المرحلة هو سد هذه النواقص. و في المرحلة التالية كما سبق أن قلنا و قال مسؤولو البلاد و المحافظة يجب أن ترتفع بم من هذه الأنقاض بعزة و فخر و متانة إن شاء الله. هذا منوط بهمّتكم و همة المسؤولين و هو ما سوف يحصل.طبعاً، أوصيكم أيها الأهالي، و انقلوا عني لمن لم يحضروا هذا الاجتماع أن يتعاونوا و يتعاطفوا مع المسؤولين الذين يريدون خدمتكم بكل ما يستطيعون، كي يتمكن المسؤولون من الإصغاء لكلامكم و يطّلعوا على شؤونكم و تستطيعوا أنتم أيضاً مساعدتهم كي ينهضوا بواجباتهم بنحو جيد. المواكبة و التعاطف و التعاون بين الجماهير و المسؤولين نعمة كبيرة جداً. هذا أمر يتعلق بالمواطن التي يرمي فيها الشعب و مسؤولو البلد لهدف واحد. و هكذا هو الحال في النظام الإسلامي. نتمنى أن يزيد الله من هذا التعاطف و المحبة و الثقة بينكم و بين المسؤولين يوماً بعد يوم. ستكون لي اجتماعاتي مع المسؤولين هنا و سأوصي الأصدقاء بما يلزم. و قد تمت في طهران توصيات كثيرة كما تمت البرمجة لهذه المهمات. نتمنى أن يستطيع الجميع العمل بما على عواتقهم.لا نريد أن نتعبكم أكثر من هذا أيها الإخوة و الأخوات في يوم الجمعة. وفقكم الله و أيدكم. و نسأله تعالى أن يضاعف من توفيقكم و توفيق مسؤولي هذه المدينة و هذه المحافظة يوماً بعد يوم، كي نشهد مستقبلاً مشرقاً جداً في مدينة بم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2004/01/15

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء مجلس صيانة الدستور

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً نرحب بالإخوة الأعزاء أجمل ترحيب. لم نلتق بجماعة مجلس صيانة الدستور المحترم سويةً منذ فترة، رغم أننا نلتقي ببعض السادة من أعضائه. ثانياً أشكر جهود الإخوة الأعزاء و أعلم أنهم بذلوا مساعٍ مخلصة حثيثة كثيرة لأجل الانتخابات. نتمنى من الله تعالى و نسأله أن يمنَّ بفضله و يتقبل هذه الجهود و يجزل الأجر لكل الإخوة سواء الذين في المركز أو المتوزعون في كل أنحاء البلاد.جميع الذين يعملون و يجدّون للانتخابات مأجورون عند الله تعالى لأن الانتخابات قضية مهمة حقاً في بلادنا. الشيء الذي استطاع سدّ أفواه أعداء الجمهورية الإسلامية المعاندين اللجوجين و جعل ذرائعهم واهية هشة في أعين الجميع هو مشاركة الشعب و انتخاباته و تدخله في شؤون نظام الحكم. لا ريب أن الدولة الدينية إذا لم تتمتع بهذه الدعامة الكبرى لوجد الأعداء مساحات أوسع لإصدار أحكامهم غير المنصفة.كل من يقوم بواجبه من أجل الانتخابات بإخلاص و لمجرد أداء الواجب فله أجر جد كبير. سواء الذين يعملون في وزارة الداخلية أو الذين يعملون لمجلس صيانة الدستور، أو أعضاء هذا المجلس المحترمون أنفسهم. إذن، مع أن ضغوط العمل كانت كبيرة و ستتضاعف أكثر، و لكن حين يفكر الإنسان بالأجر و الرضا الإلهيين فسيشعر أن الأعمال الكبيرة الثقيلة تسهل عليه و بوسعه العمل بحيوية.حول اختلاف وجهات النظر بين لجان الإشراف و اللجنة المركزية للإشراف و بين وزارة الداخلية - و قد كانت اختلافات وجهات النظر هذه موجودة دوماً - كانت توصيتي الدائمة للجانبين دوماً و لا تزال هو أن يجعلوا القانون ملاكهم و معيارهم. لأن ما يمكن أن يمثل خطاً بارزاً و يحول دون الفوضى النابعة من اختلاف وجهات النظر هو القانون. ليجعلوا خط القانون ملاكهم و يعملوا حسب القانون. إذا كان هذا » انقطع عنه ألسن المعاندين «.. فلا يستطيع المعاندون التذرّع بشيء و العثور على نقطة ضعف و التشديد عليها.حول إحراز الأهليات كانت لنا فيما سبق تداولات عديدة مع حضرة الشيخ » جنتي « و كذلك مع غيره من الأعزاء. ما يخطر ببالي حول قضية إحراز الأهليات هو أن هذا الإحراز من واجب مجلس صيانة الدستور و لا بد له من إحراز الأهليات، و هو من واجب وزارة الداخلية أيضاً. الذي يتطوع ليخوض في ميدان معين له شروطه و أنتم المسؤولون عن هذه القناة، فمن الطبيعي أن تحرزوا فيه الشروط. و هذا شيء لا يختص بمجلس صيانة الدستور بل يقع على عاتق الجميع. طبعاً لينظر السادة لإحراز الشروط نظرة حتمية، و لكن لا يضيّقوا من دائرة الإحراز كثيراً. أي ينبغي تعيين ما هي الأهلية اللازمة للمجلس. لنرى حقاً ما هي درجة الأهلية اللازمة للمجلس فيما يتعلق بالالتزام بالدستور و الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف و باقي الشروط. يمكن اعتبار هذا الأمر أمراً » تشكيكياً « له درجات متفاوتة من الشدة و الضعف. ليس من الواضح أن نائب المجلس لا بد له من الالتزام الشديد العالي الذي تنال منه أبسط الأمور.. ذاك الالتزام الضروري للقيادة أو لبعض الشخصيات الرفيعة الأخرى. المجلس بحاجة إلى درجة معينة من هذه السمات و الشروط نسميها الأهلية. ينبغي تشخيص هذه الدرجة بنحو صحيح و إحرازها. أحياناً يتموضع الإنسان في أجواء تجعله يتحمس و يطلق كلاماً قد لا يكون صحيحاً و مناسباً، لكنه لا يشفّ عن عدم التزامه بالدين أو بنظام الجمهورية الإسلامية. لنفترض شاباً يعيش أجواء حماسية و قال البعض شيئاً فقال هو أيضاً شيئاً معيناً. أو تفوّه في جلسة من شخصين أو ثلاثة أو خمسة أشخاص من أصدقائه بعبارة حول البلاد و الإسلام قد تكون مقبولة ضمن حوار الأصدقاء حتى لو كانت ناقدة، أو أنه انتقد القيادة أو بعض أسس النظام، و لكن لا يمكن اعتبار هذه الجملة أو الكلام الذي بلغ أسماعنا دليلاً على سقوط أهلية ذلك الشخص. أقول هذا لأشرح معنى عدم تضييق دائرة الإحراز. ثمة شروط يجب إحرازها، لكن مقدار توفر هذه الشروط في الأشخاص قد يختلف، كما أن الأمور الدالة على وجود أو عدم وجود هذه الشروط تختلف أيضاً باختلاف الظروف و الأوضاع و الأحوال.النقطة الأخرى هي أننا نعتبر الإحراز حتمياً، لكن الإحراز اليقيني و العلمي لا يكون متاحاً عادة في مثل هذه المواقف، و كذلك تقريباً الإحراز بمعنى قيام البيّنة. رغم أنّه قيل إن شخصين أو ثلاثة يكفون، و لكن قلما يحدث أن يشهد شاهدان عادلان بخصوص قضية معينة شهادةً عن حس. حدود الظن و الحس قريبة من بعضها في كثير من هذه الأمور، و أحياناً تشتبه الظنيات و الحسيات ببعضها، خصوصاً و أن المجال مفتوح للتفاسير المختلفة في كثير من التصريحات و الأقوال. أي إن الشخص يطلق كلاماً معيناً و حينما تراجعونه يقول إن قصدي كان شيئاً آخر. و هنا لا يمكن إدانته بأن هذا هو ظاهر كلامك. إذا أراد الشخص شيئاً بخلاف ظاهر كلامه، أو أنه لم يتنبه للظاهر في تلك اللحظة لن يكون قد ارتكب مخالفة شرعية. إذن » يمكن « أن يتكلم الشخص بخلاف الظاهر. و إذا كان هذا » ممكناً « دخل الاحتمال و تضعضعت أسس الشهادة عن حس. و بالتالي حين نقول إحراز لا نعني الإحراز العلمي أو الإحراز الشرعي بمعنى قيام البيّنة، إنما المراد الإحراز العرفي الناجم عن القرائن و الأمارات حيث ينبغي قيام قرائن و أمارات و يصل الإنسان للنتيجة باطمئنان عرفي، و قد تكون هناك طبعاً قرائن و أمارات في كلا الجانبين. مثلاً لو قال الشخص كلاماً في مكان ما و قال كلاماً غيره في مكان آخر يعارض كلامه الأول، ينبغي أخذ هذا الأمر أيضاً بنظر الاعتبار ليحرز الإنسان النتيجة من مجموع هذه الأقوال و محصلتها. أي يجب أخذ النقاط التي تثبت الأهلية إلى جانب النقاط التي تدحض الأهلية في ظاهرها.طبعاً لحسن الحظ و كما قال حضرة الشيخ جنتي للقانون مديات و امتدادات منطقية، بمعنى أن القضية تدرس في لجان المدن و المحافظات ثم في اللجنة المركزية خلال واحد و عشرين أو اثنين و عشرين يوماً. و خلال هذه المدة تسنح الفرصة لمجلس صيانة الدستور نفسه كي تعيد هذه اللجان النظر بخصوص ما حدث. هذه فرصة مناسبة جداً و لا إشكال فيها أبداً. طبعاً متى ما اكتشف الإنسان أن شيئاً هو الحق لا إشكال أبداً في أن يقول إن تشخيصنا في ذلك الحين كان كذا، و اتضح لنا الآن شيء آخر، لذلك عدنا عن كلامنا. ينبغي أن لا يصرّ الإنسان ضد ما أدرك و علم أنه الحق.منظومة مجلس صيانة الدستور منظومة جد قيمة و الحمد لله.. إنهم فقهاء و رجال قانون محترمون، و شخصيات أمينة حسنة الصيت و الماضي. عليه تستطيعون حقاً إلقاء نظرة متأنّية و سوف يتم كسب ثقة الشعب. أنا طبعاً لا أوصي أحداً على الإطلاق بالتنازل أو التراجع أمام من يريدون مجابهة القانون. و قد قلت هذه للسادة، و لبعض الذين جاءوني يشتكون. لكنني أوصي مؤكداً أن تحذروا من ضياع حق أحد، لأن رفض الأهلية ليس بالشيء القليل، أي أنْ نرفض أهلية شخص قد يكون مؤهلاً. » الجرح « قضية مهمة جداً. لا أننا نقول: هكذا فهمنا، لا، ينبغي ملاحظة و مراعاة كل الجوانب. في بعض الحالات و المصاديق - لا نروم الخوض في التفاصيل - التي عرضت عليَّ قبل يومين أو ثلاثة و رأيتها لم يكن قد توفر هذا المعنى و ما يتوقعه الإنسان. ينبغي أن تحاولوا إتقان ما تفعلونه. قلت دوماً للأصدقاء الأعزاء المحترمين في مجلس صيانة الدستور إن على الإنسان اختيار موضع أقدامه رصيناً قوياً ليقف عليه، إذ لا ينبغي أن تكون الأقدام متزلزلة و يجب أن لا تبقى أية شبهة مخالفة أو تجاوز للقانون أو تقصير في تطبيق القانون.الناس يرغبون في المشاركة في الانتخابات و سيشاركون إن شاء الله و هم يحبون الانتخابات و سياق إحراز الأهلية و تشخيصها هذا موجود في كل مكان من العالم و لا يختص بإيران أو مجلس الشورى الإسلامي. في كل مكان حينما يكلّف الإنسان بمهمة تعيين مسؤول، فسوف يبحث و يحقق بالتأكيد هل يتمتع هذا الشخص بالأهلية أم لا. و لا علاقة لهذا بأن يكون الموضوع مجلس الشورى الإسلامي أو سواه. إذن، القضية قضية عادية يُعمل بها في كل مكان من العالم و لدى جميع عقلاء العالم. لنفترض شخصاً يُطرح على المجلس لتولي مسؤولية معينة؛ لن يمنحه المجلس أصواته اعتباطاً، إنما يحقق و يبحث و يدرس ليتأكد من عدم وجود نقطة ضعف في هذا الشخص. و إذا لم يستسغه سيرفضه. لا يمكن مؤاخذة المجلس على رفضه هذا، لأن المجلس لم يحرز أهلية هذا الشخص. و عين هذه الحالة تصدق أيضاً على نواب المجلس. إذن، السياق سياق عادي و الشعب يوافقه و الدستور أيضاً يؤكده. واجبي أنا و أنتم هو أن نحاول القيام بالواجب القانوني بدقة، و إتقان، و بمراعاة أحوال الذين نتعامل معهم. أي يجب أن لا يقع ظلم على أحد و لا يغمط حق أحد. أصحاب الأصوات الفظة و الجميع يسمع أصواتهم لا أهمية لهم في رأيي بقدر أهمية الأستاذ الجامعي الذي يكتب على سبيل المثال رسالة شخصية لحضرة الشيخ جنتي بأنهم قد رفضوا أهليتي و الحال أن هذه هي سوابقي و سماتي. أنا أشفق على مثل هذا الشخص و من يكون خارج الأضواء و يهمل حقه لا سمح الله و ترفض أهليته، و الحال أن أهليته ممكنة الإحراز بنحو عقلاني و عرفي و بالقرائن الدارجة. ما يقلقني هو أن تقع مثل هذه الأمور. الفرصة الآن سانحة و الحمد لله. انظروا في ملفات الأشخاص واحداً واحداً بدقة. طبعاً قد تكون للبعض سابقة تجعل الإنسان يؤيّد وفقاً للقرائن المتوفرة لديه أن تلك السوابق - غير الإيجابية - انقطعت عن صاحبها الآن. لذا ينبغي تقييمه بحسب حاله الراهن.و بخصوص نواب المجلس أرسلتُ إلى حضرة الشيخ جنتي - و أنا مصر على هذه الفكرة و اعتقد أن لا شبهة فيها أبداً - أن هذا الموطن هو موطن استصحاب طالما لم يثبت خلافه. أي لا تقولوا إننا لم نكن متيقنين في ذلك الحين، لا، احملوا على الصحة. حينما تشكّون في عملكم - حينما كنتم - و في عمل الآخرين - حينما لم تكونوا - احملوا على الصحة. الذين تقدموا للترشيح تقدموا بإحراز إلا إذا ثبت خلاف ذلك. إذا ثبت خلافه فلا تصغوا لكلام أيٍّ كان و أعملوا بما ثبت لديكم. أما إذا لم يثبت خلافه فهذا إحراز استصحاب و لا حاجة أبداً لأن يحرز المرء هذه الأهلية عن طريق آخر. في رأيي يمكن العمل بهذا في خصوص نواب المجلس. طبعاً يختلف الحال بالنسبة للشخص الذي ثبتت عدم أهليته بعد إحرازها، و لا كلام في ذلك، و لكن طالما لم تحرز عدم أهليته فالموطن هنا موطن استصحاب الأهلية. كان مؤهلاً في ذلك الحين و استصحبوا أهليته الآن. و حينما تكون في القضية شكوك استصحبوا أيضاً. هذا يختص بالنواب الذين تم إحراز أهليتهم في الدورة السابقة. طبعاً كان ثمة أشخاص في الدورات الأسبق إذا رفضت أهليتهم في الدورة السابقة فلن يكون الوضع هنا وضع استصحاب، أما إذا كان هناك أشخاص صعدوا إلى المجلس في الدورات الماضية ثم لم يرشحوا أصلاً فسينطبق عليهم هذا الكلام.الطريق طريق سالك و ليس بصعب. البعض يحاول تصعيب الأعمال السهلة و لا يتبع سبيل القانون في أمور لها طرقها القانونية.. لا.. لهذه المسألة طريق قانوني و قد بدأت مسؤوليتكم القانونية الرسمية لتوّها و بوسعكم العمل و المتابعة. لا يبدو أن ثمة أي مشكلة في هذا الجانب.على كل حال، نحن ندعو لكم، و نعلم بصعوبات عملكم. مثل هذه الأعمال التي تصطبغ بصبغة القضاء و التحكيم تتعرض للهجوم دوماً. أحد الشخصين في القضاء سيطعن في الإنسان بالتالي. هذه حالة حتمية و على الإنسان إعداد نفسه لمثل هذه الأمور. كلما كانت هذه الضغوط أكبر كلما ازداد أجركم عند الله تعالى. لا تتحاشوا هذه الأمور كثيراً فهي موجودة على كل حال. ينبغي الكفاح و الجهاد في سبيل الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية المقدس و لبناء هذا الصرح الشامخ المتين الذي يمثل أمل مستقبل الأمة الإسلامية و هو اليوم أيضاً مصدر أمل للأمة الإسلامية. و ينبغي الصبر على المشاق و الصعاب. ثمة صنوف شتى من الصعاب و هذه إحدى الصعاب و هي ليست الوحيدة طبعاً. ستتحملون هذه الصعاب إن شاء الله و سوف يوفيكم الله أجوركم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2004/01/13

كلمة الإمام الخامنئي في محافظي البلاد

بسم الله الرحمن الرحيملستُ مصرِّاً أبداً على أن أقول شيئاً في هذا الاجتماع. أنتم تعرفون كلامي و آرائي في الغالب. الآراء التي أذكرها في الجلسات العامة و تبث. و هي نفسها التي أطرحها على المسؤولين أو حين أتحدث لعموم الشعب. إذن، أنتم تعرفون آرائي. و لكن أريدَ لهذا الاجتماع أن تتحدثوا أنتم بمقدار معين و أتحدث أنا بمقدار معين. نتمنى أن يرضى الله عن كلامكم و كلامنا و يتقبله منا و منكم.أنا طبعاً راض عموماً عن المحافظين في حدود ما شاهدته عن البعض عن قرب أو سمعته عن البعض الآخر. اعتقد أن هذه المنظومة منظومة صالحة. و في المحافظات التي زرناها لاحظنا عن كثب أن المحافظين و عوائلهم أناس مؤمنون مثابرون حقاً، و بعضهم حسنوا الأفكار و متوثبون و يعملون. حينما أشاهد بعض هذه المساعي في المحافظات التي أزورها أشكر الله. و لهم في الغالب علاقات جيدة و منطقية و صميمية مع ممثلينا - أي ممثلي الولي الفقيه في مراكز المحافظات - تتسم بالتفاهم. هذا شيء جيد. و التقارير التي يرفعونها لنا بخصوص المؤشرات المذكورة إيجابية في الغالب. حين ينظر الإنسان لبعض المحافظات يرى أن جميع المؤشرات إيجابية. بالطبع، التقارير التي تصلني ليست تقارير المحافظ. إنني استلم التقرير قبل زيارتي. و معلوماتي حول شؤون المحافظة التي أزورها جيدة نسبياً. و بعد ذلك حينما أشاهد الأمور عن قرب أرى أنها جيدة و العمل جيد. إنني أعدُّ هذا فضلاً و لطفاً من الباري، و أرغب في أن يستمر و يتابع.قبل الخوض في القضايا موضع أهتمام بعض السادة، أرى أن هناك أموراً أهم من قضية الانتخابات. الانتخابات لأنها قضية الساعة فهي مثيرة و تلفت إليها الاهتمام رغم كونها قضية عابرة. و ليس مما يعارض توقعاتي أن تهتموا كمحافظين أو كمسؤولين في هذه المنظومة بقضية الانتخابات. و لكن ينبغي الحذر من أن تترك القضايا الرئيسية مكانها للقضايا الموسمية. اعتقد أن قضيتنا الرئيسية في المحافظات حالياً هي: الخطة الرابعة - التي ستتغير على الأغلب تغييرات بسيطة في المجلس - و الأفق الذي تعتمد عليه هذه الخطة و التي وضعت هذه الخطة في سياق الوصول إليه يستدعي أن تشعر كل واحدة من المحافظات بمسؤولية جادة و فورية و دؤوبة من أجل تحقيق هذه الخطة. طبعاً يمكن القول باللسان: نعم، صحيح، لكن الأمر على المستوى العملي صعب جداً و يتطلب الكثير من الجهد. و حين نقول صعب لا نعني أنه مستحيل، لكنه يتطلب بالتالي الحركة و الهمة و غض الطرف عن كثير من الأمور كي يستطيع الإنسان أن يتحرك و يحقق هذا الأمر. أتخطر أنني قلت في خطاب لي بقزوين إن ما فُهم عند تنظيم أفق العشرين عاماً وفقاً للحسابات هو أن هذا الأفق ممكن التحقيق شريطة أن نتحرك و نسعى و تسير المنظومة إلى الأمام.ليس الأشخاص هم المعيار، لا أنا معيار، و لا أنتم شخصياً معيار، و لا الوزير الفلاني أو النائب الفلاني، أو رئيس الجمهورية الفلاني. المهم هو أن تكون حركتنا مؤسساتية. و الذي ينبغي أن يترك آثار أعماله حتى النهاية هو أنا و أنتم الموجودون الآن. وفقاً لهذه القواعد و الأركان سوف تتنظّم و تتقوم مهمات اللاحقين. لا يكون الأمر بحيث نمضي أنا و أنتم بعد عام لحالنا ثم يأتي آخرون و يقولون كان عليهم أن يفعلوا كذا و كذا أولاً لكنهم لم يفعلوا و ليس بوسعنا الآن النهوض بهذا الواجب، و يكونوا صادقين في كلامهم هذا لا سمح الله. اعتقد أن هذه الأمور تحتاج إلى همم.الكلام الذي يقوله المسؤولون في المركز لا أنه غير مهم - بلى، جميع الأعمال في العالم تنطلق من أفكار و كلام، إذن فالكلام مهم جداً - بيد أن هذه الأهمية ترتبط بالطرف الآخر من القضية ألا و هو العمل.. و العمل في أيديكم أنتم المتواجدين في المحافظات. إنني أكرر الآن ذلك الكلام الدائم، فقد قلت ذات مرة إن لدينا بلداً و لدينا وزير داخلية، و كل واحد من المحافظين يعمل في محافظته كما يعمل رئيس الوزراء. و الآن أيضاً أعتقد أن المحافظ يمارس في المحافظة دور رئيس الوزراء. مهمة رئيس الوزراء ليست التنسيق و حسب، مهمتكم الرئيسة الحفاظ على المحافظة و تطويرها و وضعها على رقعة حركة البلاد و تنميتها و عمرانها. يجب أن تستقر محافظتكم في موضعها كي تكتمل هذه الخارطة. إذن تواجدكم و نشاطكم و جهودكم الجادة في المحافظة فوق كل الأمواج السياسية و غير السياسية العابرة. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية وأريد التشديد عليها.ينبغي أن تلتفتوا للخطة و تتابعوها بدقة. أنتم في كثير من الأحيان كطفل يرضع اللبن من ثدي أمه. هذا ليس تجاوزاً عليكم أن تُشبَّهوا بالطفل، و لا تجاوزاً على الحكومة حين تُشبَّه بالأم. يمكنكم سحب الإمكانيات الموجودة لقطاعكم و اجتذابها إليه. و طبعاً أضيف هنا نقطة أخرى هي أنني لا أوصي اطلاقاً بالتفكير المحافظاتي الذي ينظر للمحافظة كجزيرة مستقلة. نعم، اعتقد أن مسؤول أي قطاع و رئيسه سيحمد حينما يتصدى بقوة و يدافع عن قطاعه. قبل سنوات وقع لأحد الأصدقاء و كان مسؤول أحد القطاعات الرياضية في البلاد وقع له خلاف مع القوات المسلحة و جاء إليَّ لمعالجة الخلاف. دافع دفاعاً شديداً عن قطاعه. قلت له إنني أغتبط لدفاعك هذا عن قطاعك و متابعتك المشوقة الدؤوبة للعمل. سوف لن أوافق كلامك بالتأكيد لأنني لا أعطيك الحق، لكنني أغتبط و أفرح لطريقتك هذه. الحق أنني أفرح لدفاع المحافظ عن محافظته بكل جد و شوق و حميّة. و لكن لا نخال أن هذه المحافظة جزيرة مستقلة، لا، المحافظات ينبغي بتعبير ما أن تتكاثر، أي أن تحافظ على بعضها و تساعد بعضها. كل محافظة جزء من منظومة البلاد؛ هذا ما أوصي به بكل جد. سيروا ضمن هذا الإطار. من الخطأ أن توزّع الدولة إلى عشرين و نيّف من المحافظات، أو نقسّمها قومياً، أو عقيدياً. تجزئة الدولة خطوة مضادة للدولة مهما كان عنوانها و تسميتها. إنها خطوة لشلّ الدولة. ينبغي أن تكون الدولة متلاحمة كي تستطيع القيام بمهماتها.الكثير منكم كان في أحداث الثورة و تعلمون أن أهم عمل سياسي كان يجري في الداخل في بواكير الثورة هو تجزئة الدولة. لا أقول إن هذه العملية كانت من فعل الأمريكيين منذ البداية، لا، كنا نحن نفعلها بدايةً، نزعاتنا الداخلية كانت تفعلها للأسف. لكنني لا أشك في الوقت نفسه أن أجهزة التجسس و السياسة العالمية في العالم و الساسة الدوليين ليسوا عمياناً، و إذن، لِمَ لا يوظفوا مثل هذه الفرصة الجيدة؟ إذا استطاعوا وظفوها، وإذا استطاعوا زادوا من لهيبها و نيرانها. كونوا يقظين حذرين من الوقوع في شراك تجزئة الدولة. التفرقة و التقسيم و تبضيع الدولة من الأعمال المضادة للدولة.قلت مراراً مع إن الطريق وعر و غير سالك لكنني أراه واضحاً و مستقيما و يمكن السير فيه. و الأمور التي رواها بعضكم أيها الأعزاء عن محافظاتكم تؤيد جميعها هذا الرأي. ليس هناك أي نقص أو شحة في محفزات حركتنا و قوتها. إذن، لا يوجد سبب يجعلنا عاجزين عن التحرك في هذا الطريق الصعب الوعر، و أحياناً الملتوي، فلا نصل إلى القمة. الأفق مشرق جداً أمامنا. طبعاً أسمع أحياناً و للأسف أن بعض مسؤولي البلاد يتحدثون هنا و هناك بكلام ينمّ عن اليأس. اعتقد أن من يفكر بهذه الطريقة قصير النظر جداً، كلا، أركان النظام متينة، و مواهبه الداخلية و إمكاناته عالية جداً. و القوة المتوفرة في أركان النظام و لدى دعامة هذه الأركان - و هي جماهير الشعب - عالية جداً. أنتم ترون تجمّعات الشعب و حركة الشباب. في الزيارات التي أقوم بها لمحافظاتكم تشاهدون هذه الحالة عن كثب. أنتم لا تعيشون شبهة أنه ربما حملوا جماعة من الناس من المكان الفلاني و جاءوا بهم إلى هنا فأنتم حاضرون هنا و ترون ما الحقيقة.. ترون أن الجماهير تعبِّر عن مشاعرها تجاه الثورة. أنا شخصياً غير مهم أبداً. أشكر الله على أن هذا الموضوع في رأيي أنا نفسي أقل أهمية مما قد يبدو لمن ينظرون إليه من الخارج. القضية هي أن هؤلاء يؤمنون بالنظام، و يرونه في إطار منظومة معينة أو في إطارنا أنا و أنتم فيحترموننا. القضية قضية الاعتقاد بالدين. النقطة التي ذكرها السيد محافظ كرمانشاه صحيحة تماماً. الأمر كذلك في كل مكان. أي إن هذا هو اعتقاد الشعب بالمستقبل و بالوضع الحاضر، و بالتحديات التي تواجهها البلاد. الناس تؤمن بالإسلام و الجمهورية الإسلامية. لماذا نستهين بهذا؟ هذه حالة على جانب كبير من الأهمية. حاولوا أن لا تقعوا في شراك أرباب الإعلام ممن يريدون حجب هذه الحقيقة عنّا.الحق أن السلطة بأيدينا أنا و أنتم ليست لنا شخصياً، و لا لحزب أو فئة معينة، و لا لتيار بحد ذاته، إنما هي للنظام. و القدرات و الصلاحيات التي لدينا أنا و أنتم تعني مسؤولياتنا و واجباتنا. ليست لدينا أية صلاحيات خارج نطاق المسؤولية و الواجب، و إذا عملنا خلافاً لهذا سنكون - سواء أنا، أو أنتم، أو الوزراء، أو النواب - مسؤولين أمام الله و سنسقط عن التأهيل تلقائياً. ما سمعتموه من أن القيادة إذا خالفت فستسقط عن القيادة من تلقاء نفسها سواء عزلها أحد أم لم يعزلها - أي كل كلام أو تصرف أو فعل أو ترك فعل تمارسه خلافاً للشرع - يصدق عليكم جميعاً و على كافة مسؤولي النظام. إذا خالفنا لا سمح الله المسؤوليات التي قررها لنا الإسلام و الإيمان و الشريعة فسوف نسقط عن الاستيعاب و التمكُّن اللازم، كالماء الذي يخرج عن حالة الكُر، وعندئذ لن يكون جديراً بالاعتصام.ما الذي ينبغي فعله في ضوء هذه النقاط؟ جميع محافظات البلاد جزء من إيران، و إيران خصوصاً في الوقت الراهن بلد مظلوم حقاً. إننا نتعرض للهجمات بجريرة إننا نريد أن نكون مستقلين و نقف على أقدامنا و نعتمد على شعبنا. هذا هو أساس العداء الذي يحاك ضدنا. الذين ينسجون الذرائع يعتقدون أن هذه الذرائع ليست حقيقية بل واهية. ينبغي أن لا نسقط في هذا الشراك و نكون حذرين. الآراء التي ذكرتموها أيها السادة جيدة و ملفتة للنظر. طبعاً بعض أنماط المنطق التي طرحت كانت ضعيفة. أي منطق أن يقال مثلاً إنهم رفضوا مدّع عاماً؟ و هل هذه حجة؟ قيل بماذا سنجيب الناس؟ قولوا للناس إن هذا أمر جيد جداً. جهاز الإشراف جهاز صالح جداً و من الخير أن يقول بائع اللبن عن لبنه إنه حامض. كل باعة اللبن في العالم لا يقولون عن لبنهم إنه حامض أما باعة اللبن هنا فيقولون عن لبنهم إنه حامض. أو قيل إنهم رفضوا فلاناً و هو مراسل في العراق. هذا ليس منطقاً يمكننا التفكير على أساسه، لكن كلامكم لافت للنظر. طبعاً إذا حضر السادة من هيئة الإشراف إلى هنا و عقدوا اجتماعاً معي فسوف يتحدثون بأمور ضدكم على الأغلب. أنا لست محامٍ عنهم - لتتضح هذه النقطة - أنا محامٍ عن القانون، و عن دستور البلاد بالدرجة الأولى.الذي أؤمن به هو أنه يجب العمل بالقانون سواء كان ذلك لصالحنا أو ضدنا. الكثير من القوانين التي يصادق عليها في المجلس قد لا تكون مما توافقونه و ترضونه، و الكثير من قرارات الحكومة قد لا تكون مما تستسيغونه أنتم أو أنا. لكننا يجب أن نعمل حتى بالشيء الذي لا نوافقه، و لهذا منطقه. منطقه هو أن القانون السيئ خير من اللاقانون أو خرق القانون. ليس من المنطق أن نقبل القانون حين يخرج حسب رغباتنا و لا نقبله حينما يُسنُّ خلافاً لميولنا و رغباتنا. اعتقد أن القانون هو الذي يجب أن يكون المِلاك. أما من الذي عمل بالقانون و من الذي خرقه في هذه القضية المتنازع عليها فهذا محل اختلاف بينكم و بينهم. كنت أتحدث مع السيد موسوي لاري قبل فترة و أتخطر أنني ذكرت هذه النقطة. أنتم تقولون أشياء و هم يقولون أشياء، و لكن هل يمكن القبول بادعاء أحد الجانبين هكذا من دون بيّنة؟ كلا.إذا وصلت المسألة لمناطق حساسة و احتاجت إلى قرار، و إذا تجاوزت أطوارها القانونية و وصلت للقيادة، فلا شك أنني بأخوض في المسألة و أعمل بما أراه واجبي. و قد حدث هذا لحد الآن. و حدث بشأن الانتخابات و سيكون الحال كذلك في المستقبل أيضاً. لكن هذا لا يعني أنكم إذا وافقتم على صلاحية شخص و رفضها الآخر، أو رفضتموها أنتم و وافقها الآخر، فلا بد أن تتدخل القيادة لتحكم بينكم و بينهم، لا، ثمة قنوات و أساليب قانونية للمسألة. أو مثلاً إذا وافقتم على صلاحية شخص و لم يكن صالحاً و لكن أفلت الأمر منكم و لم تتنبهوا له، فقد أكون أنا ممن يعرفونه و لا يرضون بهذا الشي، و لكن ليس من واجبي أبداً أن أتقدم إلى الأمام و أقبض على هذا الشخص؛ العملية تأخذ مجراها القانوني. أنتم وزارة الداخلية و تقومون بمهماتكم. و مجلس صيانة الدستور و هيئة الإشراف مسؤولون و يقومون بمهماتهم. و طبقاً للقانون من واجبكم أنتم و إياهم أن تنهضوا بمسؤولياتكم. و أيٌّ منكم يعمل خلافاً للقانون، فهناك سبيل قانوني لمنعه. لا أن نقول إننا نرفض عملكم لأننا نعتبره بخلاف القانون، و يقول شخص آخر إننا نرفض عملكم لأننا نراه خلافاً للقانون. القانون واضح و بيّن و لغته جلية و ينبغي العمل وفقاً له.قال بعض السادة طالما وصلت القضية الآن لمجلس صيانة الدستور تعالت الأصوات بضرورة اجتناب التوتر. ربما تقصدون أن مؤسسة الإذاعة و التلفزيون فعلت هذا، و قد تكون المؤاخذة على الإذاعة و التلفزيون واردة. لكنني لست محامٍ حتى عن الإذاعة و التلفزيون. ليعلم الكل هذا و الكثيرون يعلمونه. و لكن لا تنسوا أن البعض يهدد منذ فترة بالتوتر. نعم، حينما تُطلق تهديدات بالتوتر، أقول أنا أيضاً لكم إن التوتر مرفوض تماماً. واجبكم الأول في المحافظة هو الحافظ على الهدوء و الأمن كي تستطيعوا إقامة الانتخابات بصورة جيدة و سليمة و محكمة حقاً. الكثيرون ينتظرون الذرائع كي يثيروا الضجيج و التوتر. و لا شك في أنكم يجب أن تواجهوا هذه المسألة.ليعينكم الله و يوفقكم و يؤيدكم و يشملكم بألطافه و هديه إن شاء الله. كما أننا نتوقع من السادة المحافظين الذين زرنا محافظاتهم في غضون السنة أو السنتين الماضيتين أن يطرحوا علينا ما قد يكتنف عملنا من بطء، أو تلكؤ، أو عراقيل بخصوص الوعود التي قُطعت خلال زيارتنا كي نساعد في معالجتها إذا اقتضت الضرورة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2004/01/11

كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي مدينة قم

بسم الله الرحمن الرحيمنرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من مدينة قم، و بكم أيها الشباب المؤمن و الجماهير المقاومة و الطلبة و الفضلاء المعزّزين من حوزة قم العلمية. يوم التاسع عشر من دي هو بلا شك من أيام الله. كان لهذا اليوم تأثير أساسي في التاريخ من بعده و في مسار الحركة على امتداد الثورة و النهضة. لو لم تُسجل انتفاضة أهالي قم في مطلع هذه النهضة و على ناصية الثورة، لكان من المحتمل جداً أن ينكر ذوو النوايا السيئة تجاه الشعب الإيراني و أعداء الثورة حتى الهوية الإسلامية للنهضة. بهذه الخطوة أضحت قم مظهر الانتفاضة الشعبية الإيمانية، و مظهر الاعتصام بحبل الله، و مظهر » تقوموا لله مثنى وفرادى «(1). إذن، يوم التاسع عشر من دي نقطة انطلاق النهضة و الثورة الإسلامية في إيران.في هذا التحرك التاريخي كان لأهالي قم و للحوزة العلمية المعظمة الجليلة في قم دورها على السواء. لقد أثبت شباب قم و رجالها و نساؤها قبل هذه الحركة و أثناءها أن التزامهم بالإسلام ليس لقلقة لسان، و أثبتت الحوزة العلمية في قم و مراجعها الأجلاء في ذلك اليوم أن بوسعهم توجيه و قيادة الأمواج الجماهيرية الهائلة في هذا المحيط اللامتناهي. هذه ليست بالأمور الزائلة. و اليوم أيضاً لا يزال ذلك الإيمان، و أولئكم الناس، و تلك الحوزة العلمية صامدة راسخة في قم. من هنا، كانت قم و ستبقى المحور الأساسي للثورة. لا ينسى شباب قم دورهم و نصيبهم الكبير جداً. كان ذلك اليوم يوم البدء، و اليوم يوم الاستمرار في الصراط المستقيم. إذا كانت تلك الحركة مهمةً يومذاك، فمن المهم اليوم أيضاً التحلي بالدقة و الاحتياط من أجل عدم الانحراف عن الصراط المستقيم. يقول الله تعالى لرسوله و أصحاب رسوله: » إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا «(2).. أي عليكم أن تصبروا و تستقيموا على هذا السبيل، و لا تضلوا الدرب، و لا تخطئوا الخط الذي يجب أن تنتهجوه، و لا تنسوا الأهداف. هذا خطاب لنا و لكل شعب إيران. حينما يستمر الشعب في طريقه بنفس النية و بنفس العزيمة، و لا يبدي نصباً أو مللاً - و لن يبدي - فسوف تتفتّح أمامه بوابات المدينة الإلهية الموعودة.. مدينة السعادة. بعد انتصار الثورة تركزت كل همم أعدائها و المستكبرين على أنه طالما قد أفلت الأمر من أيديهم الآن، ربما استطاعوا حرف طريق هؤلاء السائرين كما استطاعوا ذلك في نهضة الدستور. انصبت كل الجهود أو معظمها طوال هذه السنوات الخمس و العشرين على هذا الجانب أي على عدم تضييع هذا الخط الإلهي و هذا الدرب الصواب و الصراط المستقيم. طبعاً يتحمل الفضلاء، و الشباب، و الكبراء، و المراجع العظام في الحوزة مسؤولية كبيرة على هذا الصعيد. الجميع يجب أن يساهموا. وعي الشعب، و شجاعته، و روح النقاء و التحرر لديه - و المتجلية و الحمد لله في كل مكان من البلد، و في قم بصورة واضحة - تضمن دوام هذا الطريق.أرى لزاماً أن أذكر بعض النقاط حول كارثة زلزال بم المروعة، ذلك أن مثل هذه الأحداث مذهلة و ثقيلة بالنسبة لكل بلادنا و شعبنا، و ليس فقط للأهالي المصابين المفجوعين هناك. في هذا الحدث لا يمكن نسيان المصيبة و تركها دون استلهام الدروس منها. قضية الكوارث الطبيعية قضية مأخذوة بنظر الاعتبار في الرؤية الإسلامية. إنها مصائب موجودة دوماً و في كل مكان. لا مفر من موت البشر و مصائب الحياة. و لكن ثمة في كل مصيبة دروس ينبغي إتقانها و تعلمها و الحؤول دون تكرار المصائب.ثمة نقطة أقولها للمصابين في مدينة بم ممن فقدوا شبابهم، و آباءهم، و أمهاتهم، و أبناءهم، و أحبتهم، و هذا مصاب جلل عليهم. و النقطة الأخرى أخاطب بها جماهير الشعب. و النقطة الثالثة موجّهة للمسؤولين.ليعلم المصابون في بم أن مثل هذه المصائب الجلل لن تبقى بلا أجر في المعيار و الديوان الإلهي. أجر أية مصيبة يتناسب مع جلل تلك المصيبة و فداحتها، و على أصحابها أن يعتبروا الله جابر قلوبهم المكتوية و ملبّي حاجات أرواحهم المتحطمة. ليتوكلوا على الله. قولة » إنا لله و إنا إليه راجعون «(3) صحيحة .. إنها مرهم و علاج و عزاء لقلوب المصابين. الذي يعلم أن الله تعالى يمنحه مقابل أية مصيبة تحلّ به - سواء المصيبة الطبيعية أو المصيبة المفروضة - أجراً و ثواباً تقر به عينه و قلبه، فسوف يتعزّى بالتأكيد. هذه حقيقة. يقول الله تعالى: » أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة «(4). الصلوات و الرحمة الإلهية على الإنسان صاحب المصاب هي أعظم ثواب له. هذه ليست مجاملات لسانية إنما هي الفيض و الفضل الإلهي على صاحب المصيبة. لذا يقول عز و جل في موضع آخر من القرآن: » هو الذي يصلي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور «(5). الصلوات الإلهية تخرج الإنسان من الظلمات و تهديه إلى النور.. إنها تنتزع الظلمات من الإنسان. هذا هو أعظم مكسب للإنسان المصاب. ليتذكر أعزاؤنا الله في هذا الحدث الجلل و المصيبة العظمى، و ليناجوه و يحتسبوه و يطلبوا منه العون و العزاء، و سوف يمنّ الله تعالى بأجره.و النقطة التي أردت مخاطبة جماهير الشعب بها هي: أولاً قام أبناء الشعب من كل أنحاء البلاد بعمل عظيم في هذا الحدث، مع أنه عمل إنساني، و إسلامي، و تطبيق لنداء الضمير و دعوة الله تعالى للبر و التقوى، لكنه كان في الوقت ذاته خطوة سياسية حيث عرضوا أمام أنظار العالم تضامنهم الوطني و مشاركتهم و تضحياتهم، و أثبتوا أنهم على ثقة بالنظام الإسلامي الذي يتولى مهمة إيصال المساعدات. في الأنظمة الحكومية المنفصلة عن الجماهير، ينـزل الناس بأنفسهم إلى ساحة الإمداد و المساعدة و لا يثقون بالأجهزة الحكومية. و مثال ذلك النظام السابق حيث كنّا نتواجد في المناطق المتضررة و يقدم الناس مساعداتهم لنا دون أن يأبهوا أو يثقوا بالحكومة و الدولة، و كانوا على حق. أما هنا فقد أثبت الشعب ثقته بالأجهزة الحكومية، و التعبئة، و لجنة الإغاثة، و الهلال الأحمر، و مختلف الأجهزة الأخرى، و راحوا يمارسون ألطف و أجمل أعمالهم من خلالها. هذه حركة سياسية كبيرة من قبل الشعب الإيراني. لا تخالوا أن المحللين الدوليين لا يرون هذه الأمور و لا يفهمونها. بلى، كل مظهر من مظاهر التضامن و المشاركة الشعبية من قبلكم تمثل درعاً دفاعياً يحميكم من هجمات الأعداء. حينما يرون الجماهير متواجدين في الساحة هكذا و مستعدين للمساعدة و مدّ يد العون و التضامن سواء بينهم أو بين مؤسسات النظام، سيعلمون أن التمكّن من هذا البلد، و هذا الشعب، و هذا النظام ليس أمراً سهلاً. لذلك أشكر من الصميم مرة أخرى جماهير الشعب على مساعداتهم، و مشاركتهم، و همومهم، و ما أبدوه من عواطف. طبعاً، هذه المساعدات يجب أن تستمر؛ صحيح أن المساعدات العينية لم تعد ضرورية حسب الظاهر و كما قال المسؤولون، لكن المعونة و المساعدة ضرورية على كل حال، و مساعدات الجماهير من شأنها استمرار هذه العملية إن شاء الله.المسألة الأخرى التي أود أن أذكرها للجماهير هي أن هذه المصائب الطبيعية حصيلة و ثمرة أعمال البشر أنفسهم. إنها بلاء نجبله على أنفسنا بتقصيرنا و تساهلنا. لو شعر الشخص الذي يتولى بناء منازل الناس بالمسؤولية و عمل بصورة جيدة، و علمية، و مخلصة، فإن الزلزال إما لن يكون له ضحايا و خسائر أو أن الخسائر لن تكون بهذا المقدار. نتيجة التقصير هي هذه الخسائر الفادحة، و وفاة عدة آلاف من الأشخاص و بقاء لوعتهم في قلوب شعبنا. ينبغي الشعور بالمسؤولية جداً. الذين يبنون الأبنية، و الذين يبيعون البيوت للناس، و المسؤولون عن الإشراف على هذه الأمور في مؤسسات الدولة، و الذين يستثمرون أموالهم في هذا المجال كلهم مسؤولون و يجب أن يفكروا في هذه القضية. حينما يتوفر الشعور بالمسؤولية و الواجب تنخفض الخسائر، و حين لا يكون هناك شعور بالمسؤولية تقع المصيبة » فبما كسبت أيديكم «(6).. » ما أصابك من سيئة فمن نفسك «(7). و يذهب ضحية ذلك عدد من الناس الأبرياء المظلومين. إذن، كل الذين يعملون في هذه المجالات يتحملون المسؤولية و عليهم الالتفات لهذه النقاط و تقليل الخسائر.و على المسؤولين كذلك أن يديروا الأمور و لا يسمحوا للبعض بتهديد حياة الناس بسبب تساهلهم و إهمالهم. بم ليست المدينة الإيرانية الوحيدة المعرضة لمثل هذه الأحداث و الأخطار. إنها حالة قد تقع في أية نقطة. المسؤولون و المؤسسات المعنية بهذه الأمور من واجبها التدقيق و مراعاة الضوابط. النقطة الأخرى هي أن الأجهزة المسؤولة ينبغي عليها النهوض بواجباتها في الإمداد و المساعدة على نحو جيد. إننا نشكر الأجهزة المتعددة التي نشطت في هذه الحادثة؛ نشكر الهلال الأحمر، و حرس الثورة، و الجيش، و خصوصاً التعبئة، و لجنة الإغاثة، و الآخرين الذين شاركوا في هذه الساحة و عملوا خلال الأيام المنصرمة في مجالات الصحة، و النقل، و الكهرباء، و الهاتف، و كلهم قام بأعمال جيدة مميزة. بيد أن العمل هناك لا يزال واسعاً جداً. إنني على علم بأن هناك نواقص، و على المسؤولين التنبّه لهذه النواقص، و أن لا يعرضوا الجماهير المصابة مرة أخرى لمصيبة انعدام العدالة و عدم الاهتمام بهم. نحن طبعاً ذكّرنا المسؤولين بهذه الأمور و سنقولها لهم أيضاً. قلنا هذا ليتضح أننا نطالب المسؤولين بهذه الأمور و نرى من الضروري أن ينهضوا بهذه الواجبات الثقيلة.. لا يمكن التغاضي و الإهمال. طبعاً في حادثة الزلزال هذه - و قد كانت مصيبة كبيرة لشعبنا - توفرت فرصة لبعض العابثين السياسيين و المستكبرين، و كانت بالنسبة لهم حدثاً مفرحاً في الواقع كي يستطيعوا المضي في مهماتهم و أغراضهم السياسية، و من هذا القبيل الضجة التي أوجدها الأمريكان. مقابل سيول المساعدات التي انهمرت من أنحاء البلاد بهذا الحجم الهائل الكبير على الأهالي المنكوبين، و كذلك إلى جانب المساعدات الدولية، وصلت مساعدة من جانب حكومة أمريكا المستكبرة للناس طبعاً، و من واجب المسؤولين طبعاً قبول كافة المساعدات و إيصالها إلى مواطنها، و لكن ما علاقة هذا بنسيان العداوات المستمرة المتتالية الدائمية العميقة الأساسية للنظام الأمريكي المستكبر ضد شعبنا و بلادنا و مصالحنا و النظام الذي يحبه الشعب الإيراني؟! لم يثبت ساسة نظام الولايات المتحدة الأمريكية لحد الآن إطلاقاً أنهم قللوا عداءهم للنظام الإسلامي و لشعب إيران حتى بمقدار ذرة، إنما اتهموا و لا زالوا في هذه الحال أيضاً الشعب، و الحكومة، و النظام في إيران بكل وقاحة. يهددون دوماً ويتخذون مواقف حربية عدائية غاضبة، ثم يطلقون من الجانب الآخر بضع كلمات. يخفون قبضتهم الحديدية في قفّاز حريري! لا يمكن غض الطرف عن تلك العداوات و تلك النوايا السيئة. نحن طبعاً لسنا من أهل اللجاجة، بل أصحاب منطق و استدلال. نظام الولايات المتحدة الأمريكية مارس الظلم ضد شعب إيران سنين طويلة، و عارض النظام الإسلامي سنين طويلة، و دبّر شتى صنوف المؤامرات ضد هذا الشعب و النظام الإسلامي. دافع عن الكيان الصهيوني الغاضب رغم كل الجرائم التي يرتكبها ذلك الكيان و يستمر فيها و يضاعفها. مارس و لا زال كل ذلك الجفاء و الظلم ضد شعبي العراق و أفغانستان. يحمل نوايا سيئة ضد النظام الإسلامي و معتقدات الشعب و مصالحه، و تطاول على مصالح بلادنا حيثما استطاع كي يهددها و يعرقلها. يحمل نية العودة المقتدرة إلى إيران و ابتلاع مصادرها المالية و الحيوية. هذا ما يجعل الشعب الإيراني واعياً و غاضباً حيال مثل هذه الحركات الكاذبة. لينبذوا هذه الممارسات جانباً فنحن لسنا لجوجين مع أحد. تهديد الشعب على هذا النحو و إهانته، و الهجوم عليه سياسياً، و السعي لتجزئته، و الضغط عليه اقتصادياً بمختلف الأساليب، و تهديد النظام الذي يحكم ذلكم الشعب و البلد بهذه الصورة، و التحدث بلغة الاستكبار و منطق القوة و الغطرسة، ثم إبداء بسمة كاذبة، هذا يجعل الشعب يمقت هذه الأعمال و يغضب.الشعب الإيراني شعب مستقل، و حر، و ذكي، و يحب هويته الوطنية و الإسلامية حباً جماً، و يمقت كل أنواع التهديد بشدة، و لا يقبل تدخل الأجانب و هيمنتهم. شعب له سيادته و عزته، و كل من أراد التعامل معه بسلام و صداقة و أساليب طبيعية سيلقى شعباً طيباً مرحباً ودوداً. لكن إذا أراد شخص التعامل مع هذا الشعب بمنطق القوة و التهديد و تغيّا الهيمنة عليه و عرض له أنيابه و أظفاره دوماً، فمن المعروف أنه ليس بالشعب الذي يخضع لأحد.اعلموا أيها الشعب الإيراني العزيز - و أنتم تعلمون - أنكم أقوياء مقتدرون. أن يحاول العدو طوال خمسة و عشرين عاماً سلخكم عن هويتكم الدينية و الوطنية و لا يستطيع فهذا دليل قوتكم. مجرد أن يلوذ العدو بالتهديد فهذا مؤشر على قوة الشعب الإيراني. ضاعفوا من هذا الاقتدار يوماً بعد يوم و أثبتوا أنكم متواجدون في الساحة. كل شعب يترك الساحة و يُخلي الأجواء السياسية، و الاقتصادية، و الثقافية لبلاده، فإن الانتهازيين و الأجانب سيهبّون فوراً نحو تلك الأجواء و يستولون عليها و يشغلونها. أمسكوا على بلادكم فهي لكم. إيران لكم و ليست لأيٍّ غيركم. حافظوا أنتم على هذا البلد و هذا النظام بإيمانكم، و عزيمتكم، و وحدتكم، و القدرة التي منحها الله لكم.الانتخابات على الأبواب. المساهمة في الانتخابات من أقوى الأدوات التي يمكن لهذا الشعب أن يستخدمها كدرع فولاذي أمام هجمات الأعداء و النوايا السيئة و القلوب المريضة للمستكبرين و الفضوليين. الانتخابات مهمة جداً. ما طلبته من الله تعالى في الانتخابات و أدري أن شعبنا العزيز يريده أيضاً هو أن تقام الانتخابات بحماس، و نزاهة، و قوة، و بمشاركة الشعب، و سيوفق الله تعالى شعبنا إن شاء الله لينتخبوا نوّاباً صالحين مقتدرين كفوئين و يبتعثهم للمجلس. مجلس الشورى الإسلامي من أهم أركان النظام. إذا كان في المجلس نواب مؤمنون، مخلصون، مقتدرون ، فسيكون بوسعه حلّ الكثير من العقد. القضية الأبرز التي أتوقع الاهتمام بها هي الانتخابات، و هي طبعاً ساحة تنافس و على الأشخاص أن يتنافسوا تنافساً نزيهاً سليماً. كل من يؤمن و يلتزم بهذا النظام يمكنه المشاركة في ساحة الانتخابات. الذين يرفضون هذا النظام و الدستور من الخطأ صعودهم للمجلس، و عليهم هم أنفسهم أن يعلموا أن صعودهم للمجلس خطأ في نظر هذا الشعب. واضح أن الذين يرفضون هذا الدستور و هذا الشعب و أعماله و شعاراته و طريقه و أهدافه يجب أن لا يصعدوا للمجلس. أما الذين يؤمنون بالنظام و الإسلام و الدستور و الإمام فعليهم المشاركة في ساحة التنافس؛ التنافس السليم طبعاً و ليس التنافس اللجوج العنيد. و هذه التيارات و الخطوط و الأحزاب لا اعتبار لها في رأيي. البعض لا يكابد لوحده و حسب، بل يحاول أيضاً الإيحاء بأن القيادة و أجهزة النظام داخلة في شجاراتهم الفئوية! هذا غير صحيح. أنا لا أعرف حزباً أو شخصية؛ أعرف أن من يصعد لنيابة المجلس يجب أن يكون إنساناً متقياً. التقوى هي الشرط الأول: » إن أكرمكم عند الله أتقاكم «.. و يجب كذلك أن يكون نصيراً للضعفاء و الفقراء، و يعلم أن هناك في البلد فقر و أن تنصب همته و مساعيه علی معالجة الفقر. و يجب أن يكون خصماً للفساد، أي معارضاً بشدة و بجد و بنحو أساسي و ليس على سبيل الكلام للفساد المالي و الاقتصادي كي يكافح الفساد. طبعاً ينبغي أن يكون أيضاً قديراً، و مخلصاً، و عالماً. تقوم الصلاحية على هذا الأساس و على مسؤولي الأجهزة المختلفة - وزارة الداخلية، و مجلس صيانة الدستور، و المؤسسات و الأجهزة العاملة تحت إدارة هذه المراكز - أن يجعلوا القانون معيارهم، فقد تم تخمين هذه الأمور في القانون.إذا تمت مراعاة القانون بنحو دقيق و دون تحيّز لتيار، أو جماعة، أو حزب معين، فسوف يتحقق ما نصبو إليه. يجب على أجهزة الحكومة التدقيق لممارسة دور الحكم. للحكم في المباريات الرياضة دور محدّد. أيّ من الفريقين المتسابقين فاز يكون الحكم الذي مارس دور التحكيم بشكل جيد هو الفائز، أما إذا مال الحكم نحو أحد الفريقين - مال نحو هذا التيار أو تلك الفئة - فسواء فاز ذلك الفريق أو خسر، يكون الحكم قد خسر. لتحافظ أجهزة الحكومة على دورها التحكيمي و لتحذر من الميل نحو هذا الحزب، أو ذاك، أو هذا التيار، أو ذاك الخط. يجب أن يراعوا القانون بمنتهى الإخلاص و سوف يكون كل شيء صحيحاً، و سيمتلك الشعب القدرة على الانتخاب. طبعاً حين يعرَّف البعض للشعب كمرشحين للانتخابات فمعنى ذلك أنهم يحظون بالصلاحية، فهذا التعريف هو إمضاء صلاحيتهم. يجب أن تدقّق الاجهزة المعنية لئلا يكون هذا الإمضاء اعتباطياً أو كاذباً. فهذا كذب على الجماهير. إنه رفض للإنسان الصالح و قبول للإنسان غير الصالح. كلا الحالتين سيئ و خلاف الواقع. لتحذر المؤسسات و الأجهزة المعنية من وقوع هذه المخالفات إلى أن يحين يوم الانتخاب إن شاء الله و ينظر أبناء الشعب و ينتخبوا بفكر حر و تصويت صائب فيختاروا عن معرفة الشخص الذي يعتبرونه أصلح و يبتعثونه للمجلس. المجلس المعتبر و القويم السمعة يمكن أن يكون مفيداً جداً للبلاد.نتمنى أن لا يقطع الله تعالى فضله، و نعمه، و رحمته عن هذا الشعب، و كما أعان الحولُ و القوة والإرادة الإلهية هذا الشعب دوماً طوال هذه الأعوام المتمادية، فسيكون الوضع كذلك في المستقبل أيضاً إن شاء الله، و يكون الجميع مشمولين بالأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله أرواحنا فداه.و السلام علكيم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة سبأ، الآية 46.2 - سورة فصلت، الآية 30.3 - سورة البقرة، الآية 156.4 - سورة البقرة، الآية 157.5 - سورة الأحزاب، الآية 43.6 - سورة الشورى، الآية 30.7 - سورة النساء، الآية 79.8 - سورة الحجرات، الآية 13.
2004/01/07

كلمة الإمام الخامنئي في المزارعين و العاملين في الجهاد الزراعي

بسم الله الرحمن الرحيمنرحب بالعاملين في شؤون الزراعة في البلاد - سواء المسؤولون و المدراء أو المزارعون - و أبارك لكم فرداً فرداً هذه الولادة السعيدة(1).زلزال بم كان حدثاً مؤلماً خصوصاً بالنسبة للقطاع الزراعي، لأن الكثير من الإخوة و الأخوات الطيبين المؤمنين الذين خسرناهم أو الذين عمّهم المصاب كانوا ممن يعملون في الزراعة و البستنة و الأنشطة الأخرى المماثلة. نتمنى أن تكون هذه الأحداث و المصائب سبب حركة فينا، و تخرجنا من الغفلة التي كنا نعيشها بخصوص شؤون إدارة حياتنا و حياة الجماهير، و تمهد الأرضية لنـزول الرحمة الإلهية.المؤسسة الزراعية مهمة جداً لبلادنا، ذلك أن الأمن الغذائي على جانب كبير من الأهمية لبلد كبير و كثير السكان و ذي أهداف بعيدة الأمد. من هنا كان قطاع الزراعة و التدجين قطاع استثنائي خاص يجب على الجميع العمل من أجله. و قد جرى التشديد في الإسلام على الزراعة عن وعي و تفطّن. يروی حديث عميق المعنى و المضمون حول المزارعين يقول: » الزارعون كنوز الله في أرضه «. أي إن الفلاحين هم من يحصدون كنوز الله في الأرض و يستخرجونها. أهم كنوز الله في الأرض و التربة هي المواد التي تتواصل بها حياة الإنسان و الحيوان. هذا أهم من الذهب و النفط. الذهب و النفط وسائل للحصول على ما نحتاجه في حياتنا، أما المحاصيل الغذائية فهي أهم ما نحتاجه في حياتنا. أقول هذا من أجل أن يتنبّه جميع العاملين في البلاد و لا سيما مسؤولو وزارة الجهاد الزراعي - و كما قيل و تكرر منذ أول الثورة - إلى أن الزراعة من أهم محاور التنمية في البلاد. الزراعة ليست أمراً هامشياً. الاهتمام بالصناعة - و هو حالة ضرورية - ينبغي أن لا يهمِّش حالة الاهتمام بالزراعة. الزراعة هي الأساس و الركن والبنية التحتية. لهذه العملية مقدمات ينبغي اجتيازها و تنفيذها. و قد بذل المسؤولون جهوداً مناسبة على هذا الصعيد.اكتسبت جميع المساعي في نظام الجمهورية الإسلامية و بفضل الثورة الإسلامية سرعة و كفاءة مضاعفة. ما منحته الثورة الإسلامية لشعبنا هو الثقافة الجهادية. الثقافة الجهادية لها دورها في جميع المجالات و الميادين، و في مجال العمل للبنى التحتية الزراعية و التدجينية و ما إلى ذلك نزلت الروح و الثقافة الجهادية إلى الساحة منذ بداية الثورة. صرّح بعض أصحاب الرأي حول الثورات في العالم أنها تفقد حيويتها و تحركها و تقدمها بعد أن تنتصر، وتتحول إلى أجهزة متوقفة لا حراك فيها. قد يكون الواقع على هذا الغرار في بعض الثورات - لا نصدر أحكاماً حول تلك الحالات - و لكن بخصوص ثورتنا لوحظت ظاهرة أسقطت شمولية هذه الفرضية فكانت خاطئة في هذا النموذج. فالثورة نفسها أفرزت أجهزة تنطوي في ذاتها على الحركة والتدفق الثوري الجهادي السريع. و من هذه الأجهزة جهاز جهاد البناء، و منها جهاز الحرس الثوري، و منها أيضاً قوات التعبئة. هذه أجهزة لم يكن لها شكل إداري ثابت متوقف متحجر جامد. صحيح أنه كان فيها نظام و هيكلية و مراتب، لكن ظاهرة الحركة، و التقدم، و القفزات التي كانت في الثورة كانت في هذه الأجهزة أيضاً، و قد لاحظنا آثار ذلك في الخارج أيضاً. لاحظتم التعبئة و الحركة الشعبية في دفاع السنوات الثماني. شاهدتم روح الجهاد في ساحة العمل و البناء و التقدم، و هو ما لم يبق مقتصراً على جهاد البناء طبعاً. ترسخت هذه الروح في العديد من الأجهزة. و تلاحظون هذه الروح اليوم في إيصال المساعدات لمدينة بم. لا تتوفر هذه الروح في كل مكان في العالم. العاطفة و التعاون و التحرّق للمنكوبين بالمصاب - و هو ما تشترك فيه البشرية كلها - شيء، و التدفّق، و الحركة، و النشاط، و النـزول إلى الساحة للخدمة من دون أية تراتبية أو أعراف خاصة شيء آخر، و هذا ما لوحظ في إيران.. نزل الناس إلى الساحة و تحركوا و نشطوا. شاهدت في سنوات ما قبل الثورة أحداثاً كالزلازل و السيول عن قرب. ذهب بنفسي للعمل في الإمداد و قدمت الخدمة. روح التحرك العام، و التحرّق و الإخلاص، و الدخول إلى ساحة العمل و الإبداع، و هذه المساعدات الوفيرة، حالات تختص بشعب تعتمل في فؤاده الحركة الجهادية و التدفق الجهادي. إنها نفسها الروح التعبوية خلال فترة الدفاع المقدس.. و هي نفسها روح بناة الخنادق و لا خنادق لهم من أبناء جهاد البناء الذين كانوا يغتسلون غسل الشهادة و يعتلون البلدوزرات كي يصنعوا الخنادق و السواتر الترابية. علينا الحفاظ على هذه الروح. و هي روح لا تتعارض إطلاقاً مع العمل العلمي و النظم الإداري، بل و تزيد من العمل العلمي.أقول لكم إننا حققنا تقدماً علمياً و بحثياً كبيراً جداً في المضامير المختلفة، و قد شكّل الشباب الثوري المؤمن العماد الرئيسي للتقدم في هذه المضامير. هم الذين ملأوا الساحة و اجتازوا بهذه الروح الكثير من المنعطفات و العقبات التي واجهتهم في بحوثهم و مشاريعهم العلمية. أجل، المعنوية تضاعف من العمران حتى في دنيا الإنسان، لكنها تجعلها دنيا سليمة. حيثما تغيب الثقافة الجهادية و تسود الثقافة المادية يكون كل إنسان لوحده محور كل أحداث العالم. يريد الربح لنفسه و يدفع الضرر عن نفسه. هذا هو الأساس و الأصل بالنسبة له. لذلك تظهر التعارضات، و انعدام الأخلاق، و غياب الصدق، و العداوات. حينما تتوفر الحركة و الروح الجهادية يذوب الإنسان في الإيمان و المبدأ و خدمة الآخرين و ينسى نفسه. ينبغي تعزيز هذه الروح في المجتمع. حركة الزراعة و الرعي عندنا أيضاً تكتسب ازدهارها الحقيقي بهذه الروح.كما تعلمون فإن الماء في بلادنا ليس بمقدار الأرض. من المعروف أن إيران بلد شحيح المياه، و لكن إذا عملنا بعقل، و تدبير، و روح دؤوبة لا تعرف النصب يمكن الانتفاع من هذا المقدار المتوفر من الماء، فنقوم باحتواء المياه التي تذهب هدراً، و نستهلكها بصورة صحيحة و بدون إسراف. يمكن استهلاك المياه بنحو أمثل عن طريق العمل و التدبير العلمي. الكثيرون قبل الثورة كانت عيونهم على سهوبنا الخصبة. الذين كانوا غرباء عن كل شيء في هذا البلد كانوا قد خططوا لسهل قزوين و سهل مغان، فلم لا نستطيع نحن التخطيط لاستثمار هذه التربة الخصبة و هذه الأراضي التي تفوق بحق أية قيمة مادية؟ يمكن القيام بهذه الأعمال و يجب أن نقوم بها.. إنها ممكنة بالروح الجهادية.البعض يخطئون حين يطرحون النظرة الواقعية مقابل النظرة المبدئية المثالية. الواقعية من وجهة نظر هؤلاء علی الضد من المبدئية. هذا خطأ كبير. لأن المبدئية هي التي تصنع الواقع في المجتمع . المنظومة ذات المبادئ و التي لها أهدافها البعيدة بوسعها تشكيل الواقع و صياغته حسب مبادئها. هكذا تقدم العالم. أنترك المبادئ جانباً بذريعة الواقعية؟! هذا منتهى الغفلة. المبدئية هي صانعة الواقع المنشود الطيب. إذا ثبت الإنسان أو الجماعة أو الشعب و مسؤولوه و الناشطون فيه على المبادئ و لم يكونوا مستعدين للتنازل عنها، و عملوا من أجلها، فماذا سيحصل؟ سيتغيّر الواقع باتجاه المبادئ. هذا هو أكبر واقع و قانون في الحياة. لماذا ينسى البعض هذا؟ كلمة » الجهاد « في بداية عنوان وزارة » الجهاد الزراعي « لها معناها. أي إن العمل يجب أن يجري بروح جهادية. تستطيع هذه الوزارة بل يجب أن تنـزل إلى الساحة بهذه الروح. هذه الأعمال التي ذكروها جيدة و لكن ينبغي العمل كثيراً؛ لا تزال هناك نواقص كثيرة. بعض النقاط التي عرضها هذا المزارع المحترم هنا - أربع عشرة أو خمس عشرة نقطة على شكل مطاليب - ضرورية جداً و لا بد من متابعتها و على وزارة الجهاد الزراعي، و الحكومة، و المسؤولين، و المجلس، و الآخرين تحقيقها.من أهم الأعمال أن تكون هناك سياسات ثابتة باقية تجري متابعتها بشأن الزراعة و المحاصيل الزراعية، و أن تتم مساعدة المنتجين الزراعين و معالجة مشكلاتهم. لا ينبغي أن يمر علينا عام نستورد فيه البصل بسبب شحته و قلته في الداخل، و في السنة التالية حينا ينتج مزارعونا البصل تفسد كميات كبيرة منه في المخازن. بلادنا موهوبة. لاحظتم أن الأمطار في العام الماضي كانت بكمية جيدة و الحمد لله و قد بلغ البلد حد الاكتفاء الذاتي تقريباً في إنتاج القمح. هذا هو ما كنت أشدد عليه و تابع المسؤولون و الحمد لله قضية الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح. طبعاً القمح واحدة فقط من المواد التي نحتاجها، و لا بد من اكتفاء البلد ذاتياً و ثرائه و تمكنه من تصدير منتجاته في سائر المواد الضرورية كالألبان، و الزيت، و اللحوم. علينا متابعة هذه المسألة و هذا أمر ممكن تماماً في رأيي. لدينا سهول واسعة و صالحة. في منطقة بم هذه ثمة سهل واسع و صالح جداً. و في خوزستان هناك سهول واسعة عجيبة ينبغي استحصالها و استثمارها. بلادنا موهوبة من حيث إمكانيات الزراعة فيها، و إذن، لا بد من شحذ الهمم.أقول لكم أيها المزارعون الأعزاء: تابعوا هذا العمل باعتباره عملاً بنّاءً و مؤثراً و مقدساً. و ستعينكم إن شاء الله السياسات التي يرسمها المسؤولون، فيغدو الإنتاج الزراعي كما أشاروا عملية اقتصادية مربحة مشجعِّة على الاستثمار، و يشعر الشعب في ظل هذه الحركة العظيمة بالراحة و الأمن الغذائي و يستطيع البلد النهوض بمشاريعه.و ليعتبر المسؤولون المحترمون في وزارة الجهاد الزراعي خدماتهم عملاً مقدساً. عملهم جد مهم و من أكثر الأعمال إنسانية. و طبعاً سيمنّ الله تعالى بفضله و لطفه، إذ حيثما سعيتم و جاهدتم كونوا واثقين بأن العون الإلهي سيحوِّم فوق رؤوسكم و يظلكم. نعم، إذا تكاسلنا، و قعدنا جانباً، و حسبنا حسابات غير صحيحة و خُدعنا فسيسلب منا العون الإلهي. عندئذ ينبغي أن لا نشتكي الله و نقول لِمَ لم تساعدنا يا رب. يجب أن نشتكي أنفسنا و نلوم أنفسنا. أصحاب الجهود المؤثرة إذا نزلوا لساحة العمل و الجد و استخدموا إرادتهم و فكرهم و أرواحهم و أجسادهم فسيهبط عليهم العون الإلهي بلا شك.نتمنى أن ينـزل الله تعالى فضله على شعبنا و بلدنا، و أن تشملكم جميعاً أدعية سيدنا بقية الله أرواحنا فداه. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش1 - ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).
2004/01/03

كلمة الإمام الخامنئي لأهالي مدينة بم بعد تعرضها لزلزال أرضي

بسم الله الرحمن الرحيمإنها لمصيبة جسيمة و كبيرة جداً. لستم وحدكم أهالي بم الأعزاء أصحاب المصيبة في هذا الحدث، إنما يشارككم هذا الحزن الكبير جميع شعب إيران و كل مسؤولي البلاد. كم من الأرواح الحبيبة أزهقت في هذا الحدث المرير، و كم من القلوب اكتوت في هذه المصيبة، و نحن أيضاً اكتوينا و فجعنا مثلكم في هذه المصيبة. مسؤولو البلاد يشاطرونكم الآلام. إنني أعزي من صميم قلبي و بكل كياني جميع العوائل و الإخوة والأخوات الذين فقدوا أحبتهم في هذه الحادثة، و أعزي الشعب الإيراني.و أقول لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من مدينة بم إن هذه المصائب ابتلاءات و امتحانات إلهية. إنها مُرّة، و صعبة، و مفجعة - لا شك في هذا - و لكن يخرج الله تعالى أحياناً من أعماق هذه المصائب و المرارات بركات كبرى لشعب من الشعوب أو لجماعة معينة من الناس. في هذه البلايا العصيبة تنضج أرواح الناس و يرتفع مستوى اقتدارهم و عزيمتهم و صبرهم.أعزائي، أهالي بم الأعزاء و كل الذين أصيبوا و خسروا في هذه المنطقة. يمكن مقابل هذه المصائب القيام بما يبدل المصاب إلى حدث إيجابي. يمكن بالعزيمة والإرادة و العمل و التصميم محو آثار المصاب من الحياة نهائياً. هناك العديد من الشعوب بدأت عظمتها و حيويتها و نموها من أعماق الخرائب و المصائب. خصوصاً أنتم الشباب يجب أن تعقدوا العزم و الهمة. يجب أن تزيدنا المصائب و الابتلاءات و الامتحانات الإلهية قوةً. أشكر طبعاً جميع المسؤولين الذين وصلو إلى هذه المنطقة منذ اليوم الأول و من الساعة الأولى. الإخوة في الحرس، و الجيش، و التعبئة، و الهلال الأحمر، و القطاعات المختلفة في الحكومة بذلوا مساعداتهم سواء في إنقاذ المصابين، أو في إمدادهم. طبعاً، ليس بوسع أحد حتى أن يقدِّر بدقة حجم هذه المصيبة الجسيمة.. مصيبة كبيرة جداً.خلال هذه الأيام القليلة كان قلبي يعتصر ألماً في الغالب لمصاب أهالي بم و أحزانهم، و قلبي الآن يعتصر أكثر و أنا أشاهد الوضع عن كثب. جميعنا يتحمل واجبات. على المسؤولين هنا، و في محافظة كرمان، و في طهران، و في كل مراكز البلاد الأخرى، و طبقاً للإدارة المركزية التي تشكلت و سوف يتم تنضيجها إن شاء الله، عليهم تعبئة إمكاناتهم و مساعدة هؤلاء الأهالي. بالتأكيد سنبقى لفترة معينة نواجه الاحتياجات المتزايدة للناس المظلومين في هذه المنطقة. الناس هنا لديهم احتياجات. و يجب تلبية هذه الاحتياجات، عسى أن تلتئم آلامهم بعض الشيء. من واجب جميع الأجهزة و بتنظيم دقيق و مناسب أن تقدم جميع إمكاناتها لخدمة الأهالي و مساعدتهم. طبعاً كلما تقدمنا خلال هذين اليومين أو الثلاثة تحسن حجم العمل و نوعيته، و يجب أن يتحسن أكثر. ليتعاون الناس مع المسؤولين و موظفي الأجهزة الخاصة بتقديم الخدمة كي تستطيع النهوض بالواجب الملقى على عاتقها. و كذا الحال بالنسبة لأهالي المناطق الأخرى. طبعاً قدم الناس مساعدات كثيرة خلال هذه الأيام القليلة. ربما شاهدتم أنتم أيضاً في التلفاز أن الجماهير قدمت مساعداتها بدموعها و آهاتها، و بكى الجميع لمصابكم و تعاطف معكم. هذه المساعدات يجب أن تستمر كي يمكن بناء مدينة بم أفضل بكثير مما كانت عليه في السابق إن شاء الله، و طبعاً بمتانة تامة هذه المرة.يجب أن تكون نيتنا انبثاق مدينة قوية متينة و عامرة من قعر هذه الخرائب بمشيئة الله. طبعاً فجيعة الأحبة ستبقى في قلوبنا، لا شك في هذا، و لكن ينبغي تعويض ما يمكن من الخسائر الدنيوية و المادية.جئنا لنعزيكم و نقول لكم إننا شركاء أحزانكم، رغم أنكم تعلمون هذا. قلبي غير منفصل عنكم. الشباب الذين قضوا في هذا الحدث، و الأحبة الذين أودعوا القلوب نيراناً برحيلهم، هم أحبتنا.. إنهم كأبنائي أنا، و قد أفجعوا قلوبنا و أحرقوها حقاً.على كل حال أسأل الله تعالى لكم الصبر، و الأجر، و العزيمة، والإرادة، و القدرة على التحمل، و أطلب منه أن يعوضكم خيراً، و أن يوفق المسؤولين للنهوض بالخدمات التي تتوجب عليهم و تقديمها لكم إن شاء الله بأسرع و أفضل ما يمكن.أبلغوا سلامي لكل الإخوة و الأخوات الأعزاء من مدينة بم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/12/28

كلمة الإمام الخامنئي في مراسم تخرج طلبة جامعة الإمام علي (ع) لضباط الجيش

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالشباب و أبنائي الأعزاء الذين التحقوا اليوم رسمياً بمنظومة جنود الوطن و المدافعين عن قيم النظام الإسلامي، و أنظر لكم واحداً واحداً أيها الأعزاء باعتباركم الأبناء البررة لهذا التراب و الماء و من يستطيعون ممارسة أدوار مميزة لهذا البلد.النـزعة العسكرية في جميع جيوش العالم تعني القوة و السلطة القاهرة، لكن ذلك يعود لتعريف السلطة و الهدف منها، حيث يختلف باختلاف ذلك المحتوى الإيجابي أو السلبي لمعنى النـزعة العسكرية.منذ عهود التاريخ القديمة المختلفة و إلى يومنا هذا كان التعريف و الهدف الذي أطلقه أمثال جنكيز خان، و نيرون، و صدام، و بوش - السفاحين المحترفين - للسلطة تعريفاً خاطئاً لاإنسانياً و هدفاً غير معقول و غير مستساغ. تعريفهم للسلطة هو التسلّط على البشر و هدفهم منها هو عدم الاكتراث لأرواح البشر و سمعتهم و قيمتهم، و السيطرة و التسلّط أكثر فأكثر على أرواح الناس و أموالهم. و هذا يختلف اختلافاً أساسياً شاملاً عن هدف السلطة و أساليبها في الإسلام. السلطة في الثقافة الإسلامية تعني خدمة الإنسانية و البشر و خدمة القيم الإنسانية من موقف القوة لا من موقف الضعف. و بنفس الدرجة تختلف الأساليب العسكرية و الاقتدار من وجهة نظر الإسلام اختلافاً كلياً عنها في الثقافة الجاهلية و نزعة الاقتدار لدى جبابرة الماضي و الحاضر.الرسول و أبو جهل كلاهما كان يحارب و يضرب بالسيف، و كلاهما كان يُعِدّ القوى العسكرية، بيد أن ماهية هاتين الجبهتين و هذين الصفين و هذين المقاتلين مختلفة عن بعضهما تمام الاختلاف. هذا الهدف يختلف عن ذاك الهدف من الأرض إلى السماء. و بنفس الدرجة ستختلف تربية الذين يخدمون في القوات المسلحة. الجيش و القوات المسلحة التي تعمل لخدمة هيمنة الشركات و الجبابرة و الأثرياء العالميين المتسلطين على البشر و البلدان و المصادر المالية و البشرية، يُعتبرون أفضل كلما كانوا أقسى و أعمى. أما الجيش الذي يعمل لخدمة الأهداف الطاهرة السامية و يريد عرض قدراته بالأدوات الشعبية و الاعتماد على القيم، يعتبر أفضل كلما كان أوعى و أكثر التصاقاً بالشعب.نظام الجمهورية الإسلامية لا يعتبر القوات المسلحة للدفاع عن شخص معين أو طبقة محددة، و لا يراها وسيلة للتعنت و الهيمنة و التسلّط على مصادر الآخرين. الغاية من القوات المسلحة في النظام الإسلامي هو إحياء الإنسانية و القيم الإنسانية و المُثُل الإلهية، و الجهاد في سبيل الله. حينما يدخل الرجل المؤمن الشجاع الساحة بهدف الجهاد في سبيل الله فإنه يعد الموت في هذه الساحة فخراً له. و هذا هو أساس القيمة السامقة للشهادة في الإسلام. و عندئذ يكون الشهيد نجماً متألقاً دوماً في سماء حياة و تاريخ ذلك الشعب. الذي يقاتل خدمةً للعتاة و الأثرياء يكون الموت بالنسبة له هاوية مظلمة موحشة مرعبة يجب أن يهرب منها. الموت و السقوط في تلك الحفيرة المهولة ليس فيه أي شوق أو فخر بالنسبة له. لذلك حيثما يندلع الصراع بين القوى المقاتلة الهادفة المبدئية و بين القوى التي تقاتل من أجل الشركات و الأثرياء و العتاة و المال سيكون النصر من نصيب المجاهدين الذين يعدون الاستشهاد و الموت في سبيل الله فخراً لهم.أيها الشباب الأعزاء، فترة الدفاع التي استمرت ثمانية أعوام درس دائم ليس لنا و حسب، بل لكل الشباب الغيور في كافة أرجاء العالم. استطاع الجيش، و الحرس، و التعبئة، و سائر القوى المقاتلة خلال هذه الأعوام الثمانية الوقوف بوجه جيش يجري تجهيزه و تعزيزه من كل أنحاء العالم، و فرض الهزيمة عليه و توجيه ضربات قاسمة متكررة له. و الحال أن قواتنا في تلك الأيام كانت تعاني نقصاً شديداً في السلاح و المعدات و الإمكانات المادية. هذه معجزة الإيمان و الوعي.أعزائي، ثمة فوارق جذرية بينكم و بين جيوش مثل جيش صدام و جيش بوش. اعرفوا قدر أنفسكم. لقد اخترتم السلك العسكري في سبيل المبادئ العليا. كل التحركات و المساعي في هذا السبيل ستكون بالنسبة لذوي الضمائر الحية أموراً مثيرة و جميلة. أولئك يخدمون أقطاب المال العالميين و العتاة المتغطرسين و طلاب الهيمنة و المتماشين مع وسائل الإعلام المزوِّرة، و لا يقاتلون في سبيل أية مبادئ. لاحظتم كيف ذاب جيش صدام بكل معداته مثل الثلج، و لم يستطع الدفاع لا عن وطنه و شعبه ، و لا حتى عن نفسه. الأفراد الخاوون من المبادئ هم في الحقيقة لا شيء رغم توفرهم على المعدات و الأسلحة. و كذا الحال بالنسبة لجيش بوش. أولئك أيضاً حين يقفون أمام جبل إيمان الشعب المؤمن و صلابته و عزيمته و إرادته ستكون حالهم كتلك الحال.إننا نؤمن بالانضباط الحديدي، و النظام المنطقي، و العمل العلمي، و التدريبات العصرية، و التوفر على الأسلحة لقواتنا المسلحة ضمن حدود المتاح. لكننا نرى قيمة كل هذا حينما يكون إلى جانب التقوى، و التوكل، و حب المبادئ و الشعب. نموذجنا هو » مالك الاشتر «.. أرقى القادة الكبار في حروب الإمام علي الحافلة و أشجع رجال العرب. أهانه شاب من شباب المدينة لم يكن يعرفه و بصق عليه، فلم يقطّب هذا القائد رفيع المستوى في وجهه، بل سار إلى المسجد و صلّى من أجله و استغفر له عسى أن يتجاوز الله عن جهله! و بعد أن أعلموا الشاب بأن الرجل هو مالك الأشتر، جاءه ليعتذر منه، فقال له مالك لا حاجة للاعتذار، لقد جئت هنا لأستغفر لك الله تعالى. تلك الصلابة، و الشجاعة، و الهيبة في ساحة الحرب ترافقها عظمة المعنوية و الروح.أيها الشباب الأعزة، آخر النتائج التي تمخضت عنها الديمقراطية الغربية هي فتوح البلدان و الهيمنة التي يشاهدها سكان العالم أمامهم. إنكم ترون العنجهية و قانون الغابة. دمروا الشعبين المسلمين في أفغانستان و العراق و أذاقوهما الأمرّين خلال سنة و نصف السنة. هذه هي قمة الليبرالية الديمقراطية بكل ما لها من دعاوى باطلة. و لم يأبهوا لأي من المعارضات العالمية على الإطلاق. أي إن الشعوب و الإنسانية و إرادة الناس لا تساوي أي شيء في نظرهم. و ما من مرجعية عالمية، و الذين يتفاءلون خيراً بالمنظمات العالمية إنما يخدعون أنفسهم. ترون كيف تتعامل منظمة الأمم المتحدة و المرجعيات العالمية مع هذه الفجائع!في عالم قانون الغاب، على كل شعب أن يفكر بنفسه و يزيد من قوته. إذا كان يؤمن بعزته و شرفه، واستقلاله، و هويته الإنسانية، فعليه إيجاد قدرات دفاعية لنفسه. طبعاً الدفاع المادي و السلاح و المعدات القتالية جزء من هذه القدرات، لكن حقيقة هذه القدرات هي الروح المعنوية و الوحدة الوطنية، و التعاون و التعاطف بين الشعب و مسؤولي البلاد، و مساعي مدراء الدولة لتحسين أوضاع الجماهير، و الحفاظ على وحدة الشعب، و إلى جانب ذلك استعداد أفضل و أشجع الشباب للدفاع عن البلد، و القيم، و الاستقلال، و العزة الوطنية. لقد ولجتم ساحة صالحة و اخترتم هدفاً جيداً، و سوف يتم توظيف شبابكم في أفضل اتجاه و منحى. اعرفوا قدر هذا و ابذلوا مزيداً من الجهود في البناء المادي و المعنوي، و الروحي و الجسمي، و العسكري، و التقوي. يمنّ الله تعالى بنظرات رحمته على الأمة التي تبني ذاتها و تكون صاحبة إرادة و حركة.نحيي ذكرى شهداء هذا الطريق الأبرار.. الطريق الزاخر بالمفاخر.. و نبعث السلام لهم جميعاً و لإمامهم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/12/24

كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي قزوين

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.أشكر الله تعالى على أن وفقني لزيارة هذه المدينة التاريخية العريقة و اللقاء بكم أيها الأهالي المتدينون الثوريون الصميميون. وجدنا أهالي قزوين جماعةً من الناس الأوفياء المؤمنين سواء في أحداث الثورة أو في جميع الوقائع التي تلت الثورة.. أناساً متدينين، ذوي عزة نفس و كرامة، مضحين، أسخياء، من ذوي المساهمة في الأعمال الكبيرة و أعمال الخير.. هذه أخلاق أهالي قزوين و طبائعهم منذ القدم، و هي لا تختص بزمن معين دون آخر. حينما نراجع التاريخ نجد مناقب قزوين، و منطقة قزوين ، و أهالي قزوين بارزين فاعلين.. هذا شيء مهم. ثمة فارق بين شعب له ماضٍ تاريخي و ثقافي و ذي جذور تاريخية و شعب ليست له أية جذور في التاريخ، و لا أية سابقة أو سلسلة نسب ثقافية. استطاع شعب إيران الكبير بهذه السوابق التي نلاحظ نماذجها في مدينتكم العريقة العميقة أن يظهر بين شعوب العالم كشعب أصيل عريق.حينما أنظر لماضي قزوين أرى أن عالم جغرافيا مسلم » المقدسي « (1) زار مدينة قزوين قبل ألف سنة فقال عنها إنها قطب للفقه و الفلسفة. و قبل تسعمائة عام ظهرت في هذه المدينة شخصية عالم معروف مثل » عبد الجليل القزويني «. » النقض « لعبد الجليل القزويني الرازي هو اليوم من الكتب القيمة المعتبرة اللافتة عند علماء الكلام و أصحاب الفكر و المعروفة. و قبل ثمانمائة عام وضع أحد العلماء كتاباً حول قزوين عنوانه » التدوين « في ثلاثة مجلدات.. ثلاثة مجلدات حول سير و أعمال الشخصيات العلمية و الثقافية و الدينية و السياسية في قزوين في ذلك العهد.. هذه السوابق على جانب كبير من الأهمية. في تلك الحقبة حينما لم تكن الكثير من مدن إيران سوى قرى صغيرة أو لم تكن موجودة أصلاً، كان في قزوين كل هؤلاء العلماء و الشخصيات و الوجوه المعروفة تُخصص ثلاثة مجلدات من كتاب » التدوين « لاستعراض أحوالهم. قبل سبعمائة عام أنجبت هذه المدينة شخصية بارزة و مؤرخاً كبيراً مثل » حمد الله المستوفي «. و قبل سبعمائة سنة ظهر في هذه المدينة شاعر كبير نظير » عبيد زاكاني «. و قبل أربعمائة و خمسين سنة كانت قزوين العاصمة السياسية لهذه البلد الكبير. قرأت في مكانٍ ما أن ما يستخلص كنتيجة من الدراسات الخاصة بقزوين و محافظة قزوين هو أنها أنجبت من الشخصيات البارزة، و الفقهاء، و الحكماء، و الأطباء، و علماء الرياضيات، و المؤرخين، و الفنانين من لو أراد المرء أن يذكر أسماءهم جميعاً للزمه من الوقت ما لا يقل عن ساعتين أو ثلاث ساعات! أنتم شباب قزوين من بنات و بنين تعيشون و تكبرون في هذا المناخ الإقليمي و الثقافي ارتكزوا على هذا الماضي العريق.أنا شخصياً تعرفت على اسم قزوين و القزويني في فترة شبابي و طلبي العلوم الدينية بفضل وجود أستاذين كبيرين في الحوزة العلمية بمدينة مشهد: شخصية المرحوم الحاج الشيخ هاشم قزويني البارزة، و شخصية المرحوم الحاج الشيخ مجتبى قزويني الممتازة، و هما نجمان لامعان في حوزة مشهد العلمية تركّزت أبصارنا عليهما منذ فترة الشباب و الحداثة. أصبح اسم قزويني في أذهان الطلبة من مدينة مشهد اسماً متألقاً محفوفاً بالمفاخر بفضل وجود هاتين الشخصيتين الجليلتين. هاذان الشخصان، و لا سيما المرحوم الحاج الشيخ مجتبى، كانا من تلامذة و ملازمي شخصية قزوينية بارزة أخرى هو المرحوم السيد موسى زرآبادي الشخصية العظيمة التي كانت في هذه المدينة مركز إشعاع معنوي و سلوكي و عرفاني واسع على الطلبة و المتعطشين للمعرفة.و قبل حقبتنا أيضاً خرّجت هذه المدينة الكثير من العلماء الكبار: » الشهيد الثالث « و مقبرته هنا، و المرحوم الملا محمد تقي برغاني، و أخيه الملا محمد صالح برغاني، كانوا فقهاءً بارزين، و ليسوا فقهاءً معتزلين أو شخصيات منطوية على نفسها، بل كانوا رجال دين يفكرون في مصير الناس، و يكافحون من أجلهم و يضحون بأنفسهم في هذا السبيل.حينما ننظر لفترة الثورة نرى أن البلد كله قدم شهداءً عظاماً، لكن وجوه شهداء قزوين و مبرّزوها و مضحّوها ممتازة، كالشهيد رجائي. لدينا القليل كالشهيد رجائي في الثورة. و الشهيد بابائي كان إنساناً كبيراً و رمزاً خالداً لا ينسى بين جنودنا من الجيش و الحرس. ومن بين الأسرى الأحرار يعد أستاذهم المعنوي المرحوم » أبو ترابي « من هذه النماذج أيضاً. كنت أعرف هذه الشخصيات الثلاثة المميزة عن كثب.. عرفت سماتهم و أدري كم هم مميزون .. هؤلاء شهداء قزوين. قدمت مدينة قزوين ألفي شهيد و محافظة قزوين نحو ثلاثة آلاف شهيد. هؤلاء مفاخر أهالي قزوين. قال البعض قبل قرون من الزمان عن أهالي قزوين أنهم أناس متدينون ذوو همم عالية، و عزة نفس، و سخاء، وقناعة.و بعد الثورة كانت النظرة لكل أنحاء البلاد - و منها قزوين - نظرة خاصة تختلف عن العهود السابقة.. إنها نظرة تقديم الخدمة. لقد منَّ الله تعالى على أهالي هذه المنطقة بالكثير من الإمكانات و الخيرات الطبيعية. و كما أشار إمام الجمعة المحترم فإن في هذه المحافظة تربة و قابلية زراعية و تعتبر سهلاً خصباً و مباركاً. و ينبغي احتواء المياه طبعاً.. عملوا بهذا الاتجاه بعض الشيء و ينبغي العمل و الجد بمقدار آخر. لأهالي قزوين و كسائر أنحاء البلاد توقعاتهم من الحكومة و المسؤولين. و توقعاتهم في محلها و ينبغي العمل بها.إنني و قبل الدخول لأية مدينة خلال أسفاري و زياراتي أطلع على آراء أهاليها عن طريق الاستبيانات و البحوث و الحوارات سواء مع المسؤولين أو مع أبناء الشعب. حينما يسألون أهالي قزوين عن توقعاتهم من الحكومة يجيبون بما تجيب به الجماهير في الكثير من مناطق البلاد الأخرى. توقعات الجماهير هي التغلب على المشكلات الاقتصادية، و مشكلات الشباب - قضايا الدراسة، و السكن، و الزواج، و البطالة - ، و معالجة الصعوبات ذات الصلة بالغلاء، و رفع العقبات المتعلقة بالعمران المدني و القروي. المتوقع من المسؤولين هو أن يلبّوا احتياجات الناس بمقدار قدراتهم و حسب إمكانات البلاد. إنه توقع في محله و أنا أؤيّده. و هذا هو أحد أسباب زياراتنا للمناطق و المدن المختلفة. القصد هو أن تطرح في كل زيارة لمدينة أو محافظة مشكلات تلك المدينة أو المحافظة مرة أخرى بتفاصيلها و دقائقها على مسؤولي البلاد. المسؤولون يجدّون في تقديم الخدمة و قصدهم هو الخدمة. ينبغي مساعدتهم كي يستطيعوا توسيع و تسريع هذه الخدمات.طبعاً كان بين الإجابات التي قدمها الأهالي لمن سألوهم عن آرائهم قبل زيارتنا، مطالبتنا بأن نذكّر المسؤولين - خصوصاً الذين ترتبط مسؤولياتهم بهذه المنطقة - بمتابعة الأمور و المشاريع، و هذا ما نقوم به طبعاً. إنني في هذه الأيام المعدودات التي أزور فيها محافظة قزوين و مدينة قزوين سأتصل دوماً بالمسؤولين و الجهات المخلتفة، وأتمنى أن تُُقال للمسؤولين الكثير من التنبيهات و النصائح و الكلمات التي يجب أن تقال لهم.ما أريد أن أطرحه عليكم جميعاً أعزائي و إخواني و أخواتي و أبنائي هو جملة نقاط: النقطة الأولى هو أن النيّة في بلادنا - لا سيما في المستويات العليا من المسؤولية - هي خدمة الشعب. طبعاً ليست طاقات جميع المسؤولين متساوية، فقد يكون لبعضهم طاقات و قدرات أكبر و لبعضهم طاقات و إمكانيات أقل. لكن الجميع يريد أن يخدم. المهم أن نظام الجمهورية الإسلامية شُيّد على أركان إرادة الجماهير و رغباتهم و ميولهم و محبتهم. الجماهير انتخبوا مسؤولي البلاد بإرادتهم. و هم ينظرون لأداء المسؤولين في ساحات الاختبار و يصدرون أحكامهم و يرتّبون الآثار على ذلك.النقطة الثانية هي أن نظام الجمهورية الإسلامية و بلدنا العزيز الكبير الغني طبيعياً يواجه فرصاً، و أيضاً تهديدات على مسرح التحولات العالمية. أمامنا حالياً الكثير من الفرص المستقبلية. القضية الأهم لدى المسؤولين هي استثمار كافة الفرص التي تتوفر مع حفظ العزة الوطنية، و من أجل تقدم البلاد على الصعيد المادي و على المستوى المعنوي. ليس هدف الجمهورية الإسلامية مجرد أن تعرض في الأرقام و الإحصاءات عدداً كبيراً للناتج الوطني الإجمالي. هذا غير كافٍ. نحن نؤمن أنه لا بد أن تتوفر العدالة في البلاد، و أن توزع الثروة الوطنية بين جميع أبناء الشعب. هذا هو طموحنا الكبير الذي نسعى و نكافح من أجله.فلسفة وجود نظام الجمهورية الإسلامية هي أن يستطيع و كما أراد الإسلام من المسؤولين و الأفراد و الشعوب تحقيق العدالة، و الأخلاق، و المعنوية، و الرفاه المادي بين الناس. هذه عملية مقدسة و عظيمة جداً، و صعبة بالطبع. كافة مساعي الجمهورية الإسلامية طوال الأعوام الخمسة و العشرين الماضية أنصبت على بلوغ هذه الغاية.الذين يخطئون الطريق و يتجاهلون العدالة ليسوا على صواب. و الذين يتناسون المعنوية مخطئون. و من يغضون الطرف عن تسويد الكفوئين مخطئون. و الذين ينسون الطابع الشعبي للمسؤولين هم أيضاً على خطأ. الطريق صعب و المسير في هذا الطريق يواجه عقبات كبرى لأنه يجب أن تراعى فيه كافة هذه المعايير و الملاكات.لا نستطيع الاغتباط بأن نقول بعض الأشياء و نتولى مواقع المسؤولية - أو مواقع السلطة بالتعبير الدارج - و نبقى فيها بعض الأيام، و لا نفكر في حاضر البلاد و مستقبلها و في التنمية المادية و المعنوية للشعب.. هذا غير ممكن. يريد النظام الإسلامي من المسؤول أن يرى نفسه أمام الله. أما أن يدرك الناس خدماته أو لا يدركوها، و يشكروه أو لا يشكروه فهذا شيء يأتي في المرتبة الثانية. بالدرجة الأولى يجب أن يشعر المسؤول أنه مسؤول أمام الله تعالى عن خدمة الجماهير و إفشاء العدالة بينهم. تدل حساباتنا على أن نظام الجمهورية الإسلامية حقق تقدماً كبيراً في هذا الطريق طوال الأعوام الخمسة و العشرين الماضية. لا نقول إننا وصلنا لجميع أهدافنا، لا، يجب أن نواصل السير و العمل. بل نقول و ندّعي أن نظام الجمهورية الإسلامية تقدم في هذا الدرب.ثقة الشعب الإيراني بنفسه و أمله و تفاؤله و وعيه اليوم أكبر من جميع العهود السابقة. الأمل و الحيوية بين شعب إيران الكبير من إنجازات الإسلام و الثورة. هذا ما نثمّنه و نقدِّره و نبذل جهودنا من أجله.من الأمور المهمة جداً بالنسبة لشعبنا، و هي من الأمور الخاصة بعامنا الجاري و لا بد لي من التشديد عليها هي قضية الانتخابات القادمة. الانتخابات القادمة شأنها شأن كل الانتخابات التي أقيمت خلال فترة الأعوام الخمسة و العشرين الماضية تعد أهم قضايا البلاد في وقتها. إذا تمّت الانتخابات بشكلها المنشود فسوف تؤمِّن المستقبل و تضمن الأمن الحالي. ما هي الانتخابات المنشودة؟ إنها الانتخابات النـزيهة، الحرة، المطابقة للقانون.. الانتخابات التي تشارك فيها الجماهير بحماس و تحفّز.. الانتخابات التي يجد الشعب كله واجبه الديني في إقامتها إقامة حافلة حاشدة. هذه الانتخابات يمكن ان تتمخض عن مجلس جيد للبلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة.المجلس موقع على جانب كبير جداً من الأهمية.. إنه بيت الشعب.. مظهر تجلي العزة الوطنية.. بوسعه عرض عزتنا الإسلامية وعزتنا الوطنية على العالم.. إنه ضمانة مصالحنا العامة. بقوانين المجلس يستطيع المسؤولون التحرك و التقدم للأمام. بمقدور المجلس أن يكون حارس الأمن الوطني، و سداً منيعاً أمام تطاول الأعداء و الطامعين الأجانب. هذه هي صفات المجلس المنشود. حينما يشارك الشعب في الانتخابات و يختارون بعيون مفتّحة و بصيرة نافذة شخصاً يرون أنه يتوفر على الشروط اللازمة، و يوفدونه للمجلس، فسوف يستطيع المجلس ممارسة مثل هذا الدور الكبير. المجلس كما قال الإمام عُصارة فضائل الشعب. حينما تشارك الجماهير في الانتخابات أكثر يرتفع اعتبار المجلس طبعاً و تتضاعف قدراته على تقديم الخدمة.الكلام حول الانتخابات و المجلس كثير. اكتفي اليوم بهذا المقدار، و أشير فقط إلى هذه النقطة: النائب الذي تنتخبونه للمجلس يجب أن يتوفر على صفات القدرة على تحقيق مطاليبكم، و أن يكون نائباً متديناً. الأشخاص المتدينون يمكن أن يكونوا موضع ثقة. النائب يجب أن يكون ثورياً تتوفر فيه الروح و النشاط و الأمل و القوة الثورية كي يستطيع فتح الطرق التي يلوح أنها مسدودة و التقدم إلى الأمام. على النائب أن يكون خدوماً، ذا سابقة جيدة، كفوءاً، له برامجه و خططه، طيب السمعة، ذا روح شبابية، و مؤمناً بالشباب. مثل هؤلاء الأشخاص أينما كانوا من البلاد يجب أن يشعروا بالواجب و يرشحوا أنفسهم. في هذه الأيام القلائل المتبقية من مهلة تسجيل الترشيحات للانتخابات، يملي الواجب الوجداني و الإسلامي و الوطني على كل شخص يرى في نفسه هذه الخصوصيات أن يرشح نفسه و يشارك في ساحة الانتخابات. و إذا لاحظوا لاحقاً أن هناك من هم أكثر صلاحية منهم فبوسعهم الانسحاب. أما الآن فعليهم الدخول إلى الساحة. و على الشعب أينما وجد أمثال هؤلاء الأشخاص أن يطلب منهم ترشيح أنفسهم. صلاح البلد و مستقبله في أن تقام الانتخابات بشكل ملحمي و باندفاع و مشاركة قاطبة الشعب.طبعاً رؤيتي و شعوري هو أن الشعب سيقيم هذه الانتخابات أيضاً و بتوفيق من الله كأعظم و أضخم ما تكون الانتخابات على الرغم من رغبات الأعداء. و من الطبيعي أن لا يرغب أعداء البلاد و الشعب في إقامة انتخابات جيدة في البلاد.. و قد كان الأمر كذلك دوماً.. في معظم الانتخابات كان أعداؤنا يبذلون قصارى جهدهم عسى أن لا تقام الانتخابات بحرارة و حماس. و بعض المرتبطين بالأعداء في الداخل كانوا يحاولون بأساليب شتى صرف الجماهير عن المشاركة و التواجد عند صناديق الاقتراع. طبعاً هم لا يجرأون على ذلك الآن لأن مناخ البلاد العام يميل للانتخابات و جميع مسؤولي البلد متفقون على دعوة الجماهير للمشاركة في الانتخابات. يخشون من الأجواء العامة و الرأي العام أن يوصوا صراحةً بعدم المشاركة في الانتخابات. و لكن اعلموا أن معارضي هذا البلد، و أعداء هذا الشعب، و أعداء تقدّم إيران، و خصوم تطور الشعب الإيراني و رقيّه، وأعداء نظام الجمهورية الإسلامية سيفعلون كل ما يستطيعون من أجل صدّ الشعب عن المساهمة في ساحة انتخابات مجلس الشورى الإسلامي و كل ساحة أخرى. لم يستطيعوا ذلك لحد الآن، و لن يستطيعوا في المستقبل أيضاً بحول الله و قوته.من المهم جداً لشعبنا و شبابنا خصوصاً أن ينظروا لشعارات الثورة، و يدرسوا مواقف نظام الجمهورية الإسلامية بدقة، ثم يلقوا نظرة للواقع العالمي العام. لو نظرتم لوجدتم أن كلمة الجمهورية الإسلامية و نداء الثورة الإسلامية يحظى تدريجياً و أمام أعين الأعداء المبهوتة المنذهلة بقبول الشعوب في العالم و استحسانها. الكثير من الكلام كنا نقوله قبل عشرين سنة و يرفع هذا الشعب شعاره، لكن العالم يراه اليوم رأي العين. منذ خمسة و عشرين عاماً و هذا الشعب يعلن بصوتٍ عالٍ أن أمريكا ناهبة معتدية تروم التطاول على الشعوب، و كان الإعلام القوي للأجهزة الاستكبارية التابعة لأمريكا يتشدق بالديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان، لكن الكثيرين في البلدان الإسلامية لم يكن بمقدورهم إدراك ما هو معنى كلام الثورة و الجمهورية الإسلامية هذا، أما اليوم و بمشاهدتهم للمواقف التي تتخذها أمريكا حول قضايا العالم بدأ الجميع يقبلون هذه الرؤية و يصدِّقونها. الناس في العالم اليوم يشاهدون تجاهل حقوق الشعوب، و الاستهانة بالحدود الجغرافية للأمم، و الاحتفاظ للذات بحق الزحف إلى أية بقعة في العالم و التطاول عليها بذريعة المصالح غير المشروعة.. في الخليج الفارسي، و المحيط الهندي، و بلدان الشرق الأوسط، و البلدان الآسيوية، و في أوربا ذاتها. هذا هو نفسه رأي الثورة الإسلامية وتصورات الشعب الإيراني.هذا الوجه العنيف المزوّق بالإعلام يعبر عن حقيقته اليوم في شوارع بغداد و سائر المدن العراقية، و في مناطق أفغانستان المختلفة، و في العديد من أنحاء العالم الأخرى، و شعوب العالم ترى ذلك. منذ خمسة و عشرين عاماً و الشعب الإيراني يرفع شعاراته ضد إسرائيل. قال شعب إيران في شعاراته مراراً: لا تثقوا بنداء السلام الكاذب الذي يطلقه الصهاينة.. و اليوم يشاهد العالم العربي و العالم الإسلامي كله الساحة المفجعة في فلسطين أمام عينيه. اليوم حيث يسحق ساسة الدولة الصهيونية الغاصبة بأقدامهم كل المعاهدات و المواثيق التي أبرموها مع البلدان العربية و الأطراف الفلسطينية، ويتجاهلون الجميع و لا يلتزمون بأيٍّ من القرارات و المعاهدات الدولية، تصل باقي الشعوب إلى ما وصل له الشعب الإيراني من نتائج. خلال فترة الحرب المفروضة - التي شغلت الشعب الإيراني ثماني سنوات - و بعد الحرب المفروضة، هتف شعب إيران و رفع شعارات أن صدام البعثي وجود مفسد و حيوان وحشي في ثياب إنسان، لكن هؤلاء الأمريكان نفسهم الذين يسبّونه اليوم و يفرحون لإلقاء القبض عليه، كانوا يصافحونه و يقيمون معه علاقات صداقة و يساعدونه! وزير الدفاع الأمريكي الحالي(2) التقى صداماً في بغداد و وعده بالمساعدة. ساعدوا صداماً كي يستطيع الضغط على إيران الإسلامية. الكثير من البلدان العربية و من بلدان المنطقة لم تكن تعرف باطن هذا الكائن الشيطاني، إلا أن الشعب الإيراني كان قد اختبر هذا الذئب المفترس و أعوانه السفاحين في ميادين الحرب، و في القصف الظالم، و في حلبجة، و آبادان، و دزفول، و عرض صورته على العالم. و اليوم يفهم العالم هذه الحقائق. إنه الكلام الحق للشعب الإيراني الذي يتجلى اليوم واضحاً للعالم.أعزائي! العالم و التاريخ زاخر بالعبر. وصل وضع صدام حسين الظالم الفتّاك المستكبر المتكبر إلى حيث يعيش في طامورة و يبدي استعداده لتحمّل كل صنوف العار من أجل إنقاذ روحه القذرة المخزية. اليوم حيث يتم إلقاء القبض عليه يشعر العالم الإسلامي و الذين يعلمون ما كانه هذا الحيوان المفترس يشعرون بالفرحة و الارتياح. فرح الشعب الإيراني و لا سيما عوائل الشهداء كثيراً لخبر إلقاء القبض على صدام. الشعب العراقي طبعاً تجرّع آلاماً كبيرة من هذا الذئب السفّاح، و قد تخلّص الآن منه حسب الظاهر، سمعت أن رئيس جمهورية أمريكا قال عن صدام إن العالم بدون صدام سيكون أفضل كثيراً. و أريد أن أقول لرئيس جمهورية أمريكا إن العالم بدون بوش و شارون أيضاً سيكون أفضل بكثير.الذين يتوهمون أن سلطتهم دائمية أبدية لينظروا لصدام حسين، و محمد رضا بهلوي، وحكومة الاتحاد السوفيتي السابق، و ليروا كيف أن السلطات الورقية محض وهم، و كيف أن الله تعالى يقضي بيد قدرته على هذه السلطات و القوى الورقية و يبديها و كأنها لم تكن على الأرض يوماً.الذين يحكمون العالم الإنساني اليوم بدكتاتورية و استبداد تحت عناوين الديمقراطية و حقوق الإنسان - كرئيس جمهورية أمريكا - و الذين يعرّضون أهالي الأرض الشرعيين لأكثر الضغوط وحشية من دون أن يكون لهم أدنى حق في تلك الأرض، كالساسة الصهاينة الذين يعرّضون أصحاب البيت أي الشعب الفلسطيني لكل هذه الويلات، و التعذيب، والقتل، و المذابح، و القمع، ليعلموا أن عاقبتهم أيضاً لن تكون بأفضل من عاقبة صدام.لقد استيقظت الشعوب.. الأمة الإسلامية تستيقظ أكثر يوماً بعد يوم. آمال الأمة الإسلامية آمال جيدة.. الأفق وضاء، و الشعب الإيراني بفضل من الله رائد هذه المسيرة و سيستطيع بحول الله و قوته، و عبر سلوكه و تحركه تقديم نموذج حي ممكن الاحتذاء للشعوب الأخرى.إنني أشكركم جميعاً جزيل الشكر أيها الإخوة و الأخوات و الأهالي الصميميون المؤمنون العطوفون في قزوين لاستقبالكم هذا اليوم، و محبتكم الحماسية المخلصة الذي لا يعرف أحد لها مثلاً لدى الشعوب الأخرى. هذا شيء خاص بالجمهورية الإسلامية فقط أن تكون بين مسؤوليها و شعبها أواصر محبّة بهذه القوة و الإخلاص. أسأل الله العظيم أن يجعلنا جديرين بكل هذه المحبة.أدعو الله العظيم أن يوفقني و كافة مسؤولي البلاد لخدمة هذا الشعب باضطراد. أطلب من الله العظيم أن يمنّ على هذا الشعب بالعزة و الشموخ في كل الميادين. أسأل الله العظيم أن يمنَّ عليكم شباب قزوين و أهاليها المؤمنين المعروفين بماضيكم بفضله و رحمته و نعمته كما أنتم أهله. ربنا أنزل النكبة و اليأس بأعداء هذا الشعب و انصره في كل الميادين.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش1 - أبو عبد الله المقدسي (336 - 391هـ) صاحب كتاب »أحسن التقاسيم« .2 - دونالد رامسفيلد.
2003/12/15

كلمة الإمام الخامنئي في أعضاء المجلس البلدي و بلدية طهران

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. أولاً أشكر الله تعالى لتوفيقه الذي منَّ به عليكم لإدارة مدينة طهران في المجلس الإسلامي البلدي و البلدية. أي لطف أو توفيق يمنّ الله تعالى به عليكم يجب علينا جميعاً أن نشكره. كما أشكر الله تعالى و أحمده لأن محور العمل في البلدية هو خدمة الجماهير و لأن الإنسان يشعر بحركة تقديم الخدمة في البلدية.من أهم الأشياء التي تُشعِر الناس بالحلاوة هو أن يروا و يشعروا و يجدوا أن المسؤولين يتحرّون خدمتهم الصادقة الدؤوبة العالِمة. هذا بحد ذاته يبعث الفرحة في نفوس الجماهير. يقال أحياناً إنه ينبغي إبهاج الناس و إخراج المكتئبين من اكتئابهم، و هذا كلام صحيح. إذا كان البعض ينشدون هذا الأمر بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهذا هو السبيل إليه. ليثبتوا للناس أنهم يتوخون العمل الصادق الدؤوب العلمي. هذا ما سيبث الفرح و السرور في الأجواء أكثر من أي شيء. و قد عملتم أنتم بشكل جيد. إنني أشكر من الصميم المجلس الإسلامي البلدي في طهران للأعمال التي قاموا بها، و الجدّ الذي أبدوه، و العمدة الصالح الذي انتخبوه، و اهتمامهم للأعمال و متابعتهم لها، و هو مضمون التقرير الذي قدمه المهندس السيد جمران و كنت قد اطلعت علی ذلك و سمعته في السابق. كما أشكر الدكتور السيد أحمدي نجاد و زملاءه للجهود المخلصة التي يبذلونها.لا تزال أمامكم الكثير من الأعمال. ما تم القيام به قيّم جداً، لكنه قليل بالقياس إلى ما ينبغي القيام به. و المقدار الذي أنجزتموه جدير بالثناء حقاً من قبل الجماهير و المسؤولين المنصفين. تم إنجاز أعمال جيدة و اتخاذ خطوات مفيدة. إن الإنسان ليشمّ رائحة الخدمة الطيبة، و يرى أن ثمة خدمات للناس و الإخلاص لله. هذا شيء قيم جداً، خصوصاً في البلدية التي فيها كثير من التعامل مع الناس. المؤسسات ذات التعاطي الأوفر مع الناس يجب أن تتحلى بروح الخدمة و الإخلاص أكثر من المؤسسات الأخرى.النقطة الأولى التي أودّ أن أوصيكم بها جميعاً هي أن تكون أقدامكم ثابتة في هذا السبيل و أن تواصلوه. البدء و الانطلاق حالة مباركة لكنها غير كافيةٍ.. » إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة «. إذا استقمتم و أصررتم على الطريق و واصلتموه فستكون قيمة ذلك مضاعفة. لا تكتفوا بالبدء الجيد، قرِّروا مواصلة الطريق و بدقة و ملاحظة و مراعاة كافة الشروط الضرورية لمواصلة هذا الطريق، إذن، واصلوا طريق تقديم الخدمة و الاهتمام بها.توصيتي الأخرى - و التي ذكرتموها أنتم أيضاً - هي أن لا تخافوا أي شيء و توكلوا على الله. اعلموا أنكم إذا عملتم لله فإن الله سيعينكم: » من كان لله كان الله له «، و أن قوانين الطبيعة و نواميسها سوف تعمل لخدمته و تثمِّر أعماله و جهوده. من اختار طريق الصلاح قربةً إلى الله فإن الله تعالى سيمهد له بقية هذا الطريق طالما أبدى الهمّة و الإرادة. أي إن كل خطوة تقطعونها ستفتح أمامكم الخطوة التالية، و حينما تتقدمون إلى الأمام يفتح الله تعالى لكم المغاليق باستمرار. توكلوا على الله، و لا تخافوا أي شيء، و لا تأبهوا للتهديدات و الانزعاجات. هذا طبعاً لا يعني الغفلة عن العداوات، كلا، لا تغفلوا. الحق أن تنّين الفساد المالي ذي الرؤوس السبعة ليس بالشيء الذي يمكن القضاء عليه بسهولة. لا تظنوا أن الذين أصابوا ثروات طائلة من مصادرة الأراضي الوطنية و عبر مخالفة القوانين، و وجّهوا حركة الأموال نحو جيوبهم عبر استثماراتهم و احتكاراتهم سوف يجلسون الآن بعد أن توليتم المسؤولية هادئين و لا يرتكبون أية مخالفة، كلا، بل سوف ينسجون المؤامرات، و ينتهزون نقاط الضعف، و سيختلقون نقاط ضعف ليستغلوها. عليكم الحذر من هؤلاء.إذن، توكلوا على الله من جهة، و راقبوا من جهة ثانية المتضررين من صواب ممارساتكم. أي مسؤول يعمل بشكل صحيح فسيكون هناك بالتأكيد عدد من الجشعين المفسدين الفاسدين يتضررون من منهجه. و هؤلاء ليسوا ضعفاء و لديهم عادةً إمكانيات معينة، فاحذروا من ضرباتهم. الساحة بالطبع ساحة صراع و كفاح كما قلت. في ساحة الكفاح يتوقع الإنسان أن يوجّه له العدو الضربات و يهاجمه، لكنه يتوكل على الله، و يوظف كل قدراته، و علومه، و ذكائه، و عقله و يتقدم إلى الأمام. » فإذا دخلتموه فإنكم الغالبون «. قال النبي موسى لبني إسرائيل: ادخلوا، و بمجرد أن تدخلوا و لا تهربوا من الساحة فإنكم سوف تنتصرون. إذن، المهم أن لا تولوا الساحة الأدبار، بل تبقوا فيها و تواصلوا العمل، و سوف يعينكم الله تعالى.وصيتي الأخرى هي أن تحافظوا بكل قوة على التعاون القائم حالياً و الحمد لله بين أعضاء المجلس البلدي، و أيضاً بين المجلس البلدي و العمدة. ليلاحظ العمدة أن المجلس البلدي هو جذره و أساسه. و على المجلس البلدي أيضاً دعم و تقوية المدير الذي انتخبه بكل قوة. كونوا معاً، ليقوِّ المجلس البلدي العمدة لأنه الجندي الذي بعثه هو إلى وسط الساحة، و إذن، ينبغي عليه تعزيز جبهته الخلفية بنحو كامل. و على ذلك الجندي بدوره أن لا يرى نفسه منقطعاً عن جذره و أصله و قاعدته، بل يعتبر نفسه متصلاً به و منبعثاً منه. إنها منظومة واحدة لإدارة المدينة. طبعاً، لم يتم تعيين قيّم على المجلس البلدي في التنظيم الإداري للجمهورية الإسلامية، لأنه مجلس منتخب من قبل الشعب و هو الذي يختار العمدة، و يخمِّن الأعمال و يبرمج لها بهذه الأساليب الصحيحة و المناهج السليمة ثم ينفّذها.أشار كلّ من المهندس جمران، والسيد أحمدي نجاد إلى أن المنهج العلمي هو المعتمد في العمل، و هذا شيء جد ضروري و لازم، و أنا أيضاً أشدد عليه. انتفعوا من العلم و الفكر و الخطط و الشخصيات العلمية. أضيفوا عقول أصحاب العقول إلى عقولكم ما استطعتم و عزِّزوا رصيدكم العقلاني لتستطيعوا النهوض بالأعمال.لطهران قضايا و مشكلات عديدة سوف تعالج على المدى البعيد، و لكن عليكم معرفة هذه المشكلات. أحياء الضواحي حول طهران، و قضاياها الداخلية، و العمارة غير المتجانسة فيها، و التباين الكبير بين أحيائها.. هذه قضايا مهمة جداً عليكم معرفتها. حددوا المشكلات التي قد تنبثق عنها نقاط ضعف. قدِّروا الأخطار و خطِّطوا لمواجهتها. كونوا مستعدين و متجهّزين.الجانب الآخر يتعلق بالشؤون الثقافية و الاجتماعية لطهران. ليست مهمة البلدية البناء فقط. و لحسن الحظ فقد ذكرتم في تقريركم بعض الأمور بخصوص القضايا الثقافية أيضاً. القضايا الثقافية و الاجتماعية للمدينة على جانب كبير جداً من الأهمية. حاولوا نشر وتسرية روح التدين و الأخلاق الإسلامية في أجواء مدينة طهران. هذه عملية ممكنة وحلّالة لكثير من المشكلات. الكثير من مشكلاتنا ناجمة عن الابتعاد عن الفضائل الأخلاقية. كلما ابتعدنا عن الفضائل الأخلاقية كلما تعقدت و زادت عقد الحياة أكثر. علينا التقرّب للأخلاق والملكات الإسلامية الفاضلة، و هذا متاح تماماً في الأجواء الثقافية للبلدية. إنه متاح في نوعية إدارة متنـزهات المدينة التي ليس لها ظاهر ثقافي بل هي أماكن يقصدها الناس للانتفاع منها، و هو متاح كذلك في المراكز الثقافية و طبيعة الأعمال التي تقوم بها البلدية في طهران كنصب اللوحات، و الإعلانات، و المرور، و الزحام، و جميع الأمور الأخرى من هذا القبيل. بمقدوركم استخدام كل هذه الوسائل لنشر الأخلاق الفاضلة بين الجماهير. اجعلوا هذه نيتكم و الأساس في تخطيطكم و برمجتكم، و الله تعالى سيمنُّ بعونه و إلهامه كي تجدوا الطرق الصحيحة لهذا و تسيروا فيها.لا تتماشوا مع الفساد داخل تنظيمات البلدية، سواء الفساد الخاص بخارج البلدية و الذي يريد استخدام أدوات البلدية، أو الفساد المتغلغل لا سمح الله داخل خلية من خلايا البلدية و يريد الانتشار من هناك و إيجاد مناخ آمن له. أية مماشاة للفساد و إفساح المجال أمامه يضعضع الأرضية تحت أقدامكم و يجعل من العسير مواصلتكم أعمالكم و مهامكم. لا تسمحوا بتغلغل الفساد لأي زاوية من زوايا البلدية. هذه طبعاً مهمة صعبة. البلدية مكان يواجه فيه الإنسان المال، و الناس، و المراجعين، و أشخاصاً مستعدين لبذل الكثير من أجل بلوغ بعض مقاصدهم. ينبغي الحذر كثيراً في مثل هذه المؤسسات. هنا تنفع التقوى الإلهية. التقوى درع إذا ارتداه الإنسان فلن تضرّه شيئاً سهام الفساد و المعاصي المسمومة و لن تسقطه أرضاً. التقوى حصن الإنسان المنيع. لهذا أوصونا بالتقوى كل تلك التوصيات. الكثير من الأخطاء و الانحرافات التي تلاحظونها ليست لها جذور فكرية، لا تظنوا أنها إيديولوجيا معينة تحضّ الإنسان على هذا اللون من الممارسات، لا، جذور الكثير من هذه الممارسات هي أهواء الإنسان النفسية. تنـزلق قدم الإنسان في موضع ما و لا يتماسك، فيستمر هذا الانزلاق ويتخذ الإنسان موقف التسويغ فيصطنع لنفسه الإيديولوجيا. أحياناً ينحت الإنسان أسساً فكرية ليصلح أخطاءه. لنسد جميع الطرق و من كل مكان على أخطائنا و زلّاتنا، و الأفضل من كل مكان هو بداية المشوار، والأفضل من بداية المشوار هو الوقاية. هذا ما يعزّز فينا روح التقوى.نتمنى أن يعينكم الله تعالى، و من واجبنا أن ندعو لكم و نحن ندعو لكم. التوصية التي طرحتموها سوف أذكرها للمسؤولين. نتمنى أن تستطيعوا بعملكم و جهودكم الصادقة المخلصة أن ترضوا الشعب أكثر فأكثر. أن تفتحوا الأبواب للناس كي يأتوا و يلتقوكم فهذه خطوة جد إيجابية و جيدة و قيمة. فحافظوا على هذا. هذه العملية فيها بالطبع جهود و متاعب، و لكن تقبّلوا هذه المؤونة و هذه الجهود كي تتمتعوا إن شاء الله بآثارها الطيبة. من أعظم الأجور التي يمنحها الله تعالى للإنسان عاجلاً هو رضا الجماهير - و الأجور الأكبر اللاحقة محفوظة طبعاً في مواطنها - و أن يشعر الناس بالفرحة والسرور و يشكروكم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/12/07

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد (1 شوال 1424هـ)

الخطبة الأولىبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله خالق الخلق، باسط الرزق، فالق الإصباح، ديّان الدين، ربّ العالمين. استغفره و أتوب إليه و أتوكل عليه و أستعين منه و أصلي و أسلم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين الهداة المهديين سيما بقية الله في الأرضين. أبارك عيد الفطر السعيد لكافة الإخوة و الأخوات المسلمين المصلين و لجميع المسلمين في كل أنحاء العالم، و أوصي الإخوة و الأخوات المصلين بمراعاة تقوى الله و الحفاظ على الذخر القيم الذي أصابوه في شهر رمضان المبارك بصيامهم و قيامهم و عبادتهم و ذكرهم و خشوعهم.نشكر الله لأنه أهدى لشعبنا شهر رمضان تسود بلادنا و شعبنا خلاله أجواء الذكر و التوجه و العبادة. هذه من الفرص الإلهية الكبرى. قضيتم أيها الشعب العزيز المؤمن شهر رمضان بالصيام و تلاوة القرآن و العبادة و الإحياء، و جاءكم يوم العيد و الحمد لله.اليوم عيد الفطر؛ يوم استلام هدية العيد من الله تعالى. اليوم الذي طلبت فيه ملايين القلوب الخاشعة المتذكرة من الله تعالى في قنوت صلاة عيد الفطر أن يمنَّ عليها بالخيرات التي منَّ بها على خيرة عباده، و أن ينأى بها عن الشرور التي أبعد عنها أفضل و أعظم أناس في التاريخ. تلك الخيرات هي بالدرجة الأولى العروج إلى مقام التوجّه لله، و عبوديته، و التعرف على الله و الارتباط به، و الاستلهام من حضرته في كل الأقوال و الأفعال و اللحظات الحياتية. و أسوء الشرور هي الشرك بالله، و الخضوع أمام القوى غير الإلهية و المعادية لله، و الرضا بالعبودية للآخرين. نتمنى على الله بفضله و رحمته أن يستجيب أدعية ملايين المسلمين التي جرت من قلوبهم على ألسنتهم، و أن يتقبلهم في وادي أمن عبوديته و مقام عباده الصالحين.لقد عيّد شعبنا العزيز اليوم. و الكثير من الإخوة و الأخوات المسلمين في البلدان الإسلامية اعتبروا أمس يوم عيدهم. و في داخل بلادنا ثبت للبعض في مدن معينة أن يوم العيد كان بالأمس. وثبت لبعض مراجع التقليد العظام أن أمس كان يوم عيد الفطر و عملوا وفقاً لما أحرز عندهم. و لم يثبت هذا للبعض، و طبقاً للحكم الشرعي يعد اليوم بالنسبة لهم يوم العيد لذلك عيّدوا اليوم. كلا الفئتين عملت بواجبها. و قبل ذلك كان تخمين المتخصصين و خبراء النجوم في بلادنا و المراكز العلمية في العالم أن شهر رمضان هذه السنة سيكون ثلاثين يوماً، و لكن إذا ثبت لشخص بعد التاسع و العشرين من شهر رمضان - ليلة الثلاثين أو يوم الثلاثين - أن شهر شوال قد بدأ فسيكون واجبه طبقاً للتكليف الشرعي أن يعتبر ذلك اليوم بداية شهر شوال. هذه الأمور ليست سبباً للاختلاف في الشريعة الإسلامية. الذين اعتبروا يوم أمس الأول من شوال عملوا على أساس تكليفهم و طبقاً لجزمهم و هم مثابون عند الله تعالى. و باقي الناس الذين اتبعوا عدداً من المراجع العظام في قم و النجف و لم يثبت لديهم أن يوم أمس الأول من شوال - و هو ما لم يثبت و لم يُحرز لدينا أيضاً - مأجورون عند الله تعالى أيضاً. كان هذا هو واجبنا، و كان ذاك واجبهم. المهم هو العمل بالتكليف و عدم خسران ذخائر شهر رمضان.يقول الإمام أمير المؤمنين في خطبة من نهج البلاغة: » ألا و إنّ اليوم المضمار و غداً السباق «. هذه الدنيا دار الاستعداد و التمرين. في هذا المعسكر الكبير الخاص للاستعداد لدخول ساحة اللقاء الإلهي - و هي القيامة - أعدوا أنفسكم لمواجهة الحساب و المؤاخذة الإلهية. اليوم يوم التمرين و الاستعداد و بناء الذات، و غد - أي يوم القيامة - يوم العجلة و السباق نحو المصير الذي رسمناه لأنفسنا في هذه الدار. » و السبقة الجنة، و الغاية النار «.. الشيء الذي يفوز به الفائزون يوم القيامة هو الجنة، و الشيء الذي يُمنى به الخاسرون يوم القيامة هو دار جهنم.. » أفلا تائب من خطيئته قبل منيّته «. فهل من تائب أو عائد عن خطاياه قبل موته؟ يدعو أمير المؤمنين الناس بإصلاح ما بدر منهم من أخطاء، و العودة إلى طريق الهداية و السير في سبيل الصلاح و السداد. » ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه «. هل من عامل يعمل لنفسه و يجمع الزاد لنفسه قبل حلول يوم تعاسته و بؤسه؟ حياتنا ساحة جمع الزاد و الذخيرة. تجارتنا، و دراستنا، و أعمالنا العلمية، و السياسية، و بيوتنا و كل ميادين حياتنا إنما هي مواطن للعمل في سبيل الله والسعي و الجهاد من أجل الغد.أيها الإخوة والأخوات؛ أيها المؤمنون؛ أيها الشعب الإيراني العزيز! لنعمل من أجل غدنا. إنه عمل من أجل بناء الدنيا، و بناء الروح و الجسم. هذا العمل عبارة عن سعي للاعتلاء المادي و المعنوي لأنفسنا ولإخوتنا و أخواتنا المسلمين، و لبلادنا و شعبنا.اللهم وفّق شعبنا العزيز في هذا السبيل. اللهم منَّ على شعبنا بالصلاح و السداد. ربنا انصر شعبنا على أعدائه في كل الميادين.بسم الله الرحمن الرحيم و العصر، إنّ الإنسان لفي خُسر، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر.الخطبة الثانية بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على عليّ أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، و سبطي الرحمة الحسن و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الخلف الهادي المهدي، حججك على عبادك و أمنائك في بلادك. و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.ما يلزم أن أقوله أولاً في الخطبة الثانية هو أن شعبنا عرض على العالم عظمة الإيمان في يوم القدس مرةً أخرى. يوم القدس ليس خاصاً بإيران؛ إنه يوم العالم الإسلامي، لذلك أبدى المسلمون مشاركتهم للدفاع عن الإخوة الفلسطينيين في كل العالم الإسلامي. عرض المسلمون في هذا اليوم إرادتهم العامة لمواجهة حيل أميركا و إسرائيل في فلسطين المظلومة الدامية. لكن شعبنا كان رائداً في هذه الساحة و قد عرض هذه الريادة و عظمة الإرادة الوطنية في إيران بنحو واضح هذا العام.جعل شعبنا في يوم القدس من هذا العام جميع شعاراته في الدفاع عن شعب فلسطين المجاهد المظلوم و إبداء الاستياء و البغض لأمريكا و إسرائيل و الصهاينة جعلها شعاراً واحداً. أمريكا و إسرائيل رغم كل ادعاءاتهم الكاذبة حول حقوق الإنسان و الديمقراطية، يرتكبون أفجع أنواع الجور ضد شعب مظلوم. إنني كخادم صغير للشعب أشكر من أعماق قلبي جميع أبناء شعبنا الأعزاء لأنهم رفعوا رأس الجمهورية الإسلامية عالياً في العالم. حيثما كانت هناك ساحة لمشاركة الشعب سجّل الشعب مشاركته فيها بكل قوة و اقتدار و بكل إرادة و وعي.قضية فلسطين لا تزال في الصدارة من قضايا العالم الإسلامي. لنلق نظرةً على شعب فلسطين و نظرة على محتلي فلسطين الجائرين الأشرار.الشعب الفلسطيني يعيش العسرة؛ إنهم يهدمون بيوت الناس، و يتلفون مزارعهم و بساتينهم، ويسلبون الشباب فرص العمل، و يلقون رجالهم الكفوئين في السجون، و يرتكبون المذابح الجماعية ضدهم، بل ويقتلون بظلمهم حتى أطفالهم. تُرتكب اليوم ضد الشعب الفلسطيني على أرضه أعمال نادرة في تاريخ الشعوب.الشعب الفلسطيني المظلوم الوحيد المحاصر يدافع عن نفسه بكل قوته و ببركة اسم الإسلام ورايته المرفوعة، و يقف بوجه الجائرين و المحتلين. إننا و من صلاة عيد الفطر العظيمة في طهران، و نيابة عن كل الشعب الإيراني نحيّي شعب فلسطين بشبابه، و أحداثه، و نسائه، و أمهاته، و قلوبه الشجاعة المؤمنة و نهديهم السلام. إنهم يقفون بأرواحهم و أحبائهم و كل وجودهم في الصفّ الأول للعالم الإسلامي مقابل الأعداء و المتطاولين في هذه المنطقة.أما النظرة للمحتلين و الصهاينة الغاصبين و حماتهم أي الحكومة الأمريكية المعتدية، فلو تعمَّق الإنسان في قضايا فلسطين و راجعها أكثر سيتضح له أكثر فأكثر أن الحكومة الأمريكية والصهاينة وصلوا في فلسطين لطريق مسدود تماماً. ليس أمامهم طريق للتقدم إلى الأمام، و لا طريق للرجوع إلى الوراء. إنهم محكومون بالهزيمة. لقد استيقظ الجيل الفلطسيني الصاعد و أدرك أن سبيل الخلاص من العدو المحتل ليس سوى الكفاح. لقد وعى أن المشاركة في الاجتماعات العالمية و التحدث بحسب ما يهوى المحتلون و حماتهم ليس طريق إنقاذ فلسطين. لقد أدرك أنه يجب أن يقف و يطلب و يبدي همّته و تضحياته حتى يصل لأهدافه. لقد وعى الشعب الفلسطيني هذا و فهمه من الأعماق، لذلك فهو يقاوم. حينما يصدر هذا الشعور عن ينبوع ديني و اعتقاد بالتوحيد - وهذا هو الحال في فلسطين اليوم و الحمد لله - فإنه لن يجف أبداً. نتمنى أن يقرِّب الله تعالى يوم انتصار الفلسطينيين.قضية العالم الإسلامي الثانية هي قضية العراق. دخل الأمريكان العراق باسم الديمقراطية، و حقوق الإنسان، و مكافحة التسلّح الذري، و أسلحة الدمار الشامل، و السلاح الكيمياوي، و الميكروبي، و قالوا إننا نريد منح الشعب العراقي حريته! لكنهم يضيّقون اليوم على الشعب العراقي إلى درجة أن الشعب العراقي يضطر لغرس مخالبه في وجوههم. تواجدهم كان مدعاة مهانة و ذلة للشعب العراقي إلی حد أن هذا الشعب لم يعد يطيقهم. ليعلم الشعب الأمريكي أن حكومته أوقعتهم في العراق في الوحل، و كلما مكثوا هناك أكثر غاصوا في الوحل أكثر. انظروا أين وصل الأمر بأمريكا في العراق بحيث تستهدف بغداد التي تحتلها بصواريخ سفنها الحربية المتواجدة في البحار. هذا دليل عجز أمريكا في إدارة العراق، العجز الذي سيتفاقم أكثر كلما بقيت في العراق أكثر. هذه المنطقة لا تطيق الاحتلال. يقولون إننا نريد جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة ديمقراطية! هذه كذبة مخجلة. إنهم أعداء الديمقراطية و يعلمون أنهم لو رجعوا في العراق الآن لأصوات الشعب فإن الأغلبية الساحقة من الشعب ستنتخب أشخاصاً لا يسمحون ببقاء الأمريكيين في العراق حتى ليوم واحد. حيثما أقيمت اليوم انتخابات شعبية في العالم الإسلامي كانت النتيجة ما يخافه الأمريكان، ألا و هو وقوع السلطة بيد من يعادون أمريكا من الأعماق. ليعلم الأمريكان الذين يريدون فعل شيء يلغي الانتخابات الشعبية في العراق أن الدستور المفروض و أية قوانين أو منظومات مفروضة ستستتبع مقاومة الشعب العراقي. لو رصد رئيس جمهورية أمريكا بدل أربعمائة مليار دولار أربعة آلاف مليار دولار كميزانية لما استطاع إيقاع شعوب منطقة الشرق الأوسط و الشعوب المسلمة في أسره.الحكومة الأمريكية التي ارتكبت كل هذه الجرائم في العالم ضد الحكومات الشعبية و الديمقراطية رغم ادعائها الديمقراطية؛ النظام الذي أسسته في 28 مرداد في إيران؛ و توجيهها انقلاب شيلي ضد الحكومة القانونية في ذلك البلد؛ و عشرات الانقلابات في أمريكا اللاتينية، و أفريقيا و المناطق الأخرى ضد الحكومات الوطنية، و دعمها على مدى سنوات طويلة للأنظمة الدكتاتورية كنظام » محمد رضا بهلوي « في إيران، و لا زال أي نظام دكتاتوري لا يكون أقبح منها ويستسلم لها مقبولاً عندها، هذه حكومة لا يصدِّق أحد إدعاءها الديمقراطية و حقوق الإنسان. يلهج رئيس جمهورية أمريكا هذه الأيام بالآمال القديمة للمستكبرين الأمريكيين الذين كتموها في تصريحاتهم، و يقول إنه يريد احتلال الشعوب و التضحية بمصالحهم من أجل المصالح الأمريكية غير المشروعة. لتعلم أمريكا أن الشعوب لن تخضع لهذا، و الشعب الإيراني الكبير المجاهد المكافح المقاوم الأصيل يقف نموذجاً للشعوب.أيها الشعب العزيز، إخوتي و أخواتي في كل البلاد، لقد أثبتّم أنكم شعب مقاوم مؤمن كبير. و قد سبّبتم الفشل لأعدائكم دوماً طوال أعوام ما بعد الثورة و تركتموهم خلف الأبواب. الشيء الأهم الذي أعانكم هو إيمانكم بالله و وحدة كلمتكم. إيمانكم بالله و وحدة كلمتكم يعظِّم مشاركتكم في الميادين، و هذا ما يخيف العدو من أعماق روحه.نحن مقبلون على الانتخابات، و الانتخابات من مجالات المشاركة الوطنية لجماهيرنا. أنا أجد أن من لا يريدون في مراكز القوى العالمية لشعب إيران أن يثبت مشاركته و صموده في انتخابات حماسية عظيمة أخرى، شرعوا من الآن في إطلاق إعلام جد عدواني ضد الانتخابات التي ستقام إن شاء الله بعد نحو ثلاثة أو أربعة أشهر. كونوا يقظين. ثمة الكثير مما يجب أن يقال حول الانتخابات و لا زال الوقت طويلاً حتى الانتخابات، وسنقول ما يجب لشعبنا إذا امتد بنا العمر. ما أريد أن أقوله الآن هو أن ينظر الجميع للانتخابات كحدث وطني كبير يمكنه تقوية شعبنا و تسليحه و إعداده أكثر في طريق بناء البلد. إذا أقيمت الانتخابات بنحو جيد و عظيم و سجل الشعب مشاركته المؤمنة الصادقة فيها - و سوف يسجلها بفضل الله - فسوف يقضي على العدو بحول الله و قوته، وعندئذ سيدرك العدو أنه لا يستطيع اتخاذ قرار بشأن مستقبل مصالح هذا البلد. يريد العدو و كما كان في عهد الاستبداد و الطاغوت والتبعية أن ينتزع زمام القرار من يد الشعب، و يتخذ هو القرارات لبلادنا و شعبنا من خلف حدوده و في البيت الأسود بواشنطن.أوصي جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء مرة أخرى بالعودة للإرادة والطاعة الإلهية و مساعدة بعضهم و المساعدة في تقدم البلاد، و أسأل الله تعالى السعادة و النصر لشعبنا على أعدائه و تقدمه في كافة شؤونه المادية و المعنوية.بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصلّ لربك و انحر، إن شانئك هو الأبتر.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/11/25

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي البلاد بمناسبة عيد الفطر السعيد

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك عيد الفطر السعيد لكل الأمة الإسلامية الكبرى، و للشعب الإيراني الشريف، و لكم أيها الحضور الأعزاء، و كذلك المسؤولين و المدراء في البلاد، و الضيوف الأجانب من البلدان الإسلامية.أن ينتهي شهر رمضان المبارك بعيد الفطر فلهذا معنى و مضمون تربوي رفيع. معناه أن صيام الناس و قيامهم و جهادهم طوال شهر رمضان ضد شيطان الباطن و النفس الأمارة بالسوء، ستكون نتيجته و حصيلته عيداً لهم، و مظهر هذا العيد الحضور الحاشد الواحد للناس في ساحة التوجه لله تعالى و الارتباط الخاشع به.مع أن الإسلام يدعو الناس للعبادة و بناء الذات و ترويض النفس، لكنه لا يرى هذه ممارسات فردية و حسب يقوم بها كل واحد من الناس لنفسه فقط و للارتباط شخصياً بالله، إنما يرى هذا الارتباط و التوجه و الذكر و الخشوع و التوسل بالله أداة يستطيعون بها أيضاً تثبيت أقدامهم و خطواتهم في شؤون دنياهم و بناء مستقبلهم. إذا كان الأمر كما قاله بعض الأجلاء من أن سعادة الأمة الإسلامية تحتاج إلى مبدئين حاسمين هما » كلمة التوحيد « و » توحيد الكلمة « ، و هو كذلك فعلاً، فإن عيد الفطر، و صلاتنا، و توسلنا في هذا اليوم أيضاً هو مظهر من مظاهر توحيد الكلمة و كلمة التوحيد، فهو حالة معنوية، و توسل، و خشوع، و هو إلى ذلك تقوية للفؤاد بواسطة الإيمان بالله، و التمتع بحالة السكينة و الاطمئنان و التخلّص من الاضطرابات النفسية المختلفة. و عيد الفطر في الوقت ذاته هو ربط لكافة القوى و الطاقات ببعضها و إنزالها إلى ساحة الحياة. إذن، فشعبنا و الأمة الإسلامية الكبرى اليوم بأمس الحاجة لهذا الركن الركين و المبدأ الإسلامي الكبير.وجّهت الثورة الإسلامية قلوب الناس إلى الله، و أخذت بأجسامهم و أرواحهم إلى ساحة الكفاح و السعي لأجل حياة أفضل، و كانت النتيجة أن وضع الشعب الإيراني قدميه على صراط الفلاح و الصلاح، وحقّق بفضل الله و حوله و قوته تقدماً هائلاً في هذا السبيل، و عليه مواصلة هذا الطريق و هو طريق الارتباط و الاتصال بالله و مشاركة الجسم و الروح في ميادين العمل و الجد و الجهاد لبناء المستقبل، و عليه كذلك أن يعلم أن وحدة الكلمة هي سرّ انتصاره و لا بد له من المحافظة على هذا السرّ.و ضمن دائرة أوسع فإن وحدة الكلمة هي أيضاً سرّ انتصار الأمة الإسلامية. إذا أرادت الأمة الإسلامية التطور في مجالات العلم، و الرقي، و التقدم المادي، و التسلّط على مصيرها، و التحرّر من هيمنة الأجانب، و بلوغ السعادة الداخلية و الخارجية، فإن السبيل لذلك هو كلمة التوحيد و توحيد الكلمة. مراكز القوى الاستكبارية التي تستخدم كافة الوسائل و الأسباب لتكريس قدراتها و هيمنتها على العالم، سعت للإفادة من كل الأدوات لبث التجزئة، و التفرقة، والاختلاف في العالم الإسلامي، وقد نجحت إلى حد كبير للأسف. إذا كان الشعب الفلسطيني قد ابتلي اليوم بمثل هذا المصير المرير، و إذا كان جسد الشعب الفلسطيني اليوم دامياً، و مصابه و أحزانه نافذةً إلى أعماق أرواح الناس المهمومين الشاعرين بالمسؤولية، فما ذلك إلا بسبب اختلاف كلمة المسلمين. لو توفرت وحدة الكلمة لما كان هذا الواقع.إذا كان العراق المسلم تحت بساطير المحتلين فذلك بسبب اختلاف كلمة المسلمين. إذا كانت بلدان الشرق الأوسط تتعرض حالياً لتهديدات أمريكا و صراخها المغرور الثمل فبسبب اختلاف كلمة المسلمين. و إذا أراد المسلمون الخلاص من هذه المهانة و إذا أرادوا إنقاذ فلسطين، و إذا أرادوا منع العدو في أفغانستان و العراق و سائر البلاد الإسلامية من الضغط على أرواح المسلمين و أجسامهم، فالسبيل لذلك هو وحدة الكلمة، و وحدة الشعوب و الحكومات، و وحدة الشعارات. يوم عيد الفطر يوم الاتحاد و الوحدة.للأسف ثمة في العالم الإسلامي من هم على استعداد للقيام بأية ممارسة خاطئة و لبث الخلافات بين الشيعة و السنة لأجل التقرّب لأمريكا و مراكز القوى الاستكبارية. إنني أرى اليوم في بعض البلدان الجارة الأيادي التي تتحرى بشكل عامد و مدروس زرع الخلاف بين الشيعة و السنة و التفريق بين القوميات و المذاهب و إشعال نيران الشجار بين التيارات السياسية كي يستطيعوا التصيّد في الماء العكر، و لكي يُؤمِّنوا مصالحهم اللامشروعة في البلدان الإسلامية. ينبغي أن نكون يقظين. على الشعوب، و الحكومات، و كافة المسلمين، و التيارات السياسية، و المثقفين و الشخصيات البارزة التحلّي باليقظة و الوعي حيال مخطط الأعداء هذا، فلا يسمحوا للعدو أن ينجح في زرع الخلافات بينهم بذرائع شتى. إنهم يريدون فعل هذا في العراق. قضية العراق اليوم قضية مُرّة للعالم الإسلامي. العراق بلد متحد واحد خطط المستكبرون لتجزئته و هم يعلمون أن هذا الأمر غير ممكن دفعةً واحدة، لذلك يريدون القيام به تدريجياً. على الشعب العراقي و الشعوب و الحكومات المسلمة اتخاذ جانب اليقظة. تجزئة العراق خطر كبير على هذا البلد ذاته و على المنطقة. العراق للعراقيين.. مصير العراق يجب أن يقرره العراقيون أنفسهم. دستور العراق يجب أن يكتبه العراقيون أنفسهم. الدستور الذي تكتب أسسه و أركانه وخطته في واشنطن لن ينفع العراق، و ليعلم محتلو العراق أنهم لو عملوا بغير هذا و لم يفوِّضوا شؤون العراق للشعب العراقي، فإن الشعب العراقي لن يتركهم لحالهم و لن يستسلم لهم.يريد محتلو العراق أن يتصرفوا في منطقة الشرق الأوسط على شاكلة فلسطين. لقد وصل الصهاينة و الأمريكيون اليوم في فلسطين لطريق مسدود، و لا سبيل لخلاصهم سوى الخضوع لإرادة الشعب الفلسطيني المشروعة. الشعب الفلسطيني شعب مظلوم لكنه رغم مظلوميته جد شجاع، و من الحق أن نقول: » الشعب الفلسطيني البطل «. إنه شعب يقاوم لوحده و بغربة و بأيدٍ عزلاء و قد أعجز القوى المادية العالمية التي تتوفر على كافة أدوات القتل و القمع. ليعلم محتلو العراق أنهم لو أرادوا التصرف في أية بقعة من العالم الإسلامي و الشرق الأوسط بنفس المنطق الذي يعمل به الصهاينة المستكبرون في فلسطين، فسوف يجرّون الجماهير إلى الساحة بنفس الطريقة. الأمة الإسلامية يقظة وواعية.لقد أثبت شعبنا العزيز طوال هذه الأعوام الخمسة و العشرين أنه يحب الثورة، و الإسلام، و نظامه و مسؤوليه، و أنه ملتزم باستقلاله الذي حصل عليه بصعوبة. لم نحقق هذا الاستقلال بسهولة.. لم نحقق هذه الديمقراطية الدينية بسهولة. لقد جاهد شعبنا في هذا السبيل و ضحّى بأرواح طيبة طاهرة مطهرة من أجل ذلك. لقد عانى شعبنا العنت و الشدة، فهل تراه يتخلّى عمّا حقّق بسهولة؟!ما يثبّت أقدامنا أمام مؤامرات الأعداء هو الإيمان بالله و الثقة بالوعد الإلهي. و الوعد الإلهي هو: » و لينصرّن الله من ينصره « . من ينصر دين الله، و من يوظف طبقاً للأمر الإلهي طاقاته في سبيل النجاح و الفلاح و الصلاح، فإن الله تعالى لن يتركه وحيداً بل سيوفّقه و ينصره. و هذا ما تدل عليه تجربتنا.نطلب من الله تعالى أن يمنَّ بفضله على شعبنا العزيز و على الأمة الإسلامية الكبرى ببركات هذا العيد المبارك و ببركات شهر رمضان المبارك، و يوفّر بحوله و قوته أسباب انتصار الأمة الإسلامية على أعدائها.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/11/25

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

الخطبة الأولی بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، نحمده و نستعينه، و نستغفره و نتوكل عليه، و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد صلى الله عليه و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين، سيما بقية الله في الأرضين .. أوصيكم عباد الله بتقوى الله؟أدعو و أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين الأعزاء برعاية التقوى و الامتثال للأوامر و النواهي و الإرادة الإلهية في سلوكهم و أقوالهم و حتى في خطرات أذهانهم و مشاعرهم التي تغلب على الإنسان. اليوم هو يوم التاسع عشر من شهر رمضان، و كانت ليلة البارحة من الليالي التي يحتمل أن تكون ليلة القدر. الأيام هذه على العموم أيام جد عزيزة و مباركة و أمامنا ليلتان يحتمل أن تكون إحداهما ليلة القدر. ليُعدّ الأهالي الأعزاء المؤمنون في طهران قلوبهم في هذه الاجتماع المعنوي الروحي للاتصال و الارتباط بالله جلّت عظمته و عظم شأنه، و ليتزودوا في ليالي القدر الباقية مما وعد الله تعالى به عباده المؤمنين من الرحمة. اللهم وفقنا جميعاً لإدراك ليلة القدر و الانتفاع من بركاتها.أذكر نقطة مختصرة حول أهمية ليلة القدر، فضلاً عما يمكن فهمه من الآية القرآنية » ليلة القدر خير من ألف شهر « من أن ليلة واحدة يمكن أن تعادل في التقييم الإلهي ألف شهر. وردت في الدعاء الذي نقرأه هذه الأيام أربع سمات لشهر رمضان: إحداها تفضيل و تعظيم أيام هذا الشهر و لياليه على أيام و ليالي الأشهر الأخرى. و السمة الأخرى وجوب الصيام في هذا الشهر و هناك أيضاً نزول القرآن في هذا الشهر، و السمة الرابعة وجود ليلة القدر في هذا الشهر. أي إننا نجد ليلة القدر في هذا الدعاء المأثور عِدلاً لنـزول القرآن في شهر رمضان. إذن، ينبغي معرفة قدر ليلة القدر و اغتنام ساعاتها، و العمل بحيث يجري قلم التقدير الإلهي لبلدنا العزيز و كل واحد من أبناء شعبنا في ليالي القدر بما يرفع من شأن شعبنا المؤمن العزيز؟هذه الأيام هي أيام أمير المؤمنين الإمام علي عليه الصلاة و السلام. أذكر في الخطبة الأولى نقطة مختصرة حول أمير المؤمنين و هي أن القضية الأبرز من أية قضية أخرى في الحياة الاجتماعية و الحكومية لأمير المؤمنين هي » العدالة « . مثلما أن التقوى تعد النقطة البارزة في الحياة الفردية لأمير المؤمنين، فإن النقطة الأبرز في الأداء الحكومي و السياسي و شأن الخلافة عند أمير المؤمنين هي العدالة. هذه نقطة على جانب كبير جداً من الأهمية بالنسبة لنا نحن الذين نعتبر أنفسنا أتباعاً لأمير المؤمنين. أخذ العدالة بنظر الاعتبار و تقديرها و تثمينها و العمل بمقتضاها واجبنا و يجب أن يعد المعيار في النظام الإسلامي. كل الأشياء تندرج في ظل العدالة و تخضع لهيمنتها. هذا هو منطق أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام.لو نظرنا لحياة أمير المؤمنين و الأحداث التي جرت خلال فترة الأعوام الخمسة تقريباً من حكومته لوجدنا أن أهم شيء شكل معضلةً له عليه السلام في هذه المدة كان بسبب التزامه بالعدالة. و في هذا دليل على صعوبة قضية العدالة. طلب العدالة و نشدانها سهل باللسان، لكنه على صعيد التطبيق العملي يواجه عقبات متنوعة بحيث تغدو أصعب مهمات أية حكومة أو نظام هي تأمين العدالة في المجتمع. ليست العدالة مجرد العدالة الاقتصادية.. العدالة صعبة جداً في كافة أمور الحياة و شؤونها. هذا هو الشيء الذي جعله أمير المؤمنين بقدرته الملكوتية و شأنه الإلهي موضع اهتمامه و متابعته. لذلك قال أمير المؤمنين في عبارته المعروفة: » و الله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، و أجر في الأغلال مصفداً أحب إليّ من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد و غاصباً لشيء من الحطام «. أي لست مستعداً للتنازل عن الخلافة و حسب، بل حتى لو جروني في الأغلال و الأصفاد و مرّروا جسمي العاري على الأشواك الجارحة فلست على استعداد لأن أظلم حتى شخصاً واحداً من عباد الله. و بسبب هذا المنطق عاش أمير المؤمنين كل تلك المشكلات في فترة خلافته. فعدالته هي التي أثارت ضده كل أولئك الأعداء. صبر أمير المؤمنين و لم يتنازل عن العدالة لأجل مواجهة المشكلات و حلها.. فكان هذا درساً.خمسة أعوام من حكومة أمير المؤمنين تعتبر فترة قصيرة جداً في تاريخ الإسلام، بيد أن ما يضفي الأهمية على هذه الفترة القصيرة هو أن أمير المؤمنين عرض العدالة بشكلها العملي؛ كالنموذج المدرسي الذي يكتبونه أعلى الصفحة و يجب على المتعلم تكراره في باقي سطور الصفحة. كتب أمير المؤمنين هذا النموذج الذي يقول: لو تعرض الحاكم الإسلامي لكل هذه المشكلات و الصعوبات بسبب عدالته - حيث لم يسمحوا لأمير المؤمنين طوال نحو خمس سنوات أن يدير البلاد و يفكر في شؤونها بلا هموم و قلق.. و فرضوا عليه ثلاثة حروب بكامل تبعاتها المتنوعة - فيجب مع ذلك أن لا يستسلم .. ما معنى هذا؟ معناه عدم التراجع عن طريق العدالة .. و كان هذا درساً.نحن اليوم ندعي اتباع الإمام أمير المؤمنين. علي بن أبي طالب لا يختص بالشيعة طبعاً، فالعالم الإسلامي يرى لعلي شأناً و عظمة و يعتبره إمامه. الفارق هو أنه في مقام المطابقة مع أقوال الآخرين و تصرفاتهم، نعتبر نحن كل فعل و ترك فعل صدر عن ذلك الإنسان العظيم حجة علينا بسبب عصمته. هذه هي ميزة الشيعة. إذن، نحن بوصفنا شيعة يجب أن نتذكر هذا الدرس و هو أن العدالة مما لا يمكن غض الطرف عنه و المساومة عليه، و لا يمكن مقايضة أي من المصالح - لا المصالح الفردية و لا مصالح الحكومة و البلاد الإسلامية - بالعدالة. تحمل أمير المؤمنين هذه المصاعب من أجل العدالة و لم يتراجع.واجهت أمير المؤمنين ثلاث فئات: فئة القاسطين، و هم بنو أمية و أهل الشام، و كانوا من العاملين بالظلم و المنهج الظالم، و سلوكهم مع أمير المؤمنين كان ظالماً للغاية. الفئة الأخرى هم الناكثون الذين نكثوا بيعتهم له، أي رفاق جهاده و أصدقاؤه القدامى الذين لم يطيقوا العدالة و اشتبكوا معه رغم أنهم كانوا يعرفون علياً و يؤمنون به. و بعضهم كان له دوره حتى في تولي الإمام علي للخلافة حيث بايعوه، لكنهم لم يطيقوا عدالة أمير المؤمنين و اصطدموا به حينما لاحظوا إنه لا يعير أهتماماً للصداقة و المعرفة و السوابق. و الفئة الأخری هم المارقون، أي الجماعة المتطرفة المتعصبة في آرائها من دون أن تكون لعقيدتهم الدينية أصول معرفية سليمة.البعض يسمّي المارقين خطأ المتظاهرين بالقدسية. ليست القضية قضية تظاهر بالقداسة فقد كان بين أصحاب أمير المؤمنين من هم أكثر قدسية منهم بكثير؛ القضية هي أن البعض لهم أفكار و نظرات تنسجم مع ظواهر الدين لكنها بلا جذور معرفية و ليست عميقة. هؤلاء تعوزهم المعرفة كي ينأوا بأنفسهم عن الانحراف في موارد الشبهة و الالتباس. أحياناً يتطرفون في مواقفهم إلى حد قولهم: القرآن مرفوع على الرماح إذن لا ينبغي إطلاق النبال عليه، فالقرآن مقدس. في حرب صفين بمجرد أن رفع القرآن على الرماح بحيلة أهل الشام - رفعوا المصاحف على الرماح لأنهم شعروا بقرب هزيمتهم - تفجرت العصبية و الحب و التطرف في نفوسهم لصالح القرآن بحيث فضلوه على أمير المؤمنين و هو القرآن الناطق.. جاءوا و ضغطوا على الإمام علي و قالوا له إن هؤلاء من أهل القرآن، و هم إخوتنا المسلمون فيجب أن لا تحاربهم.. هددوا أمير المؤمنين و فرضوا عليه ترك الحرب قبل أن تنتهي . و هؤلاء أنفسهم بعد أن تفطنوا إلى أنهم خدعوا عادوا أدراجهم و عملوا بدرجة من التفريط بحيث قالوا إننا جميعاً كفرنا و كفر علي معنا، لذا يجب عليه أن يتوب و يستغفر، لأنهم يفتقرون لجذور معرفية و عقيدية سليمة تراهم يسيرون في طريقين منحرفين متعارضين مائة و ثمانين درجة. و إذا أردتم تشخيص نموذج لهذه الحالة في ثورتنا لكان المنافقون هذا النموذج.. أولئك الذين لم يكونوا يعترفون حتى بالإمام الخميني في كفاحهم ضد أمريكا بداية الثورة، ثم ذهبوا و اختبأوا تحت العباءة الأمريكية و استلموا الأموال منها و لجأوا إلى صدام. حين لا تكون هناك جذور معرفية، و يكون ثمة غرور ناجم عن الجهل و الاغتباط بالأفكار و الآراء الذاتية، و يكون هناك أيضاً تمسك بظواهر الدين، فستكون النتيجة هؤلاء المارقين.لكن الأخطر من كل هؤلاء على أمير المؤمنين هم القاسطون .. أصحاب النهج الظالم في الحكم و الذين لم يكونوا يتقبلون النهج العلوي و الإسلامي في الحكم على الإطلاق .. بل كانوا يرفضون الإمام علي نفسه و بيعة الناس له و لا ينصاعون لشيء، و لم يكونوا يؤمنون إطلاقاً بالسلوك العادل و التوزيع بالعدل و القسط، لأنهم إذا أرادوا إفساح المجال للعدالة و رفع شعار العدالة فسيكونون أول المدانين. و لأجل محاربة العدالة العلوية تشبثوا باحترام الصحابة و مبدأ الشورى. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. لأجل محارب مبدأ العدالة و تهميش قيمة العدالة التي كانت محور حكومة الإمام علي، رفعوا أمامه قيمة إسلامية أخرى كانت أهميتها طبعاً أقل من أهمية العدالة بكثير. لم يكن قصدهم دعم آراء الصحابة أو الصحابة أنفسهم، أو شورى الصحابة. يكتب أمير المؤمنين هذا المعنى في رسالة بعثها لمعاوية و سأله فيها: أنت تريد الحكم بين المهاجرين و الأنصار؟ أنت تريد أن تعلمنا؟! أنتم الجدد على الإسلام تريدون أن تعلموا الإسلام لعلي بن أبي طالب الذي امتزج وجوده بالإسلام و تكوّن على يد الإسلام؟! و هكذا، عارض هؤلاء العدالة العلوية و لم يؤمنوا بها.وكذا الحال في العالم اليوم .. نظام الجمهورية الإسلامية استمرار للشعارات العلوية و النظام العلوي. و يجب أن لا تخطئوا هنا، لا نريد القول إن نظام حكمنا الحالي يتطابق مع نموذج أمير المؤمنين، كلا، البون كبير. و لا يستطيع أحد الادعاء أنه يوجد في زماننا، و في نظامنا الحالي، بل و تحت هذه السماء، شخص سوى الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه يمكن مقارنته بعلي بن أبي طالب. إمامنا الجليل الذي كان شخصية إسلامية ممتازة في زماننا كان يفخر بأن يكون أقل أقل أصحاب الإمام علي، كان يفخر بأن يكون خادماً لخدام علي بن أبي طالب. لكن النظام الإسلامي استمرار لذلك النظام و هو مستلهم من ذلك النظام، و يواجه نفس تلك القضايا.الكلمة الأهم في النظام الإسلامي راهناً هي العدالة. إننا نروم تطبيق العدالة اليوم. كل الجهود و المساعي تبذل من أجل تأمين العدالة في المجتمع، و إذا تم تأمين العدالة يتم تأمين حقوق الإنسان و كرامته و يتمتع الناس بحقوقهم و حرياتهم. إذن، العدالة محور كل شيء.اليوم أيضاً يقف النظام الاستكباري الغربي و على رأسه أمريكا في وجه النظام الإسلامي و يعادي العدالة و يحاربها. لا أنه لا ينشد العدالة، بل هو عدو العدالة. إذا تقرر أن تطرح شعارات العدالة اليوم و يدان أحد بسبب عدم مراعاته العدالة فإن أول من سيتلوّى تحت سياط العدالة هم ساسة الاستكبار العالمي! هم لا يستطيعون ذكر اسم العدالة و العمل لها، لذلك يطرحون شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان في مقابل العدالة‌ كقيمة ولأجل تهميشها في العالم ، وكأن الديمقراطية تهمهم فعلاً! و الحال أنهم لا يقيمون وزناً حتى للديمقراطية، لكنهم يطرحونها لأجل حلحلة العدالة و تهميشها.ما يجب أن نعلمه - خصوصاً نحن مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية - هو أن العدالة هي المحور. لاحظوا مثلاً انتظاركم الحجة القائم أرواحنا فداه و هو انتظار قديم دائم لدى الشيعة.. إنه بالدرجة الأولى انتظار لتكريس العدالة في العالم: » يملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً «. كل الأشياء تأتي بعد العدالة. الأمل القديم لكل المظلومين على امتداد التاريخ هو العدالة. لدينا اليوم نظام يطلب العدل .. هذا هو هدفنا و شعارنا. يجب أن نختار الطريق بشكل صحيح.طلب العدالة له بالطبع تكاليفه و أتعابه و يستتبع عداء بعض الشرائح. يشير الإمام أمير المؤمنين في رسالته لمالك الأشتر إلى هذا المعنى و يقول: إذا دار الأمر بين عموم الناس الذين يحتاجون إلى عدلك، و بين الخواص و المجاميع الصغيرة المتمكنة الممتازة في المجتمع فلا تتردد في ترجيح عامة الناس.هذا المعنى يجب أن يكون شعارنا اليوم و معيار صحة أعمالنا و ممارساتنا، و لابد أن تتجه برامجنا و سياساتنا و أداؤنا بهذا الاتجاه.العدالة طبعاً شيء يجري على اللسان بسهولة، لكنه لا يحصل بسهولة. تحتاج إلى تخطيط و برامج طويلة الأمد. علينا رسم هذه الخطط و جعل أفقنا أفقاً عادلاً يقربنا إلى العدالة. هنا هو واجبنا و الدرس الأهم الذي يقدمه لنا أمير المؤمنين .بسبب هذه العظمة و تراكم كل هذه القيم الممتازة في الكيان المبارك للإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، ضرب هذا الإمام و وقعت هذه الفاجعة الإنسانية الكبرى على يد الأشقياء الظالمين ضد هذا الشخص الكبير. و صار دم أمير المؤمنين ثار الله. إنكم تقولون للإمام الحسين: » السلام عليك يا ثار الله و ابن ثاره « .. ليس دم الحسين ثأر الله فقط، بل دم الإمام أمير المؤمنين أيضاً ثأر الله، أي إن الله تعالى هو صاحب هذا الدم و الطالب بثأره.كان هذا اليوم يوم مصاب لأهل الكوفة و العالم الإسلامي، بل هو مصاب لكل الأجيال المسلمة و كل الأحرار في العالم بسبب الآثار التي تركها استشهاد أمير المؤمنين و حرمان العام الإسلامي من كل الحكومة العادلة. كان هذا الحدث جللاً و كبيراً إلى درجة أن أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن جرح حوالي طلوع الفجر بضربة ابن ملجم في المسجد، و جرى دمه المبارك على وجهه و لحيته، سُمع صوت منادٍ ينادي: » تهدمت و الله أركان الهدى « .. لقد كان الإمام علي ركناً للهداية.أمضى أمير المؤمنين مظلوماً فترة شباب مفعمة بالجهاد، و كهولة ملؤها الغصص و الآلام، و شيخوخة زاخرة بالمشكلات. الحق أن أمير المؤمنين هو أكبر مظلوم. أمضى هذه الفترة مظلوماً، و انتهت باستشهاده الكبير.أقرأ بعض العبارات من الروايات المأثورة كذكر لمصيبته عليه السلام: يقول لوط بن يحيى أبي مخنف: » فلما أحس الإمام بالضرب لم يتأوه «.. أي حينما انهالت الضربة في المحراب على فرقه و قصمت هامته لم تصدر عنه أية آهة » و صبر و احتسب « .. صبر و تمالك نفسه » و وقع على وجهه و ليس عنده أحد « .. سقط على وجهه على الأرض و لم يكن أحد من الناس حواليه، فالصلاة لم تكن قد بدأت بعد، و المسجد مظلم، و الناس يصلون النوافل في المسجد متفرقين. و بهذا لم يتفطن أحد في البداية لما حصل » قائلاً بسم الله و بالله و على ملّة رسول الله «. أول عبارات لهج بها الإمام بعد الضربة عبارات سمعناها في مواضع و مناسبات أخرى. سيد الشهداء سلام الله عليه أيضاً بعد أن ضرب و سقط إلى الأرض ينقل أنه ردد هذه العبارات: » بسم الله و بالله و على ملّة رسول الله « . قدموا حصيلة أعمارهم في هذا السبيل. و يروى تتمةً لذلك أنه عليه السلام قال أيضاً: » فزت و رب الكعبة « . و جاء في رواية أخرى أنه قال: » لمثل هذا فليعمل العاملون « .. و في هذا دليل على مدى ارتباط هذه الروح الطاهرة المطهرة بعوالم الملكوت حتى حينما كان جسمه لا يزال حياً في هذه الدنيا. » ثم صاح و قال: قتلني اللعين « . بعد أن ناجى الإمام بهذه المناجاة هتف قائلاً قولته هذه ليتنبه الناس و لا يسمحوا للقاتل بالفرار. » فلما سمع الناس الضجة « حينما سمع الناس صوت أمير المؤمنين » ثار إليه كل من كان في المسجد « .. هبّ الجميع نحو محراب المسجد لكنهم لا يعلمون ما الذي حدث و ماذا يجب عليهم أن يفعلوا؟ » ثم أحاطوا بأمير المؤمنين « .. اجتمعوا حول الإمام. » و هو يشد رأسه بمئزره و الدم يجري على وجهه و لحيته « .. حينما اجتمع الناس شاهدوا الإمام رغم ضعفه و الجرح الذي شق هامته يشد جرحه بمنديل أو مئزر و الدم يجري على وجهه و لحيته، » و قد خضبت بدمائه « . لحيته البيضاء احمرت و تخضبت بدمائه. » و هو يقول هذا ما وعد الله و رسوله و صدق الله و رسوله « .. هذا هو وعد الله تعالى و رسول الله و قد صدقا أي تحقق وعدهما.ربنا نقسم عليك بشأن أمير المؤمنين و مقامه و عظمته اجعلنا من شيعته. ربنا نقسم عليك بحق أمير المؤمنين اجعل عاقبتنا رضاك و ذكرك كما جعلتها لأمير المؤمنين. اللهم احفظ الشعب الإيراني المتمسك بولاية أمير المؤمنين في كنف ألطافك و صنه من شرور الأعداء. اللهم أرضِ القلب المقدس للإمام المهدي عنا و عن هذا الشعب المؤمن.. ربنا مُنَّ برحمتك و فضلك و عنايتك و قبولك على هذا الشعب في شهر رمضان و في يوم الجمعة هذا. ربنا وفقنا لإدراك ليلة القدر.بسم الله الرحمن الرحيمقل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفواً أحد. الخطبة الثانية بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما عليّ أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و عليّ بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد ، و الحسن بن علي، و الخلف القائم المهدي، حججك على عباد و أمنائك في بلادك، و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.كلامنا الأول في الخطبة الثانية هو التوصية بالتقوى. القائل نفسه أحوج منكم للتقوى و لمراعاة التقوى و توصيته بها. نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا جميعاً بتقواه و أن يجعل سبيلنا سبيل المتقين.الموضوعات التي نروم التطرق لها في الخطبة الثانية، منها ما يتعلق بأفق العشرين عاماً للجمهورية الإسلامية لتحديد الخطوط العامة للسياسات و البرامج، و قد تم إعداد هذا الأفق و إبلاغه. ما يجدر أن يطلع عليه شعبنا العزيز و يعلمه هو أن أفق العشرين عاماً الذي تم إبلاغه لمسؤولي البرمجة و التخطيط و رسم السياسات، هو شيء عملي، و منطقي، و ممكن التحقيق. ينبغي أن لا نتصور أن الكلمات المكتوبة تلو بعضها في أفق العشرين سنة مجرد آمال تفتقر للحسابات العلمية. بفضل من الله تعالى، يستطيع شعب إيران و بلدنا العزيز الوصول إلى مثل هذا المستقبل على امتداد عشرين سنة. هذا مستقبل منشود و خطوة واسعة على سبيل الوصول للمثل الإسلامية السامية التي تستبطن التقدم المادي، و التقدم الاقتصادي، و التقدم الثقافي، و التسامي المعنوي و الأخلاقي، و الهوية الإسلامية. بمقدور نظام الجمهورية الإسلامية اليوم و في ظل العمل و السعي الذي بذل في السنوات الماضية تشخيص و رسم هذه الأمور كأفق مشرق للمستقبل. هذا بحد ذاته تقدم أن تستطيع الجمهورية الإسلامية في ضوء واقع البلاد و الواقع العالمي أن ترسم المستقبل بعد عشرين عاماً بنحو منطقي مدروس. سوف يتحقق هذا المستقبل بفضل من الله. قررنا بالتعاون مع المسؤولين المخلصين تحقيق هذا المستقبل، و سوف يتحقق إن شاء الله.ما منح الجرأة لمسؤولي البلاد كي يعدوا أفق العشرين سنة و يرسموا ملامح هذا المستقبل هو أن البنى التحتية لتقدم البلاد مُعدّة و الحمد لله. الجهود التي بذلتها الحكومات، خصوصاً خلال العشرة أعوام أو الأثني عشر عاماً الأخيرة استطاعت جعل البلاد في وضع يمكّنه من تشييد بناء جيد على هذه البنى التحتية. المراد من الأعمال و المشاريع و البنى التحتية ليست الأشياء التي يمكن مشاهدته بالعين - كالسدود، و البيادر، و المعامل، و الطرق، و ما شاكل - بل الأهم من هذه تفجير طاقات الشباب في البلاد و الاقتناع بضرورة أن يسعوا من أجل العلم، و هم يسعون و يصلون إلى نتائج معينة واعدة. و في هذا دليل على أن الشعب يسير و يتقدم في طريق العلم و التقانة. الثقة بالذات المشهودة راهناً في أوساط البحث العلمي في البلاد، ظاهرة قيمة جداً، و ينبغي عدم التفريط بها أو الاستهانة بها بأي شكل من الأشكال.طبعاً توجد دلائل عديدة على رغبة أعداء الجمهورية الإسلامية و أبواق الاستكبار و الصهيونية في خلع طابع دفاعي على هذه الإنجازات و المكتسبات، بيد أن حقيقة القضية شيء آخر. في المجالات التي لا صلة لها إطلاقاً بقضايا الدفاع أنجزت الجمهورية الإسلامية و الباحثون و العلماء الشباب الموهوبون في البلاد أعمالاً بارزة و حققوا تطوراً، و نماذج ذلك معروفة و موجودة أمام الأنظار و قد أعلن عن الكثير منها في وسائل الإعلام و علم بها الشعب. على العموم، هذه بنية تحتية لها قيمة كبيرة جداً.و أشير أيضاً إلى أن دور الشباب المؤمنين، و المتدينين، و الحزب اللهيين بارز في الكثير من المجالات. ليعلموا هذا أيضاً. يريد الأعداء القول في إعلامهم بأن العناصر المتدينة متأخرة في هذه الميادين، و الحال أن الأمر ليس كذلك. العناصر المتدينة و شبابنا المؤمن متقدمون و طليعيون في كثير من هذه الميادين و أعمالهم و إنجازاتهم مميزة. العديد من الأعمال الكبرى التي يتم إنجازها تحصل على أيدي شبابنا في أجواء من التوجه إلى الله، و ذكره، و السجود لله شكراً و حمداً.. هذه حالة لها قيمة كبيرة؟النقطة الثانية التي نذكرها هي أن تصريحات مسؤولي الحكومة الاستكبارية في أمريكا تدل على أن لهم مقاصدهم و مخططاتهم ضد جميع الشعوب في منطقة الشرق الأوسط. و هذا يستدعي يقظة شعوب المنطقة. ذكر رئيس جمهورية أمريكا أشياء حول وجود الديمقراطية في المنطقة، لو علم الإنسان بدور أمريكا في الدفاع عن السلطات الاستبدادية طوال الأربعين أو الخمسين سنة الماضية - بعد الحرب العالمية الثانية فصاعداً - لخجل حقاً من ادعاء رئيس جمهورية مثل هذا النظام أنه القيّم على الديمقراطية.. لخجل من إطلاق شخص لمثل هذا الكلام المغلوط غير المدروس بكل هذه القحة و الوقاحة. هؤلاء أناس دعموا أقذر المستبدين لسنوات طويلة. في بلادنا هذه دبّر الأمريكان انقلاب 28 مرداد، و فرضوا لمدة خمسة و عشرين عاماً أحلك و أعتى الدكتاتوريات على هذا البلد و دعموها بكل صلابة و قوة. كل فاجعة أرتكبت في إيران على يد ذلك النظام - كأحداث 15 خرداد، و 17 شهريور، حيث قتل في كل واحدة من هذه الأحداث عدد كبير من الناس المدنيين العاديين على يد مرتزقة النظام - تحيز فيها الأمريكان للنظام الدكتاتوري و صرحوا ضد الجماهير. سواء في الحادثة الأولى التي كانت في زمن » كندي «، أو الحادثة الثانية التي جرت زمن » كارتر « .. ناهيك عن الدعم الكبير الذي قدموه لـ » صدام حسين « الذي يعتبرونه اليوم عدوهم.. و وضعهم حالياً ليس بأفضل مما كان في السابق.. الوضع لم يتغير.العراق بلد مستقل بثلاثين مليون نسمة في منطقة حساسة، لكنهم نصبوا حاكماً أمريكياً فيه دون أي اكتراث لأصوات شعبه و إرادته. إنهم من قتلوا مئات الأشخاص في أفغانستان و العراق لمجرد الشبهة و التهمة، و لم يعتذروا حتى ! في أفغانستان قصفوا قافلة مدنيين كانوا ذاهبين للعرس و قتلوهم، ثم قالوا: حصل خطأ، و لم يجدوا ضرورة لتقديم اعتذار! و في العراق يشتبكون مع الناس يومياً و يدمرون البيوت و البيئة الحياتية الآمنة للناس، لكنهم لا يعتذرون عن شيء من هذا! الذين لا يأبهون لحقوق الإنسان و الشعوب و أصوات الشعب إلى هذه الدرجة، حماقة منهم أن يدعوا القوامة على الديمقراطية. و الآن أيضاً حيث قاموا بتصنيفاتهم في هذه المنطقة و قالوا هذا البلد يسير في خط الديمقراطية و ذلك البلد لا يسير، إنما يدل هذا على نواياهم المشؤومة و مقاصدهم المفضوحة.إنهم لا يؤمنون بالديمقراطية أيضاً. رئيس الجمهورية الحالي في أمريكا تولى رئاسة الجمهورية بأقل من خمسة و عشرين بالمائة من أصوات شعبه و بحكم القاضي! أية ديمقراطية؟! لا يأبهون لأصوات الشعب و لا يعيرونها بالاً. و كما قلنا فالديمقراطية سلاح يستخدمونه لخنق نداء العدالة في حناجر شعوب العالم، و لأجل سحق حقوق الشعب الفلسطيني دون أن يشعر أحد، و لأجل أن يتطاولوا على أية منطقة لهم فيها منفعة و تعد موقعاً جغرافياً حساساً فيه مصالح غير مشروعة لأمريكا من دون أن يتفوّه أحد ببنت شفة. من ذا الذي لا يعلم هذا في العالم اليوم؟ كلامهم هذا لا أهمية له و لا أقصد أنا الرد عليه، فهو مفضوح أكثر من أن نحتاج للرد عليه.ما أريد أن أقوله موجّه لشعبنا و مسؤولينا: تنبهوا للمخططات و السياسات التي تعمل بها أمريكا حالياً في هذه المنطقة و في بلادنا. مواقفهم و تصريحاتهم متكبرة و مغرورة طبعاً، و لكن من الواضح تماماً أن الصفعة التي تلقوها من الشعبين العراقي و الأفغاني كانت مؤثرة. حالياً يتلقي الأمريكان يومياً صفعاتٍ من الشعب العراقي. دخلوا العراق بذريعة أنهم يريدون تحرير الشعب العراقي، فأوجدوا هذا الواقع الأسود المحزن للشعب العراقي. عزلوا الدكتاتور المحلي، و وضعوا مكانه دكتاتورياً أجنبياً.. دكتاتور ترك مكانه لدكتاتور آخر ! و كذا الحال الآن أيضاً. كما كان صدام يعدّ الأنفاس و يخنقها، سوف يخنقها هؤلاء إن استطاعوا. و قد فعلوا هذا أينما استطاعوا. بيد أنه من غير متاح لهم أن يشتبكوا بقواتهم العسكرية مع الجماهير أكثر من هذا.المهم بالنسبة لشعبنا هو أن أمريكا و انطلاقاً من موقفها الهجومي، أدركت في قرارتها أن مخططاتها السابقة لم تعد مجدية في هذه المنطقة. المخطط السابق هو الهجوم العسكري، لكن حالتي أفغانستان و العراق أثبتتا أن من المتعذر الوصول إلى نتائج مرضية في هذه المنطقة بأداة الهجوم العسكري. الهجوم العسكري يسبب لهم مشكلات عديدة، خصوصاً إذا كان الجانب الآخر بلداً كإيران الكبرى، له شعب كشعبنا الشجاع المؤمن، و في منطقة لها كل هذا العمق الثقافي، و مشاعر جياشة نابعة من إيمان الجماهير، و بحكومة تستند إلى أصوات الشعب .. في مثل هذه الحالة ستكون العملية أصعب النسبة لهم أضعافاً. سابقاً كانوا يهددون بالهجوم العسكري، لكنهم يعترفون الآن أن مخططاتهم السابقة كانت خاطئة. يقولون إن خطتنا يجب أن تبتني على تغيير الشعب الإيراني من الداخل.. هذا ما يبتغونه و يهدفون إليه.وللتغيير و الاستحالة طريقان: أحدهما الطريق الثقافي، و الثاني الطريق السياسي. ليتنبه الشعب الإيراني. غاية النظام الاستكباري الأمريكي و الصهاينة الذين يضعون يداً بيدهم و يقفون معهم في جبهة واحدة هو أن يستطيعوا بث مشاعر اللاأبالية و عدم الاكتراث لدى الشعب إزاء مُثُله، و معتقداته، و أهدافه، ثم يتمكنوا بواسطة عملائهم و مرتزقتهم من تمهيد الأرضية لعودة الهيمنة الأمريكية على إيران. و في الطريق السياسي تتركز خطتهم على زرع الخلافات و ضرب التيارات المختلفة ببعضها. يريدون للتيارات المنبثقة كلها من الثورة و التابعة كلها للثورة أن يضرب بعضها بعضاً.. هذه هي الخطوط العامة للمخطط الأمريكي في المنطقة. يختلقون التحديات حول قضايا غير واقعية في البلاد و يشيعون مناخاً من التوتر و الاضطراب.. يختلقون نقاشات و ملاسنات بشأن ثواب نظام الجمهورية الإسلامية كدستور البلاد، و الدين، و الأساس الإسلامي للنظام، و يوجدون بذلك التحديات و الخلافات.طبعاً، ثمة في الداخل عناصر مستعدة لأن تكون أبواقهم.. إنهم ينتفعون من هؤلاء أيضاً. أعلنوا أخيراً إننا يجب أن نقوي الصحف التي تتحدث لصالح أمريكا داخل إيران ! حتى لو لم يكن لهم مثل هذه الصحف فإن كلامهم هذا يدل على مخططاتهم. قبل ثلاثة أو أربعة أعوام قلت هاهنا إن بعض الصحف تحولت إلى مقرات للعدو.. و ها هم أنفسهم يفشون هذه الحقائق. طبعاً، لم نكن غير مطلعين حتى في ذلك الحين، و لم يكن كلامنا مجرد تحليل، لكنهم اليوم يكشفون القضية بأنفسهم.ليتفطن شبابنا الأعزاء للتيار الثقافي الذي يريد أولئك إطلاقه و نشره.. و أعني إشاعة اللاأبالية و الإباحية و الفساد و عدم الاكتراث للأخلاق الدينية و الإسلامية المنضبطة. الشباب، و المسؤولون العلميون، و التربية و التعليم، و المعنيون بشؤون الشباب يجب أن يحذروا من هذه المخططات. الكفاح ضد أمريكا موضعه هذه الأيام هنا. الكفاح ضد أمريكا يصدق في ميادين العلم أيضاً. هناك أيضاً يسوؤهم أن نتقدم علمياً.. و يسوؤهم كذلك تقدم شعبنا اقتصادياً.. و كذلك أن تستطيع الحكومة تقديم خدمة للشعب و حل مشكلاته. كل من يساعد على التخلف العلمي إنما يعمل لصالح أمريكا. كل من يساعد على عدم قدرة الدولة على النهوض بالخدمات اللازمة - سواء السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية، أو السلطة التشريعية - إنما يعمل لأمريكا و لخدمة أمريكا. كل من يعرض أفكار أمريكا و آراءها في الصحف و من على المنابر المختلفة إنما يعمل لصالح أمريكا. من ممارساتهم بث الإشاعات و التهم.. بالضبط كما كان يفعل أعداء أمير المؤمنين.. الشائعات، و التهم، و الحرب النفسية في كل يوم. كل من يكرس أجواء التهم داخل البلاد و يشدد من استعار الحرب النفسية ضد النظام فهو من مرتزقة أمريكا و يعمل لأمريكا، سواء استلم المال من أمريكا، أو كان خادمها المجاني. الكفاح ضد أمريكا اليوم هو المقاومة إزاء إطلاق و صناعة هذه التيارات السياسية و الثقافية. ليتنبّه الجميع و يدققوا. ليتنبّه من ليس لهم أغراض و نوايا سيئة.. لا يقولوا شيئاً بدافع المشاعر العابرة ينتهي لصالح الإرادة الأمريكية و ضد هذا الشعب و البلد. ليعلموا كيف يتقوّى العدو و ما هي الأمور التي تفسح المجال أمامه ليعمل ضد هذا الشعب. شعبنا و الحمد لله يقظ.لم تنجح أمريكا في هجومها على المنطقة. صحيح أنهم ينهبون نفط العراق للأسف، و لا أحد يدري ما الذي يفعلونه - يتدخلون في شؤون العراق، و الدستور، و القضايا المختلفة في هذا البلد، و يمسكون بزمام جميع الأمور فيه - لكنهم يتلقون الضربات من الشعب العراقي، و كراهية هذا الشعب لهم تتضاعف يوماً بعد يوم. مثلما قال إمامنا الجليل قبل سنوات و لا يزال الحال كالماضي، و ربما كانت أمريكا ممقوتة من قبل العالم الإسلامي أكثر من أي وقت مضى، و ربما لا يوجد شخص مكروه في كل العالم الإسلامي حالياً كرئيس الجمهورية الأمريكي و رئيس الكيان الصهيوني.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2003/11/13

كلمته في عدد من أعضاء التنظيمات، و الاتحادات، و الصحف، و الهيئات الدينية، و الطلبة الجامعيين

بسم الله الرحمن الرحيمليت الوقت كان أوسع من هذا لأستطيع الاستماع لكلمات شباب أعزاء آخرين ربما رغبوا في الكلام. أولاً لأن ما قلتموه - باستثناء بعض الأشياء الصغيرة - يحاكي ما في قلبي و أوافقه و اعتقد به، و ربما لو تحدث أشخاص آخرون لأشاروا أيضاً إلى أفكار تختلج في ذهني بوصفها المقاصد و الغايات الإيجابية الجديرة بالنظام، و خصوصاً منظومة الطلبة الجامعيين. و ثانياً لأن هذه الجلسة لم تعقد أساساً كي أتحدث أنا فيها - فأنا أتحدث و لدي اجتماعات كثيرة بالطلبة الجامعيين تسمعون أخبارها، مضافاً إلى اجتماعاتي بعموم الناس - بل ليكون المناخ مناخ حوار و يكتسب الطالب الجامعي ثقة بالذات تخوله أن يبدي آراءه بشأن قضايا البلاد الكبرى، أو لا أقل من القضايا العامة في الجامعات. البلد اليوم بحاجة لهذه الحالة.. حالة الثقة بالنفس.سأل بعضكم أيها الشباب الأعزاء: ما هي الأعمال و المشاريع التي تم تنفيذها؟ هذا سؤال جيد، وينبغي البحث عن الجواب. ولكن مجرد أن تطرحوا هذا التساؤل فإن هذا سيؤدي يقيناً إلى تفكير البعض لتشخيص الإجابة سواء على مستوى تحقيق العدالة، أو على المستوى العلمي، أو على المستويات الأخرى.أريد أن أقول: مجرد أن تحضروا هنا و تطلقوا هذه الأفكار في أجواء البلاد و المجتمع - و سوف تكون لهذه الأفكار انعكاساتها و أصداؤها طبعاً - فإن ذلك يعد المسألة الأهم وقضية نحن بحاجة إليها. نروم أن يشعر شبابنا أن عليهم التفكير و عليهم كذلك عرض هذه الأفكار و المطالبة بها. لا نريد ممارسة عمل استعراضي و لا حاجة بنا للعمل الاستعراضي. لكننا نحتاج أن يعزز شبابنا - وخصوصاً الطلبة الجامعيون و هم منظومة جد كبيرة و واسعة على مستوى البلاد - في داخلهم الشعور بأن لهم دوراً و مسؤولية في مستقبل البلاد، و لا بد لهم من الشعور بالالتزام حيال هذه المسؤولية و السعي لإنجازها.أريد أن أثير هاهنا نقطة أساسية وهي أننا نتوقع من شبابنا الأعزاء - بنات وبنين - أن يكونوا جادين فيما يتعلق بقضايا البلاد الأساسية و يتعاملوا معها بجد. اقترح أن تفكروا في قضية » الجد « هذه، و سترون عندئذ أن كثيراً من الأمور التي تجري هنا و هناك ناجمة عن عدم الجد.نقرأ في دعاء كميل: » قوّ على خدمتك جوارحي، و أشدد على العزيمة جوانحي، و هب لي الجد في خشيتك «. لا تخالوا أن هذه الأدعية مجرد تضرع و إنابة. التضرع و الإنابة لهما طبعاً قيمة كبيرة، و لكن ثمة في مطاوي هذا التضرع و الإنابة معارف ضرورية للحياة. هذه الأدعية ينبوع المعارف الإسلامية.» قوِّ على خدمتك جوارحي « .. اجعل إرادتي و عزيمتي قوية راسخة .. » و هب لي الجد في خشيتك « .. منَّ علي بحالة الجد و الاهتمام و ترك اللاأبالية و عدم الاكتراث.قضية طلب العدالة التي أتداول فيها معكم و مع سائر الشباب لا تعني أنني لم أتداول فيها مع غير الشباب. قبل هذه الرسالة التي كتبتها قبل عامين أو ثلاثة لأحد التنظيمات الجامعية و أشار لها أحد الأصدقاء الأعزاء، أثرت قضية العدالة و طلب العدالة عشرات المرات مع المسؤولين ذوي المواقع التنفيذية، و لم تكن الحال بحيث لم تجر أية أعمال و لم يحصل أي تقدم، بلى، تم إنجاز بعض الأعمال و حصل تقدم في هذا الجانب، بيد أن جميع هذه الخطوات بحاجة إلى إسناد لأجل استمرارها و تعميقها، و الإسناد هنا هو المطالبة و الإرادة.. أي إنكم أنتم سند هذه العملية. و ليس القصد من الإرادة و المطالبة أن يشد الإنسان قبضته و يطالب بالشيء. كلا، بل أن يعلم أن هذه المطالبة و الإرادة ضرورية و يعتقد أنها حاجة حيوية و حاسمة للبلاد و المجتمع. مجرد أن تعتقدوا بهذه الفكرة فهذا يعد أهم مطالبة تترك بصماتها على كلامكم، و أعمالكم، و تعاملكم، و مواقفكم السياسية و تحركاتكم الدينية و الجماهيرية.حينما طرحت قضية النهضة البرمجية أو إنتاج العلم - و معناها خروج العلم عن شكله التقليدي و الترجمي - لم تكن هذه القضية حية و متفاعلة بالصورة التي عليها الآن. في الوقت الحاضر، حيثما أذهب في المحافل الطلابية و الجامعية أرى الأساتذة و الطلبة الجامعيين و الباحثين يتحدثون عن النهضة البرمجية. هذا شيء جيد. حينما تتوفر القناعة في منظومة ما فسوف تمثل رصيداً و دعامة لحركة باقية مستمرة، و هذا ما نريده. ما أقوله هو أن تكونوا جادين في هذه القضية. ينبغي عدم الاستهانة بقضايا البلاد و مستقبلها.أنتم الجماعة الحاضرة هنا - من طلبة جامعيين بنين و بناتٍ أعدكم كأبنائي الأعزاء - كلكم من الطلبة الجامعيين المتدينين المؤمنين بالأصول الدينية و المعارف الإسلامية، و عموم الطلبة الجامعيين أشخاص مؤمنون، لكنني أريد أن تكون غالبية أو أكثر من غالبية الطلبة الجامعيين في البلاد منظومةً ملتزمة ذات شعور بالمسؤولية حيال المبادئ الطلابية. و من هذه المبادئ قضية العلم، و المبدأ الثاني هو طلب العدالة، و المبدأ الثالث التحرر الفكري و طلب الحرية.طلب الحرية يجب أن لا يحصر في المعنى السياسي الضيق . الحريات الاجتماعية والسياسية من الجوانب المهمة في الحريات الإنسانية. نحن أنفسنا ممن سجن و عُذّب بسبب هذه الحريات ونفهم معنى الحرية السياسية. لكننا نقول إن من يرفعون شعار الحرية السياسية ليحققوا بها شعارت الأطراف السياسية الأكثر عداءً للحرية في العالم - الهيئة الحاكمة في أمريكا، و الفاشستيين المتظاهرين بالديمقراطية في العالم، و هم أكثر فاشسيّة من كل الفاشيين .. جماعة متعصبة و محافظة جديدة دخلت الساحة السياسية لتوها - بخصوص إيران .. هل هؤلاء من أنصار الحرية؟ هل هذه مطالبة بالحرية و عمل في سبيل الحريات السياسية؟ شعار الحرية الذي يكون معناه و مآله وخلاصته أن تسلِّط أمريكا حكومةً عملية لها على هذا البلد، ليس بشعار حرية حتى لو طلوه و صبغوه بألف لون و زيت من زيوت الحرية. إنه شعار كاذب، و هو شعار الخيانة و الوقوع في الأسر. لنفسّر التحرر الفكري بشكل أعمق وفق ما أتصور كي يترك تأثيراته هنا أيضاً. التحرر الفكري معناه التفكير بحرية و اتخاذ القرار بحرية، و عدم الترجمة، و التقليد، والتحرك خلف الإعلام الغربي و التأثر بإيحاءاته. لذا فهو يشمل أيضاً العلم، و المعرفة، و المنهج السياسي، و الشعارات، و المفردات، و المطاليب السياسية و الاجتماعية الدارجة. إذا رفع الغرب اليوم شعار الديمقراطية فعلينا التفكير - هذا هو معنى التفكير الحر - لنرى هل ما يقوله هو الصحيح، و هل للديمقراطية قيمتها على نحو الإطلاق، أم يمكن تسجيل إشكالات عليها؟قال أحد الطلبة الجامعيين الأعزاء: » إنك تقول يجب أن لا يكون الطلبة الجامعيون مصلحيين.. لنفترض أننا مبدئيون، إذن لماذا تعمل بعض الأجهزة التنفيذية أحياناً بطريقة مصلحية.. كيف يمكن الجمع بين هذين؟ « . أريد أن أوضح هنا أن التفكير بالمصلحة ليس شيئاً سيئاً أو سلبياً أو ناقضاً للقيم و المبادئ. التفكير المصلحي معناه اختيار المصلحة و الصلاح. وهذا ليس شيئاً سلبياً. اعلموا أن الجهاز التنفيذي للبلاد يقف أحياناً في تعامله الصعب جداً مع العالم أمام مفترقات طرق تضطره لأخذ بعض المصالح بنظر الاعتبار، فإدارة البلاد و العمل التنفيذي صعب جداً. و مثال ذلك أن يشاهد الإنسان وهو جالس أمام التلفاز متسلق جبال يصعد الجبل بمشقة وخطوةً خطوةً فيقول مع نفسه: تحرك بسرعة يا كسول! إنه يجلس أمام التلفاز و لا يقف على ارتفاع عدة آلاف من الأمتار وبذلك الوضع الصعب حتى يدرك كم هو ممكن ما يقوله. ونفس هذا المثال يصدق أيضاً على من يشاهد مسابقة مصارعة أو كرة قدم عبر التلفاز. لاحظتم دون شك أن بعض متفرجي كرة القدم يصدرون الأوامر باستمرار للاعبين أو الفرق التي يتحيزون لها: إضرب يا كسول؛ شوّت ... على كل حال إدارة البلاد عملية صعبة، والمصلحة لا إشكال فيها أبداً، فنحن لا نعترض عليهم، لكننا حذرون في الوقت ذاته من أن يغرقوا في المصلحة دوماً، و أنا بحكم مسؤوليتي أراقب هذه القضية.إذا تركتم أنتم الشباب النظر للقمم المثالية فستكون الحصيلة النهائية خاطئة. حصيلة نظرتكم المبدئية المثالية و مكابدة المسؤولين للمصالح والتحديات ستكون حصيلة معتدلة و جيدة. أماإذا جريت أنتم أيضاً خلف المصالح و تطرق التفكير المصلحي - أي التطابق مع الواقع مائة بالمائة - للبيئة الفكرية و الروحية‌ للشباب و الطلبة الجامعيين، عندئذ سيضطرب كل شيء و سوف تُستأصل بعض الأصول و الجذور من الأعماق وتضيع. على الطلبة الجامعيين أن لا يتركوا نظرتهم المثالية. توقعي منكم أيها الأعزاء أن تعمقوا وتعززوا ركائزكم المعرفية على كافة الصعد.من الأعمال المهمة جداً التي أشار لها بعض الأصدقاء، هي أن بوسعكم اجتراح أعمال تنظيرية في الميادين الثلاثة المذكورة: طلب العلم، وطلب العدالة، وطلب الحرية. بمقدوركم النهوض بأعمال تنظيرية في مجال نهضة إنتاج العلوم، أو في حيز طلب العدالة. فيما يتعلق بطلب العدالة تستطيعون مثلاً مطالعة دستور البلاد و النظر إننا لو أردنا تحقيق العدالة الاجتماعية بالمفهوم الدارج الذي نفهمه جميعاً فما هي الأمور التي يمكن توقعها من هذه المؤسسة أو تلك.ما اعتقده بشأن الجامعات هو أن عموم طلبتنا و أساتذتنا الجامعيين صالحون جداً. لا أقول إنه لا يوجد أشخاص غير صالحين في الجامعات.. أي لا يوجد أشخاص سلبيون غير صالحين. إنما أريد القول إن معظم الأساتذة و الطلبة الجامعيين صالحون و مؤمنون و طاهرون بشكل طبيعي و فطري، لذلك، ينبغي تكريس هذه الأبعاد الإيجابية الصالحة.عقيدتي الأخرى تتعلق بوجود مواهب جد جيدة في الجامعات. قلت هنا قبل أيام وأمام عدد من المسؤولين إن التقارير التي يزودني بها أصحاب الخبرة حول وضع الجامعات تقارير جيدة جداً. لا أنه يجري تجاهل النواقص و السلبيات، لا، بل إننا على علم بمعظم هذه النواقص و نحاول تلافيها إن شاء الله. لكن الحركة الطلابية جيدة على العموم، و قد ازداد الاستيعاب العلمي و الدراسي في البلاد عشرة أضعاف خلال السنوات العشرين الأخيرة، و الحال أن معدل نمو هذا الاستيعاب عالمياً في الأربعين سنة الأخيرة هو ستة أضعاف. وبالتالي، فإن حركتنا حركة جيدة. غير أن الأعداء يريدون قصف هذه الحركة و هذه القافلة و القضاء عليها. لذلك كونوا حذرين و لا تسمحوا بذلك. واعلموا أن كل هذه الغايات و المثل ممكنة النيل، شريطة أن تكونوا في الساحة، و أنتم متواجدون في الساحة و الحمد لله. أتمنى أن يحفظكم الله جميعاً.النقاط التي ذكرها الأعزاء حول الثقة، و المشاركة و... كانت بدورها نقاطاً لافتة و جيدة، و نتمنى أن يجمع الأصدقاء في مكتبنا هذه النقاط كي يستفاد منها.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/11/05

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مسؤولي الدولة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين سيما بقية الله في الأرضين.. »يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم، و يغفر لكم ذنوبكم، و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً «.إنها لجلسة جد مهمة و نوعية و مغتنمة. و الأيام و الساعات أيضاً من الساعات التي ينبغي اغتنامها حقاً.. شهر رمضان المبارك و نحن على مائدة الفيض الإلهي و الضيافة الرحمانية .. و الحضور هم عدد من موظفي الدولة و مسؤولي البلاد رفيعي المستوى في نظام جعل هدفه الخدمة و الجهاد لرفع شأن الحسنات و نشر الطيبات في العالم » أحل لكم الطيبات « و منع و تقييد و تقليل السيئات و الشرور و المفاسد. كلمتنا الأساسية و المهمة في اجتماعنا هي أن نفكر في مسؤوليتنا و هي قضية خطيرة و ثقيلة جداً، و قيمة في الوقت نفسه.. نفكر فيها و نقدرها و ننهض بها. هذا ما ينبغي أن تنصب عليه مساعينا و هو غير متاح إلا بمراعاة التقوى الإلهية. إذا عملنا بالتقوى فسوف تنجز أعمالنا بصورة صحيحة، و تتقدم إلى الأمام بالشروط اللازمة و بعيداً عن الشوائب و الاختلالات التي تتطرق لأي عمل عبر منفذ الفساد، و تبلغ نتائجها المنشودة. التقوى من شأنها أن تجعلنا نفهم بصورة جيدة و صحيحة، و أن نعمل و نتكلم بنحو صائب أيضاً. إذا فهم الإنسان بصورة صحيحة و عمل و تحدث بنحو صائب فإن النجاح سيكون حتمياً و لا مناص منه. لذلك كانت التوصية بالتقوى أكثر ما وصى به القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة المؤمنين. نحن أحوج للتقوى من كل الناس. فمسؤولياتنا أكبر و جزء من الاقتدار الوطني في أيدينا. لولا التقوى، ربما جرى توظيف هذا الاقتدار الذي هو ملك الشعب، و جزء منه في يد كل واحد من الشخصيات الحاضرة هنا، ربما جرى توظيفه في السبيل و المواضع غير المناسبة. إذن، أهم قضية بالنسبة لنا هي التقوى.حينما نوصي بالتقوى فليس معنى ذلك غياب التقوى وعدم وجودها، كلا، إنما التوصية هي بالحفاظ على هذا المكسب المعنوي إذا كان موجوداً فينا. و إذا كان ناقصاً فيجب استكماله، و إذا لم يكن موجوداً فلابد من حيازته. و ليست القضية أن الشخص الذي يوصي بالتقوى - و هو أنا في هذه الجلسة، و في صلوات الجمعة و في الخطب و الكلمات الوعظية - بحاجة للتقوى أقل من حاجة المستمعين لها، لا، بل الشخص الموصي قد يكون أحياناً أحوج للتوصية أضعافاً. لكن الموعظة، و الكلام، و التوصية أمور ضرورية. لذلك ورد » التواصي « في الشرع الإسلامي المقدس. الكل يجب أن يتواصون بالحق، و الصبر، و السير في السبيل الإلهي المستقيم كي لا ننحرف عن هذا السبيل.إذا أردنا إبراز التقوى في حياتنا و أعمالنا و سلوكنا - فادعاء التقوى و ذكرها بالألسن لا يكفي، و لابد من أن يكون الإنسان متقياً ورعاً حقاً - فإن أهم مساحات ذلك بالنسبة لنا نحن المسؤولين هي متابعة مسؤولياتنا الاجتماعية و أهدافنا الثورية بكل جد. للثورة الإسلامية أهداف و شعارات سالت لأجل تحقيقها دماء و أرواح طاهرة. تتمثل هذه الأهداف في النمو المعنوي و المادي، و بناء دنيا الشعب و آخرته، و التأثير فيهما، و التسامي الأخلاقي، و وصول البلاد إلى موقع جدير بالكرامة الإنسانية و توفير مناخ لتفتح المواهب و تمتع الناس بالمواهب و العطايا الإلهية - سواء المواهب المادي أو المواهب المعنوية - و منها الحرية، و العلم، و الفضائل الأخلاقية.لم يتأسس هذا النظام لأجل أن ينتزع السلطة من أيدي جماعة و يعطيها لأيدي جماعة أخرى هي أنا و أنتم من دون أن يكون لهذه الجماعة التزام حيال حركة الجماهير العظيمة هذه. للشعب الذي أطلق هذه الأمواج الصاخبة و البحر الهادر من الثورة، و حفظها في شتى الأزمات و نقل هذا النظام بسلامة عبر المنعطفات الخطيرة، لهذا الشعب توقعاته و مطاليبه. نحن المؤمنين بالإسلام نلخص هذه التوقعات في كلمة الإسلام، و هذه هي الحقيقة. و لكن لأن الإسلام قد يعرض أمام الكثيرين بتفاسير و إيضاحات خاطئة توقعهم في اللبس، كان للجمهورية الإسلامية شعارت محددة: الاستقلال، الحرية، التنمية المعنوية و الرقي المادي، و توفير مناخ آمن كريم للإنسان. علينا متابعة هذه المطاليب و العمل من أجلها.أرقى مظاهر التقوى لدى مسؤولي البلاد رفيعي المستوى و مدراء القطاعات المختلفة هو نهوضهم بالمسؤولية المناطة بهم حسب القانون على أفضل وجه و بلا أية نقيصة . طبعاً في المستويات المتوسطة أو في الهيكل الواسع لمدراء البلاد قد لا يمكن عرض هذه التوقعات بهذه الدرجة و الحدود، و لكن فيما يخص المسؤولين رفيعي المستوى و المدراء الكبار للنظام - نواب المجلس و مسؤولي السلطة القضائية، و أعضاء الحكومة، و القوات المسلحة، و المؤسسات الثورية، و الأقسام الخاصة برجال الدين في مؤسسات الثورة - يمكن طرح التوقعات بهذه الدرجات و المستوى. على هؤلاء المسؤولين - و معظمهم حاضرون هنا و الحمد لله - بذل أقصى الجهد و السعي لإنجاز هذه المسؤوليات المناطة بهم على خير وجه. إذا كان هذا فستشهد حياة الشعب بناءً و ازدهاراً، و سيتم تلافي تخلف البلاد و قد شاهدنا آثار أعمالنا و جهودنا في المجتمع بمقدار ما عملنا.من أهم مواطن ظهور التقوى في عمل المسؤولين هو أن لا ينظروا لأنفسهم كمدراء وأصحاب مناصب. و هو على العكس تماماً من نظرة الدنيويين للمسؤوليات، فهم يريدون مسؤولياتهم و مناصبهم لدنياهم. إذا كانوا يريدون الرئاسة و الإدارة أو عضوية البرلمانات و ما إلى ذلك من مراكز فإن المهم لهم بالدرجة الأولى في كل هذا هم مكاسبهم الشخصية. لذلك يحوزون ما يريدونه خلال فترة مسؤوليتهم و يؤمّنون بذلك حياتهم لفترات طويلة من أعمارهم! هذه الحسابات في نظام الجمهورية‌ الإسلامية حسابات خاطئة بلا شك. الذي يتحمل مسؤولية يجب أن لا ينظر لمصالحه الشخصية إطلاقاً في موقعه و مسؤوليته، و إذا كانت هذه المهمة و المسؤولية فوق طاقته فيجب أن لا يقبل المسؤولية، و لكنه حين يقبلها ينبغي أن يكون المهم لديه بالدرجة الأولى و قبل أي شيء آخر هو أداء مسؤوليته حتى لو انتهى ذلك بضرره و كان على الضد من مصالحه.لنقبل المسؤوليات بصعابها و همومها و الجهاد الذي ينبغي تحمله من أجل النهوض بها. إذا كان هذا عاد الإنسان مرفوع الرأس أمام الله تعالى و الناس، و سيعلم الناس هذا منه. صحيح أن الدعاية و الأقاويل و الضجيج و البهرجة و.. تؤثر في ذهنيات بعض الناس، إلا أن هذا التأثير ليس بدائم: » فأما الزبد فيذهب جفاءً « .. الحقيقة هي التي تبقى، و الحق و الصدق يحتل مكانه في أذهان الناس.إذا عملنا لا سمح الله خلافاً لالتزامنا الديني و الثوري و التزامنا الذي قبلنا المسؤولية على أساسه، فإن الناس ستعلم ذلك منّا بالتالي حتى لو استطعنا إخفاء الحقيقة و تزييفها لفترة قصيرة من الزمن.من المظاهر الأخرى للتقوى في النظام الإسلامي هو أن يتنبه الجميع إلى أن القوى العالمية الكبرى - و أنتم تعرفونها غالباً - تعادي هذا النظام لأسباب عديدة:لقد نقض هذا النظام و لأول مرة القواعد التي وضعتها الأجهزة و المراكز الاستكبارية العالمية و نظمت علاقاتها على أساسها، و أعلن أنه يؤمن بالإسلام، و العدل، و الدفاع عن العدالة و المظلومين في كل ناحية من العالم. إنه نظام أيقظ برفعه راية الإسلام مشاعر النـزعة الإسلامية و انبعاث الحياة الإسلامية مجدداً على مستوى واسع من الجماهير التي تعيش في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية، أي منطقة الشرق الأوسط و أجزاء من آسيا. و من البديهي أن لا ترتاح القوى الاستكبارية العالمية الطامعة الجشعة ذات السوابق و اللواحق السيئة و الواقع الردئ الملوث و الجدير بالتوبيخ، من البديهي أن لا ترتاح لمثل هذا النظام و أن تعاديه بمقدار ما تستطيع.ليحذر الجميع من أن يساعدوا عدو النظام الإسلامي بأي شكل من الأشكال، سواء بالمواكبة أو المماشاة أو في اتخاذ المواقف والإدلاء بالتصريحات و المبادرة للخطوات. هذا بحد ذاته من الممارسات الناقضة للتقوى والورع.و من الأمور الأخرى التي ينبغي أن تنبثق عن تقوى المسؤوليين و النظام مراعاة الحدود القانونية في كافة القطاعات و عدم تجاوز ما رسمه الدستور و القوانين المعتبرة للقطاعات و الأجهزة المختلفة. تجاوز هذه القوانين تترتب عليه في بعض الأحيان مفاسد اقتصادية كبرى أو فساد الأجهزة و المؤسسات المسؤولة، أو قد يؤدي إلى تعارض الأجهزة المختلفة و التشتت و الملاسنات الضارة المفسدة.الأجواء حالياً أجواء شهر رمضان المعنوية، و هذا المكان حسينية و الوقت خير الأوقات لنتذاكر هذه الأمور فيما بيننا. الكثير من هذه الأمور نعلمها أنا و أنتم، بيد أن الموعظة ليس معناها أن يذكر الإنسان أموراً لا يعرفها الجانب الآخر المتلقي. بل الموعظة ليست حتى تكرار الأفكار التي يعلمها الإنسان، ففي الاستماع ذاته آثار لا توجد حتى في العلم و المعرفة. و أنا و أنتم بحاجة لأن نستمع و نتواعظ. الموعظة الرئيسية و المهمة بالنسبة لنا هي موعظة التقوى، والتقوى بالنسبة لنا نحن المسؤولين أهم و درجتها الخاصة بنا أعلى، أي لا نستطيع الاكتفاء بالمستوى العادي الدارج من التقوى لدى الناس.ثمة مسألة أو مسألتان أخريان لابد أن أتطرق لهما. الأولى هي المسألة التي أشار إليها رئيس جمهوريتنا العزيز الملتزم حضرة السيد خاتمي و شرحها بالتفصيل. أولاً ينبغي القول إن مثل هذه الأحداث في البلاد يجب أن لا تتخذ إطلاقاً وسيلةً للملاسنات و الخلافات بين المسؤولين، و بين التيارات السياسية في البلاد. هذا ما يجب أن تتجنبوه. قوله صحيح حول النقد و النصيحة... لا إشكال في هذا، بل إن بعض حالات التبرم والتذمر التي شاهدناها من الطلبة الجامعيين، و أبناء الشعب، أو بعض الصحافة صاحبة الهموم والنقود في هذه القضية، كانت إيجابية و تدل على مدى اهتمام المجتمع بالعزة و الاستقلال الوطني. غير أن أياً من هذه الأمور يجب أن لا يؤدي إلى الشجار أو خلافات أو النـزاعات. المهم هو أن يعلم النخبة و المسؤولون و لا سيما أصحاب المنابر و ذوو الأدوار بالغة الأهمية = سواء في المجلس، أو الصحافة، أو صلوات الجمعة، أو سائر المواضع والمنابر - أن البلاد حينما تواجه مثل هذه القضية - و هي قضية واحدة من عشرات بل مئات القضايا التي تواجهها البلاد - فإن أسوء أسلوب يمكن العمل به حيالها هو تحويلها هي بحد ذاتها إلى ذريعة للملاسنات والنـزعات.. هذا سيئ جداً.في بدايات هجوم العراق علينا، كان واجب الجميع معروفاً و واضحاً.. و كان جلياً ما ينبغي أن يقوم به الجميع، لكن المنافقين الذين كانوا يومئذ ناشطين في طهران و المدن الأخرى و يعملون و يتحدثون و يخطبون بكل حرية كانوا يقولون إننا لا نتمتع بالحرية! كبعض الأشخاص الآن ممن يقولون كل ما يخطر ببالهم، و يعملون كما يحلو لهم، و مع ذلك ترى أن من شعاراتهم أننا لا نتمتع بالحرية! لا يفهمون أن هذا الادعاء نفسه يستدعي الاستهزاء بهم.. و قد كان الحال كذلك في ذلك الحين أيضاً، فكانت دمى المنافقين تقف في التقاطعات واللافتات بأيديها لتبث الشك و القلق في قلوب الجماهير حول أساس قضية الدفاع عن الوطن. و بعد ذلك حينما تم إلفات أنظارهم و زجرهم لملموا وضعهم و أنشطتهم. حينما تقع مثل هذه الأحداث في البلاد يجب أن لا تؤدي أبداً إلى الملاسنات و الخلافات و الافتراق و تباعد الأشخاص عن بعضهم و النظر للأمور من زاوية فئوية.. هذه حالة جد سلبية.ليتنبه الجميع إلى أن خلاصة ما حدث هو أن الصهاينة غاصبي أرض فلسطين و الهيئة الحاكمة في أمريكا و التي لا نهاية لأحقادها و ضغائنها على الجمهورية الإسلامية و المستعدة لاستخدام أية وسيلة قذرة للوصول إلى أهدافها، أطلقت على مستوى العالم شعاراً يقول إن ايران تروم الحصول على السلاح النووي! و بذلك أثاروا الرأي العام و العديد من الحكومات، و نيتهم من هذا الضجيج هو خلق إجماع عالمي ينتهي إلى نتيجة أن الجهود العلمية و التقنية النووية الإيرانية تؤدي إلى خوف وهلع عام في العالم. ما الذي ينبغي فعله هنا؟ هل يجب السماح للصهاينة والأمريكان بتكرار دعاياتهم، أم ينبغي إثبات و إيضاح أن الأمر ليس كذلك؟ اختار مسؤولو النظام المحترمون طريق و تدبير الإيضاح و القول: كلا، تعالوا و شاهدوا حقيقة الأمر بأنفسكم. ما وافقت عليه الجمهورية الإسلامية لحد الآن هو أن يأتوا و يطلعوا على عمليات التخصيب، و فعلاً جاءوا و شاهدوا العمليات و كان مسموحاً لهم بالذهاب لأي مكان يظنون أن فيه عمليات تخصيب، و الاطلاع عليه كي يعلموا أن دعايات الصهاينة كاذبة. هذا طريق سلمي للحفاظ على التنقية النووية.ليس من حقنا التفريط بهذه التقنية مهما كان الثمن. و ما يبثه البعض من دعايات تقول إنه لم نحصل على شيء كثير، هو أيضاً قول غير سليم. اعلموا أن ما تم الحصول عليه كثير و مهم جداً. و لو لم يكن كثيراً لما أثار حساسية أعدائنا إلى هذا الحد. الخبراء و الأشخاص المتخصصون المطلعون لهم أحكامهم الصائبة في هذا الصدد. لقد تمكنا من تقنية تعد محلية في بلادنا.. هذا هو المهم. لو استطاع أعداؤنا اليوم تدمير جميع الأجهزة التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية - و هو ما لا يستطيعوه طبعاً - فإن هذه التقنية لن تزول ولن تمحى، لأننا لم نستعرها ولم نقترضها من أحد إنما توصل إليها متخصصونا الأذكياء. طبعاً لو جرت الأمور حسب رغبات الغربيين و مراكز القوة العالمية لما سمحوا للجمهورية الإسلامية بالحصول على مثل هذه التقنية حتى بعد مائة سنة، لكن هذه المهمة أنجزت على الرغم من إرادتهم و رغم الحصار المفروض علينا. إذن، ما تم الحصول عليه شيء قيم، وليس من حق الحكومة، و لا المسؤولين، و لا منظمة الطاقة النووية، و لا أي شخص في هذا البلد أن يفرط بهذا العلم الأثير ويساوم عليه. و لا شك أنه لم تحصل أية مساومة و لن تحصل. طبعاً إذا أراد الذين دخلوا في حوار مع مسؤولي الجمهورية الإسلامية تحدي الجمهورية الإسلامية في هذه القضية والمطالبة بأشياء أكثر، فإن كل شيء سيفسد وسوف يتلقون صفعة من الجمهورية الإسلامية يقيناً، و لا شك في أننا لن نكون مستعدين لإعطاء أي امتياز. علينا حفظ هذه التقنية و كل ما اكتسبناه و الحمد لله في قطاعات بلدنا العزيز المختلفة من تطورات علمية وبحثية لافتة. طبعاً لا تزال أمامنا مسافة طويلة حتى بلوغ الخطوط الأمامية للتقنية و العلوم، و السبب هو أننا بدأنا من تحت الصفر، ولا يمكن القول من الصفر. تعاملوا مع هذا البلد بحيث لا يعدم المكتسبات العلمية و التقنية و حسب، بل و يفتقد كذلك الأمل بامتلاكها. و عليه، نحن لم نبدأ من نقطة » اللاشيء « ، بل بدأنا من » اللاشيء و معه اليأس « . من هنا نزلت الجمهورية الإسلامية للساحة و تقدمت اليوم و الحمد لله.الشباب ينشطون راهناً في الكثير من جامعاتنا، و كما أخبرني أشخاص أصحاب خبرة و اطلاع فإن مستوى العمل العلمي و البحثي في عشرين أو ثلاثين جامعة كبرى في البلاد من حيث المواهب و العمل و الجهود و متابعة الأساتذة، و وجود الأساتذة الجيدين، يرقى إلى مستويات الجامعات الجيدة و المتقدمة في العالم. التقدم جيد و الحمد لله. هذه ليست إمكانات و إنجازات أهداها شخص لهذا البلد.. إنها ملك هذا البلد. لكن المستبدين الداخليين من جهة و الاستغلاليين الأجانب من جهة ثانية لم يكونوا يسمحون بها. أما الآن حيث البلاد مستقلة و حرة و الحمد لله فإن هذه العلوم أخذت في الظهور تدريجياً.الخطوة التي قام بها المسؤولون كانت صائبة، و قد تمت بتدبير و من دون استسلام أو قبول منطق القوة كي يتم إحباط المؤامرة المحاكة ضد الجمهورية الإسلامية من قبل الأمريكيين والصهاينة. طبعاً، هذه بداية القضية والمهمة لم تنته بعد. إذا استمر العمل بهذا السياق المقرر فلن تكون هناك أية مشكلة، أما إذا أراد الأعداء أو مراكز القوة أن تبدي أطماعاً و استزادةً و تتقدم خندقاً تلو خندق لنتراجع نحن خندقاً تلو خندق، فسيكون هذا استسلاماً و هو غير صحيح إطلاقاً و لن يسمح بمثل هذا الشيء.أعتقد أن كلا الرأيين المطروحين حول المفاوضات الجارية لا تتطابق مع الواقع. نمط من التفكير هو أن تظن عناصرنا المؤمنة الغيورة أن الحكومة استسلمت، و يجب القول هنا إن الأمر ليس كذلك، و لم يكن ثمة أي استسلام لحد الآن. هذه خطوة سياسية و عمل دبلوماسي. نمط التفكير الآخر الذي يقف على الضد من النمط الأول هو أن يخال البعض أنه يجب عدم التريث، و لابد من إعطاء كل ما يطلبونه كي لا يتذرعوا بشيء! هذا أيضاً غير صحيح لأنه انفعال و ارتباك. من جهة أخرى فإن نمط التفكير الذي يحمله أعداء الجمهورية الإسلامية و يتصورون أن السنارة علقت في فم الجمهورية الإسلامية و لم يعد أمام هذا البلد طريق أو مفر، هو الآخر غير صحيح، كلا، هذا النمط من التفكير سذاجة و تفاؤل ساذج.أينما سرنا في طريق يفضي إلى موضع تتعرض فيه مصالح الجمهورية الإسلامية للتشكيك و الضرر، فسوف نحجم هناك عن مواصلة السير دون أي تردد. إذن، نحن نسلك الطريق السلمية التي تضمن عزة الجمهورية الإسلامية لأجل صيانة البلاد والحفاظ على هذا المكسب، والخط الأحمر في ذلك هو أن يتدخلوا في شؤوننا الداخلية. إذا قالوا: » إننا نريد الاطمئنان و التأكد «، فلن نعترض على ذلك و سيحصل الشيء الذي حصل لحد اليوم بعد الآن أيضاً ضمن حدود معينة. طبعاً، القرار النهائي طبقاً للقانون من صلاحية مجلس الشورى الإسلامي ثم مجلس صيانة الدستور الذي يجب عليه عرض القرار على الشرع و القانون. لم تتخذ الحكومة لحد الآن أي قرار و ليس بمستطاعها ذلك؛ المسؤولون المحترمون يقومون بالمهام التمهيدية حالياً. ما تكلف المسؤولون المحترمون - سواء الشيخ الدكتور روحاني، أو السيد رئيس الجمهورية، أو المسؤولون الآخرون - القيام به هو العمل بدقة و ملاحظة جوانب المسألة و التدقيق لئلا يحصل شيء بخلاف المباني و المبادئ. و أنا على اطلاع، و حيثما شعرت بوجود شيء خلافاً للضوابط و الأهداف و العزة الوطنية و توجهات النظام الإسلامي فسوف لن أسمح به يقيناً و سأحول دونه. طبعاً لم يحدث مثل هذا لحد الآن، و بعد اليوم أيضاً نتمنى بفضل من الله تعالى أن يستطيعوا التقدم في هذه المهمة بملاحظة جميع الجوانب.القضية المهمة هي أن تفهم الأطراف الأجنبية في هذه القضايا - سواء هذه القضية أو القضايا المختلفة الأخرى التي تتعامل فيها الجمهورية الإسلامية مع أطراف أجنبية - أن الجمهورية الإسلامية ليست المكان الذي يستطيعون فيه تحقيق إراداتهم وأطماعهم التي كانت لهم قديماً في إيران. للجمهورية الإسلامية ماهية و هوية أخرى. إيران الإسلامية هذه ليست إيران مستعمرة بريطانيا والمقسّمة بين القوى الكبرى، حتى يفرضوا عليها منطق القوة و يتدخلوا في شؤونها مهما صغرت. الجمهورية الإسلامية حالياً متسلحة بسلاح أمضى و أقوى حتى من السلاح النووي.. إنه سلاح إرادة الشعب و إيمانه و تواجده و مواكبته للحكومة، وهو سلاحنا الضخم. هم بالطبع يبثون الدعاية، و قد بلغت بهم الوقاحة حداً يريدون معه إقناعنا نحن أيضاً بأننا غير متسلحين بهذا السلاح و أن الجماهير أعرضت عن الإسلام و الثورة، لكننا نعلم أن هذا الكلام بخلاف الواقع.أطرافنا العالمية، سواء الأوربية أو غير الأوربية - طبعاً بخصوص غير الأوربيين لم نلحظ حالات مثل الطمع و الاستزادة و...، لكن الأوربيين مع أنهم حملوا في أذهانهم غالباً أهدافاً و مطامع استعمارية منذ القدم - يجب أن يعلموا أن الجمهورية الإسلامية ترفض العسف، و الإكراه، و التدخل في تعاملاتها، و معاهداتها، و تداولاتها. و لا يغتروا بأن عدداً قليلاً في الداخل تأثيرهم في المناخ السياسي العام للبلاد قريب من الصفر - إن لم نقل إنه بمستوى الصفر - يحملون لهم أخباراً سارة من حين لحين. الذين يتعاملون مع نظام الجمهورية الإسلامية يجب أن يدركوا أن الجماهير في صميم نظام الجمهورية الإسلامية و هم عشاق هذا النظام وجنوده.. يحبون إسلامهم و استقلالهم و يحرسونه.بعض المفلسين السياسيين و طريدي الإمام و الثورة يفرحون بظنهم أن الجمهورية الإسلامية تعاني أزمة معينة: » إن تصبك حسنة تسوءهم « .. إذا أصبتم خيراً ساءهم ذلك، وإذا أصابكم شر أو سيئة » يفرحوا بها « . يفرحون باحتمال أن يصيب نظام الجمهورية الإسلامية شر، و يعربون عن فرحهم هذا. هؤلاء غارقون إلى هاماتهم في منن الجمهورية الإسلامية و الجماهير الثورية المسلمة، و الجمهورية الإسلامية، فقد منحهم هذا الشعب الحرية وخلّصهم من محن شديدة عاتية، لكنهم جحدوا جميل الإمام، و الثورة، و الشعب. تمتعوا بالنعمة و أنكروها، و ها هم اليوم يمنّون النفس بأن أمريكا تهدد إيران. إنهم يفرحون مسبقاً لأية ذريعة أو تهديد يطلقه الأمريكان والصهاينة ضد الجمهورية الإسلامية. و غداً حين يحاربون الجمهورية الإسلامية بسلاح حقوق الإنسان سيفرحون أيضاً. هؤلاء ليسوا بشيء و حذار من أن يخدعوا المراكز السياسية في العالم و الأوربيين خصوصاً. هؤلاء مفلسون غير مقصّرين في نظام الجمهورية الإسلامية.. أشخاص زعلوا علی الشعب، و زعل الشعب عليهم و فقد ثقته بهم. نظام الجمهورية الإسلامية طبعاً لن يواجههم بشيء طالما لم ير منهم شروراً وضرراً. و هذا خلافاً لما يدعونه و يروجون له من أن النظام يجابهنا لأننا نفكر بطريقة مختلفة! وضع هؤلاء لأنفسهم اسماً محترماً هو » أصحاب الفكر الآخر « . و قد قلت ذات مرة إن عبارة » أصحاب الفكر الآخر « خاطئة، فثمة في المجتمع الإسلامي الكثير من أصحاب الفكر الآخر، و الفكر الآخر لا يعني العداء. الجمهورية الإسلامية لا تجابه صاحب الفكر الآخر أبداً. هناك في الجماعة الحاضرة هنا إخوة مسلمون من غير الشيعة و من غير المسلمين و كلهم أعضاء في النظام الإسلامي و يعملون له. الجمهورية الإسلامية تجابه العناد و المعارضة والشرور. إذا مارس أحد العناد و الشر فلن تتردد الجمهورية الإسلامية في توجيه ضربة له.من القضايا التي طرحت في هذه المفاوضات العالمية، و قالها بعض الأوربيون و سواهم هو أننا لا نوافق الطاقة النووية السلمية في إيران و حسب، بل و نحن على استعداد لبناء محطات طاقة نووية لهم نمدهم بوقودها. هذا الشيء غير مقبول عندنا. فمحطة الطاقة التي يريد الغربيون بناءها لنا و تزويدنا بوقودها لن تنفع إيران شيئاً. هذه العملية تعني ارتهان إيران و الإيراني. قلت ذات مرة إن هذا النفط الذي تسيطر عليه بلدان المنطقة لو كان بيد الأوربيين و أرادوا بيعه لكم أيها الشعب الإيراني و شعوب باقي البلدان المنتجة للنفط حالياً، لسلبوكم أرواحكم مقابل كل كوب صغير منه! و هم الآن يشترون ملايين البراميل بأثمان بخسة و المال الذي يعطونه لقاءه أشبه بعدم الإعطاء. لو أراد الغربيون تزويدنا بوقود محطاتنا لأعطوه لنا بألف شرط: لماذا صرحتم التصريح الفلاني؟ لن نعطيكم الوقود. لماذا لم تصرحوا التصريح الفلاني؟ لن نعطيكم وقوداً. الجمهورية الإسلامية لا تخضع لمثل هذا الكلام. نحن ننتج وقود المحطات و هذا شيء مسموح به في الضوابط و القوانين الدولية. طبعاً إنتاج الوقود يحتاج لتقنية عالية، و عمليات جد معقدة، و حساسة، و مؤثرة في المستوى التقني العام للبلاد.و حول الانتخابات أقول فقط إنه على الجميع السعي لإقامة الانتخابات بنحو جيد. أن يصرح بعض المسؤولين و النخبة - سواء في المجلس، أو في الحكومة، أو في سائر القطاعات - أنه لو حصل كذا فإن الشعب لن يشارك، فهذا ليس الواجب الذي يضطلع به فرد مسؤول في نظام الجمهورية الإسلامية .. التفتوا إلى هذه النقطة. واجب المسؤول الأمني الذي يعتبر نفسه جزءاً من النظام - المندس داخل هذا النظام له وضعه المختلف - هو أنه لا يحق له التصريح بما يناقض مصالح النظام الإسلامي. لماذا لا يشارك الشعب في الانتخابات؟! يشاركون على أحسن وجه. و هل هذه هي انتخاباتنا الأولى؟ منذ خمسة و عشرين عاماً نقيم الانتخابات من مطلع الثورة إلى اليوم، و كانت لنا ثلاث وعشرون انتخابات و أظن أن الانتخابات القادمة التي ستقام بعد عدة أشهر هي الانتخابات الرابعة و العشرون. الشعب طبعاً لا يبالي لهذا الكلام.. أقول هذا لكم.. شارك الشعب مشاركة أوسع في الانتخابات التي قاطعتها بعض الفئات. طبعاً ينبغي أن تقام الانتخابات بشكل حر، و نزيه، و طبقاً للقانون. وزارة الداخلية هي المنفّذ، و مجلس صيانة الدستور هو المشرف. و لكل منهما وظائفه التي لابد له من القيام بها و عدم تجاوزها. هذا شيء ثابت في محله.. غير أن كل جهود المسؤولين و مختلف الأصدقاء، و الصحافة يجب أن تنصب على تشجيع الشعب على المشاركة في الانتخابات و جعل الأجواء أجواءً مشجعة و مشوِّقة للمشاركة. أكبر الأثر طبعاً يتركه سلوكي أنا و أنتم. لو كنا في خدمة الناس و عملنا لهم، و احترمناهم، فالناس أخيار و صالحون جداً و سيشاركون و هم يعرفون قدر هذه الثورة خصوصاً و أن لمجتمعنا أكثرية شابة، و قلوب الشباب و الحمد لله تشملها الألطاف و الرحمة الإلهية أكثر من غيرهم.اللهم، بمحمد و آل محمد اشملنا في شهر رمضان المبارك هذا برحمتك و رضوانك و توفيقك. ربنا انصر الشعب الإيراني في كل الميادين. ربنا أنكب أعداء إيران و أعداء الجمهورية الإسلامية ولا تُنجِحهم في أهدافهم. اللهم زد دوماً من الدرجات و المراتب المعنوية الرفيعة لإمامنا الجليل صاحب هذا الحق الكبير في عنق كل الشعب الإيراني، و الذي فتح أمامنا هذا الطريق. ربنا احشر شهداءنا الأعزاء مع الرسول، و وفق مسؤولي البلاد المحترمين في النهوض بواجباتهم أكثر فأكثر.. و اجعل ما قلناه لك و في سبيلك و مقبولاً و مرضياً عندك.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/11/01

كلمة الإمام الخامنئي في أساتذة الجامعات

بسم الله الرحمن الرحيمأتقدم بالشكر الجزيل للإخوة الأعزاء و الأخوات المحترمات على الكلمات التي ألقوها، لا شك أن ما يطرح في هذه الجلسة من قبل الأساتذة المحترمين ستكون له تأثيراته مستقبلاً في مسار العلم و البحث في البلاد. لا تشكوا في هذا أبداً.في السنة الماضية حينما قدم بعض الأعزاء اقتراحاتهم هنا، تم تكليف عدد من الإخوة تابعوا الأمر و التقوا ببعض الأساتذة أصحاب الاقتراحات و جرت مناقشة السبل العملية و التنفيذية لبعض تلك الاقتراحات. و في هذه الجلسة أيضاً ستتم متابعة ما طرحه السادة. بالطبع، لدي نظراتي حول بعض الأفكار و الآراء التي ذكرها الأعزاء لكنني لا أخوض فيها لضيق الوقت، و أكتفي بنقطتين أو ثلاثة:أولاً ينبغي أن تكون نظرتنا لقضايا التعليم العالي و البحث العلمي في البلاد نظرة متفائلة في كافة الحقول العلمية، و ليس نظرة متشائمة يغمرها الأسف و الحسرة. طبعاً، ليس لأننا يجب أن لا نطمح إلى التقدم و السرعة في هذا المجال - من البديهي أننا كلما تقدمنا في ميدان التعليم العالي و البحث العلمي و تفعيل أجواء العلم و البحث في البلاد، فسيبقى هذا قليلاً، و لا يزال الطريق أمامنا طويلاً - بل لأننا يجب أن ننظر لكل ما حصل طوال سنوات ما بعد الثورة و خصوصاً ما حدث في الأعوام الأخيرة، و نعلم أننا اكتسبنا سرعة جيدة و حققت جامعاتنا في هذا المضمار تقدماً جيداً. وفقاً لاستفساراتي و التقارير التي رفعها لي المسؤولون الموثوقون - السيد رئيس الجمهورية و غيره من المسؤولين - فإن ميزانية البحث العلمي ازدادت كثيراً في الأعوام الأخيرة، و حسب المعلومات التي يقدمها الجامعيون الموثوقون من مختلف جامعات البلاد، فإن العمل البحثي و الميل للتحقيق و الجهد العلمي في الجامعات تضاعف و اكتسب مكانة جيدة و الحمد لله. هذا مؤشر مسيرتنا. ربما لن يكون توقعي فيكم أقل من هذا إذا كان الكلام عن التوقعات و التطلعات. توقعي في مجال تقدم مثل هذه الظواهر كبير جداً، و لولا هذا التوقع لما تقدمنا. لا أريد أن أنصح بأن لا تحملوا أكثر من هذه التوقعات، بلى، لتكن لكم أكثر من هذه التوقعات مما تتابعون و تحرصون على تحقيقه. إنما أقول إن النظرة يجب أن لا تكون نظرة متشائمة مصحوبة بالأسف. النظرة يجب أن تكون متفائلة و قد دخلنا الساحة بهذه النظرة و تقدمنا إلى الأمام بفضل الله، و سنتقدم أكثر من هذا، و ستكتسب البحوث العلمية إن شاء الله تطورها الذي تجدر به. هذا ما يدلنا عليه الواقع.النقطة الثانية هي أنني طرحت منذ أعوام - و كما أشار بعض الأصدقاء - قضية النهضة البرمجية في البيئة العلمية للبلاد. ما معنى هذا؟ علينا أن لا نقنع بالتعلم.. ينبغي أن يكون هدف بحوثنا العلمية و مشاريعنا التعليمية هو إنتاج العلم، أي بلوغ المرحلة التي تبدأ فيها الإبداعات العلمية في المناخ الإنساني. إننا لا يعوزنا شيء من حيث المواهب مقارنةً بالذين أنتجوا العلم في العالم، و طوّروه، و تقدموا به، و صنعوا تقنيات معقدة إنطلاقاً من خزينهم العلمي. طبعاً إنتاج العلم لا يعني أن نلغي الترجمة و التعلم، كلا، تلك أيضاً أمور ضرورية.. إنما أقول إننا يجب أن لا نتوقف في محطة الترجمة و التعلّم.نتيجة الظروف السياسية، و الاجتماعية، و الثقافية، و الظاهرة الاستعمارية - و دور الاستعمار في القضية التي أعنيها كبير جداً - تحرك جزء من العالم أسرع من جزء آخر منه، فبلغ بفضل وسيلة معجّلة قمماً علمية غير مسبوقة. استخدم ذلك الجزء من العالم هذا الوسيلة المعجّلة و تقدم إلى الأمام، و جعل هذه الوسيلة أكثر تعجيلاً و قدرةً يوماً بعد يوم، و ضاعف من كفاءتها و مجالات استخدامها فأحرز مكتسبات علمية. و الحال أننا رغم كل التطور العلمي محاطون بجهل واسع. سكان ذلك الجزء من العالم حققوا تطورات علمية مذهلة، و كانت سياستهم العامة بعد ذلك أن يحتكروا العلم و لا يسمحوا للبلدان المتخلفة أن تلحق بهم أو تتقدم عليهم! لابد أنكم سمعتم الكثير عن القيود التي تحيط ببعض التقنيات المتطورة التي يجب أن لا تتسرب إطلاقاً إلى أي منطقة من مناطق العالم.والاستعمار أيضاً كان له دور في التقدم العلمي لشطر من العالم كانت قدراته على الاستعمار ناجمة عن تطوره العلمي الذي وظّفه توظيفاً سياسياً، كبريطانيا التي استخدمت البواخر لاستعمار الهند، و ساعد استعمار الهند بدوره على تطوير السفن البخارية لتكون أكثر تقدماً فيضاعف ذلك من قدرة أصحابها على الهيمنة على الهند و المناطق الأخرى. و هكذا، وظفوا العلم الذي احتكروه لأنفسهم لخدمة الاستعمار، وكان الاستعمار بدوره في خدمة العلم!علينا انتشال أنفسنا من الحصار المضروب على بلدان العالم الثالث. هذا ليس واجبنا نحن و حسب، إنما هو واجب كل شعوب العالم التي تخلفت خلال حقبة معينة عن قافلة العلم. اعتقادي الراسخ - و هو اعتقاد تم تأييده من قبل أصحاب الخبرة و المتخصصين - هو أن بمستطاعنا القيام بذلك. وصمة » لا نستطيع «، و » لا تستطيعون « و التي تعد من الأجزاء المهمة لسياسة الأعداء الثقافية، يجب أن نمحوها من أذهاننا. بالطبع، أشعر أننا نستطيع التقدم حتى في هذا المجال، فأنا ألاحظ الآن أنكم أيها الأساتذة و الطلبة الجامعيون تذكرون النهضة البرمجية و إنتاج العلم كشعارات عملية لكم في الأوساط الجامعية. هذا نجاح كبير كوننا فكرنا في هذا الموضوع و تحول بعد ذلك إلى شعار و مطلب و طموح منشود.النقطة الثالثة هي أن جميع هذه الأعمال لا تحتاج للمال و الموهبة فقط، بل تستلزم أيضاً إدارة كفوءة و هذا يعود للأقسام الإدارية في الجامعة، سواء رؤساء الجامعات و الكليات و مراكز البحث العلمي، أو مدراء المؤسسات الحكومة ذات الصلة بالعلم، كوزارة العلوم و التعليم العالي، و وزارة الصحة، و وزارة التربية و التعليم.. تقع على هؤلاء واجبات جسيمة. و لأن الوزراء المحترمين حاضرون هنا أذكر هذه النقطة ليسمعوها و يتابعوها: الذين يتولون في الوزارات و الجامعات مسؤوليات إدارية، بمقدورهم عبر التشخيص السليم و الاهتمام للموضوع ممارسة دور جد مهم و مصيري في بلوغ الهدف الذي نصبو إليه جميعاً.لدينا مواهب عديدة في البلاد اليوم ينبغي تشخيصها و التأليف بينها و توجيهها، و يجب تفهيمها عملياً أن تعير قيمة و أهمية لمواهبها. مشجعات مثل الأمور المادية و المالية و المكافآت - التي تفضل بها بعض الأصدقاء - مسألة ممكنة لكنها رهن بإدارة جيدة. طبعاً يتحمل المجلس الأعلى للثورة الثقافية أيضاً دوراً و مسؤولية في هذا المضمار. أعضاء هذا المجلس أيضاً يجب أن يتفطنوا لهذه القضايا كي تتحقق هذه الطموحات.النقطة الأخيرة هي أن ظاهرة إنتاج العلم لا تقتصر على العلوم الأم، و العلوم التجريبية، و ... إنما تتسع لتشمل كافة العلوم بما في ذلك العلوم الإنسانية. خصوصاً فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية لم نتحرك تحركاً مناسباً جيداً و ذلك بخلاف ما نتوقعه و نتطلع إليه، إنما أخذنا شتى المفاهيم ذات الصلة بهذه العلوم - سواء في مجال الاقتصاد أو مجالات علم الاجتماع، و علم النفس، و السياسة - من المراكز و المنابت الغربية كوحي منـزل و على شكل معادلات لا تتغير و ركزناها في عقولنا، و نريد الآن تنظيم أمورنا و خططنا على أساسها! أحياناً حين لا تجدنا هذه المعادلات نفعاً و تؤتي ثماراً غير صالحة، نلوم أنفسنا لأننا لم نستخدمها بصورة صحيحة، بينما هذا المنهج منهج مغلوط، فنحن في حيز العلوم الإنسانية بحاجة للبحث و التجديد. و المواد و المفاهيم الأساسية التي يتسنى على أساسها صياغة الحقوق، و الاقتصاد، و السياسة، و سائر الحقول الرئيسية في العلوم الإنسانية و إنتاجها و عرضها، موجودة بالمعنى الحقيقي للكلمة في الثقافة الإسلامية العريقة العميقة التي لابد لنا من الانتهال منها. طبعاً، هنا يمكن للحوزة العلمية و الأساتذة المؤمنين بالإسلام ممارسة دورهم عبر البحث و الاستقصاء. هذا الموضع من المواضع التي ينبغي لنا إنتاج العلم فيها.تحدث أحد السادة من الشؤون الاقتصادية. الإشكالات التي أشار إليها مقبولة لدي كلها تقريباً. غير أن السبب الذي يجعل هذه الأمور لا تعار أحياناً الأهمية اللازمة في العمل الخبروي التخصصي هو ما ألمحنا إليه من أن وحياً منـزلاً من الغرب يعشعش في الأذهان و يختلط بالشؤون السياسية و المقاصد الاستعمارية و الاستغلالية للشركات الأجنبية الكبرى في العالم و أصحاب الرساميل، و قد يكون بعضها صحيحاً و بعضها نصف صحيح، وبعضها خطأ مائة بالمائة، و لابد بالتالي من تحليلها و فهمها.أشكر الأصدقاء الأعزاء و حضرة الدكتور السيد نديمي الذي تكلّف و أدار هذه الجلسة، و أنا سعيد و مسرور لأن عدداً أكبر من الأشخاص رغبوا و كانوا مستعدين للتحدث. المقرر هو أن تكون هذه الجلسة جلسة صميمية و غير رسمية و بلا تكلف، و لها آثار باقية. الفائدة الأكبر التي أجنيها أنا من هذه الجلسة هي أن أشارك في مناخ ودي يتشكل من أهل العلم تطرح فيه القضايا التي يعتقدون أنها مهمة. من شأن هذه الجلسة التأثير في أروقة اتخاذ القرار في البلاد، فالمسؤولون الحكوميون يطلعون على ما يقال هنا، و من شأنها أيضاً إفساح الفرصة للأساتذة، و العلماء، و أصحاب الاختصاص كي يفكروا تارة أخرى في أهم القضايا التي تشغلهم، و يعلموا أن بالمقدور طرحها و نشرها علناً لتؤثر في عملية اتخاذ القرارات. هذا شيء قيم مغتنم بالنسبة لنا. بالإضافة إلى هذا استفدت أنا شخصياً مما قاله السادة. و دمتم موفقين مؤيدين إن شاء الله.والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/10/29

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مقرئي القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيمشكراً جزيلاً للإخوة الأعزاء الذين أقاموا هذه الجلسة، و كذلك الإخوة الذين تلوا القرآن فيها، و الأساتذة و المشرفين المحترفين الأعزاء الذين بذلوا جهودهم لإعداد و تخريج هذا الجيل من المقرئين الشباب.مسألة تلاوة القرآن الكريم التي نوليها كل هذه الأهمية ليست لمجرد التسلية و الفن، إنما هي وسيلة للتوفر على الأجواء القرآنية في كل المجتمع، و هذه عملية يتمكن منها مقرئونا المجيدون بفضل أصواتهم الجميلة و استخدامهم أساليب التلاوة الفنية و العمل بالتجويد و المقدرة الجيدة على أداء الأحرف، و الكلمات، و الجمل في آيات القرآن الكريم.أعزائي، اعلموا أن العالم الإسلامي اليوم بحاجة للقرآن الكريم. ثمة في آيات سورة آل عمران، و البقرة، و الأنبياء، و الأحزاب التي تلاها إخوانكم الآن هنا مضامين و أفكار تعد اليوم علاجاً لآلام العالم الإسلامي و نواقصه، و هذا ما يعمق إيمان الإنسان و يرسخه و يجعل معرفته نيرة واعية، و ينـزل طاقات الإنسان الحياتية إلى الساحة و يوظفها. إن مجتمعاً له هذه الخصائص سوف يتقدم إلى الأمام و ترتفع معنوياته. حينما ترتفع معنويات المجتمع فلن يستطيع العدو فرض شيء عليه بالقوة. حينما يريد جبابرة العالم إخضاع فرد، أو جماعة، أو شعب، فإن خطوتهم الأولى هي تحطيم معنويات ذلك الفرد أو المجتمع و القضاء على مشاعر القدرة و الصمود لديه. طالما كان هناك شعور بالاقتدار و ارتفاع في المعنويات لدى الشعب أو الجماعة فلن يستطيع أحد التغلب عليها، لا الأعداء الخارجيين، و لا الأعداء الداخليين.. الكسل و القعود و عدم الغيرة.. جاء في الرواية: » ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه «. و معنى ذلك أن الناس يجب أن لا تقرأ القرآن لتكسب سمعة و عنواناً أو يشغلوا أنفسهم، إنما يجب أن يقرأوا القرآن لأن فيه العلاج الأساسي. لنضع دواء القرآن على أوجاع أرواحنا و وجودنا و باطننا و نشافي هذه الأوجاع بالقرآن الكريم. و هذا ما يستدعي أن تكون الأجواء قرآنية.لقد أبعدونا عن القرآن لفترات طويلة و بأساليب شتى، و نريد اليوم أن نشيع الأجواء القرآنية. علينا أن نعود إلى القرآن. طبعاً منذ خمسة و عشرين عاماً و مجتمعنا يتحرك صوب القرآن بشكل جاد و بطريقة جماعية عامة. قبل الثورة كانت هناك نشاطات قرآني أيضاً، لكنها كانت أنشطة فردية. و إنما انطلقت الحركة الجماعية للمجتمع بعد سيادة النظام الإسلامي و كانت حركة جيدة لكنها لا تزال تبعد مسافات معينة عن الغاية المنشودة. من نتائج هذه الحركة أنكم تشاهدون اليوم الشيوخ و الشباب و النساء و الرجال يستأنسون بالقرآن إلى حد كبير. تواجد الشبيبة المستأنسة بالقرآن الكريم في كل مفاصل و مواقع المجتمع هو ثمرة ذلك التحرك الذي يجب تعزيزه. تعزيز التحرك المذكور هو أن تستطيعوا أنتم القراء قراءة القرآن بأصوات و أساليب حسنة و جميلة. الاهتمام بهذه الجلسات لأجل إجلاء أهمية تعلم التلاوة في المجتمع، و إلا يمكن للإنسان أن يقرأ من القرآن لوحده أضعاف ما يقرأه هنا.التلاوة ليست الصوت فقط، إنما لها فنون و أساليب شتى، سواء الأساليب المتعلقة بظاهر الأمر، و هي هذه النغمات و الألحان المستخدمة في التلاوة، أو الأساليب القرآنية العميقة و التي تمثل طوراً أرسخ و أعمق من الطور السابق، ألا و هو التعرف على مفاهيم الآيات و معانيها. غالباً ما قلت لقرائنا الشباب و أؤكد الآن أيضاً أن همتهم الرئيسية ينبغي أن تنصب على فهم الآيات التي يقرأونها بشكل جيد. على الأقل يجب أن يدققوا في ترجمة الآيات التي يريدون تلاوتها و في معانيها، و دقائقها، لكي تخرج المفاهيم حين يقرأون القرآن بمعية الصوت من أعماق أرواحهم. و عندئذ تؤثر التلاوة في مناخ المجتمع و تخشع لها قلوب الجميع. حين تلاحظون أن تلاوة بعض القراء المصريين تؤثر تأثيراً عميقاً فهذا بسبب مراعاة هذه القضية. يقرأون و كأنهم يريدون تصوير مضمون الآية أمامكم. أحياناً أسوق المثال لبعض مقرئينا الشباب من أصدقائنا مداحي أهل البيت و أقول لهم إن هؤلاء الأعزاء حين يريدون قراءة بيت شعر في مجلس يعرف جميع من فيه معناه فقد يقرأونه على نحوين. النحو الأول هو أن هذا المداح الذي يقرأ بصوت جميل كأنما يتكلم معكم كلمة كلمة فيؤثر في أعماق أرواحكم. و النحو الثاني هو أن يقرأ الشيء لنفسه! القرآن أيضاً يمكن تلاوته بشكلين. السبب في أن كثيراً من التلاوات لا تؤثر في القلوب كما ينبغي و لا تزلزل القلوب من الأعماق رغم أن ألحانها و نغماتها ليست مختلفة عن بعضها كثيراً، هو أن المقرئ لا يحدّث المستمع بعبارات القرآن من أعماق قلبه و باطنه. و في أجوائنا هناك الكثيرون لا يجيدون اللغة العربية، و حينما يكونون عارفين باللغة العربية يدرك الإنسان أن القارئ لا يتحدث مع المستمع من باطن روحه. إذا أردتم أن تكون تلاوتكم مؤثرة و مفيدة و ناجحة في بناء أجواء المجتمع و تغيير القلوب و الأرواح، فمن الشروط المهمة و الرئيسية لذلك أن يكون المقرئ عارفاً تماماً بمعنى الآية التي يتلوها، و أن يقرأها و كأنه يروم تصوير و رسم المضمون بصوته الجميل للمستمع.إنني حين أنظر اليوم لمقرئي القرآن الكريم في بلادنا - و هم شباب في الغالب و الحمد لله، و بعضهم أحداث، مثل هذا الحدث العزيز الذي قرأ بنحو جد جميل - أرى أننا نتقدم و الحمد لله في كل عام عمّا كنا عليه في العام الماضي.. هذا و اقع .. أساتذة القرآن و المقرئون المعروفون المتمكنون في الأعوام الماضية لهم مكانتهم الخاصة.. لكن جيلنا الشبابي الصاعد أيضاً يقترب يوماً بعد يوم من القرآن و التلاوة الحسنة و الإبداعات في القراءة و التجويد.. هذا تحرك جيد حقاً.. خطابي موجه خصوصاً لأساتذة القرآن: اعملوا ما من شأنه أن يتابع هؤلاء الشباب تلاوة القرآن الكريم بالطريقة التي ذكرتها أي التنبه للجوانب الظاهرية من أنغام و ألحان، و التنبه أيضاً للمضامين، و أن يراعوا قوة الصوت و خفضه و الوصل و الوقف و التحرير و ... في ضوء المضمون.اللهم أحينا بالقرآن و أمتنا بالقرآن و احشرنا في ظلال القرآن. لا تفصل بيننا و بين أهل البيت عليهم السلام و بين القرآن. قرب حياتنا من الحياة القرآنية يوماً بعد يوم.. اجعل أرواح شهدائنا الأعزاء الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل راضية عن هذه الجلسة.والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2003/10/27

كلمة الإمام الخامنئي في أساتذة و طلبة الجامعات بمحافظة زنجان

بسم الله الرحمن الرحيمهذا يوم و ساعة طيبة و محببة جداً بالنسبة لي؛ أولاً لأني بينكم أيها الأعزاء طلاب الجامعات و الأساتذة المحترمون و العاملون الأعزاء في الجامعات. و ثانياً لأن ما قيل هنا يدعو حقاً لشكري الصميمي لله تعالى. كل ما كنا نتمنى أن يغدو أفكاراً سائدة في البيئة و المجتمع الجامعي، نرى اليوم أن له حضوره الراسخ في الأذهان و على الألسن و في المناخ الفكري للجامعات، و هذا ما سوف يقربنا إلى نقطة تطبيق و تحقيق هذه الطموحات. لذلك كانت هذه الجلسة جد طيبة و رائعة بالنسبة لي، و أشكركم شكراً صميمياً و احداً و احداً أبنائي الأعزاء و كذلك الأساتذة و المسؤولين الأعزاء. و فوق كل جمال يشاهده الإنسان هناك جمال اللطف و التوفيق الإلهيين الذين يقلّ شكرنا بحقهما مهما كثر.و قد كان من توفيقاتي هذا اليوم أن وزير العلوم المحترم حضر هذه الجلسة، و قد التقيته لأول مرة قبل مجيئ إلی هنا. الأمور التي ذكرها جعلتني أكثر أملاً بمستقبل الجامعة مما كنت عليه. طبعاً، ينبوع الأمل و بفضل من الله لم يجف في قلبي أبداً فهو متدفق دوماً و يحضّني على مزيد من التفاؤل و الأمل.أقول لكم أيها الشباب في بداية كلمتي أن تواجدكم في مختلف ميادين البلاد من أكبر النعم الإلهية على هذا الشعب. كلما شاركت في اجتماعاتكم أيها الشباب أو الاجتماعات الشبيهة بهذا الاجتماع تذكرت بيت حافظ الشيرازي الذي يقول فيه:أنفاس رياح الصبا ستعود مضوّعة بالمسكو العالَم الشيخ سيرجع شاباً مرةً ثانية.لقد تحقق هذا الوعد فيما يخص شعبنا الإيراني إلى حد كبير، و أنتم الشباب باعتباركم من أسباب عودة العالم الشيخ إلى عهد شبابه ستسعون إن شاء الله لتلوح على وجه هذا الشعب ملامح الشباب و الأمل و الحيوية و التحرك الشبابي.التمتع بالشباب في طور معين أمر يتصل بشبابية الجيل في المجتمع، و البلد الشاب مدين في جزء من شبابه لكثرة الشباب الذين يعيشون فيه، و نحن من هذه الناحية بلد شاب. الأمر في أجزاء أخرى منه يتعلق بتجدد الآمال و انبعاث الهمم و بث روح الأمل في عروق و شرايين الشعب كي يبدأوا تحركاً جديداً. و هذا ما تحقق أيضاً بفضل الثورة.كافة أيادي الشبكة الأخطبوطية للاستكبار العالمي تحاول اليوم سلب شعبنا و جهه الشبابي النشيط و روحه الشبابية المتحفزة. لكنهم غير قادرين. إنه لأمر محسوس و ملموس بالنسبة لي أن روح الشباب و إرادته و حيويته و دماءه تجري في بلادنا، و هذا لم يكن متاحاً تحت الظلال الثقيلة المخزية للحكومة الملكية، و لا في ظل التبعية الذليلة للأعداء. ما تحقق إنما تحقق بفضل تحرر الشعب الإيراني.بعد اجتيازه العهود الطويلة للحكومات الاستبدادية و العوائل الملكية - التي جاءت و ذهبت الواحدة تلو الأخرى - دخل شعبنا طور العالم الجديد و الحال أن عصر الدكتاتورية لم ينته في هذا العالم من جهة، و من جهة أخرى بدأ فيه عصر التبعية. لو ألقيتم نظرة على الحقبة الأخيرة من تاريخ بلادكم - قبل الثورة - لشاهدتم الحال التي كنا عليها حوالي هذا المنعطف التاريخي الذي حققته لنا الثورة. في مثل هذه الحالة نستطيع تشخيص موقعنا الراهن بنحو صائب. في تلك الحقبة تحول عصر الاستبداد و الدكتاتورية في هذا البلد إلى عصر التبعية. هذه التبعية لم تنبثق في البلاد فجأةً بالطبع، إنما بدأت منذ أواخر العهد القاجاري و بشكل تدريجي فكانت هناك التبعية الاقتصادية و التبعية للسياسات العالمية و الدول الأجنبية عبر إعطاء امتيازات متلاحقة للأجانب كانت بضرر الشعب الإيراني. بعد ذلك حينما تراجع عهد الاستبداد بسبب ثورة الدستور و أمور أخرى، ارتفع فجأة بيرق التبعية المشؤوم المخزي في الحكومة البهلوية، أي سيادة السياسات التابعة، و العقود و المعاهدات المفروضة، و الحكام و الشخصيات السياسية العميلة الخاضعة لأوامر الأجانب.. و طبعاً كان هناك الاستبداد أيضاً و الذي كان يشتد و يزداد خطراً و تطوراً يوماً بعد يوم. انتصرت الثورة في مثل هذه الظروف، بمعنى أن الشعب الإيراني بدأ تحركين عظيمين في آن و احد ضد الدكتاتورية و الاستبداد و الحكومات المستبدة التي حكمت هذا البلد قروناً طويلة، و أيضاً ضد التبعية و العمالة و الرضوخ للأجنبي و الخضوع للقوى الخارجية. اشتبكت الثورة مع هذين العارضين الذين كانا جد عميقين و متجذرين و خطرين.. لذلك كانت مهمة الثورة صعبة.لو لم تكن الثورة معتمدة على العقيدة الدينية و الإيمان الإسلامي لما أمكنها الانتصار. إيمان كل و احد من أبناء الشعب هو الذي استطاع خلق مثل هذه الحركة و مواصلتها. كل الانتفاضات طوال الأعوام المائة و الخمسين الأخيرة قبل انتصار الثورة الإسلامية طمحت إلى هذا الهدف، لكنها واجهت الإخفاق. و استطاعت الثورة التقدم في هذا الطريق بقوة و التغلب على عوامل الإخفاق.. لماذا؟ لأن الثورة الإسلامية طرحت أفكاراً جديدة في الساحة.. أفكاراً جديدة كان باستطاعتها احتلال مكانتها في عالم الأفكار و الرأي العام، لا سيما في العالم الإسلامي. الجزء الأكبر من هذه الأفكار الجديدة هو فكرة التوحيد بمعناها العميق الدقيق الشامل. التوحيد معناه سيادة القيم الإلهية على المجتمع و رفض الحكومات الطاغوتية، و الاستبدادية، و الفاسدة، و المتجبرة .. رفض سيادتها على القيم الإنسانية الأصيلة. إذن، كان التوحيد العمود الفقري و الركن الأساسي للشعارات الإسلامية و رسالة الثورة الإسلامية.الركن الآخر للثورة الإسلامية هو التوجه لكرامة الإنسان. المجتمع الذي يعيش في موقع جغرافي و سياسي معين تستدعي كرامته أن يكون حراً مستقلاً، و أن تزدهر مواهبه و تتفتح، و أن يتسلط على مصيره، و لا يتعرض للإهانة و الذل، و أن تبرز إلى الضوء شخصيته الذاتية. هذا ما تم تجاهله طوال عهود الحكومات الاستبدادية، و من ثم الحكومة البهلوية‌ التابعة العميلة. الحكومات الاستبدادية قدمت للشعب أحياناً خدمات و إنجازات كبيرة من قبيل الفتوحات و العمران و البناء، لكنها سلبت الشعب الإيراني أعظم قيمة إنسانية لدى كل إنسان ألا و هي الحرية، و الاختيار، و الاستقلال، و حق تقرير المصير. هذه هي طبيعة كل السلطات الدكتاتورية.للأسف ينبغي أن أقول لكم إنه في العديد من البلدان التي لا ترفع فيها راية الدكتاتورية، بل على العكس ترفع راية الحرية و الليبرالية و التوكؤ على أصوات الشعب، حقيقة الأمر في هذه البلدان هي الدكتاتورية و الهيمنة على إرادات الجماهير. الواقع أنه في الكثير من البلدان التي ترفع اليوم شعارات الديمقراطية و تنتهج الأسلوب السياسي الديمقراطي، لا تتمتع الجماهير بحرية الفكر، و الاختيار، و حق اتخاذ القرار، حيث تختفي هذه الحريات تحت طبقات متنوعة من الإعلام. هذا ما يقوله اليوم المستنيرون البارزون في الغرب بصراحة سواء في أمريكا أو في أوربا. كرامة الإنسان - و الثورة الإسلامية هي رافعة راية الكرامة الإنسانية - تعد الموقع المضاد لهذه الحالة و السياق.يتوخى الأعداء حالياً أن يوحوا في إعلامهم أن إيران يجب أن تتجه نحو الديمقراطية! الثورة حققت لإيران واحدة من أكثر الديمقراطيات حرية.. أين تروم إيران أن تتجه اليوم؟! الديمقراطية تعني حكومة الشعب، أي تحكيم أصوات الجماهير و جعلها معياراً في المنهج السياسي للحكم و إرادة البلاد، و هذا ما نهضت به الثورة على نحو معجز في إيران. الأمر الذي لم يكن يخطر بالبال أساساً طوال كل العقود التي أعقبت ثورة الدستور و سبقت الثورة الإسلامية. طبعاً، في عهد نهضة تأميم النفط حيث كانت هناك انتخابات حرة تحقق هذا الأمر عملياً، بيد أن هذا العهد لم يستمر لأكثر من حوالي سنتين للأسف و ذلك نتيجة الأخطاء المتلاحقة للمسؤولين و الساسة آنذاك. على كل حال، القصد هو أن الشعب الإيراني لم يتمتع - باستثناء تلك الفترة القصيرة - و لا ليوم و احد بالحرية في تقرير مصيره في هذا البلد.استطاع الشعب الإيراني بفضل الثورة التعرف على كرامته، و التفكير، و اتخاذ القرار، و المبادرة، و الانتخاب. و لحسن الحظ فإن إيمان الشعب الإيراني العميق بالمرتكزات الإسلامية جعل الديمقراطية ترتكز بشكل طبيعي على الأفكار الإسلامية، و هذا هو أفضل أشكال الديمقراطية. في إطار القيم الإسلامية و الدينية يمكن حماية الديمقراطية بصورة مطلقة، و هذا ما حصل بنحو طبيعي تلقائي في بلادنا، فشعبنا مؤمن و إيمانه ليس سطحياً.إنكم ترون اليوم القيم الدينية و الإسلامية على ناصية التنظيمات و الأجهزة و المؤسسات الجامعية، و الحوزوية، و العمالية، و لدى الشباب و الشيوخ و العلماء. أحياناً أشاهد تجليات عجيبة في تواصلي و حواراتي مع الطلبة الجامعيين و المؤسسات الجامعية. البعض يصرون على إنكار هذه الجماليات و تجليات الحب و الشعور و الإيمان الديني في أجواء الشباب و الجامعة و التي بوسعها أن تشكل رصيداً لكافة أنشطة الإنسان.. لماذا؟ هذه الحالة في كثير من الأحيان لا صلة لها حتى بالتصنيفات الفئوية و الاصطفافات السياسية الفارغة.بعثوا لي تقريراً طرحته ليلة أمس في اجتماع علماء الدين لكي يعلم إخوتنا الأعزاء أولئك ما يجري في الجامعات. كان التقرير حول أيام الاعتكاف في جامعات طهران و أحوال الشوق و الوجد العرفاني لشبابنا الأعزة و تعاون التنظيمات الطلابية المختلفة مع بعضها على الرغم من وجود جدران و حدود ظاهرية فيما بينها.. لكنهم حين يقارنون أنفسهم بشمس الدين لا يرون أية حدود و فواصل فيما بينهم و يتعاضدون و يضعون جميعاً يداً بيد. إذن، الذين يروجون لفكرة أن شبابنا الجامعي معرضون عن القيم الدينية أو يحاولون إيجاد مثل هذه الحالة يسلكون طريقاً خاطئاً، و سوف يخفقون طبعاً.بعد قيام النظام الإسلامي على ركائز إيمان الشعب المتينة ظهرت أمامه تحديات عالمية عارمة.. لماذا؟ لأن هذا النظام يشتبك بصورة طبيعية مع أخطبوط النظم الاستكبارية الخطير في العالم. ليس معنى هذا الاشتباك أننا أردنا السير نحو حرب أمريكا، أو بريطانيا، أو البلد الفلاني. اعلموا أيها الشباب أنه طوال خمسة و عشرين عاماً من عمر الثورة الإسلامية لم يخطر على بال مسؤولي الثورة حتى ليوم و احد أن يتحركوا باتجاه محاربة هذا البلد أو ذاك و معارضته. كلا، هذه التحديات نابعة من هوية الثورة و طبيعتها الذاتية. حينما ينـزل بلد إسلامي ذو موقع جغرافي حساس و ثقافة عريقة إلى الساحة و يطرح فكرة و يبذل كل جهوده و جهاده لأجل إحيائها، و تلوح على سيمائه علامات النجاح فإنه سيهدد بنحو طبيعي جميع مصالح الاستكبار في المنطقة كلها. لذلك اشتبكت الأجهزة الاستكبارية يومئذ - المعسكر الليبرالي الرأسمالي من ناحية و المعسكر الاشتراكي الإلحادي الدكتاتوري الزعوم من ناحية ثانية - مع الثورة الإسلامية. و العجيب أن هذين المعسكرين كانا مختلفين مع بعضهما في تسعين بالمائة من القضايا، لكنهما اتحدا و اتفقا على ضرورة إطفاء هذا المشعل المتوهج و استئصال هذه الغرسة النامية! فكروا أيها الشباب الأعزاء في هذه الأمور.. هذا ليس كلاماً مكرراً.. هذا ما ينير طريقنا للمستقبل.وقف النظام الإسلامي بوجه معسكري الشرق و الغرب، و لكن كانت هناك في تلك الآونة نظرية توصي بأن نتكيف مع الاستكبار بشكل من الأشكال! الذين طرحوا هذه النظرية لم يكونوا شخصيات سيئة، بل كانوا شخصيات بسيطة تقول لنتفاهم معهم كي ندفع بذلك أخطارهم عنا. لكنهم لم يجيبوا عن السؤال : إلى متى و إلى أين ينبغي مواصلة هذا التفاهم و التنازل و التراجع خندقاً بعد خندق.. ما الذي ينبغي أن يفعله الشعب الإيراني كي ترضى عنه أمريكا؟ كم ينبغي أن يغض النظر عن قيمه حتى تقول له أمريكا: لم يعد لنا شأن بك؟ ربما لم يكن بعض هؤلاء ليخطر ببالهم أساساً أن الاستكبار لا يقنع بحدود معينة. لاحظتم في الضجيج الأخير حول الأنشطة النووية الإيرانية أنهم راحوا يتقدموا إلى الأمام خطوةً خطوةً. قالوا أولاً إن على إيران قبول البروتوكول الإضافي، ثم قالوا يجب عليها منحنا المعلومات الفلانية.. ثم تقدموا إلى الأمام أكثر و قالوا إن إيران يجب أن لا تمتلك التقنية النووية أساساً! التراجع أمام منظومة تتمتع بالقوة المادية لكنها تفتقر تماماً للمحتوى الأخلاقي الذي يمنعها من استخدام هذه القوة بطريقة ظالمة، ليس هو سبيل الحل. سبيل الحل كان محصوراً في المقاومة، و قد كان إمامنا الجليل - هذا الإنسان المقاوم الصبور الصلب - مظهراً للمقاومة. و قد كان هذا هو السبيل الوحيد المتاح أمام الشعب الإيراني. لذلك لم يجدهم حتى هجومهم العسكري.الهجوم العسكري لنظام صدام الذي اضطرنا للجهاد و تقبل مشكلات الحرب مدة ثمانية أعوام لم يكن أمراً غير مألوف. هذا هو أسلوب الاستكبار الدائم ضد الشعوب المستقلة التائقة للحرب. في السنين الأولى من رئاستي للجمهورية، زار إيران السيد أحمد سيكوتوري رئيس جمهورية غينيا كوناكري و هو شخصية ثورية و علمية و سياسية جد محترمة من أفريقيا و له سمعة حسنة في كل العالم و أوربا، و في حواراته معي قال لي ما مضمونه إننا لم نستغرب هجوم بغداد عليكم بعد انتصار ثورتكم، إذ تفيد التجربة أن من الخطوات التي يتخذها الاستكبار ضد معظم البلدان المستقلة هو الضغط العسكري عليها من الحدود الخارجية لكي يشغلوها و يهدروا طاقاتها المالية و البشرية و يحولوا دون بلوغها الأهداف و الطموحات التي رسمتها لنفسها. كانت هذه خطة رسمها الأعداء ضدنا. هؤلاء الأمريكيون و وزير دفاعهم الحالي الذين يعلو هراؤهم بين الحين و الحين ضد نظام الجمهورية الإسلامية، كان لهم تعاونهم القريب مع صدام حسين الذي يلاحقونه الآن، و كانوا يساعدونه علمياً و تسليحياً و معلوماتياً عسى أن يستطيع دحر إيران، لكنهم أخفقوا. أقول لكم: طالما كنتم يقظين، و طالما شعر المسؤولون بالمسؤولية بالمعنى الحقيقي للكلمة، فلن تقدر أمريكا و القوى الأخرى على فعل أي شيء ضد هذا الشعب و ضد هذا النظام.أعزائي! هذا الكلام الجديد - التوحيد، و كرامة الإنسان، و العدالة الاجتماعية - أخذ موقعه و مكانته في العالم.. هذه ثلاثة أركان رئيسية. علينا أن نعتبر كل تخلفاتنا في هذه الأركان الثلاثة تخلفات حقيقية. كلما ابتعدت شخصياتنا و سلوكياتنا نحن المسؤولين عن السلوكيات التوحيدية، و انخفض مستوى احترامنا لحياة الشعب، و شخصيته، و هويته، و عزته، و بمقدار ما لم تعالج الفواصل الطبقية، و لم تتابع العدالة الاجتماعية في البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة، فسيكون هذا تخلف. ينبغي أن تتركز كل جهودنا على تلافي حالات التخلف. و هكذا ينبغي أن تكون أجواء المجتمع. هذا هو السبب الذي يجعلني أحذر أحياناً بعض الأشخاص من مسؤولين أو سواهم.اعتقد أن العمل لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية و ردم الفواصل الطبقية هو أكبر و أهم مسؤولياتنا. لحسن الحظ حضر هذه الجلسة عدد من مسؤولي المحافظة و أتمنى أن يفكروا في هذه القضايا. أهم قضايانا اليوم هي أن نستطيع ملء الهوة الطبقية بين الفقير و الغني. أكبر خدمة للشباب هي أن نستطيع تثمير مواهبهم و تفجيرها، و توفير فرص و إمكانات الدراسة لهم ثم نفكر بإيجاد فرص عمل لهم. حينما أشدد أحياناً على أن لا تدخلوا القضية الفرعية الفلانية أو الضجة أو الشجار السياسي الفلاني إلى ساحة النقاشات العامة، فهذا هو السبب، و إلا إذا اختلف تياران أو حزبان حول مائة قضية و تشاجرا بشأنها فهذا لن يعود بأي ضرر على البلاد. توقعي من المجلس، و الحكومة، و المسؤولين في كافة المستويات هو أن يتعرفوا على قضايا البلاد الأساسية بالمعنى الحقيقي للكلمة.حضر أعزاؤنا هنا.. السيد رئيس الجامعة المحترم.. و السيد الدكتور ثبوتي، و حين شاهدت أنكم شجعتموه و حييتموه بحرارة حينما صعد إلى المنصة فرحت من أعماق قلبي. أن تكون الشخصية العلمية موضع تكريم الشباب و احترامهم فهذا شيء يفرحني كثيراً و دليل علی أن شبابنا يولون أهمية للعلم. المطاليب التي طرحها هو أو التي طرحها هذان الشابان العزيزان من النخبة العلمية، أو التي طرحها الطالب الجامعي نائب التنظيمات الطلابية تمثل أفكاراً صائبة ينبغي متابعتها. لحسن الحظ يحضر هنا وزير العلوم المحترم و المحافظ، و نواب المجلس. و سأوصي العاملين في مكتبي لمتابعة هذه المطاليب. و أؤكد طبعاً على المسؤولين أن يتابعوا المطاليب العملية لأن بعض المطاليب أفكار جيدة لكنها لا تتسق و الواقع العملي.قال الدكتور السيد ثبوتي إن أهالي زنجان يساوون أكثر من مائتي مليار.. أنا أعتقد أنك وحدك تساوي أكثر من مائتي مليار.. كل واحد من هؤلاء الشباب ذوي المستقبل الزاهر يساوي أكثر من مائتي مليار. و هل يمكن قياس قيمة البشر و كرامتهم بالمال؟ القضية هي هل ميزانية بلادنا و منظمة الإدارة و التخطيط تتسع لإنفاق مائتي مليار فقط على الطرق المؤدية لمدينة زنجان؟ فهناك بالتالي مدن أخرى في إيران. زنجان لا تحتاج للطرق فحسب، بل تحتاج أيضاً للجامعات و الزراعة. على كل حال سأوصي كي يتابعوا القضية و يهتموا لها.و أوصي التنظيمات الطلابية.. يا أعزائي، ليكن اسمكم ما يكون.. الأسماء غير مهمة بالنسبة لي.. و ليكن تياركم و اتجاهكم السياسي ما يكون.. اليسار و اليمين غير مهم بالنسبة لي. المهم بالنسبة لي هو أن يتفطن الشاب و العنصر الناشط سياسياً أين تقف بلاده اليوم، و ماذا ينبغي عليه أن يفعل و ما الشيء الذي يهتم به. لينفق طاقاته من أجل ذلك الشيء، و لا ينظر لما يقوله الأعداء الذين يخططون لنا و يريدون بنا سوءاً.من ممارسات الأعداء الاستهانة بما لدينا و بخسنا أشياءنا؛ بالضبط كبعض السماسرة و الدلالين المجحفين المخضرمين الذين إذا أرادوا بضاعة بخسوها و استهانوا بها و أشاعوا أنها غير ذات قيمة لكي يخسرها أصحابها بسهولة! نظامكم الإسلامي مهم جداً و ذو قيمة كبيرة جداً.. و مواهب الشعب الإيراني متألقة جداً. لكن العدو بخس بضاعتنا القيمة دوماً. قال الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام لأحد أصحابه: إذا كانت في يديك جوهرة ثمينة تعرف قدرها و اجتمعت الدنيا كلها و قالت لك إنها رمل لا قيمة له فلن تصدق ذلك.. و إذا كان في يدك رمل و شهد العالم بأسره أنه ألماس فلن تصدق أيضاً.. المهم أن تعرف ماذا تحمل في يديك. ما أحاوله هو أن يعرف الشعب الإيراني ما الرأسمال الهائل الذي يمتلكه و يعلم أية امتدادات قيمة له في العالم الإسلامي.قلت أمس إن رئيس جمهوريتنا سيتوجه إلى ماليزيا و سيتألق هناك إن شاء الله. قال البعض و كيف؟ أقول: أي رؤساء الجمهوريات في العالم إذا زار بلداً أجنبياً تقيم له الجماهير هناك استقبالاً يدهش حتى مسؤولي ذلك البلد؟ زرت أنا باكستان خلال فترة رئاستي للجمهورية. كان الاستقبال في لاهور و إسلام آباد بحيث لفت إليه أنظار العالم كله و أذيعت أخباره في كل وسائل الإعلام في العالم. و مثل هذا حدث في زمن رئاسة جمهورية السيد خاتمي في باكستان و لبنان، و في زمن رئاسة جمهورية الشيخ رفسنجاني في السودان. أينما توجه مسؤولو البلاد البارزون حالياً و أية بلاد إسلامية يزورونها يواجهون ترحيب الجماهير و مشاعرهم و هياجهم. أين يمكن مشاهدة نظير هذا في البلدان الإسلامية و غير الإسلامية؟ لو أراد رئيس جمهورية أمريكا على سبيل الفرض زيارة إيطاليا أو البلد الفلاني، فإن الجماهير تتظاهر قبل شهر من زيارته و تطالب بعدم مجيئه! لأن أمريكا شر مطلق. » حكيم هديجي « أحد الشخصيات اللامعة و مفاخر هذه المنطقة و قد قرأت بالأمس أحد أبياته الشعرية في كلمتي، له بيت آخر أقرأه بقليل من التغيير:أيها الشقي اللئيم أنت الذي تظلم الناس في العالم اليوم لا غيرك.اليوم أيضاً يكمن علاج أمور الشعب الإيراني في الثبات و المقاومة. ليس معنى المقاومة عدم التدبير. لا شك أن المقاومة لا تعني عدم التدبير. سجلت رواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و أردت ذكرها في بداية كلمتي، لكنني سأذكرها الآن. يقول الرسول الأكرم مخاطباً الصحابي المعروف عبد الله بن مسعود: » يا بن مسعود، إذا عملت عملاً فعملٌ بعلم و عقل «.. أي عمل تريد القيام به يجب عليك القيام به بعلم و عقل.. هذه قضية لا استثناء فيها و تشمل جميع الأعمال، هذه شعارات إسلامية. و إذا بالبعض يريدون الآن تعليم المسلمين - الذين تحولت هذه المفاهيم إلى جزء من ثقافتهم منذ ألف و أربعمائة سنة - أن يتجهوا نحو العلم و العقل! هذه أمور لا ينال منها الزمن.. إنها جديدة تماماً. » وإياك أن تعمل عملاً بغير تدبير و علم «. كل الأعمال ينبغي أن تكون خاضعة للدراسة العلمية.. » فإنه جلَّ جلاله يقول: و لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثاً «.. فالله تعالى يقول لا تكونوا كتلك العجوز التي غزلت و حولت الصوف إلى خيوط ثم عادت و حولت الخيوط إلى صوف. إذا عملتم العمل دون منطق، أو علم، أو تدبير، فسوف تهدرون القوة التي أعطاكم الله إياها و تنقضون أرصدة العلم و العقل و تسكبونها على الأرض و تعودون أدراجكم إلى الوراء. يجب أن لا نعود إلى الوراء.المقاومة المصحوبة بالتدبير من شعارات النظام الإسلامي، و المسؤولون يأخذون هذه الأمور بنظر الاعتبار. طبعاً يمكن تفسير أي عمل و انتزاع حالة اللاتدبير منه.. العدو يفعل ذلك، و البعض يتحولون مجاناً إلى مكبّرات أصوات العدو فيكررون الشيء الذي يريده العدو، و كأنه لم يجر أي تفكير أو تدبير أو عمل خبروي يسبق الأمور و المبادرات. طبعاً لا نريد القول إن مسؤولينا لا يخطئون. الخطأ حالة طبيعية في كل واحد من أبناء البشر و لا يمكن أن تنفصل عنا، بيد أن درجة الاطمئنان ترتفع حين يعلم الإنسان أن مسؤولي البلاد يفكرون و يدبرون و يدرسون و يستشيرون، خصوصاً في المجالات الحساسة و رسم السياسات العامة، و الأمور غير المرتبطة مباشرة بمنطقة التنفيذ، و يحددون الخطوط و يقومون بتمهيدات خبروية واسعة و دقيقة جداً و متظافرة. في إطار هذا التدبير يجب على الشعب الإيراني أن يقاوم، و هذه المقاومة هي التي جعلته يتقدم لحد الآن.أعزائي، في بدايات انتصار الثورة كنا نعاني من قلة الأساتذة، و الأطباء، و العلماء، و الباحثين. أولاً كان هؤلاء قلة في البلاد أساساً، و ثانياً البعض أدار ظهر المجن لشعبه و لم يمد يد العون للشعب و ثورته، لكن النظام قرر المقاومة و الصمود. نتيجة هذه المقاومة اليوم هي أن عدد الطلاب الجامعيين في محافظتكم قياساً إلى ما قبل الثورة - طبقاً للتقرير الذي رفعه رئيس الجامعة و اطلعت عليه - ازداد مائتين و خمسين ضعفاً. مركز الدراسات التكميلية الذي تأسس هنا، وهذا الباحث الشاب الذي حضر و تحدث، ومجموعة النخبة المجتمعون حول بعضهم.. كل هذه إنجازات لا يمكن تحديد قيمة لها. تحقق كل هذا ببركة الثورة.. ثم نأتي و نرسم صورة سوداء حالكة لكل أنشطة النظام؟!أقل مؤشر للتنمية في هذه المحافظة و قد ذكرت هذا في كلمتي يوم أمس هو 500 بالمائة، ثم يرتفع الرقم إلى 1200 بالمائة. إذن، سجلت جميع مؤشرات التنمية في هذه المحافظة زيادة كبيرة. كانت محافظة زنجان ذات يوم ساحة مفتوحة لتنعم الإقطاعيين، و كانت العوائل الإقطاعية تصادر جميع خيرات هذه المحافظة لنفسها و الناس تعيش حياة العسر و التعاسة. كان هؤلاء الإقطاعيون موجودون في العصر القاجاري، و لبسوا ربطات العنق في العهد البهلوي، و تعطروا بـ « القلونية »، و تصاهروا مع العوائل الملكية لتأمين مصادرهم و مصالحهم، و لبسوا قبعات الشابو على رؤوسهم و ظهروا بمظهر عصري! انقرض هؤلاء مع الثورة الإسلامية الشعبية، و وصلت محافظة زنجان بفضل هذه الجهود إلى أن تكون أرقى من سائر المناطق في بعض الميادين. ينبغي أن يبقى ينبوع الأمل في قلوبنا دفاقاً باضطراد.العدو يفزع بعض الأشخاص، و يطرح على البعض تحليلات خاطئة عن واقع البلاد. و يجعل البعض تابعين له - و ليس أمام هؤلاء سوى أن يفعلوا فعل العدو و يكرروا أقواله - و يشجع البعض على قرع طبول فارغة و الركض وراء الشهوات و الأهواء، خصوصاً حينما تنعقد عليهم آمال أكبر. عدم متابعة الطموحات و المبادئ، و القضاء على إرادة الإصلاح في القلوب، و إشاعة اللانظام و الفوضى كلها من ممارسات الأعداء.إنني أتحيز للمشاريع النابعة من الإيمان و التدين و أناصر الشاب الذي يدخل ساحة السياسة و العلم، و الاقتصاد بمحفزات دينية. الشاب صاحب الشعارات الدينية هو بالنسبة لي كالشخص المقدس المحبوب. أنا طبعاً أحب جميع الشباب، لكن الشباب الذين يهتمون للقيم الدينية أعزاء عليّ جداً. البعض يشيعون اللانظام بتظاهرهم بالالتزام بالقيم الدينية، و أنا لا أوافق هذه الممارسات. من الأمور التي أعجبتني في جامعات زنجان هو أنهم قالوا لي إن التنظيمات الطلابية المختلفة في هذه الجامعات لا تتعامل مع بعضها بسوء أدب و هتك الحرمات و الإساءة في الكلام و الاشتباك بالأيدي. هذا أسلوب جيد جداً و أوصيكم أن تكونوا هكذا. لينهض كل واحد من التنظيمات بأعماله، و لكن لتسود بينهم الصداقة و لا يهينوا بعضهم. طبعاً، التحديات العلمية و الفكرية جيدة و مفيدة للتقدم و التطور. الجماعة ذات الأفكار السياسية و الاجتماعية يمكن لأفرادها الاجتماع في مكان ما و التحاور و تقديم الأدلة و البراهين. و حينما تنتهي جولتهم تجتمع جماعة أخرى لا توافقهم الرأي في مكان آخر و يقدم أفرادها بدورهم أدلتهم و آراءهم.إذا ساد هذا المناخ فهو جيد جداً و أنا أحب سيادة هذا المناخ. أما المبادرة إلى الإخلال في النظام مقابل الأعداء فهو أمر ضار، و قد حدث هذا للأسف قبل أشهر في طهران و كان بأبعاد صغيرة لحسن الحظ.المهم بالنسبة لنا متانة البنية الداخلية، و قد ذكرت هذه القضية للطلبة الجامعيين قبل أشهر، و أقولها لكم الآن أيضاً ليعلم الجميع أن الشعب إذا كانت بنيته الداخلية قوية فإن اختلاف أذواق أفراده لا يحولهم إلى أعداء لبعضهم. الشعب يحترم مسؤوليه و محاور إدارة بلاده، فهذه القضية قضية مصيرية. إذا انطوت قلوب الشعب على الإيمان العميق - إيمان كإيمانكم - فلن تستطيع قوة هزيمته و دحره و فرض التراجع عليه. بوسعنا بفضل هذا الرصيد مواجهة كل التحديات الدولية و التقدم إلى الأمام.نتمنى أن نعمل جميعاً بواجباتنا. و سوف ترسم المنظومة الطلابية إن شاء الله واجباتها أكثر مما فعلته في السابق و بنحو واضح و تتابعها بكل إصرار. استودعكم الله جميعاً أيها الأعزاء. أدعو الله ببعض الأدعية لننتهل الفائدة من قلوبكم الطاهرة النيرة:اللهم اجعل هؤلاء الشباب الأعزاء ذخائر قيمة لمستقبل الإسلام و المسلمين. ربنا احفظ أبناء هذا الشعب الأعزاء لهذا الشعب. اللهم انصر الشعب الإيراني في كافة الميادين، مُنّ بأنوار المعرفة و العبودية على قلوبنا أكثر فأكثر. ألّف بين قلوب جميع أبناء شعبنا و خصوصاً مسؤولينا.والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.  
2003/10/13

كلمة الإمام الخامنئي في أعضاء مجلس خبراء القيادة

بسم الله الرحمن الرحيم استفدنا من كلمات السادة. أولاً أبارك لجميع الإخوة والأخوات الأعزاء والسادة المحترمين الحاضرين هذا العيد السعيد لولادة أمير المؤمنين وسيد المتقين (عليه سلام الله) وكذلك ميلاد سيدنا جواد الأئمة، والإمام الهادي، والإمام الباقر عليهم السلام والذين تبركت هذه الأيام منذ الأول من رجب وإلى اليوم بمواليدهم السعيدة. طبعاً من السهل تكريم أمير المؤمنين وذكر تلك السمات الفذة في تاريخ الإسلام بل في تاريخ البشرية، بيد أن مقتضى هذا التكريم والانتساب لذلك الرجل العظيم أمورٌ بعيدة جداً عن العمل والوضع والإمكانات والمقتضيات الخاصة بعصرنا. مع أننا نفخر باتباعنا لأمير المؤمنين لكننا خجولون من أننا لا نستطيع عبر هذا الانتساب تكوين سمعة طيبة وعزة لذلك الإمام الجليل. ثمة بون شاسع بيننا وأعمالنا وسلوكنا وبين الدرس الذي أعطانا أياه أمير المؤمنين، سواء خلال فترة حكومته القصيرة، أو خلال كافة فترات عمره المبارك. أن نكون معروفين في الدنيا باتباعنا لهؤلاء الأجلاء »والمعروفين بتصديقنا إياكم« فهذا تكليف كبير في أعناقنا. نسأل الله أن يعيننا. ونستمد العون كذلك من الأرواح الطيبة لهؤلاء العظماء كي نستطيع السير في هذا الطريق، ونتقدم نحو قم الكمال هذه إن شاء الله.ما يبدو من الضروري ذكره في ضوء المسائل والأحداث الجارية حالياً في العالم هو أن النظام الإسلامي واجه تحدياً عالمياً هائلاً منذ بداية ظهوره. والسبب هو أن أصحاب المال والقوة في العالم والذين كانوا ولا يزالون يفكرون في مصالحهم لم يطيقوا قوةً جديدةً تظهر وتنمو في العالم ضد مصالحهم اللامشروعة. ظهرت هذه القوة بانتصار الثورة الإسلامية وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وربما كان الأخطر على الاستكبار من هذه الدولة والنظام الإسلامي هو اتساع رقعة الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي.. الخطر الذي يهدد الاستكبار اليوم أيضاً ويوجه عداءه نحو العالم الإسلامي وخصوصاً محور العالم الإسلامي أي النظام الإسلامي في إيران. كان هذا مما لا مفر منه. لقد شنت هذه الخصومات والعداوات منذ اليوم الأول بأشكال مختلفة. يسمع الإنسان عبارات تقول إن عداء الاستكبار والجبهات المهيمنة والمسلحة في العالم - عالم الكفر والاستكبار - اليوم ضد إيران كذا وكذا، وكأن لهذا العداء خصوصية معينة في الوقت الحاضر.. وهذه عبارات غير صحيحة. شنت التهديدات ضد النظام الإسلامي والبلد الإسلامي في إيران منذ بداية الثورة. بل لقد كان ظهور هذا العداء وتأثيراته على بلادنا أكبر وأصعب وأوضح مما هي عليه اليوم. لا ننسى فترة الحرب المفروضة وتهديدات الاستكبار وبقاء نظام الجمهورية الإسلامية وحيداً أمام عالم الاستكبار وفرض مثل تلك الحرب علينا، وقبل ذلك وبعده إلى يومنا هذا. واليوم أيضاً تتواصل تلك التهديدات. طبعاً ثمة فارق لصالحنا اليوم هو أننا نتوفر حالياً على تجارب ووعي وقوى أكبر وذهنية أكثر استعداداً في كل أنحاء البلاد، وقد تعامل معنا الله تعالى بما يتناسب وجهاد شعبنا ونواياه الصالحة الخيرة، وسيكون الأمر كذلك بعد الآن إن شاء الله.ما أشعر به كتكليف لنفسي في الوقت الحاضر وأوصي به مسؤولي البلاد هو أن لا نترك ساحة الجهاد؛ الجهاد في السوح التي يتوجب علينا التواجد فيها طبقاً للفهم والتشخيص الصحيح للأمور. هذا الجهاد هو أهم سبل الخروج من المشكلات. ينبغي الجهاد والسعي. كما استطاع الجهاد والكفاح المسلح في عهد قمع النظام الطاغوتي إخراجنا من المشكلات العظيمة التي خيمت يومذاك على بلادنا وأحاطتنا من صوب، وكما استطاع الجهاد المستمر في فترة الحرب رفع الخطر الهائل الذي كان يحدق ببلادنا، وكما كانت مواصلة الكفاح والصمود حيال شتى المشكلات السبيل الوحيد للعلاج والخروج من هذه المشكلات طوال السنوات الخمس والعشرين من عمر الثورة الحافل بالأحداث. قال الله: » والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا« ، »ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه «. هذا الجهاد هو السبيل الوحيد أمامنا، والحمد لله على أن شعبنا ومسؤولينا وشريحتنا الشابة والعناصر المؤمنة الغفيرة في مجتمعنا مستعدة لهذا الجهاد.. المهم أن لا نسمح للفتور بأن يتطرق لعزيمتنا.إنه جهاد على سوح عديدة من أهمها الجهاد في سبيل حفظ استقلال البلاد والعزة الوطنية حيال سياسة التوسع والاحتكار التي تتبناها أمريكا في نظرتها للعالم خلال الأعوام الأخيرة. هذا الاحتكار والتعدي لا يقتصر على بلدان العالم الإسلامي أو بلدان الشرق أو الشرق الأوسط ، إنما يوجه للعالم بأسره. حتى الأوربيون اليوم يشعرون بأن أمريكا تعتدي عليهم اقتصادياً، وثقافياً، وسياسياً، وهذه حقيقة. جزء من سياسة التوسع والاعتداء هذه يختص بمنطقتنا وبلادنا. ينبغي الجهاد والمقاومة في هذه الساحة بكل يقظة ووعي وعدم السماح بالنيل من استقلال البلد وسحق عزته الوطنية. العزة المتوفرة اليوم للبلاد بفضل الإسلام وجهاد الشعب ينبغي صيانتها بكل الوجود. هذه إحدى سوح الجهاد.الساحة الثانية ساحة نشر الثقافة الإسلامية الأصيلة والفكر الديني وإشاعة الأفكار المفضية إلى صحوة العالم الإسلامي. كان إسم الإسلام وحقيقته موجودة في كل أرجاء العالم الإسلامي على نحو فردي - بدرجة شديدة لدى البعض، وبدرجات أقل لدى البعض الآخر - لكن نظرة الإسلام للعالم وللأمة الإسلامية ككيان عظيم ذي مواهب كثيرة وقادر على التحرك واليقظة نظرة تجذرت وظهرت في إيران الإسلامية وشعت على العالم برمته. النظرة للإسلام من هذه الزاوية وإشاعة هذه الأفكار في العالم الإسلامي - الأفكار التي أسست دولة استطاعت استقاء الحرية، والديمقراطية، والحكومة المعتمدة على أصوات الشعب من صميم المفاهيم والتعاليم الإسلامية - شيء لا نظير له في أية رقعة من العالم الإسلامي في زماننا أو حتى القرون التي سبقتنا. ما تبقى في أذهان الناس عن الحكومة الإسلامية خلال فترة الخلفاء العثمانيين والخلفاء الذين سبقوهم - العباسيين والأمويين - كان مفهوماً آخر يختلف تماماً عن المفهوم الذي يحمله العالم الإسلامي اليوم للحكومة حسب نظرة إيران الإسلامية. هذه الثقافة الدينية وليدة النظام الإسلامي وهي بدورها منتجة للنظام الإسلامي وللتحرك صوب الوحدة الإسلامية - فمن المحطات المهمة في هذه الأفكار وحدة الأمة الإسلامية أي نظرة الإسلام للأمة كمنظومة واحدة - وكذلك اجتناب الخلافات القومية والمذهبية في العالم الإسلامي وفي المجتمعات الإسلامية، ثقافة حملت الثورة الإسلامية رسالتها. ينبغي عدم الغفلة عن هذا أو نسيانه.علينا الاهتمام بالحرية، والديمقراطية والعدالة التي رفعت الثورة الإسلامية شعاراتها وعرضت الإسلام على العالم بهذه النظرة والشعارات والأفكار. اليوم أيضاً تشن الهجمات في العالم وعلى مختلف المستويات ضد كافة المفاهيم الإسلامية ومنظومة الأفكار المعتمدة في النظام الإسلامي. يحاربون سيادة الدين، وضمانة الدين لشؤون حياة الناس، وانسجام الديمقراطية مع الدين، يحاربون كل هذا نظرياً وعملياً. كما يحاربون وحدة الأمة الإسلامية بشدة، وهذه من تجارب الاستعمار القديمة.يلاحظ اليوم أن الأعداء يتابعون بجد قضية الصراع الطائفي والعقيدي بين المسلمين في مختلف انحاء العالم. في الوقت الحاضر يوحون لقسم من العالم الإسلامي بأن الحكومة المستقبلية في العراق ستقع بيد الشيعة وهذا خطر عليكم. ويفهمون الشيعة بأن أعداءكم هم السنة. هكذا كانوا يمرّرون سياساتهم كي يزرعوا الخلافات بين الشيعة والسنة وبين الطوائف الإسلامية المختلفة. هذه من السياسات الاستعمارية القديمة والانجليز ضالعون متمرسون فيها ويجيدونها ولهم محاولات من هذا القبيل حتى في داخل بلادنا.شعار الإسلام الأصيل الذي قام النظام الإسلامي على أساسه معناه أن المسلمين يجب أن يتسلحوا باتحاد الكلمة رغم اختلافاتهم العقيدية والمذهبية. وعليهم التشديد على نقاط الاشتراك وتحاشي جرح مشاعر بعضهم. الثقافة الدينية بهذا المعنى وبهذه النظرة التي تتوفر فيها الحرية، والعدالة، والديمقراطية، وإفشاء الوحدة في العالم الإسلامي وبين الأمة الإسلامية من سوح جهادنا التي يجب أن نبذل فيها مساعينا.الساحة الأخرى هي ساحة الجهاد من أجل التنمية والبناء والعمران وتطوير حياة الجماهير داخل البلد وهذا من أوجب صنوف الجهاد. حين نقول تنمية الحياة نعني شيئاً يشمل المعيشة، والأمن، والصحة، والثقافة، والأخلاق، والجانب المعنوي لدى الجماهير. طبعاً يقع العبء الأكبر من هذا الجهاد على عاتق المؤسسات التنفيذية في البلاد. ولكن علی الجميع أن يجاهدوا في هذه الساحة ونحن بدورنا نعد هذه الساحة من سوح الجهاد المهمة جداً ونبذل فيها جهودنا بقدر استطاعتنا وقدراتنا.الساحة الأهم والأصعب من كل تلك السوح هي ساحة إفشاء العدالة والقضاء على التمييز، والحيلولة دون التطاول على بيت المال. طبقاً للتجربة التاريخية، والتجارب التي اكتسبناها داخل البلاد طوال هذه الفترة، فإن من أصعب سوح الجهاد ساحة الجهاد لنشر العدالة. كل شخص يرتكب نمطاً من أنماط المخالفة .. المخالفات المحسوسة والمخالفات غير المحسوسة، وتكون له يد خارج الحدود القانونية المسموح بها سوف يعارض هذا الجهاد ويخالفه. ولهذا قلنا يجب الكفاح من أجل طلب العدالة وتحقيقها، ويجب من أجل مكافحة الفساد أن تتعاضد جميع الأيدي، ويجب أخذ الفساد الاقتصادي - خصوصاً بين المسؤولين ومن لهم يد في شؤون بيت المال - مأخذ الجد. لذلك كانت هذه المهمة من أصعب المهمات، وإذا آتت ثمارها كانت من أنفع المهمات وأغزرها بركة. إذا توفرت العدالة في المجتمع، ولم يكن هناك تمييز أو نظرة متباينة للأفراد والشرائح، ولم تكن هناك استثمارات كبيرة وغير مشروعة في المجتمع، فإن الجماهير ستصبر على كثير من النواقص.هذه السوح الأربع يجب أن تكون أهم سوح الجهاد والكفاح لدينا. ينبغي أن نركز جهودنا على هذه المهمات بقدر استطاعتنا وعزيمتنا. ونوصي مسؤولي البلاد الأعزاء ونساعدهم كي يستطيعوا العمل والجد في هذه الميادين. إذا تمت مراعاة وحدة الشعارات ووحدة التوجهات بين نخبة المجتمع ومسؤولي شؤون البلاد المختلفة، نستطيع الانتصار في جميع هذه الأنماط والسوح الجهادية.التوصية المهمة التي يذكرنا بها القرآن مضافاً إلى التاريخ والعبر التي مررنا بها، وقد نبّهنا لها إمامنا الكبير مراراً وتكراراً هي أن لا تتناقض أصواتنا ودعواتنا وشعاراتنا. علينا حفظ التوجه المتحد حيال الأعداء المتطاولين وفي شتى الميادين الأخرى. هذا هو واجبنا اليوم. توجد تباينات في الأذواق والمعتقدات الخاصة بكثير من القضايا التفصيلية، وربما كان هناك اختلاف في المباني والأسس ذات الصلة ببعض القضايا غير الدخيلة في أساس النظام، وهذه ظاهرة متوقعة وليست مفاجئة.. لا إشكال في وجود مثل هذا التفاوت في الأذواق والآراء؛ لكن الإشكال في أن تؤدي الاختلافات حتى على المستويات الأدنى والأصغر إلى اصطفاف البعض بوجه البعض أمام أنظار العدو وبسبب أمور صغيرة أو كبيرة فينسون بذلك أعداءهم، وقد يعطي البعض أثناء الشجارات والخلافات الدائرة داخل البيت الواحد إشارات للعدو ويبدون خفية أو جهراً مودتهم وموالاتهم للعدو. هذا شيء سيئ. هذا هو الشيء الذي نحذر منه كافة التيارات في البلاد بشدة؛ وإلا فالتباين موجود والحوارات موجودة وقد كانت موجودة دوماً، وهي مما لا مندوحة منه، ولا تشكل خطراً يذكر على النظام. حينما يكون مسؤولو القطاعات المختلفة منهمكين في العمل والسعي فلا ضير في أن تكون هذه الخلافات موجودة شريطة أن لا تعرقل الأعمال. المهم وما ينبغي اجتنابه هو الاختلاف في الموقف وعرض وجوه متناقضة ومتضادة لبعضنا أمام أنظار العدو.ستقام بعد شهور انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وستكون إن شاء الله ساحة لاستعراض قدرات النظام الإسلامي وتعبئة شرائح الشعب للمشاركة في هذه الساحة كي يتجلى رغم دعايات الأعداء أن هذا النظام غير منوط بشخص أو شخصين أو زيد وعمرو. هذا النظام منوط بأصوات الشعب المؤمن، ومشاعره، وعواطفه، وإرادته، وعزيمته، وتواجده في الساحة. ولا شك أن العدو لن يستطيع بالنظر لهذه التوجهات أن يلحق أي أذى بهذا البلد. »ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله «. علينا معرفة ساحتنا وموقعنا ومسؤولتنا وأن نعمل بها بدقة. ويجب أن لا يصدر عنّا في سلوكنا أو سلوك الآخرين أي تساهل في هذا المجال. لنعرف واجباتنا وتكاليفنا الثقيلة ونعمل بها. إذا عملنا بهذه الطريقة كنّا موفقين وهذا ما سيكون بفضل الله. وكما أشار سماحة الشيخ مشكيني يجب أن لا نغفل عن المكر الإلهي »فلا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون« .. يجب أن نعلم أن الله تعالى ليس له صلة رحم بنا كما لم يكن له صلة رحم باليهود والنصاري. ما يبقينا واقفين ويمطر علينا ألطاف الرب ورحمته هو أعمالنا وجهادنا ومساعينا وإخلاصنا. وهذا ما نتمنى على الله تعالى أن يضاعفه يوماً بعد آخر بين جماهيرنا ومسؤولينا.نسأل الله تعالى التوفيق للسادة المحترمين ولكافة المسؤولين، ونتمنى أن تشمل نظرات سيدنا بقية الله أرواحنا فداه هذا النظام وهذا البلد وهذا الشعب وهؤلاء المسؤولين إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2003/09/09

كلمة الإمام الخامنئي في أهالي مدينة قم

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من قم، خصوصاً العلماء الأعلام، و الفضلاء، و عوائل الشهداء العزيزة، و المعاقون، و جميع الشباب الكرام الذين يضفي حضوركم و قلوبكم و أرواحكم و دفء وجودكم الأنس و النور على مناخ المجتمع العام في كل الأحوال. أبارك هذه الأيام الشريفة التي تبدأ بولادة السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها في أول شهر ذي العقدة الحرام و تنتهي بولادة أخيها الكريم سيدنا أبي الحسن الرضا عليه الصلاة و السلام في الحادي عشر من هذا الشهر.هذه الجلسة الدافئة الصميمية كباقي ابتكارات أهالي قم و الحوزة العلمية هناك و التي أبدوها خلال فترة الثورة و النهضة الإسلامية العظيمة، و خلال عهد الحرب المفروضة، جلسة مفعمة بالصفاء و الصميمية و علامات الإيمان. الكثير منكم أيها الشباب الحاضرون في هذا اللقاء لم تشهدوا واقعة التاسع عشر من دي الملحمية؛ و ربما كان معظمكم ممن لم يشهد حدث المدرسة الفيضية المصيري الكبير في سنة 41. سمعتم عن هذه الأحداث أخبارها فقط و لم تشهدوها. بيد أن الأحداث الكبرى و المنعطفات التاريخية مثيرة و مهمة و مليئة بالدروس للجميع و ليس لمن شهدوها فقط، ذلك أن الحدث الكبير بداية حركة معينة و مستهل طريق معين و ربيع وضع خاص في حياة المجتمع و الإنسان. ربما كان غالبية الذين اجتمعوا حول الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام في واقعة بيعته و بايعوه و أصروا على ذلك و قدموا التضحيات، لم يكونوا قد شهدوا واقعة الغدير، و من باب أولى لم يشهدوا ظهور الإسلام و الحروب التي شارك فيها أمير المؤمنين. إلا أن الإسلام و هديه و نوره لا يقتصر على من كانوا في ذلك الحين، إنما هو للجميع و للأبد: » و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم «. (1) كانت الثورة الإسلامية بداية طريق زاخر بالمفاخر و السعادة. جميع الذين عانوا من الإجحاف و تعطشوا للعدالة، عشقوا هذه الظاهرة من أعماق أرواحهم و بذلوا الجهود لأجلها. كل الذين شعروا بثقل و ضغوط النظام الدكتاتوري و قمعه و عسفه و سلطته الفردية أو فكروا فيها رحبوا و لا زالوا بالثورة الإسلامية و بحركة الشعب المسلم و بالكفاح الشعبي الشامل. القضية لا تختصر بالحاضر فقط، بل سيكون الوضع كذلك في المستقبل أيضاً.جنود الثورة ليسوا الذين كانوا جنودها عند اندلاعها فقط.. شبابنا المؤمن المتجدد التفكير و الحر التفكير، و العفيف اليوم أيضاً و الأجيال اللاحقة أيضاً هم جنود الثورة. فالثورة حقيقة خالدة أبداً.. الثورة راية العدالة، و الحرية، و الاستقلال، و العزة. الثورة ببرق الإسلام. مثل هذا الشيء لا يبلى أبداً.. و له أنصاره و جنوده دوماً.. و له عشاقه دوماً بين الواعين. الذين يحاولون تصوير شبابنا الحالي على أنهم معرضين عن الإسلام و الثورة تحت عناوين من قبيل الجيل الثالث و الجيل الرابع و ما إلى ذلك هم أنفسهم أصحاب قلوب كئيبة و بائسة و يائسة و إنما يعمّمون حالهم على الآخرين. و الحال أن حقيقة المسألة ليست بهذا الشكل. كما أن الإسلام ظهر قبل 1400 سنة لكن حقائقه استقطبت القلوب طوال عصور التاريخ، و دفعت الأجسام و الأفكار و الطاقات نحو الحركة و أوجدت تحولات كبرى في كافة ميادين الحياة البشرية.. الثورة إحدى هذه التحولات و اسم الإسلام و حقيقته و روحه هي العنصر الرئيس في هذه الثورة.. لذا فهي حية على الدوام.. و لذلك ترون أن لها أعداءها. كما أن انتصار الثورة و ولادتها واجهت مقاومة الأعداء، فإن استمرارها و بقاءها و تأثيرها أيضاً سيواجه أعداءً و عداوات. و العدو ليس العدو الخارجي فقط. لدينا عدوان: العدو الأول في داخلنا. و ربما كان هذا العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي. التلوث بالشهوات، و الحرص على الدنيا، و الهيام بالمصالح الفردية، و الفزع من الأعداء الخارجيين، و اليأس من الوعود الإلهية و تحقق المبادئ الإلهية.. هؤلاء هم أعداؤنا الداخليين. كل الذين ولّوا الأعداء أدبارهم و هربوا في الجبهات الكبرى نظير جبهة الثورة الإسلامية، انهزموا أولاً في جبهة قلوبهم. إما أن يفزعوا أو تستهويهم تجليات الدنيا، أو يتلوثوا بالشهوات أو يخدعوا بالمال و المناصب، أو يضللهم الوجه المتملق للأعداء. الإنسان يهزم أولاً في قلبه ثم تظهر هزيمته في الجبهة الخارجية.ثانياً العدو الخارجي، و هو القوى العالمية اللاهثة وراء الهيمنة، و المستعدة لسحق و تدمير العالم كله و إشعال حروب طاحنة من أجل بلوغ غاياتها و تأمين مصالحها. لاحظوا تهديدات أمريكا ضد العراق اليوم، و ضد أفغانستان بالأمس، و ضد الشعب الفلسطيني و الشعب اللبناني طوال هذه الأعوام! لاحظوا عربدات المستكبرين في العالم! هذه تجليات ذلك العدو الخارجي.في أي مكان من العالم يستيقظ شعب، أو تصحو حكومة، أو يفكر شعب بتأمين مصالحه و قطع يد العتاة و الجبابرة، تبدأ أجهزة الهيمنة العالمية - و هم مجموعة من هؤلاء الرأسماليين الكبار و الصهاينة - بإقصاء ذلك المركز و تلك الحركة عن طريقهم. ينجحون في كثير من الأحيان، ولا ينجحون في بعض الأحيان. و لم ينجحوا في نموذج الشعب الإيراني و الثورة الإسلامية بسبب إرادة الشعب و إيمانه، و بفضل النماذج الخالدة التي قدمها شعبنا من شبابه المجاهد الورع، لم ينجحوا في هذا النموذج و حالفتهم الهزيمة لحد الآن. البعض ينـزعج لأننا ننبّه الجماهير في تحذيراتنا العامة لهذا العدو الخارجي. هذا الانزعاج ناجم عن نظرة سطحية. حينما نقول إن لنا أعداءً خارجيين فليس معنى ذلك أن نقاط ضعفنا، و أخطاءنا، و زلاتنا، و تقصيراتنا عديمة التأثير في إخفاقات النظام الإسلامي. كلا، ليس الأمر كذلك. يعلمنا القرآن أن نعتبر من أخطائنا دوماً: » ربنا اغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في أمرنا «. (2) ينبغي أن لا ننسى إسرافنا، و تمادينا، و تقصيراتنا، و إفراطنا، و تفريطنا، بل يجب التفكير في إصلاح هذه السلبيات. بيد أن هذا يجب أن لا يُغفلنا عن العامل المشدِّد لهذه السلبيات ألا و هو العدو الخارجي. في نفس هذه الآية الشريفة التي تعلمنا أن نستغفر من ذنوبنا و إسرافنا، يقول تعالى بعد ذلك على الفور:» و ثبّت أقدامنا و أنصرنا على القوم الكافرين «. أي لا تغفلوا عن العدو الخارجي أيضاً، فهو الذي يستغل أخطاءكم أقصى حدود الاستغلال. العدو الخارجي يضاعف و يكرّس الأخطاء.في داخل البلاد قد تكون للكثير من الأمور أرضيتها الطبيعية. لنفترض الفساد و شيوع الفساد في بعض القطاعات - القطاعات الحكومية أو غير الحكومية - أو التلوث بالشهوات بين بعض الناس أو بعض الشباب - و لهذه الأمور أرضياتها الطبيعية - لكن حين يفكر العدو في سحق شعب و تدميره تتحول هذه الأحوال إلى أدوات في يده فتشدّد من درجتها. حينما تتابعون أصول كثير من القضايا و المشكلات في داخل البلاد اليوم تصلون إلى الأصابع الأجنبية و الأيدي العميلة للأعداء و تخطيطات الأجهزة التي عبّأت كل طاقاتها ضد النظام الإسلامي. انتصرت الثورة بفضل الله و بقوة هذا الشعب في سنة 57، و هزمت الجبهة المقابلة للثورة و الإسلام و التابعة لأولئك الأعداء الخارجيين و يئست و تراجعت، و لكن هل كفّت عن المعارضة و العداء و الانتقام من الثورة و الشعب الإيراني؟ أبداً. قد يندحر العدو في مواجهة معينة و يتراجع. لكنه سيكمن و يراقب و يترصد الأحداث ليشن هجومه في الفرصة المناسبة و ينتقم. على الشباب الغيور المؤمن في هذا البلد و من كل الشرائح.. رجال الدين، و الطلبة الجامعيين، و الكسبة، و العمال، و المزارعين.. و الكل عليهم أن يتيقظوا. جميع الذين يعشقون دينهم و شرفهم و عزتهم الوطنية و استقلال بلادهم يجب أن يحذروا و يراقبوا. قد يهزم العدو لبرهة من الزمن و هذا ما حصل حيث هزم العدو هزائم فاضحة في أطوار عديدة، لكن سيلجأ لكمائنه و يستغل حالات الغفلة و يشن هجومه. و هجوم العدو ليس عسكرياً دائماً. قد يشن العدو هجوماً ثقافياً، أو أخلاقياً، أو اقتصادياً، أو أمنياً، أو يندس في الأجهزة الحساسة. لذا على الشعب أن يتحلى بالوعي دوماً. و المسؤولون يجب أن يكون وعيهم مضاعفاً، خصوصاً و أن أعداء الإسلام و الثورة عقدوا آمالهم على بث اليأس في قلوب الناس من النظام الإسلامي و الإيحاء بأن النظام الإسلامي غير قادر. و الحال أنه أقدر من كل الأنظمة الأخرى على حل المشكلات و العقد. النظام الإسلامي هو الذي منح هذا الشعب الذي تقلّب طوال قرون تحت قبضات الأنظمة الاستبدادية، منحه الحرية من دون أن تسحق هذه الحرية الحقوق العامة و الرفاه العام.الذين قرأوا تاريخ الثورات في العالم يعلمون أية فجائع خلقت الثورات الكبرى في البلدان التي وقعت فيها. و قد أفضت جميع تلك الثورات أو معظمها و أهمها إلى دكتاتوريات سوداء. الثورة الفرنسية قبل قرنين و الثورة الروسية في الاتحاد السوفيتي قبل قرن من الزمان، و الثورات التي قامت على شكل انقلابات أو ما إلى ذلك سحقت حقوق الشعوب و عطلت الديمقراطيات و تجاهلت أصوات الناس تماماً. استطاعت الثورة الإسلامية منح الحرية لهذا الشعب، و أخذه في أقصر مدة - حيّرت الدنيا - إلى صناديق الاقتراع و إشراكه في شؤون بلاده بنفس الأسلوب الذي يحترمه العالم الحديث و لا يمكنه تسجيل أية مؤاخذة عليه.. هذا بعد أن بقي هذا الشعب لقرون طويلة لا يعرف معنى التصويت و معنى التدخل في شؤون البلاد. أقيمت كل هذه الانتخابات في البلاد و شاركت الجماهير فيها دون أية خسائر أو مشكلات. هذه هي الميزة الكبرى للنظام الإسلامي. حتى في البلدان التي تسمى ديمقراطية تقع أحياناً حوادث دامية و مريرة في الانتخابات. شعبنا شارك في مختلف الانتخابات بكل رزانة. كانوا قد سدوا الطريق على مواهب هذا الشعب و تنوّره و انفتاحه على العالم. رفاه الشعب كان مختزلاً في رفاه العائلة الحاكمة و الأقارب.. كان الشعب متروكاً لحاله. تابع النظام الإسلامي جميع هذه المشكلات الكبرى بالأساليب الصحيحة و حقّق نجاحات عديدة. أينما توجد مشكلة - في الحيز الاقتصادي، أو الثقافي، أو الأخلاقي - لو دقّق المرء فيها لوجد أنها تعود إلى استخدام أسلوب عمل غير إسلامي أفضى لهذه النتائج السلبية. و أينما نجحنا كان ذلك نتيجة اتباع الإسلام، و حيثما لم نوفّق و لم ننجح كان ذلك بسبب الحياد عن الإسلام. و لهذا يشدد الإمام الجليل كل هذا التشديد على تطبيق الإسلام في قوانيننا، و في أداء مسؤولينا، و في سلوك الحكومة و المسؤولين القضائيين. حينما يوجد خلل و نقص فما ذلك إلا بسبب عدم الاكتراث للإسلام. عندما أنظر في مجموعة هذه القضايا أرى تدبير الأعداء و إعلامهم و أياديهم و حربهم النفسية بكل وضوح. يريدون من ناحية الحيلولة بشتى السبل دون تطبيق أحكام الإسلام و فرض الضغوط الاقتصادية العالمية و الحظر الاقتصادي على هذا الشعب كي لا يسمحوا بانتظام الأمور و تطورها بسهولة. و من ناحية ثانية يطبّلون و يقولون: أرأيتم كيف عجز النظام الإٍسلامي و لم يستطع! هذه هي الحرب النفسية للعدو.طبعاً أثبت شعبنا بصموده، و تواجده في الساحة، و بكل وجوده أنه فرض الإخفاق على هذا العدو و وجّه صفعات قوية لفمه في كل المراحل و الفترات. الذين يعادون شعب إيران هم القوى العالمية. ما هو سبب عدائهم للشعب الإيراني؟ عداؤهم لشعب إيران بسبب هذه الخطيئة الكبيرة: مناصرة الإسلام و الصمود من أجل النظام الإسلامي و الدفاع المستميت عنه. و لهذا السبب يعادون شبابنا. كل من يسعى أكثر و يخدم الإسلام و النظام الإسلامي و الجماهير المسلمة أكثر يعادونه أكثر. و قد انكشفت اليوم أهداف الأعداء القذرة. ذات يوم كان بوسعهم التحدث باسم مناصرة الديمقراطية لكنهم لم يعودوا قادرين على ذلك اليوم. الرأي العام العالمي في الوقت الراهن يرفض الشعارات الأمريكية و ينظر لها بتشاؤم. يشنون الحروب باسم مكافحة الإرهاب. لاحظوا الإستعداد القتالي الأمريكي للهجوم على العراق حالياً، أية جماعة شعبية أو أية حكومة شعبية توافق هذه الخطوة الظالمة؟ الكل يبغضون ذلك و الكل يرون أمريكا كاذبة في ادعاءاتها. هل تهاجم أمريكا بلد العراق لمكافحة الإرهاب أم لآبار النفط العراقية الغنية، و للهيمنة على المنطقة، و للدفاع عن إسرائيل، و للإطلال على الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ الكل يعلم اليوم أن هذه هي أسرار الاستكبار العالمي المفضوحة. و الشعوب و الحكومات العربية أيضاً ما عادت تثق أبداً بالوعود و الكلمات الأمريكية. و ربما اضطر بعضهم لإبداء التماشي لمصالحهم قصيرة الأمد، و لكن على العموم لم يعد هناك من يصدق كلام الساسة الأمريكان و المستكبرين. هذه هي التجربة التاريخية للشعوب العربية التي سجلتها ذاكرتها. في الحرب العالمية الأولى تماشت بعض التيارات العربية مع الانجليز - و هم المستكبرون و المستعمرون العالميون يومذاك - من أجل الظفر باستقلالهم. و كانت النتيجة ظهور أرضيات انبثاق الكيان الصهيوني مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى. مهدوا الأرضية و اغتصبوا بلد فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية و اعلنوا الحكومة و الدولة الصهيونية. طوال هذه الفترة و على الرغم من دعم بعض الحكومات العربية للغرب - بريطانيا يوماً و أمريكا بعد ذلك - و تماشيها معهم، جرت إهانة الطرف العربي لصالح الطرف الصهيوني دوماً و في كل الأحداث، و تعرض للظلم و الضغط. هذا فضلاً عن الشعب الفلسطيني المظلوم الذي حكم عليه في المبادلات العالمية بأن يكون الضحية.. لقد أهانوا و أذلوا الأمة و المجتمع العربيين و كل الحكومات و البلدان العربية. في التنافس بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي على مدى سنوات طويلة تحيّزت العديد من البلدان العربية للجانب الأمريكي. تضاعف الضغط الأمريكي على العرب يوماً بعد يوم. و لمّا حان يوم الامتحان و استيفاء الجزاء الحسن لكل ذلك الدعم، عملوا على العكس تماماً و وقفوا ضد مصالح الشعوب العربية! و كذا الحال في حرب الخليج الفارسي قبل عشرة أعوام و في القضايا الأخيرة. البلدان، و الشعوب، و المستنيرون، و كثير من الحكومات العربية تعلم أن الوجه الأمريكي إذا تبسّم لهم فلن يكون وراء قناع هذه الابتسامات سوى الغضب و الكراهية. و جميع العالم الإسلامي و كل الشعوب المسلمة تمقت كذلك التواجد الأمريكي في هذه المنطقة. يتصور الأمريكان أن بوسعهم المجيء لهذه المنطقة و السيطرة بسهولة على آبار نفط العراق و ابتلاع هذا البلد و تأمين مصالحهم. إنهم مخطئون.. لن يستطيعوا ذلك.. قد يأتون و يستقرون في الظاهر، لكن الشعوب الإسلامية لن تسمح لهم بوضع هانئ هناك.ما يتوقعه العالم الإسلامي منا نحن الشعب الإيراني هو أن نبقى نرفع راية الإسلام - و هي راية عزة الأمة الإسلامية التي رفعناها - بقوة. هذا ما يتوقعه منا العالم الإسلامي. راية الإسلام في بلادنا تمنح الأمل للشعوب و ترفع معنوياتهم. و رفع هذه الراية و الإمساك بها بقوة يمثل عامل مهم جداً في قوة شعبنا و عزته أيضاً. و الواقع إننا لسنا الذين نمسك الإسلام و نحفظه إنما الإسلام هو الذي يحفظنا. أي شعب يقف الموقف الإسلامي فسيكتب له أن يكون شعباً حياً شامخاً عزيزاً. الإسلام عزيز سامق رفيع. نحن الذين نحتاج للإسلام من أجل الخلاص من ذل القوى المستكبرة.. الذل العلمي، و الذل السياسي و الثقافي. أيها الشباب الأعزاء، أهالي قم الأعزاء و يا كل شعب إيران العزيز، ما تمتلكونه اليوم، أي النظام الإسلامي، هو الأمل الكبير للشعوب المسلمة. لا تنظروا لإعلام الأعداء و تلويثات أبواقهم. إنهم مضطرون لمثل هذا الإعلام. النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية و الشعب و الشباب الإيراني اليوم يتألقون كالنجم في العالم الإسلامي. ينظرون إليكم و يستلهمون منكم. راقبوا أنفسكم. حافظوا على وحدتكم. حافظوا على أملكم بالمستقبل. ليعرف المسؤولون قدر هذا الشعب. لتنهض مختلف أجهزة النظام الإسلامي بواجباتها بوحدة و تضامن و لتكسب رضا الشعب بأدائها و مساعيها. ليعلم الجميع أن يد الله معهم، و ستكون أدعية الإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه ) سندهم و عونهم إن شاء الله. نتمنى أن يحشر الله تعالى شهداء قم الأبرار و كافة شهدائنا الأعزاء و الروح المطهرة لإمامنا الجليل و سائر عظماء هذا الطريق مع أوليائهم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1- سورة الجمعة، الآية 4.2- سورة آل عمران، الآية 147.3- م ن.
2003/08/31
  • « الأولى
  • ‹ السابقة
  • …
  • 21
  • 22
  • 23
  • 24
  • 25
  • 26
  • 27
  • 28
  • 29
  • التالية ›
  • الأخيرة »

المستقبل للإسلام وللشباب المؤمن

2017/05/27
خطابات
  • الخطابات
  • القرارات
  • رسائل وندائات
مرئيات
  • الفيديو
  • الصور
  • تصاميم
  • موشن غراف
السيرة
  • السيرة الذاتية
  • قصص وخواطر
قضايا وآراء
  • تقارير
  • مقالات
  • حوارات
مؤلفات
  • مؤلفات الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الثورة الإسلامية
المزيد
  • الأخبار
  • أفكار ورؤی
  • الإمام الخميني
  • إستفتاءات
إنّ كلّ المحتويات الموجودة على KHAMENEI.IR مرخّصة بموجب ترخيص Creative Commons Attribution 4.0 International License.