تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
  • English
  • Français
  • Español
  • Русский
  • हिंदी
  • Azəri
  • العربية
  • اردو
  • فارسی
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • خطابات
  • أفكار ورؤی
  • مرئيات
  • السيرة
  • قضايا وآراء
  • مؤلفات
  • إستفتاءات
  • خط حزب الله
خطابات
الخطابات
القرارات
رسائل ونداءات
مخطّط بياني

كلمة الإمام الخامنئي في أعضاء مجلس خبراء القيادة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين، و لعنة الله على أعدائهم أجمعين.قال الله الحكيم في كتابه:»هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ** لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَ كَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا ** وَ يُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَ الْمُنَافِقَاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ سَاءتْ مَصِيرًا ** وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ كَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا«.(1)صدق الله العلي العظيم.أولاً نتقدم بالشكر الجزيل للسادة المحترمين الإخوة الكرام أعضاء هذه الجلسة و الهيئة الفخيمة في نظام الجمهورية الإسلامية، الذين شكلتم هذا الاجتماع و طرحتم هذه الآراء الجديرة بالنظر و الاهتمام. كما أشكر كلمتي الرئيس المحترم و نائب الرئيس المحترم الذين قدّما لنا تصوراً إجمالياً عن قضايا هذا الاجتماع.خصوصية اجتماعكم هذه المرة قربه من شهر رمضان المبارك، شهر العبودية و الإخلاص، شهر الاتصال بمعدن العظمة و القدرة، و شهر الطمأنينة و السكينة الناجمة عن ذكر الله، حيث قال: »... أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ«.(2) يجب أن يكون من الثمرات المهمة لنا في هذا الشهر الشريف أن تنتهي التلاطمات و الاضطرابات و التوترات التي تشتعل في قلوبنا و تأخذنا ذات اليمين و ذات الشمال، و تنـزل السكينة الإلهية على قلوبنا. فلو تفضل الله تعالى علينا و رحمنا بهذه السكينة لازداد عمق إيماننا و عشقنا و محبتنا لله تعالى، »... لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ«.الناس لحسن الحظ أصابوا منفعة جيدة في شهر رمضان هذا، و هو ما يراه الإنسان. جاءتنا تقارير عديدة من كافة أنحاء البلاد - تقارير موثقة و مصورة - تروي أحوال الناس و توجههم إلى الله في ليالي الإحياء، و في غيرها من الليالي، و في يوم القدس. لقد انتفع الناس بشكل جيد و الحمد لله. و خصوصاً الشباب منهم. المعنويات في هذا الشهر أشبه بشعاع متلألئ أنار القلوب بنظرة واحدة، و بنظرة واحدة أنزل شآبيب البركة على قلوب الناس و أرواحهم. نسأل الله أن لا نتخلف نحن بدورنا عن هذه القافلة، و أن ننتفع بعض الشيء من هذا الشهر المبارك.طبعاً، هذا التوجه العام و هذا الفضل الإلهي الذي شاهده الإنسان بأنواعه و صنوفه و يرآه بوضوح عبر حواراته مع الناس ومعاشرته لهم و ما يسمعه و يرآه منهم، هذه الحالة يجب أن لا تدفعنا صوب الغفلة. الوضع العام مُرضٍ و باعث على الارتياح و الحمد لله، و لكن ينبغي عدم الغفلة عن المكر الإلهي. الغفلة عن ما يمكن أن يأتي، و عن الأخطاء التي قد تقع، و عن العقاب الذي قد يقرره الله تعالى لأمة أو شعب بسبب كفرانه و عدم شكره. هذا خطر كبير.و لحسن الحظ كانت و لا تزال هناك أحداث داعية إلى اليقظة. هذه الأحداث المختلفة و الهجمات المتعددة، و حادثة إهانة القرآن الشريف العزيز في بلد أمريكا.. هذه الحادثة المخزية.. هذه أحداث تبعث على اليقظة و الوعي. إنها تلك الأجراس التي تقرع حتى لا يبقى الإنسان غارقاً في نوم الغفلة، و لا يكون نومه ثقيلاً عميقاً، و لا يغفل عمّا حوله. هذه نعمة كبيرة. لقد مرّت بنا طوال التاريخ و على امتداد عمر الثورة مثل هذه الأحداث، و قد انتفع الأفراد المؤمنون ذوو البصائر و الوعي منها.. انتفعوا من عداء الأعداء.من الأمور المعروفة و التي سمعنا بها - و لا أذكر الآن هل قرأت هذا في مكانٍ ما أم لا، لكنه كان أمراً تتداوله الألسن منذ عقود - أن كتاب »فجر الإسلام« الذي وضعه أحمد أمين المصري و وجّه فيه تهماً و إهانات كثيرة للشيعة - ثم أصدر بعد ذلك »ضحى الإسلام«، و »ظهر الإسلام«، و »عصر الإسلام«، و واصل في جميعها إهاناته و كررها - حينما صدر هذا الكتاب أدى إلى أن يتنبه عدد من كبار شخصيات و مثقفي الحوزة العلمية في النجف، و يردوا على هذا الكتاب رداً عملياً. لذلك وضع المرحوم الشيخ آقا بزرگ الطهراني كتاب »الذريعة«، و ألّف المرحوم السيد محسن العاملي كتابه المعروف في الرجال و »أعيان الشيعة«. و كتب المرحوم الصدر كتاب »تأسيس الشيعة لفنون الإسلام«. دافع هؤلاء في كتبهم هذه دفاعاً عملياً عن التشيع. أي إن كتاباً من 300 أو 400 أو 200 صفحة اسمه »فجر الإسلام« بعث على ظهور عدة موسوعات شيعية كبيرة. كان هذا جرساً للتنبه و اليقظة حيث استيقظ الجانب الآخر و أنجز العمل الذي كان يجب أن ينجزه.و قد كان هذا هو الحال في الماضي أيضاً. لاحظوا بدايات كتاب »المبسوط« للشيخ (رضوان الله عليه) - و الذي كتبه في أخريات حياته المباركة - حيث يقول إننا كثيراً ما نسمع أن معارضينا ينالون من فقهنا.. »يستحقرونه ويستنـزرونه« أي يستقلونه، و يقولون إن فقهكم لا فروع له و لا كذا و كذا له، لذلك وضعتُ أنا هذا الكتاب. كتاب مبسوط بهذه العظمة بكل تلك التفريعات التي يقول هو عنها: إنني لم أر لدى أي من المذاهب الإسلامية لحد الآن كتاباً في كافة أبواب الفقه بكل هذه الفروع. هذا ما يقوله الشيخ نفسه في بداية كتابه. أي إن إهانة معينة أو طعن معين يؤدي إلى ظهور مثل هذه الأحداث و النتاجات الحلوة.أو الشيخ النجاشي (رضوان الله عليه) في بداية كتاب »الرجال« و هو من أفضل و أهم وثائقنا الرجالية منذ ألف سنة و إلى اليوم، يقول إنني سمعت أن السيد الشريف قال - و يظهر أنه الشريف المرتضى - إن معارضينا يقولون: »أن لا سلف لكم«. أي لا ماضي لكم، و »لا مصنَّف« أو »مصنِّف«. ليس لديكم علماء مؤلفون و سلف علمي. لذلك وضعت هذا الكتاب لأقول: بلى، لدينا هؤلاء.لاحظوا أن العظماء يوظفون الأحداث بهذه الطريقة. اعتقد أنه ينبغي النظر لهذه الأحداث المرة من هذه الزاوية. لا أن إهانة القرآن شيء صغير، إنما هو كبير جداً، و قبيح جداً، و مخز جداً، لكنه يجب أن يمثل بالنسبة لنا أجراس اليقظة فننتبه و نتيقظ و نفهم أنه »من نام لم ينم عنه«.(3) إذا نمنا هنا فإن الأعداء في جبهاتهم و خنادقهم قد لا يكونوا نياماً بل يقظين يخططون المؤامرات ضدنا.و أعتقد أن فتنة سنة 88 أيضاً كانت من هذا القبيل. كانت بمثابة جرس توعية بالنسبة لنا. بعد أن شارك أربعون مليوناً في الانتخابات و كنا جميعاً فرحين مرتاحين حتى آخر الليل لأن الجماهير احتشدت عند صناديق الاقتراع و أدلت بأصواتها حتى ساعة متأخرة من الليل - و لم تعلن النتائج بعد و الكل كانوا مستأنسين مستمتعين - و إذا بفتنة تبدأ فجأة من زاوية من الزوايا فتوقظنا و تقول لنا: لا تناموا و لا تغفلوا، ثمة أخطار أمامكم و هذه هي الأخطار. أخال أنه يجب النظر لجميع الأحداث من هذا المنظار.لنلقِ في هذه الجلسة المحترمة المكرمة نظرةً للقضايا العالمية ذات الصلة بنا. و لنلقِ نظرة على قضايا البلاد لنرى ما الأمور و النقاط التي يمكن أن نتعلمها منها، و ما الدروس التي يمكن أن نتعلمها اليوم مما يجري في العالم و في بلادنا.على صعيد القضايا العالمية تبدو المسألة الأوضح و الأبرز من كل شيء هي تخبط الجبهة المقابلة لنا. مرض الحركيّة (التخبط) من الأمراض التي يصاب بها الأطفال و الأحداث. معنى التخبط هو أن الحركة كثيرة و الأفعال و الأعمال متنوعة و لكن من دون تركيز ومن دون هدف. يضرب أطرافه ذات اليمين و ذات الشمال. الحركة كثيرة و لكن من دون هدف و غالباً ما تكون دون نتائج و مصحوبة بالفشل و الإخفاق. هذا هو التخبط و هو حالة يمكن للمرء أن يشاهدها اليوم في جبهة العدو المقابلة لنا. إنهم يتحركون حركات عديدة: الحظر، إصدار القرارات، توجيه الاتهامات، إثارة الأجواء ضد النظام الإسلامي، تقوية المعارضين الداخليين، و حسب اصطلاحات الرياضيين حقن المعارضين الداخليين بالمواد المنشطة، حيث يحقنونهم باستمرار بحقن منشطة ليس لها أي تأثير في تقويتهم بشكل حقيقي و واقعي، و إنما تجعلهم نشطين في الظاهر فقط.في العام الماضي سمعتم في ذروة أحداث فتنة عام 88 أن إحدى الشبكات الالكترونية الاجتماعية ذات الصلة بالمعارضين و التي كانت تأخذ الأخبار من هنا إلى هناك، و تنقل أوامر الجانب الآخر هناك إلى هنا، و تثير الضجيج و الأجواء. أرادت هذه الشبكة تعطيل أعمالها و نشاطها موقتاً لإجراء بعض التعميرات، لكن الحكومة الأمريكية منعت ذلك و قالت إنكم إذا توقفتم عن العمل الآن حتى و إن بشكل موقت، فسوف يلحق هذا الضرر بالمعارضين في داخل إيران، و حالوا دون التعطيل الموقت. لم يسمحوا بتعطيل موقت لهذه الشبكة الاجتماعية. هكذا كانت المساعدات، إلى غير ذلك من شتى صنوف المساعدات و الإعانات.يستخدمون اليوم كافة وسائل الاتصال، و جميع الأدوات السياسية، و الوسائل الثقافية، و الأدوات الاقتصادية من أجل أن لا يبلى الحظر ضد إيران و لا يتوقف في وسط الطريق. كلفت الحكومة الأمريكية أحد رجالها الاقتصاديين و الماليين رفيعي المستوى بهذه المهمة خصيصاً، و من واجبه توجيه لجان معينة تسافر إلى هنا و هناك من أنحاء العالم و تتصل برؤساء و قادة البلدان، و تحرضها دوماً ضد إيران. هذا هو تخبط نظام الاستكبار و الجبهة المقابلة للنظام الإسلامي، و هو برأيي أبرز الأحداث في الوقت الراهن. يمكن للمرء أن يستفيد عدة نقاطٍ من هذا الحدث. النقطة الأولى هي أن هذا الواقع ناتج عن قوة الصحوة الإسلامية المتصاعدة باطراد. حين يرى الإنسان أن الخصم مرتبك و يبذل مساعيه باضطراب و يطرق هذا الباب و ذاك الباب و يعمل هذا و يلتقي بهذا و ذاك فهذا دليل على أن الجانب الآخر من القضية اكتسب قوة و قدرة أرعبت الجانب الآخر و أخافته و فرضت عليه الاضطراب و التخبط. لو كنّا ضعفاء و هشّين، و لو كان بمستطاعهم إخضاعنا بضربة واحدة، لما كانت هناك حاجة لكل هذا السعي. هذه المساعي مؤشر اقتدار الطرف الآخر. و هذا هو واقع الأمر، و سوف أشير إلى ذلك. الطرف هنا ازداد قوةً و تجربةً و وعياً بالمقارنة إلى ما كان عليه قبل ثلاثة عقود، و أصبح أكثر حريةً و إمكانية في تحركه و فعله. و في المقابل ازداد العدو ضعفاً. ذات يوم كان العالم الاستكباري مجتمعاً كله ضد إيران. أي لم تكن هناك حقاً فرصة للاستراحة. هكذا كان الواقع في العقد الأول من الثورة. كان الاتحاد السوفيتي قوة، و لم يكن بلداً واحداً، بل كان منظومة كبيرة من بلدان مركزها و قطبها هو روسيا الحالية. أوربا الشرقية كانت لهم، و معظم البلدان الأفريقية و بلدان أمريكا اللاتينية كانت معهم، وفي آسيا أيضاً كان يحسب لهم حسابهم. هؤلاء كانوا ضد الجمهورية الإسلامية. في حينها لم يكن بوسعنا مراجعة أي مصدر لأجل الحصول حتى على الأسلحة التقليدية. أي لم يكن هناك أي بلد في العالم يبيعنا سلاحاً تقليدياً من قبيل الدبابات إذا احتجنا لعشرين أو ثلاثين منها. في زمن رئاستي للجمهورية زرت يوغسلافيا، و قد رحبوا بنا ترحيباً حافلاً حسب الظاهر، و احترمونا و أهلّوا و استهلّوا فرحاً، و لكن مهما أصررنا لم يكونوا على استعداد لتزويدنا بهذه الأسلحة التقليدية. مع أن يوغسلافيا كانت من البلدان المستقلة و ليست ضمن المعسكر الغربي و لا ضمن المعسكر الشرقي. و مع ذلك لم يكونوا مستعدين لبيعنا السلاح. فما بالك بالباقين؟و كان هناك المعسكر الغربي و فيه أمريكا و أوربا و فرنسا هذه التي تشن ضدنا الهجمات الإعلامية كانت يومذاك تبعث الميراج ضدنا، و تمنح السوبراتاندارد ضدنا. أي أن هجمات هذه البلدان علينا يومذاك كانت أشد بكثير و أكثر بكثير من اليوم. الألمان اليوم قد يتحدثون بشيء في إعلامهم على لسان المستشارة أو غيرها، لكنهم كانوا في ذلك الحين يزودون صداماً بالأسلحة الكيمياوية، و يؤسسون له مصانع الأسلحة الكيمياوية. بمعنى أن العداء كان يومذاك عملياً و أكثر فاعلية.و لا توجد من قبيل هذه الأمور اليوم. أي إنهم لا يستطيعون ذلك و لا تتوفر لديهم الأرضية لذلك، لا أنهم أرتفعت درجة نجابتهم و فضلهم حالياً، لا، إنما يجدون أنهم لا يستطيعون فعل شيء. بمعنى أن هذا الكيان العظيم ازداد اليوم قوة و مضموناً و محتوى داخلياً. و الغرب اليوم - و هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية - يشعر أن هيمنته السابقة على العالم الإسلامي قد تضعضعت. أي إن هؤلاء الذين كانوا يصولون و يجولون و يتقدمون إلى الأمام في البلدان الإسلامية و العربية دون مانع أو رادع، يجدون اليوم أن هذا الأمر غير ممكن، و غير متيسّر لهم. لقد فرضت عليهم هذه الموجة الإسلامية ما فرضت، بل إنهم يريدون اليوم إعادة النظر، وإعادة النظر نفسها صعبة عليهم. يريدون في بعض البلدان ذات التبعية الواضحة الجلية للغرب - و شعوبهم تعلم ذلك و هي غير راضية عنه - إعادة النظر عسى أن يستطيعوا ترتيب الأوضاع لكنهم لا يستطيعون فالطريق مسدود أمامهم. يقف الغرب حالياً في مثل هذا الموقف و الواقع. و نتيجة هذا الضعف بشكل طبيعي هو أن يلجأوا إلى مثل هذه الأشياء و يصدروا القرارات. قرارات، قرار و قرارين، و خمسة، و عشرة. قرارات ليست قلوب الشعوب بل حتى قلوب الحكومات معها. نحن نعلم أن هذه الحكومات و بعضها أعضاء في مجلس الأمن و يوقعون هذه القرارات، نحن نعلم أنه حتى بعض هذه الحكومات غير راضية بالحظر. إنما هي عملية قسرية جبرية بالنسبة لهم، و نوع من الإحراج السياسي. هذا هو الواقع.إذن، أحداث من قبيل ما وقع لنا خلال هذه المدة - سواء القرار رقم 1929، أو قضية إهانة القرآن الكريم، أو التصريحات العدائية صراحة ضد الجمهورية الإسلامية، أو ما حدث في سنة 88، و قد كانت أيدي الأعداء المستكبرين مشهودة بوضوح و بلا شك في هذه الأحداث - كلها بسبب أن الطرف الآخر يشعر بأن هذا الطرف بات قوياً. القوة و الاقتدار و المتانة التي توفرت لهذا الطرف باتت تخيف ذلك الطرف. هذا ما يلاحظ على تصريحاتهم و ما يقولونه بأنفسهم: إذا لم نفعل كذا و كذا ستغدو إيران قوة في الشرق الأوسط، و إذا لم نفعل كيت و كيت ازداد نفوذ إيران في الشرق الأوسط. يطلقون مثل هذه الكلمات. هذه كانت النقطة الأولى.النقطة الثانية هي أن هذه الأحداث يجب أن تبقينا يقظين. يجب أن لا نغفو و لا ننام و لا يأخذنا النوم. هذه الأحداث التي أتكلم عنها و هذه القوة و القدرة و المتانة المطردة التي تلاحظ على الجبهة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية المقدس، إذا جعلتنا مطمئنين غير مبالين، و أدت إلى نومنا و غفلتنا و غرورنا فستكون خطراً دائمياً علينا. ما الذي يجب أن نفعله؟ يجب أن نصلح دواخلنا. الإصلاح الدائمي من الواجبات الدائمية. كيف نصلح الداخل؟ يجب أن نبدأ من أنفسنا. أنا العبد الصغير المذنب العاصي يجب أن أبدأ من نفسي. و كذلك الآخرون. أولاً يجب أن نصلح علاقتنا بالله و نفكر بما سيسألنا عنه الله تعالى: »و استعملني بما تسألني غداً عنه«.(4) هذه من الأمور التي يجب أن تتفاعل دوماً في أذهاننا. لا أقول إننا يجب أن لا نهتم بإصلاح الناس إلا بعد أن نصلح أنفسنا تماماً - فقد لا يتهيّأ هذا بسهولة - حينما نبدأ بإصلاح أنفسنا سيكون إصلاح المجتمع سهلاً علينا. بل سيكون إصلاح المجتمع أسهل من إصلاح النفس. يرى الإنسان القلوب المستوعبة و المستعدة و التي تتقبل الكلام و المنطق في مجتمعنا الإيراني الكبير، هؤلاء الشباب، و هؤلاء الرجال و النساء المؤمنين في أقصى أنحاء إيران، ابتداءً من أكثرهم ثقافة و علماً و فهماً و حتى الطبقات العادية في شتى أرجاء البلاد، يرى الإنسان أنهم يستمعون الكلام، و يصغون إذا قلنا لهم شيئاً. إذا استمعوا فمن المحتمل جداً أنهم سيتأثرون و سيظهر تأثرهم هذا في أعمالهم. هذه أيضاً قضية، هي قضية إصلاح الداخل.و من القضايا المهمة أيضاً قضية تعزيز الروح الداخلية - و سوف أذكر هذا الأمر إذا لم يطل الكلام و لم أسبب لكم إزعاجاً كثيراً - و هي من واجباتنا. تعزيز المعنويات من واجباتنا الرئيسية، سواء المسؤولون أو علماء الدين و المعممون. هذه من الأمور التي يجب أن لا ننساها أبداً.الاتحاد الحقيقي.. جميع السادة يتحدثون و نتحدث عن الاتحاد و الوحدة. كلنا نقول الوحدة، لكن علينا تحقيق الوحدة على المستوى العملي. الوحدة هي أن نعزز القواسم المشتركة بيننا و هي أكثر من مواطن الاختلاف، و نضعها أمام الأنظار و نصب أعيننا. يجب أن لا يؤدي بنا الامتعاض من شخص معين إلى فعل شيء أو قول شيء أو القيام بتصرف هو على الضد من مصالح البلاد. و هذا ما يشاهده المرء أحياناً! ننـزعج من شخص ما بسبب فعل معين أو لشخصه أو بسبب تصريح من تصريحاته، ثم يخيّم هذا الانزعاج على جميع سلوكنا.. هذا غير صحيح. ينبغي النظر للمشتركات و التركيز على المواطن الرئيسية. بعض المسائل التي نطرحها و نشدد عليها هي للحق و الإنصاف ليست من المسائل الأصلية. ثمة مسائل أهم و أخطر يجب التشديد عليها. ترون ما الذي يستهدفه الأعداء، و سوف أتطرق لهذا الأمر.النقطة الثالثة التي يمكن استلهامها من هذا الوضع القائم هي معرفة العدو و أساليبه و العمل الذي يقوم به. ما الذي يفعله العدو الآن؟ من الأمور التي يقوم بها العدو، و ربما جاز لي القول من أهم ما يقوم به العدو أمران: الأول فصل الشعب عن النظام، و الثاني فصل الشعب عن بينات الدين و أصوله و واضحات الأحكام و الشريعة الإسلامية. هذان هما الفعلان الذان يقوم بهما العدو. و لقد فهم العدو الأمر بشكل صحيح، فالشعب هو رصيد النظام، و يعلمون أن الشعب إذا انفصل عن النظام بقي النظام بلا رصيد و لا سند و لا دعامة. لذلك يحاولون فصل الشعب عن النظام. كيف؟ بسلب الثقة. من الممارسات الواضحة سلب الثقة: يجعلون الناس عديمي الثقة بالمسؤولين. كلما عمل المسؤولون و جهدوا و سعوا و تحركوا و كلما انجزوا من الأعمال الجيدة، يقدمون لذلك تفاسير سيئة في الإذاعات الأجنبية و الإعلام الأجنبي بحيث لو استمع المرء لتلك الإذاعات لشاهد ذلك بكل وضوح. طبعاً، هذه حالة كانت قائمة على الدوام. دائماً و في كل الفترات كان من ممارسات العدو فصل الجماهير عن المدراء و المسؤولين و نزع ثقتهم بهم. طوال فترة العشرين سنة أو أكثر بعد رحيل الإمام، و خلال فترة الحياة المباركة للإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) كانت هذه من ممارساتهم. لذلك كان الإمام يقف موقف المدافع عن المسؤولين و المدراء في البلاد على الرغم من وجود اعتراضات و نقود على جوانب من أدائهم وأعمالهم. هذا لا يعني أن الإمام كان يدافع عن تفاصيل الأمور، لا، لكن الإمام كان يدافع عنهم و يحميهم. كان الإمام يقف إلى جانب مدراء النظام و مسؤوليه حينما يشاغب عليهم أحد و يحاول سلب ثقة الناس بهم. و أنا أيضاً كذلك. أنا أيضاً دافعت عن جميع الحكومات من هذه الناحية، و سأبقى أدافع. يجب عدم تسقيط مسؤولي النظام سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية في أعين الناس بسبب عمل ما في زاوية من الزوايا. فالناس سوف يفقدون أملهم إذا شعروا أن هذه الأجهزة و المؤسسات العظيمة مما لا يمكن الثقة به. ينبغي التفكير بهذا. و ما يقال هو بخلاف الحق للإنصاف. أي إن الأمور التي تطرح أحياناً بخلاف الحق. إننا نرى الوضع و الأحوال و على معرفة ببطون الأمور. تبذل الكثير من الجهود المؤمنة المخلصة. هذا ما يشاهده الإنسان. و التقدم الذي يشاهد و يقال دوماً: تقدم البلاد وتقدم البلاد، هذا التقدم لا يتأتى بالجلوس في زاوية البيت أو بعطل المسؤولين و قعودهم، إنما يحصل بجهود المسؤولين. هناك جهود تبذل للحق و الإنصاف. يريد العدو إزالة هذه الحالة. يروم العدو زعزعة ثقة الناس بمسؤولي النظام ليشعروا أنهم لا يستطيعون الثقة بحكومتهم، و بسلطتهم القضائية، و بمجلسهم. يريدون تخريب هذه المؤسسات في أعين الناس. هذا خطأ. هذا نوع من أنواع عمل العدو يجب فهمه و إدراكه. ينبغي عدم التناغم مع العدو و عدم ملء جدوله أو تكميل »پازله«، أو تكرار صوته في الداخل. يتوجب مراقبة هذه الأمور.و هناك قضية الدين و بينات الإسلام و الثورة الإسلامية. من التوحيد و النبوة و الإمامة و الولاية و ما شاكل، إلى الأحكام و الحجاب و الحدود الشرعية و سائر الأمور. يبثون الشبهات باستمرار. ينبغي أن نتنبه و نتيقظ و نعلم أن هذا أسلوب من أساليب العدو. يجب أن تكون لنا تدابيرنا حيال هذه الأمور. طبعاً للكل واجباتهم هنا و أمام هذه الشبهات التي تطرح بأشكال و طرق مختلفة. من واجب الجميع الوقوف أمام هذا التخريب ضد القيم الدينية في المواقع الالكترونية، و في التصريحات، و في صناعة الفرق، و حيال هذا التخريب الأخلاقي و الجنسي الذي يشاهده المرء، و ما إلى ذلك من الأمور. هذه أمور لا أن العدو يقوم بها كلها من الخارج، لا، ثمة محفزات داخلية أيضاً، لكن العدو يعززها و يوجهها و يساعدها و يدفعها إلى الأمام، و العدو راضٍ عن هذه الأمور. ينبغي الحذر من هذه الأمور.. ينبغي الحذر. من الذي تقع عليه المسؤولية؟ هل تقع المسؤولية على عاتق الحكومة؟ ليس لوحدها. للحكومة طبعاً مسؤولياتها. قلت مراراً لمجلس الثورة الثقافية في دوراته المختلفة إنكم لا تستطيعون عزل أنفسكم عن جعل الناس متدينين و الواجب الذي تتحملونه في هذا السبيل. التيارات السيئة الأخلاق كانت تعارض و تقول: لا، سيكون هذا ديناً حكومياً. أنا اعتقد أن للحكومة واجبها على هذا الصعيد، و لكن ما هو واجب الحكومة؟ هل واجب الحكومة تصحيح عقائد الناس و بناءها؟ لا، واجب الحكومة تمهيد الأرضية، و الواجب الميداني و العملياتي يقع على عاتق رجال الدين و النخبة في الحوزات و الجامعات. هذه هي الواجبات الميدانية. أنظر اليوم فأرى فراغ هذه المنظومة الدينية و العلمية المكرمة واضحاً في الكثير من المواضع.حينما نعترض على أجهزتنا الإعلامية أحياناً، نجد أنهم يقومون بسبب اعتراضاتنا و مؤاخذاتنا بخطوة دينية معينة تكون نتائجها سيئة. و أحياناً ينجزون بعض الأعمال فتأتي المضامين غير سليمة، و السبب هو عدم وجود التمكّن العلمي الخاص برجال الدين وحدهم.ليس دور الحوزات العلمية في الإذاعة و التلفزيون مجرد أن يأتي واعظ لبق ينصح الناس، لا، على الحوزة العلمية تشكيل لجان و مجاميع و غرف تفكير ديني و أن يكتبوا حول القضايا المختلفة و يبحثوا و يحللوا و يحققوا، و ينتجوا ثماراً معينة. حينما تتألف الأجواء و تتكوّن فإنها سوف تترك تأثيراتها دون شك، و ستترك آثارها على تمثيل الفنان أيضاً.جاء إلى هنا مائتان أو ثلاثمائة من فناني البلاد المعروفين في المجالات المختلفة - كان ذلك العام الماضي أو في وقت آخر - و ألتقوا بي. تحدثوا هم بمقدار معين و تحدثنا نحن بمقدار معين. ثم لاحظت نقطة في ذلك الاجتماع و قلت حينها إذا سألتموني أنتم المخرجين أو الفنانين أو الممثلين أو المنتجين ما هو الموضوع الذي نختاره إذا أردنا إنتاج فيلم ديني؟ لنفترض أننا نريد إنتاج فيلم عن الحجاب فما سيكون محتواه، و من أين نبدأ و ما الذي نقوله للناس؟ نريد تقوية عقيدة الناس حول مسألة التوحيد، أو النبوة، أو الولاية، أو قضية ولاية الفقيه، أو قضية الإمام (رضوان الله عليه) فما يجب أن يكون الموضوع و المحتوى؟ الشخص الذي نشأ في بيئة غير دينية، و لم يقرأ علوم الدين يوماً، و الكثير منهم غير عارفين بالقرآن، و لا بنهج البلاغة أو الأحاديث، ما يدريهم ما الذي يجب أن يدرج في مضامين الفيلم؟ نحن الذين نعلم و يجب أن نعدّ ما نعلم و نقدم المساعدة. حينما نستطيع تنظيم هذه الأفكار و ترتيبها و جعلها منطقية قابلة للفهم و مقبولة لدى العقل، و ننظمها على شكل مجاميع فسوف يتأثر بها الفنان حينما يقرأها. لذلك نجد أن الفنان الذي يحمل سابقة و جذوراً دينية سينتج فيلماً جيداً، و هذا ما يحصل نادراً بالطبع. إذن، المهمة مهمتنا.. مهمة رجال الدين أن يرفعوا النواقص في هذه المجالات.كانت هذه نقاطاً تتعلق بالشؤون الخارجية و أهمها جبهة الأعداء المتخبطين في مقابلنا، و ما يقومون به من أعمال و ممارسات. طبعاً، الكلام في هذا المجال كثير لو أراد الإنسان استعراض الأمور و ذكرها.لنلقِ نظرة على وضعنا الداخلي أي وضع الجمهورية الإسلامية سواء في الداخل أو في الخارج. أرى أنه شنّت ضدنا الكثير من الهجمات إبان هذه العقود الثلاثة المجيدة التي مرّت على نظام الجمهورية الإسلامية. هجمات لتحطيم الأسس، و هجمات معارضة جادة ضد الهوية الإسلامية و الروح الإسلامية و الثورية. شنت ضدها الكثير من الهجمات خلال هذه الأعوام الثلاثين. تطاولوا على شعاراتنا و حرفوها، و في كثير من الأحيان فسروا شعاراتنا بشكل مغلوط. جرت في كثير من الأحيان مساع - مساع منظمة و ليست فردية - للإيقاع بين الجماهير و أصل الثورة. خرقوا القوانين في الماضي غير البعيد، و نحتوا في كثير من الأحيان عناوين و ظواهر و ذرائع براقة لخروقاتهم. حصلت و جرت الكثير من الأعمال و الممارسات. بيد أن الجماهير و الثورة وقفت و صمدت. صمدت الثورة، و صمدت الجماهير، و صمد المسؤولون المؤمنون الذين كان لهم تواجدهم الفاعل في هذه المنظومة الهائلة، و كشفوا عن الحقائق، و تقدمت الثورة إلى الأمام و الحمد لله، و لم يستطع الأعداء فعل شيء. لذلك لاحظتم أن الجماهير لم ينجذبوا في الانتخابات الأخيرة للطروحات ذات الصبغة غير الإسلامية و غير الدينية. هذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. توجّه الناس صوب الشخص الذي كان يرفع الشعارات الثورية و الإسلامية و المناوئة للارستقراطية، شعارات العدالة الاجتماعية. هذا مؤشر صحوة الشعب. الناس يحبون هذه الأمور و يحترمونها لأنهم يحبون الإسلام، و يعلموننا مظهراً للإسلام و شرّاحاً للإسلام.هذه هي سمة الناس و هي مسألة على جانب كبير من الأهمية. جرى العمل ضد الثورة منذ أكثر من ثلاثين سنة، و مع ذلك وقف الناس و شعارات الثورة اليوم حيّة. كلام الإمام هو الكلام الشائع اليوم و هو العملة الدارجة. الذين يريدون أن يحظوا بمكانة بين الناس يكررون كلام الناس و ينسبون أنفسهم إليه. ذات يوم كان الأمر على الضد من هذا. ذات يوم غير بعيد عنّا كثيراً كان هناك من يتظاهرون بمعارضة الإمام، و قد قالوا إن الثورة دفنت! أعلنوا ذلك صراحة. و قال البعض يجب فصل الناس عن الله! كانوا يقولون هذا صراحةً من منابرهم و مكبرات صوتهم. و هم لا يتجرأون اليوم على التفوّه بمثل هذا الكلام. الذين يستطيعون التحدث مع الناس اليوم و لهم منابرهم - أو أنهم يستخدمون أية وسيلة لذلك - يتحدثون عن الإمام الخميني و الثورة و شعارات الإمام، طبعاً بأساليب خاصة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. إنه دليل على أن العملة الدارجة في البلاد و المنهج المقبول هو منهج الإمام و طريق الثورة. هذا شيء مهم جداً.طبعاً ذكرنا أن الجماهير صمدت، و كان النموذج الأخير لذلك فتنة سنة 88 حيث وقف الناس و صمدوا. حتى الذين منحوا أصواتهم لأشخاص غير الشخص المنتخب وقفوا مقابل أولئك. لذلك لاحظتم أن الجميع شاركوا في التاسع من دي و الثاني و العشرين من بهمن. و في هذا دلالة على أن أرباب الفتنة و مثيريها أقلية محدودة، لكنهم كذبوا و أرادوا جرّ الناس وراءهم. و قد نجحوا في بداية الأمر، و لكن حين انكشف وجههم و سقط القناع عن وجوههم أثناء الكلام و المواقف و التصرفات المختلفة تنكّر الناس لهم. و بالتالي فقد وقف الناس و صمدوا. هذه نقطة تتعلق بوضع البلاد.و النقطة الأخرى هي تقدم البلد و تطوره. لقد تحدثوا و تحدثنا و تحدث الآخرون عن التقدم العلمي للبلد، و هذا ما تعلمونه. الحق أنه تم إنجاز تقدم مذهل في الميادين العلمية و مجالات التقانة. بعض هذه الأمور التي يمرون بها في التلفاز مرور الكرام و يقولون إنه حدث كذا و أنجز العمل كذا و افتتح المركز كذا، توجد خلفها أعمال جسيمة و مهمة جداً، و تقف وراءها الكثير من الجهود العلمية العميقة و الكثير من القدرات التي تفاعلت إلى أن وصلت إلى ظهور الشيء الفلاني أو اختراع كذا و كذا أو إنتاج كذا في شتى الميادين الصناعية و العلمية و التقنية. هذا أمر مفروغ منه، لكن ما أعتقد أنه فوق هذا التقدم العلمي و التقني هو روح الثبات و الشعور بالاقتدار لدى شعبنا. لقد استيقظت هذه الروح لدى الذين يجب أن يقوموا بهذه الأعمال.و كان هذا تحديداً من بركات اجتماعاتنا في شهر رمضان بالنسبة لي شخصياً. كان هناك الطلبة الجامعيون، و الأساتذة، و المثقفون، و النخبة، و المسؤولون و المدراء، و أرباب الصناعة، و مختلف الناشطين في البلاد، و لم يقل أحد لهم ما يقولوا، بل كانوا يقولون كلامهم، و قد دلت كلماتهم على روح الثقة بالذات و الاعتماد على النفس، و الثقة بأنهم يستطيعون إنجاز أضعاف ما أنجزوه لحد الآن. هذا شيء مهم جداً. هذه هي الروح التي كان الإمام الخميني (رضوان الله عليه) يريد إيقاظها فينا. لقد استيقظت هذه الروح لدى الشعب. يأتي الشباب و يتحدثون. جاء أحد الشباب و قال إنني وضعت خارطة علمية شاملة سأزودكم بها و إن الخارطة العلمية الشاملة التي تم إعدادها في المجلس الأعلى للثورة الثقافية تنطوي على إشكالات و مؤاخذات. هذه روح عالية جداً من الثقة بالذات، و قد استمتعتُ لذلك كثيراً. قد لا يكون ما أعده ذلك الشاب مقبولاً مائة بالمائة كما يتصور، لكن هذه الروح بأن يأتي شاب جامعي مع اثنين أو ثلاثة من زملائه و يضعون خارطة علمية شاملة للبلاد، ثم لا يخفونها في زاوية من الزوايا بل يعطونني إياها في الملأ العام، و يقول أعطيك هذه الخارطة، هذه الروح تمثل شيئاً على جانب كبير من الأهمية. توجد مثل هذه المعنويات لدى طلبتنا الجامعيين و شبابنا و لدى أساتذتنا الجيدين المؤمنين.. هذا شيء مهم.إذا كنا نشاهد المرارات و الإخفاقات و نقاط الضعف، فيجب أن نشاهد هذه الأمور أيضاً فهي مهمة للغاية و بوسعها أن ترسم لنا الاتجاه الصحيح. و إلا متى لم يكن هناك بيننا أناس سيئون و جانحون و ضعفاء و متململون؟ كان مثل هؤلاء الناس دوماً. لكن الشيء الذي يتقدم بالبلاد إلى الأمام هو المحرك الرئيسي أو الداينمو. و قد يكون في داخل القطار بضعة أشخاص يتشاجرون فيما بينهم أو يرمون الأوساخ و يلوثون الأجواء، بيد أن القطار يتحرك و يتقدم إلى الأمام. و توجد أيضاً هذه الاختلافات، فلتكن. و هناك تصرفات سيئة، و هناك أيضاً شخص يصلي صلاة الليل و صلاة جعفر الطيار. توجد كل الأنواع. لكن المسيرة مسيرة إلى الأمام.. مسيرة مفعمة بالأمل و لها اتجاهها و هدفها. يجب النظر لهذه الحقائق. ثمة عمل، و ثمة بناء، و ثمة إبداعات، و ثمة روح استغناء، هذا ما يشاهده المرء في الوقت الراهن. أنجزت على كل حال أعمال مهمة أعتقد أنها قيمة و ذات شأن. في حدود علمي و إطلاعي يتم إنجاز أعمال جيدة جداً في البلاد.هذه الصورة التي أحملها للوضع في البلاد و التي ذكرتها للإخوة و السادة المحترمين، و ما أفهمه من واقع البلاد - و أنا لست عديم الإطلاع بل على اطلاع و علم بكافة هذه القضايا المختلفة التي تطرح. و أعلم الكثير من التفاصيل - تترتّب عليها عدة نقاط: النقطة الأولى هي أن ضغوط الأعداء و الظروف الصعبة لم تزدنا ضعفاً. الصعوبات و المضايقات لم تنل منا و لم تسبب لنا الضعف طوال هذه الأعوام الثلاثين، بل جعلتنا أقوياء مقاومين. يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه سلام الله و الملائكة أجمعين): »ألا و إن الشجرة البريّة أصلب عوداً.. و أقوى وقوداً«.(5) الشجرة البرية أقوى و أصلب، و حينما تحرقها تبقى نيرانها فترة أطول. هذه من خصوصيات الظروف الصعبة. الظروف العصيبة المليئة بالتحديات تزيد الشعوب مقاومة. تزيد الرؤساء و المدراء و المسؤولين و قادة البلدان مقاومة. إنها تقوّيهم كما تقوّيهم الرياضة و تزيد من طاقاتهم و قدراتهم و تضاعف من هممهم و تجعلهم يتجهون صوب الأعمال و المشاريع الأكبر. و هذا ما حدث و الحمد لله. هذه هي النقطة الأولى.النقطة الثانية هي أن هذه الضغوط التي تمارس في العالم محكومة بالفشل و الهزيمة. سوف تهزم هذه الضغوط. هذا شيء أكدته لنا التجارب، ما عدا الوعد الإلهي: »... وَ لَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ...«(6)، و الكثير من الآيات الأخرى في هذا الاتجاه. غالباً ما تكون الضغوط محكومة بالإخفاق. يضغطون لفترة ما و حينما يشاهدون ثباتاً و صموداً من الجانب الآخر تنتهي الضغوط. الحرب حرب إرادات، حرب العزائم الراسخة. ينتصر فيها من تكون عزيمته أكبر. لذلك سيُهزم هؤلاء. لو كان من المفترض أن يهزم النظام الإسلامي بهذه الضغوط لكان قد هزم في العقد الأول في ذلك الحين و كما أسلفنا كان العدو أقوى و كنا أضعف، و كانت قدراتنا أقل، و إمكاناتنا أقل، و معرفتنا بالعالم أقل، و تجاربنا أقل. و قد تم الآن و الحمد لله تلافي هذه النواقص و الثغرات التي كانت يومذاك، و لم تعد توجد اليوم المشكلات التي كانت في ذلك الحين. و الجماهير معنوياتها جيدة. المحفزات و الدوافع في الوقت الحاضر عالية جداً. إذا وقعت لا سمح الله في حين من الأحيان حرب تستدعي تواجد الجماهير و الشباب في الجبهات فسوف ترون كيف أن همم و تضحيات شبابنا اليوم و هم جيل الثورة الثالث ليست بأقل من شبان ذلك اليوم، بل ربما أكثر. توجد مثل هذه الحالة. و بالتالي فهذه الضغوط محكوم عليها بالهزيمة، لكن المهم أن نكون يقظين، شريطة أن نكون يقظين. شريطة أن لا يغلب علينا النعاس و الغفلة، و أن تبقينا أجراس التوعية و اليقظة منتبهين.. هذا هو الشرط.النقطة الثالثة هي أن هناك مفتاحاً أصلياً هو بث الأمل و الطمأنينة في نفوس الناس. هذه هي المهمة التي تقع على عواتقنا أنا و أنتم.. نحن المعممين، و المسؤولين، و أئمة الجمعة. يجب أن تتركز هممكم على نشر الأمل و الطمأنينة بين الناس. إذا فقد الناس أملهم و فقدوا ثقتهم وتزلزلوا فالهزيمة أكيدة. الشيء الذي يثبت الجندي المقاتل في الجبهة هو الأمل. يجب أن يكون له أمله و أن يعلم أنه يستطيع الانتصار. ينبغي الحفاظ على هذا الأمل حياً. العامل الأصلي للانتصار هو تواجد الجماهير في الساحة. و العامل الرئيس لتواجد الجماهير في الساحة هو الأمل و الطمأنينة. يتعيّن تعزيز هذا الأمل لدى الجماهير.. ينبغي عدم إرعاب الناس و عدم جعلهم سيئي الثقة و عديمي الثقة. لاحظوا قول القرآن الكريم: »الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ...«.(7) هذا الشيء من جانب العدو فاخشوه »قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ...«.. ينسب الشيء إلى العدو. و في آية أخرى: »إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ...«.(8) »لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ...«.(9) لاحظوا هذا. أي إن القرآن ذمّ إخافة الناس و نزع الأمل من قلوبهم و تحطيم ثقتهم. و في المقابل هناك: »وَ الْعَصْرِ ** إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ** إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ** «.(10) ينبغي أن نوصي بعضنا بالصبر و الصمود و اتباع الحق و نثبّت بعضنا. »وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ...«.(11) الأولياء بمعنى الأتباع و المرتبطين ببعضهم.. هذا هو واجبنا. إذن، يجب الاهتمام بالأمل و الطمأنينة و الثقة.يجب معرفة القضايا الأصلية، و عدم جعل القضايا الفرعية أصلية. لا أن تبقى القضايا الفرعية غير مطروحة، لا، يجب طرح القضايا الفرعية أيضاً. يجب طرح جميع التفاصيل، و لكن ينبغي في الوقت ذاته عدم جعلها أصلية و ملاكاً للمعارضة و التأييد. ملاك الموافقة و المعارضة هو صراط الحق المستقيم، و هو الإسلام، و التشرع، و التدين، و الالتزام بمباني الثورة، و الالتزام بآمال الإمام الخميني و الأهداف التي رسمها، و مجابهة المستكبرين، و إساءة الظن بهم. بمعنى أن نعلم من هو عدونا. لا أن نعارض و نخالف أخانا و صديقنا المرافق لنا في الدرب، بينما تكون قلوبنا متماشية مع المستكبر عديم الحياء فنطلب العون منه و نعتمد عليه و نثق به. يجب أن لا نكون على هذه الشاكلة.القضية المهمة التي تعتمل في ذهني دوماً - كما تفضلوا و ذكروها و طرحت في الجلسة - و تمثل همّاً بالنسبة للسادة، هي قضية الثقافة و هي قضية على جانب كبير من الأهمية. قضية الثقافة أهم من القضايا الاقتصادية و من القضايا السياسية: ما هي الثقافة؟ الثقافة عبارة عن الإدراك و التصورات و الفهم و المعتقدات التي يحملها الناس و روحياتهم و أخلاقهم في الحياة، و هي التي تحضّهم على العمل و النشاط. إذا كانت الثقافة السائدة في بلد من البلدان ثقافة تحمّل المسؤولية مثلاً فسوف توجِّه هذه الثقافة أعمال الناس و ممارساتهم. و الموقف المضاد هو حالة اللامسؤولية حيث لا يشعر الإنسان بالمسؤولية حيال الأحداث و القضايا و المستقبل و الأعداء و الأصدقاء. بث روح تحمّل المسؤولية و إهداؤها للناس و للرأي العام هذا هو تعزيز الثقافة. و الثقافة أيضاً هي التضحية، و الضمير المهني، و الانضباط، و التعاون الاجتماعي، و الانسجام الاجتماعي، و تجنب الإسراف، و إصلاح نموذج الاستهلاك، و روح القناعة، و تمتين و تجويد المنتوجات الداخلية.. هذه هي الثقافة. هذا ما يجب تقويته و تعزيزه لدى الجماهير. العمل الصالح و إحياء أفكار الإمام و الثورة، و روح الانسجام و الاتحاد الإسلامي - الشيء الذي يأمرنا به القرآن و تأمرنا به أفكارنا، و تحضنا عليه و تأمرنا به الثورة - و الاتحاد و الانسجام مع الإخوة المسلمين و أبناء وطننا، و التعصب المتقابل لبعضنا و على امتداد رقعة الأمة الإسلامية. هذه هي الثقافة. و من ذلك أيضاً ثقافة العفاف و التبسط في المعيشة.على عاتق من تقع هذه المهمات و الأعمال؟ لوسائل الإعلام دور كبير في ذلك، بيد أن وسائل الإعلام قوالب، و المحتوى و المضامين في أيدينا، و لهذه الموضوعة كلام طويل ليس هذا موضعه. و سوف أتحدث عن هذا الجانب في موضعه إن شاء الله. تقع على عواتقنا مهمات جسيمة، و على عاتق الحوزات العلمية، و سوف ننهض بهذه المهمات إن شاء الله. لقد طال بنا الكلام. نسأل الله أن يحفظنا جميعاً على درب الثورة و الإسلام، و يجعل حياتنا وقفاً للإسلام، و موتنا في سبيل الإسلام و لأجل الإسلام، و لأجله عزّ و جلّ. و أن يجعل له و في سبيله كل ما قلناه و نقوله و نسمعه و نفعله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الفتح، الآيات 4 - 7.2 - سورة الرعد، الآية 38.3 - نهج البلاغة، الرسالة رقم 62.4 - الصحيفة السجادية، الدعاء العشرون.5 - نهج البلاغة، الرسالة رقم 45.6 - سورة الحج، الآية 40.7 - سورة آل عمران، الآية 173.8 - سورة آل عمران، الآية 175.9 - سورة الأحزاب، الآية 60.10 - سورة العصر، الآيات 1 - 3.11 - سورة التوبة، الآية 71.
2010/09/15

كلمة الإمام الخامنئي في مدراء الدولة و سفراء البلدان الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيمنبارك هذا العيد الكبير السعيد لكم أيها الحضور المحترمون و مدراء البلد و سفراء البلدان الإسلامية المحترمون، و لكل شعب إيران و الأمة الإسلامية. نتمنى على الله تعالى ببركة التضرع و الإنابة التي أبداها الشعب المتدين و الأمة المسلمة طوال شهر رمضان و في هذا اليوم لحضرة خالق العالم و ربه، أن ينـزل رحمته و لطفه و حمايته و هدايته على كل هذه الأمة الكبيرة.التعبد و العبادة و صفوف الصلاة المتراصة هي مظهر كون هذا العيد السعيد عيداً. تقف الجماهير في كل العالم الإسلامي في هذا اليوم صفوفاً واحدة في صلاة الجماعة و تخشع مقابل الربّ. هذه آصرة معنوية و قلبية بين الأمة الإسلامية. نفس هذا الصفّ الواحد يجب أن يتشكل بين الأمة الإسلامية للتعامل مع القضايا العالمية المهمة التي يرتبط الكثير منها بالأمة الإسلامية و مصيرها.إذا توحدت هذه القلوب، و إذا ارتفعت الخلافات التي تصطنعها أيدي أعداء الأمة الإسلامية و أعداء الإسلام، عندئذ ستتجه جميع الأيدي و الخطوات و القدرات و الأفكار في اتجاه واحد، و تبدي كفاءة عالية في مواجهة الجبهة الكبيرة التي تقف بوجه الإسلام و الأمة الإسلامية. إنها لحقيقة أن هناك اليوم جبهة مقابل الإسلام و المسلمين. لقد تفوّهوا بها هم أنفسهم - و الواقع أنها أفلتت من ألسنتهم و أيديهم - و ذكروا قبل سنوات كلمة الحرب الصليبية. هذا معناه أن الأمة الإسلامية تواجه كلها تهديد الأعداء. من الخطأ أن نتصور أن أعداء الإسلام و المسلمين يعادون هذا الجزء من العالم الإسلامي و يحبون ذاك الجزء من العالم الإسلامي. ليس الأمر كذلك. إنهم يعادون الأمة الإسلامية، لأن الصمود حيال العتاة و المهيمنين موجود في ذات الإسلام و جوهره. إنهم يواجهون الإسلام و يجابهونه. هذا واجبنا.. واجب العالم الإسلامي برّمته.و نلاحظ اليوم أن الكثير من الشعوب تعرفت على الحقائق و اكتشفتها لحسن الحظ، و ربما لم تكن كذلك قبل عقود. قضية فلسطين اليوم قضية حيّة بالنسبة للعالم الإسلامي. لم يكن هذا هو قصد أعداء فلسطين. لقد أرادوا عزل هذه القضية و إنسائها، و أن يُنسى أساساً بلدٌ اسمه فلسطين، و يلغى من الخارطة الجغرافية. هذا كان قصدهم. الشعوب المسلمة اليوم تهتم لحسن الحظ بهذه القضية و بكل وعي و يقظة. بعض الحكومات تتعاون و بعض الحكومات تقصّر، إلا أن الشعوب كلها تريد هذا و سيصل هذا الأمر إلى نتائجه دون شك.هذا درس كبير من عيد الفطر. الأيدي المتعاضدة للإخوة المسلمين في كافة البلدان الإسلامية. على الجميع أن يعملوا بهذا الاتجاه. علينا جميعاً أن نعمل بهذا الاتجاه. و سوف تتقدم هذه الأمور إلى الأمام إن شاء الله. و يوم تدخل الأمة الإسلامية - بهذا الطول و العرض العظيم و بهذا العمق الهائل - في القضايا العالمية بصورة متلاحمة و متحدة فسوف تعالج قضاياها لصالحها بلا شك. و ذلك خلافاً لما هو عليه الحال اليوم حيث تحول الخلافات و التشتت و التفرقة في العالم الإسلامي دون حل قضايا الأمة الإسلامية لصالحها. لكننا سنقترب يوماً بعد يوم من اتحاد الأمة الإسلامية إن شاء الله.و شعبنا العزيز لحسن الحظ نموذج في هذا المضمار.. إنه نموذج. شعبنا يقظ و متحد و يتابع القضايا العالمية برغبة و حرص و إخلاص. و يخوض في قضايا العالم الإسلامي و يتخذ مواقفه منها. و من مصاديق ذلك المظاهرات الهائلة في يوم القدس و التي خرجت في كافة أرجاء البلاد و في جميع المدن بل حتى في الكثير من القرى، حيث تجمع الناس و خرجوا في مسيرات و ألقوا شعاراتهم لصالح إخوانهم المسلمين الذين لم يروهم يوماً و لم يتعرفوا عليهم عن كثب، لكنهم يعتبرون قضية أولئك الإخوة قضيتهم. هذا ببركة الإيمان و بفضل اليقظة الإسلامية. و هذا هو السبيل الذي اختطه لنا إمامنا الجليل (رضوان الله و رحمته عليه) و سوف نسير في هذا الدرب، و لن تستطيع التهديدات و المعارضات و الخصومات و التصرفات المغرضة و اللانجيبة التي يلاحظها الإنسان في جوانب متعددة من تلك الجبهة الواسعة المقابلة، لن تستطيع صدّ هذا الشعب عن هذا الطريق.نرجو من الله تعالى أن ينـزل بركاته و رحمته عليكم أيها الشعب العزيز و يزيد منها، و يشملكم جميعاً بلطفه، و نتمنى أن يفتح الله تعالى أبواب فرجه على الأمة الإسلامية أكثر فأكثر.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2010/09/09

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد (الأول من شوال 1431 هـ)

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين.. الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. أحمده و أستعينه و أستغفره و أتوكل عليه، و أصلي و أسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سره و مبلغ رسالاته حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين سيما بقية الله في الأرضين. و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله و نفسي بتقوى الله.أبارك عيد الفطر السعيد لكل الأمة الإسلامية و لشعبنا الإيراني العزيز و لكم أيها المصلون الأكارم الأعاظم، و أوصي الجميع و نفسي بمراعاة التقوى الإلهية و الورع و الامتثال للأوامر و النواهي الإلهية في القول و الفعل و الظنون.نشكر الله تعالى أن مَنَّ علينا بالفرصة و العمر لنشهد شهر رمضان آخر، و عيد فطر آخر. إنها لنعمة كبيرة نعمة إدراك شهر الضيافة الإلهية. و قد انتفع شعبنا في الحقيقة انتفاعاً مناسباً من هذا الشهر. عرفوا قدر هذا الشهر الشريف العزيز. هذه المجالس و المحافل و تلاوات القرآن، و الذكر، و الأدعية، و سائر البرامج التي شاركت فيها قلوب الشباب و أرواحهم الطاهرة النقية، هذه البرامج تفتح إن شاء الله أبواب الرحمة الإلهية على شعبنا، و ينبغي معرفة قدرها.روح المعنوية و الحبّ للذات الإلهية المقدسة راسخة متكرسة عميقة متجذرة في أبناء شعبنا. قد يخطئ البعض و يقع في أخطاء في حياته الفردية، لكن شهر رمضان يمنحهم فرصة العودة إلى الله تعالى و التوجه له و الإنابة إليه و ذكره. روح الارتباط بالمعنوية موجودة لدى جميع البشر.ليس هذا الحب حباً مادياً تقوده الأهواء و النـزوات. إنه حب الله. حب الذات الأحدية. حب أصل الوجود الراسخ في جميع البشر. »... فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...«.(1) العوامل المادية و المحفزات المادية أشبه بالأشواك و التبن و الأزبال التي تتجمع حول و فوق هذه الجوهرة، و حينما يحلّ شهر رمضان يحلّ كأنه نسيم يزيل هذه الزوائد و الأوساخ فتتألق تلك الجوهرة و يتصاعد التوجّه إلى الله تعالى. لذلك شهدنا في شهر رمضان هذا و مثل غالب شهور رمضان الماضية، أن جميع الناس بمختلف أذواقهم و سلوكياتهم و أزيائهم يشاركون في هذه المجالس و خصوصاً في ليالي القدر المباركة، و قد انتهلوا و انتفعوا منها و ذرفوا الدموع.هذه الدموع التي تجري من العيون إنما تتفجر و تجري في الحقيقة من القلوب اليقظة الطاهرة. على شعبنا العزيز أن يعرف قدر هذا. احفظوا الذخيرة و الحصيلة التي اكتسبتموها في هذا الشهر المبارك. لقد استأنستم بالقرآن فحافظوا على أنسكم به. حافظوا طوال العام على صلاة الجماعة في أول الوقت، و الصلاة في المسجد، و الصلاة بخشوع و حضور قلب، و حاولوا ما استطعتم أن لا تعلو العوامل المادية و الأقذار و الأشواك و رماد الماديات هذه الجوهرة المتلألئة. الشعب الذي يحافظ على هذه الخصوصيات في داخله و على هذا العروج المادي و التكامل المعنوي، سوف ينجح في جميع الميادين بما في ذلك الميادين المادية، و المعنوية، و ميدان العزة، و الاقتدار، و التوفر على جميع الأرصدة الوطنية. و هذا ما سيحدث لشعبنا إن شاء الله.و اليوم يوم عيد الفطر، حيث جاء في الرواية: »فيكون يوم عيد و يوم اجتماع و يوم فطر و يوم زكاة و يوم رغبة و يوم تضرع«.(2) إنه يوم عيد و يوم اجتماع الناس. المسلمون في كافة أنحاء العالم الإسلامي يعيّدون في هذا اليوم. توجّه القلوب نحو نقطة واحدة في زمن واحد. فرصة كبيرة للأمة الإسلامية. »يوم زكاة و يوم رغبة«. اليوم الذي تبدون فيه رغبتكم نحو الله. »و يوم تضرع«. و اليوم الذي يتضرع فيه الإنسان إلى الله. إنه عيد التوجّه و المعنى. نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لنستطيع جميعاً الانتهال من الفيض الإلهي في هذا اليوم، و هو يوم عيد و يوم جمعة مبارك. بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ** اللَّهُ الصَّمَدُ ** لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ** و َلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ.(3)الخطبة الثانيةبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين سيما عليّ أمير المؤمنين، و الصديقة الطاهرة، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و عليّ بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الخلف القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين، و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم و نفسي عباد الله بتقوى الله.النقطة الأولى التي أذكرها في الخطبة الثانية هي تقديم الشكر لشعب إيران العظيم بمناسبة تحركه الهائل في يوم القدس. لقد أثبت الشعب الإيراني حيويته و معنوياته و عزيمته وإرادته و معرفته للظروف في ذلك التجمع الهائل. مضى واحد و ثلاثون عاماً على اليوم الذي أعلن فيه إمامنا الجليل هذا اليوم، و كان الأعداء يتوقعون أن يبهت هذا اليوم و يُنسى تدريجياً. و الشكر لله أن هذا الحافز و هذه الشعلة المضيئة في قلوب الناس و أعمالهم ازدادت توهجاً يوماً بعد يوم. لقد أحيى المسلمون في شتى أنحاء العالم هذا اليوم في آسيا، و في الشرق الأوسط، و في أفريقيا، و في أمريكا، و في أوربا. و الشعب الإيراني الكبير المحور الرئيس لحركة الأمة الإسلامية العظيمة هذه أقام مراسم هذا اليوم بكل عظمة و أثبت أنه ينهض بواجباته في الظروف الدولية الحساسة بحرارة و أندفاع و محفزات و حماس أكبر.لقد بلغ الكيان الصهيوني بالقسوة أعلى درجاتها، و لم يكترث لأصوات الدعم التي ارتفعت من أكناف العالم و أطرافه، و واصل جرائمه. و الشعب الإيراني المسلم أحيى يوم القدس في مثل هذه الظروف بحرارة و حماس أكبر من كل عام. المساعي المغرضة لأمريكا و الغرب ضد الجمهورية الإسلامية ضاعفت من حوافز شعبنا. قضية فلسطين بالنسبة للاستكبار العالمي و أرباب الهيمنة العالمية قضية يريدون عزلها و تهميشها بأية طريقة من الطرق، و يضعها الشعب الإيراني في المقدمة و في الأصل. بارك الله بهذا الشعب الكبير.الأمل و التحفز يتموج في سلوك و أقوال شعبنا العزيز. لقد شاهدت انعكاسات هذا الأمل و التحفز هذه السنة في لقاءاتي بالطلبة الجامعيين، و سائر الجامعيين و النخبة و مسؤولي الدولة و مدراء النظام و أرباب العمل و مختلف شرائح الشعب الإيراني خلال شهر رمضان.. في كلامهم و توجهاتهم و وجوههم.. شاهدت و قرأت هذه الآمال و المحفزات. الشعب الذي تتوفر فيه مثل هذه المحفزات، و ينظر نحو المستقبل مثل هذه النظرة المتفائلة الزاخرة بالعزم و الإرادة، سوف يبلغ القمم يقيناً و أكيداً.فيما يتعلق بالقضايا العالمية و الأقليمية - و هناك الكثير من القضايا المهمة بالنسبة للأمة الإسلامية - فإن القضية الأكثر فوريةً هي مسألة السيول في باكستان. اسمه سيل لكنه في الواقع بلاء عظيم و مصيبة كبرى للشعب الباكستاني و هو من الشعوب المؤمنة المتدينة في الأمة الإسلامية، و قد كان من الرواد و السباقين في كافة قضايا الأمة الإسلامية و هو شعب متدين ذو حمية دينية و التزام ديني. لقد ابتلى هذا الشعب اليوم بمثل هذه المصيبة العظيمة. طغى نهر السند و فاض من شمال باكستان إلى جنوبه. من حدود الصين في شمال باكستان إلى المحيط الهندي في جنوب باكستان، وقع سيل عظيم و فيضان هائل على امتداد هذا الخط قلب حياة الناس بالكامل. زالت أكثر من عشرة آلاف قرية، و تلفت جميع المزارع و الحقول التي تغذي هذا الشعب و تعد مصدر أمله في التصدير و اكتساب الثروة. و محيت عشرات الآلاف من المدارس و المساجد و الحسينيات على امتداد هذا الخط الطويل و زالت.عرض نهر السند - كما ذكروا لي في التقارير - في الحالة الطبيعية نحو كيلو مترين أو كيلو متر و نصف و يتصل في بعض المواطن بأنهار أخرى، و قد أوجد فيضانات بحدود تسعين كيلومتراً! لقد تدمرت حياة الناس و بيوتهم و دوابهم و آمالهم. التخمينات تقول إن باكستان خسرت بسبب هذه السيول ما يقارب أربعين إلى خمسين مليار دولار! و قد تشرد عشرون مليون إنسان، و قتل عدة آلاف من الأطفال و النساء و الشيوخ.يحتاج هؤلاء الناس اليوم إلى الماء و الغذاء و الثياب و المأوى و لكل مستلزمات الحياة. صام الشعب الباكستاني شهر رمضان و هو في مثل هذه الحالة. إنه يوم عيد الفطر، و يوم الاجتماع، و يوم الأمة الإسلامية، و على شعبنا أن يبدي همته. لقد قدمت حكومة الجمهورية الإسلامية مساعدات، و قدم بعض الناس مساعدات لكن هذا لا يكفي، و يجب أن نقدم مزيداً من المساعدات. هذا هو واجبنا جميعاً. إخوتنا المؤمنون المسلمون هناك مصابون بمثل هذه المصيبة الكبيرة. هذا ليس خطاباً لكم وحدكم أيها الشعب الإيراني، إنما هو خطاب لكل العالم الإسلامي، و لكل الشعوب، و لكل المسلمين في البلدان المسلمة، و خطاب لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الجميع يجب أن يشدوا عزمهم و همتهم و يساعدوا. اجتمعوا و قالوا نقدم مليار أو مليارين! أين هذا من احتياجات الشعب الباكستاني؟! لقد تلقت باكستان ضربة شديدة. يجب أن نقدم المساعدات بكل ما نستطيع. عسى أن يعيننا الله لنستطيع تقديم المساعدة بكل ما بوسعنا. هذه مسألة مهمة.طبعاً، نحن قلقون لعدم الاستقرار السياسي في باكستان. القوى المعتدية و المهيمنة تستغل هذا الوضع و الانتهازيون يستغلون هذا الواقع. بعض الحكومات المعتدية تريد تحويل باكستان إلى مقر عسكري لهم. و هذه بواعث قلق أخرى نتمنى أن يتنبه لها الشعب الباكستاني الرشيد. الحكومة الباكستانية عالمة بوظائفها و سيساعدهم الله تعالى ليستطيعوا انتشال أنفسهم من هذه المصيبة على أحسن وجه.و قضية فلسطين لا تزال قضية العالم الإسلامي الأولى. الجرائم في غزة لا تزال مستمرة. و الجرائم في الضفة الغربية لنهر الأردن لا تزال متواصلة. الكيان الصهيوني يواصل ظلمه و جوره ضد الشعب الفلسطيني المظلوم بكل وقاحة و صلافة. و مع ذلك يعقدون في واشنطن اجتماعاً لمؤتمر السلام! السلام مع من؟! يريدون التغطية على جرائم أعداء الشعب الفلسطيني بهذه المفاوضات التي أطلقوا عليها اسم »مفاوضات السلام«. غاصب جاء و اغتصب ديار شعب من الشعوب، و لم يكتف بهذا بل استخدم كل الإمكانيات لقمع ذلك الشعب، و هؤلاء يجلسون بكل لاأبالية - العالم الغربي و أمريكا و الآخرون - و يتفرجون و يشجعون المعتدي الظالم القمعي، ثم يعقدون اجتماعاً للسلام! أي سلام؟! أي سلام؟! بين مَن و مَن؟ و الصهاينة الوقحون يقفون بكل صلافة أمام الفلسطينيين و يقولون لهم: عليكم القبول بالتهويد. جريمتهم الكبرى أنهم يريدون التهويد. يريدون جعل القدس الشريف قبلة المسلمين، و فلسطين العزيزة قطباً لظلمهم و جورهم و مؤامراتهم تحت طائلة التهويد. هذه هي قضيتنا الرئيسية.نتمنى أن يوفق الله تعالى الشعوب المسلمة و يعين الحكومات المسلمة لكي يعرفوا واجبهم حيال هذا الحدث المرير و هذه الواقعة المرة. الشعب الفلسطيني طبعاً يقف رغم كل هذه الضغوط بمنتهى القوة و الاستقامة. لا يكاد الإنسان يصدق أن يكون الشعب مقاوماً إلى هذه الدرجة! و صاحب همة و غيرة إلى هذا الحد! هذه الضغوط العجيبة الغريبة لم تستطع فرض التراجع عليهم. الفلسطينيون اليوم أقوى و أكثر تصميماً و عزيمة مما كانوا عليه قبل عشرين عاماً و ثلاثين عاماً، و قدراتهم أكثر و الحمد لله، و سيستطيع الفلسطينيون بلا شك أو مراء قطع يد المعتدي، و محو هذا الكيان الزائف الكاذب عن أرض فلسطين. ربنا، ربنا تقبل عبادات هذا الشعب و جهوده و تضرعه و خشوعه طوال شهر رمضان و في يوم عيد الفطر بكرمك. اللهم افتح أبواب رحمتك و مغفرتك في وجه هذا الشعب. اللهم حل عقد و مشكلات هذا الشعب. ربنا اجعل مسيرة هذا الشعب نحو التقدم و القمم أسهل و أسرع يوماً بعد يوم. اللهم ارحمنا.. ربنا لا تحرمنا من فيض رمضان، و من فيض عيد الفطر، و من فيض التضرع و الخشوع. ربنا انزل لطفك و رحمتك على أمواتنا. اللهم زد من عزة و شموخ الأمة الإسلامية يوماً بعد يوم.بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»وَ الْعَصْرِ ** إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ** إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ«.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الروم، الآية 30.2 - علل الشرايع، ج 1، ص 268.3 - سورة الإخلاص، الآيات 1 - 3. 
2010/09/09

كلمته في أرباب العمل و الصناعات من كافة أنحاء البلاد

بسم الله الرحمن الرحيمشكراً جزيلاً للأصدقاء الأعزاء الذين نظموا هذه الجلسة و منحوني هذه الفرصة للقاء بهذه الجماعة المحترمة و العزيزة من أرباب العمل في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك - و هي أيام مغتنمة و عزيزة - و الاستماع لهذه الآراء المفيدة من الأحباء. طبعاً أنا واثق من أن لديكم الكثير من الكلام. كل واحد منكم من أي قطاع شارك في هذه الجلسة له اقتراحاته فيما يتصل بقطاعه و له آراؤه الجديدة، و له بشائره بلا شك، و هي بشائر تبعث على ارتياح شعبنا و بلدنا - و مثال ذلك الأمور التي ذكرها الأصدقاء و كانت مرضية و مريحة جداً لشعبنا العزيز - و له أيضاً نقوده و مؤاخذاته و مطاليبه الحقّة كلها. قبل يوم كانت لنا جلستنا مع أهل العلم، و هذه جلستنا اليوم مع أهل العمل. و مع أن الكثيرين منكم من أهل العلم أيضاً إلا أنكم أرفقتم العلم بالعمل. و كما جاء في الرواية الشريفة: »العلم يهتف بالعمل فإن أجاب و إلا ارتحل«.(1) العلم يدعو العمل فإذا جاء العمل وراء العلم بقي العلم و إلا زال و تلاشى، أو ربما أمكن القول إن العلم في هذه الحالة ينمو و يكبر و يرشد. و إذا لم يأت العمل تبعاً للعلم لم يبق العلم، »و إلا ارتحل«. إذا لم يكن عمل زال العلم. هنا يمكن إدراك أهمية العمل. العمل من دون العلم قليل التأثير، و العلم من دون عمل لا تأثير له. هذه هي أهمية العمل.حسناً، حينما يكون العمل مهماً إلى هذه الدرجة، إذن سيكون إنتاج العمل مهماً أيضاً و بنفس الدرجة. إذا استطاع شخص توفير أرضية العمل كان فعله هذا عبادة. يجب أن لا تقتصر النظرة لهذا العمل الذي يتم توفيره و إنتاجه، على أننا استطعنا توفير فرصة عمل لأحد العاطلين ليكون له دخله و وارده. هذا الشيء بحد ذاته جيد جداً و ضروري و لا شك في هذا. أي إن إنتاج العمل و توفير فرصه في البلاد من شأنه إنتاج الثروة. كما أن الرأسمال و الرأسمالي ينتج العمل - سواء كان هذا الرأسمال مالياً أو علمياً - كذلك ينتج العامل الرأسمال و الثروة. هذا بالطبع جانب مهم في العمالة بيد أن أهمية العمالة لا تقتصر على هذا الجانب. البعد الآخر لأهمية العمالة هي أنكم تقومون باستخراج كنـز من الكنوز. الإنسان الذي يتجلى بمواهب معينة و بوسعه أن ينتج و يبدع و يخلق كان منعزلاً في زاوية من الزوايا و قمتم بتشغيله أي باستخراج كنوزه الداخلية. هذا شيء على جانب هائل من الأهمية. الإنسان العاطل عن العمل تبقى مواهبه التي أودعها الله فيه خفيةً راكدة، و حينما توفرون له عملاً تفجّرون في الواقع ينبوعاً في داخله كان راكداُ حبيساً لا ينتفع منه أحد و لا يرتوي منه ظمآن. إذن، العمالة و توفير الأعمال لها بعد اقتصادي مهم جداً، و لها كذلك جانب إنساني رفيع جداً.لذلك أقول إن إنتاج العمل في القطاعات المختلفة عبادة. طبعاً الأصدقاء الأعزاء الذين تحدثوا اليوم أشاروا إلى جوانب محدودة من الأمور، فالأمور لا تنحصر بما طرحوه و أثاروه من قضايا. لإنتاج الأعمال فروع و حقول عديدة في القطاعات الواسعة و المديات الهائلة لمواهب البلاد و الإمكانيات الطبيعية و الإنسانية للبلاد، و أنتم باقة منها و نموذج منها، و يبقى إنتاج الأعمال في البلد مساحةً واسعةً جداً إنتاج العمل عبادة و فعل له قيمته. إنه إنتاج للقيم.طيب، جلستنا هذه جلسة رمزية في أساسها. صحيح أنني استفدت من كلمات الأحباء، و سوف تبث كلماتكم و ينتفع منها الشعب، بيد أن هذه الجلسة تنمّ عن مدى قدرات بلدنا العزيز. إذا ذكرت الأعمال التي أنجزت في قطاع الزراعة، و القطاعات الصناعية المختلفة، و مختلف المجالات العلمية و التقنية الأخرى، و قطاع الخدمات، و القطاعات التجارية، فسوف يدرك أي مستمع أن بلدنا العزيز و الحمد لله - و كما قلت مراراً - يتوفر على إمكانيات كبيرة. نلاحظ أن بلدنا تحول اليوم إلى ورشة عمل عظيمة عملاقة. العمل يتدفق من كل صوب و هناك الإبداعات و الابتكارات و الاعتماد على العلم و التجارب. قلت قبل أمس لأساتذة الجامعات الذين تفضلوا بالمجيء هنا و أقول لكم إننا لا نقنع بهذه الأشياء، و لا تظنوا إننا غير مطلعين و لا نرى معدل البطالة في البلاد، لا، كل هذه الأعمال التي أنجزت إنما هي خطوة أولى... كل هذه الأعمال خطوة أولى. و علينا قطع الخطوات اللاحقة. ما هو الشيء المهم لقطع الخطوات اللاحقة؟ المهم بالدرجة الأولى هو أن نعلم أنه يمكن قطع هذه الخطوات اللاحقة. و بعد أن نشعر أنه يمكن المبادرة يجب أن نشعر أن هذه المبادرة واجب.. واجب عظيم.طبعاً العمل بحد ذاته مهم، لكن العمل و إنتاج الأعمال في الوقت الراهن أهم من أي وقت مضى لسببين. قيل إن العمل في الإسلام مهم، و لدينا الكثير من الروايات عن الأئمة (عليهم السلام) حول أهمية العمل و فضيلته. و الأعمال التي ذكرتموها نماذج لهذه الأعمال الفضيلة المذكورة في الروايات. و قد سجلت هنا هذه الرواية: »من يعمل يزدد قوةً و من يقصّر في العمل يزدد فترة«.(2) حينما تعملون تزداد قدرتكم على العمل. خصوصية العمل هي الزيادة و التصاعد و ليس النقصان و التراجع.. زيادة القوة على العمل و ليس نتاج العمل، فمن الواضح أن نتاج العمل سوف يزداد - حينما تعملون فإن للعمل حصيلة و ثماراً - و لكن يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الرواية إنكم حين تعملون تتضاعف لديكم القدرة على العمل و طاقة العمل. و الذي يقصّر في العمل يزدد فِترةً، أي إن خموله و ضعفه سوف يزداد. و هذه الفكرة لا تختص بالشخص و الفرد فقط، و كلمة »مَن« حيث قال عليه و السلام »مَن يعمل« لا تعني الشخص الذي يعمل، إنما المقصود منها المجتمعات و الأمم أيضاً. كلما عملتم أكثر كلما ازدادت قدراتكم و طاقاتكم على العمل. كلما تحرك الإنسان كلما تضاعف نشاطه الحركي. هذا ما يتعلق بالعمل و قد ورد في الإسلام كل هذا الكلام عن العمل، و من ذلك الرواية التي قرأتها الآن. و لكن قلنا إن هناك سببين يجعلان أهمية العمل، و إنتاج فرص العمل طبعاً، مضاعفة في الوقت الحاضر. السبب الأول هو أننا في فترة زمنية نستعد فيها لقفزة في التقدم. قضيتنا اليوم ليست مجرد قضية السير إلى الأمام. ظروف البلد بنحو يؤهل هذا الشعب لحركة هائلة و قفزة كبيرة في التقدم. لماذا؟ أولاً تم توفير الكثير من البنى التحتية. و قد ارتفع مستوى العلم في البلاد، و ظهرت قدرات إدارية قوية. من مشكلاتنا في السابق عدم وجود إدارة قوية و سليمة للبلاد. و نتوفر اليوم على تجربة إدارة ثورية قوية تمتد لثلاثين سنة. إذن، هذه بنية تحتية. و قد توفرت أرضيات العمل، و تضاعف الأمل في التقدم. حين يأتون و يقولون إننا صنعنا في الداخل دواءً يحتاجه العالم كله، و هناك ابتلاء بالداء الذي يعالجه هذا الدواء في العالم كله، و لم تستطع أي من المراكز العلمية في العالم لحد الآن صناعة هذا الدواء، و قد استطعنا نحن صناعته، فهذا مما يمنح الأمل لشبابنا طبعاً. حينما يلاحظ الشعب اننا استطعنا من دون أن يدعمنا بلد من البلدان أن نطور العلوم النووية داخلياً فسوف يشعر الشاب بالأمل طبعاً.كم من البلدان في العالم تتوفر على العلوم النووية و قد استطاعت تطويرها و الحصول عليها بشكل محلي مستقل؟ العدد قليل جداً. توجد مثل هذه البلدان لكنها قليلة جداً جداً. أما الآخرون فأخذوها عن غيرهم. الكثيرون ممن يمتلكون العلوم النووية راهناً - و نحن على علم بذلك و أنا أتحدث عن معرفة و اطلاع - أهدتهم البلدان الداعمة الرزمة النووية كهدية بدوافع إيديولوجية و سياسية و غير ذلك. أما نحن فلا. لقد استطعنا القيام بهذه الأمور بأنفسنا. كما ذكروا في التقارير فقد تم إنجاز أعمال كبيرة في هذا المجال. و على صعيد الخلايا الجذعية استطاع شبابنا بمتابعتهم و دأبهم تحقيق إنجازات كبيرة. هذه الحقائق تبعث على الكثير من الأمل.إذن، تجربتنا اليوم أكبر، و أملنا أكبر، و بنانا التحتية أكثر، و قد حان فصل الاقتدار و القفزة. لقد وعى الشعب نفسه، و عرف الشباب أنفسهم، و عرف معدل الذكاء العالي في البلاد.. إذن، الفصل فصل القفزة، و حين يكون الفصل فصل القفزة، يكتسب العمل أهمية مضاعفة، و يكتسب إنتاج العمالة أهمية مضاعفة بنفس الدرجة. هذا أحد السببين.السبب الثاني الذي يجعل العمل و إنتاج العمالة مهماً بالنسبة لنا اليوم هو أننا نتعرض حالياً لضغوط عالمية. ثمة عدو في العالم يريد عبر ضغوطه الاقتصادية و فرضه الحظر و عبر أعماله الأخرى التي تعرفونها أن يعيد هيمنته الشيطانية على البلاد. هذا هو الهدف. بلد بهذه الطيبة و بكل هذه المصادر الطبيعية و بهذا الموقع الاستراتيجي و كل هذه الإمكانيات كان تحت هيمنة قوة عالمية. إلانجليز ذات يوم و الأمريكان في يوم آخر. أي إنه كان في الواقع خاضعاً لنظام الهيمنة و أجهزتها و امبراطوريتها. و أمريكا جزء من هذه الامبراطورية. كان هؤلاء مهيمنين على هذا البلد. هذا هو الهدف من كل هذه الجهود. قضية الطاقة النووية مجرد ذريعة. الذين يظنون إننا إذا عالجنا قضية الطاقة النووية فسوف تعالج المشكلات، هم على خطأ. إنهم يثيرون قضية الطاقة النووية و قضية حقوق الإنسان، و غيرها من الأمور كذرائع. القضية قضية ضغط يهدفون منه لتركيع شعب و إسقاط ثورة. و من الممارسات المهمة الحظر الاقتصادي. يقولون إننا لا نعادي الشعب الإيراني و ليس هذا الشعب هو طرف صراعنا! يكذبون، بل الشعب الإيراني هو الطرف الرئيسي. الحظر من أجل أن يتبرم الشعب الإيراني و يقول إننا نتعرض للحظر و ضغوطه بسبب حكومة الجمهورية الإسلامية، فتنقطع بذلك الصلة بين الشعب و نظام الجمهورية الإسلامية. هذا هو الهدف الأساسي. هم طبعاً لا يعرفون شعبنا. حساباتهم خاطئة كما كانت في جميع الحالات. الذنب الكبير الذي ارتكبه شعب إيران من وجهة نظر نظام الهيمنة هو أنه حرر نفسه من تحت نير الهيمنة. يريدون معاقبته على هذا الذنب أنْ لماذا حررت نفسك من تحت نير الهيمنة. لقد وجد هذا الشعب طريقه و حساباتهم خاطئة أساساً. لا يفهمون ما الذي يجب أن يفعلوه و ما الذي يفعلونه الآن. لكنهم يضغطون اقتصادياً عن طريق الحظر.علينا أن نوجد اقتصاداً مقاوماً حقيقياً في البلاد. هذا هو معنى إيجاد العمالة في البلاد اليوم. صحيح ما قاله الأعزاء من أننا سنلتفّ على الحظر، و أنا على يقين من هذا . الشعب الإيراني و مسؤولو البلاد سوف يلتفون على الحظر و يفرضون الإخفاق على الذين فرضوا عليه الحظر، و ذلك كما في الحالات الأخرى التي كانت في الأعوام الماضية على الصعد السياسية حيث ارتكبوا خطأ معيناً ثم اضطروا من أنفسهم للتراجع، ثم راحوا يعتذرون الواحد تلو الآخر. لعلكم تتذكرون عدة حالات من هذا القبيل. و ربما لا يتذكر الشباب ذلك. فعلوا ذلك عدة مرات خلال الأعوام العشرة أو العشرين الماضية. و سيكون الأمر كذلك هذه المرة أيضاً. الحظر طبعاً ليس بالشيء الجديد علينا، فنحن نعيش ظروف الحظر منذ ثلاثين عاماً. كل هذه الأعمال التي أنجزت و كل هذه المسيرة العظيمة التي قطعها الشعب الإيراني كانت داخل أجواء الحظر. إذن، لا يستطيعون فعل شيء. لكن هذا سبب يدعو كافة المسؤولين و المخلصين في البلاد إلى أن يشعروا بأنهم مكلفين بإيجاد العمالة و فرص العمل و الإنتاج، و تطوير هذه الورشة العظيمة و مضاعفة ازدهارها، و إيران اليوم هي بحق ورشة هائلة عظيمة. على الجميع أن يشعروا بالواجب و المسؤولية.الذي أفهمه من مجموع الآراء التي طرحها السادة و السيدة - و هو ما يشعر به المرء من التقارير أيضاً - هو وجود عتاب و نقد لج ريات أمور العمل. لقد وضعنا بالطبع الحجر الأساس من خلال سياسات المادة 44. المادة 44 نفسها تفسر محتواها و قد استفدنا من المادة نفسها و شرحنا ما يوجد في سياسات المادة 44، و إذا تم تطبيق ذلك إن شاء الله بشكل كامل و دقيق و شامل و مستمر فسوف تحل الكثير من المشكلات. لكن ما أشعر به من محصلة هذه الآراء هو أن المتوقع من الأجهزة الحكومية القيام بأمرين اثنين: الأول الإدارة الدقيقة و العلمية للمصادر. الكثير من الآراء التي طرحت هنا ناجمة عن أن إدارة المصادر المالية لم تكن دقيقة في جميع الحالات. هذا شيء لازم و ضروري. هذا ما أوصي به الأعزاء الحاضرين هنا من جانب الحكومة و أطلب منهم التشديد عليه. الكثير من هذه المؤاخذات و الإشكالات و معظمها صحيح و وارد يتعلق بهذه القضية. إدارة المصادر معناها أن نوجِّه المصادر بالاتجاه الذي يعود على البلاد بالفائدة و الفائض المالي و غير المالي. و ما أقصده من الفوائد و الأرباح و الفائض ليس الفائض المالي فقط، بل كل ما يزيد من الإنتاج و يضاعف ازدهار العمل و الكسب و الأمل و العمالة و ما إلى ذلك. إذن إدارة المصادر من النقاط الأساسية.النقطة الثانية تحسين أجواء الكسب و العمل، و هي من الأمور التي نعتقد أنها من واجبات الحكومة الأساسية. أشار الوزير المحترم في تقريره إلى تحسن أجواء الكسب و العمل. تحسين هذه الأجواء من واجب الحكومة قبل غيرها. قضايا القرارات، و التسهيلات المختلفة، و التعقيدات الإدارية، هذه كلها أمور إذا تم إصلاحها ستؤدي إلى تحسين أجواء الكسب و العمل التي هي من قضايانا الاقتصادية المهمة. هذه النافذة الموحدة - نافذة واحدة للأمور التي ذكرها - إذا أنجزت اعتقد أن الكثير من المشكلات سوف تعالج. هذا شأن يرتبط بالقطاع الحكومي و هو قطاع مهم. هذه هي واجبات الحكومة و تكاليفها الأساسية باعتقادي. طبعاً يتحمل المسؤولون الكثير من الواجبات لكن الواجبات الأساسية كما يفهم الإنسان من التقارير و محصلات الآراء هي هاتان النقطتان.من النقاط الأساسية بشأن العمل و التي ينبغي لأرباب العمل التنبه لها قضية جودة الإنتاج الداخلي. هذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. طبعاً جزء من هذه المسألة يرتبط بالقضايا المالية و المقررات و دعم الحكومة و ما إلى ذلك. لكن جزءاً منها يرتبط بعزيمة المسؤولين و إرادتهم و أرباب العمل و فاعلي العمل (العمال). يقول: »رحم الله أمرأ عمل عملاً فاتقنه«. هذه نظرة مستقبلية تتجاوز حدود الحاضر. لاحظوا أن هناك في الوقت الحاضر شركات تعمل منذ مائة سنة أو مائة و خمسين سنة و تباع بضائعها في العالم. اسمها كاف لترويج البضاعة في الأسواق. و السبب يعود إلى أنهم عملوا بصورة صحيحة و جيدة و صار الزبون يثق بهم. أنتم تقولون لنا أن نوصي الناس باستهلاك المنتوجات الداخلية. إنني أوصي بذلك منذ عدة سنوات. قلت هذا مراراً، لكن هذه القضية لا تعالج بالشعارات. نعم، جزء من القضية تعود إلى أن الناس تثق بكلامنا و تهتم له، و قد تفعل ذلك لأننا أوصينا به. هذا جزء من القضية. جزء آخر يتعلق بجودة البضاعة. ينبغي رفع جودة البضاعة. قضية الاستيراد التي طرحها عدة أشخاص هنا أعتقد بها أنا أيضاً. في اجتماعنا بالمسؤولين هنا في بدايات شهر رمضان أعلنت و قلت للمجلس و للحكومة أن يعالجوا قضية الاستيراد. و قد سألت وزير التجارة المحترم الآن فقال إنه يتم إنجاز أعمال جيدة في هذا المجال. نعم، الكلام صحيح و صائب، و ظاهرة الاستيراد المنفلت و غير المنطقي فيها ضرر و خطر كبيران. و هذا ما يجب أن يعلمه الناس أيضاً. حينما نستهلك بضاعة أجنبية فإننا نقوم في الحقيقة بتعطيل عمالنا، و نوفر العمل لعامل أجنبي. هذه حقيقة، بيد أن قضية الجودة و المتانة بدورها على جانب كبير من الأهمية. إنها قضية مهمة جداً. إذا توفرت الجودة في البضاعة و المنتوجات الداخلية فسوف يميل الناس إليها بشكل طبيعي. طبعاً لا يزال البعض للأسف ينظرون إلى الخارج فقط بسبب الثقافة المغلوطة في الحقبة الملكية المشؤومة حقبة الطاغوت و التبعية. ذات يوم أعلن مسؤولو الحكومة في بلادنا بصراحة أن الإيراني غير قادر على إنتاج أنبوب إبريق! و راحوا يستوردون كل شيء. في فترة الطاغوت جمعني مجلس بالصدفة مع أحد المسؤولين رفيعي المستوى - و لم يكن لنا مع أولئك أية علاقات و لا أية لقاءات - فرحت انتقد الظواهر التي كانت آنذاك، فالتفت إليَّ و قال: ما الذي تنتقده؟ نحن نقعد كالأسياد و البلدان الأخرى تعمل لنا كالخدم و تبعث لنا بضائعها، فهل هذا شيء سيئ؟ لاحظوا أن هذا كان منطق الساسة في عهد الطاغوت! ظاهره هذا المنطق و باطنه أشياء أخرى، و فساد اقتصادي كبير، و فساد أخلاقي كبير. نعم، قضية الاستيراد و إدارة الاستيراد قضية مهمة. في يومها أوصينا الأعزاء الذين جاءوا إلى هنا في اجتماع مسؤولي النظام و مدرائه و قلنا لهم يجب أن يديروا الاستيراد و لا نقول ينبغي إيقاف الاستيراد، فثمة أشياء يجب أن تدخل و أشياء يجب أن لا تدخل. ينبغي إعمال إدارة صحيحة.و من الأعمال الأخرى التي سجلتها هنا و تقع على عاتق المسؤولين الحكوميين تنمية المهارات. ينبغي تنمية هذه الإعداديات الصناعية و الجامعات العلمية - التطبيقية، و الصناعية - الحرفية، و مراكز التعليم الصناعي - الحرفي. نحن بحاجة إلى العلم لكننا نحتاج أيضاً إلى الأيدي الكفوءة. اعتقد أن من القضايا الأساسية هي أن نعمل في المجالات الصناعية و الزراعية.و من النقاط الأخرى قضية التجديد و الإبداع و الجمال في المنتوجات الوطنية. من الأمور التي يتوجب إيلاؤها أهمية الإبداع و التجديد في كافة المنتوجات و بشكل مستمر، و إشباع المشاعر الجمالية لدى المستهلك. هذه من الأمور الجديرة بالاهتمام. إنني أتقدم بالشكر الجزيل للأعزاء الذين يعملون و يبذلون الجهود في هذا المجال.و توصيتي الأخيرة هي إعداد الكوادر خصوصاً في الصناعات العلمية المحور - كما ذكر الأعزاء - و الاهتمام الحقيقي بهذا الجانب. و قد تم الأمر في بعض القطاعات لحسن الحظ. في قطاع الطاقة النووية نحن على اطلاع بذلك، و في قطاع »رويان« نعلم عن قرب أن هناك جهوداً تبذل لإعداد الطاقات و الكوادر الماهرة الكفوءة العالمة الباحثة. ينبغي الاهتمام بهذا الجانب في القطاعات المختلفة.وفقكم الله تعالى جميعاً.. نعم، سوف نتغلب على العدو إن شاء الله، و سنلتف على الحظر، و سيشهد شبابنا في المستقبل أياماً جيدة إن شاء الله، فهذا البلد بلد موهوب جداً. إنه أشبه بنسر يمكنه التحليق في الذرى العالية جداً، و قد ارتفع اليوم من باحة الدار إلى السطح. هذه تجربة، و سيكون تحليقه في المستقبل أعلى من هذا بكثير. سيأتي يوم إن شاء الله تتحول فيه إيران إلى مرجعية علمية، و سيفخر المسلمون ببلدكم و يقولوا إن الإسلام أدار أحد البلدان بهذه الصورة، و سيكون إن شاء الله مرجعاً يقصده الناس في العالم من الناحية العلمية و من حيث الإنتاج.و السلام عليكم و رحمة الله.الهوامش:1 - بحار الأنوار، ج 65، ص 363.2 - الحياة، ج 1، ص 591. 
2010/09/06

كلمة الإمام الخامنئي في أساتذة الجامعات

بسم الله الرحمن الرحيم أنا مسرور جداً و أشكر الله تعالى أن وفقنا للقاء في شهر رمضان آخر، و في جلسة أخرى، و ساعات أخرى بالأساتذة المؤمنين المبرّزين في بلادنا من إخوة و أخوات، و أن ننتفع من الكلمات الجيدة التي ألقوها. إنها الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، و الأجواء التي تسود قلوب شعبنا و أرواحه - و أنتم من جملة شعبنا - هي أجواء العبادة و الخشوع و النقاء إن شاء الله. قرأتم في أدعية هذه الليالي: اللهم و هذه أيام شهر رمضان قد انقضت و لياليه قد تصرّمت«.(1) نقول إن ليالي شهر رمضان قد انقضت و أيامه انقضت و مضت أيضاً و لا ندري كم استطعنا في هذه الأيام و الليالي التي مضت أن نملأ وعاء أنفسنا و أرواحنا برحمتك و عنايتك، و كم استطعنا أن ننتفع من هذه الليالي و الأيام. و نقول: »إن لم تكن رضيت منّا فالآن فارضَ منّا«.. ربنا، إن لم نستطيع حتى هذا الحين كسب رضاك، فنرجو منك أن تشملنا برضاك من الآن. الطهارة و صفاء النفس حالة مهمة للجميع، و ضرورية للجميع، و مؤثرة في حياة الجميع، لكنني أعتقد أنها أهم و أنفع و أكثر فائدة و ربحاً للأساتذة و العلماء. أولاً لأنكم الأساتذة تؤثر طباعكم و سلوككم في تكوين شخصية الشباب و الطلبة أكثر مما يؤثر كلامكم. هكذا هو الأمر غالباً. بحيث لو دفع كلامكم الشاب باتجاه معين، لكن سلوككم لم يكن بنفس ذلك الاتجاه، فإن سلوككم و تصرفاتكم هذه ستؤثر في مخاطبيكم و طلابكم و متعلميكم و الشباب الذين يدرسون عندكم. هذا جانب من جوانب أهمية نقاء النفس. إذا كان أستاذنا يتحلى بالمعنويات و الروح النقية الطاهرة فسوف ينوِّر أجواء الصف و الدرس و فضاء قلوب المتعلمين. هذا ما نحتاج إليه. إضافة إلى هذا أنتم علماء، و إذا رافق النور المعنوي العلم فسوف يُوضع العلمُ في الاتجاه الصحيح. هذه الآراء التي طرحتموها أيها الأعزاء، و العقبات و المشكلات و المؤاخذات التي تلاحظ في الميادين المختلفة، و قد نبّهتم إلى بعضها، الكثير منها بسبب أن العلم لم يتحرك في اتجاهه الصحيح أي باتجاه السنن الإلهية. نقاء النفس و نورها يساعد العالم على توجيه العلم بالاتجاه الصحيح. اعرفوا قدر هذه الأيام و الليالي. لقد صمتم أكثر من عشرين يوماً، و كنتم موفقين و الحمد لله، و لا شك أنكم انتهلتم من الأنوار الملكوتية لهذه الليالي و الأيام، فاسعوا سعيكم خلال هذه الأيام و الليالي القليلة الباقية لتملأوا ما استطعتم وعاء كيانكم الواسع من معين اللطف و النقاء الإلهي الذي ينهمر علينا. الجامعة هي الداينمو المحرك لتقدم البلاد. هذا مما لا شك فيه. إذا أراد الشعب العزة و الاستقلال و الاقتدار و الثروة فعليه تقوية جامعته. لقد تكرست هذه النقطة في ذهنية مسؤولي البلاد لحسن الحظ، فقد أدرك الجميع هذه المسألة و هي أن يهتموا للجامعة. البلاد بحاجة إلى جهاد علمي. طبعاً حين أقول هنا العلم أعني العلم بالمعنى العام، و ليس العلوم التجريبية. نحن بحاجة لجهاد علمي. و سوف أتطرق لبعض الآراء التي ذكرها الإخوة و الأخوات، و سوف أذكر بعض التعليقات إن وجدت على هامش كلمات الأعزاء. على أن ما أعتقد أنه خلاصة و عصارة لكافة المسائل - و أجد نفسي ملزماً و مكلفاً بذكره و متابعته و أرصد المراحل التي وصل إليها بدقة و قلق - هو أن البلد بحاجة إلى جهاد علمي. لاحظوا أن للجهاد معنى خاصاً. ليس معنى الجهاد مجرد السعي. الجهاد في المفهوم الإسلامي عبارة عن السعي و العمل الذي يبذله الإنسان مقابل خصم أو عدو. و ليس كل سعي جهاداً... جهاد النفس، و الجهاد أمام الشيطان، و الجهاد في ميدان القتال العسكري، و مجابهة العدو، و مواجهة معارض معين. في مضمار العلم في البلاد نحن اليوم بحاجة لمثل هذا الجد و السعي. أنْ نشعر أن هناك موانع و عقبات يجب أن نزيلها، و أن هناك معارضات ينبغي أن نحطمها. و في مجال عرض الإمكانات العلمية هناك بخل و خسة من قبل أصحاب هذه الإمكانيات العلمية - و هم البلدان المتقدمة علمياً - يجب أن نبدي عن أنفسنا قبالها عزةً و تعففاً و فوراناً و تفجراً داخلياً. على الرغم من السخاء العلمي الذي يتظاهر به العالم اليوم، فإنه في غاية الخسّة العلمية. الذين استطاعوا بفضل عوامل متعددة و متنوعة، و في برهة زمنية معينة، أن يتوفروا على التقدم العلمي و يمتلكوا محرِّك التقدم و يسبقوا جميع البشر - و هم البلدان الغربية المتقدمة التي توفرت على العلم و المعرفة منذ عصر النهضة تقريباً و إلى اليوم، و قد كنّا نحن ذات يوم حملة العلم - هؤلاء احتكاريون و لا يريدون لدائرة هذا العلم و الاقتدار أن تتسع. يعارضون توفر الشعوب على العلم، خصوصاً بعد أن تحول هذا العلم عندهم إلى وسيلة سياسية، و قد ولد الاستعمار من رحم العلم. العلم هو الذي استطاع تقويتهم و منحهم الاقتدار، لذلك ساروا في أنحاء العالم و ظهر الاستعمار، و إلا فالشعوب كانت تعيش حياتها العادية. أين بريطانيا من أندونيسيا؟ ساروا بأدوات العلم و استعمروا تلك المناطق. حينما ولد الاستعمار من رحم العلم، و صارت القوة الدولية و السياسية تعتمد على العلم، وجدوا أن عليهم عدم تزويد الآخرين بهذا العلم، و إلا فسوف تتعرض قوتهم للخطر و التهديد. و قد عملوا على هذه الشاكلة إلى اليوم. و الآن يبدي شعب إرادته و عزيمته على الوقوف على قدميه، و استخدام مواهبه، و لحسن الحظ فإن هذه الأرضيات ممهدة له بنحو من الأنحاء - هكذا هو شعبنا - و ربما توجد بعض الشعوب لو قررت أن تقف علمياً على قدميها لما استطاعت، لأنها لا تمتلك الماضي العلمي، و لا الموهبة المحلية و الإقليمية و الذاتية. و بلادنا تتوفر على هذه الشروط و الحمد لله. و قد حصلت فيها ثورة و حركة عظيمة و صحوة و شعور بالقدرة.. انطلقت حركة مهمة و حققت تقدماً كبيراً. و يجب أن نعترف أن هذه الحركة لا تزال في بداياتها و لا نزال في أول الطريق. أشار الأعزاء إلى البرمجة و التخطيط لثلاثمائة سنة. أنا طبعاً لا أومن بالبرمجة لثلاثمائة سنة، لكنني ارتضي هذه الأفكار و الروح التي تشعر بأننا لم نقطع طول الأعوام الثلاثين الماضية سوى الخطوة الأولى، و إذا أردنا قطع عشر خطوات سنحتاج من الزمن إلى ثلاثمائة سنة. يجب أن نعلم أننا في الخطوات الأولى و يجب أن نعلم أننا نستطيع قطع خطوات أوسع. ينبغي تنامي هذا الشعور. و اعتقد أن هذا الشعور سيتنامى حتماً. كما أن هذه الحركة العلمية العظيمة و هذا الإبداع العلمي، و إنتاج العلم، و تحطيم حدود العلم لم يكن ليخطر على بالنا أن يتحقق في يوم من الأيام، لكنه طرح و قيل و جرت متابعته، و تشاهدون اليوم ثمراته، إذن نستطيع قطع خطوات أوسع و إنجاز أعمال كبيرة. من الضروري أولاً مراجعة ما قاله الأصدقاء الأعزاء لأن الآراء التي أثارها الأعزاء اليوم هنا مرضية و مريحة حقاً بالنسبة لي. طبعاً لم يكن الأمر هكذا دوماً. أحياناً كنّا نجلس في جلسات الأساتذة المحترمين و لا أستفيد أنا شيئاً، لكنني اليوم أستفدت الكثير. كانت الآراء متنوعة و زاخرة بدقائق الأمور و الإشارات. الذي قيل كان حياً متفاعلاً تماماً. النقاط و الآراء التي طرحت كانت نظرات حية و كذلك الاقتراحات التي أثيرت، و كانت ذات طابع تنفيذي عملياتي.. كانت جيدة جداً. كان اجتماعنا اليوم مفيداً جداً و أودّ أن تنشر تفاصيل هذه الكلمات. إذا بثت من الإذاعة و التلفزيون فهذا جيد، لكن الأفضل من ذلك أن تدوّن جميع هذه الكلمات و تنشر. الكلمات كانت جيدة جداً. أشار أحد الأعزاء إلى تأسيس كلية الطب التقليدي، و هذه بشارة بالنسبة لي. و تحدث أحد الأعزاء عن النظام الاقتصادي السائد في البلاد راهناً و جرى الادعاء بأننا ابتعدنا عن الدستور. أنا طبعاً لا اعتقد بمثل هذا الشيء. إنني أخلص لأخينا العزيز الدكتور سبحاني. إنني أعرف الدكتور سبحاني و على معرفة بأفكاره و آرائه، و هو من إخوتنا الأعزاء جداً، بيد أن هذا الكلام ليس الكلام الذي أقبله. طبعاً قد تكون بعض البُنى الفوقية و المظاهر مما لا نوافقه و نرضاه، و من المتيقن منه وجود مثل هذه الحالات، بيد أن المباني و الأسس مبانٍ صحيحة و خصوصاً قضية سياسات المادة 44 التي أشبعت بحثاً. و قد طرحت آراؤه و غيره من الأعزاء سواء حينما كان في المجلس أو في أحيان أخرى. أشار أحد الأصدقاء إلى جامعة حكمية المحور، و هذا كلام جديد عليَّ. و لا أدري هل يقصد الحكمة بالمعنى الذي ذهب إليه الدكتور فياض - و ما قاله عن الحكمة يعدُّ تعريفاً صحيحاً تماماً - أم بمعنى آخر، إلا أن الجامعة الحكمية المحور كلام جديد، و الأجد من ذلك أنه قال إن بعض أعمال هذه الجامعة قد تم إنجازها و أن جامعة طهران أنجزت بعض الأجزاء. هذا جديد عليَّ تماماً. لم أسمع بمثل هذا و لم أطلع على أن مثل هذا الأمر قد حصل في البلاد فعلاً. اقتراح تأسيس مرصد لتقدم الخارطة العلمية الشاملة في البلاد اقتراح صحيح تماماً. و قد كان هذا الشيء ضمن ما سجلته هنا لأطرحه. الخارطة العلمية الشاملة بحاجة إلى برنامج تنفيذي، و تحتاج أيضاً على حد تعبيره إلى مرصد لكي نرى كم تقدم العمل فيها، حتى لا ينحرف البرنامج و لا يتوقف. و حول أهمية العلوم الإنسانية تحدث الأعزاء اليوم بنحو وافٍ لحسن الحظ. و هذا هو ما يعتمل في قلوبنا. حينما ذكرت العام الماضي رأياً حول العلوم الإنسانية لاحظت أن لهذا الرأي انعكاساته لدى بعض الأفراد، و لم تكن هذه الانعكاسات علمية أو منطقية. قرأوا هذا الكلام قراءات لم تكن مما نقصده إطلاقاً. كلامنا حول العلوم الإنسانية هو نفس هذا الكلام الذي طرحه الأصدقاء هنا و كان صائباً تمام الصواب. العلوم الإنسانية مهمة، و العلوم الإنسانية الموجودة في البلاد حالياً ليست محلية و ليست لنا و لا تعنى بحاجاتنا، و لا تتوكأ على فلسفتنا، أو على معارفنا، بل تهتم و تعنى بقضايا أخرى، و لا تعالج قضايانا. آخرون طرحوا بعض القضايا و عالجوها و حلوها لأنفسهم - و لا شأن لنا بصحة طروحاتهم أو خطئها - فهي أجنبية علينا أساساً. طبعاً، ليست ثمة الآن مجال لأتحدث حول العلوم الإنسانية. و في المستقبل إذا امتد بنا العمر و وفقنا سنعقد اجتماعاً جامعياً آخر مع الأساتذة المحترمين أو الطلبة الجامعيين إن شاء الله و أتحدث هناك حول قضايا العلوم الإنسانية بالتفصيل. لدي الكثير مما أقوله حول قضايا العلوم الإنسانية. المشكلات التي ذكرها أحد السادة صحيحة تماماً. عدم تغيير فصول العلوم الإنسانية و أوقاتها.. هذه المسألة التي طرحت أنا على علم بها و هي صحيحة تماماً. إنه لعيب حقاً أننا لم نغيّر طوال عشرين سنة أو خمس و عشرين سنة فصول العلم الفلاني على الإطلاق. هذا يدل على عدم جرأة على الدخول في النقاش، و هو تحديداً الشيء الذي نخشاه. لا يجرأون على المناقشة إنما يدرسون هذا الموجود و يعودون و يدرسونه مرة أخرى، و قد يبقون يدرسونه لعشرة أعوام أخرى. و الحال أنه - على حد تعبير هذا الأخ المحترم - قد تحدث تغييرات أساسية في العلوم الإنسانية كل خمسة أعوام أحياناً. الأمر كذلك في بعض العلوم الإنسانية على الأقل. إنني أشكر أخانا هذا و باقي الإخوة و الأخوات و الأساتذة المحترمين الذي يفكرون في العلوم الإنسانية و يتحدثون حديثاً نابعاً من دراسة و تفكير و تأمل. هذا شيء قيّم جداً. أشار أحد السادة إلى أننا في تعاملنا مع العلوم الإنسانية الحالية يجب أن نتعامل إيجابياً بدل التعاطي السلبي مع المناحي الغربية، بمعنى أن نطرح المناحي الإسلامية. نعم، هذا هو أساس القضية. لا شك في هذا. لا يمكن العيش في الفراغ. حينما تطرح المسألة فهي بحاجة إلى جواب، إما جوابه هو أو جوابنا نحن، بيد أن المهم هو شيئان: الأول أن يجري تدوين إجاباتنا. و هذا ما يجب أن تقوموا به أنتم، هذا ما يجب أن يقوم به أساتذة الحوزة و الجامعة. فمن يا ترى يجب أن يقوم بهذا؟ هذه المهمة ليست طبعاً من واجبات الحكومة. و الثاني أن تكون هناك جرأة على مناقشة المنحى الغربي الحالي المنبثق عن الليبرالية الغربية. هذان الشيئان ضروريان و لازمان. و هما في أيديكم.. في أيدي الأساتذة المتخصصين في العلوم الإنسانية. طبعاً حين يقال إنه لا بد لهذا من إدارة و لا بد من بنية خاصة، فهذا الكلام يحتاج إلى تأمل و يجب دراسته، و هو كلام صحيح - صحيح بصفته الكلية على الأقل - لكن المهمة على كل حال مهمة أساتذة العلوم الإنسانية. تحدثت إحدى السيدات عن اختيار الطلبة الجامعيين و عدم تلائم الأطروحات الجامعية مع الاحتياجات العلمية للبلاد، و هذا كلام صحيح جداً، و هو من جملة آرائنا و كلامنا. كما أكدت على ضرورة التحرك ذي الطرفين بين القيادة و المجتمع النسوي. طبعاً لا يمكن مقارنة المجتمع النسوي بالجامعات أو القوات المسلحة. المجتمع النسوي نصف سكان البلد و لا يمكن افتراضه كالمجتمع الجامعي أو المنظومة العسكرية. لكنه كلام صحيح على كل حال. ينبغي أن نفكر و نستمع لآراء السيدات العالمات المثقفات الدارسات في البلاد. ذلك أن قضايا المرأة قضايا مهمة، و هي على حق. الواقع أن مشكلة المرأة في العالم اليوم - و ليس في بلادنا فقط - من المشكلات الرئيسية. و قد تكون مشكلات المرأة في بلادنا أقل منها في الكثير من بلدان العالم بما في ذلك البلدان الغربية. ثمة هناك مشكلات أصعب و أعقد بكثير. أشار أحد السادة - الدكتور زالي - إلى التقدم الباعث على المباهاة و الفخر في قطاع الطب و العلاج و السلامة و البيئة، و قدّم إحصائيات لافتة جداً. أولاً، ما شاء الله على هذه الذاكرة حيث ذكر كل هذه التفاصيل و الخصوصيات واحدة واحدة عن ظهر قلب.. جميل جداً، و المرء لا يمتلك إلا أن يثني على هذه الذاكرة. نتمنى أن تبقى له هذه الذاكرة إن شاء الله. ينبغي أن تطرح حالات التقدم هذه و تقال حتى تعلم بها الجماهير. راح البعض يقصفون أذهان الطلبة الجامعيين و الأساتذة بأمواج اليأس و القنوط و يقولون: لا يا سيدي لا يمكن، لا نستطيع، لا فائدة من هذا. هذه الأفكار كالأرضة المخربة الهدّامة. البلد يتقدم إلى الأمام بكل حيوية و مرونة. هذه الشجرة الهائلة كانت غرسة صغيرة، و هي اليوم شجرة طيبة، »... كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَ فَرْعُهَا فِي السَّمَاء «.(2) إننا نتقدم في جميع القطاعات. طبعاً تواجهنا بعض التحديات. إذا أراد الإنسان أن لا يسقط أرضاً فعليه أن لا يمشي أساساً. و إذا أردنا أن نمشي فهناك التعثر و السقوط و التزاحم بالاكتاف. التحديات خصوصية الشعب المتحرك، و لا يمكن الحركة من دون تحديات. الشعب يتقدم إلى الأمام بهذه المرونة و الثبات، و هناك من يقعد هنا و هناك و يوسوس في آذان هذا و ذاك من الطلبة الجامعيين و الأساتذة، و مع كلٍّ بشكل من الأشكال، و مع الناس العاديين بشكل معين، فيبث مشاعر اليأس و القنوط و التشاؤم. لا، واقع القضية هو هذا الذي قاله. طبعاً هو تحدث عن قطاع الطب، و الحال كذلك في القطاعات الأخرى، و قد تحدث الأصدقاء عن القطاعات الأخرى. طبعاً، لاحظت أن بعض الأعزاء الذين تحدثوا غير مطلعين على بعض الجوانب و الأقسام، و أنا على إطلاع. مثلاً في مجال التقنيات العسكرية تم إنجاز أعمال عجيبة و غريبة كثيرة. الشيء الذي يلاحظه المرء في التلفزيون هو مجرد واجهة، و الواجهة أو العارضة لا يمكنها تصوير حقيقة العمل و عظمته و تعقيده. لقد تم إنجاز الكثير من الأعمال. ذكر أحد السادة فكرة مهمة جداً بشأن إنتاج الأفكار، و هي صحيحة تماماً. و أساس العلم هو الفلسفة، إذا لم تكن الفلسفة لم يكن العلم. إذا لم يكن ثمة استنتاج فلسفي كان العلم عديم المعنى أساساً. إنتاج الفكر مهم جداً. طبعاً إنتاج الفكر أصعب من إنتاج العلم. المفكرون و النخبة الفكرية معرضون لآفات و أخطار قلما يتعرض لها النخبة العلمية. إذن، العمل صعب لكنه مهم جداً، و النقطة التي طرحوها صحيحة. لقد استفدت منها و أوافق عليها. و بخصوص تاريخ الفكر العقلي تجري الآن بعض الأعمال. قالوا إنه لم يجر عمل معين، بلى، تجري على هذا الصعيد بعض الأعمال. الفلسفة لنا، و بلدنا مهد الفلسفة. ما يوجد في بلدنا تحت عنوان الفلسفة أقرب إلى عنوان الفلسفة و معناها من الشيء الذي يوجد لدى الغربيين الذين تملأ أصوات فلسفتهم العالم اليوم. يجب أن يعملوا.. حوزاتنا مركز الفلسفة، و خريجو الحوزات أساتذة كبار في الفلسفة و قد ترسخ هذا المعنى في الجامعات أيضاً لحسن الحظ. و عليه، ينبغي العمل في مضمار إنتاج الفكر المنبعث من الفلسفة. و ذكروا بعض الآراء حول علم الاقتصاد، و هو كلام صائب تماماً. ثمة تقصير و لا بد من القيام بهذه الأعمال، و لا بد من الاستثمار. كانت نقطة صحيحة جداً أن المال الذي نخصصه لبناء سد من السدود أو محطة طاقة أو طريق سريع، لا نخصصه لفرع مهم من فروع العلوم الإنسانية كعلم الاقتصاد مثلاً. هذا كلام صحيح و أنا أوافقه. و أشار أحد السادة إلى ما وراء كواليس الطب الاستهلاكي. و لا بأس أن نمزح هنا و نقول: بالتالي هل تعطي أنت الوصفات أم لا؟ و كم تصف من الدواء؟ هذا الشخص طبيب محترم و معتبر. كانت لدي توصيات عديدة، و قد سجّلت هنا نقاطاً عدة، و هي في الواقع كراسة، و لكن لأن الوقت ضيق أذكر نقطتين منها فقط. أحداهما مسألة الخارطة العلمية. ذكروا لي في التقارير أن الخارطة العلمية الشاملة للبلاد تمر حالياً بمراحلها النهائية، و تقترب من المصادقة النهائية و الإبلاغ. إذا توفرت لنا جميعاً هذه الخارطة العلمية الشاملة في الجامعات، عندئذ يجب العمل عليها، و ينبغي للجميع الالتزام بها. أولاً تحتاج الخارطة العلمية الشاملة لخطة تنفيذية. على مسؤولي الأجهزة الحكومية تصميم خطة و برنامج يمكن من خلاله تطبيق هذه الخارطة العلمية الشاملة و تحقيقها. على حد تعبير أحد السادة يجب أن لا نكتفي بإنتاج العلم، ثم لا ننشره و ندعه جانباً و لا نستفيد منه. يجب أن نستفيد منه. ثانياً يجب أن تكون الخارطة العلمية الشاملة حية متحركة و عصرية. إننا لا نروم إطلاق شيء لسنوات طويلة، إنما هي لهذه السنوات و الوقت الراهن. ربما صارت الأوضاع بعد ثلاثة أعوام أو خمسة أعوام بحيث نضطر إن إجراء تغييرات في جوانب من هذه الخارطة. ينبغي أن تكون الخارطة حية و متوثبة و عصرية. لا بد من وجود جماعة تلاحظ هذا المعنى و تراقبه. ثالثاً يتعين أن تكون الخطط التنموية الخمسية فيما يتعلق بالعلم و التعليم العالي متطابقة بنحو دقيق مع الخارطة العلمية الشاملة. على الخطط التنموية أن تتبع الخارطة العلمية الشاملة في هذه المجالات. كما يجب أن تكون هناك آليات قوية للإشراف، و هذا ما ذكره الأصدقاء أيضاً. النقطة الأخرى هي أن تنمية التعليم العالي يجب أن يكون باتجاه الأهداف المرسومة. على مسؤولي التعليم العالي اجتناب التنمية غير الهادفة بشدة، لأن في هذا إتلاف للمال و إتلاف للمصادر الإنسانية. يتوجب النظر ما الذي نحتاج إليه و ما هو الهدف و إلى أين نريد الوصول، و نقوم بتنمية المناخ التعليمي في التعليم العالي على هذا الأساس. إذن، لنتابع أهدافنا حسب احتياجاتنا. اعتقد أن هذه قضية حساسة و مهمة جداً. يجب إحصاء احتياجات البلاد الرئيسية في مجال العلوم و التقنية، و كذلك في مضمار العلوم الإنسانية، و لا بد من البرمجة على أساس هذه النتائج. ينبغي أن نعرف ما هو عدد الطلبة الجامعيين الذين نحتاجهم، و ما عدد الجامعات التي نحتاجها، و ما الحقول و الفروع العلمية التي تلزمنا، و في أية مستويات يجب تدريس هذه الفروع. نتمنى أن يعيننا الله تعالى جميعاً لنستطيع إن شاء الله تأمين ما يرضيه و ما يلزمنا لتقدم البلاد و لتقدم شعبنا باستمرار، و أن نفهم هذه الضرورات بالهداية الإلهية، و نستطيع بعد ذلك السير في هذا الطريق و بذل كل جهودنا فيه. ربنا، اجعل ما قلناه لك و في سبيلك و تقبله منّا، و اهدنا و أعنّا على ما نفكر فيه و نعتقد أنه واجبنا. اللهم أرض عنا القلب المقدس لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (عج). بارك لنا جميعاً شهر رمضان هذا. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الهوامش: 1 - مفاتيح الجنان، من أدعية العشرة الأخيرة في شهر رمضان. 2 - سورة إبراهيم، الآية 24.
2010/09/05

كلمة الإمام الخامنئي في الطلبة الجامعيين

بسم الله الرحمن الرحيملا أمتلك في الوهلة الأولى إلا أن أرحب بجميع الشباب الأعزاء، الطلبة الجامعيين الأحباء، أبنائي الذين تفضلوا بالمجئ إلى هنا، و أتقدم بالشكر لحضرتكَ على تقديم البرامج. و قد استمتعت كثيراً بتعبير »الضباط الشباب« الذي كررتموه، و الذي أؤمن به من أعمق الأعماق. و ستكون كلمات هؤلاء الشباب الأعزاء اليوم سبباً إن شاء الله في بروز و ظهور هؤلاء الضباط الشباب أمام عيني و أعين سائر المتلقّين...بسم الله الرحمن الرحيمأشكر الله تعالى أن وفقنا و أعطانا من العمر ما جعلنا نجرِّب مرة أخرى هذه الجلسة الحيوية الحلوة الزاخرة بالمحفزات في شهر رمضان. لدينا في شهر رمضان من كل سنة مثل هذه الجلسة، و أقول لكم إنها من أطيب و أحبّ الجلسات إلى نفسي.أولاً استفيد من الآراء و الأفكار التي يطرحها الإخوة و الأخوات. تطرح نقاط و آراء جديدة فانتفع منها. أضف إلى ذلك أنه توجد أحياناً اقتراحات تنقل إلى المؤسسات و الأجهزة المختصة، و اعلموا و اطمئنوا أنها تتابع ضمن حدود الإمكانيات و السعة المتوفرة. لا تتصوروا أنه مجرد كلام يطلق هنا و ينتهي كل شيء، لا، الحقيقة أن كل واحد من هذه الآراء التي تطرح - أو القدر التي نوافقه و نؤيده و نقتنع به، و معظمها من هذا القبيل - يتابع و لا يهمل.حسناً، جلسة اليوم كانت حيوية جداً، و قد تحدث الشباب الأعزاء في كافة المجالات. أولاً كان هناك اختلاف في وجهات النظر بين هؤلاء الإخوة و الأخوات، و اعتقد أن هذا الاختلاف في وجهات النظر مثير للشوق و الحماس جداً. و هذا هو الجيد. أثيرت آراء متنوعة حول قضايا واحدة، و لكل رأي كان هناك استدلال و أنصار. إنه مجال للتفكير و التعمق و البحث و الوصول إلى الحقيقة. و لا تتوقعوا مني أن أدلي برأي حاسم حول مواطن الاختلاف أو بشأن الأمور التي سألوها مني، لكي يكون كلامي هذا فصل الخطاب، لا، ثمة مواطن بحاجة طبعاً إلى فصل الخطاب، و على القيادة أو المسؤول الذي يجب أن يحسم الأمر أن يقول كلمته التي تمثل فصل الخطاب. لكن هذه الحالة ليست من تلك الحالات. معظم هذه الحالات لا تحتاج إلى أي فصل خطاب. يوجد اختلاف في وجهات النظر، فليكن، و ما الضير في ذلك؟ قلت لمسؤولي البلاد قبل فترة و قد حضروا هنا إنه يوجد اختلاف حول قضية معينة، لكن اختلاف وجهات النظر ليس فاجعة. ما الضير و العيب في اختلاف وجهات النظر هذا؟ تارة يكون النقاش حول هل نطلق النار على العدو أم لا؟ نعم هنا يسبب اختلاف وجهات النظر مشكلة. و لكن في أحيان أخرى لا تكون القضية على هذه الشاكلة، إنما الاختلاف حول قضايا نظرية و شؤون اجتماعية واسعة. اعتقد أن هذا الاختلاف في وجهات النظر مثير للشوق. و هو كذلك بالنسبة لي. و أنتم الشباب يجب أن يثير هذا الاختلاف و التنوع في الآراء و الاستدلالات الشوق فيكم أكثر من أمثالي و أنا في هذا السن.لقد دققت في الكلمات اليوم و وجدت أنها عميقة للحق والإنصاف. في بعض السنين حينما كان الشباب يأتون و يتحدثون، تنتابني حالة عتاب في نفسي لأنني لا أجد عمقاً في الكلام. لكن الأمر ليس كذلك اليوم. لقد وجدت الكلام اليوم عميقاً. ما عدا المجاملات و إبداء الحبّ تجاهي - و لهذه الأمور حسابها المختلف - فإن ما طرح هنا كآراء و تصورات وجدت أنها عميقة من أولها إلى آخرها، و تمثل كلاماً تم التفكير له و فيه، و ليس كل ما قيل صحيحاً بالضرورة، لا، فيه الصحيح و فيه الضعيف، و لكنه كلام يسبقه تفكير و دراسة. هذا هو المهم. خصوصاً في الحالات التي تحدث فيها المتحدث بالنيابة عن جماعة معينة - أي بالنيابة عن التنظيمات - كان الحديث دالاً على وجود تلاقح و تعاون فكري في ذلك التنظيم، و هذا بدوره شيء إيجابي يثير الارتياح بالنسبة لي. تارة تكون أنت إنساناً صاحب فكر فتطرح بعض الآراء و الأفكار. حسناً، هذا شيء جيد و أفكار جيدة. لكن الأفضل من ذلك أن تتعاون مع جماعة معينة في التفكير و تكون هناك آراء متخالفة متضاربة إلى أن تخرج النتيجة و الحصيلة من كل تلك الآراء المتضاربة و تُطرح هنا. لقد لاحظت مؤشرات هذا المعنى. خصوصاً في الآراء التي طرحت باسم أحد التنظيمات.حسناً، اعتقد أن جلسة اليوم كانت جيدة جداً، و أشكر الله على ذلك. كما أشكر الذين جاءوا و تحدثوا هنا من بنين و بنات.. كلماتهم كانت جيدة جداً. و لدي بعض النقاط و الملاحظات سأذكرها حسب ما يسمح به الوقت، بيد أن الأهم من كل الملاحظات هو أنكم شباب و قلوبكم طاهرة نقية و غير ملوثة. و لا يمكنكم الآن إدراك أعماق هذا الكلام و ما معنى عدم التلوث، و أين تكمن مشكلة القلوب الملوثة. أنتم الشباب لن تدركوا الآن أو في المستقبل القريب هذا المعنى، لكنكم حين تصلون إلى أعمارنا ستدركون المشاكل و القيود و تعلمون كم هو قيّم و ثمين نقاء الفؤاد في عهد الشباب، و هو شيء لا يعود و لا يستردّ.هذه رصيد متوفر لكم الآن. أريد أن أقول إربطوا هذا القلب الطاهر الزلال ما استطعتم بينبوع العظمة و مصدر الحقيقة و معدن الجمال، أي الذات المقدسة للباري تعالى، و قرّبوه منها. فإذا توفقتم في هذا عشتم حياةً سعيدة إلى آخر أعماركم. و إذا لم توفقوا الآن كان الأمر أصعب عليكم بعد عشرين سنة. و بعد عشرين سنة حينما تكون أعماركم في الأربعين أو الخامسة و الأربعين، إذا لم توفقوا في هذا الشأن سيكون الأمر أصعب كثيراً كثيراً بعد عشرين سنة أي في عمرٍ هو أقل من عمري الآن. سيكون الأمر عسيراً و صعباً جداً. لا أنه مستحيل لكنه صعب. اربطوا القلوب بالله الآن. و السبيل إلى ذلك مُشرع في الشرع المقدس و ليس بالعملية الغامضة المعقدة. تنظرون إلى قمة الجبل من أسفله فترون البعض يقفون هناك، و هم طبعاً لم يفتحوا أجنحة و يحلقوا بها إلى تلك الأعالي، لا، إنما ساروا في الطريق المفتوح الآن أمامكم أيضاً و وصلوا إلى هناك. يجب أن لا نقع في الأوهام و لا نتصور أن بالإمكان الوصول إلى القمم بحركات غير عادية و غير مألوفة، لا، الذين تشاهدونهم على تلك القمم إنما ساروا في هذه الطريق. فما هي هذه الطرق؟ بالدرجة الأولى ترك المعاصي. التحدث بهذا المعنى سهل، لكن العمل به صعب. و لكن لا مفرّ منه. عدم الكذب، عدم الخيانة، تحاشي أنواع الزلل الجنسي و الشهواني، تجنّب الذنوب. هذه هي المخاطر الأهم. و من بعد ترك المعاصي يأتي الدور لأداء الواجبات، و الأهم من كل الواجبات الصلاة. »و أعلم أنّ كل شيء من عملك تبعٌ لصلاتك«.(1) كل أعمال الإنسان تابعة للصلاة. أدوا الصلاة في أوقاتها. أدوها بتوجّه إلى الله و حضور قلب. حضور القلب أن تعلموا أنكم تتحدثون مع أحد، تعلمون أن لكم مخاطباً و مستمعاً تتحدثون معه. إذا مرّنتم أنفسكم على هذه الحالة، و إذا استطعتم إيجاد هذا التركيز فستبقى هذه الحالة لكم إلى آخر أعماركم. و إذا لم تستطيعوا ذلك الآن - كما سبق أن قلت - سيكون الأمر أصعب بعد عشرين سنة، و أصعب أيضاً بعد عشرين سنة، و من بعد ذلك سيكون الأمر أصعب بكثير كثير إذا لم يسبق للمرء أن فعله. عوِّدوا أنفسكم من الآن على إيجاد حالة التركيز هذه عند أداء الصلاة. و عندها ستكون صلاتكم تلك الصلاة التي »... تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَ الْمُنكَرِ... «.(2) إنها تنهاكم و ليس معنى ذلك أنها تضع حاجزاً أمامكم يحول بينكم و بين الذنب، لا، إنما تقول لكم دوماً: لا تذنب. حسناً، عندما يُقال للمرء عدة مرات في اليوم من أعماق قلبه: لا تذنب.. فعندها سوف لن يذنب. هذه هي الصلاة.و صيام شهر رمضان مغتنم جداً. مقارعة الجوع و العطش و الحر و الصعوبات التي يواجهها الإنسان. الأنس بقراءة القرآن، و بنهج البلاغة، و بالصحيفة السجادية، و بالأدعية، و النوافل، و صلاة الليل، و كل ما تستطيعون فعله بعد ذلك.اعرفوا قدر هذه القلوب النورانية الطاهرة التي تمتلكونها. لا أريد أن أقول هذا لأرضيكم، لا، لستم وحدكم الشباب في العالم.. هذه سمة الشباب عموماً.. قلوبكم طاهرة. و لأن الأمر غير ممكن المقارنة بالنسبة لكم لذلك تعجزون عن الشعور به. القيود و المشاكل و الأغبرة و الوحول و الصدأ تغطي القلب بمرور الزمن. في الرواية أن الإنسان حينما يرتكب ذنباً تظهر نقطة سوداء في قلبه - و اللغة هنا لغة رمزية طبعاً - و إذا ارتكب ذنباً آخر أضيفت إلى قلبه نقطة سوداء ثانية.. و كلما زاد من الذنوب زادت هذه النقاط السوداء إلى أن يستغرق السوادُ القلبَ كله. و ما ذكرته هو ترجمة المفهوم العرفي لهذا المعنى. أي إن لكم الآن قلوباً و أرواحاً مستعدة، و بمرور الزمن تتكالب الذنوب و المشكلات و التعقيدات التي يمرّ بها الإنسان في مسيرة حياته - في السياسة، و الاقتصاد، و لقمة العيش، و الحصول على إمكانيات الحياة و متطلباتها - و إذا لم يكن الإنسان قد تدرّب في شبابه غلبته تلك التعقيدات و جعلت قلبه حالكاً. إذن، هذا هو كلامنا الأول و الرئيس. أنتم مثل أبنائي. إذا أردت تقديم خير الوصايا لأبنائي الصلبيين النسبيين لقلت لهم ما أقوله لكم الآن. لاحظوا و دققوا أن معظم الزلات - و لا أقول كلها - التي تعترض المرء في ميادين الحياة المختلفة ناجمة عن عدم مراعاة هذه النقطة الرئيسية المهمة. حتى في ساحة الجهاد.. في معركة أحد - و أنتم على علم بما حدث - قصّر البعض و خلقوا فاجعة. إن لم تقرأوا أحداث معركة أحد فهي موجودة في كتب التاريخ، و لكم أن تقرأوها حتى لا أشرحها هنا. يقول القرآن عن هؤلاء: »إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ...«.(3) و معنى الآية هو أن الذين رأيتم كيف ولّوا الأعداء ظهورهم يوم معركة أحد و خلقوا تلك الفاجعة و تسببوا في استشهاد حمزة سيد الشهداء و بعض كبار الصحابة - إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا - إنما كانت زلتهم بسبب الشيطان، و ما فعلوه من قبل، أي إن ذنوبهم السابقة هي التي تسببت و مهّدت لفعلتهم هذه. و لدينا العديد من قبيل هذه الآية في القرآن الكريم. عدم تجنبنا للذنب يترك تأثيره في إدارة البلد. إذا كنا مسؤولين عن إدارة قطاع معين، و إذا سرنا إلى ساحة الحرب، و إذا دخلنا في اختبار مالي أو اقتصادي، فإن الذنوب ستترك تأثيرها في كل هذه الميادين. هذا هو إذن كلامنا الأصلي. خلاصته أن اعرفوا قدر الشباب. و معنى ذلك أن تعرفوا قدر القلوب الطاهرة و تتقربوا إلى الله أكثر. و السبيل إلى ذلك ترك المعاصي و الاهتمام بالصلاة، و من بعد الصلاة الواجبة يأتي الدور للتوجّه إلى الله الذي ذكرته ثم كل ما تستطيعون من المستحبات و الأدعية و سائر الأعمال. و سوف يفتح الله تعالى السبل إن شاء الله.ثمة نقاط سجلتها هنا لأذكرها لكم، لكن الأسئلة التي طرحتموها و الموضوعات التي ذكرتموها كانت موضوعات مهمة. و لا بأس أن أذكر بعض النقاط حولها.كان من الأسئلة: هل بوسع الحركة الطلابية الجامعية أن تطرح الأسئلة في المواطن التي تجد أن فيها بعض الإشكالات و المؤاخذات؟ و الجواب: نعم يجب أن تطرحوا الأسئلة. ليس ثمة مشكلة في طرحكم الأسئلة شريطة أن لا تصدروا الأحكام كما قال أخونا هذا، و لكن اطرحوا الأسئلة. و أفضل أسلوب للأسئلة و الأجوبة هو أن يأتي المسؤولون و يحضروا في المجاميع الطلابية و الجامعية. إنني أطلب من المسؤولين هنا أن يكثروا من لقاءاتهم الجامعية مع الطلبة. هؤلاء هم خيرة شرائح البلد اليوم.. شباب، و متعلمون، و مثقفون، و فاهمون، و متحفزون.. ليذهب المسؤولون و يشاركوا في هذه اللقاءات. لتطرح هذه الأسئلة و احتمل أن يسمعوا إجابات مقنعة لأسئلتهم، كما أنني أحمل أحياناً بعض هذه الأسئلة أو ما شاكلها حين ألتقي بالمسؤولين. إنهم سيجيبون على كل حال، و قد يقنع الإنسان أحياناً و قد لا يكون لديهم إجابات مقنعة في بعض الأحيان. مهما يكن فطرح الأسئلة شيء جيد. و دققوا في أن لا تخلطوا بين طرح الأسئلة و المعارضة. الشيء الذي سبق أن قلته مراراً و أقوله الآن هو أن التيارات الطلابية الجامعية أو الحركة الطلابية أو أي اسم آخر تحمله يجب أن لا تتصور أن واجبها معارضة الأجهزة التي تتولى الأمور و تتصدى لإدارة البلاد، لا، هذا خطأ. و ما الضرورة لذلك؟ ليست المعارضة ممارسة صحيحة دوماً. قد تكون صحيحة في موضع و غير صحيحة في موضع آخر. المهم أن تطرحوا كلامكم و آراءكم و أدلتكم و تطالبوا بإجابات مقنعة، و على المسؤولين و المدراء تقديم الإجابات.السؤال الآخر هو أن البعض يقولون الوحدة و البعض يقولون الخلوص و النقاء، فماذا تقول أنت؟ أنا أقول كلاهما. الخلوص الذي طرحتموه - إننا يجب أن نستثمر الفرصة و نغربل و نخرج عن الدائرة غيرَ المخلصين - ليس شيئاً ممكن التحقيق بالشجار و التوتر و الإمساك بتلابيب هذا و ذاك و بالحركات العنيفة و الضغوط.. الخلوص و النقاء في المنظومة لا يتحقق بهذه الطريقة، و لسنا مكلفين بمثل هذا. في صدر الإسلام كان البعض مع الرسول الأكرم (ص)، كان سلمان، و أبوذر، و أبىّ من كعب، و عمار، و فلان، و فلان، كان هؤلاء من الدرجة الأولى و الأكثر إخلاصاً و نقاءً. و كان هناك جماعة أخرى أدنى منهم درجة. و كان هناك جماعة قد ينهرهم الرسول أحياناً. لو افترضنا أن الرسول أراد تحقيق النقاد في ذلك المجتمع المكوّن من الآلاف - و عملية النقية في ذلك المجتمع أسهل بكثير منها في مجتمع من سبعين مليوناً - فماذا كان سيفعل؟ و مَن كان سيبقى له؟ الذي يرتكب ذنباً واحداً عليه أن يغادر، و الذي يسمع زجراً يجب أن يغادر، و الذي يستجيز الرسول في غير الوقت المناسب يجب أن يغادر، و الذي يؤخر زكاته قليلاً يجب أن يغادر، إذن، لن يبقى أحد. و كذا الحال اليوم أيضاً. لا يمكن أن تخرجوا الأشخاص ذوي الإيمان الضعيف من الدائرة بذريعة أننا نريد التنقية و طرد عدم الخلّص، لا، حاولوا ما استطعتم توسيع دائرة الخلّص من خلال تكثير عدد الخلّص في المجتمع.. هذا هو الجيد. و أبدأوا من أنفسكم. الأجواء المحيطة بكم، و عوائلكم، و أصدقائكم، و تنظيماتكم، و خارج تنظيماتكم. حاولوا ما استطعتم رفع مستوى الخلوص و النقاء الفردي و الجمعي داخل إطار تنظيماتكم، و ستكون النتيجة ارتفاع درجة الخلوص في مجتمعكم. هذا هو طريق الخلوص و النقاء.و حين قلتُ الوحدة - ثم طرحت أسئلة أخرى في هذا المجال - قصدتُ الوحدة على أساس الأصول و المبادئ. إذن، الوحدة مع مَن؟ مع الشخص الذي يوافق هذه الأصول. بمقدار ما يوافق هذه الأصول و يتبناها سوف نرتبط و نتصل به، و ستكون هذه هي الولاية بين المؤمنين. الشخص الذي يرفض الأصول و يظهر عليه أنه لا يقبل هذه الأصول أو يصرِّح بأنه لا يقبل هذه الأصول سيكون خارج هذه الدائرة بشكل طبيعي. إذن، على أساس هذا التفصيل و الإيضاح الذي عرضناه، نحن أنصارٌ للوحدة و أنصار للخلوص و النقاء في نفس الوقت.و كان ثمة سؤال في ثنايا الكلام. و قد سمعت هذا السؤال في مواطن أخرى. يقولون هل يجب علينا نحن أيضاً اتخاذ مواقفنا كالقائد أم لا؟ للقائد تكليفه و واجبه و نحن لنا تكاليف و واجبات أخرى. لاحظوا.. لا يظننّ أحد أن للقائد رأي بخلاف ما يطرحه من آراء رسمية، و يذكره في الخفاء لبعض الخواص و الخلّص حتى ينفذوه؛ ليس ثمة مثل هذا الشيء على الإطلاق. إذا تصوّر أحد مثل هذا الشيء فهو مخطئ، و إذا نَسَبَ أحدٌ مثل هذه الآراء و المواقف للقيادة يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً. آراء القيادة و مواقفها هي نفسها هذه التي تُعلن صراحة.. نفس هذه الآراء و المواقف التي أعلنها أنا صراحة.قبل سنوات حينما وقع حادث قتل و أثار الأعداء الضجيج و راحوا يطبّلون و يقولون لقد كان لديهم فتوى و أوامر، و أرادوا جرَّ القيادة بشكل من الأشكال، قلتُ في صلاة الجمعة: إنني إذا اعتقدتُ يوماً ما بشيء و بأن شخصاً من الأشخاص يجب قتله فسوف أقول ذلك علانية في صلاة الجمعة. ليس من الجائز و لا من المناسب وجود مواقف أخرى غير تلك التي يعلنها القائد بصورة علنية و صريحة باعتبارها مواقفه، لا، إنما المواقف هذه التي أعلنها و أقولها.طبعاً، قد تكون طريقة صيامكم تختلف بعض الشيء عن صيامي، و صلاتكم عن صلاتي.. أنتم شباب و طلبة جامعات، و أنشطتكم الدينية و الاجتماعية شبابية، و تختلف بطبيعة الحال عن سلوك المسنّين. لا يمكن تجاهل هذه الفروق الطبيعية القاهرة.أثيرت أيضاً قضية صيانة النظام و الحفاظ عليه. اعتقد - كما قلت - أن الحفاظ على النظام واجب و أوجب من كل الأمور. و للنظام حدوده المشخصة و أحد هذه الحدود هو الحد الأخلاقي و الثقافي، و لا شك في أنه يجب الحفاظ على هذا الحد.و ذكرت عدة نقاط حول المرجعية العلمية و لوازمها، و هي نقاط صحيحة. أرجو من المسؤولين أن يتنبهوا و يسجلوا هذه النقاط و الأفكار.و أثير إشكال فحواه لماذا لا توزع البضائع الثقافة المناسبة بعدالة. و هذا إشكالنا نحن أيضاً، و هو صحيح تماماً. البضائع الثقافية التي ننتجها ليست جيدة. مع أن لدينا فنانين جيدين، و كتاباً جيدين، و ممثلين جيدين، بيد أن النتاجات الملائمة لمطامحنا الثقافية قليلة. من الضروري للمدراء الثقافيين العمل في هذا المجال أكثر. طبعاً تعلمون أن مثل هذه الأعمال لا تنجز بين ليلة و ضحاها. أي إننا لا نستطيع أن نقول: لننتج بضائع ثقافية و يذهبون الآن و يأتون بعد ستة أشهر أو سنة و معهم عشرة أفلام ثورية ثقافية إسلامية، أو عشرون فيلماً أو أكثر أو أقل. هذه أمور تحتاج إلى بنى تحتية كالبنى التحتية الطبيعية، و ما لم تتوفر هذه البنى التحتية لن تنجز الأعمال. و بعض هذه البنى التحتية غير متوفرة بشكل كامل و يجب توفيرها بمرور الوقت من قبل الحكومات المتتالية و على يد المسؤولين في قطاعات شتى. بل إن بعض هذه البنى التحتية جرى تخريبها في بعض الفترات! في بعض الفترات لم يجر تشييد هذه البنى التحتية العقيدية و الثقافية، و ليس هذا و حسب، بل و جرى تخريبها! و ينبغي الآن العمل و الترميم. لكن الإشكال وارد. و أنا أيضاً أحمل هذا الإشكال على الإذاعة و التلفزيون، و على وزارة الإرشاد، و على منظمة الإعلام و القسم الفني. لدينا اجتماعات مع هؤلاء، و أجلس أنا و أناقش و أدلي بأدلتي، أي إنني مضطر للأسف للقيام ببعض الأعمال التي تقع على عاتق المسؤولين التنفيذيين. قبل فترة كانت لي اجتماعات عديدة مع المسؤولين الثقافيين حول القضايا الفنية و السينمائية و الفنون المسرحية و ما إلى ذلك. جلسنا و تناقشنا و تكلمنا، و نتمنى أن تصل الأمور إلى نتائج جيدة إن شاء الله. على كل حال مطلبكم هذا مطلب صحيح.ذكر أحد السادة نقطة حول خصخصة الثقافة و الصحة و اعتقد أنها أيضاً نقطة صحيحة. الخصخصة قضية تتعلق بالشركات التابعة للمادة 44، و لها طبعاً تعريفها المحدد. و نعتقد أن القضايا الثقافية و الصحية و ما إلى ذلك غير مشمولة بالخصخصة. و قد ذكر لي المسؤولون المعنيون بعض الحالات. نعتقد أن هذا الإشكال وارد، و ينبغي التنبّه له و أخذه بعين الاعتبار. السياسات الخارجية و تصدير الثورة عن طريق الطلبة الجامعيين أمر جيد بدوره. لا نقول إنه عمل لا فائدة منه، لا، له فوائده دون شك، و لكن تنبهوا إلى أن هناك أعمالاً كثيرة تجري الآن في هذا الإطار. على صعيد التواصل مع المسلمين و مع الشعوب في آسيا، و أفريقيا، و أمريكا اللاتينية كالبرازيل و بلدان أخرى، في لبنان، و العرب، و الشيعة، و المسلمين، تجري الكثير من الأعمال. و الأعمال التي تجري غير معروفة إلى حد ما بالنسبة لكم أيها الشباب الأعزاء، و لكن نعتقد أنه لا ضير في ذلك، و هو عمل جيد إذا تم تنفيذه بشكل مدروس و مبرمج.ذكروا ملاحظات أيضاً حول التمييز، و كتبت بين قوسين هنا أن الإشكال وارد. بعض الإشكالات واردة حقاً.و طرحت أحاديث حول أسباب هروب الأدمغة. قالت إحدى السيدات إننا حين نتصل بالنخبة يقولون هذه هي أسباب خروجنا: مثلاً لا تحصل في الداخل الأعمال التي يجب أن تحصل، و تحصل أمور يجب أن لا تحصل. إنني لا أرفض هذا الكلام.. قد تكون هذه الإشكالات واردة فعلاً، بيد أن النخبة الذي يخرج من البلاد خلال فترة دراسته الجامعية أو بعد تخرجه ليست هذه هي أسباب خروجه في معظم الحالات. هذه ذرائع. يوجد هناك من يغرون و يجتذبون و يزينون للطلبة الجامعيين الظروف المواتية التي تنتظرهم هناك، فيتصور الطالب الجامعي أنه إذا ذهب إلى هناك فسيصبح كذا و كذا. و قد تكون هناك فعلاً أجهزة حكومية في الخارج لها أهدافها في محاربة الجمهورية الإسلامية علاوة على أهدافها الخاصة في ما يتعلق بالعلوم و المواهب الشابة، لذلك يستثمرون في هذا المجال و يأخذون النخب إليهم. و الذين يذهبون إلى هناك يتوفق بعضهم و لا يتوفق البعض الآخر، بل تصيبهم خيبة أمل و يندمون.. ثمة من هذا القبيل أيضاً. و من جانب آخر لدينا شباب توجهوا إلى الخارج للدراسة بعيداً عن قضية هروب الأدمغة، و ارتقوا إلى مدارج علمية جيدة جداً، لكن إيمانهم و محفزاتهم الدينية و الإسلامية و دوافعهم السليمة أعادتهم إلى داخل البلد. لا يتلخص الأمر بحركة الأدمغة من هنا إلى هناك، بل يوجد شباب توجهوا إلى الخارج للدراسة و هم آخذون في العودة. نعرف بعض الأشخاص و منهم نوابغ و ممتازون و نخبة يعودون إلى الوطن و يعملون و يخدمون. ليست القضية كلها أن البعض يتركون البلاد و يذهبون، لا، بل هناك من الذين غادروا إلى الخارج يعودون و تتوفر لهم الإمكانيات و العمل.ذكر أحد الأصدقاء قضية الهجوم على الحي الجامعي. لقد تابعت هذه القضية و أتابعها. نعم، كانت القضية تسير ببطء و لم تتقدم كثيراً، و يجب أن تتقدم و سوف تتقدم إن شاء الله، و لكن لا تتصوروا أنها قضية قد نسيت، لا، لم تنس هذه القضية. المشكلات كثيرة و الأعمال كثيرة. و قد لا تكون لبعض الأجهزة حوافز قوية على التعاون في هذا المجال، لذلك تسير الأمور ببطء، لكنها سوف تتقدم إن شاء الله.يقال إن هناك تعاملاً أمنياً و انضباطياً في الجامعات. أنا لا أدري أية تصرفات أمنية و انضباطية شديدة حصلت في الجامعات، لكنني أدري أن الانضباط بالتالي ضروري في الجامعات. و لا أدري هل حصل في حين من الأحيان تشدد بمقدار ما في باب تكريس الأنضباط - ربما حصل - لكن الانضباط ضروري على كل حال، و الأمن ضروري. لا يمكن ترك البيئة الجامعية لحالها. البيئة الجامعية مستهدفة بالكثير من مؤامرات الأعداء. اعلموا ايها الطلبة الجامعيون أنكم تقعون داخل تلك الدائرة الحمراء المستهدفة. في بعض الصور أو الأفلام حينما يريدون تشخيص منطقة أو نقطة معينة يضعون حولها دائرة حمراء. و قد وضعكم العدو داخل الدائرة الحمراء أيها الطلبة الجامعيون. بل إن الكثير من خططه مُعدّة لكم، لأجل إيقاعكم في الزلل و الانحراف و اللاأبالية و عدم الاكتراث لمصير البلاد و مصالح الثورة. كيف يمكن غض الطرف عن الجامعات و عدم التفكير فيها؟ ينبغي الاهتمام بها على كل حال. نعم، نعتقد أن التطرف و الإسراف في أي شيء حالة غير جيدة، و من ذلك التطرف و الإسراف في هذا المجال.قال أحد الأعزاء يجب أن لا تكون الأفكار و العلوم شيئاً تكليفياً رسمياً مفروضاً. و أنا لا عهد لي بمثل هذا الشيء. ليست الأفكار و لا العلوم رسمية في مجتمعنا. يجب أن يشخصوا أين و متى كانت الأفكار أو العلوم رسمية مقننة. أنا أحد الذين يكافحون هذه الحالة. إننا نناصر التفكير الحر. و أقول لكم طبعاً، التفكير الحر ليس مكانه في التلفاز، إنما في الجلسات التخصصية. تعقدون مثلاً جلسة تخصصية طلابية حول القضية السياسية الفلانية و يجتمع شخصان أو خمسة أشخاص أو عشرة أشخاص هناك و يتناقشون. هذا هو التفكير الحر. كذلك الحال بالنسبة للنقاش حول المعارف الإسلامية، و كذلك بالنسبة للنقاش حول المدارس العالمية المختلفة. و كذلك بالنسبة للنقاش حول قضية علمية معينة. إذن، الجلسة يجب أن تكون جلسة تخصصية. و إلا إذا تناقش شخصان في الجلسات العامة و في الإذاعة و التلفزيون فلن يتفوّق الذي معه الحق بالضرورة، إنما يتفوّق الذي يمتلك أدوات القضية أكثر و يستطيع أن يمثّل أحسن، و القضية هنا كقضية صورة الأفعى و اسم الأفعى. قال: أي هذين أفعى؟ فأشار الناس إلى صورة الأفعى و قالوا: واضح أن هذا هو الأفعى. عليه يجب أن يكون هناك تحرر فكري ملائم لكل قضية في الجلسات التخصصية. الأجواء العامة ليست مكان هذه النقاشات و المناظرات. و ليس معنى هذا أنها أمر مفروض، لا، تطرح بالتالي الأفكار الحقة »ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...«.(4) لماذا هذه الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن؟ »ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ«. أي إن مسألة الدعوة إلى الله مبدأ موضوعي مسبق. و كذا الحال بالنسبة لكل شيء. الدعوة يجب أن تتم بلغة صحيحة و سليمة، و لكن يجب أن يكون اتجاه الدعوة معلوماً. لا معنى لأن يترك الإنسانُ اتجاهَ الدعوة حراً. فهذا سيؤدي إلى ضلال الناس. و الذي يجب هو هداية الناس. ألا تقولون إن الحكومات مسؤولة عن هداية الرأي العام؟على كل حال كانت نقطة جيدة ذكرت. لقد أثار الأعزاء نقاطاً جيدة و الحق يذكر. قال أحد الأعزاء إن قلوبنا دامية من المحيطين برئيس الجمهورية. لا قدّر الله أن تكون قلوبكم دامية، لكنني أقول لكم ليست هذه من القضايا الأصلية المصيرية. قد تكون بعض الإشكالات و المؤاخذات واردة - لا أريد إصدار أية أحكام أو تقييمات في هذا الباب - و قد يكون للبعض مؤاخذاتهم على شخص أو عمل معين، و لكن يجب أن نتفطن و لا نخلط بين القضايا الفرعية و الأصلية. يجب أن لا تحتل قضايا الدرجة الثانية مكان قضايا الدرجة الأولى في تحفزنا و هممنا و طاقاتنا. هذا ما أريد أن أقوله فقط، و إلا لا اعتراض عليكم على حبكم لزيد أو عمرو و لا على عدم حبكم لزيد أو عمرو. لا، قد تحبونهم و قد تكرهونهم - لا إشكال في ذلك - و لا اعتراض على مؤاخذتكم هذه إذا طرحتموها بعض الأحيان بطريقة تخلو من المفسدة. هذا أيضاً لا إشكال فيه برأيي. و لكن دققوا فقط أن لا تحتل هذه القضايا مكان القضايا الأصلية. قضايانا الأصلية شيء آخر.أثيرت قضية تأميم الاقتصاد و المادة 44 و ما شاكل. يدعي السادة أنهم ينفذون المادة 44 بطريقة جيدة. طبعاً ثمة مخالفون يعارضون - سواء في المجلس أو في غير المجلس - و يقولون إن المادة 44 لم تطبق بنحو جيد. لكن مسؤولي الأجهزة أنفسهم يقولون لا، إننا نعمل على تنفيذها بشكل جيد. اعتقد أن هذا أيضاً من الأسئلة التي يجدر أن تطرح و يأتي المسؤولون في المحافل الطلابية الجامعية و يذكروا للطلبة إن كانوا قد قاموا بشيء فعلاً، و يحاولوا إقناع أذهان الشباب، و إذا لم يستطيعوا إقناعهم فليعيدوا النظر في أعمالهم على كل حال.أشكلتم على الإذاعة و التلفزيون و إشكالكم وارد. أشكلتم على علنية الخلافات بين المسؤولين و إشكالكم وارد. أنا أيضاً لدي نفس هذا الإشكال على السادة و قد ذكرت هذا الإشكال لهم و عاتبتهم و أبديت استيائي.طرحتم قضية التجمع أمام مجلس الشورى، و أنا طبعاً لا أبدي أي رأي في هذا الخصوص، لكني أقول فقط إنكم تكثرون العتاب على المسؤولين لأنهم لا يتقبلون النقد. طيب، تقبلوا النقد أنتم أيضاً! ليس تقبل النقد شيئاً خاصاً بالمسؤولين. إذا كانت هناك نقود على الطالب الجامعي فيجب أن يتقبّل النقد. جاء عدد كبير مقابل المجلس و رفعوا شعارات و لم تكن شعاراتهم سيئة، لكن البعض اطلقوا شعارات شديدة. لا أقول طبعاً أن أولئك أناس سيئون منحرفون، لا، لكنهم تشددوا و تطرفوا على كل حال و هم شباب. و لكن إذا كنتم تعتقدون أنتم أيضاً أن تلك الشعارات متطرفة و زائدة فكان الحق أن لا تقبلوها. يجب أن لا نعارض كل من ينتقد الطلبة الجامعيين. قد تكون بعض النقود واردةً فيكم فتقبلوها.قالوا لنعمل على مسألة الولاية، شيء جيد جداً. و قد أدلوا بإيضاح حول مسألة (ضيافة الفكر) سرّني كثيراً. و أرحب كذلك بقولهم إنه تم إعداد خارطة علمية شاملة للبلاد تختلف عن الخارطة الموجودة. يجب أن يوصلوا لنا هذه الخارطة بالتأكيد. سوف يسجل مكتب علاقاتنا الجماهيرية إن شاء الله اسم هذا السيد و يأخذ الخارطة منه. و المخيمات الطلابية الجامعية بدورها شيء جيد جداً، و أوافق اللقاء أيضاً.لقد سجّلت هنا بعض النقاط لكن الوقت قليل للأسف. لكنني أقول: إحذروا في التنظيمات الطلابية الجامعية من أن يؤدي اختلاف الأذواق إلى الانشقاق في داخلها أو إلى المماحكات و الصدامات مع غيرها من التنظيمات في الخارج. هذه من المصاديق البارزة للوحدة التي نوصي بها و ندعوا إليها. الشيء الذي يفصل بين الأشخاص أو يقربهم إلى بعضهم هو الأصول و المباني المعرفية. حينما لا يكون ثمة اتفاق على هذه المباني فسوف يفصل ذلك بين الأشخاص، و لكن حين يكون هناك اتفاق على المبادئ و الأصول و المباني فسوف يربط هذا الاتفاق بين الأفراد و الشخوص. أما الأذواق فلأن لكلٍّ ذوقه، أحدهم طالب هندسة، و الآخر طالب فن، و الثالث طالب طب - هذه ثلاثة أذواق - و في كل واحد منها أطياف واسعة من الأذواق و الميول المختلفة. أحدهم يعجبه شيء، و الآخر لا يعجبه.. لا تجعلوا هذه الأشياء سبباً للانفصال فيما بينكم. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية في رأيي.النقطة الثانية: في القضايا ذات الصلة بمصير البلاد يجب أن يكون لكم بالتأكيد موقفكم و تحليلكم. بيان طهران كان قضية مهمة، فما هو تحليلكم لبيان طهران؟ و ما هو موقفكم؟ هل توافقونه؟ أم تعارضونه؟ صدر قرار مجلس الأمن رقم 1929 ضد الجمهورية الإسلامية، أو الحظر الأحادي الجانب لأمريكا و أوربا ضد إيران، فما هو تحليلكم لهذه القضية؟ هذه ليست بالقضية الصغيرة. ما هو موقفكم منها؟ و ما الذي يجب أن تفعله إيران؟ لأنهم يقطبون حواجبهم و يفرضون الحظر و يكشرون عن أنيابهم يجب أن نرفع أيدينا أمامهم؟ أم نتنازل بعض الشي؟ هل هذا هو تحليلكم؟ في داخل بلادنا ثمة جماعة سياسية هذا هو تحليلها. يقولون حينما يبدي الطرف الآخر وجهاً عبوساً قمطريراً بشدة فعليكم التراجع! طيّب، هل توافقون هذا الرأي؟ هل نتراجع؟ أم لا، تعتقدون أن أي تراجع سوف يشجع الطرف الآخر. بمجرد أن رأوا أنكم خفتم من وجوههم المكفهرّة و تقطيبهم سيقولون: إذن علينا التقطيب، فعلاج هؤلاء هو التقطيب. بمجرد أن يجدوا أن التهديد بالضرب أو الضرب نفسه يفرض عليكم التراجع، سيقولون لنضربهم أكثر حتى يتراجعوا عن كل كلامهم. هكذا هو الجانب الآخر، و هذه هي الحسابات في العالم.النقطة الأخرى التي أردت تذكيركم بها أيها الأعزاء هي: أيها الإخوة و الأخوات، انظروا لتعزيز المباني المعرفية بجد. طبعاً، حينما أنظر اليوم أجد أن الاهتمام بالمباني المعرفية بين الطلبة الجامعيين قد تعزز و تكرس بالمقارنة إلى ما قبل سبعة أو ثمانية أعوام حينما كانت جلسات شهر رمضان تنعقد هنا و يأتي الأعزاء و يتحدثوا. و بعض الآراء و التصريحات التي تطرحونها تدل على قوة هذه المباني في الأذهان. هذا ما يفهمه الإنسان، لكن على مجموعة التنظيمات أن تهتم اهتماماً جدياً بتعزيز المباني المعرفية حتى تنتشر هذه المباني من التنظيمات إلى خارجها و تتفشى بين كل الطبة الجامعيين. تقوية المباني المعرفية أمر ضروري جداً. ضعف هذه المباني يسبب أضراراً كبيرة للمنظومة الطلابية في البلاد و لكل التنظيمات.النقطة الأخرى هي أن على كافة التنظيمات تعزيز ارتباطها بعموم الطلبة الجامعيين. اعتقد أنكم يجب أن لا تغفلوا عن عموم الطلبة الجامعيين. قالوا إن مخيمات الضيافة هذه تقام، و هذا شيء جيد. هذه من سبل التواصل مع عموم الطلبة الجامعيين. لكني اعتقد أن التواصل مع عموم الطلبة الجامعيين و كذلك التواصل مع الأساتذة المتدينين أمر مهم على امتداد السنة و في المناسبات المختلفة.و تحدثت اثنتان من السيدات هنا حول العلوم الإنسانية. و هو حديث صحيح. و الإشكالات واردة. هذا هو كلامنا. هذا ما أصبو إليه و قد طرحته قبل سنة أو سنتين. طبعاً ما قلناه نحن معناه أن يسعى الأساتذة و الخبراء و الباحثون و المحققون إلى تدوين علوم إنسانية تتطابق مع المباني الإسلامية. أي علوم إنسانية غير مبتنية على أساس الفلسفات المادية الخاطئة المغلوطة، كما هي العلوم الإنسانية الغربية اليوم. إذا كانت العلوم السياسية أو الاقتصادية أو الفلسفة أو الإدارة أو غيرها من العلوم الإنسانية قائمةً على الرؤية المادية للعالم و مبنيةً على القيم المادية فلن نستطيع بالطبع تلبية احتياجات و متطلبات و مُثُل مجتمع مسلم مؤمن بالمعارف الإسلامية.و أقول في الخاتمة كلمة لكم أيها الإخوة و الأخوات. اعلموا يا أعزائي أن وتيرة التقدم في البلاد و على مختلف الصعد وتيرة جيدة و إيجابية لحسن الحظ. و مسيرة العدالة أيضاً جيدة. لقد سمّي هذا العقد عقد التقدم و العدالة. و حين نقول التقدم نقصد التقدم العلمي و التقني و السياسي و الأخلاقي.. نقصد كل هذه المجالات. يتم إنجاز أعمال جيدة.. على الأقل يجري توفير البنى التحتية للمشاريع و القفزات الكبيرة. و بخصوص العدالة فإن هذه الفكرة آخذة بالأنتشار و الشياع على الأقل. بمعنى أن الجميع يعتقدون أنه لا بد من السعي لتحقيق العدالة و تطبيقها. و تنفيذ هذه المطامح و نقلها إلى حيّز التطبيق - و قد كانت هناك إشارات لذلك في أحاديث الأعزاء - هذا بحد ذاته تقدم. و هذا لا يعني بالطبع أننا قانعون بهذا القدر من التقدم في مضمار العدالة، لا، المطامح و الهمم عالية جداً.. لكننا نريد أن نقول لكم إننا نتقدم إلى الأمام. و مؤشر أعدائنا نحو الانحدار و الضعف، و مؤشرنا نحو القوة و الرقي. النظام الطاغوتي الرأسمالي المعتدي الظالم في العالم - و مظهره نظام الولايات المتحدة الأمريكية - أضعف اليوم بكثير مما كان عليه قبل عشرة أعوام و عشرين عاماً. و في المقابل، فإن الفكر الإسلامي و نظام الجمهورية الإسلامية أقوى اليوم بكثير مما كان عليه قبل عشرة أعوام و عشرين عاماً، و أكثر تقدماً و جاهزية.و شبابنا اليوم أيضاً أفضل مما كان عليه الوضع قبل عشرة أعوام و أكثر جاهزية و استعداداً بكثير. الشباب المؤمن قبل عشرة أعوام يعملون اليوم في الكثير من مجالات الحياة. و عليكم أنتم أيضاً إن شاء الله أن تعملوا في المستقبل في شتى ميادين البلد و أصعدته. أعدّوا أنفسكم للامتحانات الصعبة. إننا نتقدم إلى الأمام. هذه الأعوام الإحدى و الثلاثون أو الاثنان و الثلاثون التي تصرّمت من عمر نظام الجمهورية الإسلامية كانت أعواماً من التقدم إلى الأمام على الرغم من العداء الذي أبداه الأعداء. أعداؤنا اليوم ليسوا أقوياء بمقدار ما كانوا عليه قبل ثلاثين سنة. أمريكا حالياً ليست بنفس درجة قوتها التي كانت عليها قبل ثلاثين سنة. قلتُ يومها في جماعة المسؤولين و المدراء و هذه هي عقيدتي، و كل الدلائل و الشواهد تثبت ذلك.. أمريكا في حكومة ريغان كانت أقوى من أمريكا في عهد حكومة أوباما، و قبل أوباما بوش الصغير! هذا هو الواقع.. لقد ساروا نحو الضعف. و لا توجد أية مؤشرات على ارتفاع هذا الخط البياني مجدداً، بل على العكس توجد دلائل عديدة على ارتفاع مؤشر رقي الشعب الإيراني و النظام الإيراني و بوتائر سريعة إن شاء الله.اللهم اشمل هذه القلوب المؤمنة و الشابة برحمتك و عنايتك. ربنا اجعل ما قلناه و سمعناه لك و في سبيلك و تقبله منا بكرمك. اللهم اجعل حياتنا لك و للإسلام و موتنا لك و للإسلام. ربنا لا تفصل بيننا و بين أوليائك و أحبائك و أصفيائك. أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر. أرضِ عنا الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و الأرواح المطهرة لشهدائنا الأبرار. قرّب قلوب هؤلاء الإخوة و الأخوات الطلبة الجامعيين أكثر فأكثر باتجاه الاتحاد و في سبيل الحق و في سبيلك.و السلام عليكم و رحمة الله.الهوامش:1 - نهج البلاغة، الخطبة 27.2 - سورة العنكبوت، الآية 45.3 - سورة آل عمران، الآية 155.4 - سورة النحل، الآية 125. 
2010/08/22

كلمته في لقائه مسؤولي الدولة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.في الأدعية التي وردت في الصحيفة السجادية المباركة، أو بقية الأدعية المأثورة حول شهر رمضان هناك بعض الصفات لهذا الشهر كل واحدة منها جديرة بالتأمل و التدبر: «شهر التوبة و الإنابة». و سوف أذكر بعض النقاط لاحقاً حول التوبة و الإنابة. «شهر الإسلام» الصفة الواردة في دعاء من الصحيفة السجادية المباركة. و المراد بالإسلام ما ورد في الآية الشريفة: «و من يسلم وجهه إلى الله و هو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى» (1). إسلام الوجه لله، أي تسليم القلب و الروح و الرضوخ مقابل الإرادة الإلهية و الحكم الإلهي و الشريعة الإلهية. «شهر الطهور»، و الطهور بمعنى المطهِّر، أي إنه الشهر الذي يوجد فيه عنصر مطهِّر يمنح الإنسان الطهارة و النقاء. أو يذكر على أنه مصدر بمعنى التطهُّر من الأدران و الشوائب. «شهر التمحيص» و التمحيص بمعنى الخلوص. حينما يوضع المعدن المشوب بمعادن من جنس آخر في الأتون - الذهب مثلاً - يسمّون هذا تمحيصاً، بمعنى فصل الذات الإنسانية الطاهرة عن الأدران و الشوائب و الأوساخ. هذه خصوصيات ذكرت لهذا الشهر.يلوح للمرء أن شهر رمضان بين أيام السنة و شهورها بحكم أوقات الصلاة في اليوم. فكما وضعت الشريعة الإسلامية المقدسة بعض الفرص لنا نحن المصفّدين بعوامل المادة كي نصلي فيها - وقت الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء، و هي كأجراس التنبيه، الغرض منها الاختلاء بالذات لتحقيق النورانية في القلب و الروح.. وضعوا لنا أوقات الصلاة على امتداد الليل و النهار، لكي لا نغرق في الماديات، و لكي نخرج للحظة من أسر الماديات و نستعيد أنفاسنا و نعود إلى المعنوية و لا نغرق تماماً في الماديات - يبدو أن شهر رمضان له على امتداد العام مثل هذا الوضع. إنه مجال لسحق إنانية الروح الإنسانية، و فرصة لتحرير النفس من أغلال العوامل المادية المحيطة بنا، و استعادة أنفاسها و تنويرها عبر هذه الرياضة الطويلة لمدة شهر. وضع الشارع المقدس شهر رمضان لهذا السبب. هذه فرصة.من بين الخصوصيات المذكورة - و كلها مهمة طبعاً - لفتت انتباهي و أذكرها لكم الآن باعتباركم مسؤولي البلاد صفة «شهر التوبة و الإنابة». إنه شهر التوبة و شهر الإنابة. التوبة بمعنى العودة عن طريق خاطئ و عمل خاطئ و فكرة خاطئة. و الإنابة بمعنى العودة إلى الله. التوبة و الإنابة يحتويان في داخلهما بشكل طبيعي على معنى. حين نقول إننا نعود عن طريق خاطئ فمعنى ذلك أن نعرف النقطة الخاطئة و الطريق الخطأ، و هذا على جانب كبير من الأهمية. إننا حينما نسير، غالباً ما نغفل عن أعمالنا و أخطائنا و تقصيراتنا، و لا نتنبه للإشكالات التي تشوب أعمالنا. و الأنا أو الذات هنا هي الذات الشخصية أحياناً، و الذات الجماعية أحياناً، و قد تكون الشعب أو الحزب أو التيار أو الفئة السياسية. كل ما يرتبط بالإنسان يغفل الإنسان غالباً عن عيوبه، لذلك يجب على الآخرين ‌أن يذكروا لنا عيوبنا. و لو أدركنا عيوبنا بأنفسنا و أصلحناها لما جاء الدور للآخرين و لما كانت هناك حاجة لأن يذكرها لنا الآخرون. التوبة و الإنابة المذكورة خطوتها الأولى هي التفطن للعيب الذي يشوب عملنا، و أن نفهم أين يوجد إشكال في ما نقوم به، و أين هي أخطاؤنا و أين هي ذنوبنا و تقصيراتنا. يجب أن نبدأ من أنفسنا لنصل بعد ذلك للدوائر الاجتماعية الأوسع. يجب أن نحاسب أنفسنا أولاً و نرى أين وقعنا في الخطأ. هذا من واجبنا جميعاً. ابتداء منا نحن البشر العاديين الكثيري الذنوب و التقصير و الأخطاء إلى الأفراد المميزين و إلى عباد الله الصالحين و إلى أولياء الله، أولئك أيضاً على هذه الشاكلة، و هم أيضاً بحاجة للاستغفار و التوبة. ثمة رواية عن نبي الإسلام الكريم (صلى الله عليه و آله و سلم) يرويها الشيعة و السنة على السواء.. روي عنه أنه قال: «إنه ليغان على قلبي».. أي إن قلبي ليعلوه الغبار و الغيوم. «يغان» من «الغين»‌ و الغين هنا «الغيم» بمعنى السحب، كما لو تحجب الغيوم الشمس و القمر. إنها حالة حالكة نسبية و احتجاب التألق. يقول (ص): «ليغان على قلبي».. أحياناً تنتاب قلبي حالة تراكم الضباب و الغيوم. «و إني لأستغفر الله كل يوم سبعين مرة». الرسول يقول هذه العبارة.. تلك الروح الملكوتية و الذات الطاهرة. و في رواية‌ أخرى - و هي من طرقنا - جاء أنه «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة». و التعبير هنا هو التوبة. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن الرسول كان يتوب إلى الله كل يوم سبعين مرة «من غير ذنب». النبي معصوم فمن ماذا يتوب؟ يقول المرحوم الفيض (رحمة الله عليه): «إن ذنوب الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام ليس كذنوبنا، بل إنما هو ترك دوام الذكر، و الاشتغال بالمباحات». قد تعرض للنبي و الولي في الأزقة و الأسواق و الحياة العادية لحظات غفلة، و هي الشيء‌ الذي يشكل الغالبية من حياتنا، قد تعرض له هذه الحالة للحظة واحدة فينشغل بأمر مباح، فيكون هذا مدعاة استغفار للنبي. إذن، هذا الأمر لا يختص بنا، إنما هو للجميع.و هذا الأمر أوجب و أهم للمسؤولين. فأنا و أنتم الذين نتحمل مسؤوليات، أو لنا تأثير في جانب من شؤون البلاد، و لنا نفوذنا في مجال اجتماعي معين، مسؤولياتنا في الاستغفار و التوبة و الإنابة إلى الله أكبر و أثقل، يجب التدقيق و حذر جداً. أحياناً قد تحصل مخالفة في المؤسسة التي نتولى مسؤولياتها، فإذا كانت هذه المخالفة مرتبطة بنا بشكل من الأشكال نكون نحن المسؤولين عنها، كأن نقصر مثلاً في الإبلاغ أو في اختيار الأشخاص أو في التصدي للمخالفات فيؤدي ذلك إلى وقوع تلك المخالفة. «قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة» (2).إذن، النتيجة هي أن علينا المراقبة في حدود مقدرتنا خلال شهر رمضان، و أن نصحح سلوكنا و أفكارنا و أقوالنا و أعمالنا. و نبحث عن الإشكالات فنرفعها. في أي اتجاه يجب أن يكون هذا التصحيح؟ في اتجاه التقوى. يقول سبحانه في آية الصيام الشريفة: «لعلكم تتقون» (3). فالصيام من أجل التقوى. إذن، السعي و الجهد في شهر رمضان المبارك إنما هو من أجل التقوى.حول التقوى سجلت هنا جملة أذكرها. حينما يقال التقوى و الورع ينصرف بال الإنسان لمراعاة ظواهر الشرع و المحرمات و الواجبات الظاهرية. كأن نصلي و ندفع الحقوق الشرعية و نصوم و لا نكذب. و هذه مهمة‌ طبعاً، كلها مهمة، لكن للتقوى أبعاداً أخرى غالباً ما نغفل عنها. ثمة‌ في دعاء مكارم الأخلاق الشريف فقرة توضح هذه الأبعاد: «اللهم صلّ على محمد و آله و حلني بحلية الصالحين و ألبسني زينة المتقين» (4). يطلب من الله تعالى أن يا إلهي حلني بحلية الصالحين و ألبسني زينة المتقين.. حسناً، فما هو لباس المتقين؟ بعدها يقدم هذا الشرح الملفت: «في بسط العدل»، أي إن لباس المتقين هو بسط العدل، و «كظم الغيظ و إطفاء النائرة».. أي السيطرة على الغضب و إخماد نيران العداوات و الأحقاد التي تنشب بين أفراد المجتمع.. هذه هي التقوى. «و ضمّ أهل الفرقة»، محاولة جمع و اجتذاب من هم منكم لكنهم انفصلوا عنكم. هذه من مصاديق التقوى التي وردت في دعاء مكارم الأخلاق الشريف، الدعاء العشرين من الصحيفة السجادية المباركة. هذا الدعاء دعاء مهم جداً. أعتقد أن على الجميع و خصوصاً المسؤولين أن يقرأوا هذا الدعاء و يدققوا في مضامينه، ففيه قيمة تعليمية كبيرة. «و إصلاح ذات البين».. بدل تأجيج النيران و الدس و النميمة و إذكاء العداوات يتحتم العمل على إصلاح ذات البين و إفشاء الألفة بين الإخوة المؤمنين المسلمين. هذه هي التقوى.لاحظوا أن هذه كلها من قضايانا المعاصرة. إفشاء‌ العدالة، العدالة القضائية، العدالة الاقتصادية، العدالة في الاختيار و الانتقاء، و العدالة في توزيع المصادر و الفرص في البلاد بين الجماعات، و العدالة الجغرافية، هذه قضايا على جانب كبير من الأهمية. و هي جميعاً من احتياجاتنا. نشر العدالة أعلى مراتب التقوى. أنها فوق الصلاة الجيدة و فوق صيام يوم حار في الصيف. ثمة‌ رواية‌ تقول: أي أمير - و الأمير هو أنتم جميعاً بمعنى: أي شخص له مؤسسة أو جهاز يحكمه و تكون أوامره هناك نافذة - يحكم بالعدل يوماً كأنما عبد الله سبعين سنة. هذه قضايا على جانب كبير من الأهمية، و تشير إلى أهمية العدالة و السلوك العادل.كظم الغيظ حيال الأصدقاء. الكلام هنا عن الأصدقاء. و بالطبع يجب الغيظ أمام الأعداء. «و يذهب غيظ قلوبهم» (5)، الغيظ أمام العدو الذي يعارض هويتكم و وجودكم غيظ مقدس و لا إشكال فيه. إنما يجب عدم الغيظ حيال جماعة المؤمنين، و بين من نكلف بالسلوك الإسلامي معهم. الغضب يضرّ بالإنسان. اتخاذ القرارات عن غضب مضرّ، و الكلام بغضب مضرّ، و العمل بغضب مضر و غالباً ما تقع فيه أخطاء و اشتباهات. و هي حالة نبتلى فيها بكثرة للأسف. الحؤول دون هذا الغضب،‌ الغضب المفضي للانحراف، يؤدي للوقوع في الأخطاء الفكرية‌ و العملية. من مصاديق التقوى «كظم الغيظ».و الأمر الآخر هو «إطفاء النائرة». البعض يثيرون و يؤججون نيراناً سياسية و فئوية. و البعض كأنما هم مكلفون بهذا. أرى في داخل البلاد أن البعض كأنهم يريدون إشعال نيران العداء و الخلاف بين العناصر و التيارات المختلفة و الأفراد من كل التيارات و الاتجاهات. و كأنما تأجيج هذه النيران حالة‌ تروقهم. هذا بخلاف التقوى. التقوى هي إطفاء النائرة. كما تطفئون النيران في الأماكن المادية يجب أن تطفئوا النيران في المناخات الإنسانية و المعنوية و الأخلاقية. و كذلك:‌«و ضمّ أهل الفرقة».ذكرنا سابقاً الاستقطاب الأقصى و الدفع الأدنى. طبعاً المعيار و الميزان هو الأصول و القيم. و الأفراد ليسوا في مستوى واحد من حيث الإيمان. ثمة بيننا أفراد ضعفاء الإيمان و هناك أفراد أقوياء الإيمان. علينا أن نجد الطريق. لا يمكن دفع ضعيف الإيمان، و لا يمكن التركيز فقط على أقوياء الإيمان، لا، ينبغي أخذ ضعفاء الإيمان أيضاً بنظر الاعتبار. الذين يعتبرون أنفسهم أقوياء يجب أن يلاحظوا الذين يعتبرونهم ضعفاء و يراعونهم و لا ينفروهم و لا يدفعوهم. الذين هم ضمن المجموعة لكنهم انفصلوا نتيجة خطأ أو غفلة يجب على الأقوياء أن يستقطبوهم و ينصحوهم و يدلوهم على الطريق و يعيدوهم إلى المجموعة. هذه من الأمور الأساسية.إذن، هذه هي التقوى، و هذه هي طرق التوبة و الإنابة «شهر التوبة و شهر الإنابة». و لكن الملفت هنا أن صيام هذا الشهر عملية جماعية و ليست فردية. أي إننا جميعاً صائمون، و كلنا نعيش هذا الشهر، و كلنا جلوس على هذه المائدة.. جميع أفراد المجتمع الإسلامي و الأمة الإسلامية. حينما ترون العمل بهذه النصائح و هذه التوصيات المهمة في الكتاب و السنة، إذا اعتبرنا أنفسنا جميعاً مخاطبين بهذه التوصيات فلاحظوا ما الذي سيحدث في العالم الإسلامي. و في إطار أضيق ما الذي سيحدث في البلاد. ينبغي معرفة قدر هذا الشهر. و معرفة قدره بأن نجعله فعلاً شهراً للتوبة و الإنابة و التطهير و التمحيص. يجب أن نسير بهذا الاتجاه. طيب، هذا هو الشيء الرئيسي الذي أردنا أن نقوله في هذه الجلسة.حول القضايا الحالية في بلادنا قدّم السيد رئيس الجمهورية تقريراً جيداً و مفصلاً و مفيداً. لو أردنا أن نحلل القضايا الراهنة في بلادنا تحليلاً صحيحاً و لا نقع عند تحليلنا في خطأ يجب أن نبدأ من أن هناك اصطفافاً قديماً بين إيران الإسلامية و بين مجموعة معينة. و قد مضى على هذا الاصطفاف و المعارضة و النزاع واحد و ثلاثون عاماً، و الأمر ليس بالجديد. و طبعاً شهدت الجبهة المقابلة لنا بعض التغييرات، لكننا لم نتغير، إذ لا زال كلامنا نفس الكلام و أصولنا نفس الأصول و طريقنا نفس الطريق. إننا نسير بسرعة على الخط الذي اخترناه. و قد شخصنا أهدافنا. و قد كانت هذه الأهداف معلومة و محددة منذ البداية في كلام الإمام الخميني و في أسس الثورة. إننا نتقدم إلى الأمام بقدر المستطاع. لكن الجبهة المقابلة شهدت تغييرات معينة. هناك فيها زيادة أو نقصان. كان هناك بعض الأشخاص خرجوا و دخل أشخاص لم يكونوا في الداخل. تلوح في هذا الاصطفاف حالياً ظاهرتان. الظاهرة الأولى هي أن الطرف المقابل لنا أو الجبهة المقابلة لنا أصيبت بالضعف قياساً إلى السابق. بمعنى أن حركة الجبهة المقابلة كانت باتجاه الانحدار و الضعف. و الظاهرة الثانية هي أن جبهتنا اتجهت نحو القوة. أي إن حركتنا كانت باتجاه القوة. و هاتان الظاهرتان يمكن البرهنة عليهما و ليستا من قبيل الكلام الشعاري، إنما هما كلام يرتكز إلى الواقع.أذكر نقطة حول الجبهة المقابلة. ما معنى الجبهة المقابلة؟ إعلام هذه الجبهة يطلق على نفسه اسم المجتمع العالمي. و هذه كذبة كبيرة. أنهم ليسوا المجتمع العالمي بحال من الأحوال. إنهم عدد قليل من البلدان، و المحور الرئيس للأعداء هو الكيان الصهيوني و بلد الولايات المتحدة الأمريكية، و البقية إما تابعون في سياساتهم، أو متحرجون، أو يعانون من الضعف المفرط و لا يستطيعون فعل شيء. و ليس هناك عدد كبير يجتمع حول هذين المحورين، لا اليوم و لا في السنوات الماضية.حسناً، ما هو الملاك الذي يجعلنا نعتبر هاتين الحكومتين أو هاتين المنظومتين معارضينا الأصليين في هذا الاصطفاف؟ و ما هي هذه المعارضة؟ لاحظوا، هناك نوعان من المعارضة، المعارضة الجذرية و المعارضة السطحية. الخلافات السطحية مثالها الخلافات حول الحدود و الأراضي، أو حول الشؤون التجارية، أو حول بعض السياسات بين بلدين. و المعارضات الجذرية معارضات تتعلق بالوجود، أي إنها معارضات بين بلدين يرفض كل منهما وجود البلد الآخر. و هذا هو وضعنا بخصوص الكيان الصهيوني. إننا لا نوافق وجود الكيان الصهيوني و نعتقد أنه كيان مزيف و مفروض، و عارض قبيح في طبيعة الشرق الأوسط، و هو عارض سوف يرتفع بلا شك، أي لا مراء في أنه سوف لن يبقى. على كل حال نحن نرفض هويته و وجوده. و الكيان الصهيوني بدوره يرفض وجود النظام الإسلامي. يحبون إيران إذا كانت خاضعة لسيطرة نظام طاغوتي، لكنهم يعارضون النظام الإسلامي بشدة. هذه هي المعارضة الجذرية.و بخصوص أمريكا فإن نظرة الولايات المتحدة الأمريكية للنظام الإسلامي من نوع النظرة التي ترفض الوجود أساساً. هذا ما أدركناه بالكامل طوال هذه الأعوام. طبعاً هم يقول إننا لا نرفض الوجود و لكن نطالب بتغيير السلوك. و تغيير السلوك الذي يتحدثون عنه، رغم أنهم يصرون عليه دوماً، معناه رفض الهوية. بمعنى تغيير السلوكيات الأصلية التي تمثل مؤشرات الحالة الإسلامية. و نحن أيضاً نظرتنا لأمريكا رفض الوجود الاستكباري، و إلا فالنظام الأمريكي و الحكومة الأمريكية بلد مثل باقي البلدان و حكومة‌ مثل باقي الحكومات. الحالة الاستكبارية لدى أمريكا و هيمنتها العالمية و تفرعنها مرفوض من قبلنا. و هذه هي المعارضة الجذرية. و هذه المعارضة الجذرية فعالة ناشطة أحياناً، و هادئة ساكنة في أحيان أخرى. و قد تكون هناك معارضة جذرية مع بعض البلدان الأخرى في العالم لكنها معارضة غير فعالة بل ساكنة لأسباب معينة. قد تكون لهم أسبابهم و قد تكون لنا أسبابنا. لكن المعارضة مع هاتين الحكومتين معارضة‌ فعالة. هذه هي إذن الجبهة المعارضة. و هي جبهة تسير نحو الضعف و الهبوط. بمعنى لو قارناها بما كانت عليه قبل ثلاثين سنة و لو قارنا وضعها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و نفوذها و تواجدها في العالم فسنرى بوضوح أنها آلت للضعف و الهبوط. و بهذا الخصوص ثمة هنا نقاط سجلتها:الجبهة المقابلة لنا محرومة تماماً من أي رصيد شعبي في العالم. أي إنكم لا تجدون أي بلد يناصر شعبه نظامَ الولايات المتحدة الأمريكية أو الكيان الصهيوني الغاصب. لا يتمتعون بدعامة و رصيد شعبي في أي مكان. حتى في البلدان التي تدافع‌ حكوماتها عنهم بعصبية نرى الشعوب تعارضهم، مع أن الكثيرين منهم غير مسلمين. و اليوم لاحظتم في الصحف. زار رئيس الكيان الصهيوني أحد البلدان الأوربية فتجمع الناس بالآلآف - كما جاء‌ في الأخبار - و قالوا له: أغرب و أخرج! و كذا الحال في كل مكان. أينما ذهبوا كانوا أمام هذه الحال. إذن، لا يتمتع هؤلاء بأي سند شعبي. و الكيان الصهيوني مفروغ منه، لكن النظام الأمريكي بكل قدرته و نفوذه السياسي و هيمنته وضعه هكذا أيضاً. أضف إلى‌ ذلك أن الجبهة المقابلة لنا مكروهة بين الشعوب. ليست عديمة‌ الأنصار و حسب، أنما هي مكروهة مبغوضة. يحرقون أعلامهم و يحرقون صورهم و يسحقون دُماهم. هذه هي حالهم.لديهم تجارب مرة من الأحداث العسكرية‌ الأخيرة. لأمريكا تجربة مرة في أفغانستان و في العراق، فقد أخفقوا هناك. و في قضية فلسطين لم تصل الأنشطة و المساعي السياسية الأمريكية لأية نتيجة. فقد أخفقوا هناك أيضاً. و الصهاينة تبينت هزيمتهم و كراهيتهم للجميع في حرب الـ 33 يوماً و في هجوهم على غزة.كما أن الوضع الاقتصادي للجبهة‌ المقابلة سيئ هو الآخر. رغم كل الجهود التي بذلوها لم يستطيعوا لحد الآن إزاحة كابوس الركود الاقتصادي و الوضع الاقتصادي السيئ. طبعاً يقولون إن هناك أعمالاً قد أنجزت لكن الأمر ليس كذلك، إذ لم يفعلوا شيئاً صحيحاً لحد الآن. لا يزالون تحت الضغوط الاقتصادية. و التدابير التي اتخذوها - ضخ الكثير من الأموال للمراكز المالية - لم تنفع شيئاً. لا يزالون في وضع اقتصادي سيئ جداً.و قد أخفقوا في سياساتهم الشرق أوسطية، سواء في فلسطين أو سورية أو لبنان. الأخطاء الفاحشة التي ارتكبوها أعجزت ساستهم عن اتخاذ القرارات و بقوا في حال من الحيرة. الحقيقة أن الأمريكيين لا يعلمون اليوم ما الذي يجب أن يفعلوه في أفغانستان و ما الذي سوف يفعلونه. ثمة‌ اختلاف بينهم. لا يستطيعون اتخاذ قرار يثقون أنه سيكون لصالحهم. إذا خرجوا من أفغانستان كان ذلك خزياً و تعاسة لهم بشكل من الأشكال، و إذا بقوا في أفغانستان كان ذلك سوء صيت و تعاسة لهم بشكل آخر. و مثل هذه القضية تصدق على حالهم في العراق أيضاً. لا يعلمون ما الذي يجب أن يفعلوه. يتدخلون و يعملون و لا يصلون إلى نتيجة. ثقة مسؤوليهم بأنفسهم اليوم أقل منها في السابق بكثير. قارنوا بين أمريكا اليوم و أمريكا في عهد ريغان في بدايات الثورة. الثقة بالذات التي كانت لهم في ذلك الحين غير متوفرة لدى ساستهم في الوقت الراهن. و القدرات التي كانت لهم يومذاك غير موجودة لدى الساسة الحاليين. و النفوذ الذي كان لهم آنذاك لا يتوفر لهؤلاء. إذن، العدو في سير منحدر، و هو اليوم في موقف ضعيف.و هذا الطرف من القضية، أو الظاهرة الثانية، على العكس. الجمهورية الإسلامية آخذة في السير بحركة تصاعدية. و المؤشرات نحو التطور و الصعود. و هذا هو الحال في جميع الجوانب و الميادين. واقعنا جيد جداً من حيث التقدم. ذكرت في اجتماع قبل فترة إحصاءات - و هي أحصاءات أجنبية طبعاً - أن النمو و التقدم العلمي في إيران أكثر من المتوسط العالمي بأحد عشر ضعفاً. و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. طبعاً ليس معنى هذا أننا وصلنا في تقدمنا العلمي إلى مستوى البلدان المتقدمة علمياً، لا، بل معناه أن حركتنا نحو الأمام حركة متسارعة، و هذه حالة كبيرة و قيمة جداً بالنسبة للشعب. إذا واصلوا هذا التقدم فسرعان ما سيصل شعبنا و شبابنا إلى المستويات التي يجب أن يصلوها. هكذا هو الحال في المجالات العلمية و في الميادين التقنية و في مجالات البناء و العمران في البلاد. قدم رئيس الجمهورية المحترم الآن إحصائيات - و هي صحيحة - تشير إلى وجود أعمال و مشاريع مميزة في البناء و العمران، و في قطاع الصناعة، و في قطاع الطاقة، و في الطرق و المواصلات، و في القطاعات المختلفة الأخرى. لقد حققنا تقدماً كبيراً بالقياس إلى ما قبل ثلاثين سنة حينما بدأنا، و حتى بالمقارنة إلى ما قبل عشرين سنة. لكن التقدم ليس في هذه المجالات المادية فقط، إنما هذا هو الحال في المجالات الاجتماعية و المعنوية أيضاً. معنوياتنا اليوم جيدة جداً. المعنويات في بلادنا عالية. شبابنا متحفزون مندفعون. و الساحة السياسية ساحة حماسية متوثبة.. حينما تقام انتخابات يشارك فيها أربعون مليوناً، و ينتخب خمسة و عشرون مليوناً.. هذه أحوال و ظواهر على جانب كبير من الأهمية. نعم، وقعت بعد الانتخابات عوارض مريرة، و كان لها أسبابها. لكل واحد من هذه الأحداث عوامله. بيد أن أساس هذه المشاركة الجماهيرية أمر كبير جداً و هو تقدم مهم للغاية. معارضونا كانوا يتوقعون بعد مضي ثلاثين عاماً على بدء الثورة - و قد كان لنا خلال هذه المدة ثلاثون انتخابات - أن يملّ شعبنا الانتخابات شيئاً فشيئاً، و تسقط الممارسة الانتخابية‌ من أعينهم، و لا يعود بهم ذلك الحماس و الاندفاع و الشوق للمشاركة في الانتخابات، و لكن كلا، كانت الانتخابات جادة و الحركة حركة عامة.. هذا تقدم.رصيد نظام الجمهورية الإسلامية في البلدان منقطع النظير. إلى أي بلد يسافر مسؤولونا الكبار اليوم يواجهون استقبال الجماهير و هياجهم. و هذا ما لا نظير له بالنسبة لأي بلد آخر. و هو أمر لا يختص بالوقت الحاضر فقد كان منذ بداية الثورة. إلى أي مكان يسافر مسؤولو البلاد و رؤساء الجمهورية يواجهون استقبال الجماهير في بلدان قد لا تكون لها معنا أية‌ أوجه اشتراك من حيث اللغة و العرق و المنطقة الجغرافية. يتجمع الناس هناك و يبدون حبهم.. الرصيد الشعبي لنظام الجمهورية الإسلامية إذا لم يكن اليوم أضخم من الأمس فهو ليس بأقل.أملنا بالمستقبل كبير. الإنجازات التي حققناها لم نكن نأمل أن نحققها بهذه السرعة. لكن الله تفضل و شبابنا اليوم ينجزون في المجالات العلمية و التقنية أعمالاً كانت بعيدة جداً عن أذهاننا نحن الذين كنا نفكر في المستقبل قبل خمسة عشر عاماً أو عشرين عاماً أو خمسة و عشرين عاماً، لكنها تحققت. هذا يضاعف أملنا بالمستقبل، و أملنا كبير. و تجاربنا السياسية موفقة. إننا على عكس الجبهة المقابلة التي كانت تجاربها مخفقة في الشرق الأوسط، حيث هزموا في العراق و هزموا في أفغانستان و هزموا في المناطق المختلفة، كانت تجاربنا ناجحة في أي مجال دخلناه. في هذه الأماكن التي ذكرتها، و في حدود مشاركة الجمهورية الإسلامية، حيث وجدت من واجبها أن تتخذ موقفاً أو خطوة، كان النجاح حليفنا. و هذا ما يعترف به الجميع. و منافسونا هؤلاء منزعجون جداً لذلك.و من نجاحاتنا أن أعداءنا اليوم محاصرون و مسجونون في سجن الكراهية العالمية. هذه من نجاحاتنا. إذن، هاتان الظاهرتان ملحوظتان. أي إن مؤشر الجبهة المقابلة في انحدار و مؤشرنا في ارتفاع. حينما تقارنون بهذه الطريقة و تنظرون لجميع قضايا البلاد من هذه الزاوية يمكنكم التحليل بصورة صحيحة.طيب، نحن نفكر في هذا الاصطفاف و نحلله و ندبر و نبرمج، و العدو كذلك بالضبط. العدو أيضاً يبرمج و يخطط للجمهورية‌ الإسلامية و لما يجب أن يفعله مع الجمهورية‌ الإسلامية و الضربات التي يريد توجيهها لها. العدو يبرمج ضدنا من منطلق الهجوم و من منطلق الدفاع أيضاً. و لدينا أيضاً برامجنا مقابل العدو. يجب أن نفهم هذه الأمور كلنا سوية، و يجب أن ننزل كلنا سوية إلى ساحة العمل و نتقدم، و قد كان هذا هو الحال لحد الآن و الحمد لله. أشير إشارة عابرة إلى ما يقوم به العدو. هذه هي خططه و برانجه: الضغط الاقتصادي، و التهديد العسكري، و الحرب النفسية للتأثير في الرأي العام داخل البلاد و على المستوى الدولي. هذه هي الأعمال التي يقومون بها. إيجاد خلل سياسي و أعمال تخريبية في الداخل. لا شك أنه توجد في الداخل مراكز تستلهم خطط الأعداء و توجهاتهم و تعمل بعض الأعمال «إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم» (6). هم و مراكزهم موجودون بلا شك. و إلى جانب كل هذا لا يتخلى الأمريكان عن شعار المفاوضات! و هناك الحظر الأحادي الجانب و القرارات و التهديدات العسكرية لكنهم يطرحون خيار المفاوضات أيضاً و يكررونه دوماً: نحن مستعدون للجلوس و التفاوض مع إيران! هذه هي تدابير الجبهة المقابلة لنا، أي تدابير أعدائنا في الحقيقة، و ليست أي منها بجديد. أعتقد أن من النقاط التي ينبغي التنبه لها هي أن هذه الأساليب ليس أي منها بجديد و غير مسبوق. الحظر الاقتصادي تمتد سابقته إلى ثلاثين سنة، و التهديد العسكري كان طوال الفترات التي سبقت هذه الفترة.أقول لكم و أنا أعلم بذلك من الجميع، في فترة رئاسة كلينتون على ما أظن حيث كان التهديد العسكري‌ شديداً إلى درجة أن رئيس الجمهورية المحترم في ذلك الحين كان يقول لي غالباً أن نفكر مثلاً و نعمل شيئاً فمن المؤسف أن يهجموا علينا و يدمروا الأعمال التي أنجزناها و البناء الذي شيدناه. أي إن احتمال الهجوم لم يكن قليلاً، فقد كانوا يهددون و يتحدثون بذلك. و في الفترة الرئاسية التي سبقت الفترة التاسعة كانت التهديدات العسكرية أحياناً تشتد و تتكرر من قبل العدو إلى درجة أنها كانت تصيب القائمين على الأعمال و الأمور في الداخل برعب شديد. كانت هناك اجتماعات و هناك الكثير من الذكريات عن ذلك الحين، و لدي مذكرات سجلتها عن تلك الفترة. التهديد العسكري كان موجوداً على الدوام و لم ينقطع في أي فترة.و الإعلام ضدنا كان قائماً منذ بداية الثورة. وجهوا كل ما استطاعوه من تهم للوضع في الداخل ابتداء من شخص الإمام الخميني إلى جماهير الشعب إلى التجمعات الجماهيرية، و أهانوا صلاة الجمعة الشعبية، و نشروا التهم و الادعاءات الكاذبة في الإعلام العالمي بما لهم من إمكانيات عالية في الإعلام، و هذه الحال لا تختص بالوقت الحاضر، و هي موجودة اليوم أيضاً، لكنها لم تكن في الماضي بأقل من الآن بل ربما أكثر في بعض الأحيان.و التخريب الداخلي لا يختص بالوقت الراهن. في سنة 82 و بعد أحداث العراق - هجوم المحتلين على العراق - حدثت هنا في طهران اضطرابات لعدة أيام، فقالت تلك المرأة الزنجية مستشارة رئيس جمهورية أمريكا و التي أصبحت بعد ذلك وزيرة للخارجية بصراحة: إننا ندعم أي اضطرابات و توتر في طهران. أعلنت هذا بصراحة. راودهم الأمل و توهموا أن حدثاً في طريقه إلى الوقوع في طهران. كان هذا في سنة‌ 82 . كان ذلك في تلك الفترة و قبلها بشكل أو بآخر، و بعدها. و في سنة 88 حدث ما يشبه ذلك، و الجميع يتذكرون و قد لاحظتم جميعكم الوضع. التهديدات اليوم ليست جديدة. و أذكر هنا نقاطاً حول كل واحد من هذه الأمور.حول المفاوضات، و أقول هذا قبل باقي النقاط، ليس من السيئ أن يتحدثوا عن المفاوضات. و هذا الاقتراح ليس جديداً بالطبع. في السابق أيضاً كانت الحكومات الأمريكية‌ تقترح علينا التفاوض و كنا نرفض دوماً هذا الاقتراح. طبعاً هناك أسباب، لكن السبب الواضح لذلك هو أن التفاوض في ظل التهديد و الضغوط ليس تفاوضاً. طرف من قبيل القوى العظمى يريد التهديد و الضغط و الحظر و استعراض القبضة الحديدية، و يقول من جانب آخر لنجلس على طاولة المفاوضات! هذه المفاوضات ليست مفاوضات! مثل هذه المفاوضات لن نقوم بها مع أي طرف. و أمريكا دخلت الساحة للتفاوض بهذا الوجه دوماً.و لدينا تجربتان قصيرتا الأمد، إحداهما المفاوضات حول القضايا الخاصة بالعراق، و قد قلت في كلمة عامة إننا نقبل هذه المفاوضات، و ذهبوا و تفاوضوا. و التجربة الثانية كانت في الحكومات السابقة حول موضوع بعث الأمريكان رسالة و قالوا إنه موضوع أمني مهم، فتفاوضت الحكومة لجولتين أو ثلاث. عادة ما يتصرف الأمريكان في المفاوضات بحيث إذا لم يجدوا جواباً إزاء الاستدلالات الرصينة، و حين يعجزون عن تقديم أدلة مقبولة و منطقية يلوذون بمنطق القوة. و لأن منطق القوة لا تأثير له على الجمهورية الإسلامية يعلنون من جانب واحد إيقاف المفاوضات! أية مفاوضات هذه؟ لدينا هذه التجربة أيضاً. كلا الحالتين كانت على هذه الشاكلة. طبعاً‌ بخصوص الحالة السابقة كنت قد خمّنت هذه النتيجة. كنت أدرك من طبيعة المفاوضات أي طريق يسلكونه، و كانوا يبعثون التقارير لي، و كانوا قد عقدوا اجتماعين أو ثلاثة‌ للتفاوض. و قد قلت لوزارة الخارجية‌ في ذلك الحين أن اوقفوا هذه المفاوضات، و قبل أن يبادروا لذلك أوقف أولئك المفاوضات من جانب واحد. هكذا هم. حين يقول رئيس الجمهورية المحترم و الآخرون إننا من أهل التفاوض، نعم نحن أهل تفاوض و لكن ليس مع أمريكا. و السبب هو أن أمريكا لا تدخل حيز التفاوض بصدق كأي مفاوض عادي، إنما تدخل المفاوضات كقوة عظمى. و نحن لا نتفاوض مع وجه يتلبس بالقوة العظمى. ليدعوا وجه القوة العظمى جانباً و التهديدات جانباً و الحظر جانباً و لا يطرحوا هدفاً و نهاية محددة للمفاوضات يؤكدوا أن المفاوضات يجب أن تنتهي إليها. قبل عدة سنوات أعلنت في كلمة عامة في شيراز و قلت إننا لم نقسم أن نمتنع عن التفاوض إلى الأبد، لكن امتناعنا بسبب هذه الحال، بسبب أنهم ليسوا متفاوضين أنما يريدون إملاء منطق القوة. أشبه بذلك الشقي الذي دخل دكاناً، و كان يحب العسل، فسأل ما هو ثمن عبوة‌ العسل؟ فقيل له مائة‌ تومان مثلاً. فأخذ يد صاحب الدكان المسكين و ضغطها فخاف الكاسب إلى أن قال للشقي: كل ما تقوله أنت، فقال له ثلاثون توماناً، فقال الكاسب موافق! هذه ليست مفاوضات و لا تعامل. إذا كان بمستطاعهم الضغط على أيدي الآخرين و فرض إعطاء ما ثمنه مائة‌ تومان بثلاثين توماناً، فالجمهورية‌ الإسلامية‌ لن تخضع لمثل هذه الضغوط، أنما سترد على أي ضغط بطريقتها. ليتركوا منطق القوة‌ و لينزلوا عن سلم القوة العظمى المتهرئ، عندئذ لا إشكال في الأمر. و لكن طالما كانوا على تلك الشاكلة فلن يكون الأمر ممكناً.أما بخصوص الملف النووي فإن دورة‌ إنتاج الوقود من حقنا، و لن نتنازل أو نتخلى عن هذا الحق. هذا حقنا. نريد أن ننتج الوقود. نحن بحاجة‌ إلى الوقود النووي بمقدار عدة آلاف ميغاواط. يجب تأسيس و بناء‌ محطات طاقة نووية. و يجب توفير وقود هذه المحطات في الداخل. إذا تقرر أن نستعين بالخارج لتوفير وقود هذه المحطات و نكون محتاجين للأجانب فسوف لن تجري أمور البلاد. يجب أن تستطيع البلاد إنتاج الوقود بنفسها. إذن، هو حقنا و سوف نتابع هذا الحق. و هم يقولون في الجواب على هذا:‌ إذا كانت إيران بحاجة للوقود النووي فسوف نوفره لها، و نؤسس بنكاً عالمياً و نفعل كذا و كذا و نوفره لهم.. هذا كلام فارغ و عديم المعنى و لا وجه له. في قضية تبادل الوقود المخصب بنسبة عشرين بالمائة اتضح كم هم صادقون (!). كنا بحاجة‌ إلى وقود مخصب بدرجة عشرين بالمائة‌ لهذه المحطة الصغيرة المختبرية، و هذا شيء عادي يتم تبادله و أخذه في العالم، و كنا قد أخذناه قبل ذلك بسنوات، قبل خمسة عشر أو ستة عشر عاماً. كنا قد اشتريناه و لم تكن هناك أية مشكلة. لكنهم بمجرد أن شعروا أن إيران تحتاج إليه راحوا يتلاعبون و حولوها إلى قضية. هذا بحد ذاته خطأ كبير في رأيي ارتكبته أمريكا و الغرب. لقد أخطؤوا حينما تعاملوا بهذه الطريقة في خصوص الوقود المخصب بدرجة عشرين بالمائة.أولاً شجعونا بعملهم هذا على أن نتجه صوب إنتاج الوقود بدرجة عشرين بالمائة. لم نكن نريد ذلك، و لم يكن من قرارنا التخصيب بدرجة عشرين بالمائة، فقد كانت درجة ثلاثة و نصف تكفينا. لكنهم بعملهم هذا شجعونا و دفعونا و أفهمونا أن علينا الاتجاه صوب العشرين بالمائة، و ذهبنا في هذا الاتجاه. كان هذا خطؤهم الأول. و الخطأ الثاني أنهم أثبتوا و برهنوا للعالم كله أن أمريكا و باقي الذين يستطيعون إنتاج هذا الوقود غير موثوقين حتى يستطيع المرء الاعتماد عليهم في توفير الوقود. فمجرد أن يحتاج يقدمون له لائحة‌ طويلة من ادعاءاتهم و مطاليبهم و يقولون يجب أن تعملوا بهذا و هذا حتى نزودكم بالوقود! هذا ليس تعامل. إذن ليس لديهم ما يقولونه في الملف النووي و لا منطق لديهم. و قد وجدنا طريقنا و نسير فيه. و سوف نواصل هذا الطريق إن شاء الله.و بخصوص التهديد العسكري، و من المستبعد طبعاً أن يرتكبوا مثل هذه الحماقة، لكن إذا حصل مثل هذا التهديد فليعلم الجميع أن ساحة هذه المواجهة لن تكون منطقتنا فقط إنما ستكون الساحة أوسع. و حول الإعلام الأمريكي ضد الجمهورية الإسلامية أعتقد حقاً أنه الممارسة الأبعد عن الحق التي يمارسها الأعداء ضدنا، لأن المنتهك الأسوء لحقوق الإنسان هم الأمريكان أنفسهم. هذا هو الواقع. حينما يسعون وراء نفع معين لا يعيرون أية قيمة لأرواح حتى الأعداد الكبيرة من البشر، بل لا يرون لهم أية حقوق. و حينما يأتي الدور لهم يتخذون موقف الدائن المدّعي. في هجوم المحتلين على العراق و على البصرة ألقوا قنابل زنة الواحدة منها عشرة أطنان! و يسمّيها الأمريكان أنفسهم أم القنابل.. عشرة أطنان! قتلوا الكثير من الناس و المدنيين و الأطفال و النساء، سواء في البصرة أو الأماكن الأخرى. في تلك الأيام سقط عدد من الطيارين الأمريكان و عرضهم النظام البعثي في العراق في التلفزيون و أجريت مقابلات معهم، فارتفعت أصوات الأمريكان بأن هذا خلاف القوانين الدولية و يجب أن لا تجرى حوارات مع أسرى الحرب! هكذا هو وضعهم، أنه الكيل بمكيالين و الأذواجية في الكلام و التقييم. المنتهك الأكبر للديمقراطية هم أنفسهم. في كثير من الأماكن أفسد الأمريكان نتائج الديمقراطية و الانتخابات الشعبية. و من الأمثلة على ذلك غزة - حكومة‌ حماس - و هناك نماذج سابقة في أماكن أخرى لا أريد ذكر اسمها. هم الأسوء. لكنهم يتشدقون بهذا الكلام على كل حال.الأمر الذي يجب الالتفات إليه هو أن هذه الهجمات و هذه العداوات ليست جديدة. و للجمهورية الإسلامية تدابيرها حيال كل هذا. في مقابل الحظر اتخذ المسؤولون لحسن الحظ تدابير جد جيدة و محكمة. طلبت من رئيس الجمهورية المحترم أن يأتي وزراء الاقتصاد و يقدموا تقاريرهم، فجاءوا و ذكروا ما اتخذوه من قرارات حيال قرار مجلس الأمن الدولي - و هو قرار حظر - و من ثم أنواع الحظر الأحادي الجانب الذي أطلقته أمريكا و أوربا، و كانت القرارات صحيحة جداً. إنها أعمال جيدة جداً، و نيّة المسؤولين إن شاء الله بأن يبدلوا الحظر هذا إلى فرصة و غنيمة. و الحق هو أنه يجب أن يكون هكذا و يحوّل إلى فرصة.علينا زيادة الإنتاج الداخلي و تعزيزه و التعود على استهلاك المنتوجات الداخلية، و على رفع مستوى جودة المنتوجات الداخلية، و في هذا الصدد يتحمل المسؤولون الحكوميون و كذلك المشرعون واجبات جسيمة. لقد أوصيت مسؤولي الحكومة فيما يتعلق بإدارة الاستيراد، و أؤكد هنا أيضاً على هذه النقطة. لا أقول أوقفوا الاستيراد، فالاستيراد ضروري في بعض الأمور، و لكن يجب إدارة الاستيراد. في بعض الحالات يجب أن لا يكون هناك أي استيراد، و في بعض الحالات يجب الاستيراد. ينبغي الاستيراد بنحو مدروس. طبعاً قال لي المسؤولون الحكوميون المحترمون أن القوانين التي صادق عليها المجلس لا تسمح لنا بمنع الاستيراد، و أرجو حل هذه القضية. إذا كان ثمة‌ حقاً قانون يمنع الحكومة من أيقاف الاستيراد فيجب إصلاح هذا القانون و إفساح المجال لإدارة الاستيراد. يجب رفع مستوى الإنتاج الوطني.ينبغي اتخاذ تدابير عقلائية في هذه المجالات. العقلانية‌ مهمة‌ جداً. العقلانية في اتخاذ القرارات حالة على جانب كبير من الأهمية.. لا بد من قرارات عقلائية شجاعة.. و يجب أن لا نفهم من العقلائية الخوف و الهروب و التراجع. العقلائية إلى جانب الشجاعة. الأنبياء كانوا أعقل البشر. في الرواية عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: «ما بعث الله نبياً و لا رسولاً حتى يستكمل العقل» (7). لكن هذا النبي نفسه يقوم بأكبر جهاد و أكبر كفاح و تقبل للأخطار. أي إن الشجاعة يجب أن تترافق مع العقلانية.. بعزيمة راسخة و من دون تزلزل، و بنظرة للآفاق البعيدة و بالحفاظ على الاتحاد و التعاطف.إنني أشدد على الاتحاد. الاتحاد و التعاطف بين مسؤولي البلاد فريضة. و تعمّد مخالفة ذلك هو اليوم بخلاف الشرع. خصوصاً في المستويات العليا. الجميع يجب أن يلتفتوا لهذا. يريد العدو أن يصنع من الاختلافات الصغيرة قضايا كبيرة، و يتعين عليكم أن لا تسمحوا بذلك. ليس أي اختلاف بين مسؤولين أو مؤسستين فاجعة، لا، يمكن بالتالي أن يكون للمجلس توجهاته في مجال معين، و للحكومة توجهاتها الأخرى، و أن تكون أفكارهم و أذواقهم متباينة، هذه ليست فاجعة. لكن تبديل هذه الاختلافات إلى هوّات لا تردم و جراح لا تلتئم خطأ كبير جداً.طبعاً يجعلون بعض الأشياء مستمسكات، و قد طلبنا منذ مدة من مجلس صيانة الدستور المحترم عقد جلسة و تشخيص المواطن المختلف عليها بين الحكومة و المجلس لتحديد صلاحيات السلطات حتى يتحقق استقلال السلطات و هو من مواد الدستور. صيانة الاتحاد و الاعتصام بالأصول و مراعاة الأصول بشكل كامل هو ما وصّى به إمامنا الجليل دوماً.و هناك التفطن لأحابيل العدو و حيله و عدم اللعب وفقاً لخطط العدو. من الأشياء التي يقوم بها العدو تحطيم الثقة بين الشعب و المسؤولين. ينبغي أن نحذر من التحدث بما يزعزع ثقة الشعب بمسؤولي البلاد سواء المسؤولين الحكوميين أو مسؤولي القضاء أو مسؤولي السلطة التشريعية. فتزعزع الثقة هذا ليس بحق، و هو ما يريده العدو. ينبغي أن لا نعمل به نحن أيضاً. أرى أحياناً تشكيكاً من دون سبب أو وجه في الإحصائيات التي تعرض، لماذا؟ لماذا التشكيك غير المبرر في الإحصائيات؟ إحصائيات تقدمها المؤسسات المسؤولة، و كلامها مسموع. و ما إلى ذلك من الأمور التي تؤدي إلى اليأس و زعزعة الثقة.و هناك أيضاً التوجه لقدرة الله و صدق الوعود الإلهية. و هذا هو أساس جميع الأعمال أن نثق بوعد الله. لقد لعن الله تعالى الذين يسيئون الظن به و بوعوده، «و يعذب المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء و غضب الله عليهم و لعنهم و أعدّ لهم جهنم و سائت مصيراً» (8). فالله تعالى يذم الذين يسيئون الظن بوعوده، و هو القائل «‌لينصرن الله من ينصره» (9)، و «أوفوا بعهدي أوف بعهدكم» (10). سيروا في صراط الله و سوف يعينكم الله. و هذا ليس مجرد وعد إلهي. حتى لو كنا أناساً لا يصدقون بسرعة و حالكي الباطن بحيث لا نستطيع تقبل الوعود الإلهية بصورة صحيحة، فإن تجاربنا تدلنا على هذا. أيّ من عناصر الثورة الأصليين أو أصدقاء الثورة أو أنصارها أو أعدائها كان يحتمل قبل أربعين سنة أن يقع مثل هذا الحدث في البلاد؟ حدث بهذه العظمة و شموخ صرح بهذه الرفعة؟‌ من كان يحتمل هذا؟ لكنه حصل.. حصل بسبب التوكل على الله تعالى، و العزيمة الراسخة، و عدم الخوف من الموت، و عدم الفزع من الهزيمة، و السير و التقدم باسم الله و التوكل عليه. و بعد ذلك أيضاً سيكون هذا هو الحال.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة لقمان، الآية 22 .2 - سورة التحريم، الآية 6 .3 - سورة البقرة، الآية‌ 183 .4 - الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 20 .5 - سورة التوبة، الآية 15 .6 - سورة الأنعام، الآية 121 .7 - مشكاة الأنوار، ص 251 .8 - سورة الفتح، الآية 6 .9 - سورة الحج، الآية‌ 40 .10 - سورة البقرة، الآية 40 .
2010/08/18

كلمته في جلسة تلاوة‌ القرآن الكريم في أول شهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيمنشكر الله تعالى و نحمده أن منّ علينا بالتوفيق و أعطانا من العمر بفضله و لطفه لنستطيع المشاركة مرة أخرى في هذه الجلسة، و هي جلسة جد طيبة و محببة و مؤثرة و مفيدة، و أن ننتفع من تلاوة آيات القرآن الكريمة التي قدمها المقرئين الأعزاء. الحق أنني أعتبر هذه النعمة الكبيرة و هي نعمة تنامي حب القرآن و الارتباط به في مجتمعنا، اعتبرها كبيرة إلى درجة ربما لا أرى نعمة أخرى تضاهيها.و جلسة اليوم أيضاً كانت جلسة‌ جد جيدة.. المقرئون المحترمون سواء‌ أساتذة القراءة الذين تلا بعضهم اليوم، أو الشباب الأعزاء الذين دخلوا هذا الميدان، و يشعر المرء أن هناك مواهب جيدة و أصوات جيدة و رغبات و اندفاع جيد يبشر بمستقبل أفضل لبلادنا. حسناً، منحنا الله تعالى هذه النعمة «و لكن الله حبّب إليكم الإيمان و زيّنه في قلوبكم و كرّه إليكم الكفر و الفسوق و العصيان» (1).. هذه نعمة كبيرة‌ جداً أن جعل الله الإيمان و علامات الإيمان محببة لدى شعبنا و زيّنها في قلوبنا. لو أردنا الانتفاع من القرآن بالمعنى الحقيقي للكلمة فيجب علينا التعرف على معارف القرآن و مفاهيمه. و هذه التلاوات و الحفظ و الأنس بالقرآن يساعد على هذا الاتجاه. لو لا استقاء الدروس من القرآن لما أوصونا كل هذه التوصيات بتلاوة القرآن. لأننا يجب أن نتنبه إلى أن الهدف ليس أن تنتشر هذه الأمواج الصوتية في الهواء، هذا ليس الهدف. كما ليس الهدف أن يقرأوا القرآن بألحان حسنة نستمتع بها كما لو قرأ شخص شعراً بألحان حسنة.. هذه ليست أهدافاً و إنما كلها مقدمات - التلاوة و كل ما يساعد على إشاعة التلاوة في المجتمع من قبيل الصوت الحسن و الألحان العذبة و ما إلى ذلك من العناصر التي تساعد على إشاعة التلاوة في المجتمع و تشوّق الناس إليها - لفهم المعارف القرآنية.و لفهم المعارف القرآنية‌ درجات. الدرجة الأولى تبدأ من التأمل في ألفاظ القرآن و ترجمته. أي إننا حينما نقول المعارف القرآنية فليس معنى هذا تلافيف غامضة عجيبة لا يمكن لأحد بلوغها. نعم ثمة‌ معارف سامية قد لا يستطيع أمثالنا بلوغها و الوصول إليها، و لكن ثمة أيضاً الكثير من المعارف يمكننا نحن الناس العاديين بشرط التوجه لهذا الكلام و البيان أن نفهمها و ننتفع منها. هناك الكثير من هذه المفاهيم في الآيات القرآنية، و هي دروس لنا في حياتنا. مثلاً في الآية الشريفة: «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً» (2). هذا درس على كل حال. إنه درس واضح لنا في حياتنا. «فمن نكث فإنما ينكث على نفسه». إذا نكثتم و نقضتم العهد الذي عقدتموه مع النبي و مع الإسلام و نكثتم البيعة التي بايعتم الله بها فإنما تفعلون ذلك ضد أنفسكم. «فمن نكث فإنما ينكث على نفسه». نكث البيعة مع الله و رسوله فعل نفعله ضد أنفسنا و ليس ضد الله و رسوله، فهما لن يُضرّا شيئاً. «و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً». أما إذا وفينا بهذا العهد الذي عاهدنا به الله و رسوله لكان ذلك لصالحنا و سوف نتلقى من الله تعالى أجراً عظيماً. و لم يقل إن هذا الأجر سيؤتيه الله في الآخرة أو في الجنة، و الجزء الأكبر منه طبعاً في الآخرة، و لكنه أجر دنيوي كذلك و سوف نؤتاه في الدنيا أيضاً. هذه الآيات المباركة من سورة الأحزاب التي تلاها أحد الإخوة أو جماعة منهم ربما: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلاً ليجزي الله الصادقين بصدقهم» (3).. و هذا هو الصدق «صدقوا ما عاهدوا الله عليه». أي إنهم عقدوا مع الله عقداً و عاهدوه عهداً بصدق و بقوا عند عهدهم و لم تحرفهم عن هذا السبيل صعوبات الحياة و لا تجليات الدنيا المغرية. «ليجزي الله الصادقين بصدقهم». الله يجازي على هذا الصدق و هذا الثبات على الوعود و العهود مع الله. هذه معارف يمكن فهمها من مراجعة ظاهر القرآن الكريم، مع أن هناك فوقها بلا شك معارف أرقى و أسمى قد لا يدركها إلا الخواص و عباد الله الصالحين المصطفين، و لا يمكننا نحن أدراكها إلا عن طريق أولئك العباد الصالحين. لا مراء أن هناك مثل هذه المفاهيم، إذ قيل إن للقرآن بطون، و ثمة العديد من الروايات تفيد أن للقرآن ظاهراً و له باطن و أسرار و أعماق، فهو كالبحر الذي له ظاهر هو الماء، لكنه لا يختزل في هذا الظاهر، إنما له أعماق و في تلك الأعماق حقائق و أشياء هي موجودة بلا ريب، لكن بوسعنا الانتفاع من هذا الظاهر، بأي شرط؟ بشرط الدقة و التأمل.لذلك نقول مراراً و تكراراً - منذ سنوات و نحن نقول هذا و لحسن الحظ فقد بانت النتائج و يمكن للمرء أن يرى الآثار - و نقول الآن أيضاً إن عليكم إدراك معنى الآية التي تتلونها. أدركوا هذا المعنى الظاهري الذي يمكن لمن يعرف العربية أن يدركه. إذا حصل هذا الإدراك عندئذ تتاح للمرء الفرصة و القدرة‌ على التدبر. و أقول لكم: حينما تعلمون معنى الآية فإن هذا الفهم نفسه سيوجِّه اللحن و الصوت و القراءة لدى المقرئ. إذا علمنا ما الذي نقرؤه فلن يكون هناك أبداً ضرورة لأن ننظر ما الذي يفعله المقرئ الفلاني حينما يتلو هذه الآية و أين يهبط و أين يصعد و متى يقرأ برقة و متى يقرأ بشدة. لا، لن يعود ثمة ضرورة لذلك. إذا فهمنا المعنى فإن هذا الفهم نفسه يوجِّه المقرئ صاحب الصوت و اللحن و المرونة في الألحان. الفهم نفسه سيمنحنا اللحن، و ستكون العملية كالكلام العادي. إنكم في التحدث العادي حينما تتكلمون يهبط صوتكم أحياناً و يرتقي أحياناً، و تتمهلون في كلامكم في موضع، و تحتدون فيه في موضع آخر. تارة تتحدثون بتؤدّة، و تشددون على كلمة معينة تارة أخرى، و هذا ما لم تكتب له مسبقاً أية نوطات، إنما هو أمر نابع من مشاعركم و غريزتكم. إذا فهمتم معنى الآية القرآنية فسوف تساعدكم هذه الغريزة على ما يجب أن تفعلوه.. متى تقرأون بتمهّل، و متى تتوقفون، و متى تصلون، و من أين تبدأون، التمكن من آيات القرآن يمنح الإنسان هذه القدرة. طبعاً هناك أفراد يفهمون الآيات القرآنية لأنهم عرب، و يعرفون ترجمتها أيضاً بصورة جيدة، و لكن يشعر المرء و كأنهم لا يقرأونها في ضوء المعنى. بين المقرئين المصريين المعروفين أشخاص حينما ينظر المرء يجد و كأنما أعطوهم نصاً و أمروهم بقراءته فراحوا يقرؤنه من بدايته إلى آخره دون اكتراث للمعنى و التفاهم مع المتلقي. هذا ما يشعر به المرء لدى بعض المقرئين، لكن البعض الآخر منهم ليسوا كذلك، بل قراءتهم و تلاوتهم كالتحدث مع المتلقين. يجب أن تكون تلاوتكم هكذا.طبعاً للأسف غالبية أبناء شعبنا قلما ينتفعون بشكل مباشر من ألفاظ الآيات القرآنية الكريمة. بمعنى أن غالبيتهم لا يجيدون العربية، و هذه من جملة الأشياء التي حرمناها. لذلك كان تعلم اللغة العربية و هي لغة القرآن من الأمور الضرورية حسب قوانين البلاد. إذا أردنا أن نفهم معاني القرآن فعلاً فبوسع الناس العاديين الذين لم يدرسوا اللغة العربية مراجعة التفاسير و الترجمات.لحسن الحظ توجد حالياً ترجمات جيدة. بذل بعض الأشخاص جهودهم و قدموا ترجمات جيدة. على كل حال توصيتي لكم أيها الإخوة الأعزاء الذين تتلون القرآن بأصوات حسنة هي أن تتنبهوا لهذه النقطة، أي أن تقرأوا القرآن بملاحظة معانيه. إقرأوه و كأنكم تتكلمون مع المتلقين و المخاطبين بلغة القرآن. إذا كان هذا انتفعتم من قراءتكم و انتفع الناس من الاستماع لكم و من تلاوتكم.نتمنى أن يوسع الله تعالى يوماً بعد يوم من دائرة فهم القرآن و الاستفاضة منه و فهم معانيه بين أبناء شعبنا، و يوفقنا للانتهال أكثر فأكثر من بركات القرآن.و أوصي توصية أكيدة بأن يهتم الإخوة المقرئين بترجمة القرآن، بمعنى أن يكونوا متمكنين تمكناً حقيقياً من ترجمة القرآن. و بالطبع فإن حفظ القرآن مهم جداً على هذا الصعيد. وفقكم الله و أيدكم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة الحجرات، الآية 7 .2 - سورة الفتح، الآية 10 .3 - سورة الأحزاب، الآيتان 23 و 24 .
2010/08/12

كلمة الإمام الخامنئي في قرّاء القرآن الكريم

 بسم الله الرحمن الرحيمكانت هذه الجلسة اليوم جيدة جداً، و قد استمتعنا حقاً بالاستماع لآيات القرآن الكريمة من حناجر هؤلاء البلابل في رياض القرآن. و أتقدم بالشكر الجزيل لمقيمي هذه المراسم الحافلة القيّمة، و أتمنى أن نوفق للاقتراب من القرآن الكريم أكثر فأكثر.الحقيقة أننا لا نزال بعيدين جداً عن القرآن و تفصلنا عنه مسافات كبيرة. يجب أن تكون قلوبنا قرآنية. و أرواحنا يجب أن تستأنس بالقرآن. إذا استطعنا أن نستأنس بالقرآن و أن نستوعب معارفه في قلوبنا و أرواحنا فسوف تكون حياتنا و مجتمعنا قرآنياً، و ليس الأمر بحاجة إلى أنشطة و ضغوط و رسم سياسات. أصل المسألة هو أن تكون قلوبنا و أرواحنا و معارفنا قرآنية حقاً.أقول لكم إنه جرت مساع طوال أعوام متمادية لخلق بون شاسع بين المعارف القرآنية و قلوب أبناء المجتمع و الأمة الإسلامية. و تجري هذه المحاولات الآن أيضاً. في بعض البلدان الإسلامية الآن، يبدي بعض الرؤساء المسلمين استعداداً لحذف فصل الجهاد من التعليمات الإسلامية رعايةً لإرادة أعداء الإسلام. هم على استعداد لإقصاء المعارف القرآنية من التعاليم العامة في مدارسهم و بين شبابهم حينما تتعارض مع مصالح الأعداء. و تجري مثل هذه المساعي اليوم أيضاً.وعدنا القرآنُ الكريم بالحياة الطيبة: (فلنحيينّه حياةً طيبة)(1). ما معنى الحياة الطيبة؟ ما معنى الحياة الطاهرة؟ معناها الحياة التي يجري فيها تأمين روح الإنسان و جسمه و دنياه و آخرته. الحياة الفردية فيها مؤمَّنة، و تسودها السكينة الروحية و الطمأنينة و الراحة الجسمية، و يتمّ فيها تأمين الفوائد الاجتماعية و السعادة الاجتماعية و العزة الاجتماعية و الاستقلال و الحرية العامة. هذا ما يعدنا به القرآن الكريم. حينما يقول القرآن: (فلنحيينه حياةً طيبة) فالمراد بها كل هذه الأمور، أي الحياة التي تتوفر فيها العزة و الأمن و الرفاه و الاستقلال و العلم و التقدم و الأخلاق و الحلم و التجاوز عن الإساءة. تفصلنا مسافات عن هذه الأمور، و علينا الوصول إليها.الأنس بالقرآن و معرفته يقرّبنا من هذه الظواهر. و هذا هو مردّ جلسات القرآن هذه، و هذه الدورات القرآنية، و المسابقات القرآنية، و اندفاعنا لإعداد القرّاء و الحفاظ وتربيتهم. كل هذه مقدمات لكنها مقدمات لازمة.إننا نعاود توصية شبابنا الأعزاء بأن يستأنسوا بالقرآن و يجالسوه. و ما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان. زيادة في هدى أو نقصان في عمى.(2) في كل مرة تجلسون فيها مع القرآن يرتفع حجاب من حجب جهلكم، و تتفجر عين من عيون النور في قلوبكم و تجري. الأنس بالقرآن و مجالسته و تفهمه و التدبر فيه، هذه كلها ممارسات لازمة.و مقدمة هذا العمل هي أن نستطيع قراءة القرآن و حفظه. حفظ القرآن مؤثر جداً. ليعرف الشباب قدرة فترة الشباب و القدرة على الحفظ. و لتشجّع العوائل أطفالها على حفظ القرآن، و تفرض ذلك عليهم. حفظ القرآن له قيمة كبيرة. حفظ القرآن يمنح الحافظ فرصة القدرة على التدبر في القرآن الكريم عن طريق تكرار الآيات. هذه فرصة و توفيق فلا نضيّعه و لا نهدره. و الحفّاظ يجب عليهم معرفة قدر هذه النعمة الإلهية الكبيرة، فلا يدعوا حفظهم للقرآن يضعف أو يزول لا سمح الله.قراءة القرآن من بدايته إلى نهايته أمر لازم. ينبغي قراءة القرآن من أوله إلى آخره، و إعادة قراءته من أوله إلى آخره، ليتعرف ذهن الإنسان مرة واحدة على جميع معارف القرآن الكريم. طبعاً، لا بد من معلمين و أساتذة يفسرون لنا و يبينون لنا المشكل من الآيات، و يشرحون لنا معارف الآيات و بطونها. هذه كلها أمور لازمة. إذا كانت هذه الأمور تقدمنا إلى الأمام كلما تقدم الزمن، و لن نعود نعرف التوقف و المراوحة.و أقول لكم إنه كانت لدينا طوال هذه الأعوام الواحدة و الثلاثين مثل هذه المسيرة نحو الأمام. لم يكن ثمة ذكر للقرآن في بلادنا قبل الثورة. يظهر هنا و هناك عاشق للقرآن يقيم جلسة يجتمع فيها عشرة أو خمسة عشر أو عشرون من طلاب القرآن. شهدنا ذلك و قد كانت مثل هذه الجلسات في جميع المدن، في طهران، و عندنا في مشهد، و لكن لم تكن هذه الحركة الشبابية الهائلة نحو القرآن، و لم يكن هذا الشوق لقراءة القرآن و تلاوته و تربية هذه الأعداد الكبيرة من القراء المتبحرين في تلاوة القرآن.. لم يكن كل هذا. لم يكن ثمة حفظ للقرآن. حينما يأتي هؤلاء الشباب من حفظة القرآن و يقرأون القرآن حفظاً أشكر الله من أعماق قلبي. هذا ببركة الثورة و الإمام، فاعرفوا قدره.كلما اقتربنا من القرآن أكثر حدث شيئان أكثر: أحدهما أننا سنقوى أكثر. و الحدث الثاني هو تكالب أعدائنا الدوليين علينا أكثر، فليتكالبوا. كلما سرنا نحو القرآن و اقتربنا منه كلما غضب أعداء البشرية أكثر، و كالوا لنا التهم و الأكاذيب، و بثوا عنا الإشاعات، و مارسوا ضدنا الضغوط الاقتصادية و السياسية و شتى صنوف الخبث و المكائد - و نرى أنهم يفعلون ذلك - و لكن في مقابل ذلك، تتضاعف قدراتنا و صبرنا و إمكانيات تأثيرنا يوماً بعد يوم، و تلاحظون أن هذا يحدث.لاحظوا الجبهة التي تخاصم الجمهورية الإسلامية اليوم.. إنها جبهة طويلة و عريضة و قد تجمع فيها كل شياطين العالم و أشراره، من الصهاينة إلى الأمريكان، إلى أخبث الحكومات الغربية إلى أكثر الحكومات غير الغربية عمالة و حقارة - و لا نضيّق الدائرة أكثر - كلهم منخرطون في هذه الجبهة، وهم يفعلون كل ما يستطيعون. لا تظنوا أن ثمة شيء بوسع أعدائنا أن يفعلوه ضد الجمهورية الإسلامية و لم يفعلوه، لا، لقد فعلوا لحد الآن كل ما استطاعوه، و يفعلون كل ما يستطيعون فعله الآن. و أي شيء لا يفعلونه فلأنهم عاجزون عن فعله. لكن شعب إيران يقف باقتدار و عزة و شموخ أمام كل هذا.يقول: حبل ممدود من السماء(3).. هذا القرآن حبل إلهي متين إذا اعتصمنا به أمنّا من الزلل و السقوط و الضياع و ما إلى ذلك.ربنا، أحينا بالقرآن و أمتنا بالقرآن و احشرنا مع القرآن. ربنا أرض عنا القرآن. ربنا لا تفصلنا لحظةً عن القرآن و أهل البيت. ربنا احشر شهداءنا الكرام و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل مع أوليائك.و نشكر جميع الضيوف الأعزاء، خصوصاً هذين القارئين المحترمين الذين تليا القرآن الكريم، الشيخ نعينع، و الشيخ شاذلي. كانت تلاوة كلٍّ منهما جيدة جداً. نسال الله أن يوفقهم و يؤيدهم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الهوامش:1 - سورة النحل، الآية 97.2 - نهج البلاغة، الخطبة 176.3 - إرشاد القلوب، ج 2، ص 306. 
2010/07/14

كلمة الإمام الخامنئي في المنتسبين لمكتبه و حمايته

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً، أرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات و العوائل المحترمة، و أبارك لكم هذا العيد السعيد الشريف، بل هذه الأعياد الكريمة التي تضمنها شهر شعبان المبارك بتقدير من الله تعالى. و شهر شعبان نفسه يا أعزائي، بصرف النظر عمّا فيه من ولادات مباركة، هو بحد ذاته عيد.. عيد التقرب و التوجه إلى الله و التوسل القلبي بساحة الربوبية، و فرصة كبيرة لتنوير الإنسان قلبه و روحه، و استعداده للدخول في ضيافة شهر رمضان المبارك. لننظر لشهر شعبان من هذه الزاوية.. شهر عبودية الله و بناء الذات.ما أردت أن أقوله في الجماعة الحاضرة هنا هو قضية المحفزات. الأعمال الحسنة و الأعمال الكبيرة لا تتم إلا بمحفزات ممتازة و إذا صدرت عن أعماق القلب. لا يمكن إنجاز الأعمال الكبرى من منطلق تنفيذ الأوامر و التشريفات و الأمور الإدارية و ما إلى ذلك. الأعمال الإدارية النابعة من المقررات و الأوامر تبقى عند حدود الأعمال المألوفة العادية، بينما الأعمال البارزة الممتازة تنبع من المحفزات. الذي ينفق وقتاً كبيراً لإنجاز كمٍ كبير من الأعمال، و يفعل ذلك على حساب وقت استراحته له طبعاً محفزات قوية جداً. هذا شيء مميز و استثنائي. لقد شاهدنا مثل هذه المعنويات و الروح المتوثبة، و هي متوفرة هنا أيضاً. كنت في أماكن متعددة و متنوعة طوال الأعوام الثلاثين المنصرمة - سواء في زمن رئاسة الجمهورية أو قبل ذلك في القوات المسلحة و المواطن الأخرى - و شاهدت عن كثب أشخاصاً لا يعرفون العطلة حقاً، و لا يعرفون الاستراحة، و يرغبون في إنفاق كل لحظاتهم في العمل الملقى على عاتقهم. طبعاً، أقول لكم هنا إنني لا أوافق العمل بهذه الطريقة. اعتقد أن العمل يجب أن يبرمج و ينظم بحيث يستطيع الإنسان التفرغ أيضاً لعائلته و أبنائه و علاقاته العاطفية، و لا يسحق نفسه. و لكن البعض هكذا على كل حال. هم إما لديهم إمكانية عالية جداً، فيخوضون في كل شيء في وقته، و بذلك يعملون أعمالاً إضافية، او ينتقصون من الأعمال و المواطن الأخرى من أجل ممارسة أعمال إضافية. حجم العمل و كميته كبيرة و ثقيلة و واسعة. هذه من الأمور المميزة التي تحتاج إلى محفزات. ما لم تكن ثمة محفزات قلبية فلا يوجد أحد أبداً يعمل هكذا بدافع الأوامر و الدساتير و الأحكام و المقررات. و أحياناً لا يعلم أحد بهذا الحجم الكبير من العمل. قلت مراراً في الفئات العاملة التي تأتي إلى هنا: قد يكون في أيديكم ملفٌ او مشروع أو عمل معين و تقولون يجب أن أنهي هذا العمل. و ينتهي الدوام الإداري المقرر و أنتم متعبون، لكنكم تقولون يجب أن أنهي هذا العمل و أغادر، فتبقون نصف ساعة، أو ساعة، أو ساعتين أكثر، و لا تخبرون مديركم ولا تتقاضون أجوراً إضافية و لا يعلم أحد بما فعلتم، لكنكم تفعلون ذلك.. هذا له قيمة كبيرة جداً، و يبقى مسجلاً محفوظاً في كتاب الكرام الكاتبين. كتّاب أعمالنا - و هم مأمورو الساحة الربوبية - يكبرون مثل هذه الأعمال، و هي طبعاً أعمال كبيرة.من الأعمال المميزة الأعمال النوعية. إنجاز العمل بنوعية و جودة عالية و بمستوى رفيع. بوسع الإنسان القيام بعمل ما على نحوين: هناك النحو أو الشكل الأسهل، لكن المرء يختار مع ذلك الشكل الأصعب من أجل أن يرتفع بجودة العمل و نوعيته. هذه أيضاً حالة متميزة.و من أنواع العمل الإبداع و الابتكار. العثور على سبل جديدة، و أساليب جديدة، و طرائق أكثر كفاءة و جدوى، سواء في الأعمال المحددة الصغيرة أو في الأعمال العامة الشاملة. إنها بحاجة إلى تفكير و جهد. البعض يقولون: اترك الأمر الآن. نفعل ما يفعله الآخرون. و البعض يقولون: لا، و يقنعون أنفسهم بأداء أعمال ابتكارية خلاقة. هذه حالة تحتاج إلى محفزات. من دون المحفزات و من دون العامل الداخلي لن تكون مثل هذه الأعمال البارزة كمياً و نوعياً ممكنة. فما هي هذه المحفزات؟ إنها تركيبة من الإيمان و الوعي. هذان العاملان هما الذان يوفران المحفزات للإنسان. أن يكون الإنسان مؤمناً و أن يكون واعياً.إذا كنتم مرضى لا سمح الله. حينما لا تعلمون بوجود هذا المرض أو لا تعلمون بوجود طبيب لهذا المرض، فسوف تتصرفون بطريقة معينة. و لكن حين تعلمون أن هذا المرض موجود فما ستفعلون في تلك الحالة؟ هنا سوف لن تتأخروا. سواء كان الطريق بعيداً أو قريباً أو سهلاً أو صعباً ستأخذون عزيزكم المريض إلى حيث العلاج. هذه هي المحفزات، و أن تكون للإنسان محفزاته على العمل. ثمة عامل داخلي يدفع الإنسان و يحركه. يدرك الإنسان الحاجة و يؤمن بحصول النتيجة - و بالنسبة للمؤمنين هناك معرفة أنهم في عين الله و تحت نظره - هذه هي المحفزات التامة. البعض يتوفر لديهم هذا الاعتقاد و هذا الوعي و هذا الإيمان بالنتيجة، لكنهم ليس لهم إله و رب، هؤلاء محفزاتهم أقل. لكننا أنا و أنتم نعلم أن العمل الذي نروم القيام به أو الذي نعمله حالياً إنما هو عمل لأجل الله، عمل للنظام الإسلامي، عمل للناس و لصالح الناس، و الله يرى هذا العمل، لكن الآخرين لا يعلمون به و لا يثنون علينا و لا يمدحوننا و لا يصفقون لنا، لكن الله تعالى يرى و يقدر و يثيب. قال الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء: »إن ذلك بعين الله«.. أعلم و أرى أن عملي بعين الله و الله يراه و يعلمه. هذه النظرة هي التي توفر المحفزات التي لا تترك الإنسان عاطلاً عن العمل إطلاقاً. و الإسلام و تاريخ الإسلام و الوجود المقدس لخاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله و سلم) فعلوا الأعاجيب لتعزيز هذه المحفزات و معرفة مواقع توفرها و توظيفها لصالح الأهداف و المبادئ. حينما ينظر المرء في تاريخ الإسلام يرى العجب العجاب في هذا الخصوص.و أذكر هنا نموذجاً لذلك. في معركة أحد - كما تعلمون و كما سمعتم أو قرأتم - انتصر المسلمون في بداية الأمر، لكنهم هزموا بعد ذلك بسبب ميل بعضهم للدنيا. استشهد البعض منهم - كسيدنا حمزة سيد الشهداء و غيره - و هرب الآخرون و انسحبوا إلى أعلى ذلك الجبل. و عاد الأعداء في نهاية ذلك اليوم منتصرين فرحين و بقيت هذه الغصة و المرارة في قلوب المسلمين. أمر النبي (ص) أن يحملوا الشهداء و يأتوا بهم إلى المدينة - و جبل أحد قريب من المدينة - فساروا و دخلوا المدينة. كان ثمة بين الأشخاص العائدين إلى المدينة مصابون و جرحى و معاقون و أجساد الشهداء الطاهرة، و كان ثمة عوائل مفجوعة. فهاجت المدينة و ماجت بالبكاء و النواح و العويل على القتلى و الإخفاق في الحرب.. كان كل هذا مرارة و ألم.في مساء ذلك اليوم الذي وقعت فيه هذه الحادثة المؤلمة، جاءوا للرسول (ص) بخبر فحواه أن بعض المشركين حين ابتعدوا عن المدينة فكروا أنه طالما قد انهزم المسلمون فالأفضل أن نهاجم و ننهي أمرهم. حين وصل هذا الخبر للمدينة راح بعض منفلتي الألسن - أو المغرضين أو الجهلة الذين ينشرون الإشاعات ما إن يطرق الخبر مسامعهم - سواء كان صحيحاً أو كذباً - حتى يبادروا إلى نشره و إذاعته.. كان في ذلك الزمن مثل هؤلاء الأشخاص و هم موجودون اليوم أيضاً.. شرع هؤلاء بنشر الخبر في المدينة. قالوا: الويل لنا سوف يهاجمنا هؤلاء، فلنخف منهم و كذا و كذا.. راحوا يخوفون الناس و يرجفون. هنا نزل الرسول الأكرم (ص) إلى وسط الميدان. في مثل هذه المواطن لا بد من إعمال روح النبوة.جمع الرسول الأكرم (ص) الناس و أمر أن يجتمعوا كلهم في المسجد. توافدوا على المسجد فقال: سمعتُ أن العدو تجمع في الموضع كذا و ينتظر أن تغفلوا ليهجم عليكم، و عليكم أن تسيروا الليلة لتدميرهم و القضاء عليهم. فقالوا: نحن على استعداد يا رسول الله. فقال: لا، بل يجب أن يسير إليهم من كان اليوم في معركة أحد فقط. أي أولئك المتعبون و الذين قاتلوا من الصباح إلى المساء و المجرّحة أجسامهم، هؤلاء يجب أن يسيروا و لا يسير أحد غيرهم. ربما تعجب البعض في بداية الأمر، لكنهم رأوا بعد ذلك أنْ يا له من حكم. الذين كانوا ذلك اليوم في معركة أحد و أصيبوا و أجهدوا و تعبوا تجمعوا فوراً، فقال لهم الرسول: اذهبوا و أنهوا هذه القضية و عودوا.الذين جرحوا اليوم و تلقوا ضربات العدو و يريدون تعويض ذلك و توجيه ضربات مماثلة للعدو، و من كانوا في المعمعة و ليس من سمعوا الأخبار من ذا و ذاك، هؤلاء هم الذين صفّهم النبي و عبّأهم و قال يجب أن تسيروا. كان هؤلاء عدداً من الرجال - و لم يكونوا كثيرين - فركبوا و ساروا نحو ذلك الموضع و داهموا العدو في كمينه و باغتوه و وجهوا له ضرباتهم و دمروه و عادوا. فنـزلت الآية الكريمة: »الذين قال لهم الناسُ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم«. المؤمنون هم أولئك الذين حين قال لهم مروّجو الشائعات إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.. »فزادهم إيماناً«.. لم يحصل لديهم هذا الخوف، بل تعزز و ازداد إيمانهم و محفزاتهم. »و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل«.(1) قالوا: الله يكفينا و أوكلوا الأمر إليه. لاحظوا أي عرفان عظيم هذا. أنت الذي تفعل الفعل، و ساعدك هو الذي يفعله، فكرك هو الذي يعمل، قلمك هو الذي يعمل، لكن الفعل فعل الله و يعود إليه. إيكال الأمر إلى الله ليس معناه أن نجلس جانباً، و نقول الله هو الذي يدبّر الأمر، كلا، الله لا يدبّر الأمر بهذه الطريقة. أن نفعل أنا و أنتم فعلاً و يأخذنا الغرور و نخال أننا نحن الذين فعلنا هذا و قمنا بهذا العمل الكبير، فهذا أيضاً خطأ و غير صحيح. إذا لم يعنّا الله و لم يهدنا و لم يوفقنا فلن تستطيعوا القيام بأي عمل، و لن تحصلوا على أية نتائج.حينما يتظافر عنصران، أي حينما تتوكلون أنتم من جهة على الله، و تستمدون منه العون، و تعلموه حاضراً ناظراً، و أنه صاحب أعمالكم، و تبذلون من جهة أخرى كل طاقاتكم للعمل، عندئذ يكون العمل قد اتخذ نصابه الصحيح.. »قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل«.. هذه هي صفاتهم. و قد ذكر تعالى نتيجة فعلهم في الآية اللاحقة: »فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله«.(2) ساروا و عادوا من دون أن يصيبهم أدنى ضير أو جراح. استطاعوا تدمير العدو و مصادرة ما معه و اغتنامه و العودة به. لم يحبطوا المؤامرة فحسب بل كسبوا مكسباً و غنائم للمدينة و لحكومة الرسول الأكرم (ص) في السنة الثالثة للهجرة، سنة معركة أحد.يجب أن نتذكر هذه الأشياء، فهي ليست مجرد تاريخ و خواطر و ذكريات، بل هي دروس. يريد أن نتذكر أنا و أنتم هذه الحقائق و نطبقها في حياتنا. ذكرت أربع آيات في تعقيب صلاة الصبح - و هي موجودة في كتاب مفاتيح الجنان - و بمقدوركم مراجعتها و قراءتها. و كل واحدة من هذه الآيات المذكورة لها نتيجة تعقبها: »و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ** فوقاه الله سيئات ما مكروا«.(3) »لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ** فاستجبنا له و نجيناه من الغمِّ و كذلك ننجي المؤمنين«،(4) و هي آية تتعلق بالنبي يونس (ع). الآية الأخرى هي هذه الآية التي تلوتها الآن: »حسبنا الله و نعم الوكيل ** فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء«. و الآية الرابعة: »ما شاء الله و لا قوة إلا بالله«.(4) و هي تختص بقصة ذلكم الأخوين. هذه دروس لنا. حينما يشعر الإنسان أن العمل كبير، و له قيمة عظيمة و له تأثير اجتماعي هائل، فسوف تتضاعف محفزاته. على كل حال، الشيء الذي ينقضي و يفنى هو الماضي من أيامنا أنا و أنتم، أما الحسن و السيئ منه و ما كان منه مطابقاً للواجب و ما كان منه بخلاف الواجب، صواباً أو خطأ، هذا كله يزول، و طبيعة العالم طبيعة الزوال.. »العالم متغيّر«.. لكن ما يبقى هو آثار ذلك العمل في الديوان الإلهي. هذا هو الشيء الذي لا يزول. »لا يعزب عنه مثقال ذرة«.(6) حتى ما كان وزنه بمقدار ذرة - سواء كان معنى الذرة ذرة الغبار في الهواء أو بمعنى النملة - لن تخفى عن عين الحساب الإلهي. كاميرات الإله الخفية تسجل كل ذرة من أعمالنا و تحسبها و تزنها، و الأصعب من ذلك أنها تتسلط حتى على قلوبنا. ليست الكاميرات الخفية في الأبنية و أماكن العمل و داخل البيوت فقط، ففي قلوبنا أيضاً توجد كاميرات خفية. ما يمرّ في قلوبنا، و ما يمرّ في أذهاننا، و ما نفعله في الخلوات، ينعكس كله و يسجّل دون زيادة أو نقصان، فيتجلى يوم القيامة.. »فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ** و من يعمل مثقال ذرة شراً يره«.(7) ظاهر الآية هو أن هذا العمل يتجسد و يرى الإنسان ذلك العمل نفسه. المهم أن ذلك العمل يبقى، فلنفكر في هذا الذي يبقى. أحداث حياتنا و تعاقب أعمارنا و أيامنا بمحاسنها و مساوئها، و في ذروة الاحترام أو حضيض الأهانات، بجيب مملوء أو جيب فارغ، تنقضى كلها و لا تبقى مهما كانت. حتى الحسن منها لا يجدر بالمحبة و العلقة لأنه لا يبقى. و السيئ منها أيضاً لا يجدر بالشكاة لأنه لا يبقى بل يمضي و يمرّ. الشيء الذي يبقى هو آثار تلك الأعمال و نتائجها، و الثواب الإلهي، و العقاب الرباني، فلنفكر في هذا الشيء.حسناً، فرحنا جداً للقائكم أيها الإخوة و الأخوات خصوصاً الشباب منكم الحاضرون عائلياً في هذه الجلسة. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى و يؤيدكم جميعاً لتسيروا في الخط الصواب و الصحيح و الصراط الإلهي المستقيم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة آل عمران، الآية 173.2 - سورة آل عمران، الآية 174.3 - سورة غافر، الآيتان 44 و 45.4 - سورة الأنبياء، الآيتان 87 و 88.5 - سورة الكهف، الآية 39.6 - سورة سبأ، الآية 3.7 - سورة الزلزال، الآيتان 7 و 8. 
2010/07/13

كلمته في أعضاء مكاتب ممثليات الولي الفقيه في الجامعات

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، لقد تأخر اللقاء بكم مدةً من الزمن كما قالوا. نشكر الله و نشكر حضرة السيد محمديان على إعداده لهذا اللقاء الذي حصل و الحمد لله.وجود رجال الدين في الجامعات مسألة مهمة جداً. و مثل سائر المسائل المهمة فقد تعودنا على هذه الظاهرة و لم نعد ندرك أهميتها بصورة صحيحة. لاحظوا كيف كانت بنية الجامعات في البلاد، و ما هو الاتجاه الذي رسم للجامعات منذ بداياتها، و كيف تم إعداد الدروس من الناحية القيمية و من حيث التوجهات الفكرية، ثم قارنوا فترة ما قبل الثورة بالوضع السائد الآن في الجامعات بفضل الثورة الإسلامية و ببركة الإسلام من حيث تواجد رجال الدين و الفضلاء و أهل المعرفة و المعنى، و العلاقات الودية التي تربطهم بالأساتذة و الطلبة الجامعيين، و عندئذ ستلاحظون مدى أهمية وجود رجال الدين و الفضلاء المحترمين بين طلبة الجامعات و في الأجواء الجامعية.حينما نلاحظ هذه الأهمية فإن الأثر الأول الذي ينبغي أن يترتب على ذلك هو أن نغتنم أنا و أنتم - ممن لنا صلة بالجامعة - هذا الوضع و نعرف قدره و نشكر هذه النعمة الكبيرة بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشكر هو معرفة النعمة و اعتبارها من الله و استخدامها في الموضع الذي أراده الله. هذا هو المعنى العملي و الكامل للشكر. اشكروا هذه النعمة، و عندئذ ستكون أمامنا لائحة من الواجبات و المسؤوليات و التنبيهات.و في إطار حالة المقارنة هذه أذكر لكم أنه كان لبعض رجال الدين قبل الثورة و منهم أنا علاقاتهم بالطلبة الجامعيين. لم تكن هذه العلاقات علاقات تنظيمية و حزبية و لم تكن لغرض قضايا نضالية شديدة، بل كانت علاقات فكرية و معرفية و تبيينية، أي كانت لنا جلسات يشارك فيها الطلبة الجامعيون أو كنا نشارك نحن أحياناً في بعض جلسات الطلبة الجامعيين في الجامعات. في تلك الفترة كانت لي في مشهد جلسة تقام بين صلاتي المغرب و العشاء. كنت أقف أمام السبورة و أتحدث لمدة عشرين دقيقة أو نصف ساعة و كان تسعون بالمائة من المستعمين من الشباب و معظمهم من الطلبة الجامعيين أو طلاب الثانويات. ذات ليلة كان المرحوم الشهيد باهنر (رحمة الله عليه) في مشهد و جاء معي إلى مسجدنا، فذهل حينما رأى ذلك الوضع. و كان السيد باهنر شخصاً له علاقاته مع الأوساط الشبابية و الطلابية في طهران. قال إنني لم أر في عمري هذا العدد من الطلبة الجامعيين و الشباب في مسجد. و كم كان في مسجدنا من الشباب؟ أقصاه ثلاثمائة و أربعون أو ثلاثمائة و خمسون شخصاً، و مع ذلك، كان هذا الحال بالنسبة لرجل دين مستنير على علاقة بالشباب كالسيد باهنر، و كان هو نفسه جامعياً أمضى دورات جامعية و على معرفة بالأجواء الطلابية و الأنشطة الدينية العصرية الحداثية، كان اجتماع نحو ثلاثمائة أو ثلاثمائة و خمسين شاباً - ربما كان منهم مائتان من الطلبة الجامعيين - شيئاً عجيباً أذهله و أدهشه.. يجتمع مائتا طالب جامعي في مكان واحد و يتحدث لهم رجل دين!و لكم أن تقارنوا تلك الحال بالحال التي تعيشها الجامعات اليوم.. وصول رجل الدين الفاضل الشاب - مثلكم - للبيئة الجامعية و الطالب الجامعي و الأساتذة الجامعيين.. قارنوا هذا بذاك و لاحظوا كم هي فرصة عظيمة قيمة. عليكم المحافظة على هذه الفرصة و اغتنامها و الانتفاع منها، هذه هي النقطة الأصلية.تبرز أهمية هذا الحدث و الظاهرة حينما نعلم أن المناخ الجامعي هو المستهدف في الكثير من الإساءات و الإعلام السيئ. تلاحظون أن من الأمور التي يشددون عليها في إعلامهم قضية أسلمة الجامعات و يقولون لماذا تريد الجمهورية الإسلامية أسلمة الجامعات؟ و هذه إحدى مظاهر أسلمتها.النقطة الثانية تتعلق بوضع الجامعات و الطلبة الجامعيين في البلاد. إنني أوفق تماماً ما قاله حضرة السيد محمديان حول أفكار الطلبة الجامعيين و توجهاتهم الفكرية و العقلانية في الوقت الراهن. البعض ينظرون للنقاط السلبية فقط، و أحياناً حينما نثني على الجامعات و الطلبة الجامعيين و الشباب، يقولون في أنفسهم لا بد أنهم غير مطلعين على المفسدة الفلانية و الإشكال الفلاني الموجود، لا، القضية هنا ليست قضية عدم اطلاع، لسنا عديمي الإطلاع كثيراً على الجوانب السلبية و النواحي المظلمة، و لكن ينبغي النظر لطبيعة العمل و المسألة و طبيعة الشباب، خصوصاً إذا كانوا طلبة جامعيين و في أجواء جماعية و معرضين للإعلام العجيب الذي تنشر اليوم و يبث، و الإغواءات و الإغراءات الموجودة و التأثيرات التي تمارس على أفكار شبابنا الواعين الجامعيين. بالنظر لهذه الحقائق لاحظوا الواقع المتألق في المناخ الجامعي من الناحية الدينية، و هنا سيجد المرء أن هذا الواقع على جانب كبير من الأهمية. هذه الأحوال التي أشاروا إليها - أعمال الاعتكاف و صلاة الجماعة و المشاركة الناشطة في المواطن و المراكز الحساسة، و المخيمات الجهادية، و أنشطة البناء - الطالب الجامعي الشاب في بلادنا لا نظير له للحق و الإنصاف. و كذا الحال بالنسبة لأساتذتنا، كل هؤلاء الأساتذة المتدينين المؤمنين الناشطين المحبين للمصير الديني و الإسلامي للبلاد و الشعب ؛ هذه حالة لم يكن لها وجود في أي وقت من الأوقات في بلادنا، و ليس هذا و حسب و لم تكن لتخطر على بال أحد. و هي حالة غير موجودة في العالم اليوم. هذه هي بيئة جامعاتنا.. إنها بيئة دينية و إسلامية. و هذا لا يعني أننا راضين بهذا المقدار، لا، القضية هنا ليست قضية رضا و اقتناع، و لكن لا يمكن للمرء أن يكون غير راض و غير مرتاح من أعماق قلبه. هذه نعمة إلهية كبيرة. إذن، هذا هو الواقع. المناخ الجامعي مناخ مناسب حقاً و هو مناخ متميز حقاً من الناحية الدينية حسب ما يتوقع منه.ينبغي أخذ التوقعات بنظر الاعتبار. التوقع من كل بيئة يكون على شكل معين. المتوقع من البيئة الجامعية و طلبة الجامعات يختلف عن التوقع من بيئة طلبة الحوزات. المقتضيات هنا و العوامل المؤثرة، و العوامل التاريخية، ينبغي أخذ كل هذه الأمور بنظر الاعتبار حتى يمكن للإنسان اجتراح تقييم صحيح. إذن، البيئة الطلابية الجامعية بيئة جيدة جداً، لذا ينبغي الاستفادة منها.الشيء المهم بالدرجة الأولى في رأيي هو أفكار المتلقين و قلوبهم. الفكر أولاً ثم القلب. الفكر يعني أنه يجب تعزيز البنية العقيدية لهذا الشاب. الشاب عرضة للتحول و التغيير. المؤثرات في العالم اليوم كبيرة و واسعة جداً. ينبغي تقوية البناء الفكري للشاب بحيث لا يتأثر بالعوامل و التيارات السلبية و المعارضة و المعاندة، و ليس هذا فقط بل و يستطيع هو التأثير على بيئته. يجب أن يستطيع الإشعاع و التنوير و تعريف بيئته بالمباني و المعارف الإسلامية و يكون السبّاق و الرائد في هذا الطريق. ينبغي أن يتحلى بمثل هذه الحالة من الناحية الفكرية.و حينما نتحدث عن الناحية القلبية فلأن الجانب الفكري وحده لا يكفي - و الحق يقال - لعروج الإنسان، بل و لثباته على الصراط المستقيم. إذ لا بد من الجانب القلبي و الروحي إلى جوار الجانب العقيدي. لا بد من حالة الطوع و الخشوع و الذكر و التوجه إلى الله، فهذه كلها ضرورية للإنسان، و إذا توفرت عوضت الكثير من النواقص. و إذا لم تتوفر فإن القوى الفكرية و قدرات البرهنة و الاحتجاج لن تساعد الإنسان في الكثير من المواطن. ينبغي تأليف قلب الشاب بالنصيحة و الموعظة الحسنة و السلوك الحسن، و تعريفه على الخشوع و التوسل و التوجه لله و ذكره. يجب تبيين الصلاة له بشكل جيد، و تبيين الذكر الإلهي له بنحو صحيح. و سيكون كل هذا رصيداً لذلك الفكر. إذا كان هذا فلن تزول تلك الاستقامة الفكرية بل ستبقى. لين القلب و التوجه و الذكر ينفع الإنسان في الميدان العملي و هو الذي يبقي على الإنسان ثابتاً قوياً، لذلك فهو شيء ضروري. ينبغي تعزيز هذين الشيئين لدى الشاب.يجب أن تؤسسوا صفوفاً و دروساً للمعارف الدينية.. المعارف الدينية المتينة و بلغة العصر و المناسبة لأفكار الطالب الجامعي و أدبياته. هذه أمور ضرورية و لا مناص منها. هنا يتجلى أحد مصاديق الحكمة التي توصي بالتحدث بلسان القوم. ينبغي التحدث بلغة الطالب الجامعي.. بأدبيات يستطيع أن يفهمها الطالب الجامعي. قد تكون هناك أدبيات نافعة و مجدية في بيئة و غير نافعة في بيئة أخرى. هذا شيء يشبه تماماً اختلاف اللغات. الحق أن الاختلاف بين الأدبيات كالاختلاف بين اللغات. كما لو أن إنساناً يتحدث في بيئة فارسية باللغة الغجراتية مثلاً. لن يفهم أحد منه شيئاً. إذا لم يكن المرء عارفاً بأدبيات المناخ الشاب و الأجواء الطلابية الجامعية و لم يستخدم هذه الأدبيات فسيكون طريق التواصل الفكري مسدوداً و التأثير قليلاً. إذن من الضروري جداً التحدث بلغة القوم.و على صعيد الموعظة الحسنة - و لا أعبّر عنها بكلمة التربية لأن للتربية معنى أعم - أعتقد أنه علاوة على قضية اللسان هناك مسألة السلوك و هي مسألة ضرورية و لازمة. هنا يتبيّن معنى »كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم«.(1) الشيء الذي يؤلف القلوب بل و يخضع حالات العناد، و يستقطب المعاندين هو السلوك الجيد. طبعاً السلوك الجيد يشمل الأخلاق الجيدة و التواضع و صدق الحديث و صدق المواقف و الصراحة في ذكر الحقيقة و علو النظر في الأمور المادية و الدنيوية.. هذه أشياء تدل على الإخلاص في العمل. إذا توفّر لنا الإخلاص في العمل بتوفيق من الباري، فسوف ينعكس ذلك يقيناً في سلوكنا و أقوالنا. و على ذلك فالسبيل الأنجع للنقطة الأساسية المهمة الثانية هو أولاً لسان الموعظة و النصيحة الأخوية - و أحياناً الأبوية المشفقة - و ثانياً العمل و السلوك. من الأمور التي اعتقد أنها تساعدكم هو ما قاله الإمام علي بن أبي طالب حول النبي الكريم: »طبيب دوّار بطبه قد أحكم مراهمه و أحمى مواسمه« (2). ينبغي عدم حبس الذات في الغرف و خلف المناضد. ليس في صالحنا نحن رجال الدين و المعممين أن نتخذ شكلاً إدارياً. مهما كانت مسؤولياتنا هنا يجب أن لا نفقد طبيعتنا الطلابية الروحانية المتمثلة في التآلف مع الناس و العيش بينهم و التحدث بلغتهم و الاستماع لهمومهم.و بالطبع، فقد شاهدنا كلا الحالتين بين رجال الدين. ثمة أشخاص ليس لهم أية مواقع رسمية أو إدارية و مع ذلك كان سلوكهم مع من يواجهون من الناس كسلوك الإنسان الإداري الجاف غير اللين و عديم الاهتمام و المحبة و الابتسام. و شاهدنا العكس، حيث كان هناك أشخاص لهم مسؤولياتهم الإدارية لكنهم حيث يلتقون بالناس في مواقعهم يتعاملون معهم تعاملاً ودياً أبوياً مشفقاً مخلصاً.. هذا هو الشيء الصحيح و الحسن. إذن، هذه أيضاً مسألة و هي عدم حبس الذات داخل القوالب و الأطر المؤسساتية. و هذا لا يعني أنني أعارض التنظيم و العمل المؤسساتي، لا، الإدارة غير ممكنة من دون تنظيم و مؤسسات، و الأعمال لا يمكن إنجازها من دون ذلك. أبداً، إنني أومن بالنظام و العمل المؤسساتي المنظم، لكنني اعتقد في الوقت ذاته أن هذا النظام المؤسساتي يجب أن لا يخرجنا عن هويتنا.. إننا على كل حال رجال دين و علينا العيش على طريقة رجال الدين و بالنحو المعروف لرجال الدين الشيعة. و طبعاً، هذه الحالة ليست معدومة كلياً لدى المذاهب و الأديان الأخرى، إنما يوجد نظير لها في بعض المواطن و هي مفيدة جداً لهم، لكنها سنّة دارجة بين الشيعة هذه الحالة المشهودة بين رجال الدين الشيعة و المتجلية بألفتهم مع الناس و اعتمادهم على الناس في معيشتهم، و إشفاقهم على الناس، و اشتراكهم في هموم الناس.. هذه حالة ينبغي المحافظة عليها و هي مهمة جداً.حسناً، أشاروا إلى الأعمال التي تم انجازها. هذه أعمال جيدة جداً. و توصيتي الأخرى - و هي توصية لمنظومتكم الإدارية - هي أن تتجهوا في أنشطتكم نحو القطاعات الميدانية مقابل اللجان.. بمعنى أن تولوا الأهمية الأكبر للحالة الميدانية دون حالة اللجان. الطاقات اللجانية إنما هي للتخطيط و البرمجة و تنظيم الأفكار و رسم الخطوط و الخطط الطويلة الأمد و المتوسطة الأمد و ما إلى ذلك. ينبغي المحافظة على اللجان في هذه الحدود، أما إذا اتسعت اللجان و نمت فسوف تفرز المشكلات و تثقل على الجسد.على كل حال العمل مهم جداً و قد أنجزت منظومتكم و الحمد لله طوال هذه الأعوام أعمالاً جيدة. نرجو أن يساعدنا الله تعالى لتستطيعوا مواصلة هذا الجهد و الجهاد المقدس إن شاء الله. طبعاً، تتحمل الحوزات العلمية واجبات كبيرة جداً في الإسناد البشري و العلمي لهذه المنظومة. للحوزات العلمية واجباتها و للأجهزة و المؤسسات الحكومية أيضاً واجباتها الجسيمة. و لحسن الحظ فإن الأرضية مهيئة لكم في هذه الحكومة. هذا ما أقوله عن علم و إطلاع على مواقع القرار. الأعمال يسيرة مرنة بالنسبة لكم في هذه الدورة و في هذه الحكومة، و لم تكن الأمور بهذا اليسر و السهولة في بعض الحكومات. البعض لم يكونوا يوافقون أساس القضية و البعض كانوا قليلي المساعدة. و هذه أيضاً من أسباب الشكر حيث ينبغي شكر هذه النعمة.وفقكم الله تعالى جميعاً و أيدكم و ستكون أعمالكم إن شاء الله مقبولة عند الله و مرضية عند سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و عسی أن تقدموا أعمالاً بنوعية أفضل و مستوى أعلى على الدوام.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - مشكاة الأنوار، ص 46.2 - نهج البلاغة، الخطبة 108.
2010/07/10

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة المبعث النبوي الشريف

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك هذا العيد الكبير لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، مسؤولو البلاد و الضيوف الكرام - سفراء البلدان الإسلامية - الحاضرون في هذا الاجتماع، و كذلك للشعب الإيراني الكبير المؤمن المخلص، و لكل المسلمين في العالم، و لكل أحرار العالم.عيد المبعث أكبر خاطرة تاريخية خالدة، لأنه أوجد حقبة حساسة للغاية في تاريخ البشر، و عرض على الإنسانية مساراً و طريقاً إذا سار فيه بنو البشر فسوف تتحقق لهم كل مطاليبهم الفطرية و الطبيعية و التاريخية. عانت البشرية على امتداد التاريخ من عدم توفّر العدالة. أي إن العدالة كانت المطلب الكبير لكل أبناء الإنسانية على مرّ التاريخ. إذا رفع شخص اليوم راية العدالة يكون في الحقيقة قد طرح مطلباً تاريخياً طويل الأمد و طبيعياً و فطرياً من مطاليب الإنسان. الدين الإسلامي و المسيرة الإسلامية و بعثة النبي الأكرم (ص) كانت من أجل العدالة بالدرجة الأولى، شأنها شأن بعثة كل الأنبياء الآخرين.من المطاليب المهمة الأساسية الأخرى للبشرية السلام و الأمن و الاستقرار. يحتاج البشر من أجل حياتهم و تنمية أفكارهم، و تطوير أعمالهم و تهدئة نفوسهم إلی الاستقرار و السكينة و المناخ الآمن الهادئ سواء في داخل نفوسهم أو في بيئتهم العائلية أو في مناخ مجتمعهم أو في الأجواء الدولية. الاستقرار و الأمن و السلام و الصلح من المطاليب الأساسية عند البشر. و الإسلام يحمل رسالة الأمن و الصلح و السلام. و نحن نقول الآن تبعاً للقرآن و لتعاليم القرآن إن الإسلام دين الفطرة. بمعنى أن الطريق الذي يرسمه الإسلام أمام البشرية هو طريق الفطرة.. طريق إشباع الاحتياجات الفطرية لدى الإنسان. بهذه الشمولية، و بهذه الدقة، و بهذا الاهتمام و التوجّه حصلت بعثة الرسول الأكرم (ص) من قبل خالق العالم، و وعد الله بفلاح البشرية: »بشيراً و نذيراً«.(1) البشارة بالدرجة الأولى هي التبشير بهذه الحياة الهادئة المصحوبة بالعدالة و الملائمة لبنية الإنسان. و طبعاً ثمة بعد ذلك بشارة الثواب الإلهي المتعلق بحياة الإنسان الدائمية. لذا كانت بعثة الرسول في حقيقتها بعثة الرحمة. بهذه البعثة شملت الرحمة الإلهية عباد الله، و انفتح هذا الطريق أمام البشر، و طرحت العدالة، و طرح الأمن و السلام: »... قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ** يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَ يُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور...«. بهذه الدساتير و بهذه التعاليم دلّ الرسول الأكرم (ص) الناس على طرق السلام و الأمن. و طرق السلام هذه - طرق الأمان، و الاستقرار، و الأمن - تختص بكل المناخات المهمة للإنسان، ابتداءً من المناخ الداخلي القلبي للإنسان إلى مناخ المجتمع و أجواء العائلة، و بيئة العمل، و بيئة الحياة الجماعية إلى المناخ الدولي العالمي. هذا هو ما يتوخاه الإسلام و يريده.ما يطرحه الإسلام كهدف للأعداء هو تحديداً النقاط التي تتعارض مع هذه الخطوط الرئيسية لحياة البشر. الذين يعارضون العدالة و يعارضون السلام و الأمن و الاستقرار، و الذين يعارضون الصفاء و الروح النقية و المتسامية عند البشر هؤلاء يقفون على الضد من دعوة الرسول الأكرم (ص). إنما أوجب الله تعالى الجهاد على المسلمين من أجل العدالة. و الجهاد ليس شيئاً يختص بالإسلام فهو موجود في كافة الأديان الإلهية. أعداء الدعوة المحمدية هم معارضو هدوء الناس و استقرارهم و استقرار المجتمع و سموّه، و الذين يعادون مصالح الإنسانية. هذه هي النقاط التي يهدف إليها الإسلام. و قد بيّن الرسول الأكرم (ص) منذ بداية بعثته نقاطاً جلية ساطعة بما أوحي إليه من آيات.في سورة »إقرأ« المباركة هذه و آياتها على ما يبدو أول الآيات التي نزلت على الرسول - و قد نزلت الآيات اللاحقة بعد مدة من الزمن لكنها في أوائل البعثة على كل حال - يقول عزّ و جلّ: »كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعن بِالنَّاصِيَةِ ** نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ** فَلْيَدْعُ نَادِيَه ** سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ«.(3) الذين وقفوا أمام دعوة الرحمة و دعوة العزة و الدعوة للسكينة و الأمن جرى تهديدهم في أول سورة من القرآن الكريم.أو في سورة »المدثر« المباركة، و هي أيضاً من أول السور التي نزلت على الرسول، جرى التشديد على العنصر المعارض لحياة البشر: »ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ** وَ جَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا ** وَ بَنِينَ شُهُودًا ** وَ مَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ** ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ** كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ** سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا«.(4) إشارة إلى وقوف هذه الحركة العظيمة مقابل الشخص الذي يعارض الرسول الأكرم (ص)، و يعارض مصالح المجتمع البشري، و يعارض سبيل الحق. لذا كان في الإسلام كفاح و جهاد، إلا أن هذا الجهاد جهاد مقابل معارضي استقرار الحياة البشرية و أعداء العدالة و أعداء سعادة الإنسانية. لذلك حينما تلاحظون القرآن الكريم و سيرة الرسول ترون أنه منذ اليوم الأول الذي تشكلت فيه الحكومة الإسلامية كان ثمة غير مسلمين يعيشون حياة الأمن و الاستقرار في ظل الرسول (ص). اليهود الذين كانوا في المدينة عقد الرسول معهم معاهدات ليعيشوا حياة هادئة بجانب الرسول (ص)، لكنهم تآمروا و عارضوا و خانوا و طعنوا غدراً، لذلك وقف الرسول (ص) بوجههم. لو لم يعارض يهود المدينة و لم يبدوا العداء و الخيانة ربما لم يكن ليتعرض لهم الرسول (ص) أبداً.إذن، الدعوة الإسلامية دعوة معنوية لها براهينها و أدلتها.. إنها دعوة بمعنى عرض الحياة النيّرة السعيدة على البشر.يظهر مقابل هذه المسيرة معارضون و أعداء، و الإسلام يقصي هؤلاء المعارضين.. الإسلام لا يتصرف بطريقة انفعالية. إذا كان ثمة معارض لسعادة الإنسان و دعوة الحق فسوف يقارعه الإسلام و يقف بوجهه. قارنوا هذا بما فعلته القوى المعتدية في العالم على مرّ التاريخ و لا تزال تفعله إلى اليوم. يحاربون من أجل التوسع و القوة و لأجل تكريس اللاعدالة.لاحظوا ما يجري في العالم اليوم، تنتج القوى المهيمنة و المستكبرة في العالم السلاح لتهديد البشرية و ليس لنشر العدالة، بل لنشر اللاعدالة، ليس لتوفير الأمن للإنسان، إنما لسلب الأمن من الذين لا يستسلمون لهم. هذه هي الحال في العالم اليوم.و لهذا السبب نسمي الجاهلية الموجودة في العالم اليوم الجاهلية الحديثة.. عصر الجاهلية لم ينته. الجاهلية معناها مواجهة الحق و مجابهة التوحيد و مواجهة حقوق الإنسان، و معارضة الطريق الذي اختطه الله للبشر من أجل سعادتهم. هذه الجاهلية موجودة اليوم أيضاً، و بأشكال حديثة، و باستخدام العلم، و التقنيات الحديثة، و الأسلحة النووية، و أنواع الأسلحة الأخرى التي يتم إنتاجها لملء جيوب أصحاب الصناعات المخربة و المدمرة لحياة البشر.قصة التسلّح و الميزانيات و التكاليف العسكرية في العالم اليوم من القصص الإنسانية المخزية. معامل السلاح في العالم تصنع حالياً مختلف أنواع السلاح من أجل بيعها. يختلقون الحروب في العالم و يوقعون بين البشر و بين الحكومات، و يفتعلون الأخطار و التهديدات ليستطيعوا إشباع أفكارهم الخائنة و أطماعهم الخبيثة. لذلك، طالما كانت القوى الكبرى ممسكة بزمام القضايا العالمية لن تنتهي الحروب في العالم. الحروب فيها مصالح مادية لهم. هذه الحروب ليست حروباً في سبيل العدالة. يكذب الأمريكان و الآخرون حين يقولون إننا نحارب من أجل توفير الأمن، كلا، العكس هو الصحيح. أينما كان لهم تواجدهم و تحركاتهم العسكرية عملوا على انعدام الأمن و انعدام العدالة و تعقيد حياة الناس. منذ أن ظهرت هذه الأدوات الحديثة في العالم يعرض البشر للضغوط و المتاعب. طوال خمسة و أربعين عاماً - أي بعد الحرب العالمية الثانية حتى سنة 1990 ميلادية - و هي الفترة التي اصطلحوا عليها عنوان »الحرب الباردة«، ورد في التقارير الرسمية الدولية أنه لم يخل العالم من الحروب باستثناء ثلاثة أسابيع فقط! كانت هناك حروب في مناطق العالم المختلفة طوال هذه الأعوام الخمسة و الأربعين. من الذي أوجد هذه الحروب؟ إنهم الذين ينتجون السلاح. التكاليف العسكرية للقوى الكبرى اليوم من أضخم التكاليف. وفقاً لإحصائياتهم في العام الميلادي المنصرم أنفقت الحكومة الأمريكية على الشؤون العسكرية أكثر من ستمائة مليار دولار! و نحن نشهد هذه التكاليف العسكرية اليوم إلى جوارنا. إنها تكاليف تنفق على أفغانستان، و لأجل قمع الشعب الأفغاني المسلم. و تنفق على العراق لأجل تشديد القبضة على الشعب العراقي. و تنفق لمساعدة الكيان الصهيوني الخبيث، و الإبقاء على التوتر في منطقة الشرق الأوسط. هذه هي توجّهات القوى الفاسدة حالياً. الإسلام يكافح هذه الظواهر و يعارضها.الذين يجدون جدواهم و صلاحهم في أن تشتبك الشعوب المسلمة و الحكومات المسلمة فيما بينها بحروب، و أن تتكرس الكراهية فيما بينها، و أن تخاف بعضها، و تعتبر كل واحدة منها الأخرى تهديداً و خطراً، هؤلاء هم الذين يرتبط استمرار قدراتهم الاستكبارية و الاستعمارية باستمرار الحروب في العالم. الحروب بالنسبة لهم وسيلة للسلب و النهب. يهلك كل هؤلاء الناس و تنفق كل هذه الأموال على التسلّح و إنتاج الأسلحة الغالية... لماذا؟ لأجل أن يحصل أصحاب الشركات الكبرى على أموال أكثر، و يصيبون ملذات أكثر في حياتهم. هذا هو النظام الطاغوتي الجاهلي الخطير على البشرية، و المهيمن للأسف على حياة الناس البعيدين عن جادة التوحيد.لا ريب أن هذا النهج سوف لن يبقى، لأنه بخلاف الحق، و لأنه باطل، و لأنه آيل إلى الزوال: »جَاء الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا«.(5) الباطل هو ما خالف السنة الإلهية في الخلق.. هذا شيء يزول و لا يبقى. و يلاحظ الإنسان راهناً علامات هذا الزوال. حينما ينظر المرء للواقع الدولي يلاحظ مؤشرات هذا الزوال. لقد تغيّر وضع العالم، و الشعوب قد صحت، و لحسن الحظ فإن هذه الصحوة مضاعفة لدى الشعوب الإسلامية.. الشعوب المسلمة و الحكومات المسلمة أخذت تدرك تدريجياً أهمية الإسلام و عظمته و عظمة هذا السند الموثوق القوي. لقد أدت اليقظة الإسلامية في العالم الإسلامي اليوم إلى سلب القوى الكبرى اقتدارها السابق الذي كان لها. وضع أمريكا يختلف عمّا كان عليه. و القوى الأصغر من أمريكا أيضاً تعيش نفس هذا الواقع و تمرّ بهذا الوضع. على الشعوب المسلمة أن تعرف قدر طريق التوحيد و تعتبر الوعد الإلهي صادقاً. سعادة المسلمين اليوم تكمن في أن يتحدوا مع بعضهم حول محور الإسلام.طبعاً ثمة عداء و سيكون هناك عداء في المستقبل أيضاً. أينما كان هناك وعي و صحوة أكثر، يشعر أعداء الإنسانية بالخطر أكثر. لذلك يمارسون عداءً أكثر. إننا نفهم جيداً معنى العداء الذي يمارسونه ضد الجمهورية الإسلامية.. نعرفه جيداً و نعرف أسبابه الحقيقية. السبب هو أن الجمهورية الإسلامية ترفع راية صحوة الشعوب المسلمة. لأن الجمهورية الإسلامية تدعو الشعوب و الحكومات للاتحاد و العزة و تقول إن على الشعوب و الحكومات أن تعرف قدر عزتها في ظل الإسلام. هذا هو سبب العداء و نحن نعرفه، و نعرف أن هذه العداوات سوف تخفق، كما أخفقت إلى اليوم. إنهم يعملون منذ إحدى و ثلاثين سنة ضد الجمهورية الإسلامية، و منذ إحدى و ثلاثين سنة و الجمهورية الإسلامية تتجذر و تقوى أكثر فأكثر بفضل من الله. و سوف يستمر هذا السياق. كلما استمرت حالات العداء كلما صحت الجماهير الإيرانية و الجماهير المسلمة، و قواعد الإسناد في العالم الإسلامي، و عرف قدر نفسها أكثر.نتمنى أن يعين الله تعالى كافة الحكومة الإسلامية و كل الشعوب الإسلامية لتعتمد على نفسها و لا تهاب القوى المستكبرة، و تعلم أن قدرات هذه القوى آيلة للزوال، و أنها قدرات مزيفة باطلة، و هذا الباطل لا يبقى. الذي يبقى هو ما ينفع البشرية و الناس.. »... وَ أَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ...«.(6)نتمنى أن يقرّبنا الله تعالى جميعاً ببركة البعثة النبوية لطريق الإسلام و لطرق الإسلام. و يعرِّف قلوبنا أكثر على الأحكام و المعارف الإلهية. و يقرِّب قلوب المسلمين من بعضها أكثر فأكثر. و يضع أيدي الحكومات المسلمة في أيدي بعضها لتستطيع الأمة الإسلامية إن شاء الله استعادة قدرتها و عزتها و سمعتها المهدورة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة البقرة، الآية 119.2 - سورة المائدة، الآيات 15 - 16.3 - سورة العلق، الآيات 15 - 18.4 - سورة المدثر، الآيات 11 - 17.5 - سورة الإسراء، الآية 81.6 - سورة الرعد، الآية 17. 
2010/07/09

كلمة الإمام الخامنئي في فناني و مسؤولي التلفزيون

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الأصدقاء الأعزاء، الإخوة و الأخوات الفنانون المميزون البارزون. يبدو لي أنني لم أجتمع لحد الآن بمثل هذه الجماعة الحسنة التركيبة لاستمع آراءهم و أرى الوجوه المحبوبة التي شاهدت أسماءها أو وجوهها عن طريق التلفاز فقط.لقد سنحت هذه الفرصة و الحمد لله. لقد إلتقينا الكثير منكم أيها الأصدقاء الأحباب عن قرب و سمعنا آراءكم.. يقول الشاعر: »رأيت بعيني ما كنت سمعته من القصة«. اللقاء بكم أيها الأعزة أمر طيب بالنسبة لي. ثقوا أنه لو كان ثمة وقت لكنت مستعداً تماماً للجلوس عدة ساعات أخرى للاستماع لكلام عدد أكبر منكم، و ربما جميع الذين يريدون التحدث. إنني أستفيد من سماع هذه الكلمات. ثمة أشياء و تصورات في ذهن الإنسان بوسعه تصحيحها، أو أنه قد ينقل نقاطاً يظن أن الآخرين غافلون عنها.الوقت ضيق و لا يسعني المجال لذكر جميع النقاط التي سجلتها هنا و هي كثيرة جداً، فنهاية وقتنا بطبيعة الحال أذان الظهر، فإذا حان وقت الأذان سأضطر لمفارقتكم. ثمة تقريباً خمس و عشرون دقيقة أو نصف ساعة أذكر فيها ما يجول بخاطري.السبب في قولي إنني مستعد للسماع منكم هو اعتقادي بأن التلفزيون و الإذاعة و خصوصاً قسم الفنون التمثيلية - قسم المسلسلات و الأفلام - أهم بالنسبة لنا اليوم من أي وقت مضى. إنني لا أنظر على الإطلاق نظرة متهاونة للتلفزيون و لا أمر به مرور الكرام. الفنون التمثيلية مهمة جداً. و أبعاد تأثير هذه الفنون و مشاركتها في صناعة الثقافة واسعة جداً. و نحن اليوم بوصفنا شعباً حياً له ما يقوله و يشعر بهويته و وجوده و له بسبب ذلك أعداء كبار، نواجه أعداءً يستخدمون ضدنا طرائق و أساليب مختلفة و منها الأساليب الفنية و خصوصاً الفنون التمثيلية. و في هذا دلالة على أننا - كمنظومة لها ما تقوله في العالم و لها هدفها - كم علينا الاهتمام بالفنون التمثيلية و الاستثمار المادي و المعنوي فيها. لذلك فإنا أهتم اهتماماً حقيقياً بهذا الموضوع.للإذاعة و التلفزيون اليوم دور مهم، و كذلك واجب كبير. و أنتم الأصدقاء الأعزاء من بأيديكم أحد أكثر أقسام الإذاعة و التلفزيون حساسية، تتولون ممارسة دور مهم جداً في حاضر بلادكم و مستقبلها. إننا نعتبر الإذاعة و التلفزيون القطب الأهم و الأكبر للهداية الفكرية. حينما قال الإمام الخميني إن الإذاعة و التلفزيون هي جامعة البلاد الكبرى لم يكن يجامل أحداً في مقولته هذه. فهذا هو الواقع و الحقيقة. إنها جامعة كبرى. إننا نروم أن ينهمر من هذه القمة و من هذا الينبوع، زلالُ المعارف الإلهية و الإنسانية و السياسية السليمة، و كذلك دروس الحياة المتنوعة على الناس. هذا هو توقعنا من الإذاعة و التلفزيون. حسناً، انظروا الآن ماذا تريدون أن تفعلوا في هذا المضمار.طبعاً، هذه الآراء التي ذكرت، كنت أخمِّن أن يشير الأعزاء إليها، أي إنها لم تكن غير متوقعة بالنسبة لي. النقاط التي ذكرتموها أنا أعلم بعضها أو معظمها، و أعطيكم الحق بخصوص عدم توفر الأمن النفسي عند إنتاج العمل الفني، أو الشعور بهموم انعدام الأمن، أو مواجهة النقد، أو على حد تعبير أحد الأصدقاء حتى مواجهة الأجهزة القضائية و الشرطة و ما إلى ذلك. و لكن ثمة هنا مسألة و هي أنكم فنانين و الفنان حساس. أنا و أمثالي من الناس الأشداء لو قُدِّر لهذه المشاعر و الحساسيات التي تجعلكم قلقين هكذا و تبعث فيكم الشكاة و القشعريرة، أن تقصينا نحن أيضاً عن الساحة، لكان الوضع الآن بشكل آخر. حسناً، في حين أني كثيراً ما عاشرت الفنانين بأشكال مختلفة - و معظمهم من فناني حيّز الشعر و الأدب و القصة - منذ شبابي و إلى الآن، و أعلم لطافة أرواحهم و لينها و حساسيتها، كيف لي أن أطلب منكم عدم الالتفات لهذه النقود، و العكف على أعمالكم؟ الناس تتكلم فلتتكلم. باب النقد مفتوح على كل حال. لاحظوا مسلسل »النبي يوسف« مثلاً. تم إنتاج مسلسل لوحظت فيه كافة الضرورات الشرعية و مختلف صنوف الضوابط. و هو سيرة أحد الأنبياء. و أساس العمل قائم على العفاف و ليس الأسس الدارجة في الأفلام العالمية من قبيل الحبّ و الشهوات و ما إلى ذلك. ثم يواجه هذا المسلسل كل هذا الإقبال في العالم الإسلامي، و ربما في أماكن من العالم غير الإسلامي. مع ذلك كتبوا نقداً في إحدى الصحف و سجلوا ملاحظات صريحة على المسلسل و ذكروا أموراً سيئة، و خلقوا مشكلات أخرى. هذه أمور تحصل على كل حال. أريد أن أقول لكم لا تهتموا كثيراً للذين ينتقدون و يتكلمون. لو تقرر أن تلاحظوا هذه الأمور و الهموم و بعضها ربما غير واقعي - أي إن الروح الحساسة اللطيفة للفنان تتصورها، و هي في الحقيقة توهم الهمّ - لارتفعت حقاً إمكانية العمل. إنني اعترف بهذا، لذلك يجب أن لا تطيلوا الوقوف عند هذه الهموم و المقلقات. هذا أحد جوانب القضية.الجانب الآخر للقضية أنه توجد فعلاً خطوط حمراء يجب مراعاتها. تجاوز بعض الخطوط الحمراء الأخلاقية أحياناً - و لا أروم التشديد على الخطوط الحمراء السياسية، إنما يقلق الإنسان عموماً للأخلاق و الدين و ما شاكل - لا داعي له في الأفلام و المسلسلات. ينظر المرء فيرى مسلسلاً متيناً و حسن المضمون لن يضيره شيء إطلاقاً إذا لم تكن فيه هذه الزائدة. لدينا أمثلة من هذا النوع. بعض علاقات الحبّ بين البنات و البنين التي تصور في الأفلام سيئة و تتضمن تعليماً سلبياً. هذا يختلف عمّا شاهدناه في مسلسل »الإغماء« مثلاً. شخص يحصل في ذهنه و هم أو تصوّر معين ثم يفهم في نهاية المسلسل أن الأمر ليس كذلك. هذا لا إشكال فيه، نعم، الحق في هذا معكم. أما أن تصوروا نمطاً من العلاقة بين المرأة و الرجل كعلاقة حبٍّ مغلوطة - كحالات الحبِّ المثلث أو المربع - في الفيلم، فهذا شيء مضر. هذا شيء لا يمكن معالجته، فلنحاول عدم إدراج مثل هذه الأشياء في الأفلام.و لنفترض فيلماً له ظاهر النقد و شكله و قناعه الظاهري - فالنقد شيء جيد على كل حال - لكنه ليس عملاً ناقداً في الحقيقة، بل هو ضرب من التململ و التبرم. ثمة فرق أساسي بين النقد و التململ. النقد هو أن تجدوا نقطةً سلبية تعرضونها على أساس نقطة إيجابية تطرح في عملكم التمثيلي أو قصتكم، و تجعلونها مهزومة مقابل هذه النقطة الإيجابية. جوهر العمل التمثيلي هو طبعاً القصة و السيرة. و لديكم في هذه القصة بطل و هدف. هذا البطل يسعى وراء هدف، و يكافح عقبات و موانع معينة. إنكم تصورون تحدياً جاداً و واقعياً و عينياً. ما يقصده هذا البطل هو الوصول إلى ذلك الهدف و مكافحة هذه العقبات. و العقبات هي القبائح و السلبيات. بالتالي ما الذي يريد فعله الفنان الذي يكتب السيناريو أو المخرج الذي يخرج العمل، ما الذي يريد فعله في هذه القصة؟ ماذا يريد أن يجعل نتيجة هذا الكفاح و ثمرته؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. إذا كان يجب أن تكون ثمرة هذا الكفاح و التحدي بين الخير و الشر انتصار الخير على الشر فعليكم تصوير حركة الخير و مسيرته في هذا العمل التمثيلي. نعم لا إشكال في تصوير حركة الشر، و لكن ليتضح أن هناك حركة للخير تجري على يد شخصية البطل، فهو يناضل من أجل هذا الخير و يضحي في سبيله، بل و يموت من أجله أحياناً و في سبيل أن يصل إلى ذلك الهدف. بمعنى، صحيح أنكم تعرضون العيوب و السلبيات، و لكن تعرضون أيضاً شيئاً أكبر هو الجهاد و الكفاح ضد هذا القبح. و هذا سيكون نقداً. أنا باعتباري رجل دين و مسؤولاً في نظام الجمهورية الإسلامية أقول لكم: لا إشكال إطلاقاً في مثل هذا النقد، بل هو محبّذ لأنه يسوق المجتمع صوب رفع النواقص و المعايب، و هذا جيد.و لكن أحياناً لا يكون الأمر من هذا القبيل، بل هو من قبيل التململ و التبرم. يركز المرء على نقطة سلبية و يكررها دوماً. و هل تفارق النقاط السلبية و نقاط الضعف المجتمع؟ و هل تُستأصل منه كلياً؟ إذا رفعتم هذه، كان هناك شيء آخر مكانها. هذا لا يمكن أن يعدّ اتجاهاً للفنان و لا هدفاً، و لا ميزة و لا فخراً أن يواصل الإنسان تململه و تبرمه و تسويده للأجواء و نشره لليأس. حينما تعرضون القبح و لا تعرضون عامل الخير الذي يراد له الانتصار على القبح أو مكافحته، فسوف ينتشر اليأس في المجتمع. حينما يشاهد المتلقي فيلمكم سيقول: طيب، و ما الفائدة؟ بكل ما للأفلام و الأعمال التمثيلية من تأثير عظيم.أقول: إنتقدوا و لكن النقد بالمعنى الحقيقي للكلمة. أي اعرضوا الصراع و التحدي بين الخير و الشر ليتضح أنه إذا كانت في المجتمع هذه النقطة القبيحة المرفوضة، فهناك إلى جانبها محفزات لرفعها و الانتصار عليها، و هناك تيار و حركة للقضاء عليها. إذا عرضتم الفقر فلا يكون معنى ذلك أن ثمة فقراً في المجتمع و لا توجد إلى جانبه أية محفزات لمكافحة الفقر. إذا كان هذا فسيكون الفيلم بطبيعة الحال باعثاً على اليأس و يصوِّر الأجواء كالحة مظلمة و بخلاف الواقع.و على المستوى السياسي - مثلما أشار بعض الأعزاء - نمرّ أيها الإخوة و الأخوات بفترة استثنائية. إننا نمرّ بفترة الاجتياز بمنعطف صعب. طبعاً سوف يجتاز شعبنا هذا المنعطف و سيصل إلى برّ الأمن و الأمان و السلامة، لكننا الآن نعيش أجواء المسيرة العظيمة. ألا ترون أن أكبر قوة اقتصادية و عسكرية و سياسية و علمية في العالم تعادينا صراحةً و علانيةً. هذا شيء مهم جداً و له معناه العميق. ما الذي أبداه الشعب يا ترى حتى نزلت القوى المتشدقة - البلدان غير المستعدة إطلاقاً لأخذ غيرها بالحسبان - هكذا بكل صراحة للساحة و راحت تحارب هذا الشعب؟ هم طبعاً يطلقون كلاماً معسولاً جميلاً - يتحدثون عن الديمقراطية و حقوق الإنسان و تعاون الشعوب - و لكن أي يقظ في العالم لا يدري أنهم يكذبون؟ أكاذيبهم مفضوحة واضحة!نفس الذين حاربوا هذا الشعب لمدة ثلاثين سنة و عارضوه و عاندوه، و نفس هذه الأجهزة التي خرجت المواد الكيمياوية و الأسلحة من معاملها لتصل إلى يد صدام ليقصف بها الجبهات و الطرق و حتى المدن، نفس هؤلاء الذين يؤسسون على الصعيد الثقافي القنوات - و أنتم مطلعون على ذلك أكثر مني و تشاهدونها و تعلمون أنهم يؤسسون القنوات لهدم بناء العائلة و كسر حرمات العفاف و الحجاب و هو تراث إيران منذ آلاف السنين، حيث كان شعبنا و بلدنا عفيفاً نجيباً حتى قبل الإسلام على مستوى الشؤون الشهوانية و الجنسية - نفس هؤلاء ينتجون في المضمار السياسي فيلم »بدون ابنتي أبداً« و فيلم »300« و أفلام أخری يهاجمون فيها سمعة إيران، و تزخر بالأكاذيب و الخبث، نفس هؤلاء يزعمون أنهم لا يعادون إيران، و لا يخاصمون الشعب الإيراني، لكنهم يمارسون العداء ضده ليل نهار. هذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. هذا يدل على أن شعبنا يعمل و يجد و يجتهد في ميدان عظيم، و يقف بوجه المطاليب الاستعمارية و الاستكبارية الغاصبة و الناهبة لهذه القوى، و هي أهداف منتشرة و محسوسة في كل العالم. إننا في حال كفاح عام. الشعب يعيش حال كفاح عام. في مثل هذه الظروف، من واجبنا أن نعلم ما الذي نفعله على الصعيد السياسي من حيث التوجه و المناخ السياسي للأفلام.إذا كنتم بوصفكم مخرجاً، أو ممثلاً، أو كاتب سيناريو، أو عنصراً مؤثراً في إنتاج هذا العمل التمثيلي الدراماتيكي الجذاب الباهر، بوصفكم شخصاً يعمل في هذا الميدان، قد مارستم دور الصمود و معرفة العدو، و عرفتم دوركم و عملتم به، لكنتم أنفسكم أبطال قصة حقيقية. ستصبحون أنتم أنفسكم أبطالاً. كما لدينا في الفن التمثيلي و في القصة بطل و لدينا بطل سلبي. البطل هذا يسعى و يعمل و يجاهد لصالح هدف معين. و إذا كنتم في موضعكم الصحيح و مارستم دوركم لكنتم بدوركم أبطالاً، و عندها سيكون العمل الذي تنتجونه و الدور الذي تمثلونه أكثر روحاً و دفئاً و جاذبية و تأثيراً. هذا ما نتوقعه من المجتمع الفني في بلادنا. و منكم خصوصاً باعتباركم تتعاونون مع الإذاعة و التلفزيون.إنني أعرف قدر الأعمال التمثيلية. إنني أعرف قيمة هذه الأعمال. أدري كم هناك خلف كل دقيقة بل كل ثانية من هذه الأفلام أو المسلسلات التي تنتجونها، كم هناك من التفكير و الإبداع و الابتكار و الفن و الجهد و السعي، و أحياناً السهر الطويل. طبعاً الكثير من مشاهدي هذه الأفلام لا يعلمون ذلك، فهم يشاهدون فيلماً - من ساعة أو ساعات - أو يعرض عليهم مسلسل، و لكن ثمة وراء هذه الساعة أو الساعات عالماً هائلاً من العمل، ابتداءً من العثور على الفكرة، حتى كتابة السيناريو، إلى اختيار المخرج و إيكال العمل إليه، إلى عناصر الإنتاج، إلى المكياج، و الديكور، و الأزياء، و التصوير، و المونتاج - تلك المرحلة الأخيرة - و العرض. كم من العناصر الفنية تعمل هنا، و كم من الأيدي الفنانة تجدّ و تجتهد هنا، و كم من الأذهان المبدعة تنشط.. هذا ما يعلمه الإنسان، و الحق أن من واجبنا تقديم الشكر و التقدير لكل هذه الجهود. الشكاة و العتاب الذي يطرحه بعض الأحباء أرى أنه حق و في محله، و لكن يجب في الوقت ذاته أخذ النقاط التي ذكرتها أيضاً بنظر الاعتبار.طبعاً، كنت قد سجلت نقاطاً كثيرة هنا - ربما بمقدار كراس - لأذكرها لكم أيها الأصدقاء، و في خاتمتها سجلت 14 توصية تتوزع على مجالات مختلفة، لكنه حان وقت الأذان، و لا أستطيع مواصلة الحديث أكثر. و يجب أن نذكر هذه التوصيات للسيد ضرغامي. ينبغي تقديم الشكر حقاً له و لباقي مدراء أقسام الإذاعة و التلفزيون، خصوصاً قسم الفنون التمثيلية. لولا دور المدراء و نشاطهم فلا مراء أن مهمات الفنانين كانت ستزداد صعوبة. إننا نتقدم بالشكر و التقدير لكم جميعاً، و لكن نقول إن أمامنا الكثير من مجالات العمل و إمكاناته و فرصه. ثلاثة و ثلاثون ألف ساعة من الأعمال التمثيلية في السنة كما ذكر هو في الإحصاءات، في حين أن أكثر من ستين بالمائة من هذا المقدار في مضمار المسلسلات من إنتاج الداخل، و في مضمار الأفلام قالوا إن أربعين بالمائة من ذلك المقدار من إنتاج الداخل، هذه أرقام عالية جداً، و هي دليل وجود إمكانيات عجيبة في البلاد. الكثير من بلدان العالم لا تمتلك هذه الإمكانيات و الفرص، يمتلكها فقط عدد قليل من بلدان العالم المعروفة. و الواقع أن عدداً قليلاً من البلدان تدير البث لسائر البلدان. و هي على الأغلب أمريكا و هوليوود. و نحن نمتلك كل هذه الإمكانيات و كل هذه الطاقات البشرية، كل هذه الإمكانيات الصلائدية و من ثم الإمكانيات البرمجية و الرقائقية الهائلة، و هذا التاريخ الملئ بالأحداث.. إذن، نمتلك إمكانية و فرصاً هائلة للعمل.لقد تحملتم عناءً كبيراً، و الحق أن نتائج جهودكم كانت آثاراً و أعمالاً جيدة. و لكن ما بين ما تمَّ إنجازه و ما يمكن إنجازه حسب هذه الفرص الهائلة، لا تزال المسافة كبيرة جداً. ما أتوقعه كبير جداً. إنني أحمل توقعات كبيرة جداً في هذه المجالات، و ليس في مقام التحدث إليكم، بل حينما أتحدث مع الكثير من المسؤولين. و أعتقد أن هذه التوقعات الكبيرة منطقية، و هي ليست بحال من الأحوال توقعاتٍ غير منطقية. مجرد أنكم تعملون بهذا المقدار الكبير فهذا دليل على أن ما نتوقعه ليس خيالاً و لا أوهاماً بل هو شيء ممكن عملياً. حينما لم تكن تتوفر لدينا كل هذه الإمكانات كان كل هذا العمل و كل هذه الآثار الفنية و كل هذه الأعمال التمثيلية الممتازة و البارزة، و هذا العدد الكبير من الفنانين القديرين حقاً. بعض فنانينا هم من الطراز الأول حقاً. لديهم قدرات و إمكانيات في جميع المجالات، و ينفعون في كل مكان. و إخراج بعض الأعمال ممتاز و لافت. لست من الخبراء في هذه المجالات و لا أستطيع إبداء رأيي كخبير، و لكن حين ينظر الإنسان كمشاهد يدرك آثار الفن و يشعر أن العمل عمل فني مميز. إذن، يمكن العمل كثيراً، و عليكم أن تعملوا بجد و غزارة إن شاء الله.فيما يتصل بالأفلام التاريخية فإن الشيء الذي شغل بالي دائماً و قد ذكرّت به في بعض الأحيان، هو أن تجعلوا لغة هذه الأفلام لغة أكثر وضوحاً و تواصلاً مع الجمهور... ينظر المرء في الأفلام التاريخية فيجد أن لغة الفيلم و لغة الحوارات لغة تحريرية قديمة لكنها غير صحيحة. حينما ينظر من هو من المهتمين بهذا المجال يرى أن كاتب السيناريو أراد استخدام لغة تشبه لغة سعدي الشيرازي أو البيهقي أو ما شاكل، لكنه لم يستطع، و ظهرت النتيجة شيئاً مغلوطاً غير مفهوم و غير مستساغ لدى المستمع، و غير مقبول لدى أصحاب الاختصاص و الإطلاع. يتأمل المرء فيجد أن اللغة المستخدمة غير صحيحة، فما الضرورة لذلك؟ يقولون إننا نريد بهذه اللغة التعبير عن المناخ التاريخي القديم، لا، لا حاجة و لا ضرورة لذلك أبداً. يمكن التعبير عن المناخ التاريخي القديم بأشكال و طرائق أخرى. لا إشكال إطلاقاً في أن تقيموا حواراً طرفه الخواجة نظام الملك أو الشخصية التاريخية الفلانية أو الشاه عباس الصفوي بهذه اللغة العصرية الدارجة بيننا و المستخدمة في جميع الأفلام. هذا شيء لا يضرّ بالفيلم مطلقاً، بل العكس هو الذي يضرّ بالأفلام.هناك ملاحظات من هذا القبيل. طبعاً كلامنا في هذه المجالات أغلبه مع السيد ضرغامي. فنحن لا نصل إليكم، لكننا نستطيع الوصول للسيد ضرغامي! عليه أن يبذل الكثير من الجهد، و كما ذكرتُ في حكمي له ينبغي مشاهدة ارتفاع مستوى العمل في الإذاعة و التلفزيون، و خصوصاً في قسم الأعمال الدراماتيكية و الفنون التمثيلية ينبغي بذل جهود كبيرة و العمل بجد و اجتهاد لتستطيعوا إن شاء الله الظفر في تنافسكم مع منافسيكم غير المنصفين.لم نذكر النقاط و التوصيات التي سجلناها، و سوف نقرر لقاءً آخر إن شاء الله. وفقكم الله جميعاً.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2010/07/02

كلمة الإمام الخامنئي في ذكری ميلاد الإمام علي (ع)

بسم الله الرحمن الرحيمأنا أيضاً أبارك هذا العيد السعيد لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من أهالي بوشهر. قطعتم طريقاً طويلاً و عطرتم حسينيتنا بأنفاسكم العاطرة ‌المنبعثة من قلوبكم الموالية. الخاطرة المتبقية عن أهالي بوشهر في ذاكرتنا التاريخية خاطرة ساطعة جداً و تبعث علی الفخر. كما أشار إمام الجمعة‌ المحترم (1)، و هو و الحمد لله عالم جليل، فإن لبوشهر تاريخ متألق مجيد. الأهالي الشجعان و المؤمنون في هذه المنطقة استطاعوا مرات و مرات فرض التراجع علی أعداء‌ هذا البلد و الشعب، و التغلب عليهم. العلماء الأعلام من بوشهر الذين ذكرهم سماحته، و هم شخصيات معروفة، هم حقاً من الأسماء المتألقة بين علماء الدين الشيعة. القائد المؤمن الشجاع الشهيد رئيس علي دلواري من الأسماء التي اجتذبت دوماً القلوب المؤمنة العارفة بحاله و جهاده في كل أنحاء‌ البلد. نشكر الله علی أن هذا الاسم الذي جرت بعد الثورة ‌محاولات لطمسه و إخفائه و تركه للنسيان، جری علی الألسن و عرفته الناس و أثنت عليه، و عرف الجميع و أدركوا مظلوميته و شهادته مظلوماً. طبعاً الأمر يختلف كثيراً عن تلك الفترة. في ذلك اليوم اضطر عدد قليل من الناس بصحبة شاب شجاع أن يقاوموا أمام القوة الاستعمارية الاستكبارية الإنجليزية و هم مظلومين، أما اليوم فليسوا قلائل أمثال رئيس علي دلواري و ليسوا غرباء و متوحدين. شبابنا الأعزاء و هؤلاء المضحون و التعبويون في سوح القتال العسكري و الحرب الثقافية و المعركة السياسية كثار في الوقت الحاضر في كافة أنحاء البلاد، و لا مراء‌ أن بوشهر من الأقطاب التي تربي مثل هؤلاء الأفراد و تنشئهم. إنني لا أنسی زيارتي لبوشهر قبل عدة سنوات. لقد شاهدت و رأيت عن قرب تجلي هذه الروح الإيمانية العميقة لدی أهالي بوشهر. و اليوم أيضاً تعرضون أنتم هذه الروح. و ليعلم الجميع و اعلموا أنتم الشباب أن الزمن قد تغيّر. لقد ولی الزمن الذي كانت تستطيع فيه القوی الكبری بكامل حريتها تهديد شعوب هذه المنطقة و أهانتها و إنزال قواتها هنا متی ما أرادت، و ممارسة‌ الضغط ضدهم. لقد عرف الشعب الإيراني في العالم اليوم بأنه شعب مقتدر. القضية ليست قضية أموال، و لا هي قضية وسائل إعلامية حيث يمتلك أعداؤنا آلاف الأضعاف مما نمتلكه من هذه الأشياء، أنما القضية قضية الإيمان و العزيمة الراسخة و البصيرة، و وعي الشعب لشأنه و مكانته و حقوقه. لقد فضحت اليوم مؤامرات القوی المستكبرة. بكل هذا الإعلام الذي يبثونه و بكل هذه الوسائل الإعلامية الحديثة ‌التي يمتلكونها و مناخ الرأي العام العالمي الذي يتوهمون أنه في قبضتهم، مع ذلك يراق ماء وجه هذه القوی - و علی رأسها أمريكا - أمام الشعوب أكثر فأكثر و يفضحون أكثر و تتضح أكثر أهمية صمود الشعوب و انبثاق القوی‌ الوطنية. المستقبل لكم و هو ملككم. الاقتدار الحقيقي حق الشعب الإيراني و هو للشعب الإيراني. و ما من أحد بوسعه صرف هذا الشعب عن السبيل الذي انتهجه.طيّب، اليوم يوم عيد كبير، يوم ولادة شخصية منقطعة النظير في تاريخ البشرية حيث لا نعرف بعد الكيان المقدس لخاتم الأنبياء (صلی الله عليه و آله) شخصاً بعظمة شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. يجب أن نأخذ «عيديّة» في هذا اليوم. و «عيديّتنا» هي استلهام الدروس.. استلهام الدروس.شخصية أمير المؤمنين منذ الولادة و حتی الشهادة كانت طوال هذه المراحل شخصية استثنائية. ولادته في جوف الكعبة - و هو ما لم يحدث لأحد غيره، لا قبله و لا بعده - و شهادته في المسجد و محراب العبادة. و بين هاتين المحطتين كانت كل حياة الإمام أمير المؤمنين جهاداً و صبراً لله و معرفة و بصيرة و مسيرة في سبيل رضا الله. في بداية طفولته وضعت يد التدبير الإلهي علي بن أبي طالب في أحضان الرسول. كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) في السادسة من عمره حينما أخذه الرسول من بيت سيدنا إبي طالب إلی بيته. تربّی أمير المؤمنين في أحضان الرسول و تحت ظل تربيته. و حينما نزل الوحي علی الرسول كان الشخص الوحيد إلی جانب الرسول في حراء في تلك اللحظات الحساسة.. و لقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر أمه. كان مع النبي و لا ينفصل عنه و يتعلم منه دائماً. يقول الإمام علِي نفسه في الخطبة ‌القاصعة من نهج البلاغة:« و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي».. يقول: لقد سمعت أنين الشيطان حينما نزل الوحي علی‌الرسول.. سمعته. «‌فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة» سألت الرسول: ‌ما هذا الصوت الذي سمعته؟ فقال الرسول:« هذا الشيطان قد آيس من عبادته».. هذا أنين يأس الشيطان من أن يستطيع إضلال الناس. لقد حلّ مصباح الهداية. ثم قال: «إنك تسمع ما أسمع و تری ما أری». هذه هي درجة قرب الإمام أمير المؤمنين من الرسول خلال فترة طفولته. آمن بالرسول في طفولته و صلی معه و جاهد معه و ضحی من أجله. طوال حياته.. خلال حياة الرسول بشكل، و بعد رحيل الرسول و علی أمتداد الأطوار المختلفة، بذل الإمام علي كل مساعيه لإقامة الحق و إقامة دين الله و صيانة الإسلام. ميزان الحق في نظر الرسول الأكرم هو الإمام علي أمير المؤمنين. روي عن طرق السنة و الشيعة: «علي مع الحق و الحق مع علي، يدور معه حيثما دار». إذا كنتم تطلبون الحق فانظروا أين يقف علي، و ماذا يفعل و إلی أي اتجاه يشير؟ هكذا هي حياة الإمام أمير المؤمنين.يجب قراءة نهج البلاغة و تعلمه. في الحقبة‌ المتأخرة تعرف الكثير من المفكرين و العلماء غير المسلمين - و ليس المسلمين فقط - علی نهج البلاغة و قرأوا كلمات أمير المؤمنين و اطلعوا عليها، و استمعوا للحكم المتجسدة في هذه الكلمات، و تعلموها، و ذهلوا لعظمة هذا الكلام و صاحبه. علينا الاهتمام بنهج البلاغة أكثر من هذا، و العكوف علی تعلمه أكثر مما تعلمناه. و الاغتراف أكثر مما اغترفنا من البحر الزاخر لحكم أمير المؤمنين، فهي تضئ كل أبعاد الأمور و الأعمال و تعطينا كل الدروس. لعلماء‌ أهل السنة‌ الكبار حول هذه الكلمات عبارات تذهل الإنسان. الإمام أمير المؤمنين ليس للشيعة فقط، كل أهل الإسلام و كل المحبين للإسلام يرون علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام) ‌في القمة من العظمة العلمية و المعنوية و الأخلاقية و الإنسانية و الإلهية.حياة الإمام أمير المؤمنين كلها دروس. ما يشاهده الإنسان في سلوك الإمام أمير المؤمنين - و الذي يشمل كل الخصال الحسنة التي يحملها الإنسان و القائد - و أفضل هذه الخصال بالنسبة لحاضرنا هو حالة منح البصيرة للذين يحتاجون إلی البصيرة. أي إنارة الأجواء. في كل الأطوار تم توظيف هذه الشجاعة ‌اللامتناهية و هذه التضحيات العظمی لخدمة‌ توعية الناس و تعميق أفكارهم و إيمانهم. في حرب صفين حينما شعر الجانب الآخر أنه يوشك علی الهزيمة رفع المصاحف علی الرماح من أجل أن يوقف الحرب، فجاء‌ البعض للإمام علي أمير المؤمنين (ع) و ضغطوا عليه لكي يستسلم و ينهي الحرب. رفعوا المصاحف و كانت هذه حيلة عجيبة منهم. فقال الإمام علي لهم إنكم علی خطأ و لا تعرفون هؤلاء. الذين يرفعون المصاحف اليوم و يعتبرون القرآن حكماً لا يؤمنون بالقرآن. أنا الذي أعرفهم. «إني عرفتهم أطفالاً و رجالاً». لقد شهدت فترة طفولتهم و شهدت فترة رجولتهم. «فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال». كانوا الأسوء دائماً. هؤلاء لا يؤمنون بالقرآن. حينما تضيق بهم السبل يرفعون القرآن. و لم يسمع أولئك قوله بل أصروا علی قولهم و لحقت الخسارة بالعالم الإسلامي.الإمام أمير المؤمنين كان يفيض بالبصيرة و ينشرها. و نحن اليوم بحاجة لهذه البصيرة. أعداء العالم الإسلامي، و أعداء الوحدة الإسلامية، يخوضون الساحة حالياً بأدوات الدين و الأخلاق، و لذلك ينبغي الحذر و التبصر. حينما يرومون خداع الرأي العام لغير المسلمين يتحدثون عن حقوق الإنسان و الديمقراطية، و حينما يريدون الاحتيال علی الرأي العام في العالم الإسلامي يتحدثون عن القرآن و الإسلام. و الحال أنهم لا يؤمنون لا بالإسلام و لا بالقرآن و لا بحقوق الإنسان. علی الأمة الإسلامية‌ أن تعلم هذا. لقد اختبرهم الشعب الإيراني طوال ثلاثين أو واحد و ثلاثين عاماً. و اليوم أيضاً يجب أن نعلم ذلك.. الكل يجب أن يعلموا.هتف الإمام علي أمير المؤمنين في لحظة الخداع و الفتنة بأصحابه: «أمضوا علی حقكم و صدقكم». لا تتخلوا و لا تتركوا سبيل الحق و مسيرة الصدق التي انتهجتموها. و لا تسمحوا للزلازل أن تلج قلوبكم عن طريق كلام أرباب الفتن و مثيريها. «أمضوا علی حقكم و صدقكم». طريقكم طريق صحيح. سمة فترة الفتنة - كما قلت مراراً - هي الغموض و الضبابية. النخبة قد تقع أحياناً في الخطأ و الشبهة. هنا لا بد من مؤشرات و معايير. و المعيار هو الحق و الصدق و البيّنة التي تتوفر للناس. و كان الإمام أمير المؤمنين يرجع الناس إلی البيّنة. و نحن اليوم أيضاً بحاجة لهذا الشيء.يوصينا الإسلام أن المجتمع الإسلامي يجب أن يدار و يُهدی و يعيش بدساتير الإسلام. يقول الإسلام إنه يجب مواجهة الأعداء‌ المهاجمين بقوة و اقتدار. و ينبغي رسم حدود واضحة و شفافة تفصلنا عنهم. الإسلام يقول إنه يجب عدم الوقوع في خداع العدو. هذا هو الخط الساطع للإمام أمير المؤمنين. و نحن اليوم بحاجة لهذا الخط الساطع.و الشعب الإيراني طبعاً شعب واع بفضل الثورة. الكثير من معضلات هذا البلد عولجت ببصيرة الجماهير. كثيراً ما يلاحظ المرء أن عموم الشعب يدركون و يفهمون بعض الحقائق أفضل من بعض الخواص و النخبة، ذلك أن تعلقهم أقل. هذه من النعم الكبری. إخوتي و أخواتي الأعزاء، اعلموا و ليعلم الشعب الإيراني كله أن الشعب الإيراني أثبت و برهن علی ثبات أقدامه في مسيرته نحو المبادئ الإسلامية السامية، و سوف يحافظ بتوفيق و فضل من الله علی هذا الثبات.يرنو الشعب الإيراني إلی أن يكون تحت ظل الإسلام شعباً سعيداً مرفهاً متكاملاً خلوقاً عزيزاً مقتدراً. لقد سار الشعب الإيراني في هذا السبيل و تقدم إلی الأمام و أنجز أعمالاً كبری. ما تشاهدونه اليوم في وضعنا الحالي - هذا التقدم و هذه القدرات و هذه الإمكانيات العالية و تكريس شعارات الثورة الرئيسية - لم يحصل و لم يتأت بسهولة، لقد حقق الشعب الإيراني هذه الإنجازات بقدراته و بصيرته، و سوف يواصل هذا الطريق بتوفيق من الله. المستقبل للشعب الإيراني. و لن يستطيع كيد الأعداء و مكر المسيئين صرف هذا الشعب أو حرفه عن الطريق الذي يسير فيه. بصيرة شبابنا حالياً بصيرة جيدة جداً و الحمد لله. و هم ينجزون أعمالاً كبيرة في المجالات المختلفة. ينبغي زيادة هذه الإنجازات يوماً بعد يوم. يجب مضاعفة هذا الثبات علی الطريق و هذا الصمود و هذا الالتئام و التضامن الوطني يوماً بعد يوم. التمسك بشعارات الإسلام و الاعتصام بالقرآن و بسيرة أهل البيت (عليهم السلام) و بكلمات أمير المؤمنين ظواهر يتعيّن أن تتضاعف يوماً بعد يوم.سيری شبابنا إن شاء الله اليوم الذي يشعر فيه الأعداء العتاة المتغطرسين الدوليين العالميين بأنه لا يمكن فرض منطق القوة علی الشعب الإيراني. أعان الله شعبنا العزيز و المسؤولين المخلصين الخدومين ليقرّبوا موعد الوصول إلی هذا الهدف أكثر فأكثر بجهودهم و أعمالهم المخلصة إن شاء الله.ندعو أن يحفظكم الله تعالی و يؤيدكم و يثيبكم علی هذا الدرب الطويل الذي تسيرون فيه. و أرجو أن تبلغوا تحياتي و حبّي لكل أهالي محافظة بوشهر الأعزاء. رضي الله عنكم و رضيت عنكم الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و نرجو أن يحشر الله شهداءنا الأعزاء و شهداء‌ بوشهر الأبرار الأجلاء مع أوليائهم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1- حجة الإسلام و المسلمين صفائي بوشهري.
2010/06/25

كلمة الإمام الخامنئي في الأساتذة الجامعيين التعبويين

بسم الله الرحمن الرحيمأنا سعيد جداً و أشكر الأصدقاء لإعدادهم هذا اللقاء الطيب. هذه الجماعة في الواقع رمز للجماعة المعبِّرة عن التركيب بين العلم و الإيمان. الأساتذة‌ الجامعيين بطابعهم الإلهي التعبوي مظهر للتركيب بين العلم و الإيمان. و الاجتماع اجتماع صميمي جيد. لقد استمعت بدقة لكلمات الأصدقاء و الأعزاء الذين تحدثوا - و هم علماء واعون - و قد قدموا اقتراحات جيدة البعض منها يرتبط بالحكومة طبعاً - و الوزراء المحترمون و المسؤولون حاضرون، و علی الأجهزة الحكومية متابعة هذه الأمور - و بعض الاقتراحات أعمّ و أشمل من مساحة عمل الأجهزة التنفيذية، و علينا التفكير فيها، و سوف نستفيد منها و نعمل بها إن شاء الله.الاقتراح الذي ذكر بخصوص تسمية يوم استشهاد الشهيد چمران باسم يوم «‌تعبئة‌ الأساتذة» و «الأساتذة التعبويين» يلوح لي أنه اقتراح ذو معنی و مغزی. كان المرحوم الشهيد چمران بحق نموذجاً و مظهراً للشيء الذي يرغب الإنسان في أن تتجه تربية الشباب و الجامعيين نحوه. إنه اقتراح لا بأس به.كما أن حقوق هذا الشهيد علينا تستدعي أن نتحدث حوله قليلاً. أولاً كان هذا الشهيد عالماً و شخصية بارزة و موهوبة جداً. قال لي هو نفسه إنه في الجامعة التي كان يدرس فيها دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية - حسب ما أتذكر - كان أحد شخصين أثنين هما المتفوقان الأولان في تلك الجامعة و في ذلك القسم و الفرع الدراسي. كان يروي لي تعامل الأساتذة معه و إزاء تقدمه في الشؤون العلمية. كان عالماً بكل معنی الكلمة. و كان مستوی الإيمان الواله لهذا العالم بحيث أنه ترك العناوين و المعيشة و المناصب و المستقبل الدنيوي الذي يحكم به العقل حسب الظاهر، و ذهب إلی جانب الإمام موسی الصدر في لبنان، و انشغل بالأنشطة الجهادية، و في زمن كان فيه لبنان يعيش واحدة من أخطر و أمرّ فترات تاريخه. كنا هنا عام 57 نسمع بأخبار لبنان. الخنادق كانت موزعة‌ في شوارع لبنان، و كانت هناك تحريضات الصهاينة، و البعض كانوا يساعدونهم من داخل لبنان. كان الوضع السائد هناك عجيباً و مبكياً، و الساحة معقدة و مزدحمة و مختلطة الأوراق.في ذلك الحين وصلنا و نحن في مشهد شريط صوتي للمرحوم چمران كان العامل الأول لعلاقتنا و ارتباطنا بالمرحوم چمران. كان في الشريط محاضرة‌ من ساعتين يشرح فيها ملابسات الساحة اللبنانية و ما يحدث فيها. و كان الأمر لافتاً و مثيراً جداً بالنسبة لنا. ببصيرة واضحة و رؤية سياسية‌ شفافة جداً و فهم للساحة - ما الذي يحدث في تلك الساحة الصاخبة، و من يجابه من، و من يتوفرون علی المحفزات لاستمرار هذه المذبحة الداخلية في بيروت - تحدث عن كل هذا في شريط من ساعتين بعثه و وصلنا إلينا. ذهب إلی هناك و حمل البندقية. ثم تبين فيما بعد أنه يتوفر أيضاً علی الرؤية السياسية و الفهم السياسي و المصباح القوي الخارق للضباب في فترات الفتن. الفتنة تغبّش الأجواء‌ كما يفعل الضباب و لا بد من صباح خارق للضباب هو البصيرة. قاتل هناك، و حينما انتصرت الثورة أوصل نفسه إلی هنا.و كان متواجداً حاضراً في الميادين الحساسة منذ بداية ‌الثورة. توجّه إلی كردستان و كانت له مشاركته الفاعلة في الحروب التي دارت هناك. ثم جاء‌ إلی طهران و تولی وزارة الدفاع. و حين نشبت الحرب ترك الوزارة و المناصب الحكومية و المواقع و سار إلی أهواز، فقاتل و صمد إلی أن استشهد في الحادي و الثلاثين من خرداد سنة 60. أي إن المناصب لم تكن مهمة بالنسبة له، و الدنيا لا قيمة لها عنده، و زخارف الحياة لا تشكل أهمية في نفسه. و لم يكن إنساناً جافاً متصلباً لا يفهم ملذات الحياة، بل علی العكس كان لطيفاً جداً و صاحب ذوق و مصوّراً من الطراز الأول - يقول هو نفسه إنني التقطت آلاف الصور، لكنني لست في هذه الصور، لأنني كنت دائماً المصوِّر - كان فناناً. كان نقي القلب لم يطالع العرفان النظري، و ربما لم يتعلم عند أي شخص في أي مسلك عرفاني أو سلوك عملي، لكن قلبه كان قلباً باحثاً عن الله و نقياً و من أهل المناجاة و المعنويات الدينية.كان إنساناً منصفاً. ربما كنتم مطلعين علی قضية «پاوه» حيث تقع پاوه علی مرتفعات جبلية، و بعد عدة أيام من القتال تمت محاصرة المرحوم چمران و عدد قليل ممن كانوا معه. حاصرهم أعداء ‌الثورة من كل جانب و كادوا يصلوا إليهم، و هنا اطلع الإمام الخميني علی القضية و بُث عن الإمام نداء إذاعي يطلب فيه من الجميع التحرك صوب پاوه. أذيع هذا النداء الساعة الثانية بعد الظهر، و في الساعة الرابعة عصراً شاهدت في شوارع طهران شاحنات و سيارات حمل پيكاب و غيرها تحمل الناس العاديين و العسكريين و غير العسكريين من طهران، و كذلك من كل المدن الأخری تتحرك نحو پاوه. بعد قضية پاوه، حينما جاء‌ المرحوم الشهيد چمران إلی طهران قدم تقريراً لرئيس الوزراء في وقته في اجتماع كنت حاضراً فيه، و كان بينهما علاقة‌ ودية قديمة. قال المرحوم چمران في ذلك الاجتماع:‌ حينما أذيع نداء‌ الإمام الساعة الثانية، بمجرد إذاعة النداء، و قبل أن تصل أية‌ أنباء‌ عن تحرك الجماهير إلی هناك، شعرنا و كأن الحصار قد انكسر. كان يقول: تواجد الإمام و قراره و نداؤه كان مؤثراً إلی درجة أنه بمجرد وصول نداء‌ الإمام و بسرعة البرق كأنما انتهت كل تلك الضغوط التي كنا نعيشها. و فقد أعداء ‌الثورة معنوياتهم و ارتفعت معنوياتنا و هجمنا و كسرنا الحصار و استطعنا أن نخرج. عندها غضب رئيس الوزراء في حينه و تحامل علی المرحوم چمران بالقول: لقد قمنا بكل هذه الأعمال و الجهود فلماذا تنسب كل شيء للإمام؟! أي إنه لم يكن يلاحظ هذا و ذاك و يذكر الأمور بإنصاف. مع أنه يدري أن هذا الكلام سوف يثير العتاب لكنه كان يقوله.التواجد في الساحة كان حالة‌ دائمية بالنسبة له. ذهبنا سوية من هنا إلی أهواز. ذهبنا إلی الجبهة أول ما ذهبنا سوية. دخلنا أهواز في ظلام الليل. الأضواء كلها كانت مطفأة. و العدو علی حدود 11 أو 12 كيلومتراً من مدينة أهواز. و كان معه نحو 60 أو 70 شخصاً جمعهم من طهران، لكنني كنت لوحدي. توجّهنا إلی هناك بطائرة سي - 130. و ما إن وصلنا و قدموا لنا تقريراً عسكرياً قصيراً أمر الجميع أن يستعدوا ليتوجهوا للجبهة. كانت الساعة بحدود التاسعة أو العاشرة مساء. جاءوا للذين كانوا معه بملابس عسكرية من دون تضييع للوقت فلبسوها و توجهوا جميعاً.. و قلت له: هل يمكن أن آتي معكم؟ لأنني تصورت أنني لا أستطيع المشاركة في مجال القتال العسكري. فرحّب و قال: نعم نعم يمكن أن ترافقنا. و هناك خلعت ثيابي و لبست اللباس العسكري، و كان عندي كلاشنكوف فحملته و سرت معهم.أي إنه بدأ العمل منذ الساعة الأولی، و لم يسمح للوقت بأن يفوت. لاحظوا، هذا هو التواجد و المشاركة. المشاركة و الحضور من خصال الحالة التعبوية و التيار التعبوي.. عدم الغياب في الساحات التي يجب التواجد فيها. هذه من أولی خصوصيات التعبويين.في يوم فتح سوسنگرد - و تعلمون أن سوسنگرد كانت محتلة ثم حررت، ثم عادت و أحتلت، ثم جرت تحركات ثانية و تحررت مرة أخری - جرت مساع حثيثة لكي تأتي قواتنا - قوات الجيش التي كانت يوم ذاك تحت قيادة أشخاص آخرين - و تنظم هذا الهجوم و توافق علی المشاركة فيه. في الليلة التي كان المفروض أن يشن الهجوم في اليوم الذي يليها من أهواز علی سوسنگرد، و في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، جاءوا بالخبر أنهم حذفوا إحدی الوحدات التي كان المقرر أن تشارك في الهجوم. و كان معنی هذا إما أن لا يتم شن الهجوم أو أنه سيكون فاشلاً تماماً. و کتبت مذکرة لآمر اللواء الذي کان في أهواز، و همّش المرحوم چمران تحتها - و قد جاء مؤخراً نفس ذلك الآمر المحترم، و قد أطر تلك المذکرة و أعطانیها، فکانت ذکری تعود لنحو ثلاثین سنة، و المذکرة موجودة الآن عندي - و قد کنا سویة إلی ما بعد الساعة الواحدة بعد منتصف اللیل، و جرت مساع لشن هذا الهجوم غداً. ثم ذهبت و نمت و انفصلنا بعدها.نهضنا في الصباح الباکر. و حین تقدمت القوات العسکریة - قوات الجیش - سرنا خلفهم أنا و عدد من الأفراد الذین کانوا معي. و حین وصلنا إلی منطقة العملیات سألت أین چمران؟ فقالوا لي: جاء چمران في الصباح الباکر و تقدم إلی الأمام. أي قبل أن تتحرك القوات العسکریة المنظمة و المقرر تحرکها - و التي جری التخطیط أین تستقر و کیف یکون اصطفافهم العسکري - و قبل أن تتقدم، کان چمران قد تقدم مع جماعته عدة کیلومترات. ثم أنجز هذا العمل الکبیر و الحمد لله، و جرح چمران. رحم الله هذا الشهید العزیز.. هکذا کان چمران.. لم تکن الدنیا و المناصب مهمة بالنسبة له، و لم تکن الشهرة و المعیشة مهمة عنده. لم یکن مهماً لدیه باسم من یسجل العمل. کان منصفاً و لا تأخذه لومة لائم و شجاعاً و صلباً. کان جندیاً مجداً في الحرب رغم لطفه و رقة مزاجه الشاعریة العرفانیة.رأیته بنفسي یدرِّب قواتنا علی الرمایة بمدفع الآر. بي . جي، و لم تکن قواتنا تجید الرمایة به. ذلك أن الآر. بي. جي لم یکن من أسلحتنا المقررة و لم نکن نمتلکه و لا نجید الرمایة به. و کان هو قد أتقن استخدامه في لبنان و کان یسمیه آر. بي . جي باللهجة العربیة. بینما کنا نسمیه آر. پي. جي. کان قد أتقن استخدامه هناك و راح یعلم قواتنا طریقة الرمایة به. أي إنه کان رجلا عملیاً تماماً في ساحة العملیات و العمل. و الآن لکم أن تلاحظوا ذلك العالم في فیزیاء البلاسما بدرجاته العالية إلی جانب شخصیة العریف المدرِّب في العملیات العسکریة و بتلك المشاعر الرقیقة و بذلك الإیمان القوي و بتلك الصلابة و بکل هذه الترکیبة. هذا هو العالم التعبوي و هذا هو نموذج الأستاذ التعبوی. هذا هو نموذجه المتکامل الذي شاهدناه عن کثب. التعارض بین التراث و الحداثة کلام فارغ في کیان مثل هذا الإنسان، و التضاد بین الإیمان و العلم شيء مضحك. هذه التعارضات الزائفة الکاذبة - التي تطرح کنظریات و یجري وراءها البعض لاهتمامهم بامتداداتها العملیة - لا یعود لها معنی في کیان مثل هذا الإنسان. فهناك في کیانه الإیمان و العلم، و التراث و الحداثة، و النظر و العمل، و الحب و العقل. یقول الشاعر:میاه الحب لا تجتمع في ساقیة واحدة مع العقلو أنا المسکین خلقت من ماء و نارلکن چمران کان یحمل الماء و النار في نفسه. العقل المعنوي الإیماني لا یتنافی إطلاقاً مع العشق، بل و یعدّ سنداً لذلك العشق المقدس الطاهر.حسناً توقعنا الآن و هو لیس بالتوقع الکبیر، أي إن الأرضیة التي یشاهدها الإنسان - معنویاتکم المتوثبة هذه، و هذه القلوب الطاهرة النقية، و هذه الذهنيات النيرة، و هذه الحركية في أذهانكم، و التي يشاهدها المرء عن كثب في المجالات المختلفة - تمنح الإنسان الأمل و التوقع بأن يكون خريجو جامعات الجمهورية الإسلامية ـ لا على نحو الاستثناء بل على نحو القاعدة - من أمثال چمران، و لا يكون أمثال چمران استثناء. هذا الأمل ليس أملاً في غير محله.حينما اجتمعتم في سنة 76 ، عدد في مشهد و عدد في إصفهان، و عدد في جامعة (علم و صنعت) حول بعضكم باسم الأساتذة التعبويين، لو قيل آنذاك أنه سيكون بعد عشرة أعوام أو بعد إثني عشر عاماً عدة آلاف من الأساتذة التعبويين بنفس هذه المحفزات، و بنفس هذا الحب، و بنفس هذه التوجهات، على مستوى البلاد، لما صدق أحد ذلك، لكنه حصل. لا أريد أن أبالغ، و لا أروم تجميل الواقع لنفسي و لكم أكثر مما هو، و أن نوهم أنفسنا بالأوهام، لا، واضح أننا لسنا جميعاً في مستوى واحد - بعضنا أعلى و بعضنا أدنى، إيماننا و حبنا و هممنا و دوافعنا - لكن هذا التيار تحول من تيار ضعيف لم يكن البعض يأملون أن يستمر، و كرّس البعض كل هممهم للقضاء ‌عليه، إلى تيار لا يمكن الآن الوقوف بوجهه: التيار العظيم للأساتذة الجامعيين الثوريين المؤمنين و التعبويين على مستوى الجامعة، و في الحقول العلمية المختلفة و في المراتب العلمية العليا.إذن، ليس هذا التوقع توقعاً في غير محله. حينما يرى المرء هذا التحرك و هذا النماء فإن هذا التوقع لن يكون توقعاً في غير محله بأن نريد لجامعات الجمهورية الإسلامية أن تخرِّج في المستقبل عناصر كالشهيد چمران. و عندها لكم أن تنظروا ماذا سيحدث! ماذا سيحدث! نظام بمطاليب دولية ذات مستو‌ى عال فيما يخص الإنسان، و نظام الحكم، و المرأة، و الأخلاق، و العلم.. مطاليبنا اليوم مطاليب دولية.و البعض - من العاملين في الصحافة أو سواهم - ما إن يجيئ اسم الدولي حتى يتبسّموا استهزاء. هؤلاء لا يفهمون و لا يدركون ما معنى أفق النظر الواسع. ما لم تنظروا إلى القمة فلن يمكنكم الصعود حتى إلى السطح، ناهيك عن الأمل بالارتقاء إلى القمم.. الهمّة‌ العالية.. في رواياتنا تم توصية المؤمن بأن تكون له همّة عالية. و العظماء أيضاً يقولون للسالك: لتكن همّتك عالية. لا تفرحكم هذه الخطوات الأولى و الفتوحات الصغيرة في بداية المشوار، و لتكن هممكم عالية. و النظرة يجب أن تكون إنسانية. الإنسان هو الموجود في كل العالم. «إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، أما أن دينه و دينك واحد، أو إذا لم يكن كذلك كان مثلك في الخلق و الإنسانية. النظرة يجب أن تستوعب هذا المدى الواسع.الآمال التي نحملها اليوم لهذه المديات الواسعة آمال لا يرفضها أي شعب واع، و لا أي عالم مثقف، و لا أي سياسي منصف. إننا ننادي بإلغاء نظام الهيمنة، أي علاقات الهيمنة: المهيمن و الخاضع للهيمنة. حتى الإنسان الذي يعيش في بلد حكومته حكومة هيمنة مائة بالمائة لا يرفض هذا الكلام، أي يجب أن لا تكون العلاقات على المستوى العالمي علاقات مهيمن و خاضع للهيمنة. و ننادي كذلك بالعدالة، و استخدام العلم لرفاه البشر و ليس لتهديد البشر. خصوصاً في هذه الحقب الأخيرة بعد النهضة العلمية في العالم - عصر النهضة - و لا سيما في القرن الأخير، نجد أن الكثير مما جرى على الساحة العلمية بدل أن يكون لراحة البشرية و رفاهها كان لتهديد البشرية. إما تهديد الأرواح، أو تهديد الأخلاق، أو تهديد العائلة، أو تشجيع النزعة الاستهلاكية و ملء جيوب الناهبين الدوليين و مؤسسي و أصحاب الشركات و الكارتلات. و ما نقوله هو أن العلم يجب أن يستخدم بدل ذلك لخدمة‌ الإنسان، و لخدمة‌ رفاهه و سكينته، و لخدمة‌ روحه و نفسه. هذا كلام ليس بوسع العالم رفضه.و تعلمون أن نظاماً بهذه المبادئ و شعب بهذه الخصوصيات - باستخدام همته الإيمانية من أجل التقدم في هذه المجالات، و بالنظر للوعود القرآنية حول نصرة المؤمنين، و بعدم الخوف من الموت و اعتبار الموت وصولاً إلى الله و شهادة لله - إذا تحلى بشخصيات عالمة مثقفة من قبيل چمران فإلى إين سيصل؟ هذا هو ما نتوقعه.و أقول كلمة حول التعبئة. كانت التعبئة تحركاً عجيباً لا نظير له حدث في الثورة. و قد كان هذا نابعاً من ينبوع الحكمة الإلهية الذي أودعه الله في قلب ذلك الرجل الإلهي الكبير.. ذلك الإمام الجليل. كان الإمام حكيماً.. حكيماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. أحياناً نستخدم كلمة الحكيم لأناس صغار، لكنه كان حكيماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. «و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً». لقد منحه الله تعالى الحكمة. كانت تنبع و تنبع من فؤاده حقائق، منها قضية التعبئة هذه، حيث أرسى الإمام أسس التعبئة منذ اليوم الأول للانتصار، و حتى قبيل الانتصار، من خلال إنزال الجماهير إلى الساحة و إلقاء أعباء الحركة على عواتقهم، و من خلال الاعتماد عليهم و الثقة بهم. لقد وثق الإمام بالجماهير، و وثقت الجماهير بأنفسهم و توفرت لهم ثقة عالية بالذات، و لو لم يثق الإمام بالشعب لما وثق الشعب بنفسه. هناك أرسيت دعائم التعبئة. و الواقع أن الحرس الثوري نبع من التعبئة. جهاد البناء‌ انطلق من التعبئة. صحيح أن التعبئة لم تكن منظمة‌ مدونة كما أصبحت في الأعوام التالية، لكن ثقافة التعبئة و تحركها و حقيقتها غدت ينبوع الكثير من الخيرات الهائلة لبلادنا و مجتمعنا و نظامنا الإسلامي. هذه هي حقيقة التعبئة. التعبئة في الحقيقة جيش بلا ألوان و لا ادعاءات شاملة على مستوى البلاد. و هو جيش للقتال في جميع الساحات. و ليس في الساحة العسكرية فقط. الساحة العسكرية جانب محدود يحصل في بعض الأحيان، فالحرب لا تحصل دوماً. مجالات تواجد التعبئة أوسع بكثير من المجال العسكري. ما قلته مراراً و أكرره من أن التعبئة يجب أن لا تعدّ مؤسسة عسكرية، لا أقوله من باب المجاملة بل هو حقيقة القضية. التعبئة ساحة جهاد و ليست ساحة قتال. القتال جانب من الجهاد. الجهاد معناه التواجد في الساحة بخصوصية‌ الجهد و السعي و الهدف و الإيمان.. هذا هو الجهاد. لذلك قال:« جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله».. جهاد النفس و الجهاد بالمال.. أين يحصل جهاد النفس؟ هل يحصل فقط عندما نسير لسوح القتال و نضع أرواحنا على الأكف، لا، من صنوف جهاد النفس أن تقضوا أوقاتكم من الليل إلى الصباح في العمل لإنجاز مشروع بحثي، و لا تشعرون بمرور الساعات. جهاد النفس هو أن تغضّوا الطرف عن ترفيهكم، و عن راحتكم البدنية، و عن أعمالكم التي تحقق لكم إيرادات عالية - المشاريع الصانعة للمال على حد تعبير الأجانب - و تقضوا أوقاتكم في هذه البيئات العلمية و البحثية حتى تصلوا إلى حقيقة علمية حية و تقدموها لمجتمعكم كباقة ورد. هذا هو جهاد النفس. و جانب بسيط منه هو الجهاد بالمال.إذن ساحة التعبئة ساحة عامة و لا تختص بشريحة معينة كما لا تختص بجزء من الأجزاء الجغرافية للبلد، و لا تختص بزمن دون زمن آخر. و لا بمجال دون مجال آخر. التعبئة موجودة في كل الأماكن و في كل الأزمنة و في كل المجالات و في كل الشرائح. هذا هو معنى التعبئة.و الآن تريدون أن تكونوا تعبويين في الجامعة.. واضح ما الذي ينبغي أن تفعلوه. ما الذي تحتاج إليه الجامعة؟ ما الذي يحتاج إليه البلد؟ منذ سنوات بدأنا نطرح قضية العلم، و لاحظوا اليوم أن الكثير من حالات الحسد و التنافس و الحسرات و الشعور بالتخلف التي لدى أعدائنا الدوليين تعود لتقدمكم العلمي. الذين يثنون على الشعب الإيراني اليوم إنما يثنون عليه لما لديه من العلم، و الذين يعادونه إنما يعادونه بسبب علمه. تقدمكم العلمي له مثل هذا الأثر.و هذا ما يتعلق بالخطوة الأولى.. لا نزال لم نعمل شيئاً. نعم، كانت هناك حالات تقدم في النانوتكنولوجيا، و البيوتكنولوجيا، و القضايا النووية، و الفضاء، و الفروع العلمية المختلفة، و هي حالات تقدم مهمة و كبيرة، لكنها لا تعدّ شيئاً بمقاييس الحركة العلمية لبلد من البلدان. قال أحد الأصدقاء - و أنا أيضاً لدي هذه الأحصائيات - إن سرعة التقدم العلمي و إنتاج العلم في بلادنا أكثر بأحدى عشرة مرة من متوسط ما في العالم. هذا ما سجله مركز بحوث غربي في كندا بكل تفاصيله. و طبعاً فإن هذه الإحدى عشرة مرة هي المتوسط، و في بعض المجالات فإن سرعتنا أكبر من العالم بخمس و ثلاثين مرة، و في بعض المجالات أقل. لكن المتوسط أحدى عشرة مرة. أي إن سرعة تقدمنا العلمي طوال هذه الأعوام العشرة أو الخمسة عشرة الأخيرة كانت أكبر من سرعة العالم بأحدى عشرة مرة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية، لكنه ليس الشيء الذي نتوقعه و نصبو إليه، بل هو أقل منه بكثير. يجب مواصلة هذه السرعة بنفس الشدة إلى نصل للمستوى المطلوب. و هو ما يجب أن يحصل في الجامعات.من الضروري في الجامعات إعداد شخصيات من مستوى الشهيد چمران. هذا شيء‌ نحتاج إليه. و بالتالي فالأستاذ الجامعي التعبوي يعلم ما يجب عليه القيام به في الجامعات. التواجد الدائم و في الوقت المناسب و المخلص و الجهادي بالنسبة للأستاذ الجامعي هو بالمعاني التي ذكرناها. و للأستاذ الجامعي دور كبير جداً. دور الأستاذ في البيئات التعليمية دور مميز و مهم جداً. فالأستاذ لا ينقل العلم فقط، إنما طباع الأستاذ و منهجه يمكن أن يربي المتعلمين. فالأستاذ إذن مرب. يبدو أن تأثير الأستاذ على الطالب أكبر - حسب الظاهر - من سائر العوامل المؤثرة في التقدم العلمي و المعنوي و المادي للمتعلم. و هو أكبر من بعض العوامل بكثير. أحياناً يستطيع الأستاذ بكلمة واحدة تأتي في محلها المناسب تبديل صف أو مجموعة من الطلبة ‌الجامعيين أو طلبة‌ المدارس إلى أناس متدينين. و ليس من الضروري لذلك أن يدرس الأستاذ فرع العلوم الدينية أو المعارف الإسلامية، لا، أحياناً تستطيعون في درس الفيزياء أو الرياضيات أو أي درس آخر و في دروس العلوم الإنسانية أو غير الإنسانية أن تقولوا كلمة واحدة، أو تستفيدوا استفادة جيدة من آية قرآنية، أو تشيروا إلى قدرة الخالق و الصنع الإلهي بما يبقى في قلب الشاب و يحوله إلى إنسان مؤمن. هكذا هو الأستاذ.و هنالك العكس طبعاً. للأسف يوجد في جامعاتنا اليوم أساتذة - مع أنهم قلائل - يتصرفون بالاتجاه المعاكس تماماً و مهما كان درسهم، و يبثون اليأس بكلمة واحدة في نفس الشاب من مستقبله و من مستقبل بلاده و من مستقبل تواجده في البلد، و يجعلونه غير مكترث لتراثه و متعطشاً للينابيع الأجنبية غير السليمة و الملوثة ثم يتركونه. لدينا من هذا القبيل أيضاً. للأستاذ مثل هذا الدور. إذن وفقاً للمعنى الذي نضعه للتعبئة، و بالمعنى الذي نطلقه للأستاذ الجامعي، و بتصورنا للأستاذ التعبوي، تتضح درجة حساسية دوركم في الجامعات. وجود هذه المنظومة نعمة‌ للنظام الإسلامي.. إنها نعمة ‌كبيرة. لا يوجد هذا العدد من الأساتذة المتدينين في أي بلد من البلدان الإسلامية، و في البلدان غير الإسلامية من باب أولى.. أساتذة جامعيون علماء متخصصون محترفون في فروعهم، و مؤمنون بالله و بالجهاد، و مؤمنون بسبيل الله و بالأهداف الإلهية، و بهذا العدد الكبير.. هذا شيء لا نظير له في العالم. و هو أيضاً من بركات الإمام الجليل. إعرفوا قدر هذا و حافظوا عليه بكل قوة، و نظموه، و شخصوا أهدافه، و كونوا دقيقين في ذلك، و أوضحوا الأنشطة التي ينبغي أن يقوم بها الأستاذ التعبوي. و كونوا بالمعنى الحقيقي للكلمة قادة هذا الميدان العظيم من ميادين الجهاد في سبيل الله. إنها مهمة‌ على جانب كبير من الأهمية.البلد اليوم بحاجة لهذه الأمور. و القضية ليست قضية اليوم فقط، فالحاجة قائمة‌ دائماً، لكننا اليوم في برهة حساسة. لو أردت أن أذكر لكم لباب تصوري - و ربما لم يكن بالإمكان إقامة البراهين عليه في فرصة قصيرة، لكنه مبرهن، و كل ما في الأمر أنه لا يمكن أقامة البرهان و الدليل عليه بكلمتين - هو أن مراكز الاستكبار العالمي تبذل آخر جهودها في مواجهة الحركة الإسلامية التي تعدّ الجمهورية الإسلامية‌ رمزها الحقيقي. وصلت جهودهم و مساعيهم و تدابيرهم إلى طرق مسدودة في الكثير من الميادين، و أفلت الزمام من أيديهم. هذا الطوق الذي فرضوه على القضايا العالمية‌ انكسر في أكثر المناطق حساسية في الأرض، و أعني بها منطقة الشرق الأوسط، أو أنه تضعضع على الأقل، لكنني أعتقد أنه انكسر و انقطع، و أفلت الزمام من أيديهم.رحم الله المرحوم الشيخ حسين لنكراني رجل الدين السياسي المخصرم القديم. في سنوات 53 و 54 أو حتى قبل ذلك - السنوات الأخيرة من عقد الأربعينات - كان يشبِّه واقع النظام الطاغوتي بشخص صعد فوق قبة و بيده منديل من حرير ملئ بالجوز، و قد انفتح طرف المنديل و راح الجوز يخرج منه على سطح القبة، و هو يريد أن يجمع هذا الجوز.. جوزة‌ تسقط هنا و أخرى هناك و ثالثة‌ في طرف ثالث، و هو على‌ القبة. لو كان المرء على‌ الأرض المستوية لربما استطاع جمع الجوز بشكل من الأشكال. و اعتقد أن نظام الهيمنة اليوم يعيش نفس هذه الحالة في مواجهته للحركة الإسلامية. أقدامه ليست في موضع راسخ صلب، فقد انكشفت للناس الكثير من حيلهم الإعلامية القديمة. ثمة‌ حالياً في المجتمع الأمريكي غضب عميق من التواجد القوي للوبي الصهيوني آخذ بالتصاعد و الاتساع. هذا السخط و عدم الرضا آخذ بالتكوّن تدريجياً بين الشعب الأمريكي، و هو مركز تحرك الصهاينة و العتاة و الرأسماليين الصهاينة. طبعاً النظام الحاكم في أمريكا يتشدد كثيراً في التعامل مع جماهير الشعب الأمريكي - نمط خاص من التشدد - و يشغلهم بالحياة و متاعبها إلى درجة لا يعود لديهم الوقت لأي شيء، و مع ذلك فإن هذه الحالة آخذة بالنشوء و التكوّن. هذه معلومات موثقة‌. و نفس القضية مشهودة في البلدان الأوربية أيضاً، و لكن على نحو آخر. و الحال في البلدان الإسلامية معلومة. بلدان الشرق الأوسط تعيش أوضاعاً معلومة للجميع. الشعوب تشعر بكراهية و بغض لكيان الولايات المتحدة الأمريكية و منظومة الهيمنة في العالم. و المهيمنون لا يستطيعون السيطرة على هذا الوضع رغم كل محاولاتهم و مساعيهم.لو لم يظهر نظام الجمهورية الإسلامية في العالم و لم تبزغ شمسه لما كانت مشكلتهم قد ظهرت بهذه السرعة، و لربما تأخرت خمسين سنة قادمة. لكن ظهور الجمهورية الإسلامية و تواجدها عقّد المسألة عليهم، لذلك فهم يعادونها بشدة، لكنه عداء متخبّط و مضطرب. العداء الآن من هذا القبيل. الأعمال التي يقومون بها و التدابير التي يتخذونها و الضجيج الذي يثيرونه و الإعلام الذي يطلقونه.. هذا القرار من منظمة الأمم المتحدة، و الحظر المفروض على بعض البضائع، و من ثم تضخيم الحظر و إبراز أهميته أكبر بمرات من حقيقته و واقعه، و من ثم التهديد العسكري الذي يحتاطون في إطلاقه و لا يطلقونه بنحو شديد و أكيد.. كل هذا بسبب انفعالهم في مواجهة هذه الحركة الإسلامية العظيمة الرصينة المتجذرة في كل العالم الإسلامي. و الشعب الإيراني رائد هذه الحركة.هم طبعاً يخلقون بعض المتاعب، و هذا مما لا شك فيه. ثمة متاعب في جميع الصدامات و النزاعات الاجتماعية، لكن الإنسان يصبر على الصعاب من أجل الوصول إلى مصالح أكبر و مراتب أرقى. هكذا هو الوضع الآن. و بالتالي فهذه البرهة برهة حساسة للأسباب التي ذكرتها، و تتطلب العمل و الجهد و الجد.إذن، ينبغي في الجامعات القيام قبل كل شيء بأعمال علمية و مشاريع بحثية و تحقيقية، و كذلك القيام بعمل معنوي و إيماني، و تسويد روح الجهاد على كافة الأنشطة. هذه هي المهمات الرئيسية التي ينبغي النهوض بها في الجامعات. و من ثم يأتي الدور لتنظيم هذه الحركة. بالطبع أعتقد أن الأساتذة المتدينين المندفعين للعمل من أجل البلاد لا يتحددون في كل البلاد بهذه المجموعة المتواجدة في تعبئة الأساتذة، إنما تمتد حدودهم إلى خارجها. فهناك الكثيرون لا يحملون بطاقات عضوية التعبئة، و ليسوا ضمن منظومة تعبئة الأساتذة الجامعيين، لكنهم في الحقيقة تعبويون و متدينون و مستعدون - و مستويات استعدادهم و جاهزيتهم طبعاً ليست بدرجة واحدة، و مستويات الإيمان أيضاً ليست واحدة.. و قد كان الوضع هكذا دوماً، و سيبقى كذلك دائماً - و يجب تنظيم الحركة و النظر لها نظرة عقلائية‌ مدبرة و تشخيص البرامج و الأعمال و الأهداف. هذه مهمة يجب أن تتم و تحصل و أنتم المكلفون بإنجازها.و على مستوى الأعمال الفردية يجب عليكم متابعة عملية تعليم الطلبة الجامعيين، و التواجد في المناخات الفكرية للطلبة الجامعيين. بمستطاع الأساتذة التعبويين تسجيل تواجدهم المعنوي و الإرشادي و الباعث على الطمأنينة و السكينة في قلوب الطلبة الجامعيين و في مناخاتهم الذهنية. و من الممارسات المهمة على هذا الصعيد الدور الذي يضطلع به الأساتذة في خلق البصيرة في منظومتهم نفسها، و لدى متلقّيكم أيضاً و هم الطلبة الجامعيين. و للبصيرة دور كبير جداً. التمرّن على التواجد و المشاركة.. و هو ما قلته عن الشهيد چمران. كان يتابع الأعمال إلى الساعة الواحدة ليلاً و أكثر. و في الصباح الباكر، و الفجر يكاد يطلع لتوّه، يتواجد في الجبهة قبل الجميع، و يشارك في أي موضع يتعين عليه المشاركة فيه. ينبغي أن نتمرّن على هذا التواجد الدائم و في الوقت المناسب في أي موضع تستدعي الظروف تواجدنا فيه. علينا جميعاً التمرّن على هذا الشيء.الاتحاد و التلاحم في الداخل و كذلك بث الاتحاد في المجتمع. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. البلد اليوم بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة. إنني أخالف الكلام و التصرفات و الكتابات التي تؤدي إلى الشقاق و التصدع حتى لو كانت دوافعها سليمة و محفزاتها صادقة.. إنني لا أوافقها. إذا أراد شخص معرفة رأيي فرأيي هو ما ذكرته. علينا إيجاد الانسجام و التلاؤم في هذه المنظومة العظيمة الهائلة ذات الإمكانيات الكبيرة. ألا يمكن تقسيم هذه الجماعة الجالسة هنا إلى عشرة مجاميع بذرائع شتى؟ يمكن ذلك بسهولة. الذين يرتدون ثياباً بهذا اللون أو ذاك، و الذين تبلغ أعمارهم كذا، و الذين ينحدرون من المنطقة الفلانية‌ من البلاد.. يمكن التصنيف على هذه الأسس و بناء الجدران بين الأفراد. ميزة الثورة ‌أنها استطاعت رفع هذه الجدران. كنا نعيش في بيوت صغيرة ذات جدران عالية، و لا علم لنا بأحوال بعضنا. و جاءت الثورة فرفعت هذه الجدران، و بدّلت تلك البيوت الصغيرة إلى ساحة واسعة هي ساحة الشعب الإيراني و الشعب الثوري. طلبة الجامعات كانوا على علاقات سيئة بطلبة العلوم الدينية، و طلبة العلوم الدينية كذلك مع طلبة الجامعات، و أساتذة الجامعات كذلك مع تجار السوق، و تجار السوق مع الفلاحين.. كانت هناك جدران بيننا. و جاءت الثورة فرفعت هذه الجدران. فهل نأتي و نشيد هذه الجدران مرة أخرى؟ و هي جدران مغلوطة و غير صحيحة و باطلة؟ لا، المباني واضحة، و الأصول واضحة. و الاتجاه واضح. كل من يسير وفق هذه المباني في هذا الاتجاه فهو ضمن المجموعة. خذوا هذه المسألة بنظر الاعتبار و الاهتمام.قلت مراراً: يجب أن لا نظلِم. و هذه أيضاً من المهام الأساسية جداً. الظلم شيء سيئ و خطر. ليس الظلم مجرد أن يصفع شخص شخصاً آخر في الشارع. أحياناً يكون الظلم كلمة في غير محلها ضد شخص لا يستحقها، أو كتابة في غير محلها، أو تصرف في غير موضعه. يجب ملاحظة طهارة الفؤاد و طهارة العمل بنحو مشدّد. أخال أنني سبق أن قلت هذا في موضع ما:‌ كان رسول الله (ص) واقفاً ينظر شخصاً يقام ضده حد رجم الزنا، و البعض كانوا وقوفاً أيضاً. و كان هناك شخصان يتحدثان مع بعضهما. قال أحدهما للآخر إنه مات كما يموت الكلب - عبارة من هذا القبيل - ثم سار النبي (ص) نحو البيت أو المسجد، و كان هذان الشخصان مع النبي. و حينما كانوا يسيرون في الطريق صادفوا ميتة عفنة - ميتة كلب أو حمار أو شيء آخر - كانت على الأرض هناك. فالتفت النبي (ص) إلى ذلكم الشخصين و قال: عضّا من هذه الجيفة و كلا شيئاً منها. فقالا: يا رسول الله أتأمرنا بأكل الميتة؟! فقال: ما فعلتماه بأخيكما كان أسوء من أكل هذه الميتة. فمن كان هذا الأخ؟ إنه الشخص المحصن الذي ارتكب الزنا و كان يُرجم و قالا عنه تلك العبارة و لامهما النبي بهذه الطريقة.لا تقولوا أكثر من الواقع و أكثر مما يجب و ينبغي. لنكن منصفين و عادلين. هذه هي واجباتنا. ليس من حقنا لأننا مجاهدون و مناضلون و ثوريون أن نقول كل ما نستطيع عمّن هو أدنى منا بقليل - حسب ما نعتقد و نظن - لا، ليس الأمر كذلك. نعم، درجات الإيمان ليست متساوية، و الحدود ليست واحدة، و البعض أفضل من البعض. و هذا ما يعلمه الله، و ربما علمه عباد الله الصالحون، و لكن في مقام التعامل و الحياة الجماعية ينبغي الحفاظ على هذا الاتحاد و الانسجام و تقليل هذه التمايزات.الشيء الذي من المهم جداً أن لا ننساه هو الأهداف و المعايير الأصلية. قلنا هذا مراراً، و قد ذكره اليوم أيضاً أحد الأساتذة المحترمين. المعيار هو مقارعة الاستكبار و الوقوف الصلب بوجه حركة‌ الكفر و النفاق - لا في داخل البلاد فقط بل على مستوى العالم أيضاً - و التشخيص الواضح للحدود مع أعداء الثورة و الدين. إذا لم يرسم الشخص حدوده بنحو واضح مع الأعداء يكون قد انتقص من قدر نفسه. و إذا اقترب من الأعداء ‌يكون قد خرج من الدائرة. هذه هي المباني و الخطوط الأصلية. حركة الثورة حركة واضحة و متقدمة‌ إلى الأمام و سوف تستمر إن شاء الله.حسناً، نحن أيضاً أردنا - مثل هؤلاء السادة الذين عملوا بطريقة تعبوية و ذكروا كل هذه الآراء في خمسة دقائق - أن نذكر كل ما لدينا في هذه المدة الطويلة التي منحت لنا، و لكن نرى أن هذا لم يتيسّر، و لم نذكر جميع النقاط، لكنني أخال أنه تم ذكر النقاط اللازمة‌، و لا أضايقكم أكثر من هذا.أتمنى أن يحفظكم الله تعالى جميعاً و يوفقكم و يزيد من بصيرتكم يوماً بعد يوم، و يزيد من توفيقاتكم إن شاء الله في الجهاد العلمي و الجهاد العملي و الجهاد في نشر البصيرة في بيئة العلم و الجامعات و المجتمع.و السلام عليكم و رحمة‌ الله و بركاته.‌  
2010/06/23

كلمة الإمام الخامنئي في نواب مجلس الشورى الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيميتعيّن علينا أن نشكر الله تعالى علی الفرصة و المهلة التي منحها لنا للبقاء في ساحة هذا الامتحان الصعب - امتحان البقاء و الحياة - و أن نلتقي على أمل الفضل و القبول و التوفيق الإلهي بعد نهاية هذا العام، أن نلتقي مرةً أخرى بالإخوة و الأخوات الأعزاء نواب المجلس بمناسبة الذكرى السنوية لتشكيله و انتخابه.أولاً نشكر جهودكم أيها النواب المحترمون و رئيس المجلس المحترم الذي قدم اليوم أيضاً بياناً شافياً و كافياً و مفيداً. أنتم النواب المحترمين، ما عدا الجهود التي بذلتموها في ميدان التشريع و الإشراف و سائر الواجبات القانونية - التي قدم رئيس المجلس المحترم اليوم تقريراً عنها، و قد عرض بالأمس في الاجتماع الذي عقدناه تفاصيل أكثر - مارستم دوركم في الميادين السياسية الداخلية و الخارجية المهمة، و ينبغي تقديم الشكر الصميمي لكم على ذلك. حينما يواجه النظام جبهة واسعة من الخصومة و الأحقاد على مستوى العالم حيث تفصح هذه الجبهة بمناسبات شتى عن تواجدها و إيذائها، يرى المرء أن المجلس يتخذ موقفه كعضو فعال و حي.. في قضايا فلسطين، و القضية النووية و غيرها من القضايا المختلفة. و كذلك في الشؤون الداخلية، و كما أشرتم، كان للمجلس دوره حيال بعض الفتن و سوء الأخلاق. هذا يستدعي الشكر و التقدير.حينما ينظر الإنسان إلى تركيبة المجلس و نسيجه بالنظر إلى اختلافات التيارات و التوجهات و الأذواق السياسية - و هذا شيء طبيعي على كل حال - يجد أنه منظومة حيّة فاعلة مؤمنة لها شعورها بالمسؤولية. و هذا هو الصحيح.بلدكم اليوم - و ربما كان الصحيح أن نقول تاريخكم - قلق إزاء سلوكنا أنا و أنتم. إننا نعيش في الوقت الراهن ظروفاً و موقعاً حساساً من الناحية التاريخية. دورنا، و قراراتنا، و أفعالنا، و تركنا للأفعال، لها تأثيراتها على الأجيال القادمة و على مستقبل البلاد.. هذا مع أن كل فترة الثورة هي من هذا القبيل. هذه الأعوام الثلاثين أعوام سيكون لها تأثيراتها و بصماتها في المصير التاريخي لمستقبلنا. لكن يبدو لي أن هذه البرهة و هذه الظروف التي نمرّ بها في الأعوام القليلة الحالية لها خصوصيات فريدة و نادرة. وضع العالم آخذ في التغيير. ظروف العالم السياسية و الموازنات السياسية و موازين القوى على مستوى العالم تمرّ بتحولات، و يلاحظ الإنسان ظهور حالات جديدة. أنتم باعتباركم ممن يعمل في مجال السياسة تعلمون جيداً أنه في هذه الظروف يمكن لجميع العناصر الموجودة في الساحة أن تمارس دورها لصالح الأهداف و المبادئ المنشودة أو قد تبقى عاطلة غير فاعلة. حينما تحصل التغيرات و التحولات العالمية فإن العنصر العاطل أو القليل الفاعلية أو الغافل سيكون له بلا شك دور ضعيف و نصيب قليل في الهيكلية الجديدة التي من المقرر أن تسود الأحوال السياسية في العالم. العنصر الفعال و الواعي و اليقظ يرصد الساحة و يرى التفاعلات و يخمّنها، و يستطيع أن يوفر لنفسه موقعاً أقوى وأثبت و أكثر بركة و أقرب إلى أهدافه و مبادئه في الهيكلية الجديدة التي يراد لها أن تظهر. هذه هي الظروف اليوم.أنظروا إلى منطقتنا، انظروا إلى الشرق الأوسط. الأحداث التي تقع حالياً في الشرق الأوسط و فيما يتصل بقضية فلسطين أحداث غير مسبوقة و لم يحدث ما يشابهها من قبل. و هذا يدل على حدوث تغيرات و تحولات. و حينما تنظرون على مستوى العالم - مكانة أمريكا و مكانة بعض البلدان الأوربية، و تأثيراتها في العالم و دورها الذي تمارسه - ترون تغييرات كبيرة آخذة في الحدوث. خلال فترة الأعوام الثلاثين الماضية رأينا أمثال ذلك في بعض الأحيان، و يجول في خاطري الآن نموذج واحد منها، لكن المرء يشعر بها بوضوح أكبر في الوقت الراهن.إذا مارسنا دورنا في هذه الظروف فسيكون ذلك يقيناً لصالح مستقبل البلاد و مستقبل النظام و مستقبل تاريخنا. و ممارسة الدور منوطة بتوفر الانسجام اللازم و الاقتدار اللازم و المحفزات الكافية و التعاون القريب و الصميمي في الداخل. ينبغي النظر من هذه الزاوية لقضايا البلاد و قضايا التشريع و العلاقة بين الحكومة و المجلس، و المواقف المختلفة على الصعد الداخلية و الخارجية. يتوجب النظر لكل هذه الأمور و الشؤون من هذه الزاوية. و عندئذ ستقل أهمية الكثير من الأمور التي قد تبدو لنا مهمة للوهلة الأولى. لذلك اعتقد أن المجلس الحالي - و تركيبته جيدة و الحمد لله، فأنتم شخصيات مؤمنة، و ثورية، و عارفة بالأمور، و الكثير منكم دارسون و مثقفون، و قضايا البلاد قضايا حساسة - في هاتين السنتين المتبقية من عمره، يجب أن يستثمر جميع الفرص حتى يستطيع النهوض بما هو مناسب و حق و جدير.لحسن الحظ فإن جماهير البلد، و خلافاً لما يتوقعه معارضو النظام و أعداؤه، أبدوا عن أنفسهم مواقف جيدة و الحق يقال. لقد أثبتت جماهير الشعب أنها تحبّ الإمام. طبقاً للإحصائيات التي يزودوننا بها دائماً و في كل سنة فقد كان عدد المشاركين في مراسم ذكرى رحيل الإمام أكثر من السنة الماضية و السنة التي سبقتها. طيب، ما معنى هذا؟ أن تجتمع كل هذه الحشود من طهران و من المدن و تأتي في الجو الحار و تبقى تحت الشمس عدة ساعات - المكان الذي كنا نحن فيه كان فيه سقف أو نصف سقف - في هذه الصحون الواسعة و في الشوارع و الطرق.. هذه الحشود المتراكمة في »بهشت زهراء« من نساء و رجال و أطفال. سمعنا أن البعض منهم تحمل الوقوف هناك تحت الشمس سبع أو ثماني ساعات، و هذا يستحق الشكر و التقدير حقاً. أرى لزاماً عليَّ هنا أن أشكر من الصميم و أقدر من أعماق القلب شعبنا العزيز ممن حضروا ذلك الاجتماع العظيم، على كل هذا الوفاء.هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. رغم مضي إحدى و عشرين سنة على رحيل الإمام فإن الجماهير لا تزال تعشقه إلى هذه الدرجة. الإمام مظهر الثورة و الدين و المبادئ التي دعا إليها و فتح أعيننا عليها لأول مرة و هدانا و وجّهنا نحوها.. الشخص الذي نادى بقدرات هذا الشعب في السير نحو مدارج العلاء و الكمال. حينما يحترم الشعب إنساناً له هذه الخصوصيات فمعنى ذلك أنه يحترم هذه المبادئ. و هذه المبادئ هي ما يضمن سعادة الشعب. الشعب الذي يكون حيوياً نشيطاً مؤمناً معتقداً بالإسلام من أعماقه، الشعب الذي يؤمن بذاته و يثق بربّه فلن يمكن لأية عقبة أن تعيقه عن المسير في طريق الكمال. هذه أمور مهمة جداً. أنتم نواب مثل هذا الشعب. هذا عن المشاركة العاطفية و العقلانية و الشعورية و الرابطة المعنوية بالإمام، و ذاك عن المشاركة في انتخابات العام الماضي بمستوى أربعين مليون نسمة. هذه أمور قيمة جداً و لها معنى كبير جداً. أنا و أنتم في الواقع خدمة مثل هذا الشعب. تارة يكون الشعب لا أبالياً و غير نشيط و غير فاعل و غير مكترث.. لهذه الحالة مقتضياتها. و تارة يكون الشعب متحركاً راغباً حماسياً متشوقاً عاطفياً فهيماً إلى هذه الدرجة.. هذه الحالة بدورها لها مقتضياتها.المسؤولية على عواتقنا كبيرة جداً، أنا و أنتم، و الحكومة و جميع المسؤولين.. جميعنا. كما قلت يومها في مرقد الإمام، ينبغي إشراك الحسابات المعنوية في الأمور. ليست القضية أن يقول الإنسان من زاوية عقلانية محضة: حسناً، يجب أن نعمل. لا، الله تعالى سوف يسألنا و يحاسبنا أيضاً. هناك سؤال و حساب بقدر الإمكانيات المعطاة و بقدر النعمة الممنوحة.إذا استطعنا إن شاء الله أن نفعل ما يجعلنا مرفوعي الرأس أمام الله تعالى، عندئذ ستشملنا هذه الآيات التي تلاها القارئ المحترم بصوته الجميل: »لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملائكة«.(1) الفزع الأكبر. الله العظيم حينما يعتبر شيئاً كبيراً بل و أكبر فلا شك أن الموقف مهيب جداً جداً. لكن الذين يعملون و يجدّون و يسعون و ينهضون بواجباتهم ستكون نفوسهم مطمئنة هناك. يجب أن نصدق هذه الأمور و نؤمن بها.قيل الكثير حول المجلس - في المجلس نفسه و في خارج المجلس - و كانت هناك تنويهات و تنبيهات، و قد ذكرنا نحن أيضاً بعض النقاط. و أذكر هنا بعض النقاط قد يكون قسم منها مكرراً.في النظر لشؤون البلاد و قضاياه - و هي مسؤوليتكم التي تتجلى على شكل قوانين و عملية تشريعية - ينبغي ملاحظة خصوصيتين اثنتين هما: المبدئية و الواقعية. يجب أن تكون النظرات مبدئية فلا تتنازلوا عن المبادئ. النظرة يجب أن تبقى نظرة مبدئية، و لكن من دون نسيان الواقع. نحدد سقفاً معيناً، لكن الواجبات التي نرسمها لأنفسنا أو للحكومة أو للمسؤولين يجب أن تكون في ضوء الواقع المعاش، و لكن باتجاه تلك المبادئ حتى تتصاعد هذه القدرات باطراد. الواقعية بمعنى معاكسة الحالة المبدئية ليست محبذة. الملاك هو أننا نروم الوصول إلى تلك المبادئ. و لكن إلى جانب هذا، لا بد من الواقعية. ينبغي أن لا تستغرقنا الأوهام. أحياناً قد يصاب المرء بالتوهم في اتخاذه القرارات و فيما يجب أن يفعل. هذا خطأ. ينبغي أخذ المبادئ بنظر الاعتبار. و يتعيّن صعود الدرجات واحدة واحدة نحو المبادئ حسب ما يمليه الواقع.هذه نقطة، و النقطة الأخرى التي يدور حولها الكلام دائماً، و قد تحدثنا عنها، و تحدثتم عنها، و تحدثت الحكومة عنها، هي مسألة التعاون و التنسيق بين المجلس و الحكومة. هذا ما يجب أن يتحقق. أن يقول المجلس لقد قمنا بجميع ما يجب علينا و على الحكومة الآن القيام بما يجب، و تقول الحكومة من جانب آخر: لقد قمنا بجميع ما يلزم و على المجلس أن يقوم باللازم.. هذا غير ممكن. ينبغي التعاون بصميمية. الحكومة و المجلس لكل منهما حدوده و واجباته في القانون. طبعاً، بعض هذه الحدود غير واضحة حقاً. الحقيقة أن بعض هذه الخطوط ليست بارزة و واضحة، و هذه من عيوب قوانيننا. علينا تشخيص هذه الخطوط الفاصلة. ما يحتاجه البلد اليوم هو التعاون. بمعنى يجب أن لا تكون هناك في الحكومة نزعة لعدم الطاعة حيال المجلس و لا تكون في المجلس نزعة مطلقة لإيذاء الحكومة و عرقلة عملها. إذن، على كلا الجانبين أن يتعاونا بصميمة و واقعية و بملاحظة موقع بعضهما. هذا واجب على جانب كبير من الأهمية.مثلاً في مسألة القانون - و هي محل كلام - هناك حوارات بين الجانبين. من ناحية، الكلام القائل إن على الحكومة العمل بالقانون - أي إن ما يتخذ شكلاً قانونياً سيكون من واجب الحكومة العمل به - كلام صحيح. و من ناحية أخرى على المشرع أخذ دور المدير التنفيذي بنظر الاعتبار. التنفيذ عملية صعبة. البعض منكم كانوا تنفيذيين. كانوا وزراء أو شاركوا في القطاعات التنفيذية المختلفة. التنفيذ يختلف اختلافاً كبيراً عن التخطيط للتنفيذ.. و عن الخطط التي يعدّها الإنسان و يرسمها حتى تنفذ. إذن، ينبغي التنبه للواقع. الحكومة هي العنصر المتواجد في وسط الساحة و تريد النهوض بالأعمال. علينا تسهيل عمل الحكومة، و مراعاة أعمالها و وظائفها. صحيح أن عليها العمل بالقانون، و لكن صحيح أيضاً أن على المجلس العمل بحيث تستطيع الحكومة الالتزام بالقانون، و إلا لو افترضنا مثلاً أننا ألقينا واجباً على عاتق الحكومة و لم نصادق على ميزانيته، سيكون هذا الأمر غير ممكن. هذه حالة تخلق مشكلات. أو لنفترض أن الحكومة تقدم لائحة للمجلس - و الحكومة تعدّ هذه اللائحة طبعاً حسب إمكاناتها و قدراتها و في ضوء إمكانيات البلد و قدراته المالية و الأرضيات المساعدة - فيتصرف المجلس في هذه اللائحة بحيث تتحول إلى شيء آخر تماماً. كثيراً ما يعاتبنا رجال الحكومة على هذه الحالة. و أنا مطلع على الأمور و أدري بملابسات العمل، فقد كنت في الحكومة و كنت في المجلس و أدري كيف يمكن العمل و كيف يمكن تصحيح العمل و كيف يمكن العمل بطريقة أخرى. ينبغي التنبه لهذه النقاط.عليهم العمل بصميمية حقاً، و هذا أمر لا يتعلق بالخطوط و التيارات السياسية. ما نقوله هنا لا نخاطب به الذين يحملون توجهات فكرية متماشية مع الحكومة، لا، حتى الذين يعدون من حيث الفكر السياسي في مقابل الحكومة هم أيضاً إخوة مؤمنون و متدينون و ثوريون. القضية هنا قضية الثورة و قضية مصالح البلد. على الجميع التقيّد. بهذه الأمور. في تلك الجهة يتم سنّ القوانين بهذه الصورة، و في هذه الجهة سيكون من واجب الحكومة طبعاً العمل بالقانون. هكذا يمكن إلزام الحكومة بالعمل بالقانون. يجب أن يحصل هذا التعاون من الجانبين.النقطة الأخرى التي أروم طرحها هي مما يؤيده بعض الإخوة أصحاب الخبرة و السابقة في المجلس. لجان المجلس تتحمل واجبات و أدواراً كبيرة و يجب أن تعمل الكثير. قاعة المجلس هي بالطبع محل لاتخاذ القرارات، لكن الأعمال التأسيسية تجري في اللجان. بل نعرف في المجلس طوال هذه الأعوام أشخاصاً كانوا يدرسون الأمور قبل أن يعرضوا وجهات نظرهم في المجلس.. كانوا يذهبون و ينظرون في الأمور و يدرسونها و يفحصون جوانبها. العمل بهذه الطريقة جيد. في مثل هذه الحالة حينما تدخلون إلى المجلس و في قاعته و تطرحون القوانين و يتحدث الموافقون و المخالفون سوف يحصل اهتمام بكل نقطة من أحاديثهم. و إذا لم يكن ذلك كان الإنسان خالي الذهن، و ستكون قرارات الإنسان من النوع الذي لا يستند إلى حجة. سواء بخصوص القانون أو بخصوص القرارات الأخرى من قبيل تعيين الأشخاص في المواقع المختلفة، و الوزراء و غيرهم. إذا جرت دراسة مسبقة للأمور سيدخل الإنسان غمار المسألة بحجة. أحياناً يعارض عشرة أشخاص و تكون الأجواء أجواء معارضة، لكنك موافق و لديك براهينك و أدلتك و أفكارك و تعمل وفق الاجتهاد و الفهم الذي تحمله عن القضية. هذا هو الصحيح. أي نريد أن نقول للسادة و السيدات و نوصيهم بالاهتمام بدراسة الأمور في اللجان بل حتى قبل اللجان. من هنا، فإن التواجد في اللجان مهم جداً و من المهم أيضاً الحضور في الأوقات المحددة و بشكل مستمر.النقطة الأخرى تتعلق بالجانب الإشرافي للمجلس. لاحظوا أن للمجلس مهمة إشرافية حيال الأجهزة التنفيذية - و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية - و عليكم أن تطرحوا شأناً و موقعاً إشرافياً للمجلس نفسه و لكل واحد من النواب. بعد أن تنتهي السنتان المتبقيتان من هذه الدورة ليس من المعلوم هل ستبقون في المجلس أم لا. هل لا تعودون إلى المجلس أم لا. قد لا تعودون إلى المجلس إطلاقاً، و لكن سيمرُّ به المئات و المئات من الأفراد الآخرين. سيأتي أناس يشغلون هذه المقاعد. إذا استطعتم الآن أن تؤسسوا الآلية المتقنة و المتينة للإشراف على عمل النواب، فسيكون لكم أجر ذلك على مدى ما تعمل هذه المؤسسة بصورة جيدة.. الأجر الإلهي لذلك سيكون من نصيبكم. و العكس بالعكس للأسف. لديكم اليوم قدرة منحكم الله إياها - قدرة نيابة المجلس - تستطيعون بها التأسيس لآلية في الإشراف و السيطرة، فإذا لم تنهضوا بذلك سوف تسألون و تحاسبون. سيسأل الله تعالى يوم القيامة.. ليست القضية برمتها: هل لدينا كلام تقبله المحكمة أم لا. هذه المحاكم ليست بشيء، المحاكم البشرية ليست بشيء. المهم هو المحكمة الإلهية. »يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور«.(2) أعماق قلوبنا مكشوفة واضحة لله تعالى. إذا عملنا أكثر من حدود تكليفنا و لم يعلم أحد و لم يشكرنا أحد، فإن الله تعالى يعلم، و الكرام الكاتبين يكتبون و الله يشكرنا على ذلك. و إذا قصّرنا و لم يعلم أحد و غطّينا على التقصير بحيث تصور الآخرون أننا أنجزنا العمل بصورة جيدة و الحال أننا مقصرين في الباطن، و لم يعلم أحد و لم يلمنا أحد، فإن الكرام الكاتبين ينظرون و يكتبون و الله تعالى يؤاخذنا. هذا برأيي شيء مهم.حسناً، النائب مثلنا جميعاً معرض لمثل هذه الزلات و الآفات. المال فتنة. هذا ليس كلامي بل كلام الإمام السجاد (عليه الصلاة و السلام).. »المال الفتون«، المال يفتن الإنسان. إنه يحرف القلوب عن الطريق، و يتزلزل الكثيرون أمامه.. أشخاص لم يكن يتصور الإنسان أنهم يتزلزلون و يزلّون، لكنهم يزلّون أحياناً. و كذلك هي القدرة و السلطة. و كذلك هو الخجل و الإحراج، و كذلك المحبة، و كذلك العداوة.. هذه أحوال قد تزلنا. و يجب أن يكون هناك موقع للإشراف. نشكر الله على أنكم أيها الإخوة و الأخوات ترحبون بهذه المسألة بقلوب واعية يقظة.و النقطة الأخيرة تتصل بالخطة الخامسة، و هي قضية مهمة جداً. هذه خطة مطروحة في المجلس و أنتم مشغولون في دراستها. اعتقد أنه ينبغي العمل في دراسة الخطة الخامسة بحيث لا يظهر الإشكال الذي تحدثنا عنه سابقاً. أي لا تظهر الخطة بشكل يختلف في ماهيته عن اللائحة المقدمة للمجلس. بمعنی أنه يجب إصلاح الخطة و تكميلها و ليس تبديلها. و هذا يتطلب تعاون الحكومة و المجلس. نعتقد أن للحكومة دورها في هذا المجال و للمجلس دوره.و أخيراً أيها الإخوة الأعزاء أيتها الأخوات العزيزات.. يجب أن تعرفوا قدر هذه النعمة. إنها لفرصة كبيرة جداً أن تكونوا في موقع النيابة بانتخاب من الشعب و يكون لكم دوركم فيما يجب أو لا يجب فعله. إنها نعمة كبيرة جداً. يجب أن تشكروا الله ليل نهار.لم يكن هذا البلد بيد الشعب و بيد نوابه و لم يكن للجماهير دور. منذ أن ظهرت الدستورية و الأصوات و القوانين و المجالس في هذا البلد - باستثناء دورة أو دورتين في بداية عمر المجلس - لم يكن للمجلس في هذا البلد أي معنى. لم يكن ثمة مجلس، و لم يكن للشعب إسهامه بأي معنى من المعاني. لم يكن مدراء البلاد منتخبين من قبل الشعب و لم يكن المشرعون منتخبين من قبل الشعب، و لم يكن للشعب دوره أساساً. كان هذا البلد شيئاً آخر و يسير في طريق آخر. و قد ظهرت هذه الحالة بفضل الثورة، لذا يجب معرفة قدرها و اغتنامها.. يجب على الإنسان أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة الكبيرة ليل نهار.نتمنى أن يوفقنا الله تعالى جميعاً لشكر هذه النعمة و أداء هذا الواجب. نرجو أن يسعد الله تعالى الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - فاتح هذا الفتح الكبير و فاتح هذا الدرب - و يرفع من درجاته. نسأل الله تعالى أن يرفع درجات شهدائنا الأبرار و مجاهدينا الأعزاء الذين جاهدوا طوال هذه الأعوام الواحدة و الثلاثين لتمتين هذا الصرح و رفعته، و تجذير هذه الشجرة، و أن يثيب كل العاملين الخدومين و أن يثيبكم أنتم أيضاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء بمشيئته.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الأنبياء، الآية 103.2 - سورة غافر، الآية 19.3 - الصحيفة السجادية، الدعاء 27.
2010/06/07

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة ولادة فاطمة الزهراء (ع)

بسم الله الرحمن الرحيمبارك الله هذا العيد السعيد و هذه الولادة الكبيرة، و هذا اليوم الميمون في تاريخ الإسلام.. باركه عليكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الذاكرون و المداحون و المرددون لمناقب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و على جميع الشعب الإيراني. نحمد الله و نشكره من أعماق وجودنا على أن زودنا بهذه القلوب المفعمة بالمحبة و بهذا الحبّ المتفجر ليكون ذخراً لشعبنا و لسعادتنا و لماء وجهنا.لو لا محبة أهل البيت (عليهم السلام) و الحبّ المتدفق لهذه الشخصيات الإلهية و الربانية لما بقي - دون شك - تيار التشيع على امتداد الزمن و التاريخ و وسط كل هذه العداوات رغم كل معارفه و عقائده المتينة. يجب عدم الاستهانة بلهيب المحبة و العواطف هذه. لا مراء في أن للمنطق تأثير كبير في تكريس كلمة الحق و إعلائها، و لا يمكن الحفاظ على أي حق من دون المنطق و الحكمة، لكن اتساع رقعة النـزوع إلى الحق و بقاء هذا الحق الخالد على امتداد تاريخ الإسلام غير ممكن من دون المحبة و المودة و الأواصر القلبية و العاطفية. لذلك لاحظوا أن الأواصر الفكرية و العقلانية كانت منذ فجر الإسلام مصحوبةً بالوشائج العاطفية و القلبية.إذا كنتم تلاحظون في التاريخ أن الرسول الأكرم (ص) في أيام فتح مكة - أي ثمانية أعوام بعد الهجرة - حينما كان يتوضأ كان أصحابه يتسابقون ليأخذوا ماء الوضوء المتساقط من الوجه المبارك لهذا الإنسان العظيم فيمسحون به وجوههم و رؤوسهم للتبرك، فما ذلك إلا بدافع هذه الأواصر العاطفية. هذا شيء يختلف عن الخضوع القلبي و الإيمان بالمعارف النبوية. ذلك شيء آخر. هذا هو ما يحيّر و يدهش عدواً عنوداً مثل أبي سفيان. شاهد هذا المنظر فقال: لقد شاهدت الكثير من الحكومات و الملوك و السلطات لكنني لم أشاهد أبداً مثل هذه السلطة التي تنفذ إلى قلوب الناس كما أراها اليوم في سلطة الإسلام. هذه هي طبيعة الرابطة القلبية و العاطفية. ينبغي المحافظة عليها. الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) أعظم سيدة في تاريخ الإنسانية و فخر الإسلام و مفخرة هذا الدين و هذه الأمة. مقام فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) من جملة المقامات التي إما لا يمكن تصورها بالنسبة للبشر العاديين من أمثالنا، أو أن تصورها أمر صعب. إنها بالتالي معصومة. ليست بحسب المسؤولية الرسمية رسولاً، و لا هي بحسب المسؤولية الرسمية أماماً أو خليفة للرسول، لكنها من حيث المرتبة في مستوى الرسول و الإمام. يذكر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الاسم المبارك لفاطمة الزهراء بعظمة و إكبار، و كانوا يروون عن معارف الصحيفة الفاطمية.. هذا أمور على جانب كبير من العظمة. هذه هي فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).ما يوجد في الحياة الظاهرية لهذه الإنسانة الجليلة هو من جهة العلم و الحكمة و المعرفة، بحيث حينما تنظرون في خطبة كالخطبة الفدكية الشهيرة لها سلام الله عليها، و التي يرويها الشيعة، و يروي أهل السنة بعض فقراتها على الأقل - و البعض يروونها بتمامها - حينما تنظرون في حمد و ثناء هذه الخطبة و في مقدماتها ترونها كلها حكمة و معرفة تجري كالجواهر و الدرر على لسان هذه الإنسانة العظيمة و تنتشر في الأجواء، و قد بقيت لنا اليوم و الحمد لله. و ذلك في موقف لم يكن موقف تعليم أو علم و معرفة، بل كان الموقف في الحقيقة موقف محاججة سياسية. ثمة في هذه الخطبة المباركة معارف إلهية و إسلامية في أعلى المستويات مما يمكن بالنسبة لنا إدراكه. و من جهة ثانية كانت حياتها عليها السلام مكتظة بالجهاد فقد كانت كجندي مضحّ في الميادين المختلفة لها تواجدها و دورها الفعال و المؤثر. منذ فترة الطفولة في مكة و في شعب أبي طالب و مساعدة والدها العظيم و شحذه بالمعنويات، إلى مواكبة أمير المؤمنين في مراحل حياته الصعبة في المدينة.. في الحرب، و في غربته، و حيال التهديدات التي واجتهه، و في صعوبات الحياة المادية و مختلف الضغوط، و كذلك خلال فترة محنته - أي بعد رحيل الرسول (ص) - سواء في مسجد المدينة أو على فراش المرض، خلال كل هذه المراحل و الأطوار كانت هذه الإنسانة الكبيرة مجاهدة ساعية مكابدة.. كانت حكيمة مجاهدة و عارفة مجاهدة. كذلك على صعيد واجباتها كإمرأة، و كزوجة، و واجباتها كأم في تربية الأبناء و رعايتهم، و العطف على الزوج، كانت على هذا الصعيد أيضاً إمرأة نموذجية. ما ينقل في مخاطبتها للإمام أمير المؤمنين (ع) فيه الكثير من الخشوع و الخضوع و الطاعة و التسليم حيال الإمام علي (ع)، ثم هناك تربية هؤلاء الأبناء.. أبناء نظير الإمام الحسن، و الإمام الحسين، و زينب الكبرى، هذا كله يدل على آية عظمى و عليا للمرأة المثالية النموذجية في أدائها لواجباتها كإمرأة على مستوى التربية و العاطفة و المحبة التي تختص بالمرأة. و كل هذه الكنوز القيمة الفذة و هي في عمر الثامنة عشرة. فتاة في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة و لها كل هذه المقامات المعنوية و الأخلاقية و السجايا السلوكية. إن وجود مثل هذه الشخصية في أي مجتمع و في أي تاريخ و في أي شعب إنما هو مبعث فخر، و ليس لدينا نظير لهذه الإنسانة العظيمة. الإطلاع على هذه المعارف يعرّف المرء على سجايا هذه العظيمة، و لكن من دون الرابطة العاطفية و المحبة و من دون نيران الشوق و الوجد التي تجري الدموع من أعين الإنسان - سواء حينما يسمع المرء مصيبتها و محنتها، أو حينما يسمع مناقبها - لن يصل المرء إلى نتيجة. هذا شيء آخر.. هذا هو الرباط العاطفي و المعنوي و الروحي الذي ينبغي الحفاظ عليه.لقد كان هذا التيار العاطفي عنصراً أصلياً و أساسياً في التشيع و مسيرة الشيعة منذ بداية تاريخ التشيع و إلى اليوم. طبعاً العاطفة هنا هي العاطفة المعتمدة على المنطق و المستندة إلى الحقيقة، و ليس العاطفة الفارغة. لذلك تلاحظون في القرآن أيضاً أن أجر الرسالة إنما هو في محبة ذوي القربى و مودّتهم. »قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى«.(1) هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية يجب التفطن لها. النيل من هذه المحبة بأي شكل من الأشكال خيانة للتيار الهائل لمحبة أهل البيت و إتباعهم. ينبغي المحافظة على هذه المحبة. لذلك تلاحظون في فترة الأئمة (عليهم السلام) وجود كل هؤلاء المحدثين و كل هؤلاء التلامذة الواعين و الفقهاء العظام في محضر الإمام الصادق (عليه السلام) و الإمام الباقر (عليه السلام) و الأئمة الآخرين، كانوا يروون المعارف و الأحكام و الشرائع و الأخلاق، و سمعوا و رووا و سجلوا، و لكن إلى جانب كل هذا، حينما يعود و ينظر الإنسان بدقة يرى نظرةً إيجابية لدعبل الخزاعي، و للسيد الحميري، و للكميت بن زيد الأسدي، و الحال أن أمثال زرارة و محمد بن مسلم و شخصيات كبيرة من هذا القبيل كانوا موجودين في منظومة الأئمة (عليهم السلام)، و مع هذا يحنو الإمام الرضا (عليه السلام) على دعبل، و يهتم الإمام الصادق (عليه الصلاة و السلام) بالسيد الحميري و يودّه. السبب هو وجود الجانب العاطفي في شعر الشعراء و مدح المداحين على أتم و أوفى نحو و بشكل غير متوفر في مواطن أخرى، أو إذا كان موجوداً فبنحو ضعيف، أو لنقل إن تأثيره ضعيف. الشعر و المدح و ذكر المناقب له مثل هذا الدور في تاريخ التشيع.طيب، معظم الحضور اليوم في هذه الجلسة من مداحي أهل البيت و ذاكري مناقبهم، إذن، فهذه مرتبة سامية. لا أقصد من كلامي هذا تثبيتكم في هذا الدرب الذي اخترتموه أو المسؤولية التي حملتوها على عواتقكم - و المصحوبة يقيناً بالمحبة و العشق - فهذا تحصيل حاصل. لقد سرتم في هذا الدرب برغبتكم و إرادتكم و حبكم، و سوف تشملكم إن شاء الله رعاية الله و ثوابه و عطف أهل البيت (عليهم السلام)، لكني أقصد أن نتعرف بنحو صحيح على هذا التيار و نستفيد منه بالصورة التي أرادها الأئمة (عليهم السلام). أريد أن أقول لكم أيها الإخوة الأعزاء ذاكرو مناقب أهل البيت و مداحو أهل البيت إن هذا العمل عمل شريف و قيم، و له دوره في بقاء التشيع و الحفاظ على الإيمان الشيعي و المعرفة الشيعية و اتباع أهل البيت (عليهم السلام) فاعرفوا قدره.جلستنا تقام كل سنة في مثل هذا اليوم منذ أكثر من عشرين سنة. قيل الكثير عن مديح أهل البيت و مداحيهم، و قلنا نحن أيضاً ما قلناه - و يلاحظ الإنسان بالطبع تقدماً جيداً و تجليات حسنة - لكنني أروم القول إن هذه الإمكانية المتوفرة عظيمة و هائلة جداً. ربما ذكرت مراراً الأعزاء الذين يشاركون سنوياً في هذه الجلسة إنه قد يكون بيت شعر واحد تقرأونه أكثر تأثيراً في القلوب من ساعة كاملة من البحوث الاستدلالية و البرهانية التي يقدمها خطيب حاذق. حسناً، هذه إمكانية كبيرة جداً، و ينبغي الاستفادة منها بشكل جيد. يمكن بهذه الإمكانية الكبيرة نقل معارف أهل البيت عبر الاستعانة بالجوانب العاطفية إلى أعماق قلوب الناس في شتى أنحاء هذا البلد و تكريسها و تعميقها.. هذا ليس بالشيء القليل. نحن اليوم بحاجة لهذا الشيء.. و بحاجة له على الدوام. نحن بحاجة إلى تعزيز إيماننا، و أن يكتسب هذا الإيمان ركائز و أسساً واضحة، و يمتاز بالثبات و الديمومة، فلا تضعضعنا الأمواج المتنوعة لإعلام الأعداء. نحن دوماً بحاجة لهذا الشيء. لقد نزل أعداء الحقيقة و الإعلام و أعداء معرفة أهل البيت (عليهم السلام) اليوم إلى الساحة بأدوات قوية و هم اليوم متسلحون أكثر من أي وقت مضى، و يستخدمون مختلف الأساليب لزعزعة هذا المجتمع الذي نهض حالياً نهضة حق و لفت إليه أنظار العالم الإسلامي و وجّه ضربة لقبضات الاستكبار القذرة - و أعني به مجتمع الجمهورية الإسلامية و المجتمع الإسلامي في إيران - عسى أن يقللوا من قدراته و يهتكوا سمعته عند الشعوب المسلمة و الأمة الإسلامية، إنهم يسعون لمثل هذا الشيء.لقد أنجزتم أيها الشعب الإيراني خلال هذه الأعوام الثلاثين الكثير من الأعمال الكبيرة. أعداء الشعب الإيراني أعداء عتاة أشداء. كل المتغطرسين و كل الناهبين و كل الرأسماليين الكبار و كل عصابات القوة و كل مافيات الثروة و المال تقف في مجابهتكم. لقد قطعتم الطريق عليهم و خلقتم لهم المشاكل و المتاعب. لقد تحرك الشعب الإيراني طوال هذه الأعوام الثلاثين بنحو مؤثر. هذا العداء الذي يمارسونه و هذه الأحقاد التي يبدونها تجاه الشعب الإيراني لم تأتِ اعتباطاً. إذا لم تكونوا قد عرقلتم طريق هذا النهب و لم تخلقوا المشاكل لهيمنة الاستكبار و سيطرته لما أبدوا تجاهكم كل هذا العداء. هؤلاء الأعداء يريدون في الوقت الراهن إفراغ الشعب الإيراني من مضمونه الذي يدفعه و يحفّزه ألا و هو الإيمان الساطع القائم على البراهين. يستخدمون مختلف الأساليب و يشيعون الأقاويل الباطلة و يختلقون التسلية الفكرية و الشهوانية و السياسية، و يفتعلون الفتن.. هذه كلها سياسة. ما الذي ينبغي فعله حيال هذا؟ ينبغي تعزيز هذا الإيمان الذي يعد الرصيد للقيام و النهضة و الثبات و الصمود الذي أبداه الشعب الإيراني.من العوامل التي يمكنها المساعدة على النهوض بهذه المهمة الكبرى، نشر المعارف الإسلامية و المعنوية و الثورية بشكل واضح، و إشاعة محبة أهل البيت بين القلوب و في أرواح الناس أكثر فأكثر. هذه مسؤولية نتحملها جميعاً في الظرف الراهن. و مدّاحو أهل البيت يتحملون جانباً من هذه المسؤولية، و هو جانب مهم. انظروا لمهمة المدح و ذكر مناقب أهل البيت من هذه الزاوية. حينما تقفون للذكر اشعروا أنكم تقفون كداعية ديني و كرسول يحمل الحقائق الدينية و ينقلها بشكل مؤثر. إذا كان هذا هو شعوركم عندئذ يحصل تقيّد في اختيار الأشعار، و في كيفية الأداء، و سيشعر الذين يريدون القيام بهذه المسؤولية بقيود و حدود، و لا مندوحة من هذه القيود. هذا شيء يجب أن تقوموا به أنتم أنفسكم.. إنها مهمة المداحين أنفسهم. إذا سألوا اليوم: »ما الذي تحتاج له مهمة مديح أهل البيت؟« و »ما الذي يحتاجه من يريد أن يصبح مداحاً و يبدأ مهمته من اليوم؟« سوف تعدون بضعة أشياء طبعاً منها أن يكون له صوت حسن، و له ذاكرة جيدة، و يتعلم الأشعار، و طبعاً يجب أن تكون للعملية روحها. إذا كان للإنسان صوت حسن و ذاكرة جيدة يمكنه أن يصبح مداحاً. نعتقد أن هذا لا يكفي. انظروا للمداح باعتباره معلماً يريد تعليم شيء معين لمستمعيه. كلكم لديه هذه الصلاحية. و يجب عدم إخراج أي شخص عن هذه الدائرة. كل من لديه تشوق لهذه العملية فليتفضل، لا بأس، و لكن ليوجد في نفسه صلاحية هذه المهمة.الشعر الذي تقرأونه ليكن شعر معرفة و تعليم، سواء حول قضايا الساعة - كالأشعار التي قرأها اليوم بعض السادة و المعنية بأحداث الساعة و المجتمع، و هذا شيء قيم جداً و له جانبه التوعوي - أو حتى الأشعار التي لا يتوفر فيها هذا العنصر، و لكن لنفترض حينما تريدون تعريف فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) عرفوها بحيث يستطيع الإنسان المسلم و المرأة المسلمة و الشاب المسلم استلهام الدروس من تعريفكم، و الشعور بالخشوع و الخضوع و الارتباط بصرح القدسية و الطهر و الحكمة و المعنوية و الجهاد هذا. هذه طبيعة الإنسان. نحن البشر ميّالون إلى الكمال. إذا استطعنا تحقيق الكمال في أنفسنا حققناه، و إذا لم نستطع فسوف يميل الإنسان إلى من يجد الكمال متحققاً فيه. لنشرح للمستمعين هذا الكمال الذي نجده في فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و في الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) و في الأئمة الأطهار (عليهم أفضل الصلوات و السلام)، فينتهل المستمع هذه المعارف كالماء الزلال على شكل أشعار و كلام رصين و بأصوات حسنة و ألحان جيدة سليمة، فيصل هذا الزلال إلى جميع أنحاء جسده. هذه مهمة لا يستطيعها الكثير من الخطباء و المحاضرين و الفنانين و المعلمين، لكنكم تستطيعون القيام بها فلا تقصروا في القيام بها.لقد أوصيت مراراً و أوصي مرة أخرى: قسموا منبركم و مجلسكم إلى قسمين: القسم الأول خاص بالمعارف و الأخلاق. فنحن اليوم بحاجة للأخلاق و بحاجة للمعارف. نحتاج اليوم إلى تربية جيل الشباب على الأمل و الحيوية و التفاؤل بالمستقبل و الإيمان بالله و الارتباط القلبي بأهل البيت. نحتاج اليوم أن يفخر شبابنا بانتمائه لإيران الإسلامية، و بالإمام الخميني، و بالجمهورية الإسلامية.. أن يفخر بدينه و بمذهبه و بإتباعه لأهل البيت. إننا نحتاج اليوم إلى شباب يعلمون أن مصيرهم و مصير مجتمعهم و مصير عائلتهم الكبيرة رهن بعملهم و جدهم و سعيهم.. شباب يكونوا من أهل الجهد و العمل و الجد و المتابعة و لا يكونوا كسالى و منهزمين و لا أباليين. كيف تحصل هذه التربية؟ أنتم بوسعكم أن تمارسوا دوراً في هذا المجال. إذن، ليكن جزء من المنبر أشعاراً تبث هذه المعاني. و أفضل أسلوب للتعبير هو التعبير غير المباشر.أشيعوا معارف أهل البيت في قالب الشعر، و هنا يتبين دور الشعراء. و لحسن الحظ ليس الشعراء المجيدون اليوم قلائل. بعض هذه الأشعار التي قرئت اليوم تعد من الأشعار الجيدة. لدينا اليوم و الحمد لله شعراء جيدون و خطباء و مداحون لأهل البيت أصحاب ذوق في التعبير و البيان و ذكر الحقائق و نظم هذه الحقائق شعراً. ابحثوا عن هذه الأشعار. أنتم المداحون حينما تطلبون الأشعار تتفجر عيون الشعر لدى الشعراء. حينما تطلبون الشعر سينظمون هم الشعر. حينما يقرأ شعر الشاعر من قبلكم تتضاعف محفزاته لنظم الشعر، و تحدث حالة تكاملية.. أنتم تساعدونه و هو يساعدكم.و قسم من المنبر يختص بمدائح و مراثي أهل البيت (عليهم السلام). طبعاً لدينا الكثير من الكلام حول قراءة المراثي. و قد ذكرنا لكم أيها المداحون الأعزاء مراراً في هذه الجلسة، و ذكرنا في جلسات و مناسبات أخرى أنه ينبغي الالتزام بصدق الوقائع في قراءة المراثي. صحيح أنكم تريدون إبكاء مستمعيكم و لكن حققوا هذا الإبكاء عن طريق التفنن في البيان و التعبير عن الواقعة و ليس في ذكر واقعة أصل لها و لا صحة. كنا نعرف في الماضي - و لن يكون مثل هذا في الوقت الحاضر إن شاء الله - أشخاصاً يخترعون أشياءً ارتجالاً في المجلس.. يخطر بباله شيء في تلك اللحظات و يجد أنها جيدة و الظرف مناسب فيذكرها و ينتزع دموع الناس. هذا غير صحيح. ليس الهدف انتزاع دموع الناس.. الهدف هو مزج القلب الدامع - و الذي يوصل الدمع إلى العيون و يجعلها باكية دامعة - بالمعارف الزلال، طبعاً بشكل فني مؤثر.كان لدينا في مشهد رجل منبر معروف - رحمه الله - قبل خمسين سنة.. المرحوم ركن الواعظين. كان يرتقي المنبر و يذرف الناس الدموع تحت منبره كشآبيت المطر.. و الحال أنه هو نفسه قال عدة مرات أنه لا يذكر اسم الرماح و الخناجر. و الحقيقة أنه لم يكن يذكر هذه الأشياء. حضرت أنا منبره عشرات المرات. كان يصور الحدث بشكل فني مؤثر بحيث يتأثر الناس أشد التأثر. و من دون أن يقول »قتلوا« أو »رموا السهام« و »هكذا ضربوا بالسيف« أو »ضربوا هكذا بالخناجر«.. لم يكن يذكر هذه الأشياء. يمكن إلقاء تعزية جيدة و إبكاء الناس بأساليب فنية.و أقولها لكم إنه لا داعي لما يقوله المداحون و قراء التعزية سابقاً - و توفيقنا لحضور التعازي الآن أقل، لكننا ننتفع أحياناً و ننتهل من فيض مداحي أهل البيت - للناس أن ابكوا بصوت عالٍ.. يمكن البكاء بصوت منخفض. و حينما يريدون اللطم، يصرون على أن »الصوت لا يناسب هذه الجماعة الحاشدة من الناس«. أو حينما يصلي الناس على محمد و آل محمد، يصرون بالقول: »إن هذه الصلوات لا تناسب هذا الجمع الحاشد«. اطلبوا من الناس أن يصلوا على محمد و آل محمد حتى لو فعلوا ذلك في قلوبهم. تأجيج المجلس بهذه الطرائق ليس هو الأصل و الأساس في الأمر.. أعملوا ما من شأنه كسب قلوب المستمعين. حينما تكسبون قلب المستمع يحصل المقصود و تتحقق الغاية، حتى لو بكى بصوت واطئ فإن الغاية قد تحققت. و إذا توجّه بقلبه لكم أيضاً تكون الغاية قد تحققت.إذن، حصيلة كلامنا لهذا اليوم هي أن مهمة مدح أهل البيت مهمة و عمل كبير. إنه عمل مهم و عملية مؤثرة جداً. يمكن أن تكون مصداقاً كبيراً و بارزاً للجهاد في سبيل الله. حين تقولون إننا مستعدون للتواجد في الساحة فالتواجد بالنسبة لكل شخص له شكله الخاص. تارةً يشارك الإنسان في ساحة الحرب الظاهرية، و تارة يخوض الإنسان غمار معركة ضد أعداء يشنون حرباً ثقافية أو حرباً ناعمة. هذا نوع آخر من القتال له ضروراته و مقتضياته. بالنسبة لعملكم أنتم المداحين فإن التواجد في الساحة و ممارسة الجهاد معناه تقديم كلام مؤثر و بيان له دور في هداية القلوب.. طبعاً بأساليب فنية. و حينما نقول الأساليب الفنية نقصد بها الصوت الحسن و هذا ما تتوفرون عليه جميعكم و الحمد لله. و هناك الألحان المألوفة. طبعاً بعض الألحان التي يسمعها الإنسان هنا و هناك أو تصل سمع الإنسان ليست ألحاناً مناسبة. حتى لو افترضنا أنها اجتذبت بضعة أشخاص، لا، يجب أن يكون اللحن رزيناً ثقيلاً مناسباً للمضمون الذي تعرضونه. لا تتجّه الألحان لا سمح الله نحو الألحان المحرمة و التي يكتسب الإنسان منها المعاصي. هذه بدورها نقطة أساسية و مهمة. لا يمكن تقليد أية أغنية أو لحن يظهر هنا و هناك. ثمة أشياء محرمة بحد ذاتها، و إذا أدخلت في مجال مدح أهل البيت و بيان الحقائق و الحديث عن الله و الرسول ستكون حرمتها مضاعفة. إذن من اللازم و المهم توفر الألحان الفنية و الجيدة و المناسبة و الأشعار الجيدة و الصوت الحسن، و ربما فوق كل هذا القلب الطاهر و الإخلاص لدى المداح المحترم.نتمنى أن يوفقكم الله تعالى و يؤيدكم جميعاً ببركة الزهراء المرضية (سلام الله عليها) و يتقبل منكم هذه الجهود.اللهم بحق محمد و آل محمد أدم بركات الزهراء المرضية على بلادنا و مجتمعنا و قلوبنا. اللهم لا تبعدنا عن أهل البيت في الدنيا و لا في الآخرة. اللهم اشملنا بأدعية الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). ربنا اجعلنا معه في الدنيا و الآخرة. اللهم احشر شهداءنا الأبرار و إمامنا الجليل مع فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و الأئمة من أهل البيت. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الشورى، الآية 23.
2010/06/02

كلمة الإمام الخامنئي في منتسبي السلطة القضائية

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، مسؤولو السلطة القضائية و الإخوة و الأخوات من ذوي شهداء السابع من تير الأبرار الشامخين. نذكر شيئاً عن تلك الشهادة الكبيرة المؤثرة، و شيئاً عن السلطة القضائية.الخصوصية الطبيعية للشهادة هي إيجاد البركة و رفد الحركة و استمرارها و تسهيلها نحو التسامي و الكمال. حينما يعتبر الله في القرآن الكريم الشهيد حياً، و يقال في العرف الإسلامي و حسب مصطلح المتشرعة لمن يقتل في سبيل الله شهيداً أي شاهداً و مراقباً و حاضراً، فمعنى ذلك أن دم الشهيد لن يذهب هدراً. شخصية الشهيد و هي تبلور مبادئه و طموحاته و آماله سوف لن تفارق حياة الناس. هذه هي خصوصية الشهادة. الذين أدركوا هذه الحقيقة و وعوها و صدقوها من الأعماق لا يعدّ القتل في سبيل الله بحال من الأحوال خسارة، بل هو فخر و فوز عظيم، لذلك يطلبونه من الله تعالى، و يطالبون به كحاجة كبرى في أذكارهم و مناجاتهم لله عزّ و جلّ.و أخال، أن من أفضل السائرين في هذا الطريق هم شهداء السابع من تير. كنا نعرف الكثير منهم عن قرب و قد اختبرناهم و عرفناهم إما في ملابسات النضال و العمل أو في أحداث ما بعد انتصار الثورة، الحق أنهم كانوا يحملون أرواحهم على الأكف و هم مستعدون للشهادة دوماً. لو جاءهم خبر إنهم سوف يستشهدون في هذا السبيل لما خافوا أو ارتعبوا على الإطلاق، بل لرضوا و ارتاحوا و لكانت هذه بشارةً لهم. و على رأسهم جميعاً شهيدنا الجليل العزيز آية الله بهشتي الذي كان إنساناً مؤمناً متديناً مخلصاً صادقاً جاداً في العمل. كان يعتقد بما يقوله، و ملتزماً عملياً بما يعتقد به. و كان يعرف الأخطار، و يعلم أن ساحة العمل حقل ألغام، و يمكن أن تزهق الروح في أية لحظة من اللحظات. لكنه مع ذلك كان يتقدم في الطريق غير هيّاب و لا خائفاً بل بعيون مسمّرة على الهدف. هذه من سمات هذا الشهيد العزيز. كان منطقياً و ملتزماً بالمبادئ و الأصول. كان أصولياً بالمعنى الحقيقي للكلمة. لم يكن ليساوم أحداً على الأصول. كنا نرى أن البعض يحاول كسبه بالحيل و الأحابيل و الأساليب الدارجة المعروفة أو ليجعلوه يتراجع قليلاً عن مواقفه و يفرضوا عليه المماشاة و المحاباة، لكنه كان يقف صلباً على مواقفه. هكذا تتكون الشخصيات التاريخية المؤثرة، و هكذا تظهر في المجتمع و تبقى.. »... إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا... «،(1) القول و الكلام شيء سهل، لكن العمل صعب، و الاستمرار في العمل أصعب بكثير. البعض يتكلمون فقط و البعض يثبتون قولهم في أعمالهم، لكنهم يعجزون عن الصمود حيال أحداث العالم و الطوفانات و الاستهزاء و الطعون و حالات العداء غير المنصفة، لذلك يتوقفون عن المسير. و البعض لا يكتفون بالتوقف بل يتراجعون و يعودون أدراجهم، و هذا ما نراه على كل حال.الذي يقول كلمته عن عقيدة خالصة جازمة و يقف و يصمد على كلمته إنطلاقاً من قرار مؤمن شجاع، و يستمر في هذه الحركة بصبر قال عنه الله تعالى في القرآن: »... وَ اللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ«(2) هذا هو الإنسان الذي يكتسب قيمة كبيرة و يكون شخصية مؤثرة، و يكون طريقه منهجاً للسائرين، و يبقى وجهه خالداً ينير الدرب. رحمة الله على الشهيد بهشتي. و رحمة الله على الذين استشهدوا معه، و رحمة الله على شهداء درب الإسلام.و قد كان الأثر الفوري و العاجل لهذه الشهادة أن اكتسب النظام الإسلامي في آنٍ واحد إخلاصاً أكبر و أثبتت أحقيته، و تكرست حقيقته في المجتمع أكثر. كانت هذه سمة تلك الشهادة الكبرى. تساقطت الأقنعة عن الوجوه، و تكرس المنطق المتين للجمهورية الإسلامية و منطق الإمام الجليل، و تماسك نظام الجمهورية الإسلامية الفتي و استطاع مواصلة الحركة. في تلك الظروف الحساسة و في حين تمدّد العدو - العدو العسكري المعتدي - على جزء مهم من المنطقة الحساسة في تراب الجمهورية الإسلامية، و لكم أن تلاحظوا صعوبة الظروف في ذلك الحين، و شدة الحادثة حسب الظاهر، لكن هذه الشهادة تركت تأثيراً بناءً و عظيماً على الثورة.أعزائي، طالما بقيت الشهادة في قاموسنا و في ثقافتنا و في منطقتنا بهذا المستوى و الاعتبار، فاعلموا أنه ما من قوة - سواء القوى المستكبرة الحالية أو ما هو أقوى منها بكثير - تستطيع الانتصار على الجمهورية الإسلامية و شعب إيران.أما عن السلطة القضائية فإنها للحق جزء حساس جداً في نظام البلد. و هكذا هو الحال في كل العالم. دور الجهاز القضائي دور مصيري و حيوي و حاسم. و لكن في نظام الجمهورية الإسلامية حيث يقوم أساس النظام و شرعيته على الحق و العدل - و هذه هي الأركان الرئيسية لنظامنا - يكتسب الجهاز القضائي حساسية مضاعفة.لقد ذكرنا الكثير من النقاط حول شؤون الجهاز القضائي خلال هذه اللقاءات السنوية، و ذكر رؤساء السلطة القضائية المحترمون الكثير من النقاط و القضايا. و يوم أمس في الاجتماع الجيد الذي تشكل في السلطة القضائية - و قد شاهدت خلاصة له من التلفاز - ذكر رؤساء السلطات الثلاث المحترمون نقاطاً جيدة و صحيحة. طبعاً الكلام الجميل شيء و إمكانية تحقيقه شيء آخر، و تحقيقه شيء آخر، و الاستمرار فيه شيء آخر، و كل هذا يحتاج إلى جد و اجتهاد.و الحمد لله تتوفر اليوم في السلطة القضائية ظروف جيدة. رئيس السلطة القضائية شخصية عالمة مجتهدة فاضلة واعية تتمتع بطاقة الشباب و قدرات كثيرة، و يلاحظ المرء خلال المدة القصيرة التي تولّى فيها هذه المسؤولية أن الكثير من المطاليب و الأمور التي يتوقعها الإنسان من القانون و السلطة القضائية قد تحققت أو اقتربت من حدود التحقق.. هذه كلها من بواعث الأمل.و كما أشاروا، فإن منظومة المسؤولين رفيعي المستوى في السلطة القضائية منظومة نزيهة و سليمة و حسنة السابقة و صميمية. هذا شيء يبعث الأمل في نفس الإنسان. و على مستوى السلطة أيضاً ليسوا قلائل و الحمد لله القضاة الفضلاء الواعون الشجعان المستقيمو السلوك و الأعمال. هذه حقائق موجودة. تم التعرف على المساحات المظلمة تدريجياً، و على الأعمال التي ينبغي القيام بها، و جرى التخطيط بشكل جيد أو جرى التنبه إلى الأمور اللازمة و الضرورية. هذا كله من بواعث الأمل. إلا أن أرضية الأمل و التفاؤل يجب أن تؤدي إلى حركة واسعة و جادة لكي تؤتي هذه الآمال ثمارها، و يفصح واقع السلطة القضائية عن حقيقته. قلنا مراراً إن السلطة القضائية يجب أن تصل إلى درجة يعلم فيها أي إنسان في أي نقطة من البلاد كان، إذا شعر بأنه مظلوم، يجب أن يعلم و يبشر نفسه بأنه يستطيع التوجّه للسلطة القضائية و استعادة حقه المهضوم و رفع الظلم عن نفسه. هذا أمل يجب إيجاده في قلوب جميع أبناء هذا البلد.طبعاً، لا يمكن إيجاد هذا الأمل بسهولة. يجب أن تزداد المراجعات القضائية ذات النتائج العادلة و المنصفة و تزداد حتى يتكون هذا الأمل تدريجياً في قلوب أبناء الشعب. طبعاً، لا نريد مقارنة السلطة القضائية اليوم بالسلطة القضائية قبل الثورة و في عهد الطاغوت. الذين شهدوا تلك الأيام يعلمون أن المكان الذي لم يكن يفتح بوجه الإنسان أي أمل يومذاك هو السلطة القضائية. لم يكن يشعر أحد أنه سيراجع هذه المؤسسة و سيطرق هذا الباب و يعود منه مرتاحاً راضياً. لا، كانت الأعمال غير العادلة في السلطة القضائية و الناتجة عن الإهمال و عدم الاهتمام أو عدم التقوى كثيرة إلى درجة أن أحداً لم يكن يعقد أملاً على السلطة القضائية إلا بواسطة الشفاعات و الوساطات و الأموال و القوة و ما إلى ذلك. من هنا لا نريد مقارنة سلطتنا القضائية بتلك السلطة القضائية لنقول بعدها: الحمد لله، لدينا اليوم قضاة فضلاء و منصفون و يجري العمل على الطريق الصحيح الجيد، إنما نروم مقارنة السلطة القضائية بالوضع اللائق لنظام الجمهورية الإسلامية. هذا جدّ و سعي لا بد منه. من الجهود اللازمة استقطاب عناصر مؤمنة و عالمة و منصفة للسلطة القضائية. طبعاً، الكوادر الإنسانية الصالحة داخل السلطة القضائية تحتاج إلى إشراف من المواقع الأعلى و إدارة جيدة للأعمال و الأداء. الإنسان الصالح معرض للزلل و الانحراف. ليس بالضرورة أن يبقى الصالحون صالحين دائماً، لا، ثمة امتحانات و اختبارات يمرُّ بها الجميع، و ينبغي مراقبة إمكانيات الزلل في جميع الأحوال. هذه قضية، و هي قضية الطاقات البشرية، و هي على جانب كبير من الأهمية.الشيء الذي لا يقل أهمية عن قضية الطاقات الإنسانية هو قضية البنية الديوانية للسلطة القضائية. ينبغي العمل بنحو مستمر لتجديد البُنى و تحديث وضع السلطة القضائية في مجمل بنيتها. لا أقول إننا يجب أن نسلب السلطة القضائية استقرارها، لا، لا بد من الاستقرار و الثبات إلى جانب الرؤية النقدية للأساليب الديوانية و البيروقراطية الخاطئة و بعضها موروث عن الماضي، و بعضها تقليد للبلدان الغربية، بل هي تقليد للأساليب المنسوخة عند البلدان الغربية. هذه نقطة مهمة ينبغي التفطن لها. أحياناً تكون البُنى بحيث تزيد من صعوبة عملية المرافعة، و تجعل النتائج غير موثوقة، و تلتهم الناس الصالحين في داخلها. هذه أيضاً مسألة أخرى، تمثل سياقاً دائمياً يجب التنبه له باستمرار.و من المسائل الأخرى مسألة القوانين. يجب أن تؤخذ القوانين و المقررات داخل السلطة القضائية بنظر الاعتبار، و ينبغي إعادة النظر فيها لكي تكون القوانين الصحيحة اللازمة هي المعتمدة دوماً. و نحن نعلم بالطبع أن قوانين المرافعات و القوانين الجزائية في طريقها للمصادقة عليها بتفاصيل كبيرة. و ينبغي تعميم ذلك على كل القوانين. أحياناً يسبب قانون خاطئ متبقٍ عن عهد الطاغوت - العهد الذي كانت فيه السلطة القضائية قائمة على أسس خاطئة - مشكلات عديدة. و التعارض بين القوانين يسبب مشكلات عديدة. و قد ذكرنا في العام الماضي أن عدم تطابق أحكام المحاكم الإبتدائية مع أحكام المحاكم اللاحقة يأتي في كثير من الأحيان بسبب هذه المشكلات. يجب إصلاح هذه الأمور، و هو بالطبع عملية جد صعبة و عظيمة.من الأمور اللازمة في منظومة السلطة القضائية هو عدم إشراك حالات الحبّ و البعض و الانتماءات السياسية في عمل هذه السلطة. من الأخطار الكبرى أن تؤثر الأجواء و الضجيج على السياق الصحيح للعملية القضائية و على ذهن القاضي و على ذهن المحقق و على مختلف مراحل متابعة الملفات. يمكن اختلاق الضجيج السياسي فالصحف تكتب و الإذاعات الأجنبية تتحدث، و العدو يتحدث، و التيارات المختلفة تتحدث.. هذه أمور يجب أن لا تؤثر. من أصعب واجبات السلطة القضائية أن لا تتأثر بالضجيج المفتعل من قبل هذه الجهة أو تلك. هذا هو »... إعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...«(3) الآية التي تليت الآن. تقول الآية: »... وَ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ...«.(4) أي لا تغلبكم العواطف. لا تؤثر العداوات - و قد أشارت الآية الكريمة إلى حالة العداء، و مثلها حالة الصداقة و المودّة - في قضائكم و في الأحكام التي تصدرونها ولا تصرفكم عن جادة العدل: »إعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى«. و التقوى هي المراقبة.. مراقبة الذات و مراقبة المسيرة و الطريق، و الحذر من السقوط و التعرض للمشكلات. يقول: هكذا تتحررون من قبضة المشكلات، و هكذا تستطيعون السير في الطريق بصورة صحيحة و بلا خسائر و أضرار في هذه الوديان الشائكة العجيبة الغريبة.. »إعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...«.و من مصاديق ذلك أن لا تؤثر الأجواء السياسية المفروضة من قبل مختلف الجهات على السلطة القضائية. هذه طبعاً ليست عملية سهلة. الكلام عنها سهل لكن العمل بها صعب جداً. يجب أن يصدّق الإنسان بهذا الشيء بإنصاف. إذا كان هذا سيقتنع الناس بالسلطة القضائية و بقراراتها و يؤمنون بها حتى لو لم يكونوا راضين عن هذا الحكم أو ذاك في سريرة قلوبهم. لكنهم مقتنعون. و لو أردنا الإتيان بتشبيه ناقص لقلنا إن الأمر يشبه عمل المحكمين في ساحات الرياضية. إذا قال الحكم إن هذا صحيح و هذا خطأ، يُسلِّم الجميع له، و قد يسيئ البعض أخلاقهم، لكن عملهم هذا سيعتبر إساءة أخلاق، و الكل يرضون. طبعاً يختلف ذلك التحكيم عن هذا التحكيم من السماء إلى الأرض، و لكن ينبغي انبثاق مثل هذه الحالة فيشعر الناس أن هذا التحكيم و هذا القضاء مستنبط من أصل الحقيقة، و لا دخل للذهنيات و التيارات و الميول السياسية و غير السياسية و حالات الحبّ و البغض فيه. إذا شعر الناس بهذا، فقد لا تكون نتيجة الحكم مرضية بالنسبة لهم، لكنهم يقنعون على كل حال و يعتبرونها جيدة. حالة الاقتناع هذه و القبول الذهني لدى المجتمع حالة جيدة جداً و تعدّ فرصة كبيرة للسلطة القضائية.طبعاً، و يجب على جميع أجهزة البلاد أن تدعم السلطة القضائية لتستطيع أن تمارس أعمالها دون التفات إلى هذا و ذاك. كما نلاحظ في الصور الرمزية التي ترمز للسلطة القضائية حيث عصبوا عيونها. عصب الأعين هذا لا يعني طبعاً عصب الأعين عن الواقع، بل بمعنی أنها لا تأخذ بنظر الاعتبار الأصدقاء و الأعداء و المدعي و المدعى عليه، و لا تأخذ شخصية الأشخاص و خصوصياتهم. هذا ما ينبغي المحافظة عليه. و هو طبعاً عملية جد صعبة. إذا تحقق هذا لكان من أهم الوسائل لتقدم المجتمع، و لكان من أفضل الإمكانات لنظام الجمهورية الإسلامية. إنه شيء سيتقدم بنا للأمام و سيعين البلد حقاً في المسار الذي يتقدم به نحو أهدافه. هذه عملية كبيرة.طبعاً، التوجّه إلى الله تعالى، و التوسل بخالق العالم و تذكر الثواب و الأجر الإلهي المخصص للمخلصين، و الاعتماد على الله تعالى، و عدم إساءة الظن بالله تعالى، أمور تعين جميع العاملين ليستطيعوا النهوض بهذا العمل الكبير إن شاء الله.تصادف هذه الأيام أيام شهر رجب المبارك شهر الدعاء و التوسل، و التضرّع، و شهر إعداد القلوب إن شاء الله للدخول إلى ساحة رمضان. ليس اعتباطاً أن تجري التوصية بهذه الأدعية و بهذه الأعمال و بهذا الاستغفار. الدعاء حسن دائماً، و يمكن قراءة أي دعاء دائماً، لكنهم أوصونا بهذا الدعاء لأيام شهر رجب أو لأيام خاصة من شهر رجب، ما يدل على وجود خصوصية في هذه الأيام، و ينبغي انتهاز هذه الخصوصيات و الاستفادة منها. سيكون ثمة إن شاء الله توسل بالله تعالى و تضرع و طلب للعون منه و اعتماد و توكؤ عليه. و سوف يمدّ الله تعالى يد عونه إن شاء عزّ و جلّ.نتمنى أن تكون أرواح الشهداء الطيبة و الروح المباركة للإمام الخميني راضية عنكم جميعاً، و أن تشمل الأدعية الزاكية لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء و المسؤولين المحترمين.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة فصلت، الآية 30.2 - سورة آل عمران، الآية 146.3 - سورة المائدة، الآية 8.4 - م س.
2010/05/27

كلمته في خريجي جامعة الإمام الحسين

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك لكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء و يا أمل المستقبل النجاحات التي حققتموها في فترة دراستكم و استعدادكم للدراسة في هذه الجامعة، و كذلك بمناسبة ذكرى اليوم العظيم الثالث من خرداد، و هو يوم لا ينسى في تاريخ الثورة بل في تاريخ بلادنا.المراسم هذا اليوم مراسم جيدة جداً و في حدود النصاب، و هي كالحرس الثوري نفسه ممتزجة بالمعنوية و القدرات الروحية و الجسمية و الاستعداد و الجاهزية الفكرية و العلمية، و دليل على تقدم الحرس الثوري إلى الإمام.أعزائي، يوم فتح خرمشهر - و هو في الحقيقة نقطة الذروة في عمليات »بيت المقدس« التي جرت في شهري أرديبهشت و خرداد من سنة 61 - نموذج زاخر بالدروس و العبر لنا جميعاً و لتاريخنا و لمستقبلنا. ففي هذا اليوم استطاعت القوات الفدائية في الجيش و الحرس بتنسيق مذهل و مثير للإعجاب، و بشجاعة و تضحية تفوق الوصف توجيه ضربة قاسمة لا لجسد الجيش العراقي و حسب، بل لجسد النظام الاستكباري العالمي الذي وقف بعدده و عدته خلف الماكنة الحربية لنظام البعث. ما كان أحد يظن أن مثل هذا الشيء سيحدث، لكنه حدث.فما هو العامل الرئيسي في هذه القضية؟ يمكن سرد عدة عوامل لذلك، لكن العامل الأول و الرئيس هو روح الثقة بالله و الثقة بقوتنا و قدراتنا. لو أردنا يومذاك التفكير وفق الحسابات العادية و الدارجة، لما استنتج أحد أن مثل هذه الحدث يمكن أن يقع، لكن شبابنا و رجالنا المؤمنين و جنودنا في القوات المسلحة بهمتهم و إيمانهم و توكلهم على الله و وضعهم أرواحهم العزيزة على الأكف و عدم خوفهم من أخطار الموت خاضوا غمار الساحة و خلقوا هذا الحدث العظيم. فتح خرمشهر قمة هذه المفاخر و ثمرتها، و لكن طوال مدة عمليات بيت المقدس التي استمرت قرابة شهر كانت هناك المئات من علامات التضحية بشكل مثير للدهشة.أنتم الشباب الأعزاء أبنائي الأحباء أرجوكم أن تقرأوا بدقة تفاصيل هذه العمليات التي دوّنت لحسن الحظ جوانب قليلة منها. انظروا ماذا فعل شبابنا و رجالنا الذين يستلزم ذكر أسمائهم جميعاً كتاباً ضخماً. و لو أردنا استثناءً ذكر أسماء بعضهم كنموذج فيجب الإشارة إلى أفراد مثل »أحمد متوسليان« القائد الشجاع الحرّ المضحي، لنعلم ماذا فعل هؤلاء في هذه العمليات و المواجهة الكبرى و ما هي القوة التي استعانوا بها. العبارة المنقولة عن إمامنا الجليل و التي سمعتموها طبعاً حيث قال: »الله هو الذي حرّر خرمشهر« هي في الواقع أدق و أحكم كلمة قيلت في هذا الباب. و تماثل تماماً من حيث المعنى قوله تعالى »و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى«.(1) لقد تجلت قدرة الله تعالى في قلوب المقاتلين و عزيمتهم الفولاذية و صبرهم و سواعدهم القديرة، و قدرتهم على الإبداع و الابتكار. كان العدو يعتمد على الماديات. و واضح أن القوى المادية لا تستطيع مجابهة غليان المعنوية و الإنسانية. و كذا هو الحال دائماً. و الحال على نفس الشاكلة اليوم أيضاً.أعزائي، اليوم أيضاً لا تستطيع القوى المادية بكل قدراتها - بأموالها، و صناعتها، و تقنيتها المتطورة، و تقدمها العلمي - مجابهة المجاميع البشرية التي تتخذ من الإيمان و العزيمة و الهمّة و التضحية مؤشراً و معياراً لها في أمورها.الذين وقفوا يومها مقابل شعب إيران و جنوده، هم أنفسهم الذين يقفون اليوم مقابل شعب إيران.. يجب أن نعرف هؤلاء. يومها أيضاً كانت أمريكا، و الناتو، و بريطانيا، و فرنسا، و ألمانيا. كانوا يعطون لصدام الأسلحة الكيمياوية و التجهيزات و المعدات العسكرية و الطائرات و خرائط الحرب، و يزودونه بمعلومات حديثة عن ساحة المعركة، و يقفون وراءه عسى أن يستطيعوا دحر نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا النظام الرفيع، نظام التوحيد و المعنوية الذي يمثل راية التوحيد و الإنسانية المرفرفة، و نداء حرية الشعوب و استقلالها. هؤلاء كانوا يقفون سنداً لصدام، و هم اليوم موجودون و واقفون أيضاً. الذين يسعون اليوم أيضاً لقلب الحقائق بإعلامهم، هم سبب انعدام الأمن في معظم أنحاء العالم، و يصورون إيران باعتبارها خطراً و تهديداً. الذين يرتكبون الجرائم اليومية في باكستان، و في أفغانستان، و يمارسون المذابح لسنوات طويلة و يأسرون الناس، في العراق بشكل، و في فلسطين بشكل.. الذين يقفون وراء القوة الشيطانية للكيان الغاصب للقدس، هم أنفسهم يقفون اليوم مقابل الشعب الإيراني. هم أنفسهم وقفوا سنة 61 خلف صدام و هزموا في حينها، و كونوا على ثقة أنهم سيهزمون اليوم أيضاً.ليس نظام الجمهورية الإسلامية، جمهورية كسائر الحكومات و الجمهوريات أو الأنظمة غير الجمهورية في العالم. إنه نظام له رسالته. رسالة نظام الجمهورية الإسلامية رسالة تتعطش لها شعوب العالم. و هذا يختلف عن بلد أو حكومة أو أي نظام سياسي يفكر بحدود جغرافية معينة، و يترأسه أشخاص ملوثون بمختلف الشهوات البشرية. القضية هنا قضية قيم و قضية الإنسانية.. قضية إنقاذ الشعوب من ربقة القوى المتدخلة و المهيمنة. نظامنا الإسلامي له رسالته البشرية. هذه الرسالة هي التي جعلت ناهبي العالم يقفون بوجه الشعب الإيراني. لو كان هذا اليوم هو اليوم الأول لهذا المواجهة لربما تزعزعت قلوب البعض، لكننا حالياً لسنا في اليوم الأول. منذ إحدى و ثلاثين سنة و هذه المواجهة قائمة بأشكال مختلفة: الهجوم العسكري، و الهجوم السياسي، و الحصار الاقتصادي، و مختلف التهديدات الأخرى. جاء الساسة و الرؤساء في البلدان المتعطشة للهيمنة و ذهبوا و بقي الشعب الإيراني صامداً. و شمخ هذا الصرح المتين يوماً بعد يوم، و تجذرت هذه الغرسة المعطاء و الإلهية و هذه الشجرة الطيبة في هذه الأرض الطيبة الموهوبة أكثر فاكثر. إذا كان لأعداء المعنوية و القيم الإسلامية و أعداء إيران الإسلامية العزيزة أمل يومذاك، فهم اليوم بلا أمل، إنما يبذلون جهودهم بيأس. إنهم لا يعرفون الطريق و لا يعرفون الشعب الإيراني، و يقيسون الأمور اليوم وفق حسابات ما قبل ثلاثين عاماً و أربعين عاماً و خمسين عاماً و زمن الهيمنة المطلقة للقوى الكبرى دون أن يكون لها منافس، و هذا قياس خاطئ. لقد تغيّر العالم و استيقظت الشعوب، لذلك فأنتم اليوم أيها الشعب الإيراني و أيها الشباب الذين تمثلون زبدة شباب هذا الشعب و المتميزين فيه - الشباب الأعزاء في الحرس الثوري - أنتم مبعث أمل للشعوب. الكثير حتى من الحكومات تعقد الأمل عليكم و عينها عليكم. مع أنهم يعلمون أن الجمهورية الإسلامية ليست ممن يتدخل في شؤون البلدان الأخری لكن مجرد وجود هذه الرسائل، و مجرد الصمود و القوة المعنوية التي تعبر عن نفسها في كل الميادين تربط على قلوبهم و تدفعهم نحو الصمود و الثبات. في القارة الآسيوية حالياً، و في قارة أفريقيا، و في قارة أمريكا، و حتى في القارة الأوربية، ليست قليلةً الشعوب التي تعقد عليكم الآمال و تنظر إليكم بعين الإعجاب.أعزائي، اعرفوا قدر فرصة الشباب هذه، و هذه الطاقة و المواهب. اعرفوا قدر فرصة الرشد و النضارة المتاحة لكم. أنتم، و شباب الجيش، و شباب قوات الشرطة، و منظومة التعبئة المقدسة الطاهرة لديها حالياً في هذا البلد الإلهي إمكانيات لم تتوفر في السابق أبداً للشباب النخبة و المؤمنين و الصالحين. استثمروا هذه الفرص، فاستثمارها هو أفضل شكر لها.فصل هذه الجامعة عن الجامعة الشاملة - و كلا الجامعتين قطب و مركز قيّم و مهم جداً أسسه الحرس الثوري - هو لصالح الحرس و قد كان ضرورياً من أجل التقدم العلمي و التقني و العملي للحرس، و ينبغي متابعة هذه المسألة في كلا المركزين بكلّ جدّ. في الجامعة الشاملة، و في جامعة الضباط و إعداد الحرس يوجد أساتذة جيدون و مدراء كفوؤن و شباب صالحون و الحمد لله. و على كل واحدة من الجامعتين متابعة نشاطها و قيمها و واجباتها.ربنا، أنزل فضلك و رحمتك و لطفك على هذه المنظومة. اللهم اشمل إمامنا العزيز الذي فتح لنا هذا الطريق برحمتك و فضلك. اللهم أرفع و زد من درجات شهدائنا الكرام و هم و الحمد لله أحياء و سيبقون أحياءاً، و ألحقنا بهم، و أبلغ سلام هذه المنظومة لحضرة سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الأنفال، الآية 17.
2010/05/23

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة يوم المعلم

بسم الله الرحمن الرحيممرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. بوركت عليكم جميعاً إن شاء الله مناسبة يوم المعلم، و على كافة المعلمين في جميع أنحاء البلاد، و كذلك علی الشعب الإيراني. إنه لدرس لنا أن يجعلوا يوم المعلم يوم استشهاد معلم كبير. هذه خطوة رمزية تعني أن عظمة عملية التربية و التعليم ترتقي إلى حد الامتزاج بين العمل الفكري و العلمي و المشاركة في الميادين الأساسية للحياة - كما كان عليه الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه - و هذا هو الوضع المنشود و المحبّذ في هذه المهنة الشريفة و العمل العظيم.ثمة نقطة أساسية هي أن على معلمي البلاد معرفة عظمة العمل الذي أخذوه على عواتقهم و راحوا يقومون به. إذا علم المرء أي عمل عظيم يقوم به سوف يتضاعف تحفزه و حركته و إيمانه و سعيه في هذا العمل. كالجندي الشجاع الذي يعمل و يجاهد في نقطة حساسة من خطوط الجبهة، فإن دوره الجهادي من العظمة و الأهمية بحيث يمكن أن يؤثر و ينفع للجبهة كلها. إذا علم المقاتل هذه الحقيقة فلن يتعب أبداً و لن يملَّ إطلاقاً، و لن يؤثر فيه أيُّ عامل من عوامل اليأس. هذه نقطة يجب أن تكون حاضرة دوماً أمام أعين معلمينا و هي أن دور المعلم بالنسبة للمجتمع دور حيوي و لا يقبل المقارنة مع الكثير من الأدوار المهمة و الحساسة في التركيبة الاجتماعية.هذه المادة الخام التي توضع تحت تصرف المعلم لوح بسيط و على حد قول الشاعر: »أنا لوح بسيط مستعد لتقبّل أية نقوش« و اليد الرسامة ترسم هذا اللوح و تصوّره و تمنحه هوية جديدة. ثمة عوامل مختلفة: عوامل التربية و الدين و الأحداث الاجتماعية و المؤثرات الخارجية، و في عصرنا الحاضر: وسائل الإعلام و ما إلى ذلك تؤثر جميعها، بيد أن دور المعلم يبقى دوراً بارزاً مميزاً. بوسع المعلم أن يخرج هذه المادة الخام حتى من أسر العوامل الوراثية. و قد أثبت العلم ذلك. كما أن العوامل الوراثية السلبية كالأمراض و الأعراض الجسمية يمكن إزالتها بتدابير معينة و أعمال وقائية و أنشطة محددة، كذلك الحال بالنسبة للعوامل الوراثية الأخلاقية و الروحية و المعنوية. بوسع المعلم تربية هذا الحدث أو الطفل و جعله إنساناً عالماً مفكراً يتحلى بروح البحث العلمي و يرغب في البحث و الدراسة و العلم، أو يجعله إنساناً سطحياً غير راغب في العلم و التعمق و البحث العلمي. بوسعه أن يخرِّجه و يقدمه للمجتمع إنساناً شريفاً نجيباً خيراً طيب القلب طاهر النفس، أو على العكس قد يجعله إنساناً شريراً مسيئاً. و بمقدوره أن يجعله إنساناً متفائلاً ذا ثقة بالنفس و مملوءاً بالأمل و محباً للعمل و النشاط، أو على الضد من ذلك يمكنه تخريجه إنساناً يائساً قانطاً منعزلاً منكفئاً على نفسه. كما بوسعه أن يجعل منه إنساناً متديناً تقياً ورعاً طاهراً، أو إنساناً لا أبالياً غير آبه للقيم الأخلاقية و التعاليم الدينية. بوسعه التغلب حتى على عوامل التربية الخارجية مثل وسائل الإعلام. بل إن التعليم المستمر على مدى سنوات و العمل على هذه المادة الخام و القلب المستعد لتقبّل الأشكال المختلفة، يمكنه التفوق حتى على الدور التربوي للوالدين. هذا هو دور المعلم.المجتمع بحاجة إلى أفراد مؤمنين متحفزين صبورين متفائلين آملين مهتمين بالمصالح العامة و راغبين في الوصول إلى قمم الكمال الفردي و الاجتماعي.. أناس مبتكرين محققين باحثين و طلاب تقدم. من الذي سيخلق ذلك؟ هنا يبرز دور المعلم. جهاز التربية و التعليم مهم و حساس إلی هذه الدرجة.طبعاً، قيل الكثير عن قضايا التربية و التعليم و دور المعلمين. و نحن اليوم لسنا في ظروف تجعلنا نكتفي بالكلام بل نحتاج إلى العمل. التربية و التعليم سواء في جانبها اللجاني أو في ما يتصل بمجموعة المعلمين و الأساتذة في كل أنحاء البلاد، بمقدورها رسم مصير البلاد و مستقبله. صحيح أن التغيير الجذري للتربية و التعليم مشروع أساسي نبّهنا له مسؤولي البلاد و مدراء التربية و التعليم مراراً. و الحمد لله سمعتم في كلمة الوزير المحترم أنه تم العمل بصورة جيدة على هذا الصعيد حيث يجب القيام بتغيير أساسي في التربية و التعليم حسب الاحتياجات و على أساس الأهداف السامية و الإمكانيات الهائلة المتوفرة في البلاد، و الطاقات الإنسانية الموجودة.. هذا الشيء صحيح في محله و موضعه، و أنا أشدد هنا على هذه العملية و أن لا تتوقف بل يجب أن تتابع و تستمر حتى النهاية بشوق و همة مضاعفة و تحفّز لا ينتهي، و هي عملية صعبة طبعاً، لكن المعلم من حيث تحفزه الشخصي و من حيث شعوره بالمسؤولية لا يمكنه أن يتوقف عن العمل إلى حين يتوفر الواقع المنشود و المحبذ في مؤسسة التربية و التعليم. توصيتي لكم جميعاً أيها المعلمون الأعزاء و المعلمون في جميع أصقاع البلاد هي أن تؤمنوا بدوركم العظيم هذا و أن تعلموا أي دور خطير تمارسونه لمستقبل البلاد.تعرض بلدنا طوال قرون لخسائر جسيمة و تخلف كبير و غفلة لا يمكن تعويضها.. هذا الحال الذي نشاهده اليوم. و مع ظهور الثورة الإسلامية و بهذه الحركة و المسيرة الجديدة يجب أن يسير هذا البلد في الطريق الجدير به و الجدير بتراثه و القمين بإسلامه.. و هذا بحاجة إلى حركة عظيمة.ليلتفت المعلمون الأعزاء أيَّ إنسان بحاجة لغد هذا البلد. ما هي الخصوصيات التي يجب أن يتميّز بها رجالنا و نساؤنا من أجل بناء هذا البلد بشكل مطلوب و جيد؟ هذا ما يتمّ على أيديكم. هذا الحدث أو الطفل الجالس في الصف أمامكم هو تحت تصرفكم و يمكنكم تعزيز روح الثقة بالنفس لديه و زرعه بالأمل و دفعه إلى سوح العمل من خلال كلامكم و أسلوبكم و سلوككم معه، و بمقدوركم بثّ روح التدين فيه كما ينبغي له. يمكنكم جعله إنساناً ذكياً دؤوباً اجتماعياً محباً لمصالح المجتمع، و إيقاظ روح الإبداع لديه. معلمنا الواعي يمكنه القيام بكل هذا داخل الصف الدراسي. هذا هو الواجب العام للمعلمين في كافة أنحاء البلاد.طبعاً، من أجل أن يقوم المعلم بكل هذا يشعر أنه بحاجة إلى توجيه و إرشاد دقيق من قبل المجتمع و المفكرين و متخصصي التربية و التعليم. هذه الحاجة هي التي تفرز الثمار و تأتي بها. إذا شعر المعلمون بهذه الحاجة سينعكس شعورهم هذا فوراً على الأجهزة المنتجة في البلاد، فيتمُّ إنتاج ما نحتاج إليه. ما لم نشعر بالحاجة و ما لم نسأل و ما لم نطلب فلن يصار إلى إنتاج الشيء الذي نحتاجه. هذا هو دور التربية و التعليم.و أقول حول شهيدنا الغالي المرحوم آية الله مطهري (رضوان الله تعالى عليه): الحق أن سلوك ذلك الرجل الكبير و طبعه كان دليلاً و مؤشراً على معلم كامل يشعر بالمسؤولية. لم يتخلف عن الخوض في أي مجال من المجالات التي تحتاج إلى تواجد المفكر الإسلامي، و لم تستطيع الملاحظات و المصالح و الاعتبارات المختلفة إعاقته و منعه من الخوض في هذا المجال أو ذاك، سواء في المجالات السياسية أو الصعد الفكرية. على مستوى الإجابة عن الأسئلة المختلفة التي كانت تشغل ذهن شبابنا في تلك الفترة لم يكن الشهيد مطهري كبعض أدعياء التنوير الديني يعرض أفكاراً أجنبية على منطق الدين و محتواه بطلاء ديني و قوالب دينية، بل على العكس، قدم المفاهيم الدينية الحقيقية بمظاهر تتناسب مع روح العصر و مع أسئلة المتلقين و احتياجاتهم. لم يكن يلهث وراء أن تمدحه مجموعة معينة أو فئة فكرية خاصة. حارب الرجعية و التخلف الفكري و التحجر و الأفكار الدينية الخاطئة - الناتجة عن التحجر و الرجعية - بنفس المقدار و الشدة التي واجه بها البدع و الأفكار المنحرفة و الانتقائية. هذه كانت ميزة ذلك الرجل الكبير. لم يتعب، بل كان دؤوباً يبذل جهوده دون انقطاع. و لم يتقيّد بالأسماء و العناوين الجامعية و الحوزية الدارجة. نزل إلى الساحة كجندي من جنود الفكر و التأمل. عمل بإخلاص و قد بارك الله تعالى في عمله. و اليوم بعد ثلاثين عاماً على استشهاد ذلك الرجل الكبير لا يزال كلامه جديداً حياً، كتب لهذا العصر. في ذلك الوقت كان ثمة من ينتفع من آرائه و أفكاره على مختلف المستويات الفكرية و يستخلص إجاباته من أفكاره، و اليوم أيضاً حيث تطورت الأفكار و انحلت الكثير من المسائل التي واجهت الذهنيات الباحثة، لا يزال فكر الشهيد مطهري يجيب عن أسئلة جديدة. و هذه هي سمة الفكر العميق المصحوب بالإخلاص.الإخلاص حالة معجزة. إذا وضع الإنسان أقدامه في طريق معينة من أجل الله، بارك الله في عمله، و هكذا يتحول الجهد الذي بذله ذلك الرجل العظيم و الشهيد العزيز طوال عقود من الزمن ذخراً لا ينفد لمجتمعنا. هذه مهمة تقع على عواتقنا جميعاً و على كافة الأصعدة.شعبنا و بلدنا اليوم، و بعد مضي ثلاثة عقود على أكبر حدث وقع في هذا البلد بعد دخول الإسلام إليه - أي قيام النظام الإسلامي و هذا أكبر حدث - و لفت إليه أنظار العالم الإسلامي و ليس المنطقة و حسب، بل ترك بصماته على المعادلات السياسية في العالم، و قد حقّق الشعب و الحمد لله في هذه الأعوام الثلاثين تقدماً كبيراً في المرافق المختلفة، من المناسب اليوم أن ينظر مفكرو البلد إلى أفق المستقبل و يروا ما الذي يريدونه و ماذا يريدون أن يفعلوا.العالم الإسلامي عالم متشتت و متفرق. المسلمون رغم توفرهم على القرآن و على أمتن التعاليم و أقواها يعانون من التخلف لأسباب شتى. ما هي هذه العوامل؟ ينبغي معرفتها. يتعين أن تنصب همة شعب إيران على الوصول إلى محطّة تتحول فيها جميع سلوكياتها و حركاتها و سكناتها و نتاجاتها الفكرية إلى مرجعية متقنة أكيدة للشعب في العالم الإسلامي. ليجد مفكرو الشعوب و مثقفوها الطريق. هذه هي المسؤولية التاريخية التي تقع على الشعب الإيراني. و هذا هو الطريق الممتد أمامنا بشكل طبيعي. علينا السير في هذا الطريق و قطعه بصورة صحيحة. لنتحرك بثقة بالنفس. لنأخذ معنا إلى الساحة كل قدراتنا و طاقاتنا البشرية و الفكرية و مواهبنا التي منحها الله تعالى لهذا الشعب، عندئذ سيتغيّر مصير العالم الإسلامي، و تبعاً له مصير العالم.العالم يسير حالياً في طريق سيئ. و يعيش أوضاعاً سيئة. الأخلاق تسحق في العالم. و الشعوب تعاني و تتألم من هذا الانحطاط الأخلاقي، و مفكرو الشعوب متنبهون لهذه الخسارة الكبرى، و يبدون إنزعاجهم و قلقهم و هذا ما يمكن أن يلاحظ على كلامهم و آرائهم. يمكن السير في طريق تنقذ البشرية مما هي فيه. هذا المصير المفزع المنتصب أمام البشرية يمكن تغييره، و الخطوة الأولى أن نوجد في أنفسنا ذلك التحرك الكبير و التحول العظيم. و الأمر يبدأ من التربية و التعليم. لقد توفرت البُنى التحتية و الحمد لله طوال هذه السنوات الثلاثين في القطاعات المختلفة بشكل جيد. يمكن التحرك على أساس هذه البُنى التحتية. الواجب ثقيل و الطريق طويل و العمل صعب، و لكن في نهاية الطريق يلوح الضياء و النور الذي يمنحه الله، و بوسع المرء أن يرى ذلك. نهاية الطريق مشرقة، و الأفق مشرق، و يمكن السير في هذا الطريق بصورة جيدة.هناك حالات عِداء ضدنا. أي نجاح يحرزه الشعب الإيراني يؤدي إلى أن يشعر البعض في العالم بالإخفاق. الأقوياء يصطفون بشكل طبيعي إزاء هذه التحركات غير المنسجمة مع مصالحهم غير المشروعة، هذا ليس بالشيء العجيب و غير المتوقع، إنما هو شيء متوقع بالنسبة لكل شعب يدخل ساحة الكفاح الحياتي العظيم.. شيء متوقع. واصل شعبنا مسيرته هذه منذ بداية الثورة و إلى اليوم مواجهاً هذه العقبات و الموانع. هذه ليست بشيء. هذه التهديدات و الكلمات التي يطلقونها و حالات المعارضة و العرقلة التي تصدر عنهم، أثبتت تجربة الشعب الإيراني أن لا تأثير لها في مسيرة الشعب و لن تؤدي إلى تبطيئ حركته و سيواصل الشعب مسيرته و طريقه. المهم أن يعرف كل شخص دوره؛ أن يعرف كل شخص أينما كان واجبه الملقى على عاتقه بنحو صحيح و يقوم به. و سوف يساعدنا الله بمشيئته عزَّ و جلَّ.نتمنى أن يتابع المسؤولون المحترمون في وزارة التربية و التعليم هذه العملية الكبيرة بهمة عالية و عمل دؤوب مضاعف و سعي متظافر إن شاء الله في ضوء هذه الحقائق المهمة و المسؤوليات الجسيمة المذكورة، و سوف تحققون أنتم المعلمين الأعزاء أينما كنتم من أرض البلاد هذا العمل بتفاؤل و توكل على الله تعالى و نظرٍ إلى رحمته و هدايته و أجره. نتمنى أن يثيبكم الله جميعاً، و يسرَّ أرواح شهدائنا الأبرار الطاهرة الذين وفروا لشعبنا هذه الفرصة و الإمكانية للخوض في قضاياه الأساسية. ندعو أن يحشر الله تعالى الروح الطاهرة لإمامنا الجليل فاتح هذا الدرب أمامنا مع الأرواح الطيبة لأوليائه، و أن يشملكم جميعاً بالأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله الإمام المنتظر (أرواحنا فداه).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2010/05/04

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

الخطبة الأولىبسم الله الرحمن الرحيمو الحمد لله رب العالمين، نحمده و نستعينه و نتوكل عليه، و نستغفره و نتوب إليه، و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سره، و مبلغ رسالاته، بشير رحمته و نذير نقمته، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين، و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و الدعاة إلى الله.أوصيكم عباد الله و نفسي بتقوى الله.أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين الأعزاء بمراعاة التقوى، فالله تعالى يقول: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا... يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعْ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا«.(1) يجب أن نراعي تقوى الله في سلوكنا، و أقوالنا، و حتى في أفكارنا و ظنوننا، أي نراقب و نحذر من أن نتعدّى رضا الله حتى بمقدار ذرة في سلوكنا و أعمالنا و أقوالنا. أتمنى أن يوفقني الله تعالى أنا العبد الضعيف لأن أذكر ما أريد ذكره اليوم على أساس هذا المبدأ القرآني الأساسي، أي التحدث و الكلام من منطلق التقوى.هذه الأيام أيام عيد ولادة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سيدة العالمين، و سيدة نساء العالمين (سلام الله عليها). نستمد من الروح الملكوتية لهذه العبدة المخلصة لله، و سوف نقيم إن شاء الله صلاة الجمعة هذه التي صادفت الذكرى الحادية و العشرين لرحيل إمامنا الجليل (رضوان الله تعالى عليه) باحترام و تكريم لمقام هذه الآية الإلهية العظمى، و كما حفظ شعبنا في قلبه و روحه و لسانه و أجواء حياته الذكرى و الأسم المبارك و الخالد لإمامنا الجليل طوال هذه الأعوام الإحدى و العشرين و على أحسن نحو ممكن، فسوف نحفظه في المستقبل أيضاً، و نتقدم به إلى الأمام.أذكر اليوم في الخطبة الأولی نقاطاً حول الإمام الجليل. النظر للإمام باعتباره معياراً. و تكتسب هذه النظرة أهميتها لأن التحدي الرئيس في جميع التحولات الاجتماعية الكبرى - بما في ذلك الثورات - هو صيانة الاتجاهات الأصلية في هذه الثورة أو هذا التحول. هذا هو التحدي الأهم الذي يواجه أي تحول اجتماعي عظيم له أهدافه، و يروم التحرك نحو تلك الأهداف و الدعوة لها. ينبغي الحفاظ على هذا الاتجاه. إذا لم تجر صيانة الاتجاه نحو الأهداف في الثورة أو في المسيرة الاجتماعية، و لم تُحفظ هذه الأهداف، فسوف تنقلب تلك الثورة إلى ضدها و تعمل في الاتجاه المعاكس لأهدافها. لذلك تلاحظون في القرآن الكريم، في سورة هود المباركة أن الله تعالى يقول لرسوله: »فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ«.(2) يأمر سبحانه و تعالی الرسول الأكرم (ص) بالاستقامة. الاستقامة معناها الصمود و مواصلة الطريق بشكل مستقيم و المسير بالاتجاه الصحيح. النقطة المقابلة لهذه المسيرة المستقيمة، و المذكورة في هذه الآية الشريفة هي الطغيان.. »و لا تطغوا«. الطغيان بمعنى التمرد و الانحراف. يقول للرسول: أنت شخصياً و الذين معك واصلوا هذا الطريق بشكل صحيح و لا تنحرفوا »إنه بما تعملون بصير«. يقول المرحوم العلامة الجليل السيد الطباطبائي في تفسير الميزان إن لهجة هذه الآية لهجة تشدد، و ليس فيها أية علامة من علامات الرحمة و اللين. إنها خطاب للرسول نفسه. تخاطب الرسول نفسه بالدرجة الأولى: »فاستقم«. لذلك قال الرسول الأكرم (ص) عن سورة هود: »شيّبتني سورة هود«.. و السبب هو هذه الآية. جاء في الرواية أن الجزء الذي يقول بسببه الرسول إن سورة هود قد شيّبتني هو هذه الآية المباركة. بسبب الشدة الموجودة في هذه الآية. و الحال أنه يوجد في موضع آخر من القرآن: »فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ«..(3) لكن قول »فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لاَ تَطْغَوْا« خطاب شديد للرسول نفسه، لذلك كان هذا الخطاب يهزّ قلب النبي. هذا بسبب أن تغيير الاتجاهات و الانحراف عن الطريق الصواب - و الهوية الأصلية لكل ثورة تكمن في هذه الاتجاهات، و الواقع أن هذه الاتجاهات الأصلية هي سيرة الثورات - يغيّر السبل تماماً فلا تصل الثورة إلى أهدافها. و تعود أهمية هذه القضية إلى أن تغيير الاتجاهات يحصل بشكل تدريجي و غير محسوس، فتغيير الاتجاه لا يحصل منذ بدايته بـ 180 درجة، بل يحصل بداية بزاوية صغيرة جداً و كلما استمر سيحصل ابتعاد أكبر و أكبر عن الطريق الأصلي - و هو الصراط المستقيم - بسبب هذا الانحراف.هذا وجه، و الوجه الآخر هو أن الذين يرومون تغيير هوية الثورة لا يعملون عادةً تحت راية رسمية و يافطة صريحة.. إنهم لا يعملون بحيث يتبيّن أنهم يعارضون هذه المسيرة. بل إن بعض خطواتهم و مواقفهم أو تصريحاتهم ظاهرها مناصرة حركة الثورة لكنها تنحرف بالثورة بزاوية معينة عن اتجاهها.من أجل أن لا يحصل هذا الانحراف و الاتجاه الخاطئ نحتاج إلى معايير معينة. لا بد من وجود علامات و مؤشرات في الطريق. إذا كانت هذه المعايير و كانت واضحةً ساطعة مشهودة من قبل الناس، فلن يحصل الانحراف، و إذا تصرف شخص باتجاه الانحراف فسوف يعرف من قبل عامة الناس، و لكن إذا لم يكن ثمة معيار عندئذ سيكون الخطر جدياً.حسناً، ما هو المعيار في ثورتنا؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. منذ ثلاثين عاماً و نحن نسير في اتجاه هذه الثورة. لقد أبدى شعبنا عن نفسه بصيرة و شجاعة و جدارة بحق. أنتم الذين تتقدمون بهذه الثورة إلى الأمام منذ ثلاثين عاماً. و لكن ثمة أخطار. أعداء الثورة و أعداء الإمام لن يقعدوا مكتوفي الأيدي، بل يحاولون القضاء على هذه الثورة. كيف؟ بتحريف طريقها. لذلك من الضروري أن تكون لنا معاييرنا و علاماتنا.و أقولها لكم إن أفضل المعايير هو الإمام نفسه و خط الإمام. الإمام أفضل معيار و مؤشر بالنسبة لنا. إذا جاز لنا هذا التشبيه رغم كل البون الشاسع بين الشبيه و المشبه به، لشبهنا الأمر بالكيان المقدس للرسول الأكرم (ص) حيث يقول القرآن الكريم: »لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ«.(4) النبي نفسه أسوة.. سلوكه و أعماله و أخلاقه كلها أسوة. و يقول تعالى في آية كريمة أخرى: »قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ«،(5) إبراهيم و أنصاره هم أيضاً أسوة لنا. و قد ذكر هنا حتى أنصار و أصحاب النبي إبراهيم حتى لا يقول قائل إن النبي معصوم أو إبراهيم كان معصوماً و لا نستطيع اتباعه و أن نسير على خطاه، لا، »قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ...«.. إلى آخر الآية الكريمة.و هذا المعنى يصدق أيضاً على إمامنا الجليل تلميذ هذه المدرسة و السائر على درب هؤلاء الأنبياء العظام. الإمام نفسه أبرز المعايير و العلامات و المؤشرات. سلوك الإمام و أقواله.. و لحسن الحظ فإن كلمات الإمام و خطبه متوفرة لدينا و مدوّنة، و وصيته تعلن بصراحة و وضوح عن ما في ضميره لمستقبل الثورة. يجب عدم السماح بأن تعرض هذه المؤشرات بشكل مغلوط أو تُخفى أو تنسى. إذا عرضنا هذه المعايير و المؤشرات بنحو سيئ و مغلوط فكأننا فقدنا بوصلتنا مثلاً. لنفترض أن إنساناً في رحلة بحرية أو في صحراء لا طريق فيها، و تعطب بوصلته و لا تعود تعمل، سيبقى هذا الإنسان حائراً بالطبع. إذا عرضت آراء الإمام بشكل سيئ فكأننا فقدنا البوصلة أو عطبت عندنا و أضعنا الطريق، و سوف يتحدث كل شخص كما يريد و يحلو له. و سوف يستغل المسيئون و أصحاب النوايا السيئة هذه الفرصة و يعرضون الطريق بحيث يلتبس الأمر على الشعب.ينبغي عرض مواقف الإمام و تبيينها بكل وضوح و جلاء كما قالها هو نفسه و كتبها.. هذا هو ملاك خط الإمام و دربه و صراط الثورة المستقيم. أحياناً يقول قائل بصراحة إنني لا أوافق الإمام و لا اعترف به.. هذا بحث آخر. موقف أتباع الإمام و أنصاره واضح من الشخص الذي يقول بصراحة إنني لا أوافق الإمام و لا اعترف بخطه و دربه. و لكن إذا كان المقرر أن تسير هذه الثورة على خط الإمام و بتأشير من يد الإمام نحو الاتجاه الصحيح فينبغي أن يكون خطه واضحاً و طريقه جلياً و يجب تبيين مواقفه بصورة صحيحة.يجب عدم التنكر لبعض المواقف الحقيقية للإمام أو إخفائها لإرضاء هذا و ذاك. البعض يفكرون بهذه الطريقة - و هذا تفكير خاطئ - و هي أنه من أجل أن نكسب أتباعاً و أنصاراً أكثر للإمام و نجعل معارضيه ينجذبون و يميلون إليه فعلينا إما إخفاء بعض المواقف الصريحة للإمام أو أن لا نذكرها أو نقلل من أهميتها، لا، هوية الإمام و شخصيته بهذه المواقف التي أعلنها هو بأكثر التعابير صراحة و وضوحاً و بأسطع و أجلى الألفاظ و الكلمات.. هذه المواقف هي التي هزت العالم. هذه المواقف الصريحة هي التي شدت القطاعات و الكتل الجماهيرية الهائلة للشعب الإيراني و جعلت الكثيرين اتباعاً لشعب إيران. هذه النهضة العالمية العظيمة التي ترون اليوم علاماتها و مؤشراتها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، انطلقت بهذه الطريقة.ينبغي الإتيان بالإمام بصراحة إلى وسط الساحة و عرض مواقفه ضد الاستكبار، و الرجعية، و الليبرالية الديمقراطية الغربية، و مواقفه ضد المنافقين و المتذبذبين بكل صراحة. الذين تأثروا بهذه الشخصية العظيمة شاهدوا هذه المواقف و سلّموا لها. لا يمكن، من أجل أن يرتاح زيد و عمرو للإمام و يرضوا عنه، أن نتكتم على مواقف الإمام و نخفيها، أو نقلل من حدة الأشياء التي نرى أنها شديدة و حادة. البعض في فترة من الفترات - و نحن نتذكر تلك الفترة حيث كنا شباباً - و من أجل أن يكسبوا أنصاراً للإسلام، كانوا يهوِّنون من أهمية بعض الأحكام الإسلامية و يتجاهلونها، حكم القصاص، حكم الجهاد، حكم الحجاب، كانوا يتنكرون لهذه الأحكام، و يقولون إنها ليست من الإسلام، القصاص ليس من الإسلام، و الجهاد ليس من الإسلام، حتى يرضى عن الإسلام المستشرق الفلاني أو العدو الفلاني للمباني الإسلامية. هذا خطأ، يجب عرض الإسلام بكليته و جامعيته.الإمام من دون خط الإمام ليس ذلك الإمام الذي اندفع الشعب الإيراني إلی الأمام بأنفاسه و نفسه و هدايته، فوضعوا أكفهم على الأرواح و قدموا أبناءهم لأشداق الموت، و لم يبخلوا بأرواحهم و أموالهم، و خلقوا أعظم أحداث الفترة المعاصرة في هذه المنطقة من العالم. الإمام من دون خط الإمام إمام بلا هوية. و سلب الهوية عن الإمام ليس خدمة للإمام. مباني الإمام مبانٍ واضحة. إذا لم يشأ أحد المجاملة و المحاباة، فإن هذه المباني موجودة في كلمات الإمام و خطبه و رسائله و خصوصاً في وصيته، و هي خلاصة لجميع تلك المواقف. هذه المباني الفكرية هي التي أطلقت تلك الموجة الهائلة العاتية ضد النهب الغربي و التفرد الأمريكي في العالم. تتصورون أنه حينما يسافر رؤساء جمهورية أمريكا إلى أي بلد من البلدان في آسيا و الشرق الأوسط، و حتى بعض البلدان الأوربية، و يجتمع الناس هناك و يهتفون ضد هؤلاء الرؤساء، هل تتصورون أن الأمر كان كذلك دائماً؟ كلا، إنما هو تحرك الإمام و فضحه للظالمين و مواقفه التي فضحت الاستكبار و الصهيونية و أحيت روح المقاومة لدى الشعوب و خصوصاً في المجتمعات الإسلامية.إنه لاعوجاج فكري أن ننكر مواقف الإمام، و هو اعوجاج فكري يصدر للأسف عن بعض الذين كانوا يوماً ما من مروّجي و ناشري أفكار الإمام أو من أتباعه و أنصاره. و الآن تنحرف السبل و تضيع الأهداف لأي سبب من الأسباب، و يعود البعض أدراجهم بعد أن تحدثوا و عملوا سنوات طويلة للإمام و لهذه الأهداف، فنراهم يقفون بوجه هذه الأهداف و المباني، و يتحدثون بكلام آخر!حسناً، لخط الإمام أجزاء و أقسام. أهم ما يمكن قوله بخصوص خط الإمام و طريقه هو جملة نقاط سوف أذكرها. و أقول للشباب خاصة: إقرأوا وصية الإمام. الإمام الذي هزّ العالم هو الإمام المتجلي و الظاهر في هذه الوصية و في هذه الآثار و الأقوال.النقطة الأولى و الأهم في مباني الإمام الخميني و نظراته هي قضية الإسلام المحمدي الأصيل.. أي الإسلام المقارع للظلم، و الإسلام المطالب بالعدالة، و الإسلام المجاهد، و الإسلام المناصر للمحرومين و الفقراء، و الإسلام المدافع عن حقوق الحفاة و المعذبين و المستضعفين. و في مقابل هذا الإسلام أورد الإمام الخميني مصطلح »الإسلام الأمريكي« في ثقافتنا السياسية و قاموسنا السياسي. الإسلام الأمريكي يعني الإسلام التشريفي و إسلام عدم الاكتراث مقابل الظلم، و مقابل الجشع، و اللاأبالية حيال التطاول على حقوق المظلومين، إسلام مساعدة العتاة و المتعسفين و الأقوياء.. الإسلام الذي يتأقلم مع كل هذه الأمور. هذا الإسلام سمّاه الإمام: الإسلام الأمريكي.فكرة الإسلام الأصيل كانت الفكرة الدائمية لإمامنا الجليل. و هي ليست فكرة مختصة بفترة الجمهورية الإسلامية، بيد أن تحقق الإسلام الأصيل غير متاح من دون سيادة الإسلام و تأسيس نظام الحكم الإسلامي. إذا لم يقم النظام السياسي في البلاد على أساس الشريعة الإسلامية و الفكر الإسلامي، فلن يمكن للإسلام خوض غمار كفاح حقيقي ضد ظلمة العالم و عتاته و متغطرسيه، و ضد المتعسفين في المجتمع. لذلك اعتبر الإمام الخميني حماية الجمهورية الإسلامية و صيانتها أوجب الواجبات. أوجب الواجبات، و ليس من أوجب الواجبات. صيانة الجمهورية الإسلامية أوجب الواجبات. لأن صيانة الإسلام - بالمعنى الحقيقي للكلمة - رهن بصيانة النظام السياسي الإسلامي، و لا يمكن ذلك من دون نظام سياسي.كان الإمام الخميني يعتبر الجمهورية الإسلامية تجسيداً و مظهراً لسيادة الإسلام. لذلك تابع الإمام قضية الجمهورية الإسلامية و بذل في سبيلها كل تلك الجهود، و وقف من أجلها بكل شدة و حدة و اقتدار. لم يكن الإمام يسع وراء اقتدار شخصي. لم يكن الإمام يريد أن يكسب القوة و الاقتدار لنفسه شخصياً، إنما كانت قضيته قضية الإسلام، لذلك وقف و أصرّ على الجمهورية الإسلامية، و عرض هذا النموذج الجديد على العالم.. نموذج الجمهورية الإسلامية.المسألة الأكثر جذرية و أهمية في الجمهورية الإسلامية هي الكفاح ضد السيادات التعسفية و المتعطشة للقوة في العالم و التي تفصح عن نفسها بأشكال مختلفة. الحكومة الدكتاتورية و السلطوية ليست الحكومة الملكية فقط، فالحكومة الملكية واحدة فقط من أنواع الحكومات الدكتاتورية. كان في ذلك الزمان دكتاتوريات يسارية، و هي دكتاتوريات الحزب الواحد في البلد، و كانوا يفعلون كل ما يحلو لهم بأبناء الشعب، و لم يكن ثمة من يتحمل المسؤولية أمام الشعب. و الواقع أن الشعب كان سجيناً لدى أقلية محدودة العدد. هذه أيضاً صورة من صور الدكتاتورية. و نوع آخر من الدكتاتورية هي دكتاتورية الرأسماليين الموجودة في الأنظمة الديمقراطية في ظاهرها.. الأنظمة الليبرالية الديمقراطية. هذه أيضاً صورة من الدكتاتورية، لكنها دكتاتورية جد ذكية و غير مباشرة. و هي في الواقع دكتاتورية الرأسماليين و أصحاب الثروات الكبيرة.أسس الإمام الجمهورية الإسلامية مقابل هذه الطواغيت البشرية. و جعل الإسلام - و ثمة في داخل الإسلام إستناد و اعتماد على الشعب و أصواته و إرادته - المعيار الأصلي لهذا النظام. إذن، الجمهورية الإسلامية هي جمهورية من ناحية، أي تعتمد على أصوات الشعب، و إسلامية من ناحية أخرى، أي تتوكأ على الشريعة الإلهية. هذا نموذج جديد. هذا من المؤشرات الأساسية في خط الإمام. كل من يفكر حول سيادة نظام الجمهورية الإسلامية بخلاف هذه الفكرة فهو يفكر بخلاف رأي الإمام، فلا يدعي أنه من أتباع الإمام الخميني؛ إنه يحمل فكرة مغايرة، و فكرة الإمام هي هذه التي ذكرناها. هذا هو أوضح خط من خطوط فكر الإمام الخميني.مؤشر آخر في سياسة الإمام و برامجه و خطه و طريقه المستقيم هي قضية الجاذبية والتنفير. الشخصيات الكبيرة لها جاذبية و تنفير بمساحة و أبعاد و مديات واسعة. كل إنسان له جاذبيته و تنفيره. إنكم بسلوككم تجتذبون أحداً إليكم و تجعلونه محباً ميالاً لكم، و تنفرون شخصاً آخر و تجعلونه مستاءً منـزعجاً منكم.. هذه هي الجاذبية و التنفير. لكن الشخصيات الكبرى ذات جاذبية تشمل طيفاً واسعاً، و تنفير له مديات واسعة أيضاً. و جاذبية الإمام و تنفيره لافتان للنظر.المبنى و المعيار في جاذبية الإمام و تنفيره هو أيضاً العقيدة و الإسلام. بالضبط كما يقول الإمام السجاد (سلام الله عليه) في دعاء الصحيفة السجادية - دعاء دخول شهر رمضان - لله تعالى. قلنا مراراً إن أدعية الإمام السجاد هي حقاً من أرقى كنوز المعارف الإسلامية. ثمة في هذه الأدعية معارف لا يمكن للمرء استخراجها من الروايات و الآثار الروائية. و قد جاءت في الأدعية الصريحة. في الدعاء الرابع و الأربعين من الصحيفة السجادية - و هو دعاء الدخول في شهر رمضان و كان الإمام السجاد يقرأه - يطلب الإمام من الله تعالى بعض الأشياء لشهر رمضان، و منها قوله: »و أن نسالم من عادانا«. يقول: اللهم نطلب منك أن نسالم كل أعدائنا و نداريهم، ثم يقول فوراً: »حاشى من عودي فيك، و لك فإنه العدو الذي لا نصافيه«. باستثناء العدو الذي عاديته من أجلك و في سبيلك.. هذا هو العدو الذي لن نتصالح معه أبداً، و لن تصفو قلوبنا معه على الإطلاق. هكذا كان الإمام. لم تكن له عداوة شخصية مع أحد. و إذا كانت هناك أكدار شخصية كان الإمام يضعها تحت قدميه. لكن العداء في سبيل العقيدة و الدين كان عند الإمام مهماً و جدياً للغاية. الإمام نفسه الذي فتح ذراعيه منذ بداية النهضة في سنة 1341 لكل شرائح الناس بمختلف صنوفهم و أفكارهم و أنواعهم، و احتضنهم من أية قومية أو جماعة أو دين، هذا الإمام نفسه أقصى عن نفسه في بداية الثورة بعض الجماعات و أبعدهم. أبعد الشيوعيين عن نفسه بصراحة. كان فعل الإمام هذا عجيباً بالنسبة للكثيرين منا نحن العاملين في السياسة و الكفاح آنذاك، أي في مطلع الثورة. في مستهل الثورة اتخذ الإمام الخميني موقفه بصراحة من الشيوعيين و فصلهم عنه. و تصرف بحزم حيال الليبراليين و المفتتنين بالأنظمة و الثقافة الغربية، و أبعدهم عن نفسه، و لم يلاحظ في ذلك أية ملاحظة. و الرجعيون الذين لم يكونوا على استعداد لتقبل الحقائق الإلهية و الروح القرآنية لأحكام الإسلام و لم يتقبلوا التحول العظيم، طردهم الإمام عن نفسه. لقد أدان الإمام الرجعيين مرات عديدة بتعابير مرّة و شديدة، و طردهم عن نفسه. لم يكن يتردد في التبري من الأشخاص الذين لا يقفون داخل دائرة فكره و مبانيه الإسلامية، و لم يكن له معهم في الوقت ذاته عداء شخصي.لاحظوا وصيته حيث يخاطب الشيوعيين الذين ارتكبوا في الداخل جرائم معينة و هربوا إلى الخارج. لاحظوا لهجة الإمام معهم. يقول لهم: تعالوا و ارجعوا إلى داخل البلاد و تحملوا الجزاء الذي يقرره لكم القانون و العدالة. أي تعالوا و تحملوا الإعدام أو السجن أو سائر العقوبات لتنقذوا أنفسكم من العذاب و النقمة الإلهية. كان يتكلم معهم بإخلاص و حرص عليهم. يقول: إذا لم تتوفر لديكم الشجاعة للعودة و الخضوع للعقوبة فلا أقل من تغيّروا - هناك حيث أنتم - طريقكم و تتوبوا و لا تجابهوا شعب إيران و النظام الإسلامي و الحركة الإسلامية، و لا تكونوا مشاة و جنوداً للعتاة و المتغطرسين.ليس للإمام خصام شخصي. و لكنه في إطار العقيدة و الدين يبدي جاذبيته و تنفيره بكل حزم. هذا مؤشر رئيس في حياة الإمام و مدرسته. التولي و التبري على صعيد السياسة أيضاً يجب أن يتبع الفكر و المباني الإسلامية و الدينية. هنا أيضاً يجب أن يجعل الإنسان الدين ملاكه و معياره، و ينظر ما الذي يريده منه الله تعالى.وفق هذه المنهاج الذي سار عليه الإمام و المنعكس في أقواله و أفعاله، لا يمكن أن يعتبر الإنسان نفسه في خط الإمام و تابعاً للإمام لكنه في ذات الوقت يطرح نفسه في جبهة واحدة مع الذين يرفعون بصراحة راية معارضة الإمام و الإسلام. لا يمكن القبول بأن تجتمع أمريكا و بريطانيا و الـ C.I.A و الموساد و أنصار الملكية و المنافقون حول محور معين و يتفقوا عليه ثم يدعي ذلك المحور أنه على خط الإمام، هذا غير ممكن و غير مقبول.لا يمكن التحالف مع كل من هبّ و دبّ و كل زين و شين. يتوجب أن ننظر ما هو الموقف الذي يتخذه منّا أعداء الإمام بالأمس. إذا وجدنا أن مواقفنا بالشكل الذي تدفع أمريكا المستكبرة و الصهيونية الغاصبة و مرتزقة القوى المختلفة و معارضي الإمام و الإسلام و الثورة و معانديها إلى احترامنا و تكريمنا، فيجب أن نشك في مواقفنا و صحتها، و يجب أن نعلم أننا لا نسير في الطريق المستقيم. هذا معيار و ملاك. و قد شدّد الإمام مراراً على هذه النقطة. كان يقول - و هذا موجود في كتاباته و في الوثائق الأكيدة لأقواله - إنهم إذا مدحونا فيجب أن نعلم أننا خونة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية.يأتي البعض و يسيروا في الاتجاه المعاكس تماماً لخط الإمام، و يتخذوا تلك المواقف من يوم القدس، و يتركبوا تلك الفضيحة في يوم عاشوراء، ثم نبدي مواكبتنا و انسجامنا مع الذين يعارضون أساس مبنى الإمام و حركته، و نجعل أنفسنا إلى جانبهم و في جوارهم، أو نسكت عنهم، و نقول في الوقت نفسه إننا نتبع الإمام، هذا غير ممكن، و غير مقبول. و قد أدرك الشعب هذا الأمر بدقة، فالشعب يرى هذا و يعلمه و يدركه و يفهمه.المؤشر الآخر في منهج الإمام و خطه، و هو مهم جداً، قضية الحسابات المعنوية و الإلهية. كان الإمام يضع الحسابات المعنوية في الدرجة الأولى من الأهمية في قراراته و تدابيره. بأي معنى؟ بمعنى أن الإنسان في أي عمل يريد ممارسته يجب أن يكون هدفه بالدرجة الأولى اكتساب رضا الله. فلا يكون هدفه مثلاً الانتصار، أو تولي السلطة، أو اكتساب الوجاهة عند زيد و عمرو. ينبغي أن يكون الهدف الأول إحراز رضا الله. هذا أولاً و ثانياً يجب أن يثق و يطمئن للوعود الإلهية. إذا كان هدف الإنسان رضا الله و وثق بوعوده و اعتمد عليها، عندئذ لن يكون لليأس معنى، و لا للخوف معنى، و لا للغفلة معنى، و لا للغرور معنى.حينما كان الإمام لوحده لم يعتره الخوف و لا اليأس، و يوم راح الشعب الإيراني كله ينادي و يهتف باسمه، بل و عشقته سائر الشعوب و أبدت حبها له، لم يصب بالغرور. يوم ذهبت مدينة خرمشهر بيد المعتدين العراقيين لم يقنط الإمام، و يوم استرد جنودنا هذه المدينة بتضحياتهم و بسالتهم لم يصب الإمام بالغرور، و قال: »الله هو الذي حرّر خرمشهر«.. أي إننا لا دور لنا. في جميع الأحداث المتنوعة خلال فترة زعامة هذا الرجل الكبير كان على هذه الشاكلة و الطريقة. لم يفزع يوم كان لوحده، و لم يغتر و لم يغفل يوم انتصر و كانت له السلطة و القدرة. هذه هي الثقة بالله. هكذا ستكون القضية إذا كان الهدف رضا الله.يجب الاعتماد على الوعد الإلهي. يقول الله تعالى في سورة »إنا فتحنا«: »وَ يُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَ الْمُنَافِقَاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ«.(6) من خصوصيات المنافق و المشرك أنهم يسيئون الظن بالله، و لا يثقون و لا يؤمنون بالوعود الإلهية. حينما يقول الله: »وَ لَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ«،(7) فإن المؤمن يتقبل هذا القول من أعماق وجوده و كيانه، أما المنافق فلا يتقبله. يقول الله: »عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ سَاءتْ مَصِيرًا«.(8) هذا هو حال الذين يسيئون الظن بالله.كان الإمام مطمئن النفس للوعد الإلهي. إننا نجاهد لله و نسير خطواتنا لله، و نبذل كل جهودنا و مساعينا في الساحة و سوف يحقق الله تعالى لنا النتائج كما وعدنا. إننا نعمل بدافع التكليف، لكن الله تعالى يمنحنا أفضل النتائج على عملنا بالواجب و التكليف. هذه من خصائص منهج الإمام و خطه. وهذا هو طريق الثورة و صراطها المستقيم.من الأمور التي يمكن ملاحظتها على هذا الصعيد مراعاة الإمام العجيبة للتقوى في كل الأحوال و الأمور. التقوى في الشؤون الشخصية شيء، و في الشؤون الاجتماعية و السياسية و القضايا العامة شيء آخر أصعب و أهم و أكثر تأثيراً و خطورة بدرجات و درجات. ما الذي نقوله لأصدقائنا و لأعدائنا؟ هنا تترك التقوى أثرها. قد نخالف شخصاً و قد نعاديه، فكيف نحكم عليه؟ إذا كان حكمكم عن الشخص الذي تخالفونه أو تعادونه غير الواقع، فهذا تجاوز لجادة التقوى. أكرر هنا الآية الكريمة التي ذكرتها في البداية: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا«. القول السديد هو القول المتين الصحيح الصائب.. يجب أن نتكلم هكذا. أريد أن أقول لشبابنا الأعزاء، الشباب الثوري المؤمن العاشق للإمام أن يراعوا التقوى مراعاة تامة حينما يتحدثون و يكتبون و يبادرون و يعملون. مخالفتنا لشخص يجب أن لا تدفعنا للخروج عن جادة الحق و ممارسة الظلم فيما يخص ذلك الشخص، لا، يجب عدم ارتكاب الظلم. ينبغي عدم ممارسة الظلم ضد أيٍّ كان.أروي لكم خاطرة عن الإمام الخميني. ذات ليلة كنت عند الإمام و سألته ما هو رأيكم في فلان - و لا أريد ذكر اسمه، و قد كان من الوجوه المعروفة في العالم الإسلامي خلال الفترة القريبة منا، و الكل سمع باسمه و الكل يعرفه - تريّث الإمام قليلاً ثم قال: لا أعرف. ثم ذكر عبارة في ذمّ ذلك الشخص. انتهى الأمر عند هذا الحد. و لكن في اليوم التالي أو بعد غدٍ - لا أتذكر تحديداً - كان لي شأن و عمل مع الإمام صباحاً فذهبت إليه. و بمجرد أن دخلت الغرفة و جلست و قبل أن أطرح الأمر الذي كنت أريد طرحه، قال لي: بخصوص ذلك الشخص الذي سألتني عنه ليلة البارحة أو قبلها، الجواب هو: »لا أعرف«. أي إنه محا تلك العبارة التي قالها في مذمة ذلك الشخص بعد قوله »لا أعرف«.. لاحظوا، هذا شيء مهم جداً. لم تكن عبارة الذمّ تلك فحشاً من القول ولا بذاءة و لا تهمة، و لحسن الحظ فقد نسيتها تماماً، و مردّ ذلك إما إلى تصرفه المعنوي أو إلى قلة ذاكرتي، لا أدري ما كانت تلك العبارة لكنني أتذكر أنها كانت عبارة ذمّ. قالها في تلك الليلة، و بعد يومين أو يوم واحد محاها و قال: لا، لا أعرف.. لاحظوا.. هذه أسوة.. »لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة«.حول زيد من الناس الذي تخالفونه يمكن التحدث بطريقتين: أولاً بطريقة متطابقة تماماً مع الحق، و الطريقة الثانية هي خليط من الحق و الظلم. و هذه الطريقة الثانية سيئة و ينبغي اجتنابها. قولوا الصدق و الحق و ما تستطيعون إيضاحه و الدفاع عنه في محكمة العدل الإلهي، و ليس أكثر. هذه من الخطوط الأصلية لحركة الإمام و خط الإمام، و التي يجب أن نتذكرها و لا ننساها.و من الخطوط الرئيسة الأخرى في خط الإمام دور الجماهير، سواء في الانتخابات حيث قام الإمام على هذا الصعيد بحركة عظيمة حقاً، أو في غير الانتخابات، أي في القضايا الاجتماعية المختلفة. لا يوجد في أي ثورة خلال فترة الثورات - و النصف الأول من القرن العشرين هو فترة الثورات المختلفة، حيث قامت ثورات بأشكال مختلفة في شرق العالم و غربه - أنهم أقاموا استفتاءً عاماً بعد شهرين من انتصار الثورة لانتخاب أسلوب الحكم و نظامه، لكن هذا الشيء حدث في إيران بهمّة الإمام. و لم تمض سنة على الثورة حتى تم تدوين الدستور و المصادقة عليه. في الشهور الأولى حينما لم يكن الدستور قد دوّن بعد و تأخر الأمر، أتذكر أن الإمام طلبنا ذات يوم فتوجهنا إلى قم - و كان حينها لا يزال في قم - فقال مستاءً: اسرعوا في تدوين الدستور. عندها أقيمت انتخابات مجلس الخبراء و انتخب الناس الخبراء لتدوين الدستور. و بعد ذلك عندما دوّن الدستور عرضوه على أصوات الشعب و أقيم استفتاء فانتخب الناس هذا الدستور. ثم أقيمت انتخابات رئاسة الجمهورية و المجلس. لم تلغ الانتخابات حتى في أصعب فترات الحرب حينما كانت طهران تحت قصف الأعداء. و إلى اليوم لم تتأخر الانتخابات في إيران حتى ليوم واحد. أية ديمقراطية تضاهي هذه في العالم؟ بالإضافة إلى الثورات فإنه لا توجد أية ديمقراطية يدلي فيها الناس بأصواتهم بهذه الدقة و في الموعد المقرر. هذا هو خط الإمام.و ما عدا الانتخابات، اهتم الإمام مراراً بجماهير الشعب، و أشار إلى دورهم، و صرّح أحياناً، حيث قال في بعض المناسبات: إذا لم يفعل المسؤولون العمل الفلاني الذي يجب أن يفعلوه فإن الناس أنفسهم سوف ينـزلون إلى الساحة و يفعلونه.من النقاط الأخرى الساطعة في خط الإمام عالمية نهضته. كان الإمام يعتبر النهضة عالمية، و يرى هذه الثورة ثورة جميع الشعوب المسلمة، بل حتى غير المسلمة. لم يكن الإمام ليحابي في هذه القضية. هذا شيء يختلف عن التدخل في شؤون البلدان الأخرى، و هو شيء لا نفعله، و هو غير تصدير الثورة بالطريقة الاستعمارية القديمة، و هو شيء لا نفعله أيضاً و لسنا من أهله. إنما معناه أنه يجب أن ينتشر الأريج الطيب لهذه الظاهرة الرحمانية في العالم، و تفهم الشعوب ما هو واجبها و تعلم ما هي هويتها. من نماذج هذه النظرة العالمية موقف الإمام من قضية فلسطين. يقول الإمام صراحة إن إسرائيل غدة سرطانية. حسناً، ماذا يفعلون للغدة السرطانية؟ هل يمكن علاج الغدة السرطانية بسوى استئصالها و قطعها؟ لم يكن يحابي الإمام أحداً. هذا هو منطق الإمام. هذا الكلام ليس شعارات بل هو كلام منطقي. فلسطين بلد تاريخي. كان ثمة بلد طوال التاريخ اسمه فلسطين. جاءت جماعة تدعمها القوى الظالمة في العالم و طردت هذا الشعب من هذا البلد بأعنف و أشد الأساليب و قتلته و نفته و عذبته و أهانته و أخرجته من دياره - حيث يوجد اليوم عدة ملايين من المشردين الفلسطينيين في البلدان المجاورة لفلسطين المحتلة، و في البلدان الأخرى، و معظمهم في المخيمات - و الواقع إنهم ألغوا بلداً عن الساحة الجغرافية، و ألغوا وجود شعب بكامله، و فرضوا وحدة جغرافية مصطنعة و جديدة مكانه، و جعلوا اسمها إسرائيل. لاحظوا هنا ما الذي يقتضيه المنطق؟ كلمتنا بخصوص قضية فلسطين ليست كلاماً شعاراتياً، إنما هو كلام منطقي مائة بالمائة.جماعة من الأقوياء كان على رأسهم في البداية بريطانيا، ثم التحقت بهم أمريكا، و اتبعتهم البلدان الغربية يقولون إن بلد فلسطين و شعب فلسطين يجب أن يلغيا ليحلّ محلهما بلد اسمه إسرائيل و شعب مصطنع اسمه شعب إسرائيل. هذا كلام، و مقابل هذا الكلام يوجد كلام الإمام الذي يقول: لا، يجب إلغاء هذه الوحدة المصطنعة المفروضة، و يحل محلها الشعب الأصلي و البلد الأصلي و الوحدة الجغرافية الأصلية. أي الكلامين هو المنطقي؟ الكلام المعتمد على عسف السلاح و القوة و القمع و الذي يريد إلغاء نظام سياسي و وحدة جغرافية تاريخية لها سابقة عدة آلاف من السنين، يريد إلغاءها تماماً عن المسرح الجغرافي، أم الكلام الذي يقول: لا، يجب أن تبقى هذه الوحدة الجغرافية الأصلية و تزول الوحدة المصطنعة المفروضة؟ هذا ما كان يقوله الإمام. هذا هو الكلام الأكثر منطقاً الذي يمكن إطلاقه حول إسرائيل الغاصبة و قضية فلسطين. هذا ما قاله الإمام و أعلنه بصراحة. و الآن إذا قال أحد هذا الكلام حتى بالإشارة و التلميح يقول بعض أدعياء خط الإمام: لماذا تطلق مثل هذا الكلام؟! هذا هو كلام الإمام و منطقه و هو منطق صحيح، و على جميع مسلمي العالم و كل الأحرار في العالم و كافة الشعوب المحايدة أن توافق هذا الكلام و تقبله. هذا هو الصحيح و هو موقف الإمام.و أقول كلمة أخيرة.. لقد تحملتم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء حرارة الجو.. آجركم الله.. نقطة أساسية أخرى حول خط الإمام و طريقه هي أن الإمام قال مراراً إن إصدار الأحكام عن الأشخاص و تقييمهم يجب أن يكون على أساس وضعهم الحالي الراهن، أي إن ماضي الأشخاص لا يؤخذ بنظر الاعتبار. الماضي يفيد حينما لا يكون الحال معلوماً فيرجع الإنسان إلى الماضي و يتمسك به و يقول: هكذا كان الوضع في السابق و لا بد أن يكون على نفس الشاكلة الآن أيضاً. و إذا كان حاضر الأشخاص على الضد من ماضيهم فلن يعود لذلك الماضي أي فاعلية أو تأثير. و هذا هو التقييم الذي عمل وفقه الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) مع طلحة و الزبير. يجب أن تعلموا أن طلحة و الزبير لم يكونوا أشخاصاً صغاراً. كان للزبير مواقف و سوابق متألقة قلّما يوجد لها نظير لدى أصحاب الإمام علي. بعد أن تولى أبو بكر الخلافة، و في الأيام الأولى، قام أمام منبر أبي بكر عدة أشخاص من الصحابة و عارضوه و قالوا: ليس الحق معك إنما الحق مع علي بن أبي طالب. و أسماء هؤلاء الأشخاص مسجلة في التاريخ. و هذه ليس أشياء يرويها الشيعة، لا، إنما هي مذكورة في كافة كتب التاريخ. من هؤلاء الأشخاص الذين وقفوا أمام منبر أبي بكر، و دافعوا عن حق الإمام أمير المؤمنين هو الزبير. هذه هي سابقة الزبير. و بين ذلك اليوم و اليوم الذي شهر فيه الزبير سفيه في وجه أمير المؤمنين مدة خمس و عشرين سنة. أخوتنا أهل السنة يعتذرون لطلحة و الزبير، و يقولون إن اجتهادهما أفضى بهما إلى هذه النتيجة.. حسناً، مهما يكن الأمر. لسنا هنا في صدد موقفهما أمام الله تعالى. و لكن ما الذي فعله الإمام أمير المؤمنين لهما؟ الحرب. زحف الإمام أمير المؤمنين بالجيش من المدينة و سار نحو الكوفة و البصرة لحرب طلحة و الزبير. أي إن تلك السوابق محيت و انتهت. هذا كان ملاك الإمام و معياره.البعض كانوا مع الإمام في باريس و جاءوا معه في الطائرة إلى إيران، لكنهم أعدموا في زمن الإمام بسبب الخيانة! و البعض كانت لهم علاقاتهم معه منذ فترة النجف، ثم باريس، و كانوا موضع عناية الإمام منذ بداية الثورة، لكن سلوكهم و مواقفهم بعد ذلك أدت إلى أن يطردهم الإمام و يبعدهم عن نفسه. المعيار هو الوضع الذي يكون لي حالياً. إذا أدت النفس الأمارة بالسوء و الشيطان إلى تحريف الطريق أمامي لا سمح الله، فسوف يختلف الحكم و التقييم. هذا هو مبنى النظام الإسلامي و هذا ما عمل به الإمام الخميني.و ثمة خطوط أخرى يمكن ذكرها على صعيد منهج الإمام و خطه. و ما ذكرناه هو أهمها و أكثرها تأثيراً.. من المناسب للإخوة و الشباب و أهل الفكر و البحث، و طلبة العلوم الدينية و طلبة الجامعات أن يفكروا و يبحثوا في هذه المباني. لا تبقى النصوص نصوصاً بل يجري إيضاحها و تبيينها.ليعلم الجميع و خصوصاً شبابنا الأعزاء أن ما حدث بعد رحيل الإمام الخميني و إلى اليوم من عداوات و عراقيل و كل ما فعلوه بكل صنوفه و أنواعه لم يستطع خلق أدنى تضعضع و تزلزل في أركان هذا النظام، بل على العكس، كل ضربة وجهها العدو للجمهورية الإسلامية أدت في النتيجة إلى مزيد من متانة الجمهورية الإسلامية. بالضبط كما هو الحال بالنسبة لثمانية أعوام من الدفاع المقدس. وقفت جميع القوى السياسية و العسكرية و المالية الكبرى في العالم وراء النظام البعثي في العراق لمدة ثمانية أعوام و حاربوا إيران الإسلامية، و أنزلوا كل قدراتهم إلى الساحة حتى يهزموا الجمهورية الإسلامية، أو يقللوا من قوتها، فما كانت النتيجة؟ حينما انتهت هذه الأعوام الثمانية شهد العالم بمنتهى الدهشة نهضة الجمهورية الإسلامية و تحولها إلى قدرة دفاعية و عسكرية أقوى و أعظم بكثير مما كانت عليه أيام الحرب. لقد سطعت قوة الجمهورية الإسلامية بعد الحرب في العالم بحيث أذهلت العيون. و كذلك الحال اليوم. أي حدث يخطط له الأعداء، و مهما تمادى السذج و الغافلون في مواكبة الأعداء فستكون نتيجة ذلك بفضل صمود الشعب الإيراني تعزيز الجمهورية الإسلامية أكثر فأكثر. لاحظتم أنه حصلت فتنة و أعمال و جهود، و دافعت أمريكا و بريطانيا عن عناصر الفتنة، و دافعت عنهم كذلك القوى الغربية و المنافقون و أنصار الملكية، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أمام كل هذا التحالف و الاتحاد غير المبارك أن أبدى الشعب الإيراني عن نفسه في يوم التاسع من دي و الثاني و العشرين من بهمن عظمة أذهلت العالم. إن واقع إيران اليوم و شبابها و متعلميها و الإيرانيين عموماً بحيث يستطيعون بتوفيق من الله إحباط أية مؤامرة يمهد لها الأعداء ضد نظام الجمهورية الإسلامية. و لكن دققوا جداً في أننا يجب أن نعمل بالتقوى. التقوى هي التي تقوينا و هي التي تجعلنا لا نتأثر بالضربات، و هي التي تبعث فينا الأمل لمواصلة هذا الدرب حتى الوصول إلى الأهداف النهائية.اللهم، بمحمد و آل محمد وفقنا جميعاً للتقوى و تفضل بها على كل واحد من أبناء هذا الشعب. اللهم قرب القلوب من بعضها و آلف بينها. اللهم زد يوماً بعد يوم من وضوح خط الإمام و شخصيته و الهوية الحقيقية لهذه الثورة بين أبناء شعبنا. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا صاحب العصر و الزمان، و أرضِ عنا أرواح الشهداء الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل.. بسم الله الرحمن الرحيموَ الْعَصْرِ ... إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ... إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.(9)الخطبة الثانيةبسم الله الرحمن الرحيمو الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين سيما عليّ أمير المؤمنين، و الصديقة الطاهرة، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و علي بن الحسين زين العابدين، و محمد بن علي باقر علم الأولين و الآخرين، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمد الهادي، و الحسن بن علي الزكي العسكري، و الحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين.و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.أوصي جميع الإخوة و الأخوات مرة أخرى و أدعوهم لمراعاة تقوى الله.يشهد العالم الإسلامي راهناً بل كل العالم تحولات كبيرة تنبىء بتغيير في المعادلات العالمية. و لذلك من المهم أن يتنبه الشعب الإيراني لهذه التحولات.من القضايا قضية فلسطين و غزة - و في الآونة الأخيرة على وجه الخصوص - قضية الهجوم على القافلة السائرة لإمداد غزة و كسر الحصار عنها، و التي هجم عليها الصهاينة الغادرون القساة. ما يلفت النظر أكثر في قضية فلسطين خلال السنة الأخيرة أو الشهور الماضية هو تهويد فلسطين. تقوم سياسة الكيان الصهيوني على إلغاء تدريجي كامل للآثار الإسلامية عن منطقة فلسطين و الضفة الغربية لنهر الأردن - و هم أنفسهم يعترفون بأن هذه المنطقة منطقة محتلة، و العالم يعترف بذلك، و توجد كل هذه القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة - و تهويد هذه المنطقة. بناء المستوطنات غير القانوني و الظالم، و تهديم بيوت الناس، و التلاعب بمدينة الخليل و مدينة القدس بهدف تهويدها، كلها من أجل استئصال جذور الإسلام من بلد فلسطين كما يتوهمون. هذه نقطة مهمة جداً و على العالم الإسلامي الوقوف ضد هذه الحالة بكل كيانه و قدراته، و الحيلولة دون ارتكاب هذه الجريمة الكبرى.و الشيء الآخر الملفت للنظر هو المحاصرة الظالمة لغزة و التي مضى عليها ثلاثة أعوام. عملية متعجرفة قاسية وحشية، و العجيب جداً أنها تحظى بتأييد و دعم أمريكا و بريطانيا و سائر القوى الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان دوماً. يحاصرون مليون و نصف المليون إنسان منذ ثلاث سنوات، و لا يسمحون بوصول الدواء إليهم و لا الطعام و يعرقلون وصول مياه الشرب لهم، و كذلك الطاقة الكهربائية، و يعرقلون كذلك وصول الإسمنت و المواد الإنشائية ليبنوا ما هدمته الحرب - كان القسم الأكبر من حمولة القافلة التي ذهبت هو الإسمنت ليستطيع الناس بناء بيوتهم المهدّمة - و بالإضافة إلى ذلك فهم يقصفونهم دوماً و يقتلون البشر... يقتلون الأطفال المظلومين و النساء و الرجال. هذا ما يقوم به الكيان الصهيوني.و المنظمات التي تدعي حقوق الإنسان واقفة تتفرج. و القوى الغربية لا تتفرج و حسب بل و تدعم. للأسف فإن الكثير من البلدان التي يجب أن تدافع - أي بعض البلدان العربية و الإسلامية - اختارت الصمت المطبق إن لم نقل أنها تصرفت بعض التصرفات الخيانية وراء الكواليس. الواقع عجيب جداً.الخطوة الأخيرة التي قام بها الصهاينة - أي هجومهم على هذه السفن التي تحمل بعض الأشياء إلى غزة لكسر حصار غزة في المياه الحرة و ليس في سواحلهم و بيئتهم البحرية - يجب أن تدرس من بعدين:الأول الطبيعة الوحشية للصهاينة و هذا ما فهمه العالم. العالم يجب أن يفهم هذه المسألة. يدعي الصهاينة أنهم دخلوا السفن للتفتيش أو لنقول لهم لا تدخلوا غزة - و هم طبعاً يكذبون كالكلاب، فقد ذهبوا للهجوم و خططوا للهجوم و كانت أهدافهم محددة - حتى لو كانوا قد ذهبوا للوعظ و النصيحة لكان ذلك بخلاف كافة الضوابط الدولية. سفينة تتحرك في المياه الحرة، و أقصى ما تستطيعون فعله هو أن لا تسمحوا لها بدخول موانئكم، فلماذا تحركتم إلى وسط البحر و هجمتم عليهم و قتلتم.. قتلتم عدداً كبيراً و أصبتم أكثر، و أسرتم أكثر؟ لماذا؟ إنها الطبيعة الوحشية. إنها الشيء الذي تهتف به الجمهورية الإسلامية منذ ثلاثين سنة و يتجاهله الغربيون المنافقون المراؤون الكاذبون. و قد شاهد العالم برمته اليوم إلى أي درجة هم متوحشون.النقطة الثانية التي يتوجب التركيز عليها و الاهتمام بها هي أن الصهاينة أخطأوا في حساباتهم. لقد ارتكبوا خطأً كبيراً. إنه خطأ يقع بشكل متكرر في الأعوام الأخيرة. هاجموا لبنان و أخطأوا، و هاجموا غزة و أخطأوا، و هاجموا هذه السفن و أخطأوا. هذه الأخطاء المتتالية تشير إلى أن الكيان الصهيوني الغاصب يسير نحو نهايته المحتومة و يقترب منها خطوة خطوة، ألا و هي السقوط و الانهيار في هاوية العدم.الحدث المهم الآخر الذي من المناسب أن يتنبه له شعبنا، و هو حدث له معناه، هو الحدث الذي وقع في الاجتماع المطول للـ N.P.T في نيويورك. كانوا قد عقدوا هذا الاجتماع أساساً لتستطيع من خلاله القوى المتغطرسة أكثر فأكثر تقييد الشعوب التي لم تحصل لحد الآن على الطاقة النووية، و تختلق لهم الموانع و العراقيل. طبعاً كانوا يتمنون ذلك و خططوا له ليبدوا في هذا الاجتماع أحقادهم ضد الجمهورية الإسلامية خصوصاً. فحصل عكس ما أرادوا تماماً. استمر هذا الاجتماع شهراً واحداً على وجه التقريب، و بدل أن يستطيعوا تمرير مقاصدهم و أهدافهم و تقييد بلدان مثل الجمهورية الإسلامية كانت النتيجة التي انتهى إليها هذا المؤتمر الطويل هي أن 189 بلداً فرضت على القوى تدمير أسلحتها النووية، و منعت مواصلة إنتاج هذه الأسلحة، و تم الاعتراف بحق امتلاك القوة النووية السلمية من قبل سائر البلدان، و فرض على الكيان الصهيوني - الذي دافع عنه مربّوه بقوة في هذا المؤتمر و نشطوا لصالحه - الالتحاق بمعاهدة N.P.T و هذا على العكس تماماً مما أرادوه. هذا ليس بالحدث الصغير، إنه دليل على أن القوة الأمريكية التعسفية المتكبرة المستكبرة و سائر القوى المتغطرسة و التابعة لها في العالم لا تستطيع تمرير إرادتها. ليست أمريكا اليوم في وضع يؤهلها أن تتدخل تدخلاً مؤثراً في السياسات الدولية. استطاعت الجمهورية الإسلامية بصمودها الممتد لثلاثين سنة إيجاد واقع لدى الرأي العام العالمي بحيث تقف ليس الشعوب و حسب بل حتى الحكومات - أي هذه الدول الـ 189 - في وجه أمريكا، و تتخذ قراراتها و تصوت على الرغم من إرادتها. هذه من البشائر الإلهية لشعب إيران الكبير.و ثمة قضايا أخرى تم تسجيلها لتذكر، لكن الوقت فات. نرجو أن يشملكم رب العالمين جميعاً أيها الإخوة و الأخوات المؤمنون و كافة شعب إيران العزيز بنظراته، و يزيد يوماً بعد يوم من انتصارات هذا الشعب.ربنا قرّب بلطفك و عنايتك و عينك و نظراتك قلوب المسلمين من بعضها، و اجعل الأمة الإسلامية متحدة مقتدرة، و أرفع رأس الشعب الإيراني، و أرفع عنه مشكلاته و متاعبه.بسم الله الرحمن الرحيمإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ... فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ ... إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.(10)الهوامش:1 - سورة الأحزاب، الآيتان 70 و 71.2 سورة هود، الآية 112.3 - سورة الشورى، الآية 15.4 - سورة الأحزاب، الآية 21.5 - سورة الممتحنة، الآية 4.6 - سورة الفتح، الآية 6.7 - سورة الحج، الآية 40.8 - سورة الفتح، الآية 6.9 - سورة العصر، الآيات 1 - 3.10 - سورة الكوثر، الآيات 1 - 3.
2010/05/03

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة يوم العامل

بسم الله الرحمن الرحيمأيام أسبوع العامل لا تختص بالعمال الأعزاء فقط، بل هي لكل الإيرانيين، فطبقة العمال في الحقيقة من الصفوف المتقدمة للسعي العام في البلاد و بين أبناء الشعب من أجل بناء الغد. ما يقوله الإسلام حول العامل - بالمعنى العام للكلمة - ليس مجاملات. حينما ينحني رسول الإسلام العظيم و يقبل يد العامل فلا يمكن حمل ذلك علی عمل يراد منه المجاملة، إنما هي صناعة ثقافة و دروس يراد منها تثمين أيدي العمال الماهرة و سواعدهم الناشطة في الأمة الإسلامية و على مرّ الزمان و التاريخ. إننا ننظر للعمال من هذه الزاوية. العامل البسيط، و العامل الماهر، و المهندس، و المصمم، و كل الذين يبذلون جهودهم في سلسلة العمل و الإنتاج مشمولون بتكريم الإسلام و تقديره.مطاليب العمال - المطاليب المادية - محفوظة في موضعها، و من واجب الجميع متابعة هذه المطاليب المادية الحقة و تحقيقها، و لكن ثمة أيضاً مطلب معنوي ألا و هو منـزلة العامل و الاهتمام بجهوده و مساعيه، و أن يفهم أن ما يقوم به إنما هو جهاد. هذا شيء مهم. العامل خلف الماكنة أو عند التصميم و رسم الخرائط أو عند العمل في المزرعة، أو في أي موضع يتم فيه إنتاج العمل، إنما ينتج شيئاً و يجب أن يشعر و يعلم أنه يقوم بعمل مهم له قيمته. هذا ما يروم الإسلام بيانه. هذه هي عقيدتنا القلبية. ثمة بون كبير بين هذه النظرة و نظرة العالم المادي، سواء العالم الرأسمالي أو العالم الاشتراكي الذي ينظر للعامل باعتباره أداةً. في العالم الرأسمالي قد يتمتع بعض العمال بوضع مادي جيد - و هذا الشيء ليس عاماً بالطبع، إنما البعض منهم يتمتعون بوضع مادي جيد - لكنهم يبقون في أعين أرباب العمل و مخططي شؤون العمل و الإنتاج مجرد أدوات، أشبه بالبراغي و الصامولات، و ما قيمته إلا حينما يستطيع تقديم قيمة مادية لهم و خلق المال لهم. هناك فرق كبير بين هذه النظرة للعامل و بين نظرة ترى العامل مجاهداً في سبيل الله بسبب ما يقوم به من عمل، و فوق كل الأجور المادية فإن له أجراً إلهياً و قيمة إلهية و ثواباً إلهياً. هاتان الرؤيتان تختلفان عن بعضهما اختلافاً كبيراً. هذا شيء ضروري و يمثل حاجة حقيقية.في النظام الإسلامي و في الجمهورية الإسلامية العزيزة في بلادنا، خرجت طبقة العمال منذ مطلع الثورة و إلى اليوم من اختباراتها مرفوعة الرأس ناجحة. خلال فترة الدفاع المقدس، شهد جميع من كانوا هناك مشاركة طبقة العمال العظيمة، عمال المدن و عمال القرى، و عمال الصناعة و العاملين في الزراعة، و عمال الخدمات و سواهم، شهد الجميع مشاركتهم في الميادين العسكرية أو مجالات الإسناد العسكري، و لاحظ الكلُّ أي دور مارسه العمال الإيرانيون في تلك الأعوام الثمانية. و ما عدا ذلك خرج العمال في نظام الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة و إلى اليوم ناجحين أبهر النجاح من الامتحانات التي مروّا بها.تعلمون أن طبقة العمال و الشعارات السياسية التي تصطنع لهذه الطبقة في العالم، كانت دوماً من أوراق الضغط على الحكومات. و في نظام الجمهورية الإسلامية حاول بعض الأعداء منذ البداية استخدام ورقة الضغط هذه ضد الجمهورية الإسلامية. أنا بنفسي ذهبت في أيام التاسع عشر، و العشرين، و الحادي و العشرين، و الثاني و العشرين من بهمن سنة 57، ذهبت عدة أيام متوالية إلى أحد المعامل في طريق كرج بسبب حادث أو خبر وصلنا. أخبرنا العمال أنفسهم، و وصلنا الخبر من المعمل بأن البعض من التابعين للزمر الماركسية و اليسارية توجهوا إلى هناك و يريدون جعل المعمل مقراً لهم - و تعلمون أن تلك المنطقة تضجّ بالعمال، ففي طريق كرج القديم الكثير من المعامل المتراصة - و كانوا يريدون تجميع العمال هناك و التوجّه بهم إلى بيت الإمام و نحو مدرسة »علوي« حيث كان يقيم الإمام ليسيطروا حسب ما توهموا على الأوضاع. ذهبت إلى هناك. و كان في ذلك المعمل نحو ثلاثمائة أو أربعمائة عامل. و الذين كانوا قد تجمعوا في الصالة يقدرون بسبعمائة أو ثمنمائة شخص. بمعنى أن هناك أفراداً من غير العمال قد حضروا. كنت أذهب لذلك المعمل عدة أيام، أذهب صباحاً و أعود عصراً، أو أذهب صباحاً و أعود ليلاً، و في أحد الأيام وقفت سبع ساعات خلف المنصة و لاقطة الصوت أتحدث و أتحدث، و جاء واحد من أولئك و رفع الشعارات و تحدث و أجبته و أقنعته، و أخيراً أخرج العمال أنفسهم ذلك الفريق المخرب من المعمل. منذ ذلك الحين و إلى اليوم وضع أعداء الإسلام و الجمهورية الإسلامية ضمن خطة عملهم رفع شعارات سياسية و الإمساك بطبقة العمال كأداة ضغط على الإسلام و النظام الإسلامي. منذ ثلاثين سنة و هم يسعون سعيهم و يحاولون استخدام هذه الورقة ضد نظام الجمهورية الإسلامية، و منذ ثلاثين سنة و هم يتلقّون الصفعات من قبل عمّال البلاد. هذه هي معرفتنا بطبقة العمال. هذه هي العلاقة الصميمية بين طبقة العمال و النظام الإسلامي، المرتكزة على الإيمان و على الركن الركين الذي تأسس عليه النظام الإسلامي. لذلك سوف تتقدم مسيرة البلاد نحو الإنتاج و بمحورية العمال و المنتجين - من عمال و أرباب عمل - و لن يكون بوسع المسيئين الإخلال في هذه المسيرة.طيب، لننظر الآن إلى ماهية القضية. التقدم المادي للبلاد يتوقف بالدرجة الأولى على عنصرين: العنصر الأول هو العلم، و العنصر الثاني هو الإنتاج. إذا لم يكن ثمة علم تلكأ الإنتاج أيضاً. البلد يتقدم بالعلم. إذا كان هناك علم و لكن لم يحصل إنتاج و تكامل و تطور على أساس هذا العلم سوف يبقى البلد يراوح. و قد كان العيب و النقص خلال فترة حكم الطواغيت هو أننا لم نكن نمتلك العلم، و لأننا كذلك لم يكن لدينا إنتاج قائم و متقدم و متطور على أساس العلم. لذلك حينما دخل العالم حيّز الصناعة و تقدم في هذا المجال تقدمت القارة الآسيوية التي دخلت ساحة الصناعة بعد أوربا، أما نحن فبقينا متخلفين نتيجة حكم الطواغيت و الظروف المختلفة. و إذا أردنا التعويض - و نحن نريد ذلك و قد تحرك شعبنا و حقق تقدماً جيداً - فعلينا الاهتمام بالعلم و الإنتاج، و متابعة ذلك في مراكز العلم و البحث العلمي و بأشكال حديثة جديدة. منذ سنوات و أنا أشدد على مسألة العلم، و الحمد لله فقد تحركت عجلات التقدم العلمي و إنتاج العلم في البلاد، و طبعاً ينبغي زيادة سرعتها فنحن لا نزال في بداية الطريق.و ثانياً: الإنتاج. الإنتاج في حيّز الصناعة و في مجال الزراعة يحتل المرتبة الأولى من الأهمية. البلد الذي لا يكون فيه إنتاج سيكون تابعاً شاء ذلك أم أبى. حتى لو كان كل نفط العالم و غازه كامناً في جوف أراضينا و في آبارنا لما نفعنا ذلك شيئاً. و ترون أنه توجد بلدان ثرية للغاية من حيث احتياطيات المعادن و الطاقة و الفلزات الثمينة النادرة، لكنهم يعيشون حياة تعيسة ذليلة على الأرض التي تحمل في داخلها كل تلك الكنوز. ينبغي تطوير الإنتاج في البلد، و خصوصاً الإنتاج القائم على العلم و المهارات العلمية و التجريبية. و هذا ما يتم على أيدي العمال و أرباب العمل. و إدارة ذلك تقع على عاتق الحكومة إذ عليها التنظيم و البرمجة و العمل. و بوسع سياسات المادة 44 التي أعلنّا عنها قبل سنوات و أبلغناها للأجهزة الحكومية و التشريعية أن تمارس دورها في هذا النطاق، و لكن يتعيّن على الجميع توخّي الدقة و الحذر.الإنسان مخلوق عجيب يا أعزائي! أحياناً تغدو حتى العبادة و صلاة الليل أداةً لتغلغل الشيطان و خداع النفس البشرية بأن صاحبها يصلي صلاة الليل! كل الأفكار الحسنة الشريفة يمكن أن تتحول إلى منافذ للشيطان. سياسات المادة 44 شيء جيد جداً و ضروري و ينبغي تطبيقها بالتأكيد على نطاق واسع. و لكن يتعين الحذر من أن تتحول إلى فخ شيطاني رغم إيجابيتها.. كصلاة الليل. من هنا أيضاً يمكن للشياطين أن يتوغلوا. قلت مراراً أن الاستغلاليين و الانتهازيين و العلماء بالقانون الخارقين له، و الذين يعرفون كيف يخدعون المأمورين و المسؤولين و الرؤساء و المرؤوسين و الناس في الشوارع و الأزقة من أجل الوصول إلى طعم معين، يأتي هؤلاء و يشتروا المعمل ثم يعطلوه بذرائع شتى و يتركوا العمال عاطلين عن العمل، ثم يعيدون تكاليف شراء المعمل ببيع مكائنه القديمة، و يكسبون المليارات و آلاف و ألوف من بيع أراضي المعمل. هذه أمور حصلت، و يمكن أن تحصل، و ينبغي على الجميع الحذر منها.القضية الأخرى في مجال العمل هي العلاقة بين العامل و رب العمل. كلا المنهجين الدارجين في زماننا - المنهج الاشتراكي و المنهج الرأسمالي - خاطئ. في المنطق الاشتراكي كان العامل و ربّ العمل عدوّين يقفان بوجه بعضهما و يتعطشان لدماء بعضهما.. هذا هو تحليلهم. و الحل الذي قدموه كان باطلاً ضعيفاً خاطئاً: ملكية الحكومة لكل مصادر الإنتاج و أدواته، و التي أدت بعد عدة عقود إلى تلك الفضيحة. كانت هذه نظرة تقرر حالة عداء و صراع بين العامل و ربّ المعمل. و النظرة الأخرى هي نظرة المنطق الغربي التي تعتبر ربّ العمل سلطاناً مسلطاً على العامل و مالكاً له و ترى العامل أداة بيد ربّ العمل و تحت تصرفه. هذا بدوره إهانة لشخصية الإنسان، و رؤية خاطئة تماماً. كلا النظرتين خاطئة!ليست هذه نظرة الإسلام. نظرة الإسلام نظرة التعاون، فهذان عنصران إذا تركّبا سوف ينتجا العمل. خلافاً للنظرة اليسارية و الماركسية التي تقيم كل شيء على أساس التناقض - و قد محيت من صفحات الفكر الفلسفي في العالم و الحمد لله - يتجه الإسلام نحو رؤية الوئام و التعاون. بدل أن يكون هذا العنصران على الضد من بعضهما لينتجا شيئاً ثالثاً، يلتئمان ليوجدا شيئاً ثالثاً. هذه هي نظرة الإسلام، و هي النظرة الطبيعية، و نظرة السنة الإلهية و قوانين الخلقة. و كذا الحال بالنسبة لكل قضايا العالم من طبيعية و سياسية و تاريخية و اقتصادية و غير اقتصادية. نظرية الإسلام، في مقابل نظرية التناقض الماركسية، هي نظرية الالتئام و الائتلاف و التزاوج و المواكبة و التكامل. و كذلك الحال بالنسبة لقضية العامل و ربّ العمل. هذان عنصران يجب أن يضعا أيديهم في أيدي بعضهم حتى يظهر العمل إلى النور و يكون ثمة إنتاج. العامل من دون ربّ العمل لا يستطيع فعل شيء، و رب العمل من دون العامل لا يستطيع فعل شيء. يتموضع هذان إلى جوار بعضهما في إطار علاقة سليمة و أخلاقية و إنسانية، و عندئذ تكون الأجواء أجواء تنمية الإنتاج. و فضلاً عن التقدم المادي ستتوفر الحالة المعنوية. هذه هي نظرتنا. لا تعتبر رب العمل ملعوناً مطروداً كما يراه التيار اليساري، و لا نعتبره سلطاناً بيده كل شيء كما يريد التيار اليميني. كلا، رب العمل يمكن أن يكون عنصراً شريفاً - إذا تعاون حقاً كان شريفاً حقاً - إلى جانب عنصر شريف آخر هو العامل. يضعان يداً بيد و يسيران حسب علاقات إنسانية و إسلامية واضحة. هذا هو أساس العمل. على الجميع العمل بهذا الاتجاه. و على العامل نفسه و ربّ العمل نفسه أن يحاولا بكل إخلاص التقدم بالإنتاج في البلد إلى الأمام.أعزائي، نحن متأخرون. طبعاً إذا قارنّا الأمور بما كانت عليه في زمن الطاغوت سنكون متقدمين جداً. في عهد الطاغوت كنا بحاجة للأجانب من أجل أصغر الأشياء في منظومة الإنتاج و المكائن و المعامل و الصناعة. و المعامل التي كانت تؤسس كانت معامل مونتاج تابعة للأجنبي مائة بالمائة. لم نكن نجيد التصميم و لا الصناعة و لا معرفة العناصر اللازمة. كان يجب أن نأخذ كل شيء من الأجانب و نطلبه منهم و نتوسل إليهم.. نعطي النفط و نعطي المال و نعطي ماء الوجه و السمعة، و نعطي الاقتدار السياسي و نخضع لهيمنتهم لنحصل على شيء. و اليوم يصدِّر الشعب الإيراني خدماته التقنية. بلدكم اليوم من أبرز البلدان و في المراتب العليا عالمياً في مجال بناء السدود و محطات الطاقة. فأين هذا من ذاك؟ الأعمال التي تقومون بها حالياً - الأعمال الصناعية و التقنية - لها من يشتريها في الكثير من بلدان العالم. إنكم تؤسسون خطوط إنتاج في العديد من بلدان العالم. هذا الشيء لم يكن له معنى إطلاقاً في عهد الطاغوت. نذهب و نؤسس خطوط إنتاج صناعية لبلد عدد سكانه كبير و قد يكون نفطياً و ثرياً؟! هذا الكلام لم يكن له معنى آنذاك، و قد تحقق اليوم. إذن، نحن متقدمون تقدماً كبيراً بالمقارنة إلى الماضي. لكننا متأخرون بالقياس إلى ما هو شأن الشعب الإيراني و مكانته و ما يستدعيه تراثنا التاريخي، و ما ينبغي لإيران أن تكونه بين بلدان العالم. لذلك يجب أن نتقدم. هناك الكثير من الأعمال الضرورية يجب إنجازها. حينما أقول »الهمّة المضاعفة« فهذا هو السبب. لا تقتصر هممنا على أن نرفع هذا الحجر من طريقنا - هذا ليس بالشيء الكبير - إنما يجب أن تتعالى هممنا إلى مستوى الصعود إلى القمم. هذا هو معنى الهمّة المضاعفة. و هذا لا يأتي مجاناً، و لا يحصل بمجرد الكلام و المجاملات و المديح، إنما يحصل بالنـزول الحقيقي إلى ساحة العمل و الإبداع.همة العامل، و همة المهندس، و همة المصمم، و همة الباحث العلمي في مراكز البحث و التحقيق - المراكز التي تدعم المشاريع علمياً - و همة ربّ العمل و الباذل و المموّل، و همة المسؤول الحكومي.. هذه الهمم كلها يجب أن تتضاعف و تزيد، و هو أمر ممكن. إمكانياتنا أكثر من هذا بكثير يا أعزائي أحياناً يقترح المرء على الإنسان شيئاً فوق طاقته و أكبر من إمكانيته. هذا الشيء ليس عقلانياً و لكن أحياناً تنظرون إلى شاب و جسمه و عضلاته و ترون أن بمقدوره أن يكون مصارعاً من الدرجة الأولى، أو لاعب جنباز من الطراز الأول، أو رياضياً كبيراً في المجال الفلاني.. يمكنه أن يكون نجماً، فتقولون له: حاول و أسع سعيك. هذا يختلف عن إنسان ضعيف لم يمارس الرياضة لمدة عشرين سنة و لا يمكنه أن يكون مصارعاً جيداً. الشعب الإيراني أشبه بذلك الشاب الموهوب المتناسق البدن و صاحب الإمكانيات الذي إذا بذل سعيه اللازم استطاع أن يصل إلى القمة و يحقق النجومية. هكذا هو الشعب الإيراني، و قد أثبت ذلك. هذا ليس ادعاء و لا هو شعار، بل هو واقع تجلّى لنا من خلال الدراسات. تجارب الأعوام الثلاثين المنصرمة جعلت هذا الأمر واضحاً بالنسبة لنا كالشمس في رابعة النهار.الشعب الذي لا يساعده أحد، و تغلق في وجهه أبواب المنتوجات الصناعية و التقدم التقني، و إذا به ينتج بنفسه الجيل الثاني و الثالث و الرابع من أجهزة الطرد المركزية، و يبهت كل أصحاب الطاقة و الصناعات النووية في العالم. من أين تعلموا هذا؟ الشعب الذي لم يساعده أحد في علوم الأحياء، و إذا بهم ينظرون فجأة فيرون أنه ينتج ما ينتج من الخلايا الجذعية. كم من البلدان في العالم يستطيعون فعل ذلك؟ سبعة أو ثمانية أو تسعة بلدان. من بين كل هذه البلدان و كل هذه الادعاءات، يقفز هذا البلد فجأة من المرتبة المائتين مثلاً إلى المرتبة الثامنة. عن ماذا ينمُّ هذا؟ ألا ينمُّ عن موهبة خارقة؟ في بداية الحرب لم نكن نعلم ما هو الآر. بي. جي - الآر. بي. جي صاروخ صغير، و الذين كانوا في الحرب شاهدوا ذلك و جربوه مراراً - لم يكن لدينا و لم نكن نعرفه و لم يكن من أسلحتنا المعتمدة، و الآن بعد مضي عدة سنوات و رغم ظروف الحظر و المحاصرة يصنع بلدنا صاروخ »سجيل« و يصنع صواريخ تحمل أقماراً صناعية، و العالم يقف هكذا و ينظر بذهول. و قد أنكروا ذلك في البداية و قالوا: إنهم يكذبون، و لا يستطيعون، لكنهم وجدوا بعد ذلك أن الأمر واقع. و كذا الحال في كل القطاعات. ما معنى ذلك؟ معناه أن هذا الشاب موهوب جداً، و أن هذا الشعب له إمكانيات و قابليات كبيرة، و أن هذه الطاقات البشرية مهمة و قيمة جداً و يجب الاستفادة منها. إذن، نحن قادرون. هذا هو معنى الهمّة المضاعفة، أي نقل الإمكانية الكامنة إلى الفعل. و العالم الذي يصطف بوجه إيران و يكشّر لها عن أنيابه و يعرض أظفاره الدامية و يسيئ أخلاقه و يمارس العرقلة و التعثير إينما استطاع إلى ذلك سبيلاً، هو العالم الاستكباري. العالم الخاضع للنظام الرأسمالي الظالم الجائر. هذا العالم ليس بوسعه أن يطيق هذا الوضع لأنه خارج قاعدته، لذلك نراه يواجهه و يعاديه، و أنتم تلاحظون العِداء و الإساءة طوال هذه الأعوام الثلاثين. الشيء الذي لم يكن قليلاً و شاهده الجميع و امتلأت منه أعينهم هو العداء و العناد و الخبث الذي مارسه أعداؤنا. لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء و كونوا واثقين أنهم لن يستطيعوا فعل شيء بعد الآن أيضاً.نحن نستند إلى ألطاف الله و توفيقاته، و إلى الإيمان الذي تحدثت عنه في بداية الكلمة و الراسخ و المتجذر في قلوبكم و في قلوب كل واحد من أبناء الشعب الإيراني. حينما يكون هذا الاستناد و التوكل و الاعتماد، و يبذل الإنسان مساعيه و طاقته، سيكون »إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات« ذلك إيمانكم و هذا العمل الصالح. كل هذه الوعود الحسنة التي وعد بها المؤمن ذو العمل الصالح في القرآن الكريم - الانتصار في الدنيا، و الفلاح و النجاح في عالم المعنوية و العالم الآخر، و التقرب إلى الله تعالى، و الشموخ و العزّ و النصر في الدنيا و الآخرة - إنما هي نتائج ذلك الإيمان و العمل الصالح. علينا السير في هذا الطريق.رحمة الله و سلامه على إمامنا الجليل الذي دلنا على هذا الدرب.. هو الذي جعلنا نسير في هذا الطريق.. هو الذي أخذ بأيدينا و أيقظنا بجوهره الإلهي و سار بنا إلى هذا الوادي. كلما تقدم هذا الشعب زاد الله تعالى من حسنات ذلك الرجل الكبير. و سلام الله و رحمته على شهدائنا و مجاهدينا و الذين ضحوا في هذا السبيل و وضعوا أرواحهم على الأكف و نزلوا إلى وسط الساحة، سواء هم، أو عوائلهم، و سواء الذين استشهدوا منهم أو الذين أصيبوا و تعوقوا، أو الذين بقوا لشعبنا و الحمد لله. أجزل الله الأجر لهم جميعاً. نتمنى أن تشملكم جميعاً توفيقات الباري عزّ و جلّ و الأدعية الزاكية لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2010/04/27

كلمته بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى (س)

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أبارك يوم الممرضة و أيام ولادة زينب الكبرى، هذه المرأة النموذجية في تاريخ البشرية لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء و الممرضات المحترمات. نرجو من الله تعالى، ثواباً لهذه الخدمات الجليلة و الجهود الثمينة جداً، أن يشملكم جميعاً و كل الممرضات في البلاد و مجموعة العاملين على شؤون السلامة في البلاد برحمته و هدايته و فضله.كلامنا الإساسي لهذا اليوم و في هذا اللقاء هو تقديم الشكر لجهود الممرضات. و الحق أنه لمن المناسب أن يقدم المرء الشكر لكافة الممرضات في البلاد، و يقدِّر و يثمِّن هذا العمل الكبير المجهد و الوظيفة الجسيمة الملقاة على عواتقكم.قضية الصحة و السلامة من أولى المسائل المهمة في حياة المجتمعات. و الحديث المعروف »نعمتان مجهولتان الصحة و الأمان« يشير حقاً إلى قضية أساسية و حيوية. الصحة و الأمن من النعم الكبرى التي ما لم يحرم منها الإنسان لا يدرك أهميتها و قيمتها، فهي كالهواء و التنفس. طالما تنفس الإنسان لم يدرك أهمية هذه النعمة المجانية المتوفرة في كل مكان، فإذا عسر التنفس شعر عندها الإنسان أي نعمة كبيرة فقدها. المنظومة الطبية و التمريض و سائر الأجهزة المعنية بالصحة هي في الواقع من يؤمِّن هذه النعمة الكبيرة للمجتمع. و دور الممرضة في هذه الغمرة دور بارز جداً. تعيش الممرضة حالة جهد و تحدّ روحي و نفسي دائمي؛ ليست القضية قضية الجسم و حسب، فهناك التعب الروحي و التعامل مع المريض المتوجع و الشعور بالواجب لتوفير العلاج الجسمي و الروحي و المعنوي لهذا المريض المتوجِّع. العملية جد استنـزافية و ثقيلة. و هذا الواجب تتحمله الممرضات.كونوا واثقين أن كل لحظة و ثانية و دقيقة تقضونها في هذه المهنة، مع شعور بالواجب مقابل المريض و مقابل الإنسان المتألم المتوجع، تحصلون بها على حسنة من الله تعالى و أجر من الذات الربوبية. ما من ثانية تضيع في الحسابات الإلهية. ينبغي أن لا نتصور أن اللحظات الصعبة التي تقضيها الممرضة في رعاية المريض تغفل في الحسابات الإلهية.. ليس الأمر كذلك. كل لحظة تقضونها و كل جهد تبذلونه، و كل صبر و تحمّل تبدونه حيال الصعاب إنما هو حسنة و شيء جدير بالأجر، و الله تعالى يسجل جميع هذه اللحظات. يجب معرفة قدر هذه الأعمال الصعبة ذات التأثيرات الكبيرة و المهمة.طبعاً، الواجبات أيضاً ثقيلة. يجب التنبه للواجبات. أخلاق التمريض كأخلاق الطبابة واجب و فريضة. أجركم كبير جداً و واجبكم أيضاً كبير. فالمريض إنسان و ليس آلة و لا هو مجموعة حديد و فولاذ و براغي و صامولات. إنه ليس مجرد جسم. روح الإنسان و مشاعره و عواطفه خصوصاً حينما يتمرض تتألم و تتوجع و تكون بمسيس الحاجة للطف و الرعاية. أحياناً تكون ابتساماتكم أكثر قيمة و أثراً من الدواء و العلاج المستخدم للمريض. المريض مضطرب و مستاء - خصوصاً المصابون بأمراض عصيّة - و مساعدته ليست مساعدة لجسمه و حسب. يجب معالجة جسمه بالأدوية و العلاجات و الحقن و التدابير الطبية، لكن روحه تعالج بالمحبة و اللطف و الرعاية و العطف. و أحياناً قد يعوض هذا العلاج الروحي عن العلاج الجسمي، و هذا شيء علمي ثبت بالتجارب حيث أن فرحة روح الإنسان و سروره العصبي و الشعوري يترك تأثيراً إيجابياً على جسمه. و هذا الأمر في أيديكم و في أيدي الممرضات.تتولى الممرضة مهمة صعبة، و يكتب لها أجر عظيم، لكنها تتحمل في الوقت نفسه وظيفة جسيمة. هذه الموازنة بين الواجب و الأجر، و بين الحق و الواجب من الأركان الكبرى في المفاهيم و المباني الإسلامية. إعادة التأهيل الذي تحدثت عنه الوزيرة المحترمة - و هي عملية قيمة جداً - من المناسب أن تشمل لا القضايا العلمية فقط، بل و مجال أخلاق التمريض أيضاً. الحقيقة هي أنه يجب إعداد ميثاق أخلاقي للتمريض و يصار إلى تعليم و تدريس ميثاق التمريض أو معاهدة التمريض، لتعلم الممرضة عظمة عملها - و عظمة العمل هذه ملازمة لأهمية شخصيتها - و تقوم به كما هو حقه.إنني أسأل الله القوة لكل الممرضات العزيزات في كافة أنحاء البلاد، خصوصاً أنتن الممرضات النموذجيات، و أدعو الله تعالى أن يعينكن و يوفقكن ليحفظ الكرام الكاتبون هذه القيمة العليا التي اخترتنها في عملكن و مهنتكن، و أن يثيبكن و يجعل عواقبكن على خير إن شاء الله.يوم التمريض في الجمهورية الإسلامية مقرر في يوم ولادة السيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها)، و لهذا معنى كبير. زينب الكبرى مثال مميز في التاريخ يدل على عظمة مساهمة المرأة في إحدى أهم قضايا التاريخ. حين يقال إن الدم انتصر على السيف في عاشوراء و في واقعة كربلاء - و الحق أنه انتصر - فالعامل و السبب في هذا الانتصار هو السيدة زينب. و إلا فالدم انتهى في كربلاء و اختتم الحدث العسكري بالانسكار الظاهري لقوات الحق في ساحة عاشوراء، لكن ما جعل هذا الانسكار العسكري الظاهري يتحول إلی انتصار حاسم دائم هو خصال السيدة زينب الكبرى و الدور الذي اضطلعت به. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. هذا شيء دلَّ على أن المرأة ليست على هامش التاريخ بل هي في الصميم من أحداث التاريخ المهمة. و القرآن ينطق بهذه الحقيقة في مواطن عديدة. بيد أن هذا يرتبط بالتاريخ القريب و ليس بالأمم الماضية. في حدث حيّ و ملموس يرى الإنسان زينب الكبرى تبرز في الساحة بعظمة مذهلة متألقة، و تفعل ما من شأنه إذلال و إهانة العدو المنتصر في المعركة العسكرية حسب الظاهر، و الذي قمع معارضيه و اتكأ على عرش الانتصار، و ذلك في مقر سلطته و اقتداره، و تصمه بوصمة العار الأبدية، و تقلب انتصاره إلى هزيمة. هذا ما فعلته زينب الكبرى. لقد أثبتت السيدة زينب (سلام الله عليها) أنه بالإمكان تدبيل الحجاب و العفاف النسوي إلى عزة جهادية و كفاح عظيم.ما تبقى من كلمات زينب الكبرى، و وصلنا في هذا الزمن، يدل على عظمة التحرك الذي قامت به زينب. الخطبة الخالدة لزينب الكبرى في سوق الكوفة لم تكن كلاماً عادياً، و لا تصريحات و أقوالاً دارجة من شخصية كبرى، إنما كانت تحليلاً ضخماً لوضع المجتمع الإسلامي في تلك الفترة عرض بأجمل الكلمات و بأعمق و أغنى المفاهيم في تلك الظروف. لاحظوا قوة الشخصية كم كانت تلك الشخصية قوية. قبل يومين قتلوا في البيداء أخاها و إمامها و قائدها و كل أولئك الأحبة و الأعزاء و الشباب و الأبناء، و أسروا هذه الجماعة المؤلفة من عشرات النساء و الأطفال و جاءوا بهم على نوق الأسر أمام أنظار الناس، و جاء الناس يتفرجون، و البعض يهلهلون و البعض يبكون.. في مثل هذه الظروف المأزومة أشرقت فجأة شمس العظمة هذه، و استخدمت ذات اللهجة التي كان أبوها الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يستخدمها على منبر الخلافة أمام الأمة.. تكلمت بنفس الطريقة، و بنفس الكلمات و نفس الفصاحة و البلاغة و بنفس علو المضامين و المعاني: »يا أهل الكوفة يا أهل الغدر و الختل«.. ربما صدّقتم أنكم من أتباع الإسلام و أهل البيت، لكنكم أخفقتم في الامتحان هكذا، و كنتم في الفتنة عميان مكفوفين.. »هل فيكم إلا الصلف و العجب و الشنف و الكذب و ملق الإماء و غمز الأعداء«.. لم يكن سلوككم و لسانكم على غرار قلوبكم. اغتررتم بأنفسكم و ظننتم أنكم مؤمنين و أنكم لا تزالون ثوريين و أنكم أتباع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بينما لم تكن حقيقة الأمر هكذا. لم تستطيعوا مواجهة الفتنة و إنقاذ أنفسكم »مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً«.. بعدم التوفر على البصيرة، و عدم معرفة الأجواء و الظروف، و عدم تمييز الحق من الباطل أبطلتم ماضيكم و فعالكم. الظاهر ظاهر إيماني و الأفواه مليئة بالدعاوى الثورية، لكن الباطن أجوف لا مقاومة فيه حيال رياح المعارضة.. هذه هي الآفة.بهذه البيان المتين و هذه الكلمات البليغة، و في تلك الظروف الصعبة تحدثت بهذه الطريقة. لم يكن أمام السيدة زينب عدد من المستمعين المصغين تخطب فيهم كما يخطب أي إنسان لمستمعيه، كلا، إنما أحاط بها الأعداء يحملون الرماح و السلاح، و حولها أيضاً عدد من الناس ذووي أحوال مختلفة.. أولئك الذين أسلموا مسلم بن عقيل لعبيد الله بن زياد، و الذين كتبوا الرسائل للإمام الحسين و لم يفوا بها.. الذين يوم كان يجب أن يحاربوا ابن زياد اختفوا في بيوتهم - هؤلاء هم الذين كانوا في سوق الكوفة - و كان هناك بعض المنهزمين ضعفاء النفوس راحوا يتفرجون الآن و يرون أبنة أمير المؤمنين فيبكون. كانت السيدة زينب أمام هذه الجماعة غير المتجانسة التي لا يمكن الثقة بها، لكنها تحدثت بتلك الصلابة.. إنها سيدة التاريخ.. لم تكن هذه السيدة ضعيفة. لا يمكن اعتبار المرأة ضعيفة. هكذا يفصح الجوهر النسوي المؤمن عن نفسه في الظروف العصيبة.. هذه هي المرأة النموذجية. نموذج لكل الرجال العظماء و النساء العظيمات في العالم. تشخّص آفات الثورة النبوية و الثورة العلوية، و تقول للناس إنكم لم تستطيعوا في الفتنة تشخيص الحق و النهوض بواجباتكم، و كانت النتيجة أن يرتفع رأس فلذة كبد الرسول فوق الرماح. هنا يمكن فهم عظمة زينب. يوم الممرضة يوم ولادة السيدة زينب، و هذا تنبيه لنسائنا بأن يجدن دورهن و يمارسنه و يدركن عظمة المرأة في المزج بين الحجاب و الحياء و العفاف النسوي و بين العزة الإسلامية و الإيمانية. هكذا هي المرأة المسلمة.أراد العالم العربي الفاسد إقحام نموذجه و أساليبه الخاطئة المنحرفة المهينة للمرأة بالقوة في أذهان العالم: فالمرأة من أجل أن تبرز شخصيتها يجب أن تروق لأعين الرجال. هل هذه هي شخصية المرأة؟! يجب عليها ترك الحجاب و العفاف، و التبرج من أجل إرضاء الرجال. هل هذا تكريم للمرأة أم إهانة لها؟ هذا الغرب الثمل المجنون الجاهل، بتأثير من الأيدي الصهيونية، يرفع هذه الأمور باعتبارها تكريماً للمرأة، و البعض يصدقونه. ليست عظمة المرأة في أن تستطيع اجتذاب أنظار الرجال و نزواتهم. هذه ليست مفخرة للمرأة و لا تكريم للمرأة، بل هي إهانة للمرأة. عظمة المرأة في أن تستطيع الحفاظ على حجابها و حيائها و عفافها النسوي الذي أودعه الله في جبلّتها و طبيعتها، و تمزج ذلك بالعزة الإيمانية و الشعور بالواجب و التكليف، و تستخدم ذلك اللطف في مكانه، و تستخدم هذه الصرامة و القوة الإيمانية أيضاً في مكانها. هذه التركيبة الظريفة تختص بالنساء.. هذا المزيج من اللطف و الصرامة شيء خاص بالمرأة. إنها ميزة منحها الله تعالى للمرأة. لذلك جاء نموذج الإيمان في القرآن - و ليس نموذج الإيمان النسوي بل نموذج الإيمان لكل البشرية رجالاً و نساءً - في إمرأتين اثنتين: »و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون«(1) و »مريم ابنة عمران«(2) إحداهما زوجة فرعون، و الثانية السيدة مريم. هذه إشارات و علامات توضّح منطق الإسلام.ثورتنا ثورة زينبية. منذ بداية الثورة مارست النسوة أبرز الأدوار في هذه الثورة. سواء في الثورة نفسها أو في ملحمة الدفاع المقدس التي استمرت ثمانية أعوام، كان دور الأمهات و الزوجات، إن لم نقل إنه أثقل و أوجع و أحوج إلى الصبر من دور المجاهدين أنفسهم فإنه ليس بأقل منه دون شك. الأم التي ربّت ابنها الشاب و عزيزها و زهرة حياتها لثمانية عشرة سنة أو عشرين سنة أو أقل أو أكثر، و أنشأته بعطفها و أمومتها، تدفعه الآن إلى ساحة الحرب بحيث لا تضمن حتى عودة جسده. أين هذا من ذهاب الشاب نفسه إلى الجبهة، و طبعاً يسير ذلك الشاب بحماس و هياج الشباب و الإيمان و الروح الثورية نحو سوح التضحية. ما تقوم به تلك الأم إذا لم يكن أكبر مما يقوم به ذلك شاب فهو ليس بأقل منه. ثم حينما يعود جسده تفخر بأن ابنها قد استشهد. هل هذا بالشيء القليل؟ كانت هذه الأعمال النسوية الزينبية في ثورتنا.أعزائي، أخواتي و إخواني، هكذا تقدمت ثورتنا و سارت. قوة هذه الثورة و عظمتها في هذه الأمور.. في الانشداد إلى المعنويات و الانبهار باللطف الإلهي. حينما يريد العدو التشمّت بزينب الكبرى لما نزل بها، تقول له: »ما رأيتُ إلا جميلاً«.. إخوتها و أبناؤها و أعزاؤها و أقرب أعوانها تقطعوا أمام عينيها إرباً إرباً و تمرغوا في الدماء و التراب و أريقت دماؤهم و رفعت رؤوسهم فوق الرماح، و تقول: »ما رأيت إلا جميلاً«. فأي جمال هذا؟ استذكروا هذا الجمال مع ما نقل عن زينب الكبرى بأنها لم تنقطع عن صلاة الليل حتى في ليلة الحادي عشر من المحرم. طوال فترة أسرها لم يضعف انقطاعها إلى الله و انشدادها إليه تعالى و علاقتها به عزّ و جلّ، بل ازدادت و تضاعفت. هذه المرأة هي النموذج. هذه الرشحات المنبثة عن تلك الحقيقة في مجتمعنا و ثورتنا، هي التي منحت الثورة عظمتها، و هي ما جعلت شعب إيران، على الرغم من أنوف الأعداء، يتألق اليوم كمصدر إلهام أمام الشعوب. الشعب الإيراني اليوم مصدر إلهام للشعوب المسلمة. و طبعاً، لا يستسيغ الأعداء هذا الشيء و يحاولون كتمانه، لكن هذا هو واقع القضية.ليست قوة هذا الشعب بالصواريخ و المدافع والدبابات و الطائرات و المعدات الحربية.. هذه الأشياء ضرورية بدورها و نحن نمتلكها و الحمد لله .. بيد أن اقتدار هذا الشعب بإيمانه. لقد تقدم شعبنا بتوفيق من الله و هدايته و عونه و حقق قفزات واسعة على مستوى الصلائد أيضاً. الإمكانيات التي نمتلكها حالياً لا تقبل المقارنة بإمكانياتنا في بداية الثورة - و قبل الثورة من باب أولى - و لا تقبل المقارنة بالكثير من البلدان التي لم تعش هذه المتاعب سنين طوالاً و كانت متكئة على مساعدات الأجانب و الأعداء. الحمد لله فإن شعب إيران متقدم كثيراً في هذه المجالات أيضاً. لكن هذه الأمور لا تمثل مصدر قوتنا. الإيمان هو مصدر قوة البلد الإسلامي و الشعب الإسلامي، و لا يختلف لديه الأمر إنْ كان يمتلك أسباب القوة المادية أو لا يمتلك. وقف هذا الشعب قبل ثلاثين عاماً. و هو يتعرض للحصار و التهديد و الهجمات العسكرية منذ ثلاثين عاماً، حيث عمل الأعداء بخبث و عملت ضد الشعب شبكات سياسية أمنية معقدة، لكن الشعب رشد و تطوّر يوماً بعد يوم و تقدم إلى الأمام، لم يتراجع إلى الوراء و لم يراوح في مكانه، و ليس هذا و حسب بل تقدم إلى الأمام، و كان تطوره فوق الحدود و المعدلات الدارجة للتطور. إذن، عظمة شعب إيران بسبب جوهره الإيماني.وإذا بهؤلاء الحمقى يأتون الآن ليهددوا شعب إيران! رئيس جمهورية أمريكا هدّد الأسبوع الماضي بالسلاح النووي بلغة التلويح و الإشارة. هذه التهديدات لا جدوى لها مع شعب إيران، لكنها تحوّلت إلى وصمة عار في التاريخ السياسي لأمريكا، و نقطة سوداء في ملف الحكومة الأمريكية.. التهديد النووي؟! لقد أتضح للعالم ما الذي يخفونه وراء مسرحيات حب السلام و الإنسانية و الالتزام و الإصرار على المعاهدات النووية. اتضح ما الذي يختفي وراء كواليس مسرحية مدّ يد الصداقة. تحوّلت أدبيات الثعالب إلى أدبيات الذئاب. كانوا يقولون لحد الآن: نحن نمدّ يد الصداقة.. و نحن كذا و كذا.. و اتضح الآن ماذا وراء الكواليس.. تبيّن ما الذي تنشده طبيعتهم السفاحة المتعطشة للسلطة و الهيمنة. إنهم يريدون جعل القدرة النووية وسيلة للهيمنة على الدنيا. هكذا هي كل القوى النووية، كلهم يجعلون هذه القوة وسيلة و أداة ليستطيعوا الهيمنة على الشعوب و العالم. لم يوقع أي منهم هذه المعاهدات النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية و لم يوافقوها، و لا يعملون بها من باب أولى. هؤلاء كذابون مفضوحون، لكنهم يُشكلون على البلدان الأخرى و يؤاخذونها بأنها لم تعمل بالجزء الفلاني و البند الفلاني من المعاهدة. يريدون أن لا يكون لهم منافس في مجال الطاقة النووية و السلاح الذري.. هذه هي المسألة.سياستنا النووية واضحة. قلنا مراراً و كررنا: إننا لسنا ممن يستخدمون أسلحة الدمار الشامل، و لكن ليعلموا أنهم في مواجهتهم للشعب لن ينتفعوا شيئاً من هذه التهديدات و الكلمات الكبيرة. الشعب الإيراني سوف يذلهم و يفرض عليهم الركوع رغم كل ادعاءاتهم.ليس من حق المحافل و الأروقة العالمية أن تترك هذا التهديد الذي أطلقه رئيس جمهورية أمريكا و تنساه.. يجب عليها متابعته و الإمساك بتلابيبه. لماذا تهدد نووياً؟ لماذا تهدد الدنيا بالدمار؟ لماذا تتجرأ على مثل هذه الحماقات؟ يجب أن لا يتجرأ أي شخص على تهديد البشرية بمثل هذا الشيء؟ حتى ذكر هذه الأشياء حماقة. حتى لو قالوا: لا، نحن لا ننوي ذلك، و قد أخطأنا حين تفوهّنا بهذا الكلام. يجب حتى أن لا يتفوهوا به.. بمثل هذا الشيء الذي يهدد السلام البشري. لا يمكن المرور بسهولة إزاء تهديد أمن المجتمع العالمي.الشعب الإيراني طبعاً عصيّ على الهزيمة مقابل هكذا كلمات. لا يمكنكم فرض التراجع على شعب إيران بمثل هذه الأشياء. سوف لن نسمح للأمريكان بإعادة هيمنتهم الجهنمية على بلادنا عبر هذه الوسائل و الأدوات.. هذا شيء لن يسمح به شعب إيران. لا تزال تراودهم أحلام تلك الهيمنة التي فرضوها على هذا البلد سنين طوالاً عن طريق خيانة الحكومة البهلوية الطاغوتية لعنة الله و عباد الله عليها. يحلمون بتلك الأيام. و الشعب الإيراني لن يسمح بمثل هذا الشيء. إننا و على الرغم من إرادة العدو، سوف نتقدم في كل الميادين بتوفيق من الله و عونه وفضله.. اعلموا هذا. شبابنا يسعون سعيهم. و سوف يتغلب الإيمان المتصاعد لشبابنا و البصيرة المتنامية لشعبنا على هذه التهديدات إن شاء الله، و كذلك على الحيل و الأخاديع التي يراد منها إفساد الأوضاع الداخلية للبلاد، من قبيل ما شوهد في سنة 88.شعبنا شعب ذو بصيرة و إيمان. نرجو من الله تعالى ببركة الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) أن يزيد من هذه البصيرة لدى شعبنا يوماً بعد يوم، و أن ينصر شعبنا في جميع الميادين و يعزّه، و سوف ترون أنتم الشباب إن شاء الله في مستقبل ليس ببعيد عظمة بلدكم و تقدمه و حاجة هذه القوى الكبرى لكم.رحمة الله على الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و على أرواح الشهداء المطهرة. نتمنى على الله تعالى أن يوفقكم و يؤيدكم و ينصركم جميعاً. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة التحريم، الآية 11.2 - سورة التحريم، الآية 12.
2010/04/20

كلمة الإمام الخامنئي في كبار قادة القوات المسلحة

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك لكم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء الذين تتحملون أعباء ثقيلة علی كواهلكم عيد النيروز و حلول الربيع فصل النضارة و الطراوة و تجديد الحياة، و نحن نشهد مساعيكم و جهودكم الواسعة في القطاعات المختلفة المرتبطة بكم. تقبل الله تعالی بمشيئته هذه الجهود منكم جميعاً و وفقكم لتستطيعوا - كما ذكرنا هذه السنة لشعب إيران - أن تتقدموا في الميادين المختلفة الواسعة الأخری بهمتكم المضاعفة و عملكم المضاعف و جهدكم المضاعف و أن تصلوا بالقوات المسلحة في الجمهورية‌ الإسلامية بشكل حقيقي إلی المرتبة اللائقة بهذا النظام و المناسبة للعناصر المؤمنة و الصادقة و الخدومة‌ مثلكم.الواقع أنه من النعم الكبيرة‌ التي منّ الله بها في هذه الفترة‌ علی القوات المسلحة هي وجود مسؤولين صادقين و صميميين. علی المرء أن يعتبر هذا الشيء فعلاً نعمة‌ كبيرة و يشكرها. هذه الظاهرة‌ التي أفصحت عن نفسها في نظام الجمهورية‌ الإسلامية و تجلت و تبلورت في فترة‌ الدفاع المقدس، أي ظاهرة اعتبار الذات فرعاً للهدف و ليس ربط الهدف بالذات، هذه ظاهرة مهمة جداً و تستحق الشكر حقاً. لا أننا لم يكن لدينا طوال هذه الفترة أشخاص غير مخلصين، بلی، بالتالي توجد في جميع الشرائح و الطبقات و الأفراد مختلف أنواع الأخلاق و الأمزجة، بيد أن النظرة‌ الغالبة‌ هي هذه. إنني حينما أنظر لقادتنا الأعزاء - و هم أنتم - أشكر الله تعالی حقاً علی ما تفضل به علی هذا الشعب فجعل مثل هؤلاء‌ العناصر المؤمنة المخلصة علی رأس هذه الأمور الكبيرة الخطيرة.و أنتم أيها السادة الذين تعدون من نعم الله التي يجب أن نشكرها، يجب عليكم بدوركم أن تشكروا الله علی أن وفر لكم هذا التوفيق و هذه الفرصة للنهوض بهذه الأعمال الكبيرة المهمة. كلنا كان بوسعه - كل واحد منا أنا و أنتم - أن يكون إنساناً ناشطاً في إطار حياته الشخصية، كأن يكون أحدنا تاجراً جيداً أو رجل دين جيداً أو جامعياً جيداً، و نبذل مساعينا لإنفسنا و شخوصنا، و لا نتحمل وزراً أمام الله تعالی. لأن العمل الذي نقوم به الآن قد يكون فيه وزر و وبال كثير و العواتق تنوء بهذا الحمل الثقيل. كان بوسعنا أن لا نكون كذلك و تكون لنا حياتنا العادية، و لكن بالطبع لما كان لكم هذا الدور الذي تمارسونه حالياً في بلادكم و نظامكم، إذن من الجدير أن تشكروا الله لأنكم تعملون في مكان وفر لكم فيه فرصة ممارسة‌ هذا الدور. تواجدكم و إرادتكم و معرفتكم و درجة‌ إخلاصكم يمكن أن يكون لها تأثيرها في مصير البلاد و في تاريخ البلاد و في مستقبل هذا الشعب، و ليس المستقبل هنا مستقبل ما بعد عشرة‌ أعوام أو عشرين عاماً بل مستقبل ما بعد مائة عام و مائتي عام. و إذا كان هذا التأثير تأثيراً إيجابياً كان صدقة‌ جارية هي أفضل من كل شيء و لا يعادلها شيء. بوسعكم رسم خط و القيام بعمل يسعد به الشعب لسنوات طويلة و يحظی من خلاله بخير الدنيا و الآخرة. هذا شيء لا تضاهيه أية عبادة أو صلاة ليل أو خدمة‌ متوسطة أو عادية للناس. إنه شيء رفيع جداً و قد منحنا الله هذه الفرصة أنا و أنتم، إذن علينا أن نشكر. لكنه مثل كل الأعمال الكبيرة‌ كما أن غنيمته كبيرة فإن غرامته ثقيلة و خطيرة أيضاً. «من له الغنم فعليه الغرم». إنها حالة‌ متعادلة تشبه الأرتفاع الكبير في تسلق الجبال. إذا سقط الإنسان من ذلك الارتفاع فخطر ذلك أكبر بكثير مما لو سقط من ارتفاع متر أو مترين. و لكن تلك النقطة علی كل حال نقطة رفيعة و عالية. كلما كانت المكانة أرفع كانت الأخطار أكثر.و السبيل إلی سدّ الطريق أمام هذه الأخطار هو ملاحظة‌ التكليف و الواجب و مكافحة هوی النفس. ليست المسألة أنهم وضعوا الإنسان في منظومة مبهمة غامضة بحيث لا يعلم ماذا يفعل، لا، مخالفة و مكافحة هوی النفس المخالف للشرع و الدين، و ملاحظة‌ الواجب و التكليف بشكل مستمر و العمل به. إذا سرتم علی هذا الخط - و هو طبعاً ليس بالخط السهل بل هو صعب - سيكون من الواضح ما الذي ينبغي فعله. لذلك اعتقد أنه من الأعمال التي يجب علی أمثالي و أمثالكم القيام بها هو أن نطلب من الله تعالی و نقول له: ربنا، لا تبدل هذه النعمة التي أعطيتنا إياها - أي فرصة التواجد في موقع مؤثر في مصير البلاد و الشعب - إلی نقمة. و لا تجعل هذا الشيء الموجب للأجر شيئاً‌ يستدعي الوزر. هذا شيء‌ يرتبط بمساعينا نحن. لنطلب العون من الله و نشحذ هممنا و نضاعف مساعينا.القوات المسلحة - كما جاء‌ في بيان الإمام علي عليه الصلاة ‌و السلام - هم حصن و سور ممدود حول الشعب و البلاد. السور يجب أن يبقی قائماً دوماً و لا تحدث فيه ثغرة، لذلك علی القوات المسلحة أن تحافظ دوماً علی رصانتها و قوتها. تحدث داخل السور أحداث و ظروف مختلفة، فقد ينام البعض، و قد يكونوا مستيقظين، و قد يتشاجر البعض فيما بينهم، و قد ينشغل البعض بأعراس أو مآتم، لكن السور يجب أن يبقى منيعاً قوياً في كل هذه الأحوال و الظروف. انظروا للقوات المسلحة من هذه الزاوية. يجب أن تبقى هذه المنعة و القوة دائماً. إذا توفرت هذه القوة و المتانة و كان الحراس المرابطون على السور يقظين واعين يرصدون تحركات الأعداء، و لم يغفلوا عن أية نقطة أو جانب سيبقى الأمن محفوظاً لما في داخل السور، و في ظل هذا الأمن يمكن للناس أن يضمنوا دينهم و دنياهم، و إذا لم يتوفر الأمن لم يتمكنوا من ذلك. إذن، الاهتمام بقوة القوات المسلحة و اقتدارها مبدأ ديني لا يمكن غضّ الطرف عنه. على الجميع المراقبة و التدقيق، و على القوات المسلحة نفسها التدقيق و الحذر، و على الحكومات أيضاً أن تدقق و تفتح عينيها، و على الجماهير أن تدعم و تُسند ليبقى هذا السور قوياً منيعاً. في كل الأحوال و مهما حدث في الداخل يجب أن يبقى سور القوات المسلحة مصوناً.طيب، هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس. للسور في كل موضع معناه الخاص. أنتم السور، فالجيش نوع من الأسوار، و الحرس نوع من الأسوار، و التعبئة شكل من أشكال السور، و قوات الشرطة سور، و الاستخبارات سور. كل واحدة من هذه المنظومات لها واجباتها المحددة حيث يجب عليها مراعاة كونها سوراً قوياً منيعاً.و العالم عالم منطق القوة.. عالم الظلم.. إنه ليس بالعالم الحسن. بل هو عالم سيئ. عالم الجاهلية. عالم غلبة الشهوات و العسف على على أكثرية الناس. في مثل هذا العالم يجب التدقيق و الحذر جداً. يجب العمل بكل وعي و ذكاء و تدبير و شجاعة. أنتم ترون سلوك الساسة و الزعماء في العالم. من أجل أطماعهم و حرصهم و جشعهم و دعمهم للشركات التي تدعمهم، و لأجل ملء جيوب أصحاب الشركات و الرأسماليين الكبار، ترون أية فجائع ترتكب في العالم، طبعاً تحت عناوين حسنة و إيجابية و لكن فارغة و كاذبة. إنهم طلاب حرب لكنهم يتحدثون عن السلام و يقفون تحت لافتة السلام. لا يرون للإنسان و الإنسانية أية حقوق و قيمة، و يقفون مع ذلك تحت يافطة حقوق الإنسان. و هم أصحاب عدوان و العدوان من سياساتهم الأصلية و يزعمون مجابهة العدوان. يستخدمون في سياساتهم و سلوكهم كل الأساليب القذرة من اغتيالات و تأسيس للمنظمات الإرهابية، و استخدام للشركات الإرهابية - و هذه من الأمور الجلية في العالم الراهن - و تلاحظون نموذج ذلك في العراق، و في أفغانستان، و في البلدان التي دبّروا فيها الانقلابات، تلاحظون الاعتداءات التي حصلت على البلدان.. ترون كل هذا، و مع ذلك يأتون بظاهر هادئ، و أنيق، و معطّر بأفضل العطور، و بألفاظ مناسبة، يظهرون هكذا أمام أنظار الناس كرؤساء جمهورية البلد الفلاني أو الفلاني.. يتلاعبون بالرأي العام للناس و يخدعونه و يؤسسون أمورهم على الخداع. هذا هو العالم.. عالم قائم على الكذب و الخداع و الظلم و العسف المقنّع، و في بعض الأحيان ترفع حتى الأقنعة. أحياناً يقودهم الغرور و الثقة بركائزهم الهشة إلى أن يفلتوا الزمام من أيديهم. و قد رأيتم أن رئيس جمهورية أمريكا هدّد قبل أيام بشكل تلويحي باستخدام السلاح النووي! هذا كلام عجيب جداً، و يجب على العالم أن لا يمرّ بهذا الكلام مرور الكرام على الإطلاق. في القرن الحادي و العشرين، قرن كل هذه الادعاءات حول السلام و حقوق الإنسان و المنظمات العالمية و مؤسسات مكافحة الإرهاب و ما إلى ذلك، يقف رئيس جمهورية بلد و يهدد بهجوم نووي! هذا كلام عجيب جداً في العالم. و هو في ضررهم هم أنفسهم و لكن لا يفهمون. معناه الصريح أن الحكومة الأمريكية حكومة شريرة و لا يمكن الثقة بها. إنهم يحاولون منذ أعوام أن يثبتوا في إطار ملفنا النووي أن الجمهورية الإسلامية لا يمكن الثقة بها، و الحال أن الجمهورية الإسلامية في هذه الأعوام الثلاثين لم تهاجم أي بلد و لا أية منطقة ابتداءً، و لم تربّ إرهابيين. هم يريدون القول إن الجمهورية الإسلامية لا يمكن الثقة بها، حسناً، من هو الذي لا يمكن الثقة به في العالم؟ الذين يمتلكون القنابل النووية و لا يخجلون من القول إننا قد نستخدم هذه القنابل النووية أو سوف نستخدمها. هذا كلام عجيب جداً و هو فضيحة لهم.ينبغي الحذر و التدقيق جداً في مثل هذا العالم. طبعاً مجابهة هذا الظلم و العسف المقنّع و غير المقنع و بمختلف صنوفه لا ينحصر في الجاهزية العسكرية، فالأهم من الجاهزية العسكرية هي الجاهزية المعنوية و الروحية، و قدرة عزيمة الشعب و قدرته على الوقوف و الصمود بوجه هذه الأعاصير. الإعصار يأتي و يمرّ و يذهب.. مهما كانت قدرته يأتي و يمرّ، المهم هو هل نستطيع أو لا نستطيع الوقوف مقابل هذا الإعصار؟ مشكلة الأبنية التي تنهار أنها لا تستطيع المقاومة و إلا فالإعصار ليس دائمياً. إذا ثبّت الشعب أقدامه و منح نفسه قدرة الوقوف و المقاومة، و عزّز نفسه فلن تستطيع الأعاصير و الطوفانات فعل شيء.. تأتي و تذهب.. تذهب و يبقى الشعب.متانة النظام و قوته بهذه الأشياء: الإيمان، و القدرة على الصمود، و العزيمة الراسخة، و عدم الانخداع بالألفاظ المعسولة و المجاملات الناعمة التي يجري أحياناً تبادلها بكل سهولة في الكثير من المعاملات السياسية، و الحال أن وراء هذه الألفاظ الناعمة وجهاً خشناً عبوساً لأولئك الذين يحملون نوايا سيئة. و النماذج على ذلك في زماننا و في العقود الأخيرة كثيرة جداً. لاحظنا حالات كثيرة تتعلق بنا أو بالبلدان الأخرى. التحلي بالفطنة و عدم الانخداع و الثقة بالذات و الثقة بالله تعالى، و تعزيز القدرة على الصمود، و الإيمان بإمكانية اكتساب القوة و الاقتدار و المقاومة، هذه هي الأشياء التي تحفظ الشعب و تصونه.و لحسن الحظ فإن أرضية كل هذه الأشياء متوفرة لدينا. منذ ثلاثين سنة و الطوفانات المختلفة تأتي و تمرّ، و هذا الشعب واقف بثبات و الثورة تزداد رسوخاً. نحن اليوم أقوى بكثير مما كنا عليه قبل عشرة أعوام و عشرين عاماً و ثلاثين عاماً. قدراتنا حالياً أكبر بكثير و على كافة الصعد مما كانت عليه سابقاً. لقد أثبتنا ذلك في مواجهتنا لكل أنواع العدوان. شعبنا يثبت ذلك بفضل و توفيق من الله. إذن، هذا هو الاقتدار الأصلي.و لكن كما ذكرنا، يجب أن لا نسمح بحدوث ثغرة في هذا السور. نعم في داخل السور يقف الشعب بثبات، لكن السور - أي القوات المسلحة - يجب أن تتماسك بقوة. أولاً، على القوات المسلحة أخذ التهديدات بجد، و هذا ما قلته مراراً. لا يمكنكم أن تحسبوا حساباتكم كما يحسب رجال السياسة حساباتهم. في الحسابات السياسية يقال مثلاً إن احتمال هجوم الأعداء ضئيل.. عشرون بالمائة، أو ثلاثون بالمائة، أما أنتم فيجب أن تقولوا إن احتمال هجوم العدو مائة بالمائة. ينبغي أن تحافظوا على جاهزيتكم على كافة المستويات بناءً على هذا الأساس.اعتقد أنه يجب النظر بعين الجد للمشاريع الإبداعية. و لحسن الحظ فهذه حالة متوفرة في القوات المسلحة. إنها مثل كتلة من المواهب تظهر منها القشرة الخارجية و يستفاد منها، أما أعماق هذه الكتلة فلا تزال غير مطروقة و غير ظاهرة و غير متفتحة بعد. هكذا هو شعبنا. يشعر الإنسان حقاً أنه في بداية الثورة كانت الاستفادة قليلة من هذه الكتلة من المواهب الفكرية و المهارات في المجالات و القطاعات المختلفة. و قد أطلقت الثورة حركة جيدة في القطاعات العلمية و التقنية و العمران و الثقافة و السياسة و غير ذلك، فتفتحت المواهب و ازدهرت. أي تم تفتح طبقات أخرى داخلية من هذه الكتلة من المواهب. هذه التجربة تعلمنا أن إمكانياتنا عالية جداً.تابعوا الأعمال و المشاريع الإبداعية. ابحثوا في المشاريع التي لم يجربها العالم.. في التخطيط للعمليات و في التخطيط للمعلومات و في طريقة التعامل مع العدو.. الحيلة بشكل، و التدبير بشكل.. هذه أعمال مهمة. و أؤكد هنا على نوعية تنظيم القوات المسلحة. لحسن الحظ سار الحرس و الجيش كلاهما في هذا الصراط و هم يفكرون و يعملون. كان ثمة إبداع في التنظيم التقليدي - في الحرس بشكل و في الجيش بشكل - و عليكم الآن بالأعمال المبتكرة. طبعاً ليس كل جديد جيد و محبّذ. العمل الجديد المحبّذ هو المصحوب بالدقة و الاختبارات و ملاحظة كافة الجوانب. خوضوا غمار الأعمال المبتكرة. و هذا ما كان لحد الآن في مختلف قطاعات القوات المسلحة. و مثال ذلك جهاد الاكتفاء الذاتي في الجيش، حيث انجزوا منذ ثلاثين عاماً أعمالاً كبيرة. و في الحرس كانت هناك نشاطات عديدة في هذه المجالات. الحمد لله ليست أيدينا فارغة من التجارب الباعثة على الأمل و التفاؤل. يرى المرء و يشهد أن بالإمكان القيام بأعمال كبيرة.هذا ما نريد أن نقوله. و سوف تتحقق و تظهر إن شاء الله جميع الأشياء التي قلناها أو لم نقلها و هي من آمالنا، في برامجكم و خططكم و أعمالكم.طيب، لكل هذا روح و روحه هي المعنوية والبصيرة الدينية و تعميق الاعتقادات الدينية، و هو ما يعبّر عن نفسه و يظهر في جهود الإخوة الأعزاء الدؤوبين المجاهدين في قسم التوجيه العقيدي و السياسي، و في ممثليات الولي الفقيه في الحرس و الأقسام الأخرى. هؤلاء الإخوة أيضاً عليهم ملاحظة الأولويات و الإبداعات و الطرق الجديدة و الهمّة المضاعفة لتزداد يوماً بعد يوم إن شاء الله الظواهر الدينية و العمق العملي و العقيدي في القوات المسلحة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 
2010/04/10

كلمة الإمام الخامنئي في الشخصيات العلمية و السياسية

بسم الله الرحمن الرحيممبروك عليكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء إن شاء الله حلول العام الجديد. مرور الفصول و السنين يجب أن يمنحنا على امتداد أعمارنا تجارب و عبراً. يقول: »يا محوّل الحول«.. أي يا محوّل العام. تحويل السنة ليس بمجرد تغيير فصل الشتاء إلى الربيع. كل الفصول في الواقع تتحول. تارة الفصل ربيع، و تارة الفصل صيف، ثم يأتي الخريف و تساقط الأوراق. و هناك الشتاء و البرد بظاهره القاسي الصعب، لكن باطنه مبعث حياة للربيع. تحويل الحول يعني أن الفصول تتغير إلى بعضها. أحوال الطبيعة المختلفة تتوالى تلو بعضها و تتغير. هذه كلها آيات آلهية، لم نعد ندرك أهميتها لأننا تعودنا عليها، و إلا إذا لم يكن المرء قد اعتاد على هذا التغيير و التحول في الطبيعة و رآه لأول مرة لوجده شيئاً مدهشاً جداً. خروج النباتات من الأرض، و تجدد الطبيعة، و ازدهار الأشجار، كلها علامات القدرة الإلهية نمرّ عليها مرور الكرام لأن عيوننا تعودت عليها. و كذا الحال في أنفسنا و وجودنا. غالباً ما لا يشعر الإنسان بالتغييرات. تحصل التغييرات و نحن لا نشعر بها. الكثير من حالات الغفلة هذه تفضي إلى أضرار كبيرة. لنفترض شخصاً سائراً في طريق، و تحصل لديه غفلة فينحرف عن الاتجاه الذي يسير فيه خمسة درجات أو عشر درجات. لا يشعر الإنسان بذلك. خمس درجات ليست شيئاً يلتفت إليه الإنسان. لكنه كلما سار في هذا الاتجاه المنحرف كلما ابتعد عن الخط الصحيح الذي يجب عليه السير فيه، حتى لو لم تتحول هذه الدرجات الخمس إلى عشرة درجات أو خمسين درجة. و فجأة يصحو الإنسان على نفسه فيرى بوناً شاسعاً يفصله عن الطريق الصحيح. لذلك يوصون بالتقوى. التقوى تعني مراقبة الذات لحظة بلحظة، و الحذر عليها، و أن يدقق الإنسان فيما يفعله. الصلاة التي تمّ تعيينها لنا خمس مرات في اليوم هي حقاً من أكبر نعم الله علينا. لو لا هذه الصلاة لنغرقنا في الغفلة إلى هاماتنا. الصلاة تجعلنا نصحو على أنفسنا. لذلك يلزمنا أن نقيم الصلاة بشكل صحيح و حضور قلب. إذا أقمنا الصلاة بتوجّه و خشوع ساعدنا ذلك على التنبّه لأنفسنا.إذن، لاحظوا أننا في انتقال السنة من عام 88 إلى عام 89 و الذي حددت له ساعة معينة - و هذه الساعة مثل باقي ساعات العمر من الناحية الطبيعية و في المقاييس المختلفة.. الساعة الأخيرة من سنة 88 لا تختلف إطلاقاً عن الساعة الأولى من سنة 89 - إذا غفلنا فمن الطبيعي أن لا ننتبه إلى مرور الطبيعة و تحولها. أما إذا انتبهنا للتغيير و التحول فسوف نشعر به طبعاً. يجب أن يكون للإنسان هذا الشعور في جميع تحولات حياته. و الواقع أنه يمكن إضافة هذا الشيء إلى مضمون النيروز و فرصه و إمكاناته.عيد النيروز و هو على الظاهر عيد غير ديني، بل عيد وطني ليس فيه بعد ديني، رغم ما جاء في بعض الروايات من القول: »النيروز من أيامنا«، و لا ندري الآن ما هي درجة اعتبار و متانة سند هذه الروايات، و لكن المضمون الديني موجود في كافة أحداث حياة الإنسان. و من ذلك عيد النيروز الذي يتوجه فيه أبناء شعبنا لحسن الحظ إلى الله و يدعونه و يذكرونه و يحضرون في الأماكن المقدسة. حتى الذين يقصدون مدناً و أماكن ليس فيها أماكن مقدسة معروفة، تراهم يقصدون مراقد أبناء الأئمة إذا كانت هناك مثل هذه المراقد، لقضاء ساعة تحويل السنة فيها. إذا سافروا في العيد إلى شيراز مثلاً يذهبون في ساعة تحويل السنة إلى مرقد السيد شاهجراغ. هذا تقليد حسن جداً بين أبناء شعبنا. كلما زدنا من المحتوى الديني في جميع أحداث حياتنا و ظواهرها كان ذلك لصالحنا.الدين و الإيمان الديني و التوجه إلى الله ضمانة سعادة الإنسان. وضع البشرية من دون الدين سيكون سيئاً. و قد كان الحال على هذه الشاكلة في جميع العصور، و هو كذلك اليوم أيضاً. الآن أيضاً يعاني الذين أرادوا الدنيا من دون الدين من مشكلات صعبة و عجيبة. ليست هذه المشكلات من سنخ المشكلات الجسمانية و اليومية للإنسان حتى تبدو و تظهر بسرعة، كلا، بل تفصح عن نفسها حينما لا تكون قابلة للعلاج. حينما يكون الأساس ترك الزمام مطلقاً للشهوات الجنسية.. إذا كانت هذه هي السياسة المتبعة و الثقافة السائدة، يصل الأمر إلى ما ترون اليوم، حيث يقيم مسؤول رسمي أو وزير مراسم زواج جنسي،(1) و لا يخجل من العالم! و سوف تفضي هذه الحالة لاحقاً إلى إشباع شهواتهم الجنسية مع محارمهم! هذا الشيء حالياً معيب و لا يوافقونه لكنهم سيصلون إليه بلا شك.. أي إن هذا السياق سيؤدي إلى مثل هذه النتائج. هذه هي الفضيحة القائمة اليوم في العالم الغربي. هذه هي نتائج الدنيا الخالية من الدين. نتيجة الدنيا الخالية من الدين تلاشي العائلة، و اغتراب الأفراد عن بعضهم، و المشكلات العديدة التي تظهر في حياة الإنسانية.على البشرية العودة إلى الدين، و هي تعود، و قد بدأت هذه العودة إلى الدين.. سوف تحصل هذه العودة شاءوا ذلك أم أبوا. و الإسلام هو القطب الساطع المتألق في هذه الحركة العظيمة، و الجوهرة الرئيسية في منظومة الاهتمام المعنوي بالأديان. الإسلام يتألق، و يريدون صدّ الإسلام و الوقوف في طريقه، لكنهم لا يستطيعون.شطر كبير من العداء ضد الجمهورية الإسلامية يعود لهذه القضية. لأنهم يعلمون أن الحركة دينية و الإيمان ديني هو الذي يحضّ الجماهير على الحركة و يبقيها في الساحة، و يحفظها في المشكلات و في المنعطفات الخطيرة و يهديها السبيل في العثرات المروّعة.. يرون هذا و يفهمونه. طبعاً، الكثير من هؤلاء السياسيين ليسوا هم المخططين الحقيقيين لهذه السياسات، إنما هم منفذو السياسات. أما واضعوا السياسات الدولية الذين يسير هذا العالم المادي بتوجيههم حقاً، فيفهمون ما هي القضية، و ليس أمامهم سبيل حل.طبعاً يحاولون إشغال العالم الإسلامي. قضايا فلسطين اليوم تحدث في ظل إشغال العالم الإسلامي بقضايا فرعية جانبية. ما يقع في فلسطين اليوم هو حقاً فاجعة. ينبغي عدم الاستهانة بأحداث الحرم الإبراهيمي. هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. يخرجون المسلمين من مواقعهم و بيوتهم بسبب الصلاة و لا يسمحون لهم! محو الهوية الإسلامية عن الآثار الإسلامية من تلك الممارسات الخطيرة جداً التي تحدث أمام أنظار المسلمين في العالم. من شدة انشغال الجميع بالأمور الجزئية و الجانبية لا يدركون ما الذي يحدث في العالم الإسلامي. هذه هي المؤامرة على العالم الإسلامي.منظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست أصلاً للدفاع عن فلسطين و القضية الفلسطينية، من واجبها حقاً في الوقت الراهن أن تقف و تصمد و تعبّئ العالم الإسلامي ضد هذه الممارسات الإيذائية التي ينتهجها الصهاينة و حماتهم، و معظم الحكومات الغربية المستكبرة مشاركة في دعم الصهاينة و حمايتهم رغم الاختلافات فيما بينها.ليقف العالم الإسلامي و يصمد، و هو قادر. إمكانيات العالم الإسلامي للوقوف بوجه خبث الصهاينة و جشعهم كبيرة جداً. تنصرف الأذهان فوراً إلى النفط.. القضية ليست قضية النفط. هذا مركز العالم. أضخم أسواق الصناعات الغربية تقع في هذه المنطقة. سمعتهم رهن بهذه المنطقة.. أهم المنافذ العالمية بيد هذه المجموعة من البلدان المسلمة. هذه شرايين حياة العالم بيد المسلمين.. ليستفيد المسلمون من هذه الأمتيازات، و هم قادرون على ذلك.و ناهيك عن كل هذا، فإن المنطق السياسي و الكلام السياسي في العالم اليوم له تأثيراته. بوسعهم المطالبة حتى لو لم يستخدموا هذه الأدوات. مجرد إرادة الحكومات و الشعوب لها وزنها الثقيل في الأحداث العالمية. للأسف لا تُسلك هذه السبل و يغفل عنها. على كل حال، لنستلهم الدروس نحن، و لنقسّم قضايانا إلى أصلية و جانبية، و نعكف على الأصلية. القضايا الأصلية في بلادنا كثيرة. بعضها يرتبط بالمسؤولين، و بعضها له صلته بصنّاع الثقافة، و بعضها يختص بالمؤسسات الكبيرة الواسعة الموجودة في البلاد لحسن الحظ. لكل منها عمله و واجبه. لنفكر بهداية الناس و هداية النظام و السير به إلى الأمام.. و لنعمل في هذا السبيل.نسأل الله أن يصحينا من نوم الغفلة لنستطيع تشخيص واجباتنا بشكل صحيح و معرفتها و العمل بها إن شاء الله. بورك عليكم جميعاً العام الجديد و شملتكم أدعية إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - إشارة إلى الزواج المثلي لوزير الحكومة البريطانية المستشار في الشؤون الخارجية مع سكرتير إحدى الشركات، في برلمان ذلك البلد. 
2010/04/05

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي الدولة

بسم الله الرحمن الرحيمأرى من الواجب أولاً أن أبارك العيد لجميع الإخوة و الأخوات. مع أنه مضى على العيد وقت - نحو خمسة عشرة أو ستة عشر يوماً - لكن عيد النيروز هو في الواقع عيد الربيع، و أيام العيد في الحقيقة مستمرة بعيداً عن العطل الرسمية و التقاليد و ما إلى ذلك. نتمنى أن يكون العام الجديد إن شاء الله مباركاً على جميع الشعب الإيراني خصوصاً خدمته في الأجهزة و المؤسسات المختلفة و السلطات الثلاث. و بركة السنة الجديدة هي في أن يبعث الله تعالى بركاته على هذا البلد و هذه الأرض و هذا الشعب الطيب المؤمن بواسطتكم. طبعاً، هذا ما يتطلب جهوداً هادفة متحفزة مني و منكم. لنبذل جهودنا كي نكون إن شاء الله نافعين للناس.سوف نسأل أنا و أنتم عن كل لحظة من لحظات أيام المسؤولية. سوف يُسأل الجميع، لكن الذي لا يحمل على عاتقه أعباءً ثقيلة كالذي لا يملك مالاً وفيراً، حينما يحاسبونه سيذكر بعض الأشياء القليلة بسرعة و ينتهي الأمر. أما الشخص الذي يمتلك مالاً كثيراً و له مخزونه و موارده المتعددة فمن الطبيعي حين يحاسبونه أن لا ينتهي حسابه بكلمة أو كلمتين. إذا كان المحاسب دقيقاً و أراد أن يتشدد و يكون عادلاً، فمن الطبيعي أن تكون القضية صعبة. يجب أن يجيب صاحب المال عن كل شيء و كل خطوة قام بها: هذا المال كسبه من هنا و أنفقه هنا، و لهذا السبب كسبه و لهذا السبب أنفقه. و كذا الحال بالنسبة للمسؤولية. أنتم الآن على الظاهر لستم من ذوي الأموال و الثراء و الحمد لله - لستم كذلك إن شاء الله - لكن ثقل مسؤوليتكم أكبر من ثقل ذلك المال. يسألونكم: ماذا كانت مسؤوليتكم في القضية الفلانية؟ عليكم أن تعرفوا تفاصيل المسؤولية. و إذا لم نعرفها سيسألون: لماذا لم تعرف أن هذه هي المسؤولية؟ كيف غفلت؟ و حينما نعرف مسؤوليتنا سيقولون: إذن، كيف أديت مسؤوليتك؟ و الشرح يطول و القضية تستغرق وقتاً طويلاً حتى نجليها و نأتي بأعذارنا.و كلنا مدينون، البشرية كلها، و عالم الخلقة كله مدين أمام المحاسبة الإلهية. ما من أحد يستطيع القول إن ميزان أعمالي راجح بالحد الكافي. حتى الأنبياء لا يستطيعون قول ذلك، لذلك يستغفرن. الأنبياء و الأولياء يستغفرون حتى اللحظة الأخيرة. يقول الإمام السجاد في الدعاء: »و عدلك مهلكي«.. و لذلك نقول: »عاملنا بفضلك«. إذا كان الملاك هو العدالة و أرادوا معاملتنا بدقة و عدالة، فالويل لنا. يجب أن نسأل الله فضله و تجاوزه و صفحه.طبعاً، ثمة كلمة يمكن أن نقولها في حضرة الله عزّ و جلّ، ألا و هي: إنني جهدت و سعيت بقدر استطاعتي. إذا استطعنا أن نقول هذه الكلمة، كان ذلك حسناً. سعينا بمقدار ما نفهم و بمقدار ما نستطيع، و الآن اغفر لنا النواقص و المشكلات و الثغرات.. هذا ممكن. إذن، يجب أن نركز هممنا على الاستفادة من كل الطاقات و القدرات و المواهب.طبعاً، لكل إنسان نقاط ضعفه و مشكلاته و نواقصه، هذه أيضاً نرجعها إلى الله، لكن علينا أن نبذل جهدنا و لا نقصِّر في شيء.لقد طرحنا شعار: الهمّة المضاعفة و العمل المضاعف. المضاعف هذا ليس بمعنى الضعف الواحد فقط. إذا عقدنا العزم و الهمّة و وصلنا إلى عشرة أضعاف لكان ذلك حسناً. المهم هو الإمكانيات و الفرص المتاحة في المجتمع. إننا على كافة الأصعدة، نشبه منجماً غير مستخرج أو نصف مستخرج. أصحاب الاختصاص و الخبرة في كل الحقول - في مجالات الاقتصاد، و التقنية، و العلوم - يقولون لنا إن إمكانيات البلاد و فرصها لا نظير لها. الأعزاء في كل فرع من الفروع و كل قطاع مهم من قطاعات المجتمع، و من هم على علم و خبرة بالأمور، حينما يقدمون تقاريرهم عن مجال عملهم، و يقارنون شعبنا و بلادنا بالكثير من البلدان، يصلون إلى نتيجة فحواها أن إمكانياتنا كثيرة جداً. على الصعيد الاقتصادي إمكانيات البلاد عالية جداً. و فرص البلاد على المستوى العلمي مذهلة. إذا زاد المرء من سرعة الحركة قليلاً و أخذها بجدّ و أصرّ و عقد عزمه، سيرى وروداً تتفتح تلو بعضها في هذه الروضة، و غرسات تنبت و تكبر، و لم يكن المرء ليتصور ذلك من قبل و لا يتخيله.. لكنه يرى أنه تحقق و يمكن أن يتحقق.و في المجالات الثقافية المختلفة حينما ينظر المرء يرى المواهب و الاستعدادات كثيرة.. المواهب المتفجرة و الأفراد الموهوبون كثار. و في الميدان التقني أيضاً يرى المرء أن الحركة الممكنة في البلاد عظيمة و مدهشة جداً. يمكن القيام بأعمال كبيرة. هذه هي إمكانيات البلد.و هذه الإمكانيات موجودة في القطاعات المختلفة بيدي و أيديكم. إذا لم نعرف هذه الإمكانيات و إذا قصّرنا، و إذا عرفناها و لم نعقد العزائم و الهمم على الاستفادة منها، نكون قد قصّرنا. و إذا اقتنعنا بحد متوسط نكون قد قصّرنا. ينبغي أن نسير نحو القمة. بالضبط كالرياضي ذي الموهبة البدنية المتميزة و الذي يكون هندامه و جسمه مناسباً و تتوفر لديه الإمكانيات الرياضية، مثل هذا الرياضي لن يستطيع القول: تكفيني بعض التمارين اليومية لمدة نصف ساعة أو عشرين دقيقة. يجب على مثل هذا الشخص أن يسير نحو البطولة، و يأخذ القمم بنظر الاعتبار و الاهتمام.و كذا الحال بالنسبة للأمور الأخروية و المعنوية و التوحيدية. يجب عدم القناعة بالقليل، كذلك الحال فيما يرتبط بطلب الثواب من الله.. يجب عدم الاقتناع بالنـزر اليسير. إذا لم نبد مثل هذه الهمّة العالية نكون قد ظلمنا و قصّرنا. تقصيرنا هذا ظلم.. ظلم لأنفسنا - لأننا سوف نؤاخذ و نحاسب من قبل الله - و ظلم للذين يستحقون الاستفادة من هذه الإمكانيات، و إذا لم يستفيدوا نكون نحن المقصرين. التحدث بهذا الكلام سهل، لكن العمل و التحرك صعب، و يحتاج إلى همّة.و لنعلم أن الله تعالى يعيننا. كل من يسعى لهدف معين و يستخدم قواه و طاقاته، سيعينه الله تعالى. سيعينه الله حتى لو كان الأمر أمراً دنيوياً.. »كلاً نمدّ هؤلاء و هؤلاء«.(1) الذين يطلبون الدنيا يقول الله إننا نعينهم، لكنهم إذا انشغلوا بالدنيا فلن يكون لهم نصيب من الآخرة. نعين الذين يسعون للفلاح في الآخرة، و كذلك الذين يسعون للدنيا. و الآخرة ليست مجرد صلاة الليل و الدعاء و الذكر و التوسل و... . طبعاً، هذه بدورها وسائل، لكن خدمة الجماهير و التواجد حيث يجب التواجد، هذه كلها أعمال إلهية.لاحظوا أن الذين مدُحوا في صدر الإسلام - في ثقافتنا و حسب عقيدتنا - إنما نالوا هذا المديح و الثناء لمواقفهم السياسية و الاجتماعية و الجهادية قبل أن يكون السبب عبادتهم و صلاتهم و... . قلّما نمدح أبا ذر الغفاري، أو عمار بن ياسر، أو المقداد، أو ميثم التمّار، أو مالك الأشتر لعبادتهم. التاريخ يعرف هؤلاء لمواقفهم التي كانت حاسمة و مصيرية. مواقف استطاعت هداية المسيرة العامة للمجتمع و تشكيلها والمساعدة على تقدمها إلى الأمام. و الذين نالوا المذمّة أيضاً لم ينالوها على شرب الخمر أو عدم أداء الصلاة، بل لعدم تواجدهم في السوح و الميادين التي ينبغي لهم التواجد فيها. هكذا سجّل التاريخ. انظروا و لاحظوا. إذن، الأمر الإلهي غير منحصر في الشؤون المعنوية، و التوحيدية، و في الصلاة، مع أنه يجب عدم التهاون بالصلاة. الصلاة رصيد لكل هذه الأمور. تلاوة القرآن و التدبر فيه و التضرع في حضرة الله تعالى، و قراءة الأدعية المأثورة - الصحيفة السجادية، و دعاء الإمام الحسين، و دعاء كميل، و باقي الأدعية - هذه كلها عوامل مساعدة على تسهيل حركة الإنسان. فإذا استأنستم بالله و أصلحتم ما بينكم و بين ربكم نهضتم بالأمور المختلفة بسهولة أكبر، و انجزتموها برغبة و شوق أكبر. إذن، من يريد أن يعمل لله يعينه الله. و كذلك الذي يريد أن يعمل للدنيا. الذين كانت أهدافهم الدنيا و مقاماتها و أموالها و لهوها و لعبها و ملذاتها الجنسية و ما إلى ذلك - و تلاحظون نماذج ذلك بكثرة في العالم - هؤلاء أيضاً حينما يسعون في سبيل أهدافهم تلك يعينهم الله. و العون الإلهي في أن يوفر الله لهم الوسائل لذلك. يعقدون هممهم و عزائمهم و يسيرون في ذلك الطريق، و هدفهم هدف مادي و حسب. لذلك يصلون إلى ذلك الهدف. و بالطبع، لأنهم يتجاهلون الجانب الأصلي و هو الجانب المعنوي و الإلهي و الأخروي، فسوف يخسرون في الآخرة، لكنهم يتقدمون في الجانب الذي جعلوه هدفهم. طيب، أنتم السادة و السيدات الحاضرون هنا، أنتم مسؤولون و مدراء، و هذا الكلام الذي نقوله لكم كلام تقولونه أنتم أيضاً للناس و ليس بالكلام الجديد عليكم.. إنها تذكرة.. الإنسان بحاجة للتذكرة. ثمة في التذكير نتائج كبيرة ليست في العلم و المعرفة. الإنسان قد يعلم الكثير من الأمور و لكن يجب تذكيره بها باستمرار. لننتبه أين نحن، و ماذا نفعل، و ما هو الهدف؟ ليس الهدف مال الدنيا الزائل حتى ننسى الواجب الكبير من أجله، و نضع الأهداف العليا تحت أقدامنا. و ليس الهدف مديح و ثناء هذا و ذاك و أن نتربع على كرسي من الكراسي أياماً معدودات، و ينحني أمامنا و يطيعنا بضعة أفراد. هذه أمور صغيرة بالنسبة للبشر. الهدف هو الفلاح و النجاح.. »قد أفلح المؤمنون«.(2) يجب جعل الفلاح هدفاً. ينبغي التفكير في الحياة الحقيقية التي سوف تبدأ إنْ عاجلاً أو آجلاً. بالنسبة لنا جميعاً.. بعد أيام، أو ساعات، أو سنوات سوف تبدأ تلك الحياة الحقيقية بالموت الجسماني. الهدف هو عمارة تلك الدار، و كل هذه مقدمات.من الأمور المهمة جداً - و قد اجتمع هنا الآن كل مسؤولي السلطات الثلاث تقريباً - التلاحم و التناغم في الحركة، حتى لو لم يكن هناك تناغم في الأفكار و الآراء و الأذواق. و هذا التناغم الأخير لا هو ممكن و لا هو محبذ جداً. اختلاف الأذواق و الآراء يؤدي إلى النقاش و البحث و البحث يفضي إلى اكتشاف ميادين جديدة. لذلك، لا نوصي إطلاقاً بأن يفكر الجميع بشكل واحد في جميع الأمور، كلا، هذا غير ممكن أساساً. التباين في النظرات و الأذواق و الأفكار و الفهوم كان منذ بداية خلقة البشر وسيلة لتقدم الإنسان. و لكن رغم وجود تلك الاختلافات لا بد من التناغم و التناسق في الحركة إذا كانت هناك قافلة، و كان بين أفرادها اختلافات و نقاشات و نزاع، و جدل علمي أو سياسي، أو نقاشات حول القضايا اليومية المختلفة، و خاضوا غمار النقاش و الجدل فلا إشكال في ذلك. إذا وصلوا لنتيجة فهذا هو الأفضل، و إن لم يصلوا فلا ضير، لا إشكال في ذلك. لكن الحركة التي تسير فيها القافلة يجب أن لا تتوقف. يجب أن لا يؤدي النقاش إلى إعطاب الوسائل التي يسيرون عليها. أو أن يقولوا: طالما لم نصل إلى نتيجة واحدة في هذه المسألة العلمية، إذن، سر أنت في ذلك الطريق، و أسير أنا في هذا الطريق، كلا، نحن نسير سوية، و الهدف واضح. على السلطات الثلاث أن تتحرك و تسير. بهذه الطريقة.أيها الأصدقاء الأعزاء، أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء في السلطات الثلاث، دققوا و كونوا حذرين من أجل حفظ الوحدة في المسيرة و الحركة و القرارات الكبرى. يجب أن لا تؤدي الاختلافات إلى خلافات في الأمور الأساسية.أمامنا الآن الخطة الخمسية الخامسة. و هذه الخطة تضع الكثير من الواجبات على كواهل الجميع. و الواقف في وسط الساحة طبعاً هو الحكومة أو السلطة التنفيذية، لكن جهاز السلطة التشريعية، و جهاز السلطة القضائية، و الأجهزة الجانبية الموجودة كلها مسؤولة و مؤثرة. إذا أردنا أن نقول عند كل خطوة من خطوات العمل: طالما أصبح الأمر كذلك، إذن لنترك كل شيء و ننهي التعاون، إذا كان هذا فلن تنجز الأعمال. تعاونوا و ساعدوا و وفروا التسهيلات لمن يقف وسط ساحة التنفيذ. طبعاً، خذوا المصالح بنظر الاعتبار، و لكن ساعدوا كي تتم الأعمال التنفيذية بشكل جيد و تتقدم إلى الأمام. أوصي توصية أكيدة بتعاون السلطات الثلاثة حتى نستطيع إن شاء الله تأمين الأفق العشريني. أهداف الأفق أهداف مهمة جداً. طبعاً، إذا أبديتم همّة مضاعفة سوف تتقدمون حتى على تلك الأهداف. هذا أمر ممكن و ليس مستبعداً. تلاحظون الآن أننا متقدمون على بعض الأهداف المرسومة في الأفق من حيث الجدول الزمني. و قد نكون متأخرين بعض الشيء في بعض القطاعات. لكننا في بعض المجالات متقدمون بالتأكيد على الجدول الزمني و ليست لدينا مشكلة. نستطيع التقدم حتى على تلك الأهداف. و هذا ما يستدعي همّة مضاعفة.ينبغي السعي و المثابرة في المجالات الأخروية و في الميادين الدنيوية. و ليضاعف الأعزاء همتهم و عملهم على الصعد الفردية و فيما يتصل بعلاقتهم بالله.. هذا أيضاً موضوع مهم يجب أن لا يُنسى. القضايا الشخصية و الفردية - ما بين كل إنسان و ربّه - مهمة جداً. إذا خضنا هذه الغمار و استأنسنا بها فسوف يمدّ الله تعالى بمشيئته يد عونه أكثر، و قد أعاننا الله تعالى لحد الآن كثيراً.القضايا الثقافية بدورها مهمة جداً. الثقافة العامة مهمة جداً. الوجه و الملامح الدينية في الحياة العامة للناس على جانب كبير من الأهمية. الوجه الديني و الظاهر الديني - الذي يخبر عن الباطن إن شاء الله - شيء له أهمية بالغة.حسناً، يجب أن نشكر الإخوة الذين بذلوا جهوداً كبيرة خلال أيام عطلة النيروز، ابتداءً من قوات الشرطة إلى الإذاعة و التلفزيون، إلى أجهزة الصحة و المستشفيات و الطوارئ و... . حملت الأجهزة و المؤسسات المختلفة خدمات كثيرة على عاتقها حتى يتمتع الناس بالراحة و الرفاهية. بذلت جهود جيدة جداً في القطاعات الحكومية، و في القطاعات المختلفة. البعض أبدوا حقاً همماً و عملاً و حفظوا للناس راحتهم و فرحتهم و أمنهم. هذا شيء له قيمة كبيرة.و ما أحسن أن تبدأ الأجهزة الرسمية أعمالها بمجرد انتهاء العطلة الرسمية. لحسن الحظ بذل البعض مساعي دؤوبة و كانت لهم مشاركة فاعلة. منذ الأيام الأولى لفروردين حيث كنا نقضي العطلة شاهدنا جهود البعض و مشاركتهم و عملهم الدؤوب و أعمالهم الجيدة. من الجيد جداً أن تنشروا ما استطعتم ثقافة العمل و الجد و السعي و التواجد في ميادين العمل و خنادقه. هذا يساعد على تحرك المجتمع و نشاطه و حيويته.نتمنى أن يوفق الله تعالى الجميع، و يؤيدكم و يعينكم كافةً إن شاء الله. و فيما يتعلق بقضية توجيه الدعم التي سمعنا أنه يتم الاتفاق على بعض الأمور في إطارها، نرجو أن يحصل الاتفاق على أحسن نحو ممكن و تظهر إلى النور أعمال و نتائج جيدة، و تستطيع الجماهير الشعور بحلاوة تدابيركم و جهودكم إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الإسراء، الآية 20.2 - سورة المؤمنون، الآية 1.
2010/04/04

كلمة الإمام الخامنئي في منطقة عمليات الفتح المبين

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين.الغاية من الحضور في هذا المكان التاريخي و بين حشدكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء هي بالدرجة الأولى أداء الاحترام لأرواح المقاتلين و الشهداء الأبرار الذين شهدت هذه الأرض بطولاتهم و تضحياتهم و حركتهم العظيمة خلال أيام الحرب المفروضة و الدفاع المقدس.و هي في الدرجة الثانية تقديم الشكر و التقدير لأهالي خوزستان الأعزاء، و الإخوة و الأخوات الذين خرجوا من الأمتحان مرفوعي الرأس في هذه المنطقة، و في أشد الأزمنة حساسية و أصعب الظروف. أعداء الشعب الإيراني كانوا يظنون بأهالي خوزستان الأعزاء شيئاً آخر، لكن ما حدث كان شيئاً مختلفاً عمّا تصوروه و ظنوه. الصف الأول من المقاتلين المناضلين الأبطال تشكل من شباب مضحين هم أبناء هذا التراب و هذه المنطقة.. أهالي خوزستان الأعزاء، نساؤهم و رجالهم. زرت خلال فترة الدفاع المقدس بعض القرى التي رزحت تحت نير العدو البعثي و شاهدت عن كثب وضع الأهالي فيها و معنوياتهم. كان التحامهم بإيران الإسلامية و بالشعب المجاهد البطل و بالإسلام - الذي رفعت رايته في إيران - بحيث لم يستطع العدو البعثي زعزعت هذه الأواصر الوطيدة بوساوس القومية و المشتركات اللغوية. إذن، حضورنا في هذه المنطقة هو من ناحية لتقديم الشكر و التقدير لأهالي خوزستان الأعزاء.و الجانب الثالث هو تقديم الشكر لكم أيها المسافرون الذين جئتم من مناطق بعيدة و قريبة من البلاد إلى هذه النواحي، و أثبتم بخطواتكم و قلوبكم ارتباطكم الروحي بأولئك الشباب و الرجال و الأبطال الذين شهدت هذه المنطقة تضحياتهم، سواء في هذه المنطقة - منطقة عمليات الفتح المبين - أو في سائر مناطق خوزستان، أو في المناطق الحربية بالمحافظات الأخرى كمحافظة إيلام، و كرمانشاه، و كردستان. لقد سار أبناء البلد منذ سنوات على هذه السنة الحسن جداً، و أخذوا يأتون إلى هذه المناطق سنوياً و يزورونها خصوصاً في مثل هذه الأيام من بداية السنة. هذه المناطق مزار.أيها الشباب الأعزاء، يا أبنائي الأعزاء، و أغلبكم لم تكونوا في تلك الأيام و لم تشهدوا تلك الأيام الصعبة المريرة. لقد كان هذا السهل الجميل و هذه المناظر الخلابة و هذه الأرض الخصبة ذات يوم تحت أقدام أعدائكم. أوجد جنود النظام البعثي في هذه الأرض التي هي أرضكم و لكم، جحيماً يجعل المرء يأسف من نواح مختلفة، فمن ناحية كيف حولوا هذه الأرض الجميلة و هذه الطبيعة الخلابة إلى كتلة من نار و جحيم. في أيام محنة الحرب و قبل عمليات الفتح المبين، شاهدت هذه المنطقة الشمالية المطلة على هذا السهل، و هي منظر ساحر جميل واسع، و لا أنسى منظر قوات الأعداء التي توزعت في هذه الأرض الواسعة على شكل عدة ألوية. كانوا يقرعون أرضكم و ترابكم بأحذيتهم و يهينون الشعب الإيراني. الذي أنقذ بلدكم هم هؤلاء الشباب المجاهدون المضحون. التعبئة و الجيش و الحرس و المقاتلون المضحون الذين لا يزال من بقي منهم متواجداً في مناطق البلاد المختلفة، و البعض منهم قد استشهد »فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا«.(1)أعزائي، أيها الشباب الحاضرون في هذا الاجتماع و في هذه الصحراء و يا جميع شباب البلاد، اعلموا أن جيل الشباب في فترة الدفاع المقدس استطاع بتضحياته و فطنته و إرادته و عزيمته الراسخة إنقاذ البلاد من أيدي الأعداء. كان هدف أعداء نظام الجمهورية الإسلامية فصل جزء من الوطن الإسلامي وإذلال الشعب الإيراني بذلك. أرادوا فرض قهرهم و جبروتهم على شعب إيران. أرادوا إذلال شعبنا و التسلط على أرواحه و أمواله و أعراضه. من الذي لم يسمح بذلك؟ الشاب المقاتل الفدائي، و تلك العزيمة الراسخة، و ذلك الإيمان القوي هو الذي وقف أمام العدو بعدده و عدته الضخمة.. أمريكا كانت تساعد عدونا، و الاتحاد السوفيتي يومذاك كان يساعده، و البلدان الأوربية التي تتشدق اليوم بحقوق الإنسان كانت تساعد يومها ذلك العدو الخبيث ليقتل و يدمر و يحرق الأرض و أهلها. و كان يفعل ذلك دون وازع، بيد أن شبابكم، أي شباب هذا الشعب لم يسمح بذلك. في »دشت عباس« هذا، في هذا السهل الواسع و هذه المنطقة الكبيرة، تقدم الشباب بأرواحهم إلى الساحة و انتصروا على الأعداء و هزموهم و أذلوهم بعزيمتهم الراسخة و أحبطوا المؤامرة التي شاركت و اسهمت و تدخلت فيها كل القوى الاستكبارية و سعت إلى تنفيذها.أريد أن أقول لكم: أيها الشباب الأعزاء، هكذا هو الحال دوماً، عزيمتكم الراسخة و وعيكم و بصيرتكم و صمودكم و حسمكم و شجاعتكم بوسعها دوماً فرض الهزيمة على كل الأعداء مهما كانوا في ظاهرهم كباراً و أقوياء. و هكذا هو الحال اليوم أيضاً. و كذلك سيكون يوم غد. إذا أراد الشعب الإيراني أن يبلغ ذروة السعادة في الدنيا و الآخرة - و هو يريد ذلك و سوف يبلغه إن شاء الله - فالطريق إلى ذلك عبارة عن الشجاعة، و البصيرة، و التدبير، و العزيمة الراسخة، و الإرادة القوية عند النساء و الرجال، و كل هذا يعتمد على الإيمان الإسلامي. الشيء الذي يضمن هذه العزيمة و الهمّة الراسخة لدى جنودنا هو إيمانهم القلبي. كانوا مؤمنين بالدين، و الله، و القيامة، و المسؤولية الإنسانية مقابل الله. إذا توفّر هذا الإيمان في أي شعب و في أي مجتمع فسيجعله منيعاً قوياً يستطيع المقاومة.أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، نحن اليوم متقدمون على ما كنا عليه في أيام الحرب المفروضة و الدفاع المقدس بدرجات كثيرة.. نحن أقوى بكثير، و نفوذ الشعب الإيراني في العالم الإسلامي أوسع بكثير. نحن اليوم أقدر، و قد أحرز شعب إيران هذا الاقتدار بفضل صموده، و المؤامرات ضدنا في الوقت الراهن أيضاً كثيرة، بيد أن شعب إيران بصموده يستهزئ بمؤامرات الأعداء، و يسير في طريقه بثبات.المهم هو أن لا ينسى الشعب الإيراني هذه المرحلة التاريخية الحساسة - مرحلة الدفاع المقدس - و يبقى يتذكر الأعوام المليئة بالمحن و الزاخرة أيضاً بالمفاخر خلال فترة الدفاع المقدس و الحرب المفروضة. هذه الزيارات و إبداء الودّ والمحبة و إقامة مراسم الذكريات تساعد على بقاء هذه الذكريات حيّة في الخواطر و الأذهان. إنني مرتاح جداً لحركة »السائرون إلى النور« التي انطلقت منذ سنوات و هي تنمو و تتصاعد يوماً بعد يوم و الحمد لله، و اعتبرها حركة مباركة جداً، و اعتقد أن هذه المرحلة الحساسة تمثل تجربة بالنسبة لنا. أنتم الشباب اليوم لو كنتم في ذلك اليوم لتواجدتم في هذا الميدان بعزيمة راسخة.لقد أثبتم أيها الشباب بطولتكم حالياً في ميادين العلم و السياسة و الجد و العمل و التضامن الوطني و البصيرة.. لقد أثبتم صمودكم. أحياناً تكون الحرب العسكرية أسهل من الحرب الفكرية و الحرب على الصعد السياسية. لقد أثبت الشعب الإيراني أن بصيرته و ثباته في الحروب السياسية و الأمنية ليس أقل من صموده في الحرب العسكرية. لذا فإن شبابنا و الحمد لله شباب جدير ثابت ناضج و عليهم عدم الاكتفاء بهذا القدر و الطموح إلى الهمّة المضاعفة و العمل المضاعف. ارفعوا هممكم. على الشعب الإيراني تعويض التخلف الذي عاشه خلال فترات الاستبداد الطويلة و التدخل و النفوذ الأجنبي. إنني على ثقة راسخة بأن شباب بلدنا العزيز اليوم لا نظير لهم على مستوى العالم أو هم نادرو النظير. و هذه بشارة لمستقبل البلاد. سوف ترون أيها الشباب إن شاء الله اليوم الذي تكون فيه بلادكم من الناحية العلمية و التقنية و السياسية و النفوذ الدولي في مستوى جدير بإيران الإسلامية و بشعب إيران الكبير.نتمنى أن تشملكم إن شاء الله أدعية سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و أن تشمل الألطاف الإلهية أرواح الشهداء الأعزاء.. شهداء الحرب المفروضة و الدفاع المقدس، و خصوصاً شهداء منطقة الفتح المبين، و يكونوا راضين عنّا جميعاً، و تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل راضية عنّا جميعاً إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة الأحزاب، الآية 23.
2010/03/30

كلمة الإمام الخامنئي في زيارته لمعامل السيارات

بسم الله الرحمن الرحيمبارك الله السنة الجديدة عليكم جميعاً أيها الأعزاء مدراء قطاع الصناعة و الناشطين الفكريين و العمليين في هذا القطاع البالغ الأهمية. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى لتستطيعوا بشوقكم و إيمانكم التقدم ببلدكم و شعبكم إلى الأمام، و تجعلوه عزيزاً شامخاً في هذا المجال ذي الدور الكبير جداً في تقدم البلاد.زيارتي اليوم لها فيما لها معنى رمزي. بالإضافة إلى أنها زيارة لقطاع مهم، فإن المضمون الذي نرمي إليه هو أن نلفت الانتباه إلى أهمية الصناعة في تقدم البلاد. و نقصد بالصناعة الصناعة المتفجرة و المتدفقة من أذهانكم و أفكاركم و ابتكاراتكم و إيمانكم. نعتقد أن للصناعة تأثيراً أساسياً جداً في تقدم البلد. و الواقع أن العنصر الأصلي لاعتبار البلد متقدماً و ما يستلزمه من مقتضيات هو التقدم في الصناعة بالشروط المحددة في مواضعها، و المتعلقة بأفكار و عقائد و إيمان شعبنا و شعبكم أيها الأعزاء.كان هناك وهم خطير في الأذهان، تم ضخه و حقنه في الأذهان - و ربما لا يزال هذا الوهم موجوداً إلى الآن في بعض الأذهان - و هو وهم التضاد بين الحياة العقلانية المتقدمة من ناحية، و الحياة المعنوية و الأخلاقية من ناحية ثانية. كان البعض قد صدقوا أنه لو أراد المجتمع أن يعيش حياة عقلانية عملية متصارعة الخطى على طريق التقدم فهو مضطر للابتعاد عن الأخلاق و المعنويات و الدين و الله! إذا كنا مشدودين للأخلاق و محبين للمعنويات، و أخذنا بنظر الاعتبار الضوابط و الحدود الدينية و الأخلاقية، فسنكون مضطرين لصرف النظر عن تقدم البلد و عن العيش حياة عقلانية! كان ثمة مثل هذا الوهم. و لهذا الوهم أسبابه التاريخية الواضحة، و له أيضاً أسبابه المرتبطة بعلم الاجتماع. ما نروم الإصرار عليه هو أن الجمهورية الإسلامية و سيادة الدين و الإسلام أبطلت هذا الوهم و رفضته. نحن نريد و نستطيع أن نعيش حياة عقلانية و منطقية و علمية و متقدمة، و نكون في الوقت ذاته متمسكين بقيمنا الأخلاقية و ملتزمين بإيماننا الديني و عاملين بفرائضنا الدينية و مقتضيات حياتنا الدينية، بل و نتقدم في هذا الاتجاه.الإسلام دين المعنوية و دين العلم في نفس الوقت. كان المجتمع الإسلامي في القرنين الرابع و الخامس للهجرة من أكثر المجتمعات البشرية تقدماً. مفاخرنا العلمية في تلك الفترة لا يزالون يتألقون كالنجوم في سماء العلم حتى بعد مرور ألف سنة، و لكننا أصبنا بحالة من الركود و التراجع لأسباب خاصة.مسيرتنا اليوم مسيرة تقدمية نحو الأمام. إنها مسيرة ذات قفزات واسعة و يجب أن تكون هكذا، سواء على الصعد العلمية أو على الصعد المعنوية و الأخلاقية. الصناعة بوسعها أن تكون صناعة متقدمة و تراعى فيها في الوقت ذاته الاعتبارات الدينية و الأخلاقية و الإنسانية. إننا نريد منكم أنتم الصناعيين في بلادنا و مدراء الصناعة أن تكونوا رمزاً و مثالاً لهذه الحقيقة، ملتزمين بالدين، و في الوقت ذاته و بسبب الالتزام بالدين، ملتزمين بالتقدم السريع في الصناعة.على مستوى الصناعة نحن غير قانعين بما تحقق لحد الآن. هذا مع أن ما تحقق لحد الآن يعد قيّماً و مهماً للغاية. لسنا ممن لا يعرف قيمة هذه الأشياء، بل نعرف قيمتها، و قد بذلت جهود قيمة في سبيل تحقيق ما تحقق، و نحن لا نتجاهل ذلك، لا، هذه أمور محفوظة و مقدرة في محلها، بيد أنها بداية المطاف.فيما يخص صناعة السيارات جربنا و تحملنا تخلفاً طويلاً. الميزة الكبرى التي تتميزون بها هي أنكم استطعتم قطع وتيرة هذا التخلف الطويل بهممكم، أي تغيير حالة الغفوة و الخمول و النعاس التي انتابت البلاد لحوالي ثلاثين عاماً بعد دخول صناعة السيارات إلى البلاد. منذ عقد الأربعينات [الستينات من القرن العشرين للميلاد] حينما دخلت صناعة السيارات للبلاد - نحو ثلاثين عاماً تقريباً - كنا نراوح في مكاننا. بقينا في طور التقليد المحض. لا يمكن مؤاخذة مسؤولي البلاد في عقد الستينات، ذلك أن عقد الستينات هو عقد الثورة و الدفاع المقدس، و على حد تعبير المسؤول المحترم هذه الصالة صالة تسليح الجنود. كل بيوت الشعب الإيراني كانت في الواقع سنداً لساحة الحرب بشكل من الأشكال. لا يمكن تسجيل المؤاخذات على عقد الستينات، أما قبل عقد الستينات و قبل عهد الثورة فهي فترة يمكن أخذها بالحسبان، و يجب أخذها في الحسابات. أربعة أو خمسة أعوام هي فترة الحركة التقليدية لصناعة السيارات في البلدان التي أرادت أن تكون مصنّعة للسيارات، فلماذا تطول هذه المدة هنا بهذا الشكل؟ هذه خطيئة الذين لم يفكروا بمصالح البلاد، و لم يخلصوا في أعمالهم من أجل عزة البلاد، و لم يكترثوا لتضييع و إهدار الأرصدة المادية للبلاد. أما في نظام الجمهورية الإسلامية فقد بدأتم المشوار منذ عقد السبعينات، و كان هناك تقدم إلى الأمام. هذا المحرك الوطني الذي تم تصنيعه بالكامل ابتداءً من الفكرة و التصميم إلى آخر أجزائه بفضل الفن و التقنية الإيرانية و الأيادي الإيرانية و الأفكار الإيرانية و المساعي الإيرانية، إنما هو رمز لعزة البلاد. هذا شيء له مغزاه العميق. القضية ليست مجرد أننا استطعنا إنتاج محرك سيارة.. القضية تتجاوز هذه الحدود. العالم اليوم ساحة سباق لأدوات مختلف أنواع المحركات، و محرك السيارات كوسيلة دارجة من وسائل الحياة و متداولة من قبل الجميع و مرئية بشكل يومي و دائم، هو من أبرز و أهم هذه الأنواع. في هذا العالم الزاخر بالتجاذبات و التنافس استطعتم هنا إبداء الفنون التي يستطيع الفنان الإيراني إبداعها. هذا شيء له قيمة كبيرة. يمتلئ قلب الإنسان قيحاً حينما يتذكر أن سيارات بلادنا و لسنين طوال - سواء تلك التي كانت تستورد من الخارج أو التي كانت تنتج في الداخل حسب الظاهر - كانت تعمل فيها محركات أجنبية تماماً صنعها الآخرون و أنتجها عمال من بلاد أخرى. بدل أن نوفر العمل لعمالنا، و نستفيد من مهارتهم و ننفعهم و نتقدم بالبلاد إلى الأمام، كنا في الواقع نساعد الآخرين. و في الوقت الراهن وفرتم أنتم و الحمد له هذه الفرصة و هذه الإمكانية، و هنا شيء له قيمة كبيرة. إنني أقدر و أثمِّن عملكم الجيد هذا، و لكن كما سبق أن قلت فإنه يمثل الخطوة الأولى.من شروط تنمية أي بلد هو أستقلاله الصناعي. علينا أن نستطيع الوقوف على أقدامنا في كافة المجالات الصناعية. علينا الاعتماد على أفكارنا و استخدام قدراتنا. طبعاً العالم عالم التبادل و التعاطي، و لكن التبادل بين الجانبين. التبادل هو الأخذ و العطاء. ستكون لكم مكانتكم في سوق التبادل الصناعي حينما تقفون على أقدامكم في المجال الصناعي. هذا ما نريده و نحتاج إليه. إيران الإسلامية جديرة بهذا الشيء. بما لنا من تاريخ و تراث حضاري هائل، و بهذه الحركة الجماهيرية، و بمواهب الشباب هذه، و بكل هذه المواهب المتوفرة في بلادنا، فإننا بحاجة لهذا الشيء. ينبغي أن نعتبر رايةً مرفرفة في قطاع الصناعة في العالم الإسلامي. و العالم الإسلامي سوف يرحب بهذه الحالة - و سوف أشير لاحقاً إلى قضية التصدير باعتبارها من قضايانا الأساسية المهمة - و سينظر العالم إلى الجمهورية الإسلامية و يرى أن هذا الشعب بذكائه و قدراته استطاع تحقيق هذا التقدم على هذا الصعيد.هناك عدة نقاط و مسائل في هذا المضمار أذكرها الآن. من المسائل أننا إذا أولينا الصناعة الداخلية ما تستوجب من الأهمية - و كلامنا هنا عن صناعة السيارات و يمكن أن نسحب الكلام على الميادين الأخرى - فلا بد لنا من تنظيم سياستنا في التعديل التجاري. أي إن الاستيراد المنفلت سيوجه ضربة بالتأكيد و ستترتب عليه بعض المضار - أجهزة التخطيط في البلاد و الذين يرسمون السياسات التنفيذية ينبغي لهم التفطن إلى هذه النقطة. الوفرة و زهد الأسعار شيء جيد جداً، لكن الأهم و الأفضل منه تنمية الصناعة الداخلية و نهوضها. ليس من الصحيح أن نفتح الأبواب للاستيراد لأسباب شتى معظمها واهٍ و غير مقنع. لقد ذكرت للمسؤولين مراراً - المسؤولين في القطاعات الحكومية على اختلافها - أنه إذا كانت تبريراتكم و منطقكم لزيادة الاستيراد و تسهيل استيراد البضائع الصناعية هو رفع جودة الصناعات الداخلية، فعليكم الضغط على هذا القطاع. ثمة سياسات يمكن اتخاذها، و إجبار المنتج الداخلي على رفع جودة بضائعه. أسوء خيار لرفع جودة المنتجات الداخلية هو أن نفتح الطريق للصناعات الخارجية. هذا هو أسوء خيار. هناك خيارات أفضل لكي نرفع جودة بضائعنا.النقطة المهمة الأخرى هي مسألة البحث العلمي.. البحث العلمي و تنمية التقنيات. جميع الصناعات في العالم اليوم بما في ذلك صناعة السيارات، تدور حول محور العلم. إنهم يفكرون دائماً و يعملون و يبحثون علمياً من أجل استكمال هذا الجانب و إنتاج بضائع أقل عيوباً، و أجمل، و أقل استهلاكاً للطاقة و أزهد سعراً. هذا غير متاح من دون التقدم العلمي و التأمل و الدقة والبحث و التحقيق. ينبغي ترك باب البحث العلمي مفتوحاً. الأجهزة المختلفة و المعامل الصناعية و مدراء الصناعة و مدراء الحكومة المشرفون على الصناعة عليهم تركيز جهودهم على قضية البحث العلمي. هذا يساعد على أن تستطيع الصناعة الحفاظ على نفسها داخل إطار الظروف التنافسية الصعبة، و لا تسقط أرضاً في تنافسها مع المنافسين الأقوياء المتقدمين. و هذا ممكن عن طريق البحث العلمي.و من القضايا الأخرى المهمة في صناعاتنا و منها صناعة السيارات، قضية التصدير. على الأجهزة الحكومية المختلفة أن تبذل جهودها لتأمين أسواق التصدير. هذه من المهام الحساسة جداً و الأعمال التي تحتاج إلى فن و مهارة و جهود متنوعة و مركبة و متعددة الجوانب. بعض بلداننا الجارة تصدر السيارات و يعود عليها هذا التصدير بمليارات الدولارات سنوياً! هذه عملية مهمة جداً. أي إن مسيرة صناعة السيارات - و أنا أذكر السيارات هنا كنموذج بارز، و القضية تشمل كل الصناعات المماثلة - يجب أن تتركز منذ البداية على فتح باب التصدير. بمعنى أنه ينبغي منذ البداية التفكير في هذا الجانب، و على المؤسسات الحكومية جعل أسواق التصدير و توفير مثل هذه الأسواق أحد أهدافها.و من القضايا في هذا المضمار قضية البيئة - و قد سمعت هنا عبر التقارير أن ثمة اهتمام بقضية البيئة، و أريد التشديد على هذه القضية - أي إن من المؤشرات الأساسية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار في صناعة المحركات و جميع الأجهزة و الصناعات هي قضية البيئة. تخريب البيئة من الأمور التي يشعر الشعب أو المنطقة الجغرافية أو كل العالم أحياناً بضررها حينما لا تكون ممكنة التفادي و التعويض. قضية البيئة قضية مهمة جداً. و قد شدد الإسلام بدوره على البيئة و رعايتها. الحفاظ على البيئة و رعايتها قضية توصل لها العالم مؤخراً، و قد كانت من ضمن التعاليم الإسلامية. هذه أيضاً نقطة مهمة جداً يجب التنبه لها.لو أردت أن أذكر بعبارة واحدة كل ما يجول في خاطري حول عملكم أيها الإخوة الأعزاء لقلت لكم إن إبداعكم و ذكاءكم و جهودكم و متابعتكم هي ضمانة غد هذا البلد، و ضمانة مستقبل هذا الشعب. لا تتعبوا من العمل، و لا تنصبوا من الجهد و المتابعة. نعرف بلداناً دخلت هذا الميدان بعدنا و هي الآن متقدمة علينا! هذا بسبب المتابعة و عدم الاستسلام للتعب من العمل و لأن المدراء الكبار ركزوا هممهم على عدم ترك العمل. من النواقص المهمة التي شاهدتها في بعض حكوماتنا طوال هذه الأعوام عدم متابعة الأمور و الأعمال. يبدأون العمل بشوق واندفاع، ثم يبقى غير مكتمل! لماذا؟ لأن المدراء لا يدعمون و لا يتابعون الموضوع.. لا بد من دعم مالي و إداري و تشجيع و متابعة و رفع للعقبات الجزئية عن الطريق. أحياناً يكون ثمة مانع صغير يعرقل عملاً كبيراً لفترات زمنية طويلة.. هذا ما تدل عليه تجارب الإنسان. شاهدنا أعمالاً كبيرة توقفت و تابعنا المسألة و تحرّينا أسباب هذا التوقف فعلمنا أن هناك مانعاً صغيراً عرقل العمل، و لم يبدوا همماً كافية لرفع هذا المانع الصغير، و بقي هذا المشروع العظيم معطلاً لسبب تافه. لحسن الحظ فإن الحكومة الحالية حكومة نشيطة و متابعة و ذات همة و مخلصة، و الوزير المحترم شاب نشيط متحفز. نتمنى أن تتقدموا بالعمل إن شاء الله على أحسن وجه.و الزراعة و هي مهمة جداً بالنسبة لنا، و تعدّ في رأيي ركناً أساسياً للحياة في بلادنا، مرتبطة هي الأخرى بالصناعة. تقدم الزراعة غير ممكن من دون تقدم الصناعة. بمعنى أنني حين أوكد على القطاع الصناعي يجب أن لا يعد هذا إنكاراً و إقصاءً للقطاع الزراعي. إنه في الواقع تأييد و مساعدة للتقدم الإجمالي في البلاد، بما في ذلك التقدم في القطاع الزراعي. إنني مصرّ على تقدم قطاع الصناعة، و هذا التقدم ممكن عن طريق البحث العلمي و استخدام الفعل و الذكاء المتوقد المتوفر و الحمد لله لديكم أيها الشباب الأعزاء، و في الأيدي الإيرانية الماهرة.أقولها لكم: إن الكثير من هذه البلدان المعروفة في العالم اليوم بصناعتها و تحتلّ المراتب الأولى عالمياً، لدي معلومات وثيقة بأن معدل ذكائهم أدنى من معدل الذكاء في بلادنا! لكنهم استطاعوا عبر العمل و الجهد الدؤوب أن يتقدموا. الذكاء و التمتع بالفطنة و الموهبة و القدرات العقلية من العوامل المهمة جداً التي تتوفر فينا، و علينا إرفاق ذلك بالعامل الثاني ألا و هو العمل و الجد و المتابعة و عدم التعب. و اعلموا أن حركة البلاد في هذه الحالة ستكون سريعة و ذات قفزات إن شاء الله، و ستتقدم على شكل قفزات و سيتم إنجاز أعمال كبيرة. و نلاحظ اليوم أن بلدنا يقف ضمن عشرة بلدان أو ثمانية بلدان أولى في العالم على صعد متعددة. و قد قال أحد السادة الآن إننا ضمن البلدان الستة الأولى في العالم في أحد المجالات التي نستطيع القيام بها. هذا شيء مهم جداً. هذا البلد الذي كان قبل الثورة بعيداً فراسخ عن الصناعة و الإبداع و الخلاقية و النشاط ، و لم يكن يأمل في هذه الأشياء، و لم تكن لديه الثقة بالنفس، وصل اليوم إلى هنا. هذا شيء مهم جداً. إذن، الطريق بالنسبة لكم مفتوح، و القدرة على القفزات متوفرة. نسأل الله تعالى أن يوفقكم و يعينكم بمشيئته.قضية الارتباط بالجامعة التي أشار لها أحد السادة هي أيضاً على جانب كبير من الأهمية. منذ سنوات و أنا أوصي الجامعات و الأجهزة الحكومية بإقامة أواصر متينة بين الصناعة و الجامعة. نحن بحاجة إلى انبثاق مراكز و أقطاب جامعية تختص بالصناعات المختلفة و منها صناعة السيارات لترفد القطاع الصناعي.وفقكم الله تعالى و شملكم بأدعية سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) و أرضى عنكم أرواح الشهداء الطيبة و روح الإمام الجليل. كان هذا اليوم يوماً طيباً بالنسبة لي و قد ارتحت لمشاهدة هذه الجهود و ثمارها و نتائجها، و أشكر الله على ذلك و سوف ادعو لكم إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2010/03/28

كلمة الإمام الخامنئي في الرؤساء المشاركين في احتفال النيروز العالمي

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب السادة رؤساء‌ الجمهوريات المحترمين، و رؤساء وفود الممثليات، و كافة‌ الإخوة الحاضرين في هذه الجلسة.. عيدكم مبارك.أنتم أيها الأصدقاء الأعزاء و الإخوة الأطياب و الجيران اخترتم مناسبة جيدة جداً للاجتماع و تبادل وجهات النظر في الشؤون المختلفة. عيد النيروز عيد شرقي يحمل قيماً مميزة و بارزة. و الواقع أن عيد النيروز رمز.. رمز التجديد و الطراوة و الشباب و الحيوية و النشاط، و كذلك رمز المحبة و العاطفة تجاه الآخرين، و زيارة الإخوة و تفقدهم، و أبداء المحبة لعوائل الأقارب، و تمتين علاقات الصداقة و العطف بين الأصدقاء و المعارف، و محو الأحقاد، فالربيع مظهر الطراوة و الحيوية، و الحقيقة أن المعاني كلها مجتمعة في الربيع. و هذه ميزة بالنسبة لشعوبنا التي جعلت النيروز بداية سنتها الجديدة و بداية تاريخها لأنه يحمل هذه المعاني.هذا الاحتفال احتفال وطني و ليس من الأعياد الدينية، لكن النيروز حظي بالتأييد من قبل الشخصيات الكبری في شرعنا المقدس. لدينا العديد من الروايات فيها تكريم للنيروز و تقدير ليوم النيروز. و قد أدی هذا إلی أن يكون النيروز وسيلة لإبداء‌ الناس العبودية و التواضع و الخضوع أمام الخالق. إنه في الواقع فرصة يستطيع فيها الإنسان إحياء قلبه بذكر الله.الدارج في بلادنا منذ سنوات طويلة أن يتجمع الناس في يوم النيروز و في ساعة تحويل السنة في أماكن العبادة و الزيارة و الأماكن المعنوية يطلبون من الله الخير و البركة، و يسألونه تعالی أن يجعل سنتهم حسنة لهم و للآخرين. إذن، النيروز مناسبة جد قيمة و مميزة إن من الناحية المعنوية و إن من الجانب الوطني، و كذلك من الناحية الدولية بين الشعوب التي تحتفل بالنيروز.و في هذه السنة حيث تم تسجيل النيروز كاحتفال دولي اشتمل هذا الأمر علی صفة إيجابية حسنة هي أنه مثل هدية من شعوبنا لشعوب العالم و للشعوب الغربية و نقل إليهم نوعاً من الثقافة. رغم أن العادة جرت للأسف بأن يكون الانتقال الثقافي من هناك، و قد تعودوا علی أن يصدروا ثقافتهم لبلداننا و بلدان الشرق، لكن الشرق زاخر طافح بالقيم الثقافية السامية، و ما أحسن أن ننقلها و نصدرها و نهديها للعالم. كان لشعوب الشرق علی امتداد التاريخ الكثير من القيم البارزة الممتازة، و يجب أن تتوفر فرصة إهداء هذه القيم لشعوب العالم، و هذه إحدی المناسبات لذلك.إنني إثمّن للغاية هذا الاجتماع الذي عقده أصدقاؤنا الأعزاء و إخوتنا الأحبة في طهران - بهمّة الحكومة‌ المحترمة و رئيس جمهوريتنا المحترم حضرة الدكتور السيد أحمدي نجاد - لأنه وسيلة للتقريب بين حكومات المنطقة و شعوبها من بعضها. للأسف تعمل بعض القوی الكبری اليوم علی خلق الأزمات بين الشعوب. يخلقون الأزمات بين الشعوب. و يضعون الشعوب الشقيقة في وجه بعضها. يوحون و يروجون بأن مصالح هذه الشعوب متضادة. و الواقع شيء آخر. الواقع أن مصالحنا ليست غير متضادة و حسب بل هي متكاملة و متعاضدة و مقوية لبعضها. بوسعنا أن نكون إلی جانب بعضنا و أن نساعد بعضنا و نشكل منظومة ثقافية عالمية قيمة و متسامية و ذات قدرة دولية. اجتماعكم هذا اليوم و استمراره في السنوات القادمة إن شاء الله سيساعد علی هذا الشيء.إننا نرحب بتعزيز العلاقات بين بلدان المنطقة و البلدان الجارة ذات الثقافة المشتركة و نساعد علی ذلك بكل قدراتنا. أي واحد من هذه البلدان المتاخمة لنا في شرقنا أو غربنا أو شمالنا أو جنوبنا إذا تعزز و تقوی شعرنا نحن بالنفع من ذلك. أي منها استطاع أن يبدي عن نفسه هوية مميزة في الأحداث العالمية الكبری، و وسط هذه التناقضات و التعقيدات، كان ذلك بمثابة فخر و شموخ لنا. إننا نفرح لذلك و نساعده و سوف يساعدنا الله تعالی جميعاً.إنني أدعو لجميع الإخوة الأعزاء، و أسأل الله أن يزيد يوماً بعد يوم من عزة البلدان الإسلامية و بلدان المنطقة و يؤلف بين قلوبنا إكثر فأكثر و يضع أيادينا في أيدي بعض لنستطيع إنجاز الأعمال و المهام الكبری.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2010/03/26

كلمة الإمام الخامنئي في الحرم الرضوي الشريف

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علی سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفی محمد و علی آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرمين سيما بقية الله في الأرضين.أشكر الله تعالی من أعماق الروح أن وفقني مرة أخری و سنة أخری لأن أكون في اليوم الأول من السنة إلی جواركم أيها الإخوة و الأخوات الزوار و الساكنون في هذه الأرض المطهرة المقدسة بجوار المرقد الطاهر لسيدنا أبي الحسن علي بن موسی الرضا ( صلوات الله و سلامه عليه ) و أن انتفع و أتزود من فيض هذا اليوم و من هذه الفرصة الكبيرة، فرصة اللقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. أولاً أبارك حلول السنة الجديدة و عيد نوروز لكل الشعب الإيراني و لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، و سأذكر بعض النقاط بهذه المناسبة.النقطة الأولی التي أروم ذكرها هي بمناسبة مرور واحد و ثلاثين سنة علی تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، و تقديم تعريف قرآني للنظام الإسلامي المقدس و للحكومة الإسلامية. أساس الحكومة الإسلامية و المؤشر الرئيس لهذه الحكومة هو استقرار الإيمان؛ الإيمان بالله و الإيمان بتعاليم الأنبياء و سلوك الصراط المستقيم الذي رسمه الأنبياء الإلهيون أمام الناس. الأساس هو الإيمان. إرسال الرسل الإلهيين لهداية الناس و إيجاد المجتمعات الإلهية و الدينية طوال التاريخ و إلی اليوم هو من أجل هذا الهدف بالدرجة الأولی. لذلك يقول تعالی: « إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً لتؤمنوا بالله و رسوله و تعزروه و توقروه و تسبحوه بكرة و أصيلاً ». (1) أي إن الهدف من بعثة الأنبياء الإلهيين هو الإيمان بالله و الانشداد للذات الإلهية و الطريق الإلهي و الهيام في تلك التعاليم التي قدمها الأنبياء الإلهيون للإنسان. هذا في سورة « إنا فتحنا » المباركة. و يقول تعالی في سورة الأحزاب المباركة: « إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً إلی الله » (2). رسالة الرسول هي الدعوة إلی الله. هذا هو أساس الأمر. هذه هي النقطة الرئيسية التي تفصل بين النظام الإسلامي و المجتمع الإسلامي و بين جميع المجتمعات البشرية الأخری؛ إنها مسألة الإيمان بالله و الإيمان بالغيب و الإيمان بالطريق الذي رسمه الله تعالی لسعادة الإنسان الدنيوية و الأخروية. إذا كان لنظام الجمهورية الإسلامية اليوم ما يقوله أمام النظم المختلفة في العالم، و إذا كان له ما يتحدی به النظم المادية، فلأن ميزته الرئيسية هي الإيمان. الإنسانية اليوم تتخبط بسبب عدم الإيمان في مستنقعات حياتية شتی. إذن المؤشر الرئيس هو الإيمان. الإيمان بالله و بسبيل الله و بطريق الأنبياء - الذي يستتبعه العمل بهذه التعاليم - ليس لمجرد التسامي المعنوي، مع أن الثمرة الأهم له هو التسامي المعنوي و التكامل الإنساني و الأخلاقي، فالدنيا مزرعة الآخرة. بفضل الحركة و السير في الحياة الدنيا يستطيع الإنسان ارتقاء المدارج و العروج و التقدم إلی الأمام. لذلك كانت الحياة الدنيا أيضاً منوطة بالإيمان بالله. و بالتالي فالإيمان بالله تعالی لا يضمن السعادة المعنوية فحسب بل يكفل السعادة المادية أيضاً. الإيمان بالله تعالی من شأنه أن يستطيع الإنسان في حياته المادية الحصول علی كل ما يحتاجه « و لو أنهم أقاموا التوراة و الأنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم » (3)، إذا أقيم الدين و إذا ارتدت التعاليم الإسلامية لبوس التطبيق العملي لوصل البشر من حيث رفاهية العيش إلی حيث لا يبقی لهم أية حاجة إلا و تحققت و أشبعت. و من حيث الطمأنينة المعنوية و النفسية للإنسان و شعوره بالأمن و السكينة يلعب الإيمان أيضاً دوراً بارزاً جداً. و علی حد تعبير القرآن الكريم: « قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام » (4)، القرآن يعلم الإنسان سبل السلام و سبل السكينة و الاستقرار و سبل الأمن النفسي، هذا هو السبيل الذي يوصل الإنسان إلی السكينة النفسية و الاستقرار و الطمأنينة النفسية، و هو الشيء المفتقد في العالم اليوم و الذي أدی فقدانه إلی كثير من المعضلات. هناك تقدم مادي و تقني و علمي و تتمتع المجتمعات بثروات هائلة و لكن ليس ثمة استقرار و طمأنينة . و السبب هو غياب هذا العنصر الأساسي في حياة الإنسان ألا و هو الإيمان. هذه نقطة أساسية مستفادة من القرآن الكريم يجب عليّ أنا و أنتم و كل أبناء وطننا و جميع شبابنا و كل الأجيال الصاعدة التي تريد تأمين غد سعيد للبلاد و لأنفسهم و لأبنائهم الاهتمام بها. أساس الأمور في النظام الإسلامي هو الإيمان و يجب تأمين هذا الإيمان، لا في القلب فقط بل علی المستوی العملي أيضاً و في الخطط و البرامج و في جميع المبادرات و الخطوات.هذه السنة هي السنة الثانية و الثلاثين علی تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، أي السنة الثانية من العقد الذي أعلن أنه عقد التقدم و العدالة. شعار التقدم و العدالة شعار محوري و قضية أساسية و حاجة ملحة. يجب أن يكون التقدم و العدالة الهدف الرئيس لشعبنا العزيز و مسؤولينا في هذه المرحلة. التقدم و العدالة مطلبان يحتاج إليهما البشر. التقدم بمعنی الوصول إلی نتائج منشودة علی الصعيد العلمي و العملي و ما يحتاجه المجتمع في الدنيا. العدالة معناها عدم وجود تمييز بين الناس و اضمحلال الإجحاف و الظلم. هذان المطلبان من المطاليب الإساسية و الأصيلة و العريقة للبشرية التي كانت دوماً مشهودة و موجودة في التاريخ الإنساني: التقدم و العدالة. يمكن رفع هذه الشعارات و لكن المهم متی يمكن العمل بها. إننا في نظام الجمهورية الإسلامية وجدنا أن هذا العقد الرابع وقتاً مناسباً للعمل من أجل الوصول إلی هذين الشعارين. التقدم مما يمكن بلوغه بالمعنی الحقيقي للكلمة، و العدالة بالنظر للرشد و النضج المشهود في مجتمعنا و الوعي و البصيرة التي يتحلی بها أبناء شعبنا، و الحمد لله حيث قد عرف شعبنا الموانع و العقبات و شخص الأهداف و عرف شبابنا الأصدقاء من الأعداء، و لذلك إذا أراد مسؤول الاهتمام بالعدالة سيكون بوسعه توفير المقدمات اللازمة لتكريسها بشكل تام في المجتمع. و هذا المشروع بالطبع ليس مشروعاً قصير الأمد بل هو من المشاريع طويلة الأمد. إذن لنعتبر هذا العقد عقد التقدم و العدالة. يتعين أخذ هذين العنصرين في كل خطوة و في كل خطة فتكون الخطی و الخطط باتجاه تقدم المجتمع و إفشاء العدالة فيه.في البلد الكثير من المواهب و الإمكانيات. أعزائي، لقد تقدم الشعب و البلاد خلال هذه الأعوام الثلاثين علی جميع الصعد. الأرضية متوفرة لحركة عظيمة و أساسية و محسوسة تترك آثاراً ملحوظة في حياة الناس. و علی مستوی البنی التحتية الاقتصادية أيضاً حققنا تقدماً كبيراً. و في مجال البنی التحتية المواصلاتية و الاتصالاتية تم إنجاز أعمال كبيرة. و في مضمار التقدم العلمي و التقني انطلقت وتيرة سريعة منذ فترة و لحد الآن. تلاحظون أن شبابنا و المنتسبين للجامعات و النخبة و العلماء في بلادنا وصلوا في الميادين العلمية إلی مراحل تعدّ عجيبة جداً بالنسبة لبلد كان بعيداً كل البعد عن أطوار العلم و البحث العلمي و التقنية و الإبداع العلمي.أيها الشباب الأعزاء، ليست قليلة في بلادكم اليوم الإشياء التي تجعل إيران واحدة من البلدان العشرة الأولی في العالم أو البلدان الثمانية الأولی في العالم. في المجالات المختلفة و في مجال علوم الأحياء و علوم النانو و العلوم الفضائية و العلوم المختلفة تلاحظون أن علماء البلاد - و غالبيتهم من الشباب المتحمس المشتاق النشيط - استطاعوا إيصالها إلی حيث يمكن القول إن إيران من البلدان الثمانية في العالم في هذا المجال، و إن إيران من البلدان العشرة عالمياً في ذاك المجال، أي إن هذا تقدم عظيم و منزلة مهمة للبلد.و في مضمار الاعتبار و الاقتدار الإقليمي و الدولي يحظی نظام الجمهورية الإسلامية و الجهاز الإسلامي في بلدنا اليوم بهيبة و أهمية في أعين البلدان إلی درجة أن أعداءنا بدورهم يعترفون أن الاعتبار الدولي للجمهورية الإسلامية من أعلی ما يمكن أن تتمتع به البلدان المماثلة و البلدان التي بوسعها التأثير. يتسنی القول إن الجمهورية الإسلامية من حيث الاعتبار الدولي و السياسي في المنطقة تتمتع بالدرجة الأولی. ثمة أشخاص أفضل ما يصفهم به الإنسان هو أنهم قصار النظر و غير دقيقين يسمع منهم أحياناً بأن التصريحات السلبية لرئيس الدولة الاستكبارية الفلانية أو وزير الخارجية الفلاني أو المأمور الدولي الفلاني حول إيران دليل علی عدم اعتبار نظام الجمهورية الإسلامية، لكن هذا خطأ. الجمهورية الإسلامية اليوم في أنظار الشعوب و في أنظار الحكومات و حتی في أعين أعدائها لها اعتبارها و اقتدارها و هي دولة ذات تأثير. و المشاركة الإيرانية في القضايا العالمية مشاركة محسوسة و لا تقبل المقارنة ببلد له نفس مستوی إيران من الناحية الإقتصادية و الثروة العامة. بمعنی أن تأثير إيران في سياسات المنطقة أكبر من كافة البلدان المتقدمة علی إيران أو المساوية لها اقتصادياً.هذه كلها أرضيات. و هناك ثلاثون عاماً من تجارب الخدمة و الإدارة المتراكمة بين أيدي مسؤولي النظام في الجمهورية الإسلامية. استمرار مسيرة هذا النظام و استقراره و ثباته كان له أهمية و تأثير أنْ تتجمع كل هذه التجارب المكثفة و الثمينة في التعامل مع القضايا العالمية و الأقليمية و القضايا الداخلية للبلاد. هذه بحد ذاتها أرضية مهمة جداً و بنية تحتية لها اعتبارها.كما تم تحديد أفق واضح - و أعني به ميثاق الأفق العشريني للجمهورية الإسلامية - و هو وثيقة قيمة. الحكومات التي تتعاقب تلو بعضها بانتخاب الجماهير بوسعها رسم الأهداف وفقاً لميثاق الأفق هذا، و بإمكان كل واحدة منها قطع جزء من الطريق و السير فيه و إيكال الأمر إلی الحكومة اللاحقة. وجود ميثاق الأفق من الفرص و الإمكانيات الثمينة لنظام الجمهورية الإسلامية.من الإمكانات و الفرص الكبيرة المتاحة للنظام هذا الجيل الشاب المتعلم الملئ بالطاقة و المحفزات في بلادنا. هؤلاء شباب متعلمون و دارسون و متحفزون و يسعون في سبيل فهم و إدراك القضايا المختلفة في شتی المجالات، و لهم ثقتهم بأنفسهم. إننا نشعر أن لدی شبابنا ثقة بالذات لم تكن في الماضي، و قلما نشاهد لها نظيراً لدی الشعوب الأخری. كل واحدة من هذه القضايا الاقتصادية و التقنية و السياسية و الاجتماعية و القضايا التي تستلزم العلم و التخصص حينما يطرحها المرء علی المجاميع الشابة و أهل البحث العلمي يجد أنهم يقولون بكل ثقة بالنفس إننا قادرون عليها. لا يشعرون أنهم عاجزون و غير قادرين بل يشعرون أنهم قادرون. هذه الثقة بالذات لها قيمتها الكبيرة و من المهم جداً بالنسبة لشعب أن يشعر أنه قادر لأنهم أوحوا لنا و علمونا طوال سنين و سنين: إنكم غير قادرين. كان يقال لشعبنا إنكم لا خير فيكم. ساسة البلاد و الحكام الجائرون الذين تسلطوا علی البلد و الذين كانوا متواطئين مع أعداء هذا الشعب غالباً ما كانوا يوحون و يقولون لبلدنا و لشعبنا و لشبابنا: إنكم غير قادرين، فلا تتعبوا أنفسكم عبثاً. أي علينا أن نقعد مكتوفي الأيدي و ينهمك الآخرون في البحث العلمي و التقدم و نبقی نحن نستجدي منهم و نتملقهم و نأخذ منهم لأننا لا نستطيع أن نتفجر و نتحرك من داخلنا. هذا ما قصفت به عقول شعبنا و شبابنا و جيلنا و كان من قناعات الشعب و معتقداته.إبان فترة شبابنا، و كما كان واضحاً مما نشاهده في المجتمع، ساد الشعور بأن الإيراني غير قادر و علی الأجانب و الأوربيين و الأمريكيين أن يتقدموا و نسير نحن وراءهم و نتعلم منهم. أما أن نستطيع نحن أيضاً فتح طريق معين و إطلاق حركة معينة و البدء بها و فتح مساحة من المساحات المهمة في الحياة فقد كان هذا أمراً لا يصدق بالنسبة لشعبنا. و قد أضحی الحال اليوم علی العكس تماماً. ما من قضية من القضايا المهمة تطرح علی الشباب الإيرانيين و يشعرون حيالها أنهم عاجزون عنها. و قد ذكرت أنه حينما تطرح القضايا العلمية و التقنية و السياسية و كل القضايا التي تطرح علی محافلنا البحثية و التحقيقية - و غالب من فيها من الشباب - حينما تطرح المشاريع و حالات التقدم المختلفة يشعر الشاب الإيراني بأنه قادر. هذه الثقة بالذات شيء علی جانب كبير من الأهمية. و لهذه الثقة بالذات في الأوساط العلمية رصيدها من الثقة بالذات الوطنية. ما ذكرته قبل سنوات من أن الشعب يجب أن يصل إلی حالة الثقة بالذات الوطنية أي الشعور بأن جميع الأعمال و المشاريع الكبری ممكنة الإنجاز بالإرادة و التحرك و العمل. لسنا عاجزين عن أي شيء. هذه هي أرضيات التقدم.طيب، ذكرنا أن هذه السنة هي سنة « الهمة المضاعفة و العمل المضاعف » بمعنی الهمة الأعلی و العمل الأكثر. عبارة المضاعف - أي عدة أضعاف - تفيد الشكل المثالي للمسألة، إذ إننا لسنا قانعين بضعفين و ثلاثة أضعاف و عشرة أضعاف، و لكن إذا لم نستطع في أحد المواطن أن نعمل ضعفين و عملنا ضعفاً و نصفاً فلا يعني هذا أننا يجب أن نيأس، لا، المهم أن تكون لنا همة أعلی مما كانت لنا في السابق و أن نعمل أكثر مما عملنا في السابق. هذا هو شعار هذه السنة. هذه الشعارات ليست مجرد أمور استعراضية و لا هي بحيث نتصور أنها ستعالج خلال هذه السنة جميع مشكلات البلاد، لا، هذه الشعارات ليست تشريفاتية و لا استعراضية و إنما ترسم لنا خطاً واضحاً.ذكرنا في العام المنصرم أنه عام إصلاح النموذج الاستهلاكي. و ذكرت هنا في اليوم الأول من السنة إن إصلاح النموذج الاستهلاكي ليس بالشيء الذي يمكن أن يحصل في غضون عام واحد. قلنا في السنة الماضية إنها سنة إنطلاق الحركة باتجاه إصلاح النموذج الاستهلاكي. و انطلقت الحركة. و لا استطيع القول إن نموذج الاستهلاك تم إصلاحه، لا، لا تزال مسافة طويلة تفصلنا عن هذا الهدف. ما لم نصلح نموذج الاستهلاك و ما لم نعرف كيف يجب أن نستهلك الماء و كيف يجب أن نستهلك الكهرباء و كيف يجب أن نستهلك الخبز و كيف يجب أن نستهلك المال، ما لم نستهلك هذه الأشياء بصورة صحيحة و ما لم نعرف طرائق الاستهلاك ستبقی مشكلاتنا علی حالها. علينا متابعة إصلاح نموذج الاستهلاك. في سنة 88 أنجز المسؤولون بعض الأعمال و خططوا و برمجوا و قاموا ببعض البحوث، و لكن ينبغي لهذا السياق أن لا يتوقف. هذا ما يدلنا علی الاتجاه. تبيّن في سنة 88 أن قضية إصلاح نموذج الاستهلاك قضية أساسية و مهمة و يجب أن تتابع. و كذلك الحال في هذه السنة. نقول في هذه السنة لا بد من همّة أكبر و هذه الهمّة الأكبر لا تختص بهذا العام. الهمة الأكبر و الأمثل لا تختص بسنة 89. علينا أن نضع هذا الأمر نصب أعيننا كيد تشير إلی الطريق الصحيح، إذ يجب أن لا تتضاءل هممنا. لدينا أعمال و مشاريع كبيرة، و ثمة أهداف عظيمة حيالنا ينبغي التحلي أمامها بهمّة عظيمة حتی نستطيع الوصول إلی تلك الأهداف. كما ينبغي مضاعفة العمل. ينبغي تكثيف العمل حتی نستطيع بلوغ تلك الأهداف.طبعاً كان العام المنصرم عاماً مهماً بالنسبة لبلادنا. اعتقد - و كما ذكرت للشعب الإيراني في ندائي له بمناسبة النيروز - أن سنة 88 كانت سنة الشعب الإيراني، و سنة انتصار الشعب الإيراني و سنة مشاركته البارزة في الساحات الحياتية العظيمة الخاصة بالنظام الإسلامي و بلادنا. في موطن من المواطن حضر في الثاني و العشرين من خرداد أربعون مليون أنسان عند صناديق الاقتراع أي خمسة و ثمانون بالمائة ممن لهم حق المشاركة في الانتخابات، و هذا شيء علی جانب كبير من الأهمية. لا مراء أن مشاركة الجماهير لها دورها في شرعية أي نظام. الذين يعتبرون شرعيتهم ناجمة أساساً من مشاركة الجماهير في الغرب و لا يشركون أي عامل آخر في هذه المسألة لا تتوفر لديهم الآن مثل هذه المشاركة. في فترة قريبة من انتخاباتنا أقيمت في بريطانيا انتخابات بمشاركة بلغت نحو ثلاثين بالمائة ممن لهم حق الاقتراع، فأين الخمسة و ثمانون بالمائة من الثلاثين بالمائة؟ لهذه الحركة الجماهيرية و هذا التواجد الشعبي أهميته الكبيرة. المحللون و المراقبون السياسيون للقضايا العالمية لا يمرون بهذه الأمور مرور الكرام. قد لا ينشرونها في صحافتهم و إعلامهم، و قد لا يذكرها السياسيون في تصريحاتهم التي تبثّ في الإعلام، بل يكتمونها، لكنها مؤثرة في نفوسهم و قراراتهم و هم يفهمونها.هذا الشعب ثابت عند كلمته. كانت هذه حركة عظيمة من شعبنا. استطاع شعبنا أن يسجل في تاريخ بلادنا أنه بعد مضي ثلاثين عاماً علی تأسيس النظام الإسلامي - و هو نظام قائم علی أساس الإسلامية و الجمهورية، و هذان العنصران لا فصل بينهما، و الذين يفصلون بينهما لم يعرفوا الجمهورية الإسلامية - لا يزال ملتزماً بأسس هذا النظام إلی درجة المشاركة في الانتخابات بكل هذا الحماس و الشوق. هذه خطوة جماهيرية عظيمة. كان لأعداء الشعب الإيراني مخططاتهم قبال هذه الخطوة، و قد بدأوا بتنفيذ هذه المخططات. لو كانت مشاركتكم أيها الشعب في انتخابات الثاني و العشرين من خرداد سنة 88 مشاركة ضعيفة، و إذا كان قد شارك فيها ثلاثون مليوناً علی سبيل المثال بدل الأربعين مليوناً، لكان أعداؤكم قد نجحوا علی أغلب الظن. كانت المخططات قد أعدت سلفاً. إنني لا أتهم أحداً لكنني أعرف هندسة عمل الأعداء و أراها و استطيع تشخيصها و لا يمكنني إنكارها. هندسة عمل الأعداء كانت هندسة مشخصة و قد مارسوا نظيرها في أماكن أخری. حينما لا تكون القوی الدولية الاستكبارية راضية عن نظام من الأنظمة فمن السبل التي اكتشفوها و راحوا يعملون بها هو أن ينتظروا فرصة انتخابات معينة، و إذا فاز في الانتخابات الأشخاص الذين لا يرضون هم عنهم، و لم يفز الذين يريدونهم، سيبادرون إلی تحرك استعراضي شعبي لقلب الأوضاع، و يجرّون جماعة من الناس إلی الساحة بضغوطهم و ينزلونهم إلی الشوارع ليغيروا بالعنف الشيء الذي حصل بالقانون. هذا مخطط معروف، و هذا هو السبب في نسبة أحداث ما بعد الانتخابات إلی العوامل الخارجية في أذهان الناس و في أذهان المحللين المستقلين الصادقين الدقيقين. حتی لو لم يكن للمرء أي اطلاع علی ما وراء الكواليس - المعلومات التي يحصل عليها ذوو الإطلاع - حتی لو لم تتوفر هذه المعلومات، حينما ينظر الإنسان لشكل المسألة يفهم أنها من صنع أعداء الشعب الأجانب. تقام انتخابات و تحصل خطوة قانونية و تكون لها نتائجها و يريدون تغيير هذه النتائج بالعنف و القوة. يدفعون البعض إلی الساحة و يمارسون العنف إذا اقتضت الضرورة و يشعلون النيران في البنوك و الباصات من أجل قلب النتائج القانونية. هذه ممارسات منافية للشرع و مخالفة للقانون. و واضح أنها ممارسات موجهة من قبل الأجانب. أرادوا فعل هذا الشيء في البلاد.كان امتحاناً مهماً للبلاد. و أؤكد لكم إنه كان امتحاناً مهماً فيه الكثير من العبر و الدروس. و قد انتصر الشعب الإيراني في هذا الامتحان. أرادوا تقسيم الناس إلی فئة أقلية و فئة أكثرية، و فئة الفائزين في الانتخابات و فئة الذين لم يصلوا فيها إلی نتائجهم المرجوة، و أن يضعوا هاتين الفئتين في وجه بعضهما. أرادوا شطر الشعب إلی شطرين و يدخل عدد من المشاغبين إلی الساحة لتنفيذ أعمال الشغب و التوتر و إشعال حرب داخلية، كان هذا هو أملهم، لكن الشعب أبدی وعيه و يقظته. و قد رأيتم كيف أن الشعب توزع في يوم الانتخابات إلی جماعتين أحداهما من ثلاثة أو أربعة عشر مليوناً و الثانية من أربعة أو خمسة و عشرين مليوناً و لكن بعد مضي مدة غير طويلة اتحدت هاتان الجماعتان و وقفتا بوجه المشاغبين و عناصر التوتر و المخربين. هنا يمكن أن يفهم المرء يقظة الشعب. أرادوا زرع الشقاق و التوتر بين الناس. ذوو النوايا السيئة الذين مارسوا كل ما استطاعوا طوال هذه الثلاثين سنة ضد الثورة و ضد الشعب اغتنموا الفرصة و دخلوا إلی الساحة بدعاياتهم، لم يكن بإمكانهم فعل أكثر من هذا. لو كان بوسع الأمريكيين و البريطانيين و الصهاينة إنزال قواتهم إلی شوارع طهران لفعلوا ذلك يقيناً. و لو أتيح لهم توجيه الساحة كما يحلو لهم بإدخال عملائهم و مرتزقتهم من الخارج لفعلوا ذلك. و لكن كانوا يعلمون أن هذا سينتهي بضررهم. الشيء الوحيد الذي كان بمقدورهم فعله هو الدفاع عن عناصر التوتر و التخريب علی مستوی الإعلام و الساحة السياسية العالمية. دخل رؤساء جمهوريات البلدان المستكبرة إلی الساحة في هذه القضية و سمّوا المخربين و عناصر الشغب في الشوارع ممن أرادوا التعبير عن وجودهم بإشعال الحرائق، سمّوهم الشعب الإيراني عسی أن يستطيعوا تصوير الأوضاع لدی الرأي العام العالمي طبقاً لرغباتهم. لكنهم فشلوا و هزموا.و كانت الضربة الأقوی و الأخيرة التي وجهها الشعب هي ما صنعه في يوم التاسع من دي. ما فعله الشعب الإيراني في يوم الثاني و العشرين من بهمن كان عظيماً، و كذلك ما فعله في التاسع من دي، حيث اتضح تلاحم الشعب و اتحاده. كل الذين صوتوا لأي مرشح في الساحة السياسية، حينما شاهدوا أن العدو قد نزل إلی الساحة، و حينما أدركوا أهداف العدو السيئة أعادوا النظر تجاه الذين كانوا سابقاً يحسنون الظن بهم. أدركوا أن هذا هو طريق الثورة و هذا هو الصراط المستقيم. في الثاني و العشرين من بهمن نزل الشعب كله إلی الساحة بشعار واحد. حاولوا كثيراً أن يزرعوا الشقاق و الانقسام بين الشعب لكنهم أخفقوا. و وقف الشعب و كان هذا انتصاراً له. من الثاني و العشرين من خرداد إلی الثاني و العشرين من بهمن - ثمانية أشهر - فصل زاخر بالمفاخر و العبر سطره الشعب الإيراني. هذا درس.. حصل وعي جديد. و ابتدأ فصل جديد في بصيرة الشعب الإيراني. هذه أرضية مهمة جداً. و علينا السير وفقاً لهذه الأرضية.و الآن يجب إبداء الهمّة المضاعفة و العمل المضاعف علی هذا الأساس. ثمة الكثير من المجالات و المستويات و يجب أن لا ندع الوقت يمضي. لكل سنة من السنوات التي مضت علی عهد الثورة، و لكل شهر من كل سنة، و لكل يوم من كل شهر وزنه و مقداره و قيمته و يجب عدم التفريط بهذا. ربما شغلت الأذهان الفتن التي أثارها مشعلوا الفتن خلال ثمانية أشهر من سنة 88 فبقيت بعض الأعمال نصف منتهية، و لذلك يجب التعويض. يجب أن تكون الحركة حركة سريعة. ثمة الكثير من المجالات. هناك مجال العلم و البحث العلمي بالدرجة الأولی، و علی الجامعات و مراكز البحث العلمي مضاعفة هممها في البحث العلمي علی كافة المستويات و في كل حقول العلوم التجريبية و الإنسانية و في جميع القطاعات التي يحتاجها البلد. و ليجعلوا نصب أعينهم مراحل أبعد و آفاقاً أرحب و ليكثفوا العمل و يزيدوه.قلت إن علی شبابنا أن يركزوا هممهم علی أن يجعلوا بلدهم بعد عقد أو عقدين مرجعاً علمياً لعلماء العالم. إذن، هذه هي الهمة المضاعفة و العمل المضاعف علی صعيد العلم و البحث العلمي.و هناك الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في الاستفادة الأمثل من المصادر و الإمكانيات الموجودة في البلد. ينبغي الاستفادة إلی أقصی حد من كل الأشياء التي يمكن استخدامها لبناء البلد في الفترات المقبلة أو التي يمكن أن تزيد من رفاهية معيشة الناس، أي الشيء الذي يعدّ إصلاح نموذج الاستهلاك أحد أركانه. يجب استهلاك الماء في البلاد بشكل أمثل. إننا اليوم لا نستهلك الماء بشكل أمثل. في العام الماضي حينما طرحتُ قضية إصلاح نموذج الاستهلاك حقق باحثو البلد و درسوا و أخبرونا أنه لم تم الاقتصاد في عشرة بالمائة من الماء الذي يستهلك في البلاد لعادل كل الماء الذي يستهلك اليوم للشرب في البيوت و في الصناعة. تسعون بالمائة من المياه تستهلك حالياً في الزراعة - تستهلك بشكل خاطئ و مسرف - و العشرة بالمائة الأخری تستهلك للشرب و الصناعة و الأمور الأخری. أي إننا لو اقتصدنا بمقدار عشرة بالمائة في الزراعة لوصل مقدار الشرب و الصناعة و غيرها إلی الضعف. المسألة مهمة إلی هذه الدرجة. و كذلك فإن مسألة استهلاك الكهرباء و حاملات الطاقة - البنزين و الگازوئيل - مهمة. لائحة توجيه الدعم التي طرحت للبحث تعنی بهذه الأمور، و هي لائحة علی جانب كبير من الأهمية.بحضوركم هنا أيتها الجماهير العزيزة أوصي السلطتين التنفيذية و التشريعية بأن يتعاونوا في هذه القضية المهمة. من جهة تقع الأعباء علی السلطة التنفيذية التي عليها أن تعمل و تبادر، و لذلك علی كافة الأجهزة الأخری بما في ذلك الجهاز التشريعي أن تساعدها، و من جهة أخری علی الحكومة أن تنظر بعين الاعتبار للمسائل القانونية و التي اجتازت المراحل القانونية و تعمل وفقاً لها. إذن، علی الحكومة و المجلس - السلطتين التنفيذية و التشريعية - السير في هذا المشروع إلی جانب بعضهما و مساعدة بعضهما « يد الله مع الجماعة ». حينما تكونان مع بعضهما فسوف يمدّ الله يد عونه. و بالتالي فمن المهم الاستفادة من الإمكانات و المصادر المتوفرة في البلاد. الاستهلاك لدينا يحصل بصورة مغلوطة و مسرفة في كثير من الأحيان.الهمة المضاعفة و العمل المكثف من أجل رفع جودة المنتوجات الداخلية هي أيضاً من المهمات الأساسية. لدينا اليوم منتوجات داخلية كثيرة سواء في مجال الصناعة أو في مجال الزراعة، و يجب الاهتمام بجودة هذه المنتوجات و رفع مستواها. يجب أن يشعر المستهلك أن ما يتم إنتاجه في بلاده و علی يد العامل الإيراني أفضل من حيث الجودة من الأنواع الأجنبية أو في نفس المستوی علی الأقل.و هناك الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في تأمين السلامة و الصحة. قضية الصحة ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار في الخطة الخمسية و كذلك في التخطيطات التنفيذية المختلفة لشتی الأجهزة. الرياضة العامة جزء من مسألة تأمين الصحة و قد أوصيت بها مراراً و أعود لأوصي بها. الرياضة العامة ضرورية للجميع. النشاط و السلامة و الصحة و الجاهزية و القدرة علی العمل أمور يمكن تأمينها في المجتمع في ظل الرياضة العامة.و لا بد من الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في الاستثمار و إيجاد فرص العمل. الكثير ممن لديهم الرساميل و المال و المداخيل الكبيرة لا يعلمون كيف يستخدمون هذه المداخيل. و هنا يعبِّر إصلاح نموذج الاستهلاك عن نفسه مرة أخری. البعض يستهلك المال في أمور الترف و الأسفار الخارجية العبثية و غير المثمرة و المكلفة و أحياناً المفسدة بدل استثمارها في الإنتاج، و قد يختلق الذرائع لتغيير أثاث المنزل و وسائل الحياة، و كل هذا تصرفات مسرفة و استهلاك مسرف للمال. يمكن استثمار المال و المداخيل. و أسباب هذا الشيء متوفرة في الحال الحاضر. يمكن الاستثمار بتفعيل البورصات الموجودة في البلاد. بوسع الجميع المشاركة في الاستثمار بما لديهم من أموال.من المسائل المهمة التي تتطلب همة مضاعفة و عملاً مضاعفاً مسألة إنتاج الفكر، و نشر ثقافة قراءة الكتب، و رفع مستوی المعلومات العامة في المضامير المختلفة. كراسي التفكير الحرّ التي تحدثنا عنها و اقترحنا تأسيسها في الجامعات و الحوزات بوسعها إطلاق تيار فكري قيم جداً في المجتمع.و الأهم من كل شيء الهمة المضاعفة و العمل المضاعف في مكافحة الفقر و الفساد و اللاعدالة. هذه أمور نراها أمامنا و هي موجودة حيالنا و تستدعي من الشعب و الحكومة و المسؤولين السعي و المثابرة.طبعاً أمامنا أيضاً تحديات و عقبات. لسنا شعباً ليس له أعداء في العالم. الشعوب التي ليس لوجودها قيمة هي التي ليس لها أعداء. أما الشعب الذي له طريقه و هدفه و أعماله و مساعيه فله أعداؤه. طبعاً ثمة اختلاف بين عدو و عدو. الحكومة الأمريكية أيضاً لها الكثير من الأعداء في العالم. و لكن من هم أعداء الحكومة الأمريكية؟ الشعوب. الشعوب هي التي تكره الحكومة الأمريكية و تبغضها. لماذا؟ لأنها تحتفظ في ملفها بسوابق الأعتداء علی البلدان منذ خمسين أو ستين عاماً و إلی اليوم. طوال الخمسين عاماً الماضية اعتدت الحكومة الأمريكية عسكرياً علی ما يقارب ستين بلداً. هذا ليس بالهزل؟ و هو ليس بالشيء القليل؟ إذن هي أيضاً لها أعداؤها و لنظام الجمهورية الإسلامية أعداؤه. من هم أعداء نظام الجمهورية الإسلامية؟ الحكومات المستكبرة و الرأسماليون الصهاينة و أعداء الإنسانية و الأجهزة التجسسية الغدارة السفاحة. إذن، ثمة عدو و هذا العدو يعمل و ينشط و يبذل مساعيه.علی الشعب و مسؤولو البلاد التحلي بالوعي و اليقظة. و عليهم أخذ هذه العداوات بالحسبان و العمل حيالها بتدبير و شجاعة. التدبير ضروري و الشجاعة أيضاً ضرورية. إذا لم تتوفر الشجاعة و إذا انهزم الإنسان نفسياً أمام أبهة الحكومات المستكبرة و هيبتها و وجوهها العابسة فسوف ينهزم لا محالة. من ممارسات الحكومات المستكبرة هذا العبوس و الزجر و قلب الحق إلی باطل. إذا لم تكن ثمة شجاعة مقابل هؤلاء و إذا لم يستطع مسؤولو البلاد الوقوف علی أقدامهم مقابل هذه الممارسات الاستعراضية العدوانية المستكبرة فسوف يخسرون الجولة بالتأكيد. سوف يخسرون هم أنفسهم و يفرضون الخسارة و الهزيمة علی الشعب. إذن الشجاعة أمر ضروري.و التدبير أيضاً ضروري. التدبير معناه وعي مخططات الأعداء و اتخاذ القرار الصائب و في الوقت المناسب لمواجهة هذا العدو. العدو يظهر بأشكال مختلفة. لاحظوا اليوم أن هناك الصهاينة و الحكومة‌ الأمريكية الذين يقفون مقابل الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية و يرتدون أحياناً ثياب الذئاب و يلبسون تارة أخری ثياب الثعالب. و يبدون عن أنفسهم أحياناً وجوهاً عنيفة عدوانية و يظهرون أحياناً أخری وجوهاً مخادعة. ينبغي التنبه لكل هذا و مراقبته.في اليوم الأول من السنة الماضية قلت في نفس هذا التجمع الحاشد منكم أيتها الجماهير العزيزة: إننا في مقابل تصريحات رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية الجديد و ما يقوله من أنه يمدّ يد الصداقة، ننظر بدقة للمسألة و نتابعها. ننظر هل هي فعلاً يد صداقة؟ هل النوايا نوايا صداقة حقاً أم أنها نوايا عداء صبّت في قالب ألفاظ مخادعة؟ هذا شيء مهم جداً بالنسبة لنا. قلت السنة الماضية إذا كانت هناك يد فلزية تحت القفاز المخملي فإننا لن نمد يدنا لها و لن نقبل الصداقة. إذا كان إلی جانب الابتسامات خنجر مخفي وراء الظهور فإننا متيقظون و واعون. ما حصل للأسف هو ما كنا ظنه و نتوقعه. الحكومة الأمريكية و هذه المنظومة الجديدة و رئيس الجمهورية الجديد رغم كل ما أبدوه من رغبة في العلاقات العادلة و السليمة و قد كتبوا الرسائل و بعثوا الإشارات و ذكروا ذلك أمام الملأ و كرروه في الاجتماعات و الجلسات الخاصة بأننا نريد أن نطبِّع علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية، إلا أنهم علی الصعيد العملي تصرفوا بعكس ذلك للأسف. في أحداث الأشهر الثمانية التي أعقبت الانتخابات اتخذوا أسوء المواقف. و وصف رئيس جمهورية أمريكا المخربين و عناصر الشغب في الشوارع بأنهم حركة مدنية! إحراق البنوك و الباصات و ضرب العابرين الأبرياء العاديين و الانهيال بالضرب علی أخوات الشهداء و أمهاتهم بسبب ارتدائهن الشادر و إحراق الدراجات النارية للبعض الشباب لمجرد أنهم ملتحون، هل هذه حركة مدنية؟! إنكم تتشدقون بحقوق الإنسان و الديمقراطية لكنكم تتجاهلون حركة الجماهير العظيمة في انتخاباتهم و انتخابهم و في مشاركتهم في الساحة. و تتحيزون لعدد من المخربين و المخلين بالأمن و المشاغبين و تسمون هذا حركة مدنية؟! ألا تخجلون؟! تزعمون: إننا نناصر حقوق الإنسان و نشعر بالمسؤولية تجاه حقوق الإنسان! إنكم لا تصلحون لأن تتحدثوا مع أحد حول حقوق الإنسان. في أي خطوة من خطواتكم طوال هذه السنوات اجترحتم تغييراً بالمقارنة إلی الماضي؟ هل قللتم المذابح في أفغانستان؟ هل قللتم تدخلكم في العراق؟ هل أقلعتم عن المذابح المفجعة ضد الناس في غزة و قتل الأطفال حتی تزعمون مناصرة حقوق الإنسان؟إنني أعلن اليوم مرة أخری: لتعلم الحكومات التي تريد التعامل مع الشعب الإيراني و مسؤولي الجمهورية‌ الإسلامية بطريقة استكبارية و بروح استكبارية، ليعلموا أنهم مدانون و مرفوضون من قبل الشعب الإيراني و من قبل مسؤولي الجمهورية‌ الإسلامية. ليس بوسعكم التحدث عن رغبتكم في السلام و الصداقة و تمارسون في الوقت ذاته التآمر و إشعال الفتن و تتوهمون بذلك أنكم تريدون توجيه ضربة لنظام الجمهورية‌ الإسلامية.الشعب يقظ و المسؤولون واعون. التدبير هو أن يرصد الإنسان سلوك الخصم و يری ماذا يريد أن يفعل. يجب أن لا تخفی هذه الممارسات و التصرفات عن أعين الشعب الإيراني سواء جاءت في ثياب الذئاب أو لبوس الثعالب. علی الشعب الإيراني أن يتخذ قراره بوعي و سوف نتخذ قرارنا بوعي إن شاء الله و بتوفيق منه. سوف لن نتخلی عن مصالح شعبنا أمام التعنيف و الوجوه العابسة للأعداء. سنبادر لما يلزم في سبيل تقدم الشعب و نحن علی علم و ثقة بأن هذا الشعب منتصر كما كان منتصراً طوال هذه الأعوام الثلاثين. لقد هزم الأعداء خلال هذه السنوات الثلاثين رغم كل ما فعلوه ضد الشعب الإيراني، و لم يستطيعوا توجيه ضربة لنظام الجمهورية‌ الإسلامية و لا فصل الجماهير عن النظام. و سيكون الحال كذلك بعد الآن أيضاً. سيكون مصير الشعب الإيراني بعد اليوم أيضاً النصر و التقدم بتوفيق الله و حوله و قوته، و مصير أعدائه الهزيمة و التخلف.اللهم ثبت أقدامنا علی الصراط المستقيم، صراط الإيمان بالله و القرآن و الدين الإسلامي المقدس. اللهم لا تغفل قلوبنا عن التوجه و التضرع أمامك أبداً. اللهم لا تحرمنا من أدعية سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه). مُنَّ دوماً بفضلك و لطفك علی هذا الشعب و هؤلاء الشباب و هذه القلوب المتحمسة العاشقة. ربنا وثق يوماً بعد يوم أواصر الأخوة بين هذا الشعب و الشعوب المسلمة و أبطل كيد الأعداء.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) سورة الفتح، الآية 8 و 9.2) سورة الأحزاب، الآية 45 و 46.3) سورة المائدة، الآية 66.4) سورة المائدة، الآية 15 و 16.  
2010/03/20

كلمة الإمام الخامنئي في مدراء الدولة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.لمحرم أهمية تاريخية و معنوية و إنسانيةالجلسة ذات معنى و مغزى كبير، و نتمنى أن تشمل البركات و الرحمات و الهداية الإلهية هذه الجلسة الكبيرة، و أن يحفظنا الله تعالى جميعاً. كانت كلمة رئيس جمهوريتنا العزيز جد وافية و شافية و تحمل العديد من مكنونات قلبي. عبّر عن أفكار جيدة و نقاط مهمة ببيان جيد. نتمنى أن يتفهم جميع أبناء الشعب هذه المفاهيم الجيدة و المميزة و ينتفعوا مثلما انتفعنا.تصادف هذه الأيام بداية العام الهجري القمري و أيام محرم، و تصادف أيضاً أعتاب السنة الشمسية الجديدة. أيام محرم لها عندنا أهمية تاريخية و معنوية و إنسانية. و واقعة محرم ليست واقعة تبلى بالتكرار و إقامة المراسم. الذكر و التذكير حالة دائمية و ضرورية في كل الأوقات. في بداية كلمتي سأتحدث قليلاً عن قضية ثورة الإمام الحسين عليه الصلاة و السلام.مجابهة الطواغيت أهم واجبات الأنبياءلقد أبدى البشر طوال التاريخ أكبر قدر من الأخطاء و المعاصي و مجانبة التقوى في ساحة الحكم و الدولة. الذنوب التي صدرت عن الحكام و الساسة و المسلطين على مصائر الناس لا تقبل المقارنة مع الذنوب الكبار جداً للأفراد العاديين. في هذا المجال قلما استخدم الإنسان عقله و أخلاقه و حكمته. و في هذا الميدان كانت سيادة المنطق أقل بكثير منها في الميادين الأخرى من حياة الإنسان. الذين دفعوا ثمن هذا الابتعاد عن العقل و المنطق، و هذا الفساد و مقارنة الذنوب هم أبناء البشر، أحياناً أبناء مجتمع معين و في أحيان أخرى أبناء عدة مجتمعات. كانت هذه الحكومات في بداياتهاعلى شكل استبداد فردي، ثم تحولت مع تطور المجتمعات البشرية إلى استبداد جماعي منظم. لذلك كان أهم أعمال الأنبياء الإلهيين العظام مجابهة الطواغيت و الذين يضيعون أنعم الله: (و إذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل)(1). تذكر الآية القرآنية هذه الحكومات الفاسدة بهذه التعابير الشديدة . لقد حاولوا تعميم الفساد و عولمته. (ألم ترى إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً و أحلّوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها و بئس القرار)(2) . أبدلوا النعم الإلهية و الإنسانية و الطبيعية كفراناً، و احرقوا الناس الذين كان يجب أن يتمتعوا بهذه النعم، في جحيم محرقة أوجدوها بكفرانهم. اصطف الأنبياء مقابل هؤلاء. و لو لم يجابه الأنبياء طواغيت العالم و عتاة التاريخ لما كانت ثمة حاجة للحروب و النزاعات. حين يقول القرآن الكريم: (و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير)(3) ما أكثر الأنبياء الذين قاتلوا و حاربوا برفقة المؤمنين الموحدين.. مع من كانت هذه الحروب؟ الجانب الآخر في حروب الأنبياء هي الحكومات الفاسدة و القوى العاتية الطاغية في التاريخ التي جلبت على الإنسانية التعاسة و الدمار.إنزال الكتب و إرسال الرسل من أجل سيادة القسط و العدلالأنبياء هم منقذو البشر. لذلك يذكر القرآن الكريم أن أحد الأهداف الكبرى للنبوات و الرسالات هو إقامة العدل: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط)(4). بل إن إنزال الكتب الإلهية و إرسال الرسل كانت أساساً من أجل تسويد القسط و العدل في المجتمعات، أي لرفع رموز الظلم و العسف و الفساد. و قد كانت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) مثل هذه الحركة. يقول: إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(5) و قد قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله أو تاركاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان، ثم لم يغيّر عليه بقول و لا فعل، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله(6). بمعنى: إذا شاهد أحد قطب الظلم و الفساد و لم يكترث له كان مصيره عند الله تعالى نفس مصير ذلك القطب الفاسد. يقول عليه السلام إنني لم أخرج للتمرد و التفرعن. كانت دعوة أهل العراق للإمام الحسين (عليه السلام) من أجل أن يحكم، و قد استجاب الإمام الحسين لهذه الدعوة. أي إن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن عديم التفكير في الحكومة و استلازم زمام الحكم. كان الإمام الحسين (عليه السلام) يفكر بضرب القوى الطاغوتية، سواء باستلام السلطة أو بالاستشهاد و التضحية بالدم.صمت أدعياء الحق حيال الظلمكان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم إنه إذا لم يقم بهذا التحرك لكان هذا منه إمضاءً و صمتاً و سكوناً يُنزل بالإسلام ما يُنزل. حينما تمسك قوةٌ بجميع إمكانيات المجتمعات أو بإمكانيات مجتمع واحد، و تنتهج سبيل الطغيان و تسير فيه، إذا لم يقف بوجهها رجال الحق و دعاته و لم يؤشروا إلى مواطن الخطأ في مسيرتها، فإنهم إنما يمضون ممارساتها بفعلهم هذا، أي إن الظلم سينال إمضاء أهل الحق من دون أن يشاءوا ذلك. كان هذا خطأً و ذنباً ارتكبه يومذاك الأكابر و أبناء السادة من بني هاشم و أبناء الشخصيات الكبرى في صدر الإسلام. لم يطق الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك، فثار.ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) إحياء للعقل و المنطقيروى أنه بعد عودة الإمام السجاد (عليه السلام) إلى المدينة المنورة عقب واقعة عاشوراء - ربما كانت المدة الزمنية من خروج هذه القافلة من المدينة حتى عودتها، عشرة أشهر أو أحد عشر شهراً - جاءه أحد الرجال و قال له: يا بن رسول الله أرأيت ما الذي حصل بذهابكم؟ و كان على حق، فهذه القافلة حينما سارت كان الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) شمس أهل البيت المشرقة و ابن رسول الله و العزيز على قلبه على رأسها و بين أفرادها. و ابنة أمير المؤمنين قد سارت في القافلة بعزة و شموخ، و سار فيها أبناء أمير المؤمنين، العباس و سواه، و أبناء الإمام الحسين، و أبناء الإمام الحسن، و الشباب الألمعيون الأفذاذ من بني هاشم، كلهم ساروا في هذه القافلة، و ها هي الآن تعود و ليس فيها إلاّ رجل واحد هو الإمام السجاد (عليه السلام). و النساء ذقن طعم الأسر و الفجيعة و الثكل، و لم يعد هناك الإمام الحسين، و لا علي الأكبر، و لا حتى الطفل الرضيع. فقال الإمام السجاد (عليه السلام) جواباً لذلك الرجل: تصوّر ماذا كان سيحدث لو لم نذهب! نعم، لو لم يذهبوا لبقيت الأجسام حيّة و لكن لماتت الحقيقة و لذابت الروح و لسحقت الضمائر، و لأدين العقل و المنطق على مرّ التاريخ، و لما بقي من الإسلام حتى اسمه.الإيمان بالكفاح المشعل الوحيد المنوّر للقلوبحركة الثورة الإسلامية و النظام الإسلامي في زماننا هي بهذا الاتجاه. الذين شرعوا بهذه الحركة ربما خطر بأذهانهم أنهم سيستلمون السلطة يوماً و يؤسسون نظام الحكم الذي يريدونه، و لكن كان يخطر في أذهانهم أيضاً و بقوة أنهم قد يستشهدون في هذا السبيل أو يعيشون عمرهم كله في كفاح و مشقة و إخفاق. كان كلا السبيلين موجوداً، بالضبط كحركة الإمام الحسين (عليه السلام). في سنة 41 و 42 و بعد أعوام العسر السوداء و القمع في السجون، كان المشعل الوحيد الذي يدفّىء القلوب و يحضها على الحركة هو مشعل الإيمان بالكفاح، و ليس حبّ استلام السلطة. هذا الدرب هو درب الإمام الحسين (عليه السلام)، و الظروف الزمانية و المكانية قد تغيرت. تارة تتوفر الإمكانيات و ترفع راية الحكومة الإسلامية، و أحياناً لا تتوفر هذه الإمكانيات في الدرب فينتهي الأمر إلى الاستشهاد. ثمة الكثير من هذه النماذج على طول التاريخ.العلوم البشرية المعقدة في خدمة أهداف غير نزيهةفي الفترة التي وضع فيها الإمام أقدامه في هذا الطريق كانت العلاقات الإنسانية و ظروف الزمن أعقد بكثير من الزمن الذي وضع فيه الإمام الحسين (عليه السلام) أقدامه في هذا الدرب، و لا تزال العلاقات بين البشر تتعقد يوماً بعد يوم. تقاربت الطرق و تسهّلت الاتصالات لكن العلاقات تعقدت و صعبت، و ازدادت العوامل المتنوعة المؤثرة في كل حدث. الذين ينوبون اليوم عن يزيد بن معاوية في ذلك الزمن يمكنهم تركيز اهتمامهم على كل العالم، أي نشر الطغيان و الفساد في كل البشرية. هذا شيء ممكن عملياً في الوقت الحاضر بواسطة الاتصالات القريبة، و للأسف ثمة طغيان في العالم و هو ينمو و ينتشر. التقنية المتقدمة و العلوم المعقدة. بمقدار ما وفرت للناس العاديين السهولة و السرعة، وفرت الإمكانيات و السهولة و السرعة للنوايا و الأهداف غير النزيهة. بمقدور القوى الطاغوتية في العالم اليوم أن تجعل هدفها الهيمنة على العالم و على كل البشرية و على كافة مصادر الثروة لدى الإنسان. بوسعها أن تجعل هدفها تدمير كل الموانع و العقبات التي تصدها في سبيلها هذا، و للأسف تلاحظ في العالم أحياناً حالات طغيان كبرى تدل على مثل هذه الأهداف القذرة الخبيثة. الواجب اليوم جسيم جداً.النظام العالمي الجديد هدف الخطط الأميركية بعد انهيار المعسكر الشيوعي، حينما أعلن رئيس جمهورية أمريكا في حينها - والد رئيس الجمهورية في أمريكا حالياً - عن النظام العالمي الجديد، فقد كشف عن الهدف الاستكباري القديم لأمريكا، و أفصح عن ما في ضميره و ما في ضمير أجهزة التخطيط الأمريكية. و لم يكن هذا الأمر مختصاً بذلك الزمن، فقد قرروا منذ عشرات الأعوام و أعلنوا بأنهم لن يسمحوا لأية قوة أخرى بالدخول إلى أمريكا اللاتينية. يعتبرون أمريكا اللاتينية منطقة خاصة بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. ثم اتسع هذا المعنى ليشمل العالم كله، لكنهم لم يكونوا يذكرون هذا الشيء كهدف معلن و لا تلهج به ألسنتهم. بعد أن شعروا أنه لا يوجد أمامهم منافس كبير كالاتحاد السوفيتي، أعلنوا عن هذا الهدف بصراحة نسبية و رفعوا شعارات عالم بقطب واحد، و النظام العالمي الجديد، و قوة واحدة تهيمن على كل العالم. الهدف الذي تدل عليه ممارسات أمريكا طوال هذه العقود. الهدف هو نشر الهيمنة العسكرية، و تبعاً لذلك الهيمنة السياسية و الاقتصادية، و كل ذلك لصالح الشركات التي ترسم هي في الحقيقة سياسة الحكومة الأمريكية. هذه الشركات هي التي تحدد الاتجاهات و المسارات. هذه حقائق إذا أدركها الإنسان المعاصر فسوف يتخذ قراره في الوقت المناسب. إذا علمت الجماهير ما الذي يجري في عالمهم فسوف يكتسبون القدرة على اتخاذ المواقف و القرارات. بوسع الشعوب القيام بأعمال كبيرة.دور الحكومة الأمريكية في إسقاط أربعين حكومة مستقلةزوّدوني بإحصائيات تفيد أن الحكومة الأمريكية كان لها منذ سنة 1945 و إلى اليوم دور في إسقاط أربعين حكومة مستقلة غير تابعة لأمريكا، و كان لها تدخلها العسكري في أكثر من عشرين موطن و حالة! ترافقت هذه التدخلات بلا استثناء بحالات قتل جماعي و فجائع كبيرة. و كان النجاح حليف أمريكا في بعضها، بينما لم تنجح في حالات أخرى. ما يجول في أذهاننا و لا يفارقها هو أمثلة ساطعة و جلية، منها القصف النووي لليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية التي أشار لها السيد رئيس الجمهورية. و هناك مثال فيتنام و ما دار فيه من حروب دامية و تلك الفجائع التي لا تنسى و التي انتهت بإخفاق أمريكا، و مثال شيلي، و مثال إيران نفسها في انقلاب 28 مرداد - حيث جاء المأمور الأمريكي إلى طهران و خطّط و عمل، ثم أعلن هو نفسه عن هذه الحقيقة و نشرت الوثائق و هي الآن في متناول أيدي الجميع - و كذلك في أماكن عديدة أخرى. السبب في كل ذلك هو الشركات الاقتصادية الكبرى، و زعماء المال الكبار في أمريكا، و الأحزاب المتعطشة للسلطة و الهيمنة، و المجاميع الصهيونية المتنفذة، و الشخصيات غير السويّة من الناحية الفكرية و الأخلاقية و التي تمسك بزمام الأمور و الأعمال. هذه ملفات جد ثقيلة و ماضٍ جد مخزٍ. هذه ليست بالأشياء الصغيرة. القضاء على البشر غير مهم بالنسبة لهم، و إهدار الثروات غير مهم بالنسبة لهم، و سحق العدالة غير مهم بالنسبة لهم، و الفجائع الإنسانية غير مهمة بالنسبة لهم.. لا تشكل أي من هذه الأمور موانع في طريقهم. طبعاً، من أجل حفظ الظواهر يستخدمون إمكاناتهم الإعلامية الهائلة. ذكروا عبارة الصوت الأعلى و هي عبارة صحيحة. يحاولون بصوتهم الأعلى تنظيم المناخ العالمي بنحو يتكتمون معه على هذه الفجائع، و إظهار أنفسهم باعتبارهم مناصرين للسلام و الديمقراطية و حقوق الإنسان.إطلاق المبادئ السليمة ظاهرياً باعتبارها مبادئ أمريكيةتجري حالياً محاولات لتعريف المبادئ السليمة في ظاهرها على أنها مبادئ أمريكية. أشار رئيس جمهورية أمريكا في كلمة له في الكونغرس الأمريكي إلى هذا الموضوع، و بعد ذلك أصدر للأسف عدد من المثقفين الأمريكيين بياناً مطولاً لتوفير رصيد نظري لهذا الكلام، و قد ذكروا للعالم أشياء هي بخلاف الواقع، أي إنهم كذبوا على مستمعيهم. حاولوا التكتم على أصل القضية ألا و هي الجشع و التعطش للهيمنة و السلطة على العالم. طبعاً الرأي العام الأمريكي مهم جداً بالنسبة لهم - شريان حياتهم بيد الشعب الأمريكي - و سمعت أنه بسبب أن البيان أشار إلى بعض نقاط الضعف في أمريكا - و هي طبعاً نقاط ضعف صغيرة جداً في قبال نقاط ضعف كبيرة في أمريكا - لم ينشر أدعياء حرية الفكر و التعبير عن الرأي هذا البيان في داخل أمريكا! في نفس هذا البيان الواضح جداً و بلا شك أنه أعِدّ بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية و العسكرية و الاستخبارية الأمريكية، لأن بعض مقاطعه لم تكن مما يرغبون فيه، أي إنها اشتملت على قليل - قليل جداً و ليس كثيراً - من كشف الحقائق - و ستعرفون ذلك إذا اطلعتم على البيان - لم يسمحوا بنشر البيان كاملاً في داخل الولايات المتحدة، بل نشروه في مناطق أخرى من العالم. نشروا داخل أمريكا الأجزاء الخاصة بالحرب ليثبتوا أن بوش ينشد حرباً عادلة! حرب تنطوي على الدفاع عن المصالح الوطنية الأمريكية. نشروا هذا الجزء فقط.مواجهة خطر أعدّوا له ركائز نظرية إننا نواجه اليوم خطراً أعدوا له ركائز نظرية لخداع الرأي العام، و عرضوه في الواجهة. تعاضد السياسة و بعض المثقفين و وضعوا يداً بيد ليطلقوا في العالم هذا الواقع المحرّف. و وراء هذا الكلام تلك الأهداف الدائمية.. أطماع الهيمنة على العالم، و التسلط على جميع الثروات، و عدم إطاقة بلد واحد أو حكومة مستقلة واحدة غير مستعدة لقبول السياسات الأمريكية و الدساتير المملاة من قبل أمريكا، بأعين معصوبة. أرادوا إخفاء هذا الهدف وراء هذه الظواهر البراقة. هذه قضية مهمة جداً.ضرورة معرفة أرضية الخطر و دوافعهطبعاً، قلنا مراراً إننا لا نستطيع الأدعاء أبداً أن إيران ستتعرض لهجوم أكيد، لا، ليس هذا الأمر مؤكداً، و لكن لا مراء أيضاً أن ثمة أخطاراً تحدِّق بنا. و نحن الذين يجب أن نستطيع إحباط الأخطار التي تهددنا و محوها، و هذا بحاجة إلى أن يدرك النخبة و المسؤولون و الخواص، و هم أنتم في الغالب - المجتمعين في هذه الجلسة - الظروف بشكل صحيح، و يشخصوا الواجبات بنحو صائب، و أن تشعروا بأعباء المسؤولية على عواتقكم.. ليس من حقنا اليوم أن نخطئ. الخطر المحيق بنا - فقد ذكر رئيس جمهورية أمريكا الاسم علناً و صراحة، طبعاً أشار إلى ستين بلداً، لكنه ذكر أسماء ثلاثة بلدان منها بلدنا - يعدّ من حيث الأرضية و المحفزات مسألةً مركبةً و متعددة العناصر، و ينبغي معرفة عناصرها.إيران، العنصر الأولالعنصر الأول هو بلدنا العزيز إيران.. البلد المطل على نصف سواحل الخليج الفارسي، أي المصدر الأعظم و الأكثر بركة للطاقة في العالم اليوم و غداً. الموقع الجغرافي، و مجاورة الخليج الفارسي، و الإطلال على نصف سواحله، مضافاً إلى الخيرات المادية الكبيرة في البلد و كذلك الموارد الهائلة من الطاقات الإنسانية، هذه كلها من العناصر الأصلية التي تكوِّن هذه القضية.العنصر الثاني: نظام الجمهورية الإسلاميةالعنصر الثاني هو نظام الجمهورية الإسلامية.. نظام مستقل عزيز شجاع يعتمد على الجماهير، و الجماهير هنا جماهير خرجت مرفوعة الرأس من الامتحانات.. جماهير تحمل إيماناً عميقاً جسّدوه و أثبتوه لا باللسان بل بالعمل، و لا في ميدان واحد بل في ميادين متعددة. شعب يبغض بشدة الهيمنة الخارجية و يحمل ذكريات جد مريرة عنها. إنها نفس تلك الفكرة التي قالها الإمام السجاد (عليه السلام): ما كان سيحصل لو لم نفعل ما فعلنا. لقد جرب الشعب الإيراني هذا في حياته ذات يوم. يوم جرى تهديد البلد بإنقلاب 28 مرداد الأمريكي، لو تواجد الشعب في الساحة و شارك في الميدان لما جرب 25 سنة من الدكتاتورية السوداء و إهدار تلك الفترة الحساسة و المهمة جداً، مضافاً إلى إهدار كل تلك الثروات المادية و المعنوية. الشعب الذي جرّب الحالة المناقضة لتلك الحالة أيضاً، أي إنه شارك في الساحة في الثورة الإسلامية و ساهموا و تواجدوا و شاهدوا كيف يمكن عبر المرابطة في الساحة و من دون سلاح، احتلال أقوى قلاع الاستكبار في المنطقة، و طرد أمريكا من نقطة على جانب كبير من الأهمية و الخطر.. يمكن طرد أمريكا من إيران، و تبديل مقر الاقتدار و النفوذ الأمريكي ضد المنطقة كلها إلى مقر ضد مصالح أمريكا و هيمنتها. هذا ما خبره الناس و شهدوه.كل عزة و عظمة تمرّ بطرق التضحية و الشجاعة و الإقدامو كذا كانت الحال في الحرب أيضاً. في الحرب أيضاً كان البعض مترددون و يتساءلون: كيف نريد أن ندافع؟ حين كانت آلاف الكيلومترات المربعة من ترابنا تحت أحذية العدو، و كان العدو يقترح علينا في تلك الظروف وقف إطلاق النار و التفاوض و الحوار، كان البعض يضغطون على الإمام و غيره من المسؤولين لقبول وقف إطلاق النار. لكن الإمام صمد، و الشعب قاوم، و المسؤولين وقفوا ثابتين و شهدوا النتائج الحلوة لهذا الصمود. أجل، أية عزة و عظمة إنما تمرّ عن طريق التضحية و الشجاعة و الإقدام. لا يمكن فتح أية قمة من القمم بالاستسلام و الكسل و عدم مكابدة المشكلات. هؤلاء الذين ترونهم اليوم يجمعون الثروات و العلوم في العالم و يوظفونها لصالح مطامعهم، هؤلاء أيضاً مرّوا بأيام صعبة، و قطعوا طرقاً وعرة. الجريمة الأكبر التي ارتكبتها الحكومات المستبدة طوال تاريخنا هي أنهم لم يسمحوا للشعب بالتواجد في الساحة يوم كان يجب عليه تأمين مصالحه بتواجده و فاعليته و شجاعته. كان أشرف الأفغاني و محمود الأفغاني و جيوشهما يحاصرون إصفهان، كانت قلوب الناس تجيش و تندفع بشدة للدفاع عن المدينة، لكن الحكام الخاملين المنهزمين نفسياً خافوا و لم يسمحوا للناس بالدفاع عن أنفسهم. استسلم الحكام و سلّموا الناس أيضاً في الحقيقة. و كانت النتيجة أنه حينما اضطر المهاجمون بعد سنوات صعبة سوداء للخروج من إيران، أخذوا معهم كأسرى المئات و ربما مائتي ألف من النساء و الفتيات و اليافعين الإيرانيين. أي إنهم حتى حينما يغادرون سيتصرفون مع الناس بهذه الطريقة.أهم ما قام به الإمام فسحه المجال لدوافع الناس و مشاعرهمالجماهير جماهير جاهزة و مستعدة. العمل الأهم الذي قام به إمامنا الجليل هو أنه فسح المجال أمام دوافع الناس و مشاعرهم، و جعل تواجد الجماهير أمراً ممكناً. لم يلزم الإمام أحداً أو يجبره على الحرب، بل كان الشباب يأتون و يتوسلون بالتوجّه للجبهات. و قد رأى الشعب الإيراني نتيجة ذلك، و شاهد شموخه و عزته، و رأى بعينه ذلة العدو و خفّته، و سمع بأذنيه اعتراف العالم بأحقيته و مظلوميته، بعد عدة سنوات طبعاً. إنه شعب صاحب تجربة، و يتكئ على ثقافة غنية و يتمتع بينابيع الإسلام المعنوية، و له و الحمد لله مسؤولون واعون و أقوياء. إذن، أحد العناصر هو إيران بما لها من خصوصيات. و من العناصر أيضاً هو هذا النظام و هذا الشعب بهذه الخصوصيات، إذ ليس من السهل إيقاعه في الفخ و فرض الاستسلام و التبعية عليه. ليس من السهل تطميع هذا الشعب و خداعه و تسليط جماعة عميلة عليه، كما يفعلون ذلك في العديد من البلدان.العنصر الثالث: الطبيعة الاستكبارية لأمريكا العنصر الثالث هو الطبيعة الاستكبارية للطرف المقابل. تحتاج أمريكا إلى أن لا تكون هناك على مستوى العالم حكومة أو بلد ينال عملياً من كونها قوى عظمى. هذا شيء ضروري للنظام الجديد الذي طرحوه و صوروه. لا تستطيع أمريكا أن تطيق شعباً لا يخاف من تهديداتها و لا ينخدع بتطميعها، و لا يسير وراء سياساتها التي تمليها، بل ينتهج سياسة مستقلة، و لا يقبل قوامة أو سيادة أحد عليه.العنصر الرابع: التكتّم على المشكلات الداخليةالعنصر الآخر الذي له تأثير أكيد في هذه القضية و في هذا التهديد هو المشكلات التي يعاني منها الجانب المقابل. ينبغي عدم الظن بأن الأمريكان يهددون العالم بسبب استغنائهم و عدم حاجتهم و امتلاء بطونهم، لا، ليس الأمر كذلك. ثمة لديهم مشكلات داخلية و ركود اقتصادي، و تهديدات جادة ضد الحكومة الصهيونية في فلسطين المحتلة - و مصير هذه الحكومة مرتبط و قريب جداً من مصير أمريكا - و هناك تفعيل للوضع الاقتصادي للبلد من خلال صفقات السلاح بين الشركات و الحكومة الأمريكية. هذه قضايا على جانب كبير من الأهمية تفرض عليهم اتخاذ مثل هذه المواقف حتى تغطي على المشكلات الداخلية. في كلمة رئيس الجمهورية الأمريكي في الكونغرس يعد الرئيس الأمريكي الشعب بتخفيض الضرائب و وضع معلم كفوء لكل صف دراسي. هذه هي مشكلاتهم. و فوق ذلك توجد المشكلات الأخلاقية.. المشكلات الداخلية.. التصاعد الدائم للعنف، و تفاقم الانحلال و الفساد الأخلاقي، و الانهيار المستمر للعائلة داخل أمريكا. هذه ليست بالمشكلات الصغيرة. هذه بحار من الوحول كل من يقسط فيها - حتى لو كان بحجم أمريكا - سوف يغرق و يختنق. في مواجهة هذه المشكلات، يكتسب لفت الرأي العام الأمريكي إلى عدو أو حدث خارجي أهمية بالغة. هذا من العناصر الرئيسية للقضية.العنصر الخامس: اتساع موجة الصحوة الإسلاميةالعنصر الخامس هو اتساع موجة الصحوة الإسلامية في العالم. أن يقولوا برياء إننا نتقبل الإسلام لكننا لا نتقبل الأصولية فهذا ناجم عن نظرة سطحية و تحليل صبياني حملوه دوماً تجاه العالم الإسلامي و لاقوا انعكاساته ضدهم. موجة الصحوة الإسلامية اليوم واقع جاد و حقيقة لا تقبل الإنكار. يشعر المسلمون اليوم أنهم قادرون على التأثير في العالم و في وضع البشرية، و في مصيرهم. حينما يصل هذا الشعور لدى الشعوب إلى نقطة معينة فسوف يتبلور و يتجسّد و يتحول إلى واقع. هم يعلمون هذا و قلقون منه. و نموذج ذلك حدث الانتفاضة الفلسطينية النادر جداً. أناس بلا سلاح و لا أبسط إمكانيات، مقابل واحدة من أكثر القوى في المنطقة جاهزية و عُدّة، يتعرضون للمجازر و القتل دون أي قيد أو شرط، و تنهال عليهم شتى صنوف الضغط الجسمي و الروحي و الاقتصادي، و مع ذلك يصمدون و يواصلون الانتفاض 17 شهراً. بأي تحليل عادي سياسي دارج يمكن تحليل هذا الحدث؟ لماذا يصمدون؟ لماذا لا يستسلمون؟ لماذا لا يستطيع العدو بكل ضغوطه تركيع هذا الشعب الفلسطيني الفائر الروح؟.. هذا الشعب القليل العدد و المحاصر و الذي لا تصله مساعدات من أي مكان.. ما هي الدوافع و الينابيع المتدفقة في قلوبهم التي لا تدعهم يتعبون؟ من أين ينبع كل هذا؟ ما هو ذلك العامل الذي يجعل الأم الفلسطينية تقبِّل ابنها و تبعثه ليقتل ثم تقول لو كان لي مائة ابن لبعثتهم؟ هذا العامل على جانب كبير من الأهمية. ما هو هذا العامل الذي يستعصي على الحسابات السياسية و الحوارات و المفاوضات الدبلوماسية و معادلات الشركات؟ إنهم يرون هذا و يخافونه بشدة، و يسعون لتجفيف هذا المعين، و القضاء على هذا العامل المحفز الخلاّق.التهديد الأمريكي الجاد موجّه لإيران الإسلاميةينبغي النظر للقضية بكل أبعادها. ليست القضية الآن أن يقال هناك أربعة أشخاص هربوا من البلد الفلاني و لجأوا للبلد الفلاني، حتی تأتي أمريكا بكل حجمها لمحاربة هذا البلد لأن أربعة أشخاص هربوا إليه. ليست هذه هي القضية.. النظرة للمسألة بهذه الطريقة تبسّط و سذاجة. أبعاد القضية أعمق بكثير و سأشير إلى بعضها. حصلية الجمع بين هذه العناصر هي تهديد جاد يستهدف إيران الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية.وصمة سوداء لا تنسى في جبين التيار التنويري في أمريكاطبعاً، ليس رئيس جمهورية أمريكا هو المخطط لهذه السياسة، كما إنها ليست سياسة تختص بزمانه. ثمة رجال خلف كواليس السياسة الأمريكية يفعلون ذلك. طبعاً يمكن للظروف أن تقرِّب أو تبعِّد المطاليب الكبيرة. و الأمر بحاجة لتبريرات يُخدع بها العوام من الناس، حيث جاء للأسف هذا البيان الذي أصدره المثقفون الأمريكيون للنهوض بهذه المهمة و لا أريد الخوض فيه، لأن ذلك من مهمة مثقفينا و وظيفة أساتذتنا و النخبة السياسيين و الثقافيين في بلادنا أن يدرسوا هذه الكلمات و يكشفوا للملأ الحقيقة المرّة التي انطوى عليه البيان باسم الثقافة. لكنني أقول فقط إن ترقيع هذا البيان من قبل عدد محدود - أكثر من خمسين شخصاً أو ستين شخصاً - من المثقفين الأمريكان وَصَمَ الاستنارة الأمريكية بوصمة سوداء لا تنسى. المثقفون الذين يجب أن يعارضوا بصراحة و علانية الحرب و التعدي و الاعتداء و المجازر المنفلتة، و قد فعل المثقفون الأمريكيون ذلك طوال سنوات متمادية، يبررون الآن تصرفات الشركات الأمريكية التي تريد بحرابها تمرير مشاريع الأجهزة السياسية و رئاسة الجمهورية، و يصدرون فتاوى المجازر، فتاوى ثقافية! الجلوس على موائد الشركات الصهيونية و إصدار فتاوى المجازر شيء لن تمحى وصمة عاره عن جبين أي مثقف يرتكبه، و للأسف فإن هؤلاء المثقفين الذين وضعوا أنفسهم للإيجار ارتكبوا مثل هذا الخطأ الكبير.لا يمكن للمبادئ الأمريكية أن تكون مبادئ عالمية شاملةيطرح الأمريكان مبادئ باعتبارها المبادئ الأمريكية و يقولون إنها أصول عالمية شمولية. هذه المبادئ هي حرية الإنسان، و حرية الفكر، و كرامة الإنسان، و حقوق الإنسان، و أمور من هذا القبيل. هل هذه مبادئ أمريكية؟! هل هذه هي خصوصيات المجتمع الأمريكي اليوم؟! هل سمات الحكومة الأمريكية اليوم هي هذه التي تذكرونها؟! ألم تكن هذه الحكومة هي التي ارتكبت المجازر ضد سكان أمريكا الأصليين؟ و قضت على الهنود الحمر في أمريكا؟ ألم تكن هذه الحكومة و العناصر المؤثرة في هذه الحكومة هي التي أخذت ملايين الأفارقة من بيوتهم عبيداً، و اختطفت بناتهم و بنينهم الشباب للاستعباد، و عاملتهم طوال سنوات متمادية بأفجع ما يمكن؟ من الأعمال الفنية التراجيدية اليوم عمل اسمه كوخ العم توم(7)، الذي يروي حياة العبيد في أمريكا، و هو كتاب لا يزال حياً رغم ما يقارب مائتي عام على ظهوره. هذه هي حقائق أمريكا و هذه هي الحكومة الأمريكية. هذه هي السمات و الخصيصة التي عرضها النظام الأمريكي على العالم، و ليس حرية الإنسان أو المساواة بين البشر. أية مساواة؟! إنكم لا تساوون لحد الآن بين الأسود و الأبيض. لا يزال العرق الأحمر في الشخص لحد الآن نقطة ضعف لديه في كل مرحلة من مراحل التوظيف الإداري عندكم. المساواة بين البشر؟! حرية الفكر؟! هل أنتم على استعداد لبث هذه الكلمة أو كلمة السيد رئيس الجمهوري في وسائل إعلامكم في أمريكا؟ إذا كانت هناك حرية فكر و حرية تعبير خذوا كلمة السيد خاتمي هذه التي استغرقت نصف ساعة و بثوها. أية حرية فكر؟! وسائل الإعلام متنوعة، لكن أزمّتها كلها مرتبطة بالأجهزة الرأسمالية و الرأسماليين الكبار في أمريكا و معظمهم في قبضة الصهاينة! هل هذا هو معنى حرية وسائل الإعلام في أمريكا؟! لماذا تكذبون على الناس في العالم؟ هل هذه هي المبادئ الأمريكية؟! ثمّ يقولون إن المبادئ الأمريكية عالمية شاملة. و من أنتم حتى تسمحون لأنفسكم بوضع مبادئ عالمية للبشر؟ قبلكم كان للشيوعيين مبادئ عالمية. استالين أيضاً كانت له مبادئ عالمية. كان يقول إن العالم كله يجب أن يطيعني و يتبع هذه المبادئ. و الفاشيون في العالم أيضاً كانت لهم مبادئ عالمية حسب ظنهم. أي منطق هذا الذي يقول إن مبادئنا هذه مبادئ عالمية و كل من لا يقبلها في العالم يجب أن نقصفه بالقنابل النووية. هل هذا المنطق منطق شعب حرّ؟! هل هذا منطق حكومة تؤمن حقاً بكرامة الإنسان؟! هكذا تكذبون على البشرية؟!المظهر الأسوء للروح الاستكباريةيقول ذلك الرجل(8) في كلمته: كل من ليس معنا فهو علينا! تكررت هذه العبارة عدة مرات. هذا هو أسوء مظاهر الروح الاستكبارية لقوة من القوى أو حكومة من الحكومات. من قال إن من حقكم الريادة و القيادة في مجابهة الإرهاب؟ إذا كان الملاك قتلاكم على أيدي الإرهابيين فتعالوا و انظروا كم من أبناء الشعوب الأخرى قتلوا على يد الإرهاب. حالياً يقتل أبناء فلسطين كل يوم في ديارهم و يُغتالون صراحة و علناً على يد غاصبي ديارهم. ألم يكن هجومكم على فيتنام عملاً إرهابياً؟ ألم يكن هجومكم على هيروشيما و ناكازاكي عملاً إرهابياً؟ ألم يحترق البشر هناك بنيران غضبكم عمداً و وفق حسابات معينة و من دون أن تعرفوا من هم أصلاً؟ بأي حقّ يجب أن تكونوا حداة قافلة مكافحة الإرهاب؟ و بأي حق تفسرون أنتم الإرهاب؟ أي استكبار هذا؟ هنا، حينما تبث هذه الكلمات في العالم و يسمع الناس في الدنيا هذا الكلام منهم، يدركون لماذا جعلت الثورة الإسلامية الاستكبار و المستكبرين منذ البداية ضمن مفرداتها السلبية و ركزت إعلامها عليها. الناس في العالم يفهمون معنى الاستكبار الذي تقصده الثورة الإسلامية.موقفنا الواضح: التفاهم، و التعاطف، و سياسة مكافحة التوتريتجاهلون الوجه البارز للمجتمع الأمريكي - أي العنف، و الإباحية، و إشاعة التحلل، و عسف الأفراد ضد بعضهم، و انعدام الأمن في وضح النهار - يتجاهلون كل هذا و يسكتون عنه. كما تعتمد تلك الحكومة على حق قوتها و عسفها و تسمح لنفسها بالتعدي، كذلك الحال في شوارع نيويورك و بعض المدن الأمريكية الأخرى. كل من يمتلك القوة و يستطيع استخراج المال من جيوب الآخرين بالقوة، يفعل ذلك. و كل من يملك سلاحاً و يستطيع أن يقتل عدداً من زملائه في المدرسة، يعطي لنفسه الحق بأن يفعل ذلك. هذه هي نتيجة ذلك المنطق. هذه مشكلات كبرى يعانون منها. ثم يقول رئيس جمهورية أمريكا مخاطباً الشعب الإيراني: عودوا إلى العائلة العالمية.. انضموا إلى العائلة العالمية! أي إنكم ضد العالم كله. هل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد العالم كله؟! أنتم اليوم بتفردكم و غطرستكم تبتعدون تدريجياً عن المجتمع العالمي و العائلة العالمية. ليس لإيران مشكلة مع العالم. علاقاتنا مع آسيا، و أوربا، و أفريقيا، و معظم بلدان العالم علاقات قريبة و علاقات صداقة و تعاون. كنت أودّ كثيراً لو توفرت اليوم للسيد رئيس الجمهورية الفرصة لتقديم تقرير عن زيارته الخيرة الناجحة جداً و الحوارات التي أجراها، و لكن يبدو أن الوقت لم يتسع(9). العالم كله يعرف تفاهمنا و تعاطفنا مع العالم و سياسة مكافحة التوتر التي لا نعتزم في إطارها إثارة التوتر مع أي طرف لا يريد الدخول في توتر معنا، و التعاون مع أي جانب يروم التعاون معنا. مواقفنا مواقف واضحة.تهديد أمريكا لن يقتصر على عدة بلدانبالطبع، أدرك الكثيرون في العالم اليوم أنه لو قُدِّر لهذا السياق التعسفي المتغطرس المتفرِّد أن يستمر فإن هذا التهديد لن يقتصر على عدة بلدان، كما لن يقتصر على العالم الإسلامي. و قد ظهر تهديدهم النووي مؤخراً بشكل غير رسمي ضد روسيا و الصين(10). و لو استطاعوا لهددوا حتى أوربا. ليس لهذا السياق و لهذه العملية المغلوطة المعيبة حدود تقف عندها. العالم كله ضدها. كل من ينكر قدرتها المطلقة فهو ضدها. هذا أمر لا يختص ببلد واحد و بلدين. ينبغي إيقاف هذه العملية المعيوبة.واجب النخبة معرفة الواقعنحن اليوم أمام هذه الظاهرة. الواجب الأول الذي يقع على عاتق النخبة في البلاد هو معرفة الواقع، و اختيار أفضل الطرق للبلاد و الشعب و النظام. هذا هو واجب النخبة. البعض قد لا يرى وجود أية أخطار تهدد النظام، فيقولوا: لا، ما من خطر يهدد النظام. و البعض قد يوافق وجود الأخطار لكنه يراه موجّهاً ضد جزء من النظام و ليس كل النظام، و يتصور نفسه خارج ذلك الجزء المهدد. و البعض قد يعتبرون الخطر جاداً لكنهم يتصورون الحل في الاستسلام و تقديم الاعتذار. كل هذه السبل خاطئة. التهديد موجود و هو ضد النظام برمته. لا يظننّ أحد أن المعتدي المستكبر المتمرد يقنع بأقل من الهيمنة الكاملة و أنه سوف يبقي على أحد. طبعاً، من التكتيكات المعروفة و البالية في العالم هو أن يحاولوا إخراج جماعة من دائرة الأعداء بشكل مؤقت، ليستطيعوا القضاء على الباقين، ثم يعودوا إلى أولئك الذين استثنوهم. الخطر موجود و يشمل الجميع. و السبيل لمواجهته الحفاظ على عناصر القوة داخل النظام و مضاعفتها.الدفاع الشامل مقابل شن الحربلدينا الكثير من عناصر القوة. يجب علينا المحافظة على هذه العناصر و مضاعفتها باستمرار. إننا لسنا ضعفاء، و يجب أن نكون جاهزين أمام الخطار و التهديدات. إذا لم نكن جاهزين فعلينا أن ننتقل إلى حالة الجاهزية، و إذا كنا جاهزين فينبغي لنا المحافظة على هذه الجاهزية و مضاعفتها. إعلان الدفاع الشامل مقابل إعلان الحرب - و أوكد و أشدد على كلمة الشامل - و المبادرة إلى الدفاع و توجيه الضربات المضادة مقابل المبادرة للحرب.عدم الترحيب بالحربما هو موقفنا؟ إننا لا نرحب بأية حرب. ليعلم الجميع هذا. هذا هو الموقف الموحد و المتلاحم لكافة المسؤولين في النظام. إننا نعتبر تجنب الحرب واجبنا. و نعتقد أن التوجّه الحالي لأمريكا يجر المنطقة و العالم إلى عدم الاستقرار. و نعتقد في الوقت ذاته أن أمريكا تبالغ في تقدير قدراتها و قواها. ليست الصواريخ و الذرة كل العناصر اللازمة لما يريدون الحصول عليه. لا بد من الكثير من الأشياء الأخرى التي لا يمتلكونها. و هم يعانون الغفلة و اللاوعي فيما يتصل بقدرات شعبنا الكبير و منطقتنا الحساسة و مسؤولينا الواعين. لدينا قدرات إنسانية، و قدرات جغرافية. منطقتنا منطقة حساسة جداً. عدم الاستقرار في هذه المنطقة يعرض العالم لعدم الاستقرار. هذه حقائق مهمة جداً ينبغي التنبه لها. و الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست طالبان المرتبطة ببلد أجنبي حتى تموت تلقائياً إذا قطعوا هذا الارتباط. الجمهورية الإسلامية بلد كبير بشعب عظيم، و إمكانيات هائلة، و حيوية و نشاط، و إسناد كبير من كل العالم الإسلامي، و قدرة رادعة عالية جداً. الجمهورية الإسلامية لا تقبل المقارنة بنماذج أخرى.الإصرار على الحق و استخدام العقل و التدبير و الحزمجوهر كلام الطرف الأمريكي هو أنهم يقولون لنا: كونوا ضعفاء و تابعين و عملاء لكي لا نهاجمكم، و هذا شيء مستحيل. إننا لسنا ضعفاء، بل أقوياء و أعزاء و شامخون. لا شعبنا، و لا حكومتنا، و لا تاريخنا، و لا ثقافتنا تسمح لنا بالاستسلام مقابل أي عدو، و هذا الشعب سوف لن يستسلم أبداً. موقفنا هو الإصرار على الحق و استخدام العقل و الحزم و التدبير، و هذا ما نعتبره السبيل الوحيد لصيانة البلد. علينا المحافظة على مواقفنا الحقة، كما يجب علينا استخدام العقل و التدبير و الحزم في جميع المراحل و الأطوار. تقع على النخبة في هذه الفترة واجبات جسيمة، و هذه الفترة هي فترة امتحان مهمة.عين التاريخ قلقة علينا أنا و أنتم. أنتم اليوم تديرون واحدة من أهم الحقب في تاريخ بلادكم، و أنتم أبطالها و رجالها الأصليون. عليكم التنبه و التركيز جداً. لحسن الحظ فإن الأقسام الأصلية التي ترتبط هذه القضايا بها - أي المجلس الأعلى للأمن القومي و كل الفروع في مختلف القطاعات الحكومية ذات الصلة بهذا المجلس - ناشطة فعالة بشكل جيد. و على الأجهزة الخرى أيضاً زيادة سعيها و جدّها.القيام بالواجبات القانونية على أحسن نحولدينا يجب أكيدة، و لدينا أيضاً يجب أن لا أكيدة. . الـ يجب الأكيدة هي أن يقوم الجميع بالواجبات الملقاة على عواتقهم حسب القانون. هذا هو أساس العمل. أي إن القطاعات الحكومية المختلفة إذا أرادت القيام بواجباتها الحقيقية فعليها النهوض بالمهمات التي تقع على كاهلها حسب القانون بنحو جيد و كامل و سالم. على كافة القطاعات المختلفة أداء واجباتها بشكل جيد. و ثمة قطاعات تختص بفترات تشبه هذه الفترة. هؤلاء أيضاً عليهم أداء أعمالهم على أحسن نحو. هذه هي الـ يجب الأكيدة التي تعود علينا جميعاً. هذه اللحظات الحساسة في تاريخ البلدان و الشعوب قد تبدو عادية بالنسبة للذين يعيشونها، لكنها مهمة جداً بالنسبة للذين سيصدرون أحكامهم عنها في المستقبل. أي تصريح أو سكوت، أية حركة أو مبادرة ستكون تحت مجهر الجماهير في المستقبل، كما أنها اليوم تحت مجهر الكرام الكاتبين. المأمورون الإلهيون يرصدون أعمالنا: و كنت أنت الرقيب عليَّ من ورائهم و الشاهد لما خفي عنهم(11) أية حركة منكم اليوم يمكنها أن تكون مؤثرة. لذلك، ينبغي التدقيق و المراقبة في كل كلمة و خطوة و موقف و قول و صمت يصدر عنّا. هذه هي الـ يجب اللازمة الأكيدة.لا تهابوا الأعداءو ثمة يجب أن لا و هي عبارة عن عدم الخوف و التهيّب. الخطأ و الضرر و الخطر الأكبر الذي قد يتعرض له بلد في مثل هذه الظروف هو أن يشعر العدو أنه استطاع إرعابه و إخافته. بل من أدوات القوى العظمى هي الإرعاب و الإرهاب. أحياناً تبدو هيبة كون الدولة الفلانية قوة عظمى أمام الضعفاء أكثر تأثيراً من السلاح. البعض يُنزِلون بأنفسهم، خوفاً من القوى الكبرى، ذات البلاء الذي قد تنزله بهم القوى الكبرى. لا تهابوهم! البعض يتحدثون في الحوارات المختلفة التي تدور هذه الأيام، و يتصرفون بطريقة تفسد الانضباط اللازم الذي يحتاجه البلد في مثل هذه الظروف. نعتقد أن بعض هذه التصريحات و المواقف سببها سوء الذوق و التقدير، و بعضها نتيجة الخوف و التهيّب. مفاوضة الظالم المتغطرس لا تعالج أية مشكلةلا يتصور أحد أن سبيل الحل في مثل هذه الظروف هو العودة لنفس هذا ذلك الظالم المتعسف المهدِّد، فنتفاوض معه و نستشيره فيما يصلح و ما لا يصلح! التفاوض ليس سبيل حل. و التفاوض لا يعالج أية مشكلة من هذه المشكلات. البلدان الأخرى التي تعرضت للتهديد لها أبواب مفتّحة للتفاوض مع أمريكا، و لها علاقاتها معها، و مع ذلك تتعرض للتهديد. قد تكون هناك مفاوضات و حرب في نفس الوقت. و قد لا تكون ثمة مفاوضات و لا تكون حرب أيضاً. و قد تكون ثمة حرب معها العزة و الانتصار. و قد لا تكون هناك حرب لكن حالة عدم الحرب هذه مصحوبة بالذلة و الأسر. لا يظننّ أحد أننا لو ذهبنا إليهم و قلنا لهم ما الذي تريدونه، و طالما كنتم غاضبين إلى هذه الدرجة، قولوا إذن ما تريدون و سوف تعالج المشكلة. العزيمة و التوكل هما العوامل الحاسمة. و في المقابل فإن الانهزام النفسي و التهيّب أيضاً عوامل مصيرية حاسمة.نحن أصحاب حوار في العالمنحن أصحاب حوار و تفاوض في العالم. منذ أن كنت في رئاسة الجمهورية كنت أوكد على وزارة الخارجية و الأجهزة المختلفة أن اذهبوا و تحدثوا مع الحكومات و البلدان و شاركوا في المحافل العالمية. و كنت أشدد دوماً على رؤساء الجمهورية بعد رئاستي للجمهورية أن سافروا و زوروا البلدان، و شاركوا في المفاوضات و الحوارات و تواصلوا مع الآخرين. لتكن لكم زياراتكم المتبادلة. إنني مؤمن بالحوار و التفاوض أساساً، و لكن التفاوض مع من و على ماذا؟ التفاوض للوصول إلى قدر مشترك يجب فيه على الجانبين أن يعترفا ببعضهما، و يكون ثمة حدّ وسط يتفاوضان للوصول إليه. الجانب الذي لا يعترف بكم أساساً و يعارض أساس وجودكم كجمهورية إسلامية، أية مفاوضات يمكن أن تكون لكم معه؟! إنه يقول صراحة إنني أعارض النظام الديني، و أعارض نظام الجمهورية الإسلامية على وجه الخصوص لأنه صار مصدراً لصحوة المسلمين في العالم. و هو يعتبر بصراحة الحركة الإصلاحية في إيران حركة معادية للنظام الإسلامي و يفهمها بهذا المعنى. إخوتنا و أخواتنا العاملون تحت عنوان الإصلاحيين لا يعتبرهم إصلاحيين أساساً! الذين يعتبرهم إصلاحيين هم أولئك الذين يريدون زوال هذا التيار و ذاك التيار، بل لا يريدون وجود النظام الإسلامي أساساً. إذن، أية مفاوضات يمكن أن تجري مع الذي يعارض أساس النظام الإسلامي، و إذا بادر مبادرة معينة، أو مدّ يد الصداقة لأحد، إنما يفعل ذلك على أساس تكتيك معين و للخداع و الحيلة؟ ما هي النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها مثل هذه المفاوضات؟التفاوض يجب أن يأتي من منطلق القوة و الاقتداريجب أن تأتي المفاوضات من منطلق القوة و الاقتدار. الذين يفكرون في التفاوض أثناء ظروف الخطر و التهديد إنما يعلنون عن ضعفهم بأعلى الأصوات. هذه خطوة خاطئة جداً. لقد ذكر الإمام الخميني ما هو فوق المفاوضات، قال: إذا أصبحت أمريكا آدميةً سنقيم معها علاقات! أي إذا تخلت عن طباعها الاستكبارية و كانت جانباً متكافئاً، و لم تشأ متابعة أهدافها داخل إيران عندئذ ستكون حكومة مثل سائر الحكومات. لكن الواقع غير هذا.. ليس هذا هو الواقع. إنهم لا تزال تراودهم أحلام الهيمنة التي كانت لهم على عهد النظام البهلوي. يفكرون في عودة تلك الفترة و الهيمنة. إنهم يعارضون من الأعماق النظام المستقل الذي يريد أن تكون له سياسته و مواقفه، و يدافع عن دينه و عقائده و ثقافته. و رغم أنهم لا يقولون هذا بصراحة في الوقت الراهن، لكنه يبدو و يستشف من ثنايا كلامهم.أمريكا غاضبة من أصل التفكير الإسلاميأمريكا تعارض الإسلام حتى لو لم يكن إسلاماً يحكم، أي حتى بالمقدار الموجود اليوم في العربية السعودية و مصر. على فرض المحال لو استطاع الأمريكان تحقيق أهدافهم هنا، فسوف يتبيّن ما هو موقفهم منهم. زوّدوني بتقرير يفيد أن المأمورين الأمريكان قالوا لأحد وزراء أحد البلدان الإسلامية المعروفة إن عليكم التقليل من تدريس قضايا الدين و الجهاد في كتبكم المدرسية، لماذا تأتون بمثل هذه الأمور في كتبكم المدرسية؟ هذه هي المسألة. إنهم منزعجون و غاضبون من أصل الإسلام و التفكير الإسلامي الذي يحضّ صاحبه على عدم الخوف و التهيّب من أية قدرة مادية. و هذه هي خصوصية القرآن و الإسلام.اتفاق المسؤولين حيال غطرسة العدويجب علينا المحافظة على عناصر القوة و الاقتدار. العنصر الأهم من عناصر اقتدارنا هو الشعب، و العامل المهم الذي يبقي الشعب حيوياً ناشطاً في الساحة هو إيمانه و اتحاده. أرجو أن لا يتحدث أصدقاؤنا في مفاوضاتهم و تصريحاتهم بطريقة تشيع شبهة عدم الاتحاد و الوحدة في قلوب الجماهير. قال رئيس الجمهورية المحترم و هو على صواب إنه لا يوجد اليوم بين مسؤولي البلاد أي خلاف - و الحمد لله - حول هذه الموضوعات المطروحة. كلهم يفكرون بطريقة واحدة و يؤكدون على الصمود و المقاومة و عدم الاستسلام و الإصرار على الحق.. لا أحد يفكر بغير هذا، و هذا ما يريده الشعب.. الشعب يغتبط و يفرح بمشاهدة المواقف المتحدة للمسؤولين، فأبناء الشعب مؤمنون. ينبغي عدم الانخداع بإعلام العدو حين يقول إن الشعب منفصل عن النظام. ليس الأمر كذلك. الشعب مؤمن و محبٌّ للنظام الإسلامي، و قد أثبت للحق و الإنصاف وفاءه في جميع المراحل و الأطوار. نحن المسؤولين قصّرنا كثيراً، لكن الشعب لم يقصّر، و سوف لن يقصِّر، و علينا نحن أيضاً أن لا نقصِّر. على المسؤولين في القطاعات المختلفة أداء واجباتهم المرسومة لهم في القانون بنحو كامل و سالم و على أفضل وجه. هذا حق الشعب، و هو من أهم عناصر وحدتنا.الاختلاف بين المسؤولين أكبر مشجِّع للعدوأي اختلاف يظهر يشجع العدو على الهجوم. ثمة من يقول: لا تشجِّعوا العدو على الهجوم، و أنا أوافق هذا القول. ينبغي عدم تشجيع العدو على الهجوم. و لكن هل تعلمون ما الذي يشجع العدو على الهجوم؟ أكبر ما يشجع العدو على الهجوم هو أن يشعر بوجود اختلاف بين مسؤولي البلد و بين الساسة و النخبة السياسيين. الاتحاد و الوحدة التي أوكد عليها كل هذا التأكيد و يشدد عليها كافة مسؤولي الدولة و مدراؤها ليس الاتحاد و الاتفاق على مختلف القضايا السياسية. قد تكون هناك اختلافات بين المسؤولين في القضايا الاقتصادية و السياسية، و لكن هناك اتفاق حول ضرورة مقاومة الشعب الإيراني و صموده حيال غطرسة العدو عسفه. على الجميع أن يتفقوا على هذا الموقف و هم متفقون، و يجب أن يعلنوا ذلك. يجب أن يذكروا هذه الوحدة و هذا الاتفاق بصراحة. أي شيء ينال من هذه الوحدة و يشي بالاختلاف يشجع العدو. الذين يبثون أصواتهم عبر القنوات غير الشرعية و غير المباركة للأجهزة العملية للمنظمات الاستخبارية للعدو في العالم و يشبِّهون الجمهورية الإسلامية برضا خان المستبد و نادر شاه صانع المآذن من جماجم البشر، هؤلاء يشجعون الأعداء.دروس الإمام الخميني حيّة في قلوبناإننا نشكر الله على أن ربط على قلوبنا بفضل الإيمان به، و نشكره على أن جعل دروس إمامنا الجليل حيّة متفاعلة في قلوبنا. نشكره تعالى على أن منَّ علينا بتلك الشخصية التي تبلورت فيها التقوى و الشجاعة و التوكل على الله، و كانت تجسيداً لقدرة الله في وجود الإنسان. شهدناه و تمّت علينا الحجة.. نشكر الله على أن القلوب مستنيرة بهذه الحقائق. عمِّقوا هذه الحقائق في قلوبكم يوماً بعد يوم عن طريق التوجّه إلى الله. اصمدوا فإن الحق معكم و النصر لكم.اللهم، أنزل بركاتك و رحمتك و هدايتك علينا، ربنا اجعل حضورنا و موقفنا في هذه الجلسة و ما قلناه و سمعناه لكَ و في سبيلك و مقبولاً عندك. اللهم أعزز الإسلام و المسلمين، و أمحق أعداء الإسلام و المسلمين. ربنا، بمحمد و آل محمد أرضِ عنا القلب المقدس لسيدنا الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه، و اشملنا بعونك و عونه.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة البقرة، الآية 2052 - سورة إبراهيم، الآية 28 - 293 - سورة آل عمران، الآية 1464 - سورة الحديد، الآية 24.5 - بحار النوار، ج 44، ص 329.6 - رجال النجاشي، ص 144.7 - هارييت بيتشرستاو (1811 - 1896م)، ترجمة منير جزني.8 - جورج بوش.9 - زيارة السيد خاتمي للنمسا و اليونان (11 إلى 15 آذار 2002 م).10 - تقرير سري للبنتاغون نشر في صحيفة لوس انجلس تايمز، يفيد إعداد خطة طارئة لاستخدام محتمل للأسلحة النووية ضد إيران، و الصين، و روسيا، و سورية، و العراق، و كوريا الشمالية، و ليبيا.11 - مفاتيح الجنان، دعاء كميل.    
2010/03/17

كلمة الإمام الخامئي بمناسبة ولادة الرسول الأعظم (ص)

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك هذا العيد السعيد لكافة الحضور المحترمين و الضيوف الأعزاء و لكل الشعب الإيراني الكبير، كما نباركه لجميع المسلمين في العالم و الأمة الإسلامية الكبری و لكل طلاب الحق و الحرية في العالم. يوم السابع عشر من ربيع الأول يوم كبير جداً في تاريخ الإنسانية. يوم ولادة زبدة البشرية و صفوة الأطياب و خلاصة الفضائل الإلهية المودعة لدی أبناء البشر. و كذلك يوم ولادة الإمام الصادق (عليه الصلاة و السلام) وصي الرسول بحق و ناشر الفكر الإسلامي‌ الصحيح و الإسلام الخالص. إنه يوم مبارك جداً للمسلمين. يومَ حلّ هذا الوجود المقدس في هذا العالم كان نوراً في قلب الظلمات المتراكمة «ظلمات بعضها فوق بعض» (1). يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) شارحآً الأوضاع و الأحوال في تلك الأيام و الواقع الحالك للإنسانية في ذلك الحين:‌ «و الدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور» (2). النور كان قد فارق قلوب الناس و المجتمعات لا في البيئة العربية فقط بل حتی في قلب الأمبراطوريات الكبری و الحكومات المتحضرة آنذاك، أي الدولة الإيرانية القديمة و الروم القديمة. الغرور و الخطأ في فهم الحقيقة كان ظاهراً بادياً في جميع مناحي الحياة. لم يكن الناس يعلمون الطريق الصواب و لا الهدف الصحيح. طبعاً كان ثمة مؤمنون في ذلك الحين يسيرون في الطريق الصحيح. هذا لا يعني أن جميع أبناء البشر كانوا عاصين مذنبين في ذلك الحين، لكن الواقع العام كان علی ما مرّ بنا. الوجه الغالب للعالم كان وجهاً حالكاً مظلماً و ظالماً يطغی عليه نسيان كل ما يدلّ علی الإنسانية. في مثل هذا الواقع سطع نور الرسول بإرادة الباري العزيز المتعال. هذا يوم يستعصي علی النسيان في تاريخ البشرية. و استذكاره لا يعني أننا نروم تجديد تأثيره في العالم، إذ إن هذه الحادثة و هذه الظاهرة العجيبة و العظيمة ستترك - شئنا أم أبينا - آثارها في تاريخ الإنسانية. إذا كان ثمة ذكر للشرف الإنساني و للفضائل الأخلاقية و للخصال الحميدة في وجود الإنسان فمردّ ذلك إلی هذا الكيان المبارك، و هذه البعثة التي تمثل كمالاً لكل البعثات، و الجامعة لكل فضائل الرسل و الأنبياء.علينا نحن الأمة الإسلامية أن نجعل هذه الظاهرة و هذا الحدث درساً لأنفسنا. علينا أن نلاحظ أنفسنا قبل أن نلاحظ الآخرين. الأمة الإسلامية اليوم بأمس الحاجة إلی إعادة إنتاج الحقائق الإسلامية و تلك الأحداث العميقة العظيمة. إننا اليوم كأمة إسلامية بمنتهی الحاجة لقناديل هداية‌ الرسول الأكرم (ص). تشكل الأمة الإسلامية من حيث عدد السكان جماعة بارزة - حيث يبلغ عدد المسلمين مليار و نصف المليار نسمة - و مناطق سكن هذه الجماعة الهائلة من حيث الوضع الجغرافي و من حيث الخصائص الطبيعية و من حيث المصادر الحيوية من أكثر مناطق العالم حساسية و أهمية. و مع ذلك رغم أنهم يتمتعون بمواهب بشرية و طبيعية كبيرة لكن هذه الأمة اليوم تائهة. و الدليل علی تيهها هو ما تشاهدونه. المشاكل العالمية الكبری تتفاعل غالباً في هذه البلدان المسلمة. فهناك في الأمة الإسلامية فقر و هناك إجحاف و تمييز و تخلف علمي و تقني و انهزام و ضعف ثقافي. الأقوياء في العالم يغمطون حقوق الأمة الإسلامية بسهولة و علناً و الأمة الإسلامية‌ عاجزة عن الدفاع عن حقوقها.أنظروا للوضع في فلسطين اليوم. فلسطين نموذج واحد. و هو طبعاً نموذج مهم جداً. لكن المسألة لا تختص بفلسطين. أنظروا إلی فلسطين و لاحظوا كيف أن الأمة الإسلامية تحمل في جسدها جرحاً هو قضية الشعب الفلسطيني الكبير، و أرض فلسطين التاريخية المقدسة. ما الذي أنزلوه بهذه الأرض؟ و ما الذي أنزلوه بهذا الشعب؟ ما الذي يفعلونه بهذا الشعب؟ و هل يمكن نسيان أحداث غزة؟ و هل يمكن محوها من ذهنية الأمة الإسلامية؟ الضغوط و القسوة و عدم الرحمة و الظلم الذي يمارس اليوم ضد أهالي غزة حتی بعد تلك الحرب التي استمرت 22 يوماً، و أخفقت فيها الحكومة الصهيونية و لم تستطع بلوغ مقاصدها، لا زال هذا الظلم مخيّماً علی أهالي غزة لحد الآن، و الأمة الإسلامية عاجزة عن الدفاع عنهم. وضع الأمة الإسلامية و موقفها حيال هذه الظاهرة و كأن الأمر لا يعنيها، و أن الاغتصاب ليس اغتصاباً لحقها، و الظلم ليس ظلماً ضدها. لماذا نحن هكذا؟ لماذا ابتليت الأمة الإسلامية بهذا الوضع؟ سرطان مهلك خطير اسمه الحكومة الصهيونية الإسرائيلية المزيفة زرع في هذه المنطقة علی أيدي أعداء الإسلام و أعداء الأمة‌ الإسلامية. و حماته المشاركون في ظلمه و خطاياه الكبيرة لا زالوا يدعمونه، و الأمة الإسلامية لا تستطيع الدفاع عن نفسها. هذا ضعف منا. لماذا؟ ينبغي تجاوز هذا الضعف بالعودة إلی الإسلام و جعل تعاليم الرسول الأكرم (ص) محوراً لنا. الاتحاد اليوم هو أحوج ما تحتاجه الأمة‌ الإسلامية. أن نتحد و تكون كلمتنا واحدة و قلوبنا واحدة. هذا هو واجب كل واحد من الذين لهم تأثيرهم في هذه الأمة الإسلامية الكبيرة. سواء الحكومات أو المثقفون أو علماء الدين أو الناشطون السياسيون و الاجتماعيون، كل واحد منهم في أي بلد من البلدان الإسلامية كان، من واجبهم توعية‌ الأمة الإسلامية و إبلاغ هذه الحقائق لهم. عليهم تبيين هذا الواقع المرير الذي أوجده أعداء الإسلام لهم و دعوتهم للنهوض بواجباتهم. هذا هو واجبنا جميعاً.أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، من أي مكان كنتم و من أي مذهب كنتم اعلموا أن أعداء الإسلام و المسلمين اليوم يركزون أكثر ما يركزون علی زرع الخلافات و التفرقة. يريدون الحؤول دون أن تجتمع القلوب و تتقارب لأنهم يعلمون أن الأيدي إذا تعاضدت و القلوب إذا تقاربت فسوف تفكر الأمة الإسلامية بعلاج مشكلاتها الكبری. و السبب في الكثير من هذه المشكلات - و منها قضية فلسطين و الحكومة‌ الصهيونية المزيفة - هم العتاة في العالم. يعلم العدو أننا سوف نتمركز و سوف تتكثف كل طاقات الأمة الإسلامية و قواها و تستخدم في سبيل مواجهة هذا الاعتداء السافر الذي يحصل، لذلك لا يسمحون للقلوب بأن تتقارب.نداء التفرقة يرتفع اليوم من قبل أعداء الإسلام. الأمريكان و البريطانيون يثيرون في الوقت الحاضر قضايا الشيعة و السنة. هذا عار علينا. من المسائل التي يدرسها المحللون الأمريكيون و البريطانيون و الغربيون و يشددون عليها هي أن تعالوا نفصل الإسلام السني عن الإسلام الشيعي، و نخلق نزاعاً و احتراباً بينهما. هذا ما يريد العدو فعله. و قد كان الحال هكذا دانماً. حاول أعداء العالم الإسلامي استغلال الخلافات المذهبية و القومية و الجغرافية و الإقليمية إلی أقصی حد. و هم يستخدمون الأدوات الحديثة اليوم لهذا الغرض. علينا الالتفات إلی‌ هذا المعنی و التيقظ. يريدون أن يشغلونا ببعضنا ليصرفونا عن النقطة الرئيسية التي ينبغي علينا الاهتمام بها. يرومون إشغال القوميات المسلمة و الشعوب المسلمة و المذاهب الإسلامية من شيعة و سنة و غير ذلك ببعضهم لكي ينسوا مسألة إسرائيل. قضية اغتصاب فلسطين يجب أن تقربنا من بعضنا و هم يستخدمون نفس هذه القضية لإبعادنا عن بعضنا. في قضية فلسطين نفسها يخلقون الخلافات بين العالم الإسلامي و يضعون الحكومات في وجه بعضها. قضية فلسطين قضية واضحة. ما من مذهب من المذاهب الإسلامية يشك في أنه حينما تواجه أرض الإسلام و المسلمين هجوماً و اعتداء يكون الدفاع عنها واجب كل المسلمين. المذاهب الإسلامية كلها متفقة علی هذا. فهو ليس موضع خلاف. يشككون في هذه المسألة المتفق عليها و يزرعون الشقاق و الفئويات بين المسلمين، و يؤجّجون العصبيات المذهبية و الطائفية في القلوب لينهمكوا هم في ما يريدونه بفراغ بال.علينا أن نكون يقظين. هذا ما تقوله الجمهورية الإسلامية. الجمهورية الإسلامية و منذ بداية تأسيسها كان من أول أهدافها و في السطور الأولی: اتحاد المسلمين و تقريب القلوب من بعضها و منها أيضاً قضية فلسطين.هاتان النقطتان واضحتان و بارزتان جداً في كلمات الإمام الخميني (رضوان الله تعالی عليه): إحداهما قضية اتحاد المسلمين في كافة الموضوعات و تقليل الخلافات و منع الاختلافات الفكرية و الفقهية و الكلامية و ما إلی ذلك من جرّ الطرفين إلی العداوة و البغضاء، و الثانية هي قضية فلسطين.الجمهورية الإسلامية لا تزال تقف عند كلمتها هذه. و نحن ندفع ضريبة ذلك. شعبنا ينظر لهذه القضية كواجب و كوظيفة شرعية، و يعلم أنه لو تم استئصال هذا السرطان المهلك الخطير من جسد المجتمع الإسلامي فسوف تعالج الكثير من مشكلات المجتمعات الإسلامية و سيصار إلی كثير من التعاون.البلدان الإسلامية‌ تشكل اليوم منظومة كبيرة يمكنها تبادل العلم فيما بينها، و تبادل الثروات، و تبادل التجارب و المعرفة، و المساعدة علی تقدم بعضها و الوصول إلی القمم. وضعوا هذه الغدة السرطانية في وسط البلدان الإسلامية لإبعادها عن بعضها. طبعاً الشعوب لا يعادي أحدها الآخر و المسؤولون هم المقصّرون في بعض الحالات للأسف.علينا التفكير بهذا الشيء و استلهام الدروس و العبر منه كتذكرة مهمة في مناسبة ولادة نبي الإسلام الكريم (صلی الله عليه و آله و سلم). لحسن الحظ واجه النداء البليغ للدفاع عن اتحاد الأمة الإسلامية و الصحوة الإسلامية انعكاسات جد إيجابية و جيدة في البلدان و الشعوب الإسلامية. الله تعالی يبارك في كلام الحق، و ينبت الغرسة التي تزرع في أرض الحق. لهذا الكلام اليوم تأثيره في العالم. كلمة الحق التي تطلقها الجمهورية‌ الإسلامية بصوت عال و من أعماق وجودها مقبولة‌ اليوم في العالم. الحكومة و الشعب و المسؤولين و الكل كلمتهم واحدة و نداؤهم واحد في هذه المسائل المبدأية. كلام الجمهورية‌ الإسلامية في هذه المجالات كلام واضح و له انعكاساته و الحمد لله.نتمنی أن يمدّ الله تعالی يد عونه لتتقدم الأمة‌ الإسلامية يوماً بعد يوم، و تزيد من رفعتها و تطورها، و تعزز الوحدة بينها كعامل مهم. نتمنی أن تشملكم جميعاً التأييدات الإلهية، و أن يسددكم إن شاء الله دعاء الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) النور، 40.2) نهج البلاغة، الخطبة 89.
2010/03/03

كلمة الإمام الخامنئي في المشاركين في ملتقی غزة

بسم الله الرحمن الرحيم أرحب بكم جميعاً أيها الضيوف الأعزاء و الإخوة و الأخوات المحترمون. و أسأل الله تعالی بتضرع أن يوفقنا و إياكم لمواصلة هذا الطريق و هذا العمل الكبير جداً. كما أشكر الإخوة الأعزاء الذين أعدوا لهذا الملتقی في طهران و أتمنی أن يكون اجتماعكم هذا أيها الأصدقاء خطوة إلی الأمام إن شاء الله. أولاً أری لزاماً عليّ أن أشكر و أقدر الشعب الفلسطيني و أهالي غزة تقديراً لائقاً. ما ذكرتموه عن تقدم المقاومة و متانة المواقف الفلسطينية في السنوات الأخيرة ما كان متاحاً لو لا هذا الصمود العظيم الذي سجله الشعب الفلسطيني. الحق و الإنصاف أن الشعب الفلسطيني و أهالي غزة خلدوا اسمهم في التاريخ كأكثر الشعوب مقاومة . ما مرّ علی الشعب الفلسطيني طوال هذه الأعوام الأخيرة التي انطلقت فيها الانتفاضات و تشكلت المقاومة الحقيقية، إنما هو شيء‌ و ظاهرة عجيبة. و لا يمكن أن نعزو هذا الشيء لسوی الهداية و التعضيد الإلهي. يری المرء كل هذه المصائب في غزة و كل هذه المرارات و كل هذه الضغوط علی مدی 22 يوماً من الحرب و خلال ما تلا الحرب من الأيام و لحد الآن - حيث انهالت المصائب تتری علی الأهالي هناك - لكن هؤلاء الأهالي صامدون صلبون كالجبل. هذا واقع عظيم جداً و لا يمكن تجاهله. ما أريد قوله هو أن عليكم تكريس هذه الاستقامة و هذه الروح المقاومة لدی الأهالي ما استطعتم. قلتم و صحيح ما قلتم: الحل الوحيد لقضية فلسطين هو المقاومة و الكفاح. هذا صحيح، لكن المقاومة و الكفاح رهن بالحفاظ علی معنويات الشعب و الحفاظ علی الأمل لدی الأهالي و أبقائهم في الساحة. هذا باعتقادي أكبر عمل ينبغي أن تقوم به المجاميع الفلسطينية و المنظمات و المناضلين الفلسطينيين. الضغوط التي تمارس راهناً علی غزة من الجانبين، سواء من جانب العدو الصهيوني، أو من الجانب الآخر، القصد منها صرف الناس عن المقاومة. الضغوط التي تمارس ضد الناس في الضفة الغربية سواء علی شكل بناء مستوطنات، أو فيما يتعلق بقضية القدس - التي أشير إليها - أو التصعبات العجيبة أو الجدار العازل و ما إلی ذلك كلها من أجل صرف الجماهير عن المقاومة و دفعها إلی خيار الاستسلام. يجب أن لا نسمح بهذا. يجب أن لا تسمحوا بحصول هذا. يجب المحافظة علی الأمل لدی الشعب الفلسطيني و أهالي غزة، هذا الشعب المقاوم الفولاذي، ليعلموا أن تحركهم هذا سيؤتي نتائجه. هذه نقطة اعتقد أنها علی جانب كبير من الأهمية. النقطة الأخری هي أن ما نشاهده من التقدم في القضية الفلسطينية - و هو تقدم لا يقبل الإنكار - يمثل اقتداراً مضطرداً لجبهة المقاومة في قبال جبهة الاستكبار و الكفر و هو أمر مشهود و واضح. ما يلاحظ علی هذا الصعيد ناجم عن الإيمان بالله و التوكل عليه و إشراك عنصر المعنوية في الكفاح. إذا لم يكن الكفاح مصحوباً بعنصر الإيمان سيكون هشاً ضعيفاً. الكفاح ينجح حينما يشتمل علی الإيمان بالله و التوكل عليه. ينبغي تعزيز الروح الدينية و الإيمان الحقيقي بالوعد الإلهي و التوكل علی الله تعالی لدی الجماهير. ينبغي تقوية حسن الظن بالله تعالی و بوعده لدی الشعب. و نحن أيضاً يجب أن نحسن الظن بالله تعالی. الله تعالی أصدق القائلين. و هو القائل: «لينصرن الله من ينصره» (1) و جاء أيضاً: «من كان لله كان الله له» و يقول لا تخشوا الأعداء «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً» (2) هذا ما يبثه فينا و يبيّنه لنا. الله تعالی صادق. و نحن إذا عملنا بواجبنا في هذا السبيل و تحركنا في سبيل الله، و ناضلنا من أجله، و جعلنا الهدف رضاه فسوف يكون النصر نصيبنا لا مراء. أقول لكم: انتصار الشعب الفلسطيني في استعادة حقه ليس أصعب من الانتصار الذي حققه الشعب الإيراني في تأسيس الجمهورية الإسلامية. يومذاك - يوم كان الطاغوت يحكم هذا البلد - لو نظر شخص إلی المسرح العالمي و إلی المشهد في المنطقة لوجد أن تغيير النظام الطاغوتي هنا من المحالات الأكيدة، و خصوصاً تبديله إلی نظام إسلامي. كان هذا يبدو من المحالات حسب الموازين الطبيعية، و لم يكن ممكناً أو مقدوراً وفق المعايير العادية. القوة الأكيدة لأمريكا في هذه المنطقة و الدعم غير المشروط لنظام الشاه و عدم توفر المجاهدين و المناضلين هنا علی أية إمكانيات و فرص - أي إن إمكاناتنا في ذلك الوقت كانت أقل بكثير مما لدی أهاليكم في غزة أو الضفة الغربية اليوم - و مع ذلك وقع هذا الحدث و حصل ذلك المحال. و ذلك بفضل مواصلة الكفاح و النضال و ببركة التوكل علی الله و القيادة صاحبة العزيمة و الحسم لإمامنا الجليل. و أقول إن هذا الحدث يمكن أن يقع لفلسطين أيضاً. البعض ينظرون للمشهد و لما تمتلكه أمريكا من قدرة و لدعم الغرب للصهاينة و لقدرات الشبكة المالية للصهاينة في أمريكا و سائر أنحاء العالم و لقدراتهم الإعلامية و الدعائية، فيلوح لهم أن إعادة فلسطين للفلسطينيين أمر مستحيل. لكنني أقول:‌ لا، فهذا الأمر غير الممكن سيحدث بشرط الصمود و الاستقامة. يقول الله تعالی: «فلذلك فادع و استقم كما أمرت» (3)، لا بد من الاستقامة و لا بد من الصمود و مواصلة الطريق. من مقدمات مواصلة الطريق هذه الملتقيات التي تقيمونها و التنسيق و الإعلام العالمي الذي تمارسونه و هذا الكلام الذي قلتموه أيها السادة و كله صحيح. هذا الاقتراحات كلها لازمة و صحيحة. لقد سمّموا الرأي العام العالمي. أمريكا و الغرب اليوم يكذبون صراحة فيما يخصّ القضية الفلسطينية و الكثير من القضايا الأخری.. يكذبون صراحة. فاجعة عظيمة مثل فاجعة غزة في حرب الـ 22 يوماً يعرضونها مقلوبة للرأي العام. ينبغي أن نتنبّه لهذه الأمور. نريد أن نذكر بهذه المسائل. غزة و فلسطين اليوم ساحة لفضيحة الغرب. يزعم الغرب الدفاع عن حقوق الإنسان و يتجاهل أكبر و أفجع انتهاك لحقوق الإنسان في غزة. تعاقبت الأيام و الغربيون لا يتفوهون حتی بكلمة واحدة لصالح أهالي غزة و الدفاع عنهم. كانت الأيام تتوالی و تمضي و كنا نترصد أن نسمع منهم شيئاً فلم يصدر شيء، لا عن أوربا و أمريكا و حسب، بل حتی عن منظمات حقوق الإنسان و المنظمات التي تدعي الدفاع عن الحرية، لم يصدر عنها كلمة لصالح أهالي غزة. و بعد أن تعالت أصوات الشعوب و تظاهر الناس في البلدان المختلفة و تكلموا و تصاعدت الفضيحة بدأوا هم أيضاً بالكلام، و الكلام فقط. لم يدعم الغرب أهالي غزة إطلاقاً حيال مثل هذه الفاجعة الهائلة التي ارتكبت أمام أنظار الجميع. و لا يزال الغرب لحد اليوم علی نفس هذه المواقف. لقد فضحت الأمم المتحدة نفسها. كانت أمريكا مفضوحة و فضحت أكثر رغم انتشار تقرير غولدستون و إطلاع الجميع عليه. يجب أن يقف ساسة الكيان الصهيوني المجرمون أمام المحكمة و يعاقبوا. و لكن لا يحدث أي شيء من هذا القبيل. لا تتخذ أية‌ خطوة علی هذا السبيل. و إنما يتزايد الدعم للحكومة الصهيونية الغاصبة المزيفة. هذا ما فضح الغرب. أمريكا بهذه الحكومة الجديدة و رئيس الجمهورية‌ الجديد تدعي أنها تريد التغيير. رفعوا شعار التغيير من أجل تدارك سمعة أمريكا السيئة في المنطقة‌ الإسلامية بعض الشيء، لكنهم لم يستطيعوا ذلك، و ليعلموا أنهم لن يستطيعوا ذلك إلی آخر المطاف، لأنهم يكذبون، لأنهم يكذبون علی الناس صراحة. يكذبون في الكثير من القضايا و الأمور. و نحن في الجمهورية الإسلامية نری و نسمع أكاذيبهم دوماً. قلب الحقائق و الواقع عملية شهدناها منهم طوال ثلاثين سنة و تعودنا عليها، لكن العالم سوف يصدر أحكامه و التاريخ سيقول كلمته. أقول لكم إن الحضارة‌ الغربية اليوم تواجه اليوم تحدياً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. دعاوی الليبرالية الديمقراطية تواجه التشكيكات اليوم. أي إنكم بمقاومتكم في فلسطين أسقطتم و أبطلتم إدعاء غربياً له من العمر عدة مئات من السنين استطاع الغرب بواسطته الهيمنة علی العالم و التحكم فيه. المقاومة التي تمارسونها مهمة و عظيمة إلی هذه الدرجة. قضية غزة ليست قضية قطعة من الأرض و قضية فلسطين ليست قضية جغرافية. إنها قضية الإنسانية. قضية فلسطين اليوم مؤشر يميّز بين الالتزام بالمبادئ الإنسانية و معادات هذه المبادئ. القضية مهمة إلی هذه الدرجة. أمريكا أيضاً ستتضرر من هذه المعاملة بلا شك. هذه الأمور التاريخية التي تستمر عشرة أعوام أو عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً تعدّ كلحظة واحدة في التحولات التاريخية و ستمضي سريعاً. لا مراء أن أمريكا و مستقبل أمريكا سينهزم بسبب التعامل الذي انتهجه الأمريكان طوال الخمسين أو الستين سنة الأخيرة فيما يتعلق بقضية فلسطين. القضية الفلسطينية ستبقی وصمة عار و خزي لأمريكا طوال القرون المتمادية في المستقبل. فلسطين سوف تتحرّر، و لا يخالجكم أي شك أو شبهة في هذا الخصوص. فلسطين ستتحرر يقيناً و ستعود لأهاليها و ستتشكل فيها حكومة فلسطينية. هذا مما لا ريب فيه، لكن السمعة السيئة لأمريكا و الغرب سوف لن تزول. سوف يبقی سوء السمعة يلاحقهم. لا شك أن الشرق الأوسط الجديد سيتشكل وفقاً للحقائق التي قدرها الله تعالی. و سيكون هذا الشرق الأوسط الجديد شرق أوسط الإسلام. كما أن قضية فلسطين قضية إسلامية. جميع الشعوب مسؤولة حيال فلسطين. كافة‌ الحكومات مسؤولة قبال فلسطين سواء الحكومات المسلمة أو الحكومات غير المسلمة. أية حكومة تدعي مناصرة الإنسانية مسؤولة لكن واجب المسلمين أثقل و أكبر. الحكومات الإسلامية مسؤولة و عليها أن تعمل بمسؤولياتها و أية حكومة لا تعمل بواجبها و مسؤوليتها إزاء القضية الفلسطينية سوف تواجه عواقب ذلك لأن الشعوب استيقظت و تطالب الحكومات، و الحكومات مضطرة لتحمل مسؤولياتها أمام هذه القضية. القضية الفلسطينية بالنسبة لنا في الجمهورية الإسلامية ليست قضية تكتيك و لا هي حتی استراتيجية سياسية، إنما هي قضية عقيدة قلبية و إيمانية. لذلك لا توجد بيننا و بين شعبنا في هذا الخصوص أية فواصل و اختلافات. بمقدار ما نهتم بقضية فلسطين يهتم بها شعبنا أيضاً.. أولئك الذين يعلمون ما هي قضية فلسطين و هم الأكثرية الساحقة من شعبنا. و تلاحظون في يوم القدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل سنة التي أعلنها الإمام الخميني يوماً للقدس، تلاحظون أن الناس هنا يتظاهرون في المدن الكبيرة و الصغيرة و حتی في القری كما يتظاهرون في يوم الثاني و العشرين من بهمن ذكری انتصار الثورة الإسلامية و الذي يعد شيئاً داخلياً خاصاً بشعبنا و بلدنا، و نراهم يسجلون في يوم القدس نفس المشاعر و نفس التواجد و المشاركة التي يسجلونها في يوم الثاني و العشرين من بهمن. في يوم القدس أيضاً يخرج الشعب في كافة مدن البلاد الكبيرة و الصغيرة و القری إلی الشوارع سواء كان الجو حاراً أو بارداً و يعبرون عن مشاركتهم و اندفاعهم. و اعلموا لو لا أننا - كمسؤولين للبلاد - نمنع الناس لسار الكثير من شبابنا ليشاركوا بأجسادهم و أجسامهم في الساحة الفلسطينية. في حرب غزة سار شبابنا إلی المطار و لم يغادروه رغم كل المحاولات، إلی أن غادروه بنداء مني. لو لم أوجّه لهم هذا النداء لما تركوا المطار. كانوا يقولون خذونا إلی غزة، و كانوا يتصورون أن بوسعهم الوصول إلی غزة. هكذا هي دوافع شبابنا و محفزاتهم. قضية غزة و فلسطين قضيتنا و هي قضية إسلامية و قضية كل المسلمين و تمثل واجباً بالنسبة لنا. و ما نقوم به إنما هو واجبنا و لا نمنّ به علی أحد. فنحن إنما نقوم بواجبنا. و نسأل الله تعالی أن يعيننا لنستطيع أداء واجباتنا و لكن أنتم الأعزاء الحاضرين هنا أصروا علی هذا الكلام الذي قاله السادة و هو أن الأساس هو الكفاح و النضال، و أنه لا سبيل للحل في القضية الفلسطينية سوی المقاومة. قولوا هذا الكلام بصراحة و علناً و لا تسمحوا للمجاملات السياسية و التعتيم السياسي بأن يتغلب علی هذا المنطق. كل فلسطيني انتحی عن طريق المقاومة جانباً تضرر. إسرائيل ليست صادقة في مطالبتها بالسلام، و حتی لو كانت صادقة فهي علی باطل و لا حق لها هنا، لكنها ليست صادقة. الذين انخرطوا في طريق التفاوض اضطروا للقبول بما يفرضه عليهم العدو، و لو ابتعدوا لحظة واحدة عن طريق ما يفرضه عليهم العدو فسوف يقصون أو يهانون، و قد شاهدتم مصاديق للحالتين. أقصوا البعض و أهانوا البعض. طريق القدس و طريق فلسطين و طريق إنقاذ القضية الفلسطينية و حلها هو طريق الكفاح فقط، و هذا ما قاله السادة و أنا مسرور لأن هذه القضية مما تجمعون عليه. الذي لا يوافق هذا السبيل إنما يوجّه الضربات للقضية الفلسطينية من حيث يدري أو لا يدري. إذا كان يدري ففعلته هذه خيانة و إذا كان لا يدري فما يقوم به جهل و غفلة، لكنها علی كل حال ضربة توجه للقضية الفلسطينية. إنهم بذلك يوجّهون الضربات للقضية الفلسطينية. ليس أمام فلسطين من سبيل سوی المقاومة، هذا ما يجب أن يقولوه و يطالبون به و علی الحكومات الإسلامية أن تكرره. طبعاً الكثير من الحكومات العربية خرجت من الأمتحان في قضية غزة و ما قبلها و ما بعدها من القضايا فاشلة فشلاً ذريعاً. خرجوا من الامتحان فاشلين جداً. كلما طرحت القضية الفلسطينية قالوا إنها قضية عربية! حينما يحين وقت العمل تلغی فلسطين تماماً من معادلاتهم كلها، و بدل أن يساعدوا فلسطين و الفلسطينيين و إخوتهم العرب - حتی لو كانوا غير مؤمنين بالإسلام فليلتزموا بعروبتهم علی الأقل - تراهم ينسحبون من الساحة كلهم. خرجوا من الإمتحان فاشلين للغاية. و هذا ما سيبقی في التاريخ. و هذه العقوبات و الجزاء لا يختص بالآخرة، فهو موجود في الدنيا أيضاً. كما أن النصرة الإلهية لكم أنتم الذين تجاهدون و تناضلون لا تختص بالآخرة. في هذه الآية التي تليت - و كرّرها السيد خالد مشعل - تقول الملائكة: «نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة»‌ (4). إذن، ليست المسألة في الآخرة فقط، بل في الدنيا أيضاً تعمل ملائكة الله و قواه المعنوية علی مدّ يد العون للذين: «قالوا ربنا الله ثم استقاموا» (5). و نحن نشاهد عونهم في الدنيا بأعيننا. ملائكة الله أعانونا نحن أيضاً في ثمانية أعوام من الدفاع المقدس. و قد شاهدنا هذا العون بأعيننا. قد لا يصدق ذلك الإنسان الغارق في الماديات، دعه لا يصدّق. نحن شاهدنا هذا العون. و اليوم أيضاً تساعدنا ملائكة الله و نحن واقفون و صامدون بفضل العون الإلهي. قوتنا العسكرية لا تقبل المقارنة بأمريكا. و قدراتنا الاقتصادية و أمكاناتنا المالية و الإعلامية و امتداد نشاطنا السياسي لا يقبل المقارنة بأمريكا. و مع ذلك فنحن أقوی من أمريكا. مع أنها أكثر مالاً و سلاحاً و أقوی إعلاماً و إمكانياتها المالية و السياسية أكثر، لكنها أضعف و نحن أقوی. و الدليل علی قوتنا هو أنها تراجعت خطوة خطوة في كل الميادين التي حصلت فيها مواجهة بيننا و بينها. نحن لا نتراجع بل نتقدم إلی الأمام. هذا هو الدليل و المؤشر، و هو ببركة الإسلام و بفضل العون الإلهي و مساعدة ملائكة الله. هذا ما نعتقد به و نؤمن به و قد شاهدناه و نشاهده بأعيننا. و سوف يعود القدس الشريف يوماً إن شاء الله، علی الرغم من هذا الهمّ و القلق الذي أشاروا إليه حول القدس - و هو قلق واقعي - إلی أيدي المسلمين، و قد يشاهد الكثير منكم ذلك اليوم و قد نكون نحن أو لا نكون، علی كل حال سيشهد شعب فلسطين و الشعوب في العالم هذا الشيء يوماً ما. أشكركم ثانية و أعرب عن سروري للقاء بكم هنا. الكلام لدينا و لديكم كثير جداً. و كلامنا لا ينتهي بهذه الدقائق، و لكن حان الظهر و دخل وقت الصلاة و يجب أن نذهب. نتمنی لكم جميعاً التوفيق و السداد إن شاء الله. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش: 1) الحج، 40. 2) النساء، 76. 3) الشوری، 15. 4) فصلت، 31. 5) فصلت، 30.  
2010/02/27

كلمة الإمام الخامنئي في أعضاء مجلس خبراء القيادة

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أشكر السادة المحترمين أركان البلاد لجهودكم التي بذلتموها من أجل المشاركة في هذا الاجتماع المهم، و ذكر هذه الأمور، و تفضلكم بالمجئ إلى هنا. وفقكم الله و وفقنا جميعاً للعمل بواجباتنا.و نقدم التعازي بمناسبة رحيل المرحوم الشيخ فاكر لكم جميعاً أيها الأخوة الأعزاء و لزملائه، و نبدي أسفنا لفقدان شخصية خدومة و غيورة و قديرة و دؤوبة. منذ عام 1342 شهدتُ نشاطه و تحمله للسجن. كنا في السجن سوية مع المرحوم الشيخ فاكر في مشهد سنة 42، فأعلى الله من درجاته.مسألة الخبراء - كما قيل مراراً - مسألة مهمة جداً و استثنائية، و هي من مميزات نظام الجمهورية الإسلامية. جماعة الخبراء هم جماعة العلماء الأعلام و أصحاب المكانة و المنـزلة بين الناس و الموثوقين من قبل الجماهير في كل القضايا، و خصوصاً في قضية على جانب كبير من الأهمية هي قضية القيادة و انتخاب القائد، و ما يتعلق بها من أمور. و هذه المشاركة المؤثرة و الحساسة بين الناس لها في السابق و الحاضر آثارها و خيراتها الجمّة. مشاركة الجماهير في الأحداث الكبرى و المهمة و إعلانهم عن مواقفهم - كما حصل في التظاهرات المهمة في الثاني و العشرين من بهمن، و التي كانت بحق ظاهرة عظيمة في تاريخ الثورة و في هذه الظروف و الأحوال و الأوضاع، و قبل ذلك مشاركة الجماهير في الشوارع في كل أنحاء البلاد في التاسع من دي - ما كانت لتتحقق لولا توعية العلماء و هداة الجماهير المعنويين و الموثوقين من قبل الجماهير، و تنويرهم قلوب الناس بحقائق الثورة. دور علماء الدين في هداية الناس لا يقتصر على الهداية في الشؤون الفرعية و المسائل الشخصية و ما إلى ذلك. الأهم من كل ذلك هداية الجماهير فيما يتصل بقضية اجتماعية كبرى هي قضية الدولة و النظام الإسلامي، و الواجبات التي تترتب على هذه القضية في مواجهة الأحداث العالمية. لو ألغي دور علماء الدين و الموجّهين الروحانيين و المعنويين، لما كانت هذه الثورة يقيناً، و لما تأسس هذا النظام و لما بقي و صمد أمام كل هذه المشكلات الجمّة التي واجهت الثورة. و على ذلك، فإن لعلماء الدين - و جماعة الخبراء من خيرتهم - تأثير مستمر في أحداث المجتمع و مصيره، و نحن نرى آثار ذلك و الحمد لله.يقوم النظام الإسلامي في أساسه على إطاعة الله.. هذه هي الميزة الرئيسة.. »... أَطِيعُواْ اللّهَ وَ أَطِيعُواْ الرَّسُولَ...«،(1) »إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ...«.(2) إذن، أساس النظام الإسلامي هو إطاعة الله تعالى.و لطاعة الله تعالى مراتب عدة: الأولى الطاعة المصداقية. في أحوال و مصاديق معينة يقول الله تعالى: افعلوا هذا - حتى لو كان هذا الفعل فعلاً شخصياً - يقول مثلاً: أقيموا الصلاة، أو صوموا، أو زكوا، أو سائر الأمور. هذا نمط من الطاعة أن يطيع الإنسان الأمر الإلهي و ينتهي بالنهي الإلهي. و الأهم من هذه الطاعة هي الطاعة المنهجية و معناها أن يطيع الناس المنهج و الطريق و الخطة التي يرسمها الله تعالى للحياة. لكي تتحقق هذه الخطّة. هذه الخطّة لا تحصل بالأعمال الفردية، إنما هي حالة أخرى و قضية أخرى.. إنها قضية أعلى و أسمى و تحتاج إلى عمل جماعي حتى تتحقق الخطة الإلهية و الهندسة الإلهية بخصوص وضع المجتمع الإسلامي. من باب الفرض، كان المسلمون في مكة يؤدّون أعمالهم، لكن المجتمع الإسلامي في مكة يختلف عنه في المدينة حيث تأسست هناك حكومة إسلامية. لقد ظهرت هناك أعمال جديدة و حركة أعلى من الحركات الفردية و هي حركة ضرورية لو تحققت »... لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَ مِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم...«،(3) أي لكانت الحياة حياة طيبة سعيدة، و لترتبت الآثار و البركات و النتائج الإيجابية النابعة من إطاعة الأوامر الإلهية، على الحياة الإنسانية.النظام الإسلامي يمنح البشر السعادة. و النظام الإسلامي هو النظام المبتني على الهندسة الإلهية للمجتمع و على الخطة التي رسمها الخالق للمجتمع. إذا تحققت هذه الخطة لأمكن غض الطرف عن كثير من المخالفات و حالات الزيغ و الزلل الفردية و الشخصية و الجزئية. ثمة رواية تروي حديثاً قدسياً يقول: »لأعذّبنّ كل رعية أطاعت إماماً جائراً ليس من الله و لو كانت الرعية في أعمالها برّة تقية«. و في المقابل: »لأعفونّ عن كلّ رعية أطاعت إماماً عادلاً من الله و إن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة«. بمعنى أن العمل الفردي و الإساءة أو المخالفة الفردية في النظام الاجتماعي الكبير السائر عموماً بالاتجاه الصحيح، يمكن التجاوز عنها و غض النظر عنها، أو هي بتعبير أدق ممكنة الإصلاح و التصحيح، أي إن المجتمع سيستطيع على كل حال الأخذ بأيدي هؤلاء الأفراد إلى الغاية المطلوبة. و ذلك خلافاً لما لو كانت الأعمال الفردية صحيحة لكن العلاقات و النظم الاجتماعية نظماً خاطئة جائرة غير مرخصة من قبل الله تعالى، بل مملاة من قبل الشيطان و النفس و أهوائها، عندئذ لن تستطيع الأعمال الفردية الأخذ بيد ذلك المجتمع إلى الغاية المنشودة و ما تريده الشرائع الإلهية من سعادة للبشرية. إذن، قضية الطاعة العامة و أن ينشد الإنسان المنهج الإلهي فيجده و يسير عليه، قضية على جانب كبير من الأهمية.يقوم النظام الإسلامي على أساس التوحيد. التوحيد هو القاعدة الأصلية. و الركيزة المهمة الأخرى هي العدل. و الركن المهم الآخر هو تكريم الإنسان و كرامته و رأيه. لو نظرنا لمجتمعنا الإسلامي من هذه الزاوية لوجدنا أن النظام الإسلامي استطاع إطلاق حركة هائلة في العالم الإسلامي حيال هذه المنظومة الخاصة، لم تكن متاحة بأية حركة فردية. أي إننا حينما ننظر اليوم إلى العالم الإسلامي نجد أن المجتمع الذي تأسس وفقاً للشكل و الهندسة الإلهية هو نظام الجمهورية الإسلامية.الأساس أساس إلهي. طبعاً ثمة نواقص و نقاط ضعف و ينبغي تلافي نقاط الضعف هذه و تصحيحها و العمل على إصلاحها. الأمر كما لو أن قطاراً كان على السكة الحديدية و هو يسير نحو هدف معين. من الطبيعي أن يكون في هذا القطار أشخاص يعملون بواجباتهم و آخرون لا يؤدّون واجباتهم. البعض يوسّخون أرضية القطار و البعض ينظفونها، البعض دقيقون في أداء واجباتهم و البعض الآخر ليس كذلك، لكن القطار سائر نحو هدفه و سيصل هدفه بلا شك.القضايا الجزئية داخل المجتمع يمكن إصلاحها. و حين أقول جزئية لا أعني أنها غير مهمة، فهي مهمة، لكنها قضايا فردية و شخصية و جزئية تتعلق بالأفراد و الشخوص، و يمكن بالتالي تصحيحها و إصلاحها. الأساس هو أن يستطيع الإنسان الحفاظ على النظام. هذا هو التحدي الأصلي الكبير الذي واجه النظام الإسلامي منذ بداياته و إلى اليوم.. أعني به الحفاظ على النظام الإسلامي و صيانة هذا الأساس و حفظ تلك الحدود و المؤشرات و العلامات التي تميّز هذا النظام عن سائر الأنظمة في العالم.تجمعنا مع الآخرين مساحات مشتركة و نقاط اشتراك، بيد أن الأمور التي تشكل الهوية الأصلية لهذا النظام - و هي إطاعة الله تعالى و السير على الصراط الإلهي - يجب أن تحفظ و تصان. كان هذا هو التحدي الحقيقي و الرئيس لنظامنا منذ مطلعه. بمعنى أن المعارضين لم يكونوا يطيقون هذا النظام و هذه المسيرة على أساس الأحكام الإلهية و الدين الإلهي. لماذا لا يطيقونه؟ البعض يدركون بنظراتهم العميقة النافذة أن هذا تحدّ للأنظمة المادية، لذلك يجابهونه إنطلاقاً من هذا المنطلق. و البعض ينظرون للآثار المترتبة على هذا النظام في العالم، و كما قال إمامنا الراحل يجب تشكيل خلايا حزب الله في كل العالم الإسلامي. و هم يرون أنها تشكلت فعلاً. و يرون أن القلوب مالت إلى الإسلام. و يشاهدون أن الشعور بالهوية الإسلامية استفاق لدى كل واحد من المسلمين في الكثير من أنحاء العالم الإسلامي. و هذا ما يهدد مصالحهم المادية. إنهم بالتالي يدركون أن مصدر هذه التغيرات هنا. لذلك يواجهون هذا المصدر و يعارضونه. الحق أننا لا نعرف نظاماً واجه كل هذه المعارضات و بهذه الدرجة من الشدة و اتحدت ضده جبهة الاستكبار. كان هذا هو الحال منذ بداية الثورة و لحد الآن. حسناً، علينا الاهتمام بتعزيز النظام و حفظه. أسس النظام معروفة و معلومة، و ينبغي للجميع السير وفقاً لها و العمل على تكريسها و تقويتها، و الجد و الاجتهاد و الإبداع من أجل ذلك.من القضايا المهمة دور الشعب و مشاركته، و من أبرز مظاهر ذلك الانتخابات. من هنا كانت الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية أمراً حقيقياً و ليس شكلياً أو صورياً. إننا لا نقصد من الانتخابات تقليد الآخرين، و لأن لدى الآخرين انتخابات باسم الديمقراطية لذلك يجب أن تكون لنا أيضاً انتخابات، لا، الانتخابات حالة حقيقية لإشراك أصوات الناس و آرائهم و إحراز رضاهم، و هو ما نلاحظه في العهد المعروف الذي كتبه الإمام علي (عليه الصلاة و السلام) لمالك الأشتر حيث أوصاه بترجيح رضا العامة على رضا الخاصة، و بعدم خشية سخط الخاصة في ظل رضا العامة.يجب أن ننظر و نرى ماذا يقول الناس و ماذا يريدون. لمشاركة الجماهير خيراتها و بركاتها. من بركاتها أن الأعداء حين ينظرون و يرون الجماهير تقف سنداً للنظام سيشعرون أن من المتعذر معارضة هذا النظام، إذ لا يمكن معارضة شعب بأكمله. يمكن الضغط على نظام حكم معين بشتى أنواع التضييقات و الضغوط الاقتصادية و الإعلامية و الحرب النفسية أو إسقاطه حتى، و لكن حين تكون لهذا النظام جذور شعبية و يكون هو و المسؤولون فيه على صلة وثيقة بالجماهير ستعود مهمة العدو صعبة، و هي الآن كما تلاحظون صعبة.لقد اتسع العداء و تعمق و ازداد تعقيداً منذ بداية الثورة. لكن آمال العدو في دحر الثورة و هزيمتها انحسرت في الوقت ذاته. بمعنى أن الأمل الذي راود أعداء نظام الجمهورية الإسلامية قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة بأن يستطيعوا إسقاط هذا النظام و محوه و إزالته أو تضعيفه على الأقل حتى لا يستطيع مواصلة تحركه، أقول إن هذا الأمل لم يعد اليوم موجوداً. يفهم الإنسان هذا من كلامهم و من مبادراتهم و من أعمالهم. إذن، ظاهرة تواجد الجماهير و مشاركتهم في الساحة مهمة، و الانتخابات من أبرز مؤشرات المشاركة الشعبية.أساس القضية في الفتن التي أعقبت الانتخابات هو أن البعض رفض أصوات الناس و مشاركتهم و نال منها و كذّب النظام و وجّه له التهم. هذا هو الذنب الكبير الذي ارتكبوه. كان عليهم التسليم للشعب. بالتالي، حينما تقام الانتخابات بالمعايير التي يرسمها الإسلام - و سوف أذكر بعض المعايير و المؤشرات التي يرسمها الإسلام للانتخابات و المعتبرة و المحترمة من وجهة نظرنا - يجب عليهم التسليم أمام القانون و أمام ما يحكم به القانون، كما يجب عليهم التسليم و القبول أمام الحكم الذي يحدده القانون. إذا حدد القانون في قضية مهمة مثل قضية الانتخابات حكماً أو رسم أسلوباً معيناً للتحكيم فعليهم التسليم لهذه الأدوات القانونية حتى لو كانت خلافاً لميولنا.. هذه هي الانتخابات السليمة.إذا كانت الانتخابات بهذا الشكل و بالنحو المقرر و المعتبر في النظام الإسلامي، ستكون لها هذه الخصائص: أولاً هناك في الانتخابات احترام لأصوات الناس و تشخيصهم و رضاهم. أقولها لكم: ما لا يوجد اليوم في العالم الديمقراطي الذي يقيم الانتخابات و يرفع راية الانتخابات هو »رضا العامة«. القضية هناك صورية و هي كذلك في أغلب الأحيان. هكذا هي في بلد أمريكا و في البلدان الديمقراطية المعروفة في العالم. ثمة وراء هؤلاء الأشخاص الذين يتقدمون إلى ساحة الانتخابات و يخوضون التنافس الانتخابي، جماعات من جبهات خاصة، أي الرأسماليين و الشركات و أصحاب النفوذ المالي، و العصابات المالية الكبرى.. هؤلاء هم الذين يمررون الأمور و الأعمال بإعلامهم المضلل و بأساليب مختلفة و يجرّون أصوات الشعب ذات اليمين و ذات الشمال، و الواقع أن المسألة صراع بين الشركات، و ليس صراعاً بين أصوات الشعب. إنه شيء خيالي غير حقيقي. الواقع أن الحكومة الديمقراطية هناك هي حكومة الأقلية و حكومة الخواص، و صفة الخواص هذه إنما تتحقق لهم بسبب إمكاناتهم المالية الواسعة.. هؤلاء هم الذين يرسمون السياسات.و الحال ليس كذلك في الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية. الشعب هو الذي يتخذ القرار هنا، و هو الذي يشخص الأمور، و قد يكون هذا التشخيص صحيحاً في موطن من المواطن و خاطئاً في موطن آخر - ليس هذا هو مدار النقاش - بيد أن القرار بيد الشعب. ليس هنالك عصابات قوة و ثروة و ما إلى ذلك وراء أصوات الشعب. في هذه الانتخابات ثمة حقاً احترام لأصوات الشعب، و لرأيه و تشخيصه. و ينبغي التسليم لهذا التشخيص.. هذه مسألة.المسألة الأخرى في الانتخابات و أهمية الانتخابات هي التنافس و السباق السليم الموجود، و الحيوية والاغتباط الشعبي المتوفر في الانتخابات. الانتخابات شيء من شأنه أن يشعر الناس بالمسؤولية و عليهم النـزول إلى الساحة و التشخيص. حيوية الجماهير دم جديد يحقن في شرايين النظام و يمنحه روحاً جديدة. ثمة تحول في الإدارة. من أهم حسنات هذه الانتخابات حؤولها دون الركود و الخمول. أفضل أشكال استمرار النظام الاجتماعي هو أن يتحول و يتغير رغم ثباته. الركود سيئ لكن الثبات حسن. الثبات يعني الاستقرار و أن يبقى هذا الإطار و هذه الهندسة محفوظة مستقرة متجذرة، و يوجد في الوقت ذاته تحولات و سباقات و تنافس داخل هذا الإطار. هذا هو أفضل الأشكال التي تستطيع بها سفينة النظام السير وسط البحار الصاخبة دون أضرار و أخطار. »و هي تجري بهم في الموج كالجبال«.(4) هذا بخصوص سفينة نوح.. سفينة تجري وسط الأمواج العاتية لكن هذه الأمواج لا تستطيع زعزعة استقرار هذه السفينة و متانتها. لا بد من توفر هذا الاستقرار. طبعاً يوجد في داخل هذا الاستقرار و في داخل هذا الإطار تحوّل و تغيير.إذن، يتعين أن تكون كافة التحولات داخل الإطار. إذا دخل شخص ساحة التنافس الانتخابي و أراد تحطيم الإطار يكون قد خرج عن قواعد النظام و قواعد العملية الانتخابية، و هذا خطأ و غير صحيح. ينبغي أن يكون كل شيء داخل إطار النظام. هذا الإطار لا يقبل التغيير.من الضروري التشديد على الحدود بين النظام و معارضيه و أعدائه في الانتخابات. قد يكون هناك رأيان متباينان لاثنين من المرشحين حول قضية اجتماعية أو اقتصادية، لا مانع من هذا أبداً. فليطرحوا آراءهم و لكن ليشخصوا حدودهم الفاصلة عن الآراء المعارضة للنظام. ليشخصوا حدودهم، فهذا التشخيص أمر ضروري. لقد أكدنا مراراً على هذا التمييز للحدود، و السبب هو أن الحدود إذا بهتت ستؤدي إلى وقوع الناس في الخطأ. إنها كالحدود بين البلدان إذا ضعفت و بهتت سيستطيع البعض دخول الحدود لغرض الخيانة من دون أن يعرفوا، و سيستطيع البعض الخروج من هذه الحدود عن غفلة و هم لا يشعرون أنهم يخرجون من الحدود. لذلك، يتوجب التأكيد على الحدود. الخطأ الفاحش الذي يقع فيه الذين لا يراعون هذه الحدود في الانتخابات هو أنهم يسببون المتاعب و الحيرة للناس. ينبغي تشخيص الحدود بين النظام و أعدائه و معارضيه بنحو تام، و الاعتماد على هذا التشخيص و إعلام البراءة من أعداء النظام و معارضيه.طبعاً، ينبغي في الانتخابات ترجيح مصالح النظام و البلاد على المصالح الحزبية والفئوية و الشخصية و ما إلى ذلك، و أن تكون الآراء آراء شفافة و واضحة و يكون واضحاً ما الذي يريدونه. إذا أقيمت مثل هذه الانتخابات لكان ذلك يقيناً لصالح النظام و لصالح تقدم البلاد و لصالح جماهير الشعب، و سيحافظ على النظام حياً متوثباً و يتقدم به إلى الأمام.و أريد أن أقول إن الواقع العام لنظامنا و لحسن الحظ ليس أسوء مما كان في الماضي بحال من الأحوال، بل هو أفضل بكثير على كثير من المستويات. يتوجب التنبه لهذه الحقيقة.. هذا ليس خيالاً مجنحاً و لا هو تعبير عن طموحات، إنما هو كلام في ضوء الحقيقة و الواقع.تلاحظون اليوم أننا محرومون من الأنفاس الدافئة لإمامنا الجليل، و لا تعيش البلاد ظروف الحرب - حيث كان الناس يعيشون حالة الهياج و التوثب و الفوران بسبب وجود الحرب - و ابتعدنا زمنياً عن الثورة مدة واحد و ثلاثين عاماً، و لكن تلاحظون في الوقت ذاته أن عدداً كبيراً من شباب هذا الشعب - و غير الشباب في محلهم، إنما حتى الشباب الذين هم عرضة للتهديدات الأخلاقية و الفكرية و شتى الانحرافات - يشاركون في الميادين المختلفة بمنتهى الطهر و التهذيب. و كذا الحال بالنسبة للجامعات، و خارج الجامعات، و في مختلف المجالات الاجتماعية.الشباب يشاركون غالباً في التجمعات العظيمة التي تقام، و قد شاهدتم نموذجاً نادراً لذلك في الثاني و العشرين من بهمن، سواء في طهران أو في باقي المدن - كما يلاحظ المرء عبر كاميرات التلفزة و ما يسمعه ممن شاركوا و شاهدوا عن كثب - حيث كان معظم المشاركين من الشباب. غالبية تلك الحشود كانت من الشباب. فعلى ماذا يدل هذا؟ الناس يشعرون بالمسؤولية فينـزلوا إلى الساحة. شعور الناس و الشباب خاصة بالمسؤولية بعد مضي واحد و ثلاثين عاماً على الثورة حدث عظيم جداً.. حدث كبير جداً.لماذا ساهمت الجماهير في الثاني و العشرين من بهمن لهذه السنة بحرارة و احتشاد أكبر من السنة الماضية؟ لأنهم شعروا بالخطر و رأوا أن هناك من يتذرع بقضية الانتخابات و ما بعد الانتخابات للنيل من أساس النظام، و ممارسة المعارضة و التهجم على النظام. و كان سلوكهم الخطير هو أنهم كانوا يذكرون أحياناً اسم الإمام و الثورة لكن أقوالهم و أفعالهم و مبادراتهم و تحريضاتهم في النقطة المعاكسة تماماً لمنهج الثورة و مسارها و أهدافها. شعرت الجماهير بذلك. أن يدرك الشعب هذا الأمر و يشعر به فهذا ينمُّ عن بصيرة عالية، و هو ظاهرة على جانب كبير من الأهمية. و أن ينـزل الناس بعد شعورهم ذاك إلى الساحة بهذه الكثافة و الحماس فهذا دليل همة و عزيمة عالية تمثل حالة مهمة جداً. يجب أن نرى كل هذا و نعرف قدره و نشخّص عوامله. من العوامل المؤدية إلى ذلك تدين الناس و الملاك الأساسي في النظام الإسلامي، أي طاعة خالق العالم. هذه برأيي النقطة الأساسية أكثر من سواها.إننا نواجه اليوم جبهة عداء كبيرة تمتد على أنحاء عالم الأقوياء. إنها جبهة تشكلت في مراكز القوى الدولية، و القوى المالية و الاقتصادية التي غالباً ما تكون في أيدي الصهاينة و الرأسماليين الكبار. تستخدم هذه الجبهة في مواجهتها للنظام الإسلامي كافة الوسائل، و يوجد في الداخل للأسف من يتجاوبون معها، و يتحولون إلى أطراف تثق بهم تلك الجبهة فيكررون أقوالها و يتعاونون معها لتستطيع توجيه ضربة لنظام الجمهورية الإسلامية! ثمة مثل هذه الحالة للأسف. و لكن ثمة مقابل ذلك وعي الجماهير و صحوتهم و محفزاتهم و مشاركتهم و تدينهم و حبهم لمباني النظام و ركائزه. هذه حقائق مشهودة في الجمهورية الإسلامية، و قد تقدمنا إلى الأمام طوال كل هذه الأعوام المتمادية و نشكر الله تعالى على ذلك.واجبنا اليوم هو الحفاظ على هذه الهندسة العظيمة.. يجب الحفاظ عليها. و ينبغي في الحفاظ على هذه الهندسة تشخيص الحدود. هنا يكمن التشخيص للحدود الذي أتحدث عنه، و إلا فيما دون ذلك من الأمور و المسائل - سواء المسائل التي تأتي في الدرجة الثانية من الأهمية أو ما دون ذلك - قد تظهر بعض الاختلافات في وجهات النظر. هذه الاختلافات في الرؤى و الأفكار لا تضرّ بالمجتمع، بل إن اختلاف وجهات النظر يؤدي إلى التقدم. ليست هذه التباينات في الآراء بالشيء المهم. و قد تؤثر في التنافس الانتخابي و لا إشكال في ذلك. المهم هو أساس النظام و الهندسة الكلية للنظام و الخارطة الجامعة للنظام. ينبغي أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار و إبداء الحساسية تجاهه. يتعين النظر ما هي العلاقة بين الكلام الذي يطلق و الأفعال التي تؤتى و بين الخارطة العامة.ينبغي معرفة العداوات. هذه هي مشكلتنا، و لهذا السبب أكرر مسألة البصيرة للخواص. أحياناً يُغفل عن العداوات الموجهة للأسس و الركائز، و تحمل على القضايا الجزئية. و قد كان لنا نفس هذه المشكلة للأسف في بداية الثورة الدستورية. في تلك الفترة أيضاً كان ثمة علماء كبار - و لا أريد ذكر الأسماء فهم مشاهير و الكل يعرفونهم - لم يروا المؤامرة التي ينسجها التغريبيون و ما يسمى بالمثقفين المهزومين أمام الأفكار الغربية و المتأثرين بالغرب. لم يلتفتوا إلى أن الكلام الذي يتحدث به هؤلاء في مجلس الشورى الوطني يومذاك أو يكتبونه في صحفهم إنما هو محاربة للإسلام، لم يتفطنوا لهذا الشيء و انتهجوا منهج المماشاة. و كانت النتيجة أن شُنق الشخص الذي علم بذلك الوضع و أدركه - كالمرحوم الشيخ فضل الله نوري - أمام أعينهم و لم يبدوا حساسية و ردود فعل تجاه ذلك. ثم إن نفس أولئك الذين لم يبدوا الحساسية و الاهتمام اللازم لما أصاب الشيخ فضل الله تعرضوا للعدوان و التطاول و الهتك و امتدت إليهم النيران، فأزهقت أرواح بعضهم وهتكت سمعة بعضهم. كان ذلك خطأ وقع يومذاك و علينا اليوم أن لا نقع فيه. الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) كان جامعاً للأطراف، و من أطراف شخصيته هو هذه الحساسية. فمثلاً بمجرد أن ظهر تحرك ضد قانون القصاص، أدرك الإمام كنه القضية بحساسيته، و فهم ما معنى معارضة قانون القصاص الإسلامي، فصدر عنه رد الفعل العجيب و الحاسم الذي تتذكرونه. يجب أن نكون حساسين متفطنين هكذا.يتوجب علينا أن لا نبدي أي إهمال لأساس النظام و خارطته الأصلية. هناك قضايا من الدرجة الثانية يمكن بالطبع معالجتها. شاهدت مثلاً اهتماماً بالمشروع المطروح هذه الأيام في مجمع تشخيص مصلحة النظام. و من الواضح أن هذا المشروع حينما يطرح في مجمع تشخيص المصلحة فإن رأي المجمع رأي استشاري على كل حال، و سوف يأتي الأمر إلينا و سوف نعمل ما نعتقد به و نطرحه باعتباره سياسة عامة. لا مراء أن لمجلس صيانة الدستور وظائفه و ينبغي عدم النيل من هذه الوظائف المصرح بها في الدستور و هي الإشراف على الانتخابات و البتّ في أهلية المرشحين و أمثال ذلك. يمكن إصلاح هذه الأمور، أي ينبغي عدم جعل هذه القضية مداراً للجدل و الصراع و النـزاع. هذه أشياء ممكن المعالجة و الإصلاح. و قد يقع شخص في خطأ في هذه الغمرة. الخطأ هنا ممكن التصحيح. و هذه ليست قضايا رئيسية، إنما القضايا الرئيسية هي تلك التي كانت طوال هذه الأشهر الثمانية أو التسعة التي أعقبت الانتخابات محل خلاف بين النظام الإسلامي و منظومة الكفر و الاستكبار، و هنا كرر البعض كلام أولئك.إنهم يريدون زوال النظام الإسلامي الديني المبتني على طاعة الله و رسوله. كل ما يضمن الطاعة العامة لهذا النظام يعد بالنسبة لهم عدواً، فيعملون و ينشطون ضده و يبذلون كل مساعيهم لضربه. و ينبغي لهذا الجانب من القضية أن يبذل بدوره قصارى سعيه و جهده للحفاظ على هذه الأركان الأصلية و المباني و المبادئ الرئيسية. يتوجب عدم الغفلة عن المسألة الرئيسية.و يجب تشخيص الخطوط بنحو واضح و صريح. بمعنى أن الملتزمين بالنظام الإسلامي و بمشاركة الشعب - بهذه الحوافز و الإيمان الذي يحمله الشعب - يجب أن تتشخص الحدود الفاصلة بينهم و بين الذين لا يريدون لهذه الحركة أن تستمر بشكلها الإسلامي هذا. الذين يعارضون القانون و يخالفونه. و ينبغي أن تكون هذه الحدود حدوداً واضحة جلية حتى لا يقع الناس في الخطأ و الشبهة. الناس ينظرون إلينا، و ينبغي علينا نحن أن نعلم ما هي الخطوط الفاصلة. هذا هو أساس القضية، و كل ما دونه ممكن صرف النظر عنه و معالجته. حتى لو كان ثمة تباين في وجهات النظر يتحتم أن لا يؤدي هذا التباين إلى معارضة و جدال و خصومة، فالعدو هو الذي يربح من هذه الخصومات. هذا هو ما نقوله.الذين يؤمنون بهذه الخارطة العامة المتبلورة في الدستور و سيادة القانون و تحكيمه هم داخل النظام الإسلامي. و الذين يرفضون هذه الأمور إنما يخسرون بأيديهم صلاحية تواجدهم داخل النظام الإسلامي، فهم لا صلاحية لهم لذلك. الذين لا يبدون استعداداً لتحمل القانون و لا هم مستعدون لقبول الأكثرية، و الذين يشككون في تلك الانتخابات العظيمة التي شارك فيها أربعون مليوناً فكانت مبعث فخر، و يريدون تبديل نقطة من نقاط قوة النظام إلى نقطة ضعف هؤلاء في الواقع يخرجون أنفسهم بأنفسهم من سفينة النجاة هذه المتمثلة بالنظام الإسلامي. و إلا لا يروم أحد إخراج أحدٍ من سفينة النجاة.نبي الله نوح (على نبينا و عليه السلام) قال لابنه: »يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَ لاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ«.(5) و النظام الإسلامي يتأسى بالنبي نوح و يقول للجميع: تعالوا و كونوا معنا و اركبوا سفينة النجاة هذه، »وَ لاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ«. هذا هو الهدف و المبنى. إننا لا نطرد أي إنسان من النظام، و لكن ثمة أشخاص يطردون أنفسهم بأنفسهم من النظام. يخرجون أنفسهم من النظام.نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لنستطيع الحفاظ على النظام الإسلامي بكليته هذه، و باتجاهه الصحيح الذي سرنا عليه إلى الآن و الحمد لله، و أن نستطيع تقديم الخدمة لهذا النظام و الشعب.حينما ينظر المرء يجد أن وعي الناس و بصيرتهم و شعورهم بالمسؤولية قبال النظام الإسلامي نادر حقاً. بمثل هذا الشعور بالمسؤولية و بمثل هذه الجاهزية، لا شك أنه لو وقعت في البلاد حالياً حادثة مثل حادثة الدفاع المقدس لكان الذين يخوضون غمار الساحة أكثر من الشباب الذين خاضوا يومها غمار الدفاع المقدس، و لن يكونوا بأقل. المرء ليشعر بهذا من هذه الحركات الشعبية الهائلة.نأمل أن يوفقنا الله تعالى نحن و الشعب و كافة المسؤولين ليستطيعوا النهوض بواجباتهم. و واجبات المسؤولين على وجه الخصوص جسيمة. المسؤولون في السلطات الثلاث مسؤولياتهم ثقيلة جداً، و عليهم النهوض بها بمزيد من الدقة و الجد و الاهتمام، لينـزل الله تعالى أيضاً رحمته علينا بمشيئته و لا يقطع عنا فضله. كل ما حصل لحد الآن إنما هو بفضل من الله، و بعد الآن أيضاً إذا شملتنا الهداية و الرحمة الإلهية فسوف لن يقطع الله تعالى عنا عونه و مدده.إنني أتقدم بالشكر الجزيل للسادة المحترمين في مجلس الخبراء، أشكر رئاسة مجلس الخبراء المحترمة و السادة المسؤولين على جهودهم التي يتحملونها و الأعمال الجيدة التي يقومون بها و الكلمات القيمة التي يطرحونها. أرجو أن تقع كل هذه الجهود و المساعي إن شاء الله موقع الرضا لدى سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه و عجل الله تعالى فرجه الشريف) و أعاننا الله تعالى على أن نستطيع إسعاد قلبه المقدس و نكون من المشمولين بأدعيته، و تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و أرواح الشهداء الطاهرة مسرورة راضية عنا.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة النساء، الآية 59.2 - سورة آل عمران، الآية 31.3 - سورة المائدة، الآية 66.4 - سورة هود، الآية 42.5 - سورة هود، الآية 42. 
2010/02/24

كلمة الإمام الخامنئي للمشاركين في صناعة المدمرة »جماران«

بسم الله الرحمن الرحيمكان هذا اليوم يوماً حلواً و مريحاً بالنسبة لي، ليس لمجرد أن فرقاطة أضيفت إلى الأسطول البحري لجيش الجمهورية الإسلامية - و هذا بالطبع مكسب قيم و مهم - إنما فرحي في معظمه لأن شبابنا و عاملينا الأذكياء العلماء في هذا القطاع من القوات المسلحة شاهدوا بأعينهم ثمرة أملهم و ثقتهم و توكلهم، و هذا ما سوف يجعلهم أكثر عزيمة على قطع خطوات واسعة أخرى. هذا هو أساس العمل. أساس العمل هو أن تعرف طاقاتنا البشرية قدر نفسها و قدر قدراتها و أن تنقل إلى حيّز العمل ما أودعها الله تعالى من مواهب و طاقات فلا تخشى عظمة الأعمال و ضخامة المشاريع.هذا المشروع الكبير الذي تحدث عنه الآن أمير البحر سيّاري مشروع طموح، لكنني أؤيد مثل هذه الآراء و الأفكار مائة بالمائة. اسعوا وراء أن تعرضوا على الجميع قدراتكم و شجاعتكم في الدفاع عن عزة بلادكم و شعبكم. طبعاً لهذا الأمر مقدمات و ينبغي القيام من أجله بعدة أمور.حينما ينظر المرء، و في ضوء بعض الحقائق الموجودة على الأرض، قد تبدو بعض هذه المطاليب و الطموحات بعيدة المنال، لكنني أقول يجب أن ندخل في هذا الطريق و نقطع الخطوات الواحدة تلو الأخرى، و سيكون الوصول إلى النتيجة أسهل علينا كلما تقدمنا إلى الأمام.يوم أثيرت هنا في هذا المعمل التابع للقوة البحرية في بندر عباس قضية صناعة فرقاطة مدمرة بمقاييس مناسبة لبحر عمان و المحيط الهندي و بتجهيزات مناسبة، أتخطر أنه كان البعض في ذلك اللقاء ممن اعتبروا هذه العملية غير ممكنة. و لم تكن هذه العملية ممكنة و حسب، بل و لا تعد عملية كبيرة جداً بالقياس إلى الهمّة التي تبدونها اليوم لإنجاز الأعمال الأكبر و الأعظم بكثير مما تعرضه علينا فرقاطة جماران و تجسده أمامنا. مع أن جهوداً كبيرة بذلت لإنجاز هذا العمل و هذه الجهود قيمة جداً - استخدام الذكاء و المواهب و القدرات و العمل الدؤوب و... - لكن هذا العمل لا يعد كبيراً في مقابل ما تعقدون عليه عزائمكم و هممكم اليوم. أعمالكم المستقبلية ستكون أهم و أكبر. لا شك أن الموجة 2 ستكون أفضل من هذه، و الموجتان 3 و 4 ستكونان أفضل أيضاً.. ربما بمقاييس نوعية أرقى بكثير، و هو ما سيكون بلا شك.حسناً، أولاً لا بد لي من تقديم الشكر. تجاربكم اليوم متراكمة و مستفيضة و بوسعكم الاستفادة من هذه التجارب. على كل حال، مع أن المدة طالت و لكن كما قلت كان هذا اليوم يوماً مريحاً جداً بالنسبة لي، و كان يوماً مباركاً حيث أشاهد نتائج جهودكم و مساعيكم.لدينا ماض في الملاحة يعود إلى 700 أو 800 سنة. يوم كانت سفننا تنطلق من موانئ الخليج الفارسي إلى أقصى أنحاء آسيا، لم يكن لكثير من هذه البلدان المعروفة اليومة بالملاحة إسهام يذكر. في ضوء هذا الماضي و بهذه القدرات التي يتوفر عليها الشعب، و بهذه العقليات الجيدة و هذا الذكاء الوقاد و هذه الأيدي الماهرة لشبابنا و شعبنا، لماذا يجب أن نكون متأخرين إلى هذه الدرجة بحيث نفرح كل هذا الفرح إذا حققنا مثل هذا الإنجاز؟لقد تعاملوا مع شعبنا بجفاء طيلة هذه القرون. من الذي تعامل بجفاء؟ هل الأجانب تعاملوا بجفاء؟ لا، بل الحكام الفاسدون. إنني لا أعتب على البرتغاليين أو الهولنديين أو الإنجليز الذي جاءوا و احتلوا سواحلنا و جزرنا. أولئك بلدان و حكومات تسعى وراء مصالحها، و القوى المادية عادة ما تفعل ذلك، تتحرك و تتطاول على غيرها على بعد آلاف الفراسخ من بلدانها.. ألم يستولوا على شبه القارة الهندية؟ ألم يستولوا على المناطق الشرقية ما بعد الهند؟ ألا يفعلون نفس هذا الشيء في العالم اليوم؟ ليس العتب عليهم، إنما العتب على السلطات الفاسدة المستبدة و الفاقدة للمحفزات و العزيمة و التي لم تستطع الحفاظ على سمعة إيران و الإيرانيين، و يأتي العدو لينتزع بندر عباس في يوم، و جزيرة هرمز في يوم آخر، و جزيرة قشم في يوم آخر، و سائر الجزر الواحدة تلو الأخرى من أيدي هذا الشعب ثم يطلق دعاواه. لم يكن هذا ما يستحقه الشعب الإيراني.لو لم تكن الجمهورية الإسلامية قد فعلت شيئاً إلا إعادة روح الثقة بالذات و الشعور بالعزة و الهوية لهذا الشعب و البلد و لنا نحن، فينبغي أن شكر الله سنوات طوالاً على هذه النعمة. و أريد أن أقول لكم إن الإسلام و التفكير الإسلامي و الروح المنبعثة من الإيمان القرآني لا تسمح بقمع قدرات شعب و إهدار مواهبه بهذه الشكل. و لا تسمح بأن يتخدر نتيجة عدم الاكتراث لقدراته و مواهبه الذاتية، و يأتي الآخرون ليتسلطوا على مصيره. الإسلام لا يسمح بهذا، و الجمهورية الإسلامية لا تسمح بهذا.حين تلاحظون مستكبري العالم و القوى المتغطرسة اللاهثة وراء الهيمنة تتهجم على الجمهورية الإسلامية - طبعاً بحدود قدرتهم - فهذا هو السبب: لقد تعودوا على أخذ ما يريدون و ما يستطيعون من هذه المائدة التي لا أهل لها. و حينما يشاهدون أن الأمر قد تغيّر و أن الشعب و هو المالك الأصلي لهذه الأرض قد استيقظ، و لم يعد يسمح لهم بالتطاول، فمن الطبيعي أن يغضبوا. هذه هي حقيقة المؤامرات. ذنب الجمهورية الإسلامية و ذنب الشعب الذي أحب هذه الجمهورية و أحبّ الإسلام و سار في طريقه هو مجرد أنه أراد عدم الخضوع للعسف و الهيمنة و إهانة شخصيته من قبل الآخرين. بالطبع، هذا بدوره اختبار للتاريخ، حتى يعلم التاريخ و الأجيال القادمة أن الشعب إذا شعر بهويته و آمن بقدراته الذاتية و أنزل إمكاناته إلى الساحة، سواء طاقاته العملية أو الصناعية أو التجريبية أو مهاراته أو إيمانه - و هو فوق كل الطاقات - حينما يأتي بجسمه و روحه إلى الساحة فلن تستطيع أية قوة في العالم التغلب و السيطرة على عزيمته و إرادته و همّته، بل ستنهزم أمامه. و قد انهزمت لحد الآن، و سوف تنهزم في المستقبل أيضاً.كلما كانت مؤشرات قدراتكم و صمودكم و استقامتكم أكثر، اعلموا أنهم سيغضبون أكثر. إذا استطاعوا فسوف ينقلون غضبهم هذا إلی الحيّز العملي و يمارسونه عملياً، و إن لم يستطيعوا سيضطرون إلى العض على نواجذهم و التفرج على تقدمكم إلى الأمام.. و هذا ما سوف يحصل. بعد الثاني و العشرين من بهمن، و بعد تلك الحركة الشعبية العظيمة، حيث كانوا يظنون البلاد و الشعب و الثورة و نظام الجمهورية الإسلامية على شكل آخر و أن الشعب ركن إلى اليأس و الخمول، فسوف يغضبهم أي تحرك كبير من قبلكم.الكلام الذي يطلقه الأمريكان اليوم، من أكبرهم إلى أصغرهم، من رئيس جمهوريتهم إلى الناطق باسم وزارتهم الفلانية، و كذلك بعض الغربيين الآخرين، كلام يدل على الغضب. إنهم غاضبون حانقون يائسون و لا يعرفون ماذا يفعلون. أحياناً يهددون، و أحياناً يسحبون تهديدهم، و أحياناً يرممون ذلك التهديد، و أحياناً يطلقون التهم هنا و هناك.هذا الكلام المكرر الممجوج الفارغ الذي يطلقونه حول صناعة الجمهورية الإسلامية لأسلحة نووية، مؤشر على ذروة عجزهم حتى على مستوى الإعلام. و الجمهورية الإسلامية لا تصرّ إطلاقاً على التعامل بكثير من الاهتمام في الدفاع عن نفسها بخصوص هذه القضية، لا، نحن لا نؤمن بالقنبلة الذرية و السلاح النووي، و لن نسعى للحصول عليه. استخدام أسلحة الدمار الشامل ممنوع و حرام حسب مبادئنا العقيدية و الدينية. إنه إهلاك للحرث و النسل الذي منعه القرآن و لن نسعى وراءه. إننا نسعى للشيء الذي يجب أن تخشاه القوى المهيمنة خشية حقيقية، و اعتقد أنها الآن تخشاه ألا و هو إيقاظ روح الحماس و العزة الإسلامية لدى كل الأمة الإسلامية. و هذا ما سوف نفعله.. ليعلموا ذلك.إنهم يستغلون الأمة الإسلامية المتواجدة من الناحية الجغرافية في منطقة حساسة من العالم - سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو من حيث المصادر الطبيعية - على الرغم من إرادتها. و رسالتنا و همّتنا هي إيقاظ العالم الإسلامي و تحذيره. و قد ترك هذا التحذير أثره، و تلاحظون أن كره المهيمنين و الجشعين و خصوصاً أمريكا، يزداد يوماً بعد يوم في كل أنحاء العالم الإسلامي.و يأتون هنا ليزعموا كذباً أن إيران ضد البلدان الجارة، لا، البلدان الجارة نفسها تعلم أن الأمر ليس كذلك. إذا كانت بلدان الخليج الفارسي و بعض الجيران قد أخطأوا لفترة قصيرة في بداية الثورة و تصوروا أن الجمهورية الإسلامية خصمهم، فقد أدركوا مع مضي الزمن أن الأمر ليس كذلك. هؤلاء إخوتنا و جيراننا. منظومة الخليج الفارسي هذه يمكن إدارتها بسياسة عقلانية جماعية و لصالح جميع البلدان المشاطئة للخليج الفارسي. الشيء الذي يهدد هذه الحركة الصحيحة المعقولة هو تواجد الأجانب و خصوصاً أمريكا في المنطقة. أمن المنطقة يتزعزع على يد أمريكا و ليس من قبل بلدان المنطقة. هم الذين يفرضون انعدام الأمن على المنطقة و بلدانها، و يتمنون وقوع الخلافات بين هذه البلدان، و يعملون لهذا الغرض كل ما يستطيعون. أحياناً تؤتي حيلهم أكلها و نتائجها، لكنها تفشل في غالب الأحيان، و سوف تفشل في المستقبل أيضاً إن شاء الله. إنهم يريدون صرف أنظار البلدان في منطقة الشرق الأوسط و الخليج الفارسي و هذه المناطق الحساسة عن العدو الأصلي و الحقيقي. العدو الحقيقي و الأصلي لهذه المنطقة هو الصهاينة و نظام الولايات المتحدة الأمريكية. هؤلاء لسبب و أولئك لسبب آخر. يريدون إغفال الأنظار و صرفها عن العدو الأصلي، لذلك يطلقون كلامهم الفارغ. الجمهورية الإسلامية تستند على قلوب ملايين البشر. حينما تهتف حناجر عشرات الملايين بصوت واحد و بقوة فلن يمكن محو هذا الصوت و القضاء عليه، إنما ستبقى أمواج هذه الهتافات في العالم مستعصية على الفناء. هذا ليس بالهزل. عشرات الملايين من البشر يطلقون سوية هتافات كره الاستكبار و كره نظام الهيمنة العالمي و الإصرار على العزة الوطنية و الإيمان الإسلامي. و ليس لمرة واحدة و لا لمرتين، بل منذ ثلاثين عاماً و الجماهير تطلق هذه الهتافات.. هذا شيء لا يزول. الهتافات المتسقة لكل هذه الحناجر و لكل هذه القلوب شيء باق لا يزول. هذا من القوانين الحتمية للطبيعة و التاريخ.. كقانون الجاذبية و القوانين الطبيعية الأخرى. لذلك فهي قوانين لا تقبل التخلف و التبديل. هذا الصوت باق خالد. الشرط في ذلك هو أن نقوم جميعاً بواجباتنا.. كلٌّ بواجبه. لقد رويت مراراً هذا الحديث الذي قاله الرسول الأكرم: »رحم الله أمرءاً عمل عملاً فأتقنه«. ينبغي إنجاز الأعمال بإتقان.حسناً، من النقاط الجديرة بالذكر أن صناعة هذه الفرقاطة المدمرة لم تكن مجرد صناعة فرقاطة مدمرة، إنما كانت تكريساً و مأسسة لتصميم و صناعة الفرقاطات الضخمة في مصانع البلاد.. استفادت من ذلك جامعات البلاد، و جامعة الإمام الخميني، و صناعات القوة البحرية، و صناعات وزارة الدفاع، و تحركت الأذهان، و حصلت مناسبة لعمل و نشاط الأقسام الالكترونية و المؤسسات المختلفة. نفس هذه الحركة و الرياضة الذهنية و العملية تعد مكسباً للبلاد، و هي ليست بأقل من صناعة فرقاطة بهذه المواصفات. هذا شيء له قيمته الكبيرة. حافظوا على هذا الشيء، و لا تدعوا هذه الحركة العلمية الصناعية تتوقف، واصلوا العمل و الإبداع بشكل متواتر و مطرد.لم ننتفع في الأعوام الماضية كما ينبغي من السواحل الطويلة لبحر عمان. تركزت أذهاننا دائماً على الخليج الفارسي و غفلنا عن أهمية بحر عمان. هذه النظرة الجديدة التي يحملها جيش الجمهورية الإسلامية لبحر عمان يمكنها إنجاز أعمال كبيرة. هذه موهبة إلهية لمنطقة جنوب شرقي البلاد. لذلك على الحكومة و المؤسسات المختلفة - وزارة الدفاع و الوزارات الأخرى ذات الصلة بهذا الشأن - أن تمدّ يد العون للتقدم في هذا المجال. هذه أعمال يمكن أن تحصل إن شاء الله، لكنني أروم القول إنه حتى لو لم يتم تنفيذ هذه الاقتراحات التي ذكرت بالشكل المطلوب الذي أؤيده و بسبب النواقص و القيود المختلفة أو لأي سبب من الأسباب، مع ذلك يجب مواصلة العمل و التقدم إلى الأمام. أقول إن الطاقات البشرية يمكنها في كل الأحوال و المواطن - و هذه تجربتي في المواقع الإدارية المختلفة طوال ثلاثين سنة - التعويض عن كثير من النواقص. تارة لا تتوفر الأموال الكافية و يمكن تعويض قلة الأموال بالإدارة الكفوءة الجيدة. قد يبدو ذلك صعباً أو غير ممكن في الوهلة الأولى. لكنه شيء عملي ممكن. قد جربنا ذلك. جربناه في الحرب و في مختلف الأمور في شتى القطاعات. لو أردنا النظرة بتلك الرؤية الأولى لتصورنا الكثير من الأمور غير ممكنة، لكن حينما يدخل الإنسان دائرة العمل يجد أن الأمر ممكن. ليست هناك أموال و لا مصادر، بيد أن هناك قوة الإدارة و العقل و الاقتصاد و تشخيص الإمكانات و معرفتها هنا و هناك.أحياناً تتوفر لديكم إمكانية لكنكم لا تتفطنون إليها و لا تنتفعون منها و إنما تستخدمون مصدراً آخر. و حينما ينتهي ذلك المصدر و تنظرون إلى أنفسكم و حواليكم تجدون تلك الإمكانية و المصدر أمام أعينكم. إذن، لا تدعوا هذه الحركة تتوقف. تابعوا العمل و الأمور، سواء هنا أو في الشمال أو في القطاعات المختلفة الأخرى.التنسيق بين الأجهزة القريبة من بعضها في هذه الدائرة حالة ضرورية جداً. مثلاً التعاون مع وزارة الدفاع، و وزير الدفاع حاضر هنا، فلتلاحظ هذه النقطة. أحياناً يشتكون لدي من أن بعض الوعود المبرمة لا تنفذ في مواعيدها. قد يكون الأمر كذلك. يجب أن تتابعوا المسألة، و من ذلك التأخر الصناعي في مشروع »الموجة 2«. طبعاً قدم لنا الجيش مؤخراً اقتراحاً و قلنا فليدرس هذا الاقتراح لنرى ماذا يمكن فعله من أجل التعويض. أرسلت بعض المحركات للأورهال(1) و لم تعد - كما يقولون - و مثال ذلك المحركات الأصلية لطرادات نوع »پيكان«. ثمة شكاوى و عتاب من هذا القبيل. ينبغي عدم العتاب لأنكم لستم بعيدين عن بعضكم.. إنما أنتم مع بعضكم و تابعون لقطب واحد و متوجهون لهدف واحد.. تفاهموا و عالجوا المشكلات. و بالطبع لا بد للجنة المركزية أن تساعد على هذا التنسيق و التقريب.أريد أن أوصي وصية: ينبغي استكمال هذا الإنجاز الصناعي المهم بإنتاج قطع الغيار اللازمة له. ربما سمعت خلال التقارير التي عرضت اليوم أن تصنيع قطع الغيار قد بدأ. على كل حال إذا لم يكن الأمر كذلك فأنا أوصي به و أوكد عليه. صناعة قطع الغيار مهمة جداً. يجب أن لا نتصرف بحيث نتوجه لقطع الغيار عند الحاجة أو حينما نكون قريبين من الحاجة، لا، منذ البداية يجب أن نتابع مسألة تصنيع قطع الغيار كعملية مستقلة، لهذا الشيء بحد ذاته فوائده و بركاته.و أريد أن أوكد أيضاً على العوامات تحت المائية. يجب أن يكون أحد أهداف القوة البحرية و توجهاتها قضية العوامات تحت المائية. إذا كانت القوة البحرية اليوم كما سبق أن قلنا قوة استراتيجية - و هذا هو الحال - و هي من الخطوط المهمة جداً في الدفاع عن البلد، فعليكم الاهتمام بالعوامات تحت المائية للإمساك بزمام الأمور.و من القضايا أيضاً قضية الحرب الالكترونية. لقد شددت عدة مرات خلال الأعوام الماضية، سواء في لقاءاتي بالقوة البحرية، أو في لقاءاتي بالقوة الجوية، على قضية الحرب الالكترونية، و أوكد عليها مرة أخرى. أعداؤكم يركزون على القدرات الالكترونية في الأسلحة و الحروب، و هم يعملون في هذا النطاق منذ سنوات. الدفاع الالكتروني مهم جداً بالنسبة لنا. اعملوا في مجال الالكترونيات. و لحسن الحظ تتوفر لدينا الأرضيات اللازمة لذلك: صناعاتنا الألكترونية جيدة، و لدينا علماء جيدون و ناشطون جيدون، و تتوفر عندنا أرصدة هائلة لا تنتهي هي شبابنا.حفظكم الله تعالى جميعاً و أنا أدعو لكم و أتمنى أن تستطيعوا أنتم شباب القوة البحرية أن تبنوا بمشيئة الله قوة بحرية تليق بمكانة الشعب الإيراني.قالوا إن بلدنا بلد بحري.. و هذا هو الواقع.. إنه مرتبط بالمحيط و البحر، و البحر هنا بحر له كل هذه الأهمية و الحساسية، سواء الخليج الفارسي أو بحر عمان و سائر الأجزاء و المواقع التي أضفت كل هذه الأهمية على هذه المنطقة. هذا البلد البحري يحتاج طبعاً إلى قوة بحرية مميزة جداً. و هذا ما سيتأتى بالتأكيد و الذي سيفعله هم أنتم الشباب الأعزاء.حفظكم الله تعالى و شملكم بأدعية سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و دعت لكم أرواح الشهداء الطيبة و الروح المباركة لإمامنا الجليل في عوالم الملكوت إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - إنزال المحرك لفحصه و تصليحه.
2010/02/18

كلمة الإمام الخامنئي في أهالي آذربيجان الشرقية

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين ساروا في هذه المناسبة العظيمة جداً و المستعصية علی النسيان - مناسبة التاسع و العشرين من بهمن في تبريز - كل هذا الطريق الطويل و تجشموا العناء و نوّروا حسينيتنا. الحقيقة أن أنفاسكم الدافئة و ألسنتكم الناطقة و دوافعكم المستعصية علی السكون و السكوت و التي كانت محسوسة و مشهودة في جميع الأحوال جعلت أجواء الحسينية اليوم دافئة و جذابة و ثورية، و قد كان أهالي تبريز دوماً و علی مرّ الزمن مظهراً لهذه الخصائص البارزة.طوال التاريخ القريب و في الأحداث الكبری من فترة الثورة الدستورية و ما قبلها و إلی اليوم، يلاحظ المرء ميزتين في تبريز و آذربيجان: الميزة الأولی هي أن أهالي تبريز كانوا سبّاقين دوماً في الأحداث المختلفة، فهم الذين يبدأون و يمسكون بزمام المبادرة. و قضية التاسع و العشرين من بهمن من هذا القبيل. لو لم يخلق أهالي تبريز اليقظين في أربعينية أحداث قم ذلك الحدث الكبير لما انطلقت سلسلة الأربعينيات في البلاد و لما كان معلوماً كيف كانت ستسير و تستمر الحركة المتفجرة الهائلة للشعب في كل أنحاء البلاد. إذن كانت المبادرة من قبل أهالي تبريز. و قد كان الحال كذلك في الأحداث السابقة أيضاً. في أحداث الثورة الدستورية أيضاً كان الوضع كذلك. بدأ أهالي تبريز العمل و بادروا. و الكثير من هذه الشعارات الجارية علی ألسنة شعبنا العزيز اليوم في كل أرجاء البلاد بدأت غالباً من تبريز.السمة الثانية هي الوفاء. البعض يبدأون السير في طريق معين لكنهم لا يواصلون و لا يبقون أوفياء. تزلزلهم الأحداث المختلفة و تبث فيهم الشكوك و التردد. فيعودون أدراجهم في بعض الأحيان. و أحياناً يفعلون ما هو أسوء من العودة أي إنهم ينكرون أصل الحركة و الطريق. شهدنا هذا النمط من الناس.أهالي تبريز و آذربيجان أوفياء و صامدون. يقول الله تعالی في القرآن الكريم: «و من أوفی بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً»(1). الذي يبقی وفياً للحق و يصمد علی كلمة الحق و لا يزلزله مضي الزمن و تعاقب الأحداث الصعبة سيوفيه الله تعالی أجراً عظيماً. البعض ليسوا من هذا القبيل إنما ينكثون العهود. «فمن نكث فإنما ينكث علی نفسه»(2). الناكث يعمل ضد نفسه و الواقع أنه يجلب الخسران علی نفسه بنكثه عهده. لا تصيب الإنسان خسارة في سبيل الله. أنتم أهالي تبريز و آذربيجان وفيتم و صمدتم.إمامنا الجليل مع أنه لم يكن يعرف تبريز عن قرب لكنه عرف أهاليها معرفة جيدة. في أحداث الفتنة في بداية الثورة حيث ظهرت الفتن في أماكن مختلفة من البلاد و منها تبريز قال الإمام إن أهالي تبريز أنفسهم سوف يردون علی مثيري الفتن و قد ردوا عليهم فعلاً. ما من شيء سوی قوة الإيمان و الغيرة و الهمة و الوعي و البصيرة كان بوسعه إخماد تلك الفتن و النيران. و كذا الحال اليوم أيضاً. الشباب الأعزاء الذين لم يروا الإمام و لم يشهدوا فترة الدفاع المقدس علی مدی ثمانية أعوام و لم يدركوا أمثال الشهيد باكري و لم يشهدوا الشخصيات المضحية التي استشهدت آنذاك يشاركون الآن في الساحة بنفس القوة و بنفس الاستقامة و بنفس البصيرة التي شارك بها الشباب التبريزيون يومذاك في التاسع و العشرين من بهمن و أبدوا طوال ثمانية أعوام من الحرب المفروضة و في الجبهات و الميادين المختلفة البطولات و التضحيات. هكذا هم شبابنا اليوم. فما معنی هذا؟ لماذا؟ ما هي القضية؟ ينبغي البحث عن حقيقة القضية في أحقية هذه الكلمة أعني كلمة الثورة و هي كلمة حق. هذه هي خصوصية الحق. «مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة» هذه شجرة طاهرة سالمة طيبة‌ تنمو في الأرض نمواً سليماً. «أصلها ثابت و فرعها في السماء» جذورها قوية و أغصانها و أوراقها مرتفعة إلی عنان السماء. «تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها»(3). ثمارها دائمية و لها في كل فصل ثمرة معينة. أي إنها ليست خاصة بفترة معينة كما هو الحال بالنسبة للكثير من الحركات في العالم و التي تغيّر أنظمة الحكم باسم الثورة أو الانقلاب أو غير ذلك لكنها محدودة الأمد ثم يعود الوضع بعد فترة قصيرة إلی شكله السابق أو إلی أسوء من الوضع السابق أحياناً. ليست كلمة الحق من هذا القبيل. كلمة الحق باقية.حركة الثورة اليوم و أهدافها هي نفسها التي رسمت منذ اليوم الأول و قد رسمها إمامنا الجليل الحكيم. هذه الأهداف منسجمة مع فطرة الجماهير لذلك احتضنها الشعب و إلا فإن توجيه قلوب ملايين الناس باتجاه واحد ليس بالأمر الاعتيادي. حينما يتحدث الإنسان بلسان الفطرة و يتحدث عن الله فسوف تحوم الفطرات حوله. «و لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم»(4). يد القدرة الإلهية هي التي تهدي القلوب باتجاه معين فتكون هذه هي النتيجة. في الثاني و العشرين من بهمن كانت الحشود التي خرجت إلی الشوارع في الذكری الحادية و الثلاثين لولادة الثورة الإسلامية أكبر من تلك التي خرجت في الأعوام الماضية. لم تنقص الحشود و حسب بل ازدادت و قويت و هذا علی خلاف الدارج في عالم الطبيعة. ألقوا حجراً في الماء و سترون أنه يُوجِد أمواجاً و لكن كلما مضی الوقت قلّت هذه الأمواج و تلاشت و صارت غير محسوسة إلی أن تنتهي. مرور الوقت يطفئ الأمواج الاجتماعية. فأية حقيقة هذه التي لا يطفئوها مرور الوقت بل يزيدها بروزاً يوماً بعد يوم؟ واقعة كربلاء مثلاً، في يومها و في تلك الصحراء القاحلة و بعيداً عن الأنصار و أمام كل أولئك الأعداء يستشهد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) و أصحابه و تؤسر عائلته و يأخذونهم و ينتهي الأمر. و اليوم بعد مضي قرون علی ذلك اليوم لاحظوا كم هي عظيمة و بارزة تلك الواقعة التي كان يفترض أن لا يبقی لها أي ذكر أو أثر في ظرف عشرة أو خمسة عشر يوماً. إنها بارزة اليوم لا بين ملايين الشيعة في البلدان المختلفة و حسب و بين المسلمين بل حتی بين غير المسلمين نری أن اسم الحسين بن علي يشع كالشمس و ينير القلوب و يهديها. هكذا هي الثورة. كلما مرّ الزمن أكثر كلما أجلت هذه الثورة حقائق أكثر.لكن العدو يتحدث بطريقة أخری طبعاً. و البعض يتحدثون بنفس لغة العدو و لسانه. أما هل يفعلون ذلك عن وعي أو عن غير وعي فهذا ما نتركه لله، لكنهم يتحدثون بلغة العدو و يحاولون الإيحاء بأن الثورة انحرفت عن دربها. كلا، لو كانت الثورة قد انحرفت لما تحركت كل هذه القلوب باسم الثورة و ذكر الثورة. و لما تعبأ كل هذا الإيمان و كل هذه الدوافع و المحفزات بذكر الثورة. و كذا الحال في العالم. فآثار هذه الثورة اليوم محسوسة في قلوب الناس في البلدان الإسلامية. لا تنظروا إلی عدة حكومات معاندة فالشعوب تحترم هذه الثورة و تجلها و تتحسر علی مثلها. و هذا مؤشر أحقية الثورة و بقائها. «تؤتي أكلها كل حين».أنا و أنتم و مثلما بقينا أوفياء لحد اليوم بتوفيق من الله نستطيع أن نبقی أوفياء. إذا حافظنا علی هذا الوفاء «فسيؤتيه أجراً عظيماً». و هذا الأجر غير مختص بالدنيا، و غير مختص بالآخرة أيضاً، فهو أجر في الدنيا و في الآخرة. أنه في الدنيا عزة و اقتدار و وصول إلی الأهداف السامية، و هو في الآخرة أجر إلهي و ثواب أرقی و أفضل من كل شيء. إذا تضعضعت أو ساءت عهودنا لا سامح الله و جرجرتها الأهواء النفسانية‌ وسط الطريق إلی هنا و هناك سيكون ذلك في ضررنا نحن، فالثورة تواصل طريقها. الذين تركوا الثورة و الذين وقفوا بوجهها كما أراد العدو أصيبوا هم أنفسهم بالخسارة و الضرر. توهموا أنهم سيتآمرون علی الثورة و يصرحون و يحرضون و سينفعهم ذلك شيئاً. كلا، إنهم مخطئون.في يوم الثاني و العشرين من بهمن هذه السنة حيث أفصحت هذه المعجزة الإلهية العظيمة عن نفسها و أذهلت هذه المشاركة الجماهيرية الهائلة الأنظار كان الأعداء و المعارضون - سواء المعارضون المعاندون أو المعارضون الغافلون - يفكرون بطريقة أخری و يخططون لشيء آخر و يربّون في أذهانهم أخيلة أخری. حاولوا منذ مدة طويلة أن يفعلوا ما من شأنه تخريب مراسيم الثاني و العشرين من بهمن التي تعدّ تجسيداً للمشاركة الجماهيرية في الثورة. أرادوا أن يفعلوا ما يفضي إلی اشتباكات بين الجماهير في طهران أو المدن الأخری. هذا ما توقعوه. قالوا في أحاديثهم إن الحرب الداخلية في إيران ستبدأ يوم الثاني و العشرين من بهمن! لاحظوا ما الذي فعلوه حتی راحوا يتوقعون نشوب حرب داخلية في إيران. كان البعض يقول هذا و البعض يأملون استعراض وجه معارض لنظام الجمهورية الإسلامية في الثاني و العشرين من بهمن. راحوا يصورون أن الناس تخلت عن الثورة و عن نظام الجمهورية الإسلامية و يقفون بوجهه الآن، هكذا كانوا يفكرون و يحسبون حساباتهم لكن الشعب الإيراني بوعيه و بصيرته و همته و بيد القدرة الإلهية التي ايقظت قلوب أبنائه صفع جميع هؤلاء المعارضين علی أفواههم و أتمّ الحجة علی الجميع.و ينبغي أن يكون الأعداء الخارجيون قد استيقظوا و صحوا علی أنفسهم أيضاً. رئيس جمهورية أمريكا و أمثاله كانوا يتشدقون دوماً بالشعب الإيراني و يقولون: «نحن نناصر الشعب الإيراني» و « الشعب الإيراني يعارض نظام الجمهورية الإسلامية». كرروا هذا الكلام مراراً. لاحظوا ماذا كان حالهم حين شاهدوا الشعب الإيراني في الشوارع يوم الثاني و العشرين من بهمن؟ هل ثمة خذلان إلهي أشد من هذا يمكن أن يمنی به العدو؟ و هل فضيحة له أشد من هذه؟ و البعض في الداخل، قسم منهم بسبب الغفلة و قسم آخر بسبب عدم التعقل و فئة أخری بدافع العناد و العداء، راحوا يتحدثون عن الشعب و الشعب و الشعب بما يُضاد نظام الجمهورية الإسلامية و يعادي هذه الحركة العامة للنظام! طيب، هؤلاء هم الشعب. لقد أثبت الثاني و العشرون من بهمن أين هو الشعب و ماذا يريد و ماذا يقول. أصابهم الغرور بالأوهام التي بثوها في نفوسهم. تصوروا أو تظاهروا بالجهل حين ظنوا أن الشعب تخلی عن الثورة و عن الإمام. لكن وعي الشعب و بصيرته و همته و إيمانه و التوفيق الإلهي الذي شمل الشعب الإيراني كان رداً قارعاً لهم في يوم الثاني و العشرين من بهمن.و الأجانب أيضاً أصيبوا بالوهم. تستخذم الألفاظ في غير معانيها. زعماء البلدان المستكبرة - بضعة دول مستكبرة - يصرحون حول نظام الجمهورة الإسلامية و يوحون و يروجون للقول بأن المجتمع العالمي يعارض الجمهورية الإسلامية. أي مجتمع دولي؟ أي مجتمع دولي يعارض الجمهورية الإسلامية؟ أربع أو خمس دول مستكبرة - غالباً ما تكون حتی شعوبها غير موافقة علی مواقفها - تعارض النظام الإسلامي و الجمهورية‌ الإسلامية. الأنظمة المحبوسة في قبضة الشركات الصهيونية و مصاصي الدماء الدوليين من الطبيعي أن تعارض الجمهورية الإسلامية التي ترفع شعار العدالة. يجب أن تكون معارضة. يوم تمتدحنا الشبكة الأخطبوطية للرأسمالية العالمية و لا تعارضنا يجب أن نقيم مأتماً.نعم، هناك بضع دول مستكبرة و متغطرسة تعارض الجمهورية الإسلامية لكن المجتمع العالمي لا يعارض الجمهورية الإسلامية أبداً. المجتمع العالمي هو الشعوب. المجتمع العالمي يعني الكثير من الحكومات التي هي بدورها غير راضية عن المستكبرين، رغم أنها لا تتجرأ غالباً علی التصريح بعدم رضاها لكننا نعلم أنها غير راضية. هذا شيء واضح جداً في تصريحاتهم و حواراتهم و يقولونه لنا، لكنهم لا يتجرأون علی الاعتراض.. يخافون. أما نحن فلا نخاف. إننا نقول الشيء الذي في قلوبنا و نعلم أنه حديث قلوب الشعوب و قلوب الكثير من الحكومات. إننا نعارض الاستكبار و نعارض نظام الهيمنة و نعارض بشدة تسلط بضعة بلدان علی مصير العالم و نكافح هذا التسلط و لا نسمح لهم بالتلاعب بمصير العالم. و من الواضح أن تعارضنا تلك الحكومات فتتذرع بذرائع الملف النووي و ما يتصل بحقوق الإنسان و الديمقراطية. و الكل في العالم يعلم أنهم يكذبون و يمارسون الرياء و النفاق.و قد بعثوا مأمورهم ثانية إلی هنا يجول في أطراف الخليج الفارسي و يكرر نفس تلك الأكاذيب و الهذر ضد الجمهورية الإسلامية: إيران تروم الحصول علی قنبلة نووية! من الذي يصدق كلامكم؟ من يصدق أنكم تفكرون بمصالح شعوب هذه المنطقة؟ أنتم الذين سحقتم شعوب هذه المنطقة ما استطعتم و بمقدار ما سُمح لكم تحت أقدام مصالحكم غير المشروعة. و بدّلتم الخليج الفارسي إلی مخازن سلاح. هذا ما فعله الأمريكيون. يمتصون أموال بلدان الخليج الفارسي و ينهبونها و يخزنون أسلحتهم فيها بدل ذلك. أنتم مثيرو الحروب، أنتم هاجمتم العراق و هاجمتم أفغانستان و تهاجمون باكستان و تعيدون جرائمكم هذه في أي مكان آخر استطعتم، ثم تأتون لتصرحوا ضد الجمهورية الإسلامية؟ جميع شعوب المنطقة تعلم و الكثير من حكومات المنطقة تعلم أن الجمهورية الإسلامية تناصر السلام و تناصر الإخوة و تناصر عزة بلدان هذه المنطقة و عزة البلدان الإسلامية. تحركوا كأنهم البائعين الجوالين و كان تحركهم انفعالياً. هم يتآمرون ضد الجمهورية الإسلامية منذ ثلاثين سنة و يخفقون منذ ثلاثين سنة، و قد انتصرت الجمهورية الإسلامية هذه السنة مرة أخری بعد عشرات المرات في صراعها ضد المستكبرين و انهزم المستكبرون.أحداث ما بعد الانتخابات التي أوجدها البعض بسبب جهلهم أو علی أساس حسابات خاطئة، يتذرع بها العدو عسی أن يستطيع تضعيف الجمهورية الإسلامية، و لكن علی العكس، نفس هذه الأحداث أدت إلی زيادة اقتدار الجمهورية الإسلامية. إذا كان يجب علی البعض قبل هذه الأحداث أن يثبت للناس بالأدلة و البراهين أن العدو يترصدهم و يكمن لهم فإن الناس شاهدوا بعد هذه الأحداث بأعينهم أن العدو يترصدهم في كمائنه. و هكذا هو الشعب الإيراني حينما يری العدو في الكمين لا يتأخر بل ينزل إلی الساحة فوراً. و بعد الآن أيضاً بحول الله و قوته و توفيقه ستكون جميع شرائح الشعب إن شاء الله أكثر جداً في عملهم و أشد تحفزاً و اندفاعاً في تحركهم في الأجواء العلمية و الصناعية و المجالات المختلفة و في مناخ الإدارات و الكسب و العمل و التجارة.. علی الجميع أن يسعوا و يعملوا.و قد تضاعفت مسؤولية المسؤولين. لقد تضاعفت مسؤولية المدراء في البلاد و رؤساء السلطات الثلاث مقابل هذه الحركة الشعبية العظيمة و مقابل هذا الوعي المذهل الذي أبدته الجماهير. هذا الشعب مستعد للدفاع عن بلده و ثورته و قيمه. علی خدمة المجتمع الخضوع و إبداء الاحترام أمام هذا الشعب و متابعة أعمالهم بقوة و جدّ و العمل من أجل الناس.ثمة مشاكل في البلد و هناك نواقص، و لكن ما من مشكلة أو نقص لا يمكن حله بيد الإرادة المعتمدة علی الإيمان. سيسعی مسؤولو البلاد في السلطات الثلاث إن شاء الله و في القطاعات المختلفة و أبناء الشعب أنفسهم و كل شخص حسب دوره و سهمه من أجل معالجة هذه المشكلات.ليعلم الجميع أن مستقبل الشعب الإيراني مستقبل مشرق. لقد أتخذ هذا الشعب قراره كما سبق أن ذكرنا و سيصل إن شاء الله إلی ذروة أهدافه السامية ليكون نموذجاً لا للعالم الإسلامي فحسب بل لكل الشعوب حتی يعرفوا من أين يمرّ طريق العزة و العظمة.نتمنی علی خالق العالم أن يشمل الشعب الإيراني كافة و أنتم أهالي تبريز و آذربيجان الأعزاء بألطافه و عنايته و تسديده، و يُرضي عنكم جميعاً القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و يشملكم بأدعيته و يرضي عنكم جميعاً الروح الطاهرة للإمام الجليل و الشهداء الأبرار.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 و 2) سورة الفتح، الآية 10.3) سورة إبراهيم، الآيتان 24 و 25.4) سورة الأنفال، الآية 63. 
2010/02/16

كلمة‌ الإمام الخامنئ في منتسبي القوة الجوية

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الأعزاء القادة و الضباط و المجاهدون في جبهة مهمة جداً من جبهات الجهاد للثورة. يوم التاسع عشر من بهمن يوم مهم جداً في تاريخ الثورة. في تلك الحادثة الكبيرة التي سمع بها غالبيتكم أيها الشباب و شاهدناها نحن بأعيننا لم يكن هناك من دافع سوی الدافع الإلهي و الإخلاص، لذلك تركت هذه الحادثة في وقتها أثراً بالغاً و بقيت خالدة في التاريخ. هذه هي ميزة العمل الإلهي المخلص.. يبقی و يؤثر و لن تكون آثاره مختصة بالزمن الذي يقع فيه بل سيكون له تأثيره المستمر و الدائم. هكذا هو العمل الإلهي. يوم جاء منتسبو القوة الجوية إلی مدرسة علوي و بايعوا الإمام و حطموا سداً و اقتحموا خطاً سياسياً كبيراً لم يكن بانتظارهم منصب و لا موقع و لا مال و لا حتی مدح و ثناء. ما كان في انتظارهم هو ربما الخطر و التهديد. إذن لم يكن من دافع سوی الدافع الإلهي. يومذاك أثرت هذه الحادثة الإلهية و لا تزال تؤثر بعد مضي واحد و ثلاثين عاماً. هذه الأيام أيام العشرة الأخيرة من صفر، أيام ما بعد الأربعين. إذا نظرنا إلی تاريخ صدر الإسلام فسنجد أن هذه الأيام هي أيام السيدة زينب الكبری (سلام الله عليها). و المهمة‌ التي نهضت بها زينب الكبری (سلام الله عليها)‌ كانت مهمة من هذا السنخ، أي مهمة محضة لوجه الله تعالی. ظهر الكيان المعنوي و الإلهي للدين في الشخصية الحاسمة للسيدة زينب الكبری (سلام الله عليها) وسط الأخطار و المحن و الصعاب. من المناسب أن نعلم و نفهم سطور التاريخ القديم القيم جداً و الذي لا يزال يفيض إلی اليوم بالبركات و الخيرات الفكرية و المعرفية و سيبقی كذلك إلی آخر الدنيا إن شاء الله.تألقت السيدة زينب (سلام الله عليها) كولي إلهي في المسير إلی كربلاء مع الإمام الحسين، و في حادثة يوم عاشوراء و تحملها تلك الصعاب و المحن، و أيضاً في أحداث ما بعد استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) حيث قامت برعاية تلك الجماعة المتبقية من الأطفال و النساء.. تألقت بشكل لا يمكن أن نجد له نظيراً علی مرّ التاريخ. ثم في الأحداث المتتابعة خلال فترة الأسر، في الكوفة و الشام و إلی هذه الأيام و هي أيام نهاية‌ هذه الأحداث و ابتداء مرحلة‌ جديدة للحركة الإسلامية و تقدم الفكر الإسلامي و المجتمع الإسلامي. و بسبب هذا الجهاد الكبير اكتسبت زينب الكبری (سلام الله عليها) عند الله تعالی مقاماً لا يمكننا وصفه.لاحظوا أن الله تعالی يضرب في القرآن الكريم المثال من امرأتين للنموذج الإيماني المتكامل، و يضرب المثال للكفر أيضاً من امرأتين. «ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا»(1)، هذان هما المثالان علی الكفر و هما امرأتان كافرتان. أي إنه لا يسوق المثال للكفر من الرجال بل يأتي به من النساء. و هذا ما نجده في باب الكفر و في باب الإيمان أيضاً. «‌و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون»(2). أحد المثالين علی النموذج الإيماني المتكامل هو امرأة فرعون و المثال الآخر السيدة مريم الكبری «و مريم ابنة عمران».مقارنة عابرة بين زينب الكبری و بين زوجة فرعون يمكن أن تجلي لنا عظمة مقام السيدة زينب الكبری. عُرّفت زوجة فرعون في القرآن الكريم بوصفها نموذج الإيمان للرجال و النساء علی مرّ الزمان و إلی آخر الدنيا. ثم لكم أن تقارنوا زوجة فرعون التي آمنت بموسی و انشدّت إلی تلك الهداية التي جاء بها موسی و حينما كانت تحت ضغوط التعذيب الفرعوني و الذي توفيت بسببه حسب ما تنقل التواريخ و الروايات، التعذيب الجسماني جعلها تصرخ: «إذ قالت ربّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة و نجّني من فرعون و عمله» طلبت من الله تعالی أن يبني لها بيتاً عنده في الجنة.. و الواقع أنها طلبت الموت و أرادت أن تفارق الحياة. «و نجني من فرعون و عمله».. انقذني من فرعون و أعماله المضلة. و الحال أن السيدة آسيا زوجة فرعون كانت مشكلتها و عذابها ألماً جسمانياً و لم تكن كالسيدة زينب فقدت عدة إخوان و عدة أبناء و عدداً كبيراً من الأقارب و أبناء الإخوان ساروا أمام عينيها إلی مقاتلهم. هذه الآلام الروحية التي تحملتها زينب الكبری لم تتعرض لها السيدة آسيا زوجة فرعون. رأت السيدة زينب بعينيها يوم عاشوراء كل أحبتها يسيرون إلی المذبح و يستشهدون: الحسين بن علي (عليه السلام) سيد الشهداء و العباس و علي الأكبر و القاسم و أبناءها هي نفسها و باقي إخوانها رأتهم كلهم. و بعد استشهادهم شهدت كل تلك المحن: هجوم الأعداء و هتك الحرمات و مسؤولية رعاية الأطفال و النساء. فهل يمكن مقارنة عظمة و شدة هذه المصائب بالمصائب الجسمانية؟ و لكن مقابل كل هذه المصائب لم تقل السيدة زينب لله تعالی: «ربّ نجّني» ، بل قالت يوم عاشوراء: ربنا تقبل منا. رأت الجسد المبضع لأخيها أمامها فتوجهت بقلبها إلی خالق العالم و قالت: اللهم تقبل منا هذا القربان. و حينما تُسأل كيف رأيتِ؟ تقول: «ما رأيت إلا جميلاً»(3).. كل هذه المصائب جميلة في عين زينب الكبری لأنها من الله و في سبيل الله و في سبيل إعلاء كلمته. لاحظوا هذا المقام المتقدم و هذا العشق للحق و الحقيقة كم هو الفارق بينه و بين ذلك المقام الذي يذكره القرآن الكريم للسيدة آسيا. هذا دليل علی عظمة مقام السيدة زينب. هكذا هو العمل في سبيل الله. لذلك بقي اسم زينب و عملها إلی اليوم نموذجاً خالداً في العالم. بقاء دين الإسلام و بقاء سبيل الله و بقاء السير في هذا السبيل من قبل عباد الله يعتمد كله علی العمل الذي قام به الحسين بن علي (عليه السلام) و ما قامت به السيدة زينب الكبری. أي إن ذلك الصبر العظيم و ذلك الصمود و تحمل كل تلك المصائب و المشكلات أدی إلی أنكم ترون اليوم القيم الدينية هي القيم السائدة في العالم. كافة‌ هذه القيم الإنسانية التي نجدها في المدارس المختلفة و المتطابقة مع الضمير البشري هي قيم نابعة من الدين. هذه هي خصوصية العمل لله.و قد كان العمل للثورة من هذا السنخ. لذلك خلدت الثورة و استمرت و أحرزت ثباتاً و اقتداراً معنوياً حقيقياً. كانت هذه الثورة ثورة لله. يوم انطلقت هذه الثورة و بدأت هذه النهضة لم تكن علی غرار نهضات الأحزاب أو كأي حركة سياسية تقوم بها الأحزاب في العالم و تروم تولي السلطة. كانت حركة مظلومة ترنو إلی تطبيق الأحكام الإلهية و تحقيق مجتمع إسلامي و تكريس العدالة في المجتمع. الذين جاهدوا من أجل انتصار الثورة و الذين صمدوا من أجل هذه الثورة‌ و جاهدوا لكي يتحقق لها هذا الثبات و الاستقرار و الاستمرار كانت نواياهم مخلصة. شهداؤكم، شهداء القوة الجوية هم من هذا القبيل. شهداء القوات المسلحة كلهم من هذا القبيل. الذين عملوا في سبيل الله و جاهدوا و بذلوا مساعيهم بارك الله في عملهم. الشيء الذي يعجز أعداء الثورة عن إدراكه هو هذه النقطة. الشيء الذي لا تستطيع أجهزة الاستكبار و الصهيونية فهمه هو هذه المسألة. لا يستطيعون فهم أن متانة هذا البناء هي بسبب أنه لله، و لأنه شيّد علی أساس الإخلاص و تقدم بفضل الجهاد. لذلك استطاعت الثورة و النظام الإسلامي الترسّخ في القلوب.انظروا اليوم كم ألف وسيلة إعلامية مرئية و مسموعة و أنواع و صنوف الوسائل الإعلامية بأحدث الأساليب تعمل ضد النظام. مئات الأدمغة و الأفكار تجلس في غرف التفكير و تبتكر كل يوم كلاماً أو شعاراً أو فكرة أو حيلة ضد هذه الثورة، لكنهم عاجزون عن الإضرار بالثورة و النظام الإسلامي. ما السبب في ذلك؟ متانة و صلابة هذا البناء بسبب قيامه علی مبدأ الإيمان بالله. الذين ساروا في هذا الدرب إنما قاموا بعمل إلهي. هذا النظام لا يشبة سائر الأنظمة. ما من نظام في العالم اليوم تشنّ ضده كل هذه الهجمات الإعلامية و السياسية و الاقتصادية و تفرض عليه أنواع الحظر و يستطيع أن يبقی رصيناً متيناً بهذا الشكل. لا يوجد مثل هذا الشيء في العالم. لكن هذا النظام صامد و سيبقی صامداً بعد اليوم أيضاً. ليعلم الجميع هذا. لا أمريكا و لا الصهيونية و لا منظومة المستكبرين و العتاة في العالم و لا الوسائل السياسية و لا الاقتصادية و لا الحظر و لا التهم و لا تحريض العملاء في الداخل لن تستطيع زعزعة هذه الثورة و لو بدرجة قليلة.سر بقاء هذه الثورة هو الاعتماد علی الإيمان و علی الله. لذلك تلاحظون أنه يوم تشعر كتل الشعب الهائلة في كل أنحاء البلاد أن هناك خطراً و عداء يواجه الثورة و أن ثمة عدواً خطيراً جاداً يواجهها سوف ينزلون إلی الساحة من دون دعوة. شاهدتم ما الذي حدث في يوم التاسع من دي. أعداء الثورة الذين يحاولون دوماً القول بأن المظاهرات المليونية مظاهرات من عدة ألوف - يصغرون الأمر و يهوّنونه - اعترفوا و قالوا إنه طوال هذه العشرين سنة لم تكن هناك حركة شعبية في إيران بهذه العظمة.. كتبوا هذا و قالوه. الذين يحاولون كتمان حقائق الجمهورية الإسلامية قالوا هذا و اعترفوا به. فما السبب؟ السبب هو أن الجماهير حينما يشعرون أن العدو يقف بوجه النظام الإسلامي ينزلون إلی الساحة. هذه حركة إيمانية و قلبية و شيء تقف وراءه الحوافز الإلهية. إنها يد القدرة الإلهية و يد الإرادة الإلهية. هذه الأمور ليست بيدي و يد أمثالي. القلوب بيد الله و الإرادات مقهورة لإرادة الخالق. إذا كان التحرك إلهياً و في سبيل الله و كان فيه أخلاص و حسن نية سيدافع الله عنه. لذلك يقول عزّ و جلّ: «إن الله يدافع عن الذين آمنواً»(4). هذا شيء لا يفهمه أعداء‌ النظام الإسلامي، و هم لا يفهمونه لحد الآن لذلك يفرضون الحظر و يتكلمون و يستخدمون أساليب متنوعة و يبحثون حسب أوهامهم عن نقاط الضعف في الجمهورية‌ الإسلامية، أحياناً يذكرون مسألة حقوق الإنسان و تارة يذكرون اسم الديمقراطية.. هذه الحيل التي تعد اليوم حقاً سخرية للناس في العالم. يقولون: الرأي العام. لكن الرأي العام لو كان يصدق هذا الكلام من أمريكا و الصهيونية لما أبدت الشعوب في مختلف البلدان و المواقف و المواقع كرهها لزعماء الاستكبار بهذه الصورة التي ترون أنها تبدي بها كرهها لهم. أينما يسافرون تخرج جماعة من الناس و تهتف ضدهم. واضح أن الرأي العام في العالم لا ينخدع بحيلهم و أخاديعهم.الذين يتشدقون بحقوق الإنسان هم أول من يسحقون حقوق الإنسان في سجونهم و في كل العالم و في تعاملهم مع الشعوب و حتی في تعاملهم مع شعوبهم. هؤلاء يتحدثون عن حقوق الإنسان؟! إنهم يشرعنون التعذيب و يجعلونه قانونياً! أليست هذه فضيحة لبلد من البلدان؟ أليس هذا خزي لبلد أن يجعل تعذيب السجناء قانونياً؟ ثم تراهم يتحدثون عن حقوق الإنسان و يتشدقون بالدفاع عن حرمة الإنسان و كرامته! الذين يشاهدون و يسمعون هذا الكلام و الادعاءات في العالم و يقارنون ذلك بتلك السلوكيات، من الطبيعي أن يستهزئوا بهم. من الذي يصدق هذا الكلام منهم؟يتحدثون عن الديمقراطية و يعقدون عهود الإخوة مع أكثر الحكومات في العالم استبداداً و رجعية - و منها ما هو في منطقتنا - ! من هي الأنظمة المرتبطة ارتباطاً أوثق مع أمريكا في منطقة الشرق الأوسط اليوم؟ و في شمال أفريقيا؟ هل ثمة أنظمة أكثر استبداداً منها؟ يتشدقون بالديمقراطية ثم يهاجمون الجمهورية الإسلامية - هذه الديمقراطية المتألقة القادرة علی إشراك 85 بالمائة ممن لهم حق الاقتراع في الانتخابات - تحت طائلة الديمقراطية! هذه سخرية و الكل يعلم هذا. المراقبون في العالم و الذين يفهمون الأمور و القضايا يستهزئون بهذه التوجهات الأمريكية.الشعب الإيراني شعب ذكي واع صاحب تجربة. و هذه القضايا ليست وليدة اليوم أيها الإخوة الأعزاء! البعض منكم يتذكرون و ليعلم الشباب أنه منذ واحد و ثلاثين عاماً و هذه الأحداث جارية بين أجهزة الاستكبار و الشعب الإيراني. هذه القضايا ليست وليدة اليوم. تهديداتهم التي أخفقت دوماً، و حظرهم، و إساءاتهم و اتهاماتهم.. استطاعت الجمهورية‌ الإسلامية في مناخ كهذا المناخ من القصف الإعلامي تحقيق كل هذا التقدم. قوتكم الجوية لا تقبل المقارنة مع القوة الجوية في بداية الثورة. مهاراتكم اليوم و قدراتكم و أجهزتكم و تقدم القوی و الطاقات الإنسانية و الابتكارات المختلفة لا تقبل المقارنة مع ما كان في بداية الثورة، بل لا تقبل المقارنة مع ما كان قبل عشرين سنة.لقد تقدمنا يوماً بعد يوم. هكذا هو الحال في كل قطاعات البلاد. البلد الذي يتمتع راهناً بهذه القدرات الصاروخية و هذه القدرات في مجال علم الأحياء و مجال العلوم النووية و الليزرية - و قد سمعتم بها و تعلمونها - و في القطاعات المختلفة حيث سجل قدرات بهذه العظمة و هذه الأهمية، هو نفسه البلد الذي كان يجب أن يستورد في أوائل الثورة أبسط الأجهزة و الإمكانات و يستعيرها من هنا و هناك. و كان عليه أن يشتري أبسط الأشياء من الآخرين و هم لا يبيعون.. كان عليه أن يشتريها بأسعار مضاعفة و هو خالي اليدين. و اليوم فإن نفس هذا الجيش و نفس هذه القوات المسلحة و نفس هذه المجاميع و نفس هذه القوة الجوية أحرزت كل هذا التقدم. و نفس تلك المجاميع الجامعية و العلمية و البحثية و التقنية توصلت إلی هذه المواقع المتقدمة.. وصلت إلی ما وصلت إليه تحت قصف هؤلاء الأعداء و تهديداتهم و حظرهم. هل تخوّفون الشعب الإيراني من الحظر؟!المهم هو أن يحافظ الشعب العزيز علی اتحاده و يحافظ علی وحدة كلمته. هذه الوحدة شوكة في عيون الأعداء. محاولاتهم تنصبّ علی إفساد وحدة الكلمة فينا. أعتقد أن أهم أهدافهم من أحداث فترة الفتنة بعد الانتخابات - الأشهر الماضية - هو خلق فواصل و صدوع بين أبناء الشعب. هذا هو مسعاهم. أرادوا خلق صدوع و شقاق بين أبناء الشعب و لم يستطيعوا. لقد اتضح اليوم أن أولئك الذين وقفوا بوجه عظمة الشعب الإيراني و بوجه العمل الكبير الذي قام به الشعب الإيراني في الانتخابات ليسوا جزءاً من الشعب بل هم أفراد إما يعادون الثورة بصراحة أو أشخاص يمارسون نتيجة جهلهم و لجاجتهم نفس ممارسات أعداء الثورة و لا صلة لهم بكتل الشعب. كتل الشعب تواصل طريقها طريق الله و طريق الإسلام و طريق الجمهورية الإسلامية و طريق تطبيق الأحكام الإلهية و طريق الوصول إلی العزة و الاستقلال في ظل الإسلام. هذا هو طريق الشعب و مسيرته.طبعاً كان هناك البعض يعارضون هذا منذ البداية. كان هناك البعض يرغبون منذ البداية في عودة الهيمنة و السيطرة الأمريكية الظالمة علی هذا البلد. هذا ما كانوا يريدونه و لا يخفونه الآن أيضاً. ثمة أشخاص البعض منهم خارج البلاد و البعض من العملاء في الداخل.. هذا مما لا شك فيه. أبناء الأشخاص الذين تضرروا من هذه الثورة و أبناء الأشخاص الذين كانوا مرتزقة للنظام الطاغوتي، هؤلاء لم يزولوا طبعاً فهم موجودون. نفس تلك الأحقاد الممتدة علی مدی ثلاثين سنة لا تزال موجودة اليوم أيضاً و قد كانت منذ البداية. كانوا منذ بداية الثورة و هم موجودون اليوم أيضاً و سيكونون بعد اليوم أيضاً. لكنهم كلهم لا يشكلون سوی مجموعة صغيرة.هذا الشعب العظيم و هذه العظمة الوطنية سائرة باتجاه الإسلام و لله و في سبيل الله و إبناء الشعب متفقون و كلمتهم واحدة و قلبهم واحد حتی لو كانت أذواقهم السياسية مختلفة ربما. يريدون إفساد هذه الوحدة. و الشعب صامد. في يوم الثاني و العشرين من بهمن سيثبت الشعب الإيراني العزيز إن شاء الله و بحول الله و قوته كيف سيصفع باتحاده و وحدة كلمته جميع المستكبرين.. أمريكا و البريطانيا و الصهاينة علی وجوههم بحيث يبهتهم كما فعل في السابق.ستواصل الجمهورية‌ الإسلامية طريقها، طريق العزة في ظل الإسلام، و الأمن في كنف الإسلام، و العدالة في ظل الإسلام، و الديمقراطية في ظل الإسلام و النابعة من الفكر الإسلامي، و ستتقدم إلی الأمام بلا أي تردد و لا أي ضعف أو خور و ستصدر الأجيال القادمة حكمها. و اعلموا أن الشباب اليوم و الأجيال التي ستأتي بعدهم سوف تواصل الطريق إلی القمم و ستصل إلی تلك القمم بفضل التجارب الهائلة الكامنة لدی هذا الشعب في مواجهته للاستكبار. الشعب الإيراني جدير ببلوغ القمم. شعب ذكي و مبتكر و مؤمن حينما تتوفر له الحرية النابعة من الإسلام و التي وفرتها لنا الثورة، مثل هذا الشعب لن يتوقف أبداً في مسيرته و حركته. سوف تشهدون أنتم الشباب ذلك اليوم إن شاء الله. عليكم أن تعقدوا عزيمتكم و هممكم في القطاع الذي أنتم فيه و علی الجميع بذل مساعيهم و هممهم في قطاعاتهم الخاصة بهم.القوة الجوية - كما قال قائدها المحترم في تقريره - حققت تقدماً جيداً. و نحن مطلعون علی التقدم الجيد في الأقسام المختلفة للقوة الجوية و لكن لا يجوز في الوقت ذاته أي توقف. لا تقنعوا بالوضع الموجود. واصلوا إبداعاتكم. أنتم جديرون بما هو أكثر من هذا. و شعبكم جدير بقوة جوية مقتدرة حتی أكثر من هذا. منظومة القوات المسلحة هذه بما فيها القوة الجوية يجب أن تستطيع إثبات عزة الشعب الإيراني و صلابته. و أن تكون مظهراً لصمود هذا الشعب و اقتداره و هذا ما سيكون إن شاء الله.نتمنی علی الله تعالی أن يحشر شهداء القوة الجوية الأعزاء و شهداء جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية و منظومة القوات المسلحة و كافة الشهداء الأبرار مع أوليائه، و أن يحشر الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - و الشعب الإيراني في هذه الأيام أكثر أنساً و معرفة و اندكاكاً بذكری ذلك الرجل العزيز الجليل - مع أوليائه، و أن يرضي عنكم جميعاً القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1) سورة التحريم، الآية 10.2) سورة التحريم، الآية 11.3) بحار الأنوار، ج 45، ص 116.4) سورة الحج، الآية 38.
2010/02/07

كلمة الإمام الخامنئي في أساتذة جامعة طهران

بسم الله الرحمن الرحيمإنه لاجتماع جدّ محبّب و طيب، خصوصاً مع الكلمات التي ألقاها السادة و كانت جميعها مفيدة حقاً بالنسبة لي، سواء ما ذكروه حول قضايا العلوم الإنسانية أو ما أشاروا إليه بشأن علوم ما بين الحقول العلمية، و المسائل الدقيقة التي ذكرت و شرحت، أو ما قالوه عن قضايا الزراعة - و من الضروري أن يأتونا بالبرنامج الذي ذكروه لنطلع عليه و نستفيد منه - أو ما قيل بخصوص العلم و البحث العلمي. و التقارير التي رفعها الدكتور السيد رهبر رئيس جامعة طهران المحترم تقارير جد مفيدة و مطمئنة. ما أحسن أن تعرض تقارير هذا التقدم علی الرأي العام. الحقيقة أن الرأي العام اليوم لا يدري كم هو نصيب الجمهورية‌ الإسلامية‌ طوال ثلاثين سنة في العلم و البحث العلمي و في نمو الجامعات و في كيفية العمل العلمي و في الاختراعات. من النقاط التي أشاعها المعارضون و أعداء‌ الثورة منذ بداية‌ الثورة و ركزوا عليها في إعلامهم، و زركشوا كذبتهم هذه بأنواع الزراكش، هي أن الثورة مناهضة للعلم. و الحال أن الثورة في الحقيقة قائمة‌ علی أساس العلم و سوف أتطرق باختصار لهذا الجانب. و بالتالي من المناسب أن تنشر هذه الإحصاءات.أنها فرصة جيدة جداً بالنسبة لي، فالمجتمعون هنا أشخاص مميزون و هم مجموعة المدراء و المبرزون و المؤثرون في أفضل جامعات البلاد أي جامعة طهران. و الواقع ينبغي القول إن جامعة طهران هي جامعة إيران فقد كانت رائدة و ملهمة علی الدوام، و ستبقی كذلك في المستقبل أيضاً إن شاء الله. أساتذة هذه الجامعة حاضرون أيضاً هنا، لذلك فهي فرصة طيبة جداً بالنسبة لنا لنستمع و نتحدث.أريد أن أقول كلمة حول اقتراح الدكتور السيد رهبر. قضية الدكتوراه الفخرية هي بالتالي فخر، و قد أبدت الجامعة هذا اللطف لي، لكنني لست من أهل الدكتوراه، و تكفيني صفة طالب علوم دينية. إذا استطعت أن أبقی ملتزماً بميثاق طلبة العلوم الدينية - و قد عقدت هذا الميثاق مع الله تعالی قولاً و فعلاً منذ فترة الحداثة و الشباب - و إذا أعاننا الله و استطعنا مراعاة هذا الميثاق و السير في طريق طلبة علوم الدين فأنا أفضّل هذا. لقد تلطفتم عليّ و أنا أتباهي بهذا اللطف، لكنني لا أقبل اقتراحكم. وفقكم الله و أيدكم.أذكر جملة نقاط. و هي نقاط تعرفونها، بل أنتم أصحاب خبرة و رأي في هذه الأمور، و أنا أشدّد عليها منذ سنوات، و لكن ينبغي العمل أكثر لأننا متأخرون. يجب أن نعترف أننا متأخرون. قضية بلادنا و ثورتنا و نظام الجمهورية‌ الإسلامية في العالم اليوم ليست قضية بلد أو شعب بين عدة مئات من الشعوب و البلدان. قلت ذات مرة إن ترابنا و مساحة أرضنا تشكل واحد بالمائة من مساحة بلدان العالم و عدد نفوسنا أيضاً يعادل تقريباً واحد بالمائة من نفوس العالم، لكننا لا نقنع بنسبة واحد بالمائة في القضايا المختلفة. نحن نحمل رسالة. إيران الإسلامية المسلمة تحمل رسالة فوق هذا المستوی. لا أننا نعتزم فتح البلدان و احتلالها - إطلاقاً و أبداً - لا يخطر أساساً ببال المسلم أن يفتح البلدان، إنما القضية قضية رسالة للبشرية. البشرية‌ اليوم و في العصور الماضية تعاني من ابتلاءات كبيرة. كما أننا أنا و أنتم نتحمل مسؤوليات مشتركة تجاه عوائلنا و مدينتنا و وطننا، و نكون مذنبين إذا استطعنا أن نقدم شيئاً لبلدنا و لم نفعل و إذا استطعنا مسح الغبار عن وجه شعبنا و لم نفعل، كذلك نتحمل مسؤولية حيال البشرية. إذا شاهدنا الناس في العالم يعيشون في نظام سياسي باطل و ملئ بالضغوط و استطعنا تقريبهم و لو خطوة واحدة من الخلاص من هذا النظام و لم نفعل نكون قد ارتكبنا إثماً. إذا شاهدنا أن فئة كبيرة من سكان العالم يعانون الجوع و الفقر و البؤس و كان باستطاعتنا اتخاذ خطوة لصالحهم و لم نتخذها نكون مذنبين طبعاً. ينبغي النظر لقضايا الإنسانية و العالم من هذه الزواية. و إذا كانت هذه هي النظرة الصائبة فيجب إذن زيادة قدرات البلد و مضاعفة قوة الشعب و الحكومة و البلاد و النظام. إذا لم نكن مقتدرين أثر علينا المقتدرون في العالم، و لن يبقی لنا مجال حتی لأن نؤثر علی جيراننا و أبناء ديننا، ناهيك عن التأثير علی كل البشرية. إذن، لا بد من التوفر علی المقدرة و الإمكانية. و هذه المقدرة ليست بلا شك في المعدات العسكرية و لا هي حتی في القدرة علی الإنتاج و التقدم التقني.المهم بالدرجة الأولی في إيجاد القدرة الوطنية هو في رأيي شيئان: أحدهما العلم و الثاني الإيمان. العلم يبعث علی القدرة سواء اليوم أو علی امتداد التاريخ و سيكون الوضع كذلك في المستقبل أيضاً. هذا العلم يفضي أحياناً إلی التقنية، و لا يفضي إليها في بعض الأحيان. العلم نفسه من أسباب الاقتدار، و من بواعث الثروة، و من شروط القوة العسكرية، و القوة السياسية. جاء في إحدی الروايات أن «العلم سلطان» - العلم اقتدار - «من وجده صال به و من لم يجده صيل عليه» (1). أي إن للمسألة جانبين: إذا كان لكم علم كانت لكم الكلمة الأعلی و اليد الأعلی و هذا معنی «صال»، و إذا لم يكن لكم هذا العلم فلن تكون هناك مساحة وسطی، بل «صيل عليه». إذن، الذي يتوفر علی العلم ستكون له اليد العليا عليكم و سيتدخل في مقدراتكم و مصيركم. كنوز المعارف الدينية زاخرة بأمثال هذه الكلمات. و العامل الآخر هو الإيمان و هو بحث آخر مفصل.إذن، يجب التشديد علی العلم. حالات التقدم التي ذكروها حالات مهمة جداً. و هي وليدة الحرية و الحرية الفكرية المنبعثة من الثورة‌ الإسلامية. و إلا لو كنا نعيش في ظل النظام الدكتاتوري العميل في فترة الطاغوت لما توفر لنا هذا بالتأكيد، أي إن مضي الزمن لن يحقق لنا هذا التقدم. كانت هناك دكتاتورية و تبعية و عمالة. أحياناً تكون هناك دكتاتورية و تصاحبها حالات تقدم، كأن يكون الحاكم شخصاً مثل نابليون الذي كان دكتاتوراً في زمانه، لكنه يؤسس أكاديميات علمية، و كانت هناك حالات تقدم علمي كبير خلال الأعوام الأربعة عشر أو الخمسة عشر التي حكم فيها فرنسا، ربما لم تتحقق لهذا البلد علی مدی سبعين أو ثمانين سنة تلت حكم نابليون. لا تزال حالات التقدم هذه مما يفاخر به الفرنسيون. كان نابليون بالتالي شخصاً ذكياً و دؤوباً و متفاعلاً و فاهماً، و كان إلی جواره أشخاص يفهمون. و لكن أحياناً تكون هناك مثل هذه الدكتاتورية و معها أيضاً تبعية و عمالة، و هو ما ابتلينا به طوال سنوات، خلال فترة البهلويين بشكل و خلال فترة القاجاريين بشكل آخر. في عهد القاجاريين أيضاً كنا تابعين بشكل من الأشكال. أي قبل فترة ازدهار الاستعمار حيث حكم أمثال ناصر الدين شاه، في ذلك الحين أيضاً كنا خاضعين للهيمنة للأسف. حالة‌ الاستبداد و الدكتاتورية التي تسلب الناس الحرية إلی جانبها حالة تبعية للسياسات الأجنبية علی بلادنا. و لو كان ذلك الاستبداد و التبعية لما تقدمنا إلی الأمام، إنما التقدم الحالي ناجم عن الثورة‌ الإسلامية. و إذا أردنا لهذا التقدم أن يستمر فمن الضروري العمل و السعي لذلك. و عليه يجب العمل و السعي بجد و مثابرة. و للجامعة دور أساسي علی هذا الصعيد.بخصوص جامعة طهران لا بأس أن أقول: مع أنني لست شخصاً جامعياً - و قد ذكر أحد السادة: «جامعي»، لا أنا لست جامعياً - لكنني كنت علی علاقات طويلة منذ القدم مع الجامعة و الطلبة الجامعيين. أحياناً كانت لي بعض الأعمال في الجامعة لبعض المناسبات فكنت أحضر في جامعة طهران و أشعر أنني دخلت إلی أجواء مألوفة لدي. مع أن البيئة هناك لم تكن تتناسب أبداً مع زينا و عمّتنا، لكن المرء كان يشعر أنها بيئة مألوفة. و الأصدقاء الآخرون الذين كانوا مثلنا كان لهم نفس هذا الشعور. و ربما أدی هذا الأمر بمجموعة العاملين و المسؤولين عن استقبال الإمام إلی اختيار جامعة طهران للاعتصام بسبب تأخر عودة الإمام إلی الوطن. لم تكن هذه صدفة محضة بل هي دليل علی صلة معنوية و روحية مع الجامعة، خصوصاً جامعة طهران.لا أنسی ذلك اليوم حينما جئت مع المرحوم السيد بهشتي و دخلنا من الباب الشرقية لجامعة طهران. أحد الأصدقاء الأعزاء و العلماء المحترمين، الحاضر الآن و الحمد لله، سبقنا إلی هناك و نسّق و فتح الباب الشرقي للجامعة - لأن الباب الجنوبي و هو الباب الرئيسي لم يكن ليفتح لنا - و دخلنا من هناك إلی جامعة طهران و قصدنا مسجد الجامعة و ذهبت أنا إلی الغرفة الواقعة خلف المسجد - كانت هناك غرفة صغيرة لا أدري هل ما تزال موجودة الآن أم لا - مكثنا هناك و بدأنا منذ اليوم الأول بإصدار نشرة‌ خاصة‌ بالاعتصام. أصدرنا من هناك نشرة صدرت منها عدة أعداد في اليوم الأول.. نشرة‌ الاعتصام. هذا الأنس و الألفة له جذوره في الذهن و السوابق. إي إننا كنا حسني الظن بالجامعة و نحمل نظرة إيجابية عنها و الجامعة أيضاً كانت ترحب بنا و تعتبرنا منها. و بعد ذلك و لنفس السبب علی ما يظهر تم اختيار جامعة طهران مكاناً لإقامة صلاة الجمعة.في طهران كان بوسع الإنسان أن يعمل بصورة‌ مختلفة. تم اختيار الثيّل في جامعة طهران مكاناً لصلاة الجمعة و لا يزال هذا المكان ملجأ و محلاً يراجعه الناس أيام الجمعة بمحفزاتهم القلبية. هذا شيء‌ علی جانب كبير من الأهمية. في السنوات الأولی و الثانية للثورة كنت أقصد جامعة طهران مرة في الأسبوع و ألتقي و أتحدث مع الطلبة‌ الجامعيين. تواجدي في مسجد الجامعة ربما استمر لأكثر من سنة. كنت أحضر في جامعة طهران و أتحدث في مسجدها مع الطلبة الجامعيين و أجيب عن الأسئلة. الحمد لله فإن جامعة طهران ما عدا كونها محوراً و مركزاً و رائداً أكيداً من الناحية العلمية فإنها من الناحية الدينية و المعنوية و الإيمانية - أي الركن الثاني للتقدم - أيضاً محوراً يشار إليه بالبنان. يجب اغتنام هذه الحقيقة و معرفة قدرها.ما أريد قوله هو أنه لو كانت أهمية العلم إلی هذه الدرجة فعلی جامعة طهران مضاعفة ريادتها في مجال العلوم و عليها تكثيف العمل و زيادته.جری الحديث عن الاختراعات و قد تم إنجاز بعض الاختراعات و الأعمال الجديدة. و لعلي أری التقدم أكثر من هذا بمقدار معين، إذ تصلني تقارير متنوعة و كثيرة من مصادر متعددة لكنني في الواقع غير راض و هذا القدر من التقدم العلمي غير مرض. هذه قضايا لا يمكن طرحها إلا في هذه الأوساط. حينما نقول إننا غير راضين عن هذا المقدار من العلم فليس معنی هذا أننا كنا نستطيع و لم نفعل. لا، قد لا يكون أي شخص مقصراً، و لم يكن بالإمكان إنجاز إكثر من هذا. قد تكون هذه حقيقة القضية لكن هذه الحقيقة ليست مرضية بالنسبة لي. لا تزال هناك مسافات طويلة تفصلنا عن المحطات التي يجب أن نصلها. و ليس توقعي كثيراً. لا أقول إننا يجب أن نصل في غضون عشرة أعوام أو عشرين عاماً إلی المراتب العلمية‌ الأولی في العالم - و لا أقول المرتبة‌ الأولی - و لكن ينبغي أن يكون هذا هدفنا. حتی لو استغرق الأمر خمسين سنة‌ لخروج البلد خروجاً تاماً من الأسر العلمي. هذا هو معنی إنتاج العلم. العلم ليس بضاعة يمكن إنتاجها كما تنتج البضائع الأخری فهو بحاجة إلی كثير من المقدمات و لكن يجب أن نصل أخيراً إلی حيث نستطيع بسط العلم و توسيع رقعته، و الوصول إلی أعماقه و ملامسة العلوم الجديدة. العلوم المتاحة‌ للبشر ليست فقط هذه العلوم الموجودة اليوم، فثمة الكثير من العلوم يقيناً سيصلها الإنسان في المستقبل. كما أن الكثير من العلوم اليوم لم تكن موجودة قبل مائة سنة. الكثير من هذه العلوم الإنسانية التي أشاروا إليها لم تكن موجودة قبل مائة عام، أي لم تكن هذه الفروع العلمية و لا البحوث العلمية فيها و إنما ظهرت بعد ذلك. قابلية البشر للتوسع العلمي أكثر من هذا بكثير. و إمكانية المعرفة بالعالم أكبر من هذا بكثير. علينا الوصول إلی مراحل نتقدم فيها ما استطعنا و نفهم فيها ما يمكن فهمه. و طبعاً يجب أن نجعل العلم وسيلة لسعادة الإنسان. الفرق بين نظرة الدين - أي الدين الإسلامي - للعلم و نظرة ‌العالم المادي له هو في هذه المسألة. إننا نروم العلم لسعادة البشر و لنمو الإنسان و تقدمه و ازدهاره و لتكريس العدالة و المطامح الإنسانية القديمة.قلنا مراراً إن تكريس العدالة و شياعها من مطامح الإنسانية القديمة. منذ أقدم العصور عانی البشر من اللاعدالة، و اليوم أيضاً ثمة لاعدل و إجحاف في العالم لا يستطيع أحد الاعتراض عليه. بمجرد أن يعترض البعض يسكتون الصوت المعترض بالأدوات العلمية و بالإمكانات العلمية و بعلوم الاتصالات الآخذة بالتطور يوماً بعد يوم. يخنقون صوتاً معترضاً كل يوم. لاحظوا ما الذي يفعلونه حالياً مع الجمهورية‌ الإسلامية؟ و ما الذي تقوله الجمهورية‌ الإسلامية؟ و ما الذي تريده الجمهورية الإسلامية؟ لماذا كل هذا الإعلام و كل هذه العراقيل و كل هذه المؤامرات ضد الجمهورية‌ الإسلامية؟ لا تريد الجمهورية‌ الإسلامية فتح البلدان و لا هي في صدد الإضرار بالشعوب و إيذائهم، و ليس من منهجها إيذاء أي أحد، إنما تدعو إلی السعادة المعنوية للإنسان. لديها رسالة للعالم. يعلمون هذا لذلك يمارسون كل هذه الضغوط و العراقيل. ثمة في العالم اليوم مثل هذا الإجحاف و اللاعدل. علی العلم أن يقارع هذا الإجحاف و الظلم. يستخدم العلم اليوم لصالح الإجحاف. و هو في خدمة أظلم الناس و المجتمعات. ينبغي الخروج من هذه الحالة. نظرة الإسلام للعلم نظرة شريفة و نظيفة و بعيدة عن الأهواء و النزوات، و هي إلی ذلك نظرة معنوية. هذا ما نريد العلم من أجله، و ينبغي السعي و بذل الجهود من أجل ذلك.النقطة التي أری أنها مهمة هي أن الجامعة يجب أن تتطرق لقضايا الثقافة بإسهاب، و لا بد من إيلاء هذه القضايا أهمية كبيرة في البيئة الجامعية. طبعاً الرسالة الرئيسية للجامعة هي العلم - لا مراء في ذلك - بيد أن النظرة التي أشرت إليها يجب أن تتوفر لدی الطالب الجامعي منذ البداية و هذا شيء ممكن.بل لقد تفضل أحد السادة بالقول إنه يجب شياع التعاطف و التوافق الوجداني بين جميع أبناء الشعب، و هذه حالة جيدة جداً لكنها ليست سهلة ولا بد لها من مقدمات. لكن ما نقوله - أي التربية الثقافية للطالب الجامعي - عملية ممكنة و بوسع الإدارات الأساسية في الجامعات تأمين هذا الهدف عبر البرمجة الصحيحة. يمكن تأمين هذا الشيء في الكتب الدراسية و في اختيار الأساتذة و في البرامج المختلفة التي تقرر للطالب الجامعي. لكنها بالتالي عملية دقيقة جداً. ينبغي النظر للمسألة الثقافية نظرة حكيمة مدبّرة. تحصيل العلم نفسه ثقافة. إذا أولينا المسألة الثقافية في الجامعة الاهتمام اللازم عندئذ سيعشق الطالب الجامعي العلم و يرغب فيه و يتحراه و ينشد البحث العلمي - و لا ينشد الشهادة الجامعية فقط - و سيترك أساتذتنا حالة الاكتفاء بأداء الحد الأدنی من الواجب. في أحيان كثيرة يرفعون لنا تقارير من الجامعة تفيد أن دروس بعض الأساتذة ليست سوی أداء الحد الأدنی من التكليف و الواجب. يأتي الأستاذ و يلقي دروسه التي من واجبه إلقاؤها و ينصرف. و الحال أن المسألة في عملية التدريس التي يزاولها الأستاذ يجب أن لا تكون مجرد أداء التكليف بل لا بد أن يكون ثمة حب و رغبة في العلم و حب لإعداد الطلبة الجامعيين. هكذا يجب أن تكون المسألة.علی الأستاذ أن يتصرف بطريقة أبوية و أخوية و لا يترك طالبه الجامعي لحاله. هذه حالة متوفرة الآن في حوزاتنا العلمية لحسن الحظ، أي إن من تقاليد الحوزات العلمية الاستعداد التام لدی الأستاذ لاستقبال الطلبة و أسئلتهم و التباحث معهم و مساعدتهم. بعض الأساتذة في الحوزة حينما يخرجون من دروسهم يرافقهم الطلبة إلی بيوتهم و يجلسون هناك و يواصلون الأسئلة و النقاش و يقضون ساعة أو ربما ساعات علی هذا المنوال. هذه ظاهرة جيدة و هي بحاجة إلی تغذية ثقافية. إنها عملية ثقافية و لا يمكن إنجازها بالأوامر و التعميمات.تعلمون أنني ألتقي الجامعيين و الأساتذة المحترمين عدة مرات في السنة. أن يبقی الأستاذ بعد انتهاء الدرس في غرفته يراجعه الطلبة و يطرحون عليه أسئلتهم فهذا ما قلته مراراً في اجتماعاتي بالأساتذة و الجامعيين و قد طرحه الجامعيون أنفسهم في بعض الأحيان و كرروه. و حينما جاءت الحكومة الجديدة وضعت ضوابط قبل نحو أربعة أو خمسة أعوام، و أنا أعلم و أنتم تعلمون جيداً أنه لا يجري العمل بهذه الضوابط كما ينبغي. فأين تكمن المشكلة؟ المشكلة تكمن في المسألة الثقافية. أو بخصوص البحث العلمي أشار بعض السادة في كلماتهم أن رجالنا و نساءنا و أساتذتنا و باحثونا يتوفرون علی شوق و رغبة‌ للبحث العلمي. هذا شيء علی جانب كبير من الأهمية. أهم الاختراعات البشرية هي تلك التي تأتت بالبحث و التنقيب و التحري و التطلع و التضحية و الفداء الذي يبديه الباحث و ليس عن طريق التوصية و المال. في بعض الأحيان تكون ظروف الباحث عسيرة جداً و يمضي وقتاً طويلاً و سنوات متمادية إلی أن يصل للنتيجة. طبعاً بعد أن يصل للنتيجة قد تقبل عليه الدنيا و يحظی بالشهرة و المال و سائر الأشياء، بيد أن العامل الرئيس هو الشوق و الاندفاع و الحب و الرغبة و الميل للبحث العلمي و التطلع المعرفي و التعمق في المسائل. هذه ثقافة ضرورية و يجب بثها و نشرها.تعلمون أن للشعوب خصالاً وطنية. لبعض الشعوب خصال عامة و لشعوب أخری خصال أخری تتعلق بالتاريخ و الجغرافيا و الأقليم و بعوامل شتی. علينا أن نخلق لدی شعبنا خصلة الاندفاع و التشوق و الميل للبحث العلمي و التطلع المعرفي و المتابعة و عدم الملل. هذه الخصلة و هذه الروح غير متوفرة. و كذلك الحال بالنسبة‌ للعمل الجمعي. العمل الجمعي أيضاً ليس من خصالنا الوطنية. حتی لو نظرتم إلی صنوف الرياضة المعروفة في بلادنا و قارنتموها بأنواع الرياضة المشهورة في الغرب لوجدتم هذه الحالة. رياضتنا الوطنية المعروفة، أي المصارعة، رياضة فردية. حتی رياضتنا التراثية، و هي رياضة جمعية، فإن كل فرد فيها يمارس الرياضة لوحده. تعلمون أنهم حينما ينزلون إلی ساحة الزورخانه لا يقومون برياضة، يقومون بحركات معينة، كل شخص لحاله، و دون تنسيق مع الآخرين، ليس الأمر ككرة القدم أو كرة الطائرة حيث تتكامل المهام. إذن العمل ليس عملاً جمعياً. هذه نقيصة وطنية فينا، و يجب إصلاحها و إشاعة الحالة الصحيحة. فمن المسؤول عن هذا؟ أنها مهمة الجامعة. و بالتالي فالجامعة ما عدا مهمتها العلمية عليها الخوض في المسألة الثقافية أيضاً.بوسعنا تربية الشاب ليكون صبوراً قانعاً ميالاً للعمل و البحث العلمي و العمل الجمعي و متساهلاً في سبيل النجاح و ممن يغلبون العقل علی العاطفة، و منصفاً و دقيقاً و منضبطاً في وقته، و صاحب ضمير مهني، و بوسعنا بث عكس هذه الصفات فيه. الحق أن هذا الشاب الذي تستلمه الجامعة - الشاب البالغ من العمر 18 أو 19 سنة - جدير بهذه التربية. في المراحل الجامعة و خصوصاً مرحلة الليسانس - المرحلة الجامعية الأولی - يمكن التفكير بهذه العملية‌ بجد و البرمجة و التخطيط لها. بمقدوركم إنشاء جيل له هذه الخصال الأخلاقية. و هذا بحاجة إلی تخطيط و لا يمكن تحقيقه بالبوسترات و التعميمات و الأوامر.كما أنكم بحاجة للبرمجة من أجل العمل العلمي و يجب أن تضعوا خططاً شاملة عامة كذلك تحتاجون من أجل تحقيق هذه المهمة إلی البرمجة و التخطيط. و ينبغي وضع هذه الخطة العامة في الجامعة نفسها. أنها ليس بالشيء الذي يمكن أن يتم خارج الجامعة ثم يبلغونه للجامعة. و هي ليست حكماً يتم أصداره و يجري العمل به. إنها مهام يجب أن تتدفق و تنبثق من داخل الجامعة. أقول هذا لتتوفر إن شاء الله الذهنية و الأرضية للعمل في إطار المسألة الثقافية في الجامعة. طبعاً العمل الديني بدوره جزء من العمل الثقافي. العمل علی جعل الآخرين يستئنسون بالدين و بالعبادة و يشعرون بحلاوة العبادة. الواقع أن إحدی سيئات العهد البهلوي هي أنهم قطعوا المجاميع المتعلمة في ذلك الحين عن القضايا الدينية و عن القرآن و عن الصحيفة السجادية و عن نهج البلاغة، و بعد ذلك استمرت هذه الحالة تقريباً بعد الثورة. طبعاً مضت ثلاثون سنة - جيل كامل - علی بداية الثورة، و كان بالإمكان القيام بالكثير من الأعمال لكننا تابعنا نفس ذلك السياق.أيها الأصدقاء الأعزاء، أقول لكم: الاستئناس بالقرآن و التدبر فيه و كذلك التدبر في الأدعية المأثورة المعتبرة - مثل أدعية الصحيفة‌ السجادية و الكثير من الأدعية الأخری - له دور كبير في تعميق المعرفة الدينية. تعميق المعرفة الدينية أمر علی جانب كبير من الأهمية. أحياناً قد يشارك شخص في صلاة الجماعة بدافع المشاعر و الأحاسيس أو قد يشارك في الاعتكاف و في مجالس العزاء الحسيني أو في المظاهرات الدينية الفلانية و لكن من دون أن تتوفر لديه معرفة في أعماق روحه، لذلك نلاحظ أنه ينهار في أبسط منعطف و علی نحو مفاجئ. هذا بسبب قلة أو ضعف المعرفة الدينية. لقد شاهدنا الكثير من الأمثلة لذلك. في هذه المجاميع الثورية في بدايات الثورة كان ثمة أشخاص يبدون أكثر تديناً و التزاماً و تعصباً للدين منا نحن ذوي اللحی و العمائم. و بعد ذلك واجهنا منعطفاً و إذا بهم يتزلزلون و يضعفون و واضح أنهم لم يكونوا منذ البداية صلبي الإيمان. إذن، تعميق المعرفة الدينية أمر مهم غاية الأهمية. و الاستئناس بالمعارف الدينية و الاندكاك بها مهم جداً. هذا بدوره جزء من العمل الثقافي الذي يجب أن يشاع و يروج. و هذه العملية تستدعي من يتولاها و أنتم من يتولاها. و ما من أحد سواكم ينهض بها. أي إنكم المدراء و رؤساء أقسام البحث العلمي مسؤولون عن هذه العملية. لا يمكن النهوض بهذه العملية‌ بشكل إداري و بثه بشكل مصطنع في المراكز أو البيئات العلمية. يجب أن تفكروا بدقة لهذه العملية. هذا الأمر علی جانب كبير من الأهمية.و القضية الأخری هي الحالة السياسية في الجامعات. تعلمون أنني كنت أعتقد منذ السابق أن الروح السياسية يجب أن تبقی حية متوثبة في الجامعات، فهذا يمنح الشاب حيوية و حركة. إننا بحاجة لشاب نشيط. الجامعة البعيدة عن السياسة و المنعزلة تماماً عن السياسة ستكون بعيدة عن الحيوية و الفاعلية و الحماس، ثم إنها ستغدو مكاناً لنمو الميكروبات الفكرية و السلوكية الخطيرة. لذلك من المناسب بل من الواجب أن تدخل السياسة حيّز الحياة الجامعية. لكن معنی تسيّس الجامعة أو حضور السياسة في الجامعة يجب أن لا يفهم بشكل مغلوط. ليس معنی ذلك أن تصبح الجامعة مكاناً تخوضه و تستغله التيارات السياسية و المجاميع السياسية و العناصر السياسية لأغراضها السياسية. يجب أن لا يحصل ذلك. و ينبغي الحؤول دونه. هذا شيء يجب أن تديروه و تدبروه أنتم، و يتعين أن تستخدموا صلاحياتكم و قدراتكم للحؤول دونه. و إذا حصل ذلك المحذور خسرتم الطالب الجامعي، و سيأتي شخص استغلالي ينتهز فرصه هناك. يمكن سرد أمثلة و تشبيهات عديدة لهذه الحالة. و لا حاجة لإيضاح الموضوع أكثر. كأن يأتي البعض و يجعل شاباً يافعاً وسيلة للسرقة من البيوت، و نقعد نحن و نتفرج علی الحالة دون أن نحرك ساكناً. هذا غير صحيح. هذه المهمة أيضاً بحاجة إلی برمجة خصوصاً في جامعة طهران. كما أن جامعة طهران في القمة بين جامعات البلاد من حيث السابقة و الوزن و المفاخر، كذلك هي من هذه النواحي أيضاً. طبعاً في ذلك الحين لم تكن هناك الكثير من الجامعات في البلاد فقد كانت جامعات البلاد قليلة جداً، و لم تكن ثمة قضايا تذكر. بعض كليات جامعة طهران علی وجه الخصوص كانت حساسة من حيث إبداء الميول السياسية و العمل السياسي، و هي كذلك إلی اليوم. إذن دققوا لئلا يتحول هذا المناخ إلی وسيلة يستغلها البعض و يستغلها الأعداء.البعض يتحسسون من كلمة أعداء و يقولون: لماذا تقولون العدو؟ لماذا تكررون كلمة العدو؟ نحن نكرّر و مع ذلك يغفل البعض، و لا يدركون ما يفعل العدو تجاههم. و نقول و نكرر و لا يحصل! فماذا لو لم نقل! لاحظوا كم ذكر الله تعالی اسم الشيطان و أصحاب الصفات الشيطانية و إبليس من بداية القرآن إلی نهايته، و كم ذكر أسماء فرعون و نمرود و قارون و أعداء النبي في زمن البعثة و كم كررها في القرآن. تكررت قصة إبليس و الشيطان في القرآن. كان يمكن أن يذكرها الله تعالی مرة واحدة تكفي للإطلاع. هذا التكرار من أجل أن لا نغفل أبداً عن كيد العدو. يقول الإمام علي: «و من نام لم ينم عنه» (2). إذا نمتم في خندقكم فلا يعني هذا أن عدوكم الذي يواجهكم نائم هو الآخر في خندقه، لا، قد يأخذكم النوم و هو صاح و عندها يحلّ بكم الويل. ينبغي عدم الغفلة و تلاحظون أن هذه الغفلة تحصل أحياناً.في قضايا ما بعد الانتخابات كانت منهم غفلة كبيرة حقاً. و أنا أقول غفلة لأنني أبني علی حسن الظن، فأنا لست أنساناً سيئ الظن بل حسن الظن. أنا حسن الظن بالأشخاص. في اليوم الثاني للانتخابات مباشرة مارسوا ممارسات سيئة و هم يرون نتائجها الآن. دعوا الناس للخروج للشوارع تحت طائلة الاعتراض علی الانتخابات، لماذا؟ أي منطق هذا؟ لماذا يدعون الناس للخروج إلی الشوارع؟ و هل قضية الانتخابات الدقيقة و المهمة إلی هذا الحد ممكنة الحل في الشوارع؟ خلقوا قوی ضغط و هذه غفلة كبيرة. حينما يحصل هذا يخلقون مأمناً للعدو و لمن يريد خلق الفوضی و التوتر. هذه غفلة. أي إن الغفلة في السياسة توجه الضربات كما تفعل الخيانة بعض الأحيان. حينما تطلقون رصاصة و تصيب هذه الرصاصة صدر شخص من الأشخاص، قد لا تكونوا متعمدين، لكن عدم التعمّد هذا لن يؤثر في النتيجة فالرصاصة أصابت قلبه و سقط و مات سواء كنتم متعمدين أم فعلتم ما فعلتم عن خطأ. هكذا هي الأخطاء أحياناً. يرتكب خطأ، و هو خطأ فعلاً، لكن ذلك لا يؤثر علی النتيجة فالضربة الموجهة تبقی نفسها. حسناً، تريدون الآن صيانة الجامعة من هذه الآفات فما عليكم أن تفعلوا؟ هذا الشيء علی جانب كبير من الأهمية. تنوير الطلبة الجامعيين و توجيه بعض الأساتذة.إذن لاحظوا أن المسألة العلمية بالتفاصيل التي ذكرناها مراراً و ذكرناها اليوم أيضاً و أشار إليها السادة، مهمة. الآراء‌ التي طرحت هنا عن مسائل العلم كانت جيدة جداً و هي موضع تصديقنا و تأييدنا. و القضيتان الثقافية و السياسية بدورهما من القضايا المهمة جداً. و هذه طبعاً ليست قضايا جامعة طهران و حسب بل هي قضايا الجامعات في كل البلاد، بيد أن جامعة طهران في القمة منها. بمعنی أنكم حين تفعلون شيئاً سيكون ذلك الشيء نموذجاً و سوف تحافظون إن شاء الله علی ريادتكم هذه.وفقكم الله و أيدكم لتستطيعوا النهوض بالمهام الملقاة علی عواتقكم و لنستطيع نحن إنجاز الأعمال الملقاة علی عواتقنا. كل شيء ممكن بعون الله و كل شيء ميسور بالهمة و العزيمة. و قد جربتم كل، هذا لحسن الحظ، في الأعوام الماضية و في الميادين المختلفة، في ميدان السياسة و في ميدان العلم و في الميادين الأخری، جربتم و جربنا هذا الشيء. أينما خضنا غمار الساحة و كانت عزيمتنا راسخة و توكلنا علی الله فتح الله السبل أمامنا. نتمنی أن يبارك الله عليكم و علی الشعب الإيراني عشرة الفجر هذه، و حشر الله الأرواح الطاهرة لإمامنا و شهدائنا مع أوليائهم، و أرضی عنا القلب المقدس لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 319.2) نهج البلاغة، الكتاب 62.   
2010/02/01

كلمة الإمام الخامنئي في ذكری 6 بهمن

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين تجشموا عناء السفر من أماكن بعيدة و نوّروا الحسينية اليوم بأنفاسهم الدافئة و قلوبهم المشتاقة الواجدة. مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء - خصوصاً عوائل الشهداء الجليلة و العلماء المحترمين و المسؤولين الكادّين الخدومين - الذين جدّدتم ذكری هذه الخاطرة الكبری، أي السادس من بهمن، في الأذهان و الخواطر و هي من الملاحم البارزة للشعب الإيراني و يعود الفخر فيها لأهالي مدينة آمل.نعم أنا أيضاً أعتقد أنه يجب أن لا يخبو في الأذهان بريق هذه الذكريات العظيمة و الأحداث النادرة و المصيرية لتاريخ الثورة. ينبغي لجيلنا الشاب أن يعرف هذه المناسبات بصورة صحيحة و يتمكن من تحليلها و يجعلها نبراساً لطريقه المستقبلي الحافل بالأحداث و لأهدافه السامية.طبعاً مفاخر مازندران، و في هذه المناسبة علی الخصوص أهالي آمل، ليست بالقليلة. سواء في ميدان الجهاد في سبيل الله أو في ساحة العلم و الفقه و المعرفة و العرفان لآمل - و الحق يذكر - وجه مشرق مجيد. و اليوم أيضاً و الحمد لله فإن الشخصيات العلمائية الكبيرة من آمل هي من مفاخر الحوزات العلمية و من الأرصدة العلمية الدينية القيمة في بلادنا. و أيضاً خلال الامتحان العظيم المتمثل بالحرب المفروضة التي استمرت ثمانية أعوام كانت مدينة آمل و محافظة مازندران الكبری من المناطق الفاخرة و المجيدة في البلاد. كنت في حينها علی معرفة بالألوية المتواجدة في مازندران و بالتعبويين المنتمين لها و الشباب المضحين فيها. كنت أعرفهم من قريب أو بعيد و أعرف تضحياتهم و جهادهم. هذه أمور لن تبرح ذاكرة الثورة. تلاحظون بناءً شامخاً متيناً عظيماً.. فمن الذي وضع هذه اللبنات و الأحجار علی بعضها لكي يرتفع هذا البناء؟ من الذي استطاع تنفيذ هذه الخريطة الفاخرة عملياً و إيجاد هذا الصرح؟ و هل يمكن تجاهل دور تلك الأحداث و الشخصيات التي كان من شأن كدّها و عملها و جهادها و تضحياتها و شعورها بالمسؤولية أن يكوّن هذا البناء ذرة ذرة ليرتفع و يتشكل و يعظم؟ من الأخطاء التي تقع أحياناً تجاهل هؤلاء الذين مارسوا الأدوار الكبيرة.«مدينة الألف خندق».. هل هذا تعبير قليل؟ و هل هو كلام بسيط؟ كانت قضية السادس من بهمن من الأهمية بحيث أدرجها إمامنا الجليل في وصيته التاريخية و جعلها ذكری لكي لا تنسی. فلماذا يجب أن لا تنسی؟ لأن في الأحداث التاريخية دروس و عبر. القضايا التي تجري علی الشعب غالباً ما تتكرر في مقاطع التاريخ المختلفة. مضت الآن ثمانية و عشرون عاماً علی ذلك الزمن، لكن طريق الجمهورية الإسلامية لم يتغير. و أعداء الجمهورية الإسلامية لم يتغيروا. إذن ما حدث يومذاك يمكن أن يكون درساً و عبرة للحاضر و للمستقبل طالما كان الشعب الإيراني بحول الله و قوته محباً لهذه المبادئ و هذه الثورة. لذلك يجب أن لا تنسی.و لنقل كلمة أخری في فضل السادس من بهمن في مدينة آمل: ما معنی «الألف خندق»‌؟ ظاهر الأمر هو أن الناس في داخل المدينة أوجدوا خنادق لمجابهة الجماعات الشريرة المعتدية - إما إنها كانت ألف خندق أو تزيد أو تنقص - و لكن لي تفسير آخر: هذه الخنادق ليست خنادق الشوارع بل هي خنادق القلوب. و هي ليست ألف خندق بل هي آلاف الخنادق. بعدد كل المؤمنين و المندفعين الشرفاء هناك خنادق لمواجهة هجمات الأعداء. إذا سار الشعب لنيل هدف معين و لم يعلم ما هي الأخطار التي تكمن له في الطريق و ما الذي ينبغي له أن يفعله في مواجهتها و إذا ترك نفسه و لم يتقيد و لم يحذر و كان لاأبالياً فسوف يتلقی ضربات. كافة الشعوب التي سارت باتجاه هدف معين كبير و تلقت الضربات وسط الطريق و أحياناً سقطت سقوطاً لم تستطع النهوض منه لقرون، إنما ابتدأت مشكلتها من هنا: لم تعلم ما الذي ينتظرها و لم تهيأ نفسها لمواجهة ما صادفته في طريقها. دروس الماضي تساعدنا علی فهم طريقنا و معرفته و معرفة الكمائن و من فيها.انتصرت الثورة الإسلامية بكل تلك العظمة. و وقف أبناء الشعب بأجسادهم العزلاء غير المدرعة أمام أسلحة عملاء النظام المتجبر و عملوا علی انتصار الثورة. ثم جاء نفس هؤلاء الناس و منحوا أصواتهم للجمهورية الإسلامية و انتخبوها. حسناً ما الذي يفعله الإنسان المنصف الشريف مقابل إرادة الشعب هذه؟ البعض نزلوا إلی وسط الساحة و ادعوا مناصرة الجماهير و الديمقراطية و الشعب و عندها اصطدموا بنفس هذا الشعب الذي أسس هذا النظام بأغلی الأثمان. كان فيهم المنافق و الكافر الصريح و المناصر للغرب و المتظاهر بالدين. كل هؤلاء صاروا جبهة واحدة و حركة واحدة مقابل النظام الإسلامي و الشعب الإيراني. زعموا مناصرة الشعب و اصطدموا بالشعب. زعموا التحيز للديمقراطية و أصوات الشعب و اشتبكوا مع أصوات الشعب و نتائج أصوات الشعب. زعموا الثقافة و الاستنارة و التفكير الحر و تقبّلوا بطريقة متحجرة الأطر المستعارة من المفكرين الغربيين و الممتزجة بسوء النوايا و سوء الطويّة. وقفوا بوجه الشعب الإيراني. بداية أخذوا يعترضون علی الإمام و الجمهورية الإسلامية و مبادئ الإمام بالكلام الثقافي أو شبه الثقافي و راحوا يوجهون النقود و الكلام و ما إلی ذلك، و بعد مدة تركوا شيئاً فشيئاً المجاملات جانباً و نزلوا إلی الساحة و بدلوا الصراع الفكري و السياسي إلی صراع مسلح و توترات و اضطرابات و أخذوا يخلقون المشاكل و المتاعب. هذه أحداث وقعت في بلادنا و هي ليست من التاريخ البعيد بل وقعت في العقد الأول من الثورة. بدل أن يفكروا و يتأملوا ما هي مشكلات البلاد - كانت بلادنا تواجه مشكلات كثيرة بعضها موروث عن الماضي و بعضها فرض علينا - و يساعدوا علی حلها و يمدوا يد العون للمسؤولين فيقدموا التوجيهات إذا بدی لهم أنهم يجب أن يقدموا التوجيهات، أو يتحملوا بعض الأعباء، بدل كل هذا راحوا يصطدمون و يعارضون و يسيئون، ثم جابهوا الناس أينما استطاعوا في القطاعات و المواطن المختلفة. كان البلد مشتبكاً في الحرب علی الحدود فلم يأبهوا حتی للحرب و راحوا يجابهون الجمهورية الإسلامية و النظام في شوارع طهران و في تقاطع الطرقات و أينما استطاعوا.ليس للجمهورية الإسلامية هوية غير هوية الشعب و إيمانه و عزيمته. و كذلك الحال اليوم أيضاً. إننا لسنا بشيء مهم. الله تعالی يحمي هذا النظام بواسطة هذا الشعب و هذه القلوب. «هو الذي أيّدك بنصره و بالمؤمنين»(1) . يقول الله تعالی لرسوله إنه أيده بالمؤمنين. و كذا الحال بالنسبة للجمهورية الإسلامية اليوم أيضاً. ليس لدينا وسيلة أخری. الوسيلة هي إيمان الشعب الذي يعدّ سلاحاً أمضی من أي سلاح و وسيلة أكثر تأثيراً من أية وسيلة أخری. و كان الحال كذلك يومذاك أيضاً حيث نزل الناس إلی الساحة و انتصروا علی هذه المؤامرات. طبعاً حينما يجري الانتصار علی مؤامرة فليس معنی ذلك أن المؤامرات قد انتهت. العدو يقظ علی كل حال و يختلق لعبة أخری و مؤامرة أخری و أحداثاً أخری . إذا كان الشعب يقظاً فلن يؤثر ذلك شيئاً، حتی لو حاكوا مائة مؤامرة سيقف الشعب إزاءها و يواصل مسيرته. المسيرة الضخمة للشعب الإيراني لن تتوقف. الشعب يتقدم و يواجه في الوقت نفسه المعارضات و العداوات و المضايقات. هذا هو الوضع الذي كان طوال هذه الأعوام الثلاثين.كانت ثمة أخطاء لدی معارضي الجمهورية الإسلامية طالما بقيت فيهم فإن كل ما يفعلونه قد يسبب للشعب بعض الإيذاء و المضايقة لكنه يعود علی الأعداء أنفسهم بأضرار أكبر. من هذه الأخطاء أن معارضي الجمهورية الإسلامية غالباً ما تصوروا أنفسهم فوق الشعب و أعلی منه. و الخطأ الثاني أنهم ارتبطوا بأعداء هذا الشعب و عقدوا عليهم الآمال. هذان هما الخطآن الكبيران. حينما خالوا أنفسهم فوق الناس ستكون نتيجة ذلك أن الشعب إذا أراد شيئاً أو لم يرد شيئاً أو فعل شيئاً أو انتخب شيئاً في إطار خطوة قانونية قال هؤلاء: لا، الناس كانوا عواماً و هذه نزعة عامية و پوپوليسم و نحن لا نرضی ذلك. هنا تظهر حالة التعالي علی الشعب. ليس الادعاء ملاكاً كأن يقولوا نحن شعبيون و مع الشعب، إنما ينبغي إثبات الحالة الشعبية علی المستوی العملي. هذا هو الإشكال الأول.الإشكال الثاني أنهم يرتبطون بأعداء هذا الشعب الذين ثبت عداؤهم و اتضح. من الذي عادی هذا الشعب طوال هذه الأعوام الثلاثين؟ أمريكا و الصهيونية بالدرجة الأولی . هل هناك أعدی من هؤلاء للجمهورية الإسلامية؟ منذ اليوم الأول وقفت الحكومة الأمريكية و الكيان الصهيوني و الصهاينة في العالم بوجه نظام الجمهورية الإسلامية. و هم اليوم أيضاً - للحق و الإنصاف - أعدی الأعداء. أنني حينما أنظر أجد أحياناً أن بعض الحكومات الغربية تطلق كلاماً غير مدروس و غير ذي معنی لكن المحفز و المحرض هم الصهاينة. الدافع هم الطبقة المتسلطة المهيمنة علی الحكومة الأمريكية و الدولة الأمريكية و الانتخابات الأمريكية. هم الذين يديرون المسرح. لذلك فهم ألدّ أعداء الشعب الإيراني.و إذا ارتبط بهم من يقف بوجه الشعب كان ذلك الخطأ. الارتباط بالعدو؟ حينما نری هذا العدو ينزل إلی الساحة فيجب علينا أن نفهم ذلك و نعرفه. و إذا كنا قد ارتكبنا خطأ فعلينا تلافي الخطأ و تصحيحه. تآمر الأمريكان ضد الجمهورية الإسلامية منذ اليوم الأول. و من فضلة القول أن نقول إن هذه المؤامرات كانت عديمة التأثير. واضح أنها كانت عديمة التأثير. لو لم تكن عديمة التأثير لما بقي أثر اليوم للجمهورية الإسلامية. و ترون راهناً أن الجمهورية الإسلامية أقوی من يومها الأول عشرات المرات. إذن كانت تلك المؤامرات عديمة التأثير. و اليوم أيضاً لا يفتأون يرسمون الخطط الجديدة و المؤامرات و لا يعتبرون. و أنا استغرب ألا يفكرون في الماضي فيقولوا لأنفسهم: مارسنا كل هذه المؤامرات و أنفقنا كل هذه الأموال ضد الجمهورية الإسلامية، و ذهبنا هنا و هناك و التقينا بهذا و ذاك، و ربّينا المرتزقة في الداخل، و عبّأنا في الخارج فلاناً و فلاناً ضد الجمهورية الإسلامية، فلم يؤثر ذلك شيئاً. يأتون مرة أخری و يصادقون علی ميزانية قدرها 45 مليون دولار لإسقاط الجمهورية الإسلامية! يصادقون علی ميزانية للقضاء علی ثورة إيران و إسقاط الجمهورية الإسلامية عن طريق الأنترنت! لاحظوا كم هذا العدو بائس و عاجز. كم 45 مليون دولار سابقة أنفقتموها لحد الآن؟ كم عملتم عملاً دبلوماسياً لدحر الجمهورية الإسلامية و كم فرضتم من الحظر الاقتصادي و حكتم صنوف المؤامرات و بعثتم الجواسيس و دربتموهم، فما الفائدة التي جنيتموها حتی تريدون السير في هذا الطريق مرة أخری لفصل الشعب الإيراني عن الثورة حسب ما تتوهمون؟ هذا ما لا يفهمه الأعداء. و هذه هي السنة الألهية. إنها الضرب علی أعين العدو الغافل و آذانه من قبل الله تعالی حتی لا يفهم الحقائق و يبقی غافلاً «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة»(2). ينفقون الأموال ثم يتحسرون عليها لأنها ذهبت هدراً. أنا لا أدري كم جلسوا و خططوا و عملوا حتی يستطيعوا إشعال اضطراب في طهران بذريعة من الذرائع. الله يعلم منذ كم من الوقت جلس هؤلاء و خططوا، فما كانت النتيجة؟ هل سوی أن استيقظ الناس أكثر مما كانوا؟ إذا كان شخص من أبناء الشعب يتصور أنه لم يعد ثمة حاجة لتواجده في الساحة للدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية فمع هذه الأحداث شعر الجميع أن عليهم التواجد دائماً للدفاع عن الجمهورية الإسلامية.و أحياناً تطلق هذه الألاعيب التي يختلقها العدو لأجل ابتزاز الجمهورية الإسلامية. و قد كان الحال كذلك في بداية الثورة أيضاً. بعض الألاعيب التي كانوا يفعلونها كانت من أجل أن يفرضوا علی نظام الجمهورية الإسلامية إشراكهم في السلطة من دون استحقاق و من دون أن يكون الناس قد أرادوا ذلك و من دون رصيد شعبي و جماهيري. أحياناً يختلق أعداؤنا الدوليون هذه الضجات من أجل فرض ابتزاز معين علی الجمهورية الإسلامية ككثير من الحكومات التي بمجرد أن تشعر بخطر تذهب و تعلن عن استعدادها لدفع ابتزاز أمام الأرباب الأكابر، ابتزاز مالي أو ابتزاز سياسي. الإمام لم يخضع للابتزاز - ليعلم الجميع هذا - و نحن أيضاً لن نخضع للابتزاز لا من طرف شعبنا و لا من طرفنا. عندنا كلمة حق و نحن مصرون علی كلمة الحق هذه. إننا لم نرتكب ذنباً. إننا نريد أن نكون شعباً لا يسيطر علينا أقوياء العالم و نتولی نحن بأنفسنا إدارة شؤوننا. نريد أن نكون شعباً متوثباً و متحركاً إلی الأمام. نروم أن نكون شعباً نثبت الإسلام علی المستوی العملي و ليس بمجرد الادعاءات. نريد أن نعمل بالأحكام الإلهية. نروم أن يكون مجتمعنا مجتمعاً مسلماً إسلامياً. لا نريد أن نتقبل ما يحيكه و يتوهمه المفكرون الماديون و الساسة الغربيون كدساتير لحياتنا. نريد أن نقبل حكم الله. فهل هذه جريمة؟و قد أدركنا أننا إذا أردنا أن نعيش مسلمين فيجب أن نكون مقتدرين حتی نستطيع الدفاع مقابل الأعداء عن أنفسنا و عن أهدافنا و عن عقائدنا. ينبغي أن نكون أقوياء حتی نستطيع الدفاع عن حقوق بلدنا و حقوق شعبنا و حقوقنا. هذا ما نرنو إليه. فهل هذا جريمة يرتكبها الشعب؟ إذن، كلامنا حق. و نحن صامدون علی هذا الحق. و نعتقد أن الحق حينما يشتبك و يتجابه مع الباطل، إذا كان أصحاب الحق صادقين في صمودهم علی الحق فإن الباطل سيهزم لا محالة. و قد جربنا و كانت هذه هي النتيجة. لقد جربنا طوال الثلاثين عاماً المنصرمة و صمدنا و تقدمنا إلی الأمام. أينما تجدون تراجعاً أو إخفاقاً فما ذلك إلا لأن صمودنا قد تضعضع. و أينما صمدنا تقدمنا إلی الأمام. و كذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً.ما يلزمنا هو أن لا يفقد أبناء الشعب و المسؤولون و غير المسؤولين و خصوصاً الشباب و خصوصاً من لهم كلمة مؤثرة، أن لا يفقدوا شعورهم بمسؤولية التواجد في الساحة. لا يقل أحد إنني لا يقع علی عاتقي واجب أو مسؤولية.. الكل مسؤولون. و ليس معنی المسؤولية أن نحمل السلاح و نمشي في الشارع. يجب أن نشعر بالمسؤولية في أي عمل أو موقع كنا.. مسؤولية الدفاع عن الثورة و نظام الجمهورية الإسلامية، أي عن الإسلام و عن حقوق الشعب و عن عزة البلاد. هذا هو الشرط الأول. علینا جميعاً الشعور بهذه المسؤولية. و أری أننا نتحلی بمثل هذا الشعور بالمسؤولية. لقد أثبتت جماهير بلادنا هذا المعنی و ستثبته. النموذج الجلي لذلك هو يوم التاسع من دي الذي أشير إليه. و هناك نماذج أخری. الثاني و العشرون من بهمن علی الأبواب و عشرة الفجر قريبة. لقد أبدی الشعب تواجده و استعداده و حيويته و نشاطه و سيبديه أيضاً.مسؤولو البلاد خصوصاً يجب أن يبذلوا كل جهدهم لمعالجة المشكلات بأيدي التدبير و العمل المستمر و عدم التعب و بكل شوق و ذوق و توكل علی الله و استمداد للعون منه. ليس القصد مجرد المشكلات السياسية و الأمنية - فهذه جزء من المشكلات - إنما القصد التقدم بالبلاد إلی الأمام في مجال الاقتصاد و العلم و المسائل الاجتماعية المختلفة التي تقع علی عاتق المسؤولين. ليعلم مسؤولو السلطات الثلاث و جميع مسؤولي البلاد أن من واجبهم العمل لهذا الشعب.. العمل و العمل و العمل. و التدبير و التدبير و التدبير. لا تغفلوا لحظة واحدة. إننا نسير مسيرة جيدة إلی الأمام فلا تسمحوا لهذه المسيرة بأن تتوقف. يجب أن لا تخرج هذه الحركة عن مسارها. إننا نتقدم و يجب أن نواصل التقدم إلی الأمام. بل يجب أن نضاعف من سرعتنا و نزيدها شمولاً و نستوعب بها المناطق التي لم تكن تستوعبها من قبل.و واجب أبناء الشعب حيال المسؤولين هو الثقة بهم و مواكبتهم. الثقة بالمسؤولين و مواكبتهم ليس معناها أن لا ننبّه المسؤولين و لا نلفت نظرهم و لا ننتقدهم حينما يلزم النقد، لا، و لكن لنكن سوية. من أهداف العدو زعزعة ثقة الشعب بالمسؤولين في البلاد. هذه حيلة الأعداء. إذن، الواجب العام علی الجميع - من أولنا إلی آخرنا - هو التواجد في ساحة الثورة و ميدان الدفاع عن البلد حيال جبهة الأعداء، و لحسن الحظ فإن هذه الجبهة اليوم متأخرة كثيراً كثيراً عمّا كانت عليه قبل ثلاثين سنة و مشاكلها أكثر. إنهم متورطون في أفغانستان و في العراق و في باكستان و قد ورطوا أنفسهم أخيراً في اليمن. لديهم مشاكلهم مع شعوب منطقتنا و مع شعوبهم و لهم مشاكلهم في أوربا. من واجب الجميع الشعور بمسؤولية التواجد في الساحة مقابل جبهة الأعداء هذه. وظيفة المسؤولين هي العمل و اغتنام الوقت لخدمة الشعب و اغتنام كل لحظة و كل ساعة للعمل و حل العقد و معالجة المشكلات. و الواجب العام حيال المسؤولين هو الثقة بهم و مواكبتهم و دعمهم و مساعدتهم. إذا كان لدی أحد وجهة نظر للمساعدة فليذكرها. و إذا كان لدی أحد اعتراض فلا مانع من الاعتراض، و لكن يجب أن لا يتحول الاعتراض إلی مجابهة و إنما ينبغي أن يكون من قبيل المواكبة كما لو يعترض جندي علی صاحبه الذي معه في خندق واحد فيقول له مثلاً لماذا مددت رجلك أو لماذا نمت؟ هذان الجنديان ليسا مقابل بعضهما.اعلموا يا أعزائي أن يد القدرة الإلهية بحسب القرائن العديدة سند لشعبنا. اعلموا أن دعاء إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) المستجاب سيشمل شعبنا إن شاء الله. و اعلموا أن الله تعالی سيبلغ بتوفيقه و فضله هذا الشعب أهدافه السامية و آماله الكبيرة، و سوف يذل الأعداء حيالكم.ربنا تعامل مع هذا الشعب الكبير علی قدر إيمانه و نواياه و قلوبه الطاهرة. اللهم احشر شهداءنا الأبرار و شهداء حادثة آمل و شهداء محافظة مازندران مع أوليائك. اللهم احشر إمامنا الجليل و أرواح الشهداء مع أئمة الهدی.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) سورة الأنفال، الآية 62.2) سورة الأنفال، الآية 36.
2010/01/25

كلمة الإمام الخامنئي في ذكرى 19 دي

بسم الله الرحمن الرحيمفي كل عام يستعرض الشعب الإيراني كافة، و خصوصاً أهالي قم الأعزاء أصحاب البصيرة يستعرضون ذكرى التاسع عشر من دي أمام مستكبري العالم كمقطع تاريخي بليغ معبّر.. و هو استعراض في محله.. الحق أن حدثاً مثل التاسع عشر من دي جدير بالاستعراض أمام أنظار الأعداء.إنه حدث قمين بالتأمل و التدقيق من أبعاد مختلفة: البصيرة تتموج في هذا الحدث، و كذلك تشخيص الظرف، و معرفة الأعداء، مضافاً إلى الجهاد و الإقدام و التضحية.. هذه أبعاد حدث عظيم وقع في التاسع عشر من دي سنة 56 أي قبل اثنين و ثلاثين عاماً. من جهة أخرى أضحى ذلك الحدث منطلق تحول و حركة و تيار عظيم في الشعب الإيراني. إذن، الحدث حدث مهم حقاً ترك تأثيره يومذاك، و اليوم أيضاً حيث تحيون ذكراه و ذكرى شهدائه من رجال الدين أو من غير رجال الدين لا يزال يترك تأثيراته و يعطي دروسه و يُسبغ البصيرة و يشير لنا إلى اتجاه الحركة.أيام السنة متشابهة بعضها مع بعض بشكل طبيعي، و البشر و الإرادات و الجهاد هو الذي يرفع يوماً معيناً بين باقي الأيام و يجعله متميزاً مختلفاً و يعليه كالراية التي تهدي الآخرين. يوم عاشوراء - العاشر من المحرم - لا يختلف في ذاته عن باقي الأيام، إنما الحسين بن علي (عليه السلام) هو الذي يمنح هذا اليوم الروح و المعنى و يرفعه إلى العرش. جهاد أصحاب الحسين بن علي (عليه السلام) هو الذي يضفي على هذا اليوم كل تلك الخطورة و الأهمية. و كذلك الحال بالنسبة ليوم التاسع عشر من دي، و يوم التاسع من دي هذا العام أيضاً له نفس الحالة. التاسع من دي لا يختلف عن العاشر من دي، إنما الجماهير هم الذين جعلوه بتحركهم يوماً متميّزاً.. و تحركهم كان نابعاً من نفس العوامل التي خلقت حركة التاسع عشر من دي في قم، أي إنه كان نابعاً من البصيرة، و تشخيص العدو، و معرفة الظرف الزمني، و التواجد الجهادي في الساحة.كونوا واثقين أن يوم التاسع من دي لهذا العام قد خلد في التاريخ، و أصبح بدوره يوماً متميزاً. بمعنى من المعاني ربما أتيح القول إن تحرك الجماهير هذا اكتسب في الظروف الراهنة - و هي ظروف ضبابية ملتبسة - أهمية مضاعفة.. كان عملاً كبيراً. كلما فكّر الإنسان في هذه الأمور وجد يد الله تعالى، و يد قدرته، و روح الولاية، و روح الحسين بن علي (عليه السلام) فيها. هذه الأعمال ليست أعمالاً تتم و تنجز بإرادة أمثالنا، إنما هي من عمل الله و تنمّ عن يد القدرة الإلهية. مثلما قال لي الإمام الخميني في ظرف حساس - وقد رويت قوله هذا مراراً - قال: »إنني طوال هذه الفترة كنت أرى يد القدرة الإلهية وراء هذه الأمور«.. و حقٌّ ما رأى ذلك الرجل الإلهي ذو البصيرة الثاقب النظر. المهمة أصعب في ظروف الفتنة، و التشخيص أصعب. طبعاً الله تعالى يتمُّ الحجة دوماً، و لا يدع للناس عليه عز و جل سبيلاً و حجةً ليقولوا له إنك لم تتم الحجة علينا، و لم تبعث هادياً، لذلك ضللنا و سرنا في الطريق الخطأ. هذا معنى مذكور في القرآن مراراً. يمكن رؤية يد الإشارة الإلهية في كل مكان، لكن ذلك يحتاج إلى عين مفتوحة. إذا لم نفتح أعيننا فلن نرى هلال الليلة الأولى من الشهر، لكن الهلال موجود. يجب أن نفتح أعيننا و ننظر و ندقق و نستثمر جميع إمكاناتنا حتى نرى هذه الحقيقة التي وضعها الله أمام أعيننا.المهم هو أن يمارس الإنسان هذا الجهاد، إنه جهاد لصالح الإنسان نفسه، و الله تعالى يمدّ له يد العون في هذا الجهاد. يوم التاسع عشر من دي و ما اشتمل عليه من انتفاضة لأهالي قم في سنة 56 كان من هذا القبيل. و يوم التاسع من دي لهذه السنة الذي سطّره جميع أبناء الشعب في بلادنا - و الحق أن هذا التحرك المليوني الخارق للعادة من قبل الشعب كان تحركاً عظيماً - كان من هذا القبيل، و غير ذلك من الأمور المختلفة التي شهدناها و لم تكن قليلة طوال الثورة. هذا الجهاد هو الذي يدلنا على الطريق.لاحظوا أن أمير المؤمنين في حرب صفين لم يكن يقف بوجه الكفار. الجبهة التي وقفت أمام أمير المؤمنين كانت جبهة يقيم رجالها الصلاة، و يقرأون القرآن، و يحافظون على الظواهر.. كانت العملية صعبة جداً. من الذي يجب أن يمارس مهمة التنوير هنا و يكشف الحقائق للناس؟ البعض تزلزلوا حقاً. حينما يقرأ المرء تاريخ حرب صفين ترتعد فرائصه. في هذه الصفوف الهائلة التي سار بها أمير المؤمنين و وصل بها إلى تلك المنطقة الحساسة - منطقة الشامات - ليقف بوجه معاوية، كانت تحدث زلازل.. و قد حدثت هذه الزلازل عدة مرات.. و قد استمرت القضية عدة شهور. تارةً يأتي الخبر أن شخصاً في الجبهة الفلانية قد طرأت له شبهة و بدأ يقول: لماذا نحن نحارب؟ و ما الفائدة من ذلك؟ و كذا، و كذا.. في مثل هذه الأحوال كان أصحاب أمير المؤمنين - أي في الحقيقة أصحابه الخواص الخلّص الذين كانوا معه منذ أول الإسلام و لم ينفصلوا عنه - يتقدمون لحل المشكلة. و من بين أولئك سيدنا عمار بن ياسر (سلام الله عليه) الذي كان يأخذ على عاتقه أهم المهمات. ذات مرة أخذ عمار بن ياسر - يبدو أنه كان عماراً - يستدل و يبرهن. لاحظوا ما هي البراهين التي يستطيع الإنسان أن يطرحها دوماً كبراهين حية. لاحظ عمار أن البعض اعترتهم شبهة، فسار إليهم و ألقى فيهم خطبة. و كان مما قاله في تلك الخطبة إن الراية التي ترونها في الجبهة المقابلة قد رأيتها أنا يوم أحد و يوم بدر مقابل رسول الله - راية بني أمية - فقد وقف تحت هذه الراية يومذاك نفس الذين يقفون اليوم تحت هذه الراية.. معاوية و عمرو بن العاص. في معركة أحد كان معاوية و عمرو بن العاص و سائر رؤساء بني أمية يقفون بوجه الرسول، و كان الراية راية بني أمية. قال: هؤلاء الذين ترونهم تحت هذه الراية كانوا تحت نفس هذه الراية مقابل الرسول و قد رأيت هذا بعيني. و هذا الجانب الذي يقف فيه أمير المؤمنين و الراية التي يرفعها أمير المؤمنين اليوم - أي راية بني هاشم - كانت أيضاً في معركتي بدر و أحد، و كان يقف تحتها ذات الأشخاص الذين يقفون تحتها اليوم أي علي بن أبي طالب و أنصاره و صحبه. فهل أفضل من هذه العلامة؟ لاحظوا كم هي علامة جيدة. الراية نفس راية معركة أحد. الأشخاص نفس الأشخاص في هذه الجبهة و تلك الجبهة. الفرق بين الحالتين أنهم كانوا يومذاك يدّعون الكفر و يعترفون و يفخرون به، و هم اليوم أنفسهم تحت نفس الراية يدّعون الإسلام و مناصرة القرآن و الرسول، لكن الأشخاص و الراية نفس الراية.. هذه بصيرة. و هذا هو ما نقصده حينما نشدّد على أهمية البصيرة.منذ بداية الثورة و على مدى الأعوام الطويلة، من هم الذين وقفوا تحت راية العمل ضد الإمام و الثورة؟ أمريكا كانت تحت هذه الراية و بريطانيا و المستكبرون، و الرجعيون المرتبطون بنظام الاستكبار و الهيمنة.. كانوا كلهم مجتمعين تحت تلك الراية، و هم كذلك اليوم أيضاً. حينما تنظرون اليوم أيضاً لكم أن تتساءلوا: أين تقف أمريكا منذ ما قبل انتخابات سنة 88 طوال الأشهر السبعة أو الثمانية المنصرمة و إلى اليوم؟ و أين تقف بريطانيا؟ و أين تقف وكالات الأنباء الصهيونية، و أين تقف التيارات المعادية للدين في الداخل، من تيار توده إلى تيار الملكيين، إلى باقي الفئات و الجماعات اللادينية؟ نفس أولئك الذين ناصبوا الإمام الخميني و الثورة العداء منذ بداية الثورة، و رموا أحجارهم و أطلقوا نيرانهم و مارسوا الإرهاب.. بعد ثلاثة أيام من انتصار الثورة في الثاني و العشرين من بهمن جاء هؤلاء بهذه المسميات أمام محل إقامة الإمام الخميني في شارع إيران، و راحوا يهتفون، و هم اليوم يهتفون أيضاً في الشوارع ضد النظام و الثورة! لم يتغيّر شيء. كان اسمهم يساراً و أمريكا تقف من ورائهم.. كان اسمهم اشتراكيين و ليبراليين و طلاب حرية تقف وراءهم جميع أجهزة الرجعية و الاستكبار و الاستبداد الصغيرة و الكبيرة في العالم! و كذا الحال اليوم. هذه علامات و مؤشرات، و المهم أن يفهم الشعب هذه المؤشرات. هذه أشياء لو شكر الإنسانُ اللهَ عليها مئات المرات لما وفّاها حقها.هذا الشعب العظيم بمختلف شرائحه من شتى أنحاء البلد ينظرون إلى الساحة و يعرفونها.. إنه لشيء كبير و مهم. لذلك أقول إن يوم التاسع من دي سيبقى خالداً في التاريخ. الشعب يقظ و هذا ما يحفظ بلادكم يا أعزائي. هذا ما حفِظ ثورتكم، و هو ما سلب زعماء الاستكبار جرأتهم على الهجوم على شعب إيران.. إنهم يخافون. في الإعلام يأتون بزيد و عمرو و بكر إلى الواجهة و يمارسون القصف الإعلامي، بيد أن حقيقة القضية شيء آخر. عدوهم الحقيقي هو الشعب الإيراني، عدوهم الحقيقي إيمان الشعب الإيراني و بصيرته. عدوهم الحقيقي هذه الغيرة الدينية المتفجرة لدى الشباب. أحياناً يصبرون و يتحملون، و يجب أن يتحملوا، و لكن يأتي حين ينـزلون إلى الساحة إذا آن أوان النـزول إلى الساحة.تحليل الأحداث الجارية في بلادنا ليس تحليلاً منفصلاً عن أحداث العالم. أحداث العالم و أحداث المنطقة متصلة ببعضها. جانب منها يتعلق ببلادنا و هو الجانب الأصلي و الأساسي. و السبب هو أن الاستكبار يرى عقبة أمره ها هنا، و هذا يدل على ما يمكن للشعب و للمنظومة البشرية أن تمارسه من دور. و في ضوء هذه الحقيقة كان إمامنا الجليل يوجّه خطابه دوماً للأمة الإسلامية. الشعب إذا استيقظ كان بمستطاعه قلب جميع حسابات الاستكبار بهذه الصورة. المعمل الذي أنشأوه و خط الإنتاج الذي أطلقوه لأجل تثمير أهدافهم الاستكبارية، يمكن ليقظة الشعب أن تُلكّىء حركته أو تعطلها. ماذا سيحدث لو نزلت جمع الشعوب المسلمة إلى الساحة؟ لو تحلت جميع الشعوب المسلمة بهذه البصيرة و هذا الاستعداد و هذا التواجد في الساحة فما الذي سيحدث في العالم؟ إنهم يخافون من هذا. يريدون لأصواتنا أنا و أنتم أن تخفت و لا تصل أسماع الشعوب الأخرى. يريدون أن يفعلوا ما من شأنه أن لا تفهم الشعوب الأخرى ما هو تأثير يقظة الشعب و بصيرته على أحداث العالم.و أذكر نقطة للشباب الثوري العزيز و لأبنائي الثوريين الأعزاء.. لأبنائي التعبويين - من النساء و الرجال - : الشباب من مختلف أنحاء البلاد غاضبون من ما يسمعونه أو يرونه من تهتّك الأجانب بإيمانهم الديني.. حينما يرون كيف يهتك البعض في يوم عاشوراء حرمة عاشوراء و حرمة الإمام الحسين و حرمة المعزّين الحسينيين، تعتصر قلوبهم و تمتلأ صدورهم بالغضب. و هذا طبيعي و من حقهم، لكني أريد أن أقول للشباب الأعزاء أن يدققوا و يحذروا لأن أي عمل غير مدروس سيساعد الأعداء. يتصل الشباب هنا - أنا أفهم ذلك، و أقرأه، و غالباً ما يلخّصون الهواتف و الرسائل و يأتون بها كل يوم و أراها - و أرى أن الشباب مستمرين في عتابهم و ألمهم و غضبهم، و أحياناً يعتبون عليَّ و يلومونني و يقولون: لماذا فلان صابر؟ لماذا فلان يلاحظ و يتحفّظ؟ أقول إنه في الظروف التي يعمل فيها العدو بكل كيانه و إمكاناته على التخطيط للفتنة و يروم بدء لعبة خطيرة ينبغي الحذر و التدقيق لكي لا نساعده في هذه اللعبة. ينبغي التصرف بمنتهى الحيطة و التدبير، و الحسم في الوقت المناسب. هناك أجهزة و مؤسسات مسؤولة، و هناك قوانين، و ينبغي تطبيق نص القوانين بشكل قاطع و بدون أي تجاوز للقانون. لكن دخول أشخاص ليس لهم شأن قانوني و سمة قانونية و واجب قانوني و مسؤولية قانونية سوف يفسد الأمور. لقد أمرنا الله تعالى: »و لا يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى«.(1) نعم، البعض يمارسون العداء، و البعض يمارسون الخبث، و البعض يدعمون الخبثاء.. هذه كلها أمور واقعة، و لكن ينبغي التحوّط. إذا خاض الإنسان في بعض الأمور من دون تدقيق و هضم للمسائل فسوف يُسحق أناسٌ أبرياء هم يمتعضون من أولئك.. و هذا ما يجب أن لا يحدث. إنني أحذر الشباب الأعزاء، أبنائي الثوريين الأعزاء، من أن يقدموا على ممارسات منفلتة من عندهم، لا، كل شيء يجب أن يجري ضمن سياق القانون.مسؤولو البلاد عيونهم مفتحة و الحمد لله، و هم يرون بأي اتجاه يسير الناس. الحجة تامة على الجميع. الحركة العظيمة في يوم الأربعاء التاسع من دي أتمت الحجة على الجميع. مسؤولو السلطة التنفيذية، و مسؤولو السلطة التشريعية، و مسؤولو السلطة القضائية، و الأجهزة المختلفة، يعلمون كلهم أن الجماهير في الساحة و ماذا تريد. على الأجهزة المختصة القيام بواجباتها.. سواء واجباتهم حيال العناصر المفسدة و المعادية للثورة و المثيرة للشغب والمخربة للأمن، أو واجباتهم فيما يتصل بإدارة البلاد.قضايا البلاد ليست كلها قضايا الاضطرابات و أعمال الشغب. للبلاد قضاياها الاقتصادية، و العلمية، و السياسية، و الدولية، و الأمنية، و مئات القضايا المهمة القائمة أمام المسؤولين و المدراء و التي عليهم معالجتها و النهوض بها.. عليهم إدارة البلاد و التقدم بها إلى الإمام. يريد العدو بهذه الأحداث إيقاف عجلة البلاد. ينبغي عدم مساعدة العدو. يريد العدو بمثل هذه الحوادث إيقاف عجلة التقدم الاقتصادي في البلاد. يروم الأعداء إيقاف عجلة التقدم العلمي في البلاد و التي بدأت بالحركة و الحمد لله حيث انطلقت مسيرة علمية جيدة و صاعدة في بلادنا. يروم العدو النيل من الإسهام السياسي المقتدر للجمهورية الإسلامية في المحافل الدولية و الذي اكتسب اليوم أشكالاً و تجليات أبرز و أقوى من السابق. لذلك ينبغي عدم مساعدة العدو بمثل هذه الأمور. يجب بالتالي على المسؤولين النهوض بمسؤولياتهم و واجباتهم باقتدار و قوة و دقة في المجالات الاقتصادية، أو العلمية، أو السياسية، أو الاجتماعية أو غيرها من المجالات. كما ينبغي استمرار التعاون مع الحكومة و مسؤولي البلاد. و قد أبدى الناس تواجدهم في الساحة. أعظم ثروة بالنسبة لنظام من الأنظمة هو أن تقف الجماهير وراءه. جاءوا و أرادوا بزعمهم تشويه هذه الحركة الجماهيرية فقالوا: مظاهرات حكومية. و لم يفهم البلهاء إنهم بكلامهم هذا إنما مدحوا الدولة و الحكومة. أية دولة هذه التي تستطيع في ظرف يومين - يوم عاشوراء كان الأحد حيث مارسوا ذلك الخبث، و انطلقت هذه الحركة العظيمة يوم الأربعاء - تعبئة مثل هذه الحشود الشعبية الهائلة في كافة أنحاء البلاد؟ أية دولة أخرى و أي بلد آخر لها في زماننا هذا مثل هذه المقدرة؟ أقوى دول العالم و أكثرها ثراءً - و التي تبذر كثيراً في سبيل التجسس و التخريب و تدريب الإرهابيين - لو بذلت كل جهودها لما استطاعت خلال يومين الإتيان بمئات الآلاف من الأفراد إلى الشوارع.. أن يخرج عشرات الملايين من الناس في مختلف أنحاء البلاد إذا كانوا قد خرجوا بأمر الدولة فهذه دولة مقتدرة جداً و قوية جداً لديها مثل هذه القدرة على التعبئة. بيد أن الحقيقة غير ذلك. الحقيقة هي أنه لا توجد في بلادنا دولة و شعب، فالكل شيء واحد، و المسؤولون و الدولة ابتداءً من شخصي المتواضع إلى الآخرين كلنا قطرات في هذه المحيط الهائل.. محيط الشعب.رحمة الله على روح إمامنا الجليل الطاهرة الذي كان رائد و محفّز هذه الحركة الهائلة العظيمة. و رحمة الله على أرواح شهدائنا الأبرار الطاهرة الذين كانوا السباقين و الطلائع في هذه المسيرة العظيمة.. »و السابقون السابقون، أولئك المقربون«.(2) هؤلاء هم الذين فتحوا الطريق و عّبدوه. و رحمة الله عليكم أيتها الجماهير العزيزة و أيها الشباب الأعزاء الذين أبديتم كل هذه البصيرة و الاستعداد، و بعثتم اليأس في نفوس الأعداء من التطاول على بلادكم و نظامكم و ثورتكم. حفظكم الله و رعاكم إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1- سورة المائدة، الآية 8.2- سورة الواقعة، الآيتان 10 و11. 
2010/01/08
  • « الأولى
  • ‹ السابقة
  • …
  • 16
  • 17
  • 18
  • 19
  • 20
  • 21
  • 22
  • 23
  • 24
  • …
  • التالية ›
  • الأخيرة »

المستقبل للإسلام وللشباب المؤمن

2017/05/27
خطابات
  • الخطابات
  • القرارات
  • رسائل وندائات
مرئيات
  • الفيديو
  • الصور
  • تصاميم
  • موشن غراف
السيرة
  • السيرة الذاتية
  • قصص وخواطر
قضايا وآراء
  • تقارير
  • مقالات
  • حوارات
مؤلفات
  • مؤلفات الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الثورة الإسلامية
المزيد
  • الأخبار
  • أفكار ورؤی
  • الإمام الخميني
  • إستفتاءات
إنّ كلّ المحتويات الموجودة على KHAMENEI.IR مرخّصة بموجب ترخيص Creative Commons Attribution 4.0 International License.