تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
  • English
  • Français
  • Español
  • Русский
  • हिंदी
  • Azəri
  • العربية
  • اردو
  • فارسی
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • خطابات
  • أفكار ورؤی
  • مرئيات
  • السيرة
  • قضايا وآراء
  • مؤلفات
  • إستفتاءات
  • خط حزب الله
خطابات
الخطابات
القرارات
رسائل ونداءات
مخطّط بياني

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله طلبة جامعة الفردوسي في مدينة مشهد المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيمهذا رائع جدا بالنسبة لي أن أكون بين الطلبة الجامعيين في هذه المدينة و في جامعة الفردوسي و أستعيد ذكريات السنوات البعيدة حيث كنا نقيم في هذه المدينة اجتماعات ساخنة و مثيرة و خطيرة مع عدد من طلبة هذه الجامعة. ثمة خمسة و ثلاثين عاماً تفصل بين طلبة هذه الجامعة في الوقت الراهن و طلبتها في بداية الخمسينيات - و سأشير لذلك - لكن تيار الطلبة الجامعيين کالنهر العذب؛ مع أن الأجزاء التي تسير في هذا النهر، تختلف في كل لحظة لكن التيار واحد. إذا وقفتم أمام نهر كارون أو زاينده رود فسترونه نفس النهر الذي لاحظتموه في العام الماضي. أنا حينما أراكم أيها الطلبة الشباب الأعزاء، أتذكّر مسجد كرامت و مسجد الإمام الحسن المجتبى حيث كان لديكم هناك منذ خمسة و ثلاثين عاماً جلسات تلقى فيها دروس تفسير القرآن و شرح نهج البلاغة و مبادئ النهضة الإسلامية.لقد كنا عرضة ً لتلقي الضربات معاً. السلطة الطاغوتية المتجبّرة لم تكن تتحمل في ذلك اليوم أن يجتمع طالب حوزوي مع الطلبة الجامعيين و يتحدثون معا حول الدين؛ خاصة أن الاوساط الطلابية آنذاك، كانت متحمسة و مكثفة. هذه التجمعات التي تلاحظونها الآن بعد انتصار الثورة، لم تتکون قبل الثورة في أي مكان و بأي شكل من الأشكال؛ لكن ذلك الحشد الكبير في مسجد الإمام الحسن أو مسجد كرامت حيثُ كنت ألقي هناك دروس التفسير إذا قورن بالاجتماعات التي كانت تعقد في تلك الأيام لم يكن له نظير في أي اجتماع طلابي في البلاد. أنتم الآن تعيدون لي تلك الذكريات.في البداية أريد أن أتحدث حول المواضيع التي ذكرها الأعزاء الطلبة. إني اتفق معهم في كل کلمة ذکروها. و الاقتراحات و الأفكار الجديدة التي تخطر في أذهان شبابنا الجامعيين، لها قيمة كبيرة بالنسبة لنا. و قد تم تسجيل أحاديثهم و سيؤخذ بنظر الاعتبار إن شاء الله، و بمقدار ما له علاقة بواجبنا حسب ما هو دارج و ضروري سوف نتابعه نحن مباشرةً، و ما يتعلق بالأجهزة المعنية سيُوصى به. طبعاً حينما يتحدّث الأعزاء الطلبة ليس هنا فقط بل في كل الأمكنة و يصنعون الأفكار و يطرحون علينا أفكارهم الجديدة الحلوة فلا بأس بها و إن صحبها عادة بعض اللوم و الشكوى و العتاب؛ فقلوب الشباب الرقيقة لا تتصف بالقدرة و الصلابة إزاء النواقص كقلوبنا نحن الكبار؛ و سرعان ما تتأثّر قلوبهم. يقول الشاعر:« إن قلبي يرتجف دون سبب، كأنه قلب الحبيب، و صبري معلق بشعرة كأنه في وتر ».حديثي اليوم معكم هو حول ضرورة إعادة معرفة نموذج التنمية و التقدم. نحن نريد أن نتقدّم. فما هو نموذج هذا التقدّم؟ علينا إعادة معرفة هذا النموذج. لقد طرحت في لقائي الأخير مع الطلبة - منذ عدّة أشهر في جامعة سمنان - موضوع التحوّل. قلت بأن التحول سنة إلهية في حياة الإنسان. و يجب عدم التصدي له؛ بل يجب الترحيب به. ينبغي إدارة التحول، حتى يؤدي إلى التقدم؛ و من ثم يتقدم المجتمع نحو الأمام. بل قلت هناك أيضاً - و أكرر الآن أيضاً - على الجامعيين من الطلبة و الأساتذة و الحوزويين من الطلّاب و الأساتذة، متابعة هذا المنهج الفكري. و الآن سأقدم توضيحات أكثر حتى نتمكن من التوصل إلی نتيجة. الإنجازات الكبيرة تنتج من التفكير. و هذا التفكير ليس عملاً يتم خلف الأبواب المغلقة أو في الفراغ. لا بدّ أن تتواصل الأفكار المختلفة حتى ينتج عنها إنجاز عملي و منطقي. إذن فحوی الكلام، في حديثي معکم اليوم هو إعادة معرفة التنمية و التقدم، و لننظر ما هو نموذج التقدم لبلادنا و مجتمعنا. ثمة اتجاهان خاطئان دائماً حول التقدم و التحول الذي يؤدي إليه. الاتجاه الأول هو خيانات ارتكبت تحت شعار التقدم و التحول؛ و ضربات أصابت شعبنا باسم الخدمة و تحت راية الإصلاح. في عهد القاجار كان العدد الكبير من أفراد السلطة القاجارية و زعمائها - الذين كانوا من الأميين و محبي الدنيا و يتعاملون مع الأوساط الغربية فی الوقت ذاته - كانوا سبب تبعية بلادنا و ثقافتنا إلى الغرب عن غير علم و كانوا يدّعون أن هذا هو التقدّم و التحوّل!في قضية ثورة الدستور كان التيار البريطاني يرغب في الرقّي و يطلق شعار التنمية و التطوّر؛ و الّذين قاموا بتصفية زعماء النهضة الدستورية و أعدموا الشيخ فضل الله شنقاً، و اغتالوا المرحوم آية الله البهبهاني، و قتلوا ستارخان و باقرخان بصورة غير مباشرة و قاموا بنزع سلاحهما، و جعلوا زعماء نهضة الدستور الصادقين عرضة لضغوط و فرضوا على الناس باسم الثورة الدستورية أشخاصاً كانوا تابعين للغرب و سياساته الاستعمارية، و كانت شعاراتهم شعارات تقدّمية أيضاً؛ كانوا هم أيضاً يقولون: التقدم، التحول! فارتكبت خيانة كبيرة بهذا الشكل. تولّى رضاخان السلطة تحت اسم الترقّي و الإصلاح. و قام بانقلاب و تشكيل حكومة انقلابية؛ ثمّ مارس تلك الديكتاتورية السوداء المنقطعة النظير و تمّ تنفيذ كل هذه الأمور تحت لواء التقدم و التنمية و الرقّي. و ابنه محمّد رضا الذي ورث السلطة عن أبيه ثم قام بانقلاب في شهر مرداد سنة 32 كان يدّعي حركة إصلاحية أيضاًَ و نزلت كل هذه الويلات بشعبنا. هذه هي الضربة التي وجّهوها لهذه البلاد و لهذا الشعب. و هکذا على المستوى الدولي. استعمار الشعوب - الذي يعتبر وصمة عار في تاريخ البشرية منذ القرن أو القرنين الماضيين - تم تنفيذه تحت اسم تقدم الشعوب. الاستعمار يعني إعادة الإعمار. ذهب البريطانيون و الهولنديون و البرتغاليون و الفرنسيون إلى مناطق مختلفة من آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية و قاموا بإبادة سكانها الأصليين، و استولوا على أراضيهم و ارتكبوا السرقات و الخيانات و کانوا السبب في الآلاف من الويلات و ذلک تحت اسم إعادة الإعمار و التقدم و الاستعمار.و في الفترة المقبلة التي ظهر فيها الاستعمار الجديد، فإن الأمور ما زالت تجري بهذا الشكل. جميع هذه الاعتداءات و الحروب و الانقلابات التي دبّرتها الأجهزة الأمنية في البلدان الغربية - سواءً في أمريكا أو بريطانيا أو غيرهما من البلدان - حدث كل ذلک تحت شعار التجديد و التقدم و التحوّل و التنمية. يمكنكم الآن ملاحظة ما يجري في أفغانستان و العراق. جاء الأمريكيون و دخلوا العراق بذريعة أنهم يريدون صنع عالم جديد للشعب العراقي و منحه الحرية و الديمقراطية و التنمية. لاحظوا أنتم ما يحدث الآن في العراق! ربما لم يتحمل الشعب العراقي المحنة التي يتعرض لها اليوم على أيدي الأمريكيين خلال الحكومات الانقلابية في العراق التي كانت آخرها حكومة صدام. يذل الشعب العراقي نساءاً و رجالاً. يضع الشاب الأمريكي حذاءه على رقبة الشاب العراقي؛ لماذا؟ لأنّه كان يعبر الشارع و صار موضع شک فطرحه أرضاً و مسح بوجهه الأرض أمام زوجته و ابنه. أو يقومون بضرب رجل أمام كبير العائلة. يقوم الرجال بالتفتيش البدني لربة البيت تحت اسم التقدم و التنمية و إنقاذ الشعب العراقي. و هكذا الأمر في أفغانستان. إذن حدث مثل هذا الاستغلال لمصطلح التنمية على مدى التاريخ و في عهدنا في جميع أرجاء العالم و في بلادنا. من جانب آخر كان هناك و لا يزال من يعارض الإبداع و التحوّل بأشكاله المختلفة؛ بذريعة أن هذا ليس له سابقة و لا نعرفه و لا ندري و نشك فيه. فسّروا حديث شرّ الأمور محدثاتها بصورة خاطئة. إنهم يعارضون الإبداع مع أنه يعتبر من سنن التاريخ، و الطبيعة، و ليس للحياة معنى دون الإبداع لكنهم عارضوه. كان هناك هذين الاتجاهين المضادين.لهذا علينا أن نتعرف بشكل صحيح على التحول و ما نطلبه من التحول و لنفهم ما الذي نتابعه، حتى لا يكون هناك ذلك الاستغلال و لا هذه المعارضة. و لا يعني هذا أننا نريد أن نبدأ التقدم للتو، فنريد النموذج للتقدم؛ لا، إن التقدم في بلادنا بدأ بالثورة الدستورية. تغير المجتمع المتحجر الذي كان يعيش تحت الضغوط و كانت طاقاته كامنة، دون أن يسمح لنا بأية حركة في بحر مواهبنا الوطنية العميقة بانطلاق النهضة الثورية.و اليوم فضلاً عن أن تأسيس النظام الجمهوري الإسلامي يعد تحولاً عظيماً و مذهلاً بحد ذاته، فقدرة الشعب على تبديل حكومة وراثية عميلة إلى حكومة شعبية يعد تحولاًً و أيّما تحول و هذا بحد ذاته هو أکبر تحول و أكبر تقدم. علي أن أقول لكم أيضاً: ليس بإمكانكم مشاهدة المشهد کالذي تشاهدونه اليوم في أي نقطة من العالم و في أي بلد من بلدان العالم حيث يجلس مسؤولي بلدنا ساعات طويلة مع الطلبة وجهاً لوجه و بكل صدق، أو يسافر رئيس الجمهورية إلى المدن القريبة و النائية و يتحدّث معهم وجهاً لوجه، و يتمتع بالاستقبال الجماهيري أو يسافرون للحملات الانتخابية و يتنافسون مع منافسيهم و هم و كذلك مخاطبيهم على علم بأن هذه الأمور ليست إلا حملات انتخابية و سوف تنتهي بعد الانتخابات و لا فرق أن يكونوا فائزين أو غير فائزين. إن الشعبية في بلادنا لا تعني الانتخابات الشعبية فحسب، بل تعني أيضاً العلاقة الشعبية و أن هناك تبادل وجهات نظر و علاقة عميقة حميمة بين الجماهير و مسؤولي الحكومة و أرکانها؛ إن المسؤولين الصادقين يحبّون الناس بکل معنی الكلمة و الجماهير أيضا يبادلوهم نفس المشاعر . و التقدم الذي حققناه بعد انتصار الثورة الإسلامية في المجالات العلمية، و الاجتماعية، و السياسية، و الدولية، و الاقتصادية، و العمرانية، مدهش جداً. شبابنا اليوم و طلبتنا الجامعيون و هم أنتم، ليس عندهم الآن وصفة عن الماضي حتى يمكنهم مقارنتها بيومنا هذا. إنكم اليوم تقومون بالمقارنة بين بلدكم و بين بلد متقدم بدأ النهضة العلمية و البحث العلمي منذ مائتي عام، فترون هذا النقص و تقولون إنه نقص. هذا صحيح، أجل؛ لكن هذه المقارنة ليست مقارنة علمية. يجب مقارنة البلد بما كان و بالبلدان المشابهة و المجاورة. تشير الإحصائيات الدولية اليوم إلى أن تقدم إيران العلمي يبلغ الدرجة الأولى أو الدرجات المتقدمة في العالم. طبعاً نحن لا نزال متأخرين بالرغم من هذه السرعة؛ لكن الأعمال التي تمّ تنفيذها تعتبر تقّدماً على كافة المجالات. أنظروا الآن إلى نماذجها في أوساطكم الجامعية. تضاعف عدد سكان إيران بعد انتصار الثورة؛ و عدد الطلبة الجامعيين وصل إلى عشرة أضعاف و ربما يكون عدد الجامعات و الفروع و الإنجازات أكثر من عشرة أضعاف. ذات يوم كان يجب علينا استجداء أبسط الوسائل من الآخرين؛ لكن الآن يمكن لبلدنا صناعة أعقد التقنيات. حالات التقدم التي حصلت في بلادنا مذهلة جداً و تحيّر العقول؛ و هذا ما يعترف به الآخرون و سوف نطرحه إذا ما سنحت الفرصة إن شاء الله. على كل حال البحث الذي نثيره لنموذج التقدم لا يعني أننا نريد أن نبدأ التقدم؛ - ان التقدّم بدأ منذ انتصار الثورة - بل هدفنا من إثارة البحث النظري و تقديم التعريف الواضح و المنطقي لمصطلح التقدم هو أننا نريد أن يكون هنالك اعتقاد عام بين النخب بالدرجة الأولى و بين الجماهير بالدرجة الثانية حتى نعرف ما الذي نتابعه و إلي أي نقطة نريد أن نصل و لتعرف القطاعات المختلفة في الحكومة ما يجب عليها تنفيذه. هذا ما يجب أن نجده. إنني لا أريد اليوم طرح نماذج التقدم هنا، بل أريد أن أشير إلى ضرورة هذا العمل. إن صناعة النماذج تقع على عاتقکم؛ أي إنه عمل نخبنا. عليهم أن يتابعوها في البحوث الجامعية و يرسموا في النهاية نموذج التقدم لإيران الإسلامية بما يتناسب مع هذه الجغرافيا و هذا التاريخ و هذا الشعب و هذه الإمكانيات و الطموحات و على أساس ذلك تنطلق حركة البلاد العامة إلى التقدّم في المجالات المختلفة. ما هو السبب في إيضاح ضرورة القيام بهذا العمل؟ إنه سبب بسيط جداً؛ لأن نموذج التنمية لدى الكثير من نخبنا و مدرائنا نموذج غربي فحسب؛ أي لا بد لنا أن نتابع التقدم و التنمية وفق النماذج التي صنعها الغربيون لنا. هذا هو نظر مدرائنا و هو تصوّر خطير و خاطىء في آن واحد. إن الغربيين لديهم مهارة في الدعايات؛ أي إنهم اكتسبوا الخبرة في هذين القرنين أو الثلاث قرون الماضية و مارسوا فيها الدعايات المستمرة، و تمكنوا بواسطة دعاياتهم الناجحة إقناع أذهان الكثيرين بأن التنمية تعني الغرب و التغريب! أي بلد يريد أن يعتبر من ضمن البلدان المتقدمة فعليه أن يكون غربياً! هذه هي دعاياتهم. أي بلد يبتعد عن النماذج الغربية الموجودة فإنه ليس متقدّماً! و كلما ازدادت هذه الفاصلة كلما ازدادت فاصلته عن التنمية! هذا هو ما يريدون إقناع الجميع به و مع الأسف أقنعوا الأذهان.طبعاً الغربيون مارسوا هذه الدعايات و جعلوا نماذجهم معياراً للتنمية لكنهم في الحقيقة لم يساعدوا على الصعيد العملي البلدان التي كانت تريد أن تكون غربيةًً بشكل صحيح، أي إنهم لم يكونوا صادقين هنا أيضاً. إنني أقول لكم: إن الغربيين لم يكونوا راغبين أبدأ أن يدخل بلد غير غربي ناديهم العلمي. هذه البلدان الآسيوية التي تقدّمت الآن - كاليابان و الصين أو الهند إلى حد ما - لم يساعدها الغرب. فالصين كانت تتلقى دعماً كبيراً من جانب الاتحاد السوفيتي السابق في الصراعات الشديدة بين الشيوعية و الرأسمالية؛ حتى أن الروس منحوها الطاقة النووية. لم تكن الصين تتمتع بأي شيء؛ فقام الروس بدعم الصين لأنهم كانوا يريدون تأسيس كتلة آسيوية كبيرة أمام أمريكا و أوروبا و لأن الصين كانت شيوعية. و تليها الهند ايضاًً، أي إن الهند كانت متجهة إلى اليسار في التكتلات الشرقية و الغربية و لهذا ساعدها الاتحاد السوفيتي السابق أي جبهة اليسار. و كان الأمريكيون يقومون بدعم باكستان. و باكستان لم تبدع الطاقة النووية بنفسها، بل أخذتها من الصين؛ لكن أمريكا تجاهلت هذه الحقيقة في معادلات المنطقة السياسية. لم تحقق اليابان تقدمها العلمي بمساعدة أمريكا أو الغرب؛ بل كان لليابانيين تغلغلهم العلمي - ربما مصطلح السرقة ليس مصطلحاً جيداً - و تمّكنوا من اقتباس العلم رغماً عنهم؛ لكنهم كانوا شعباً مجاهداً و تقدّموا إلى الأمام و لم يساعدهم الغرب.علينا أن نجد حلاًً لهذه العقدة، ما هي هذه العقدة؟ هي أن يتصور الواحد منا بأن تقدم البلاد لا بد أن يكون وفق النماذج الغربية. و هذه الحالة تمثل خطراً كبيراً للبلاد. تشكّلت النماذج الغربية وفقاً لظروفهم و أسسهم الفكرية و مبادئهم و مع ذلك كانت فاشلة. أنا أعتقد من الأعماق بأن النموذج الغربي للتقدم نموذج غير ناجح. صحيح أنهم وصلوا إلى القدرة و الثروة لكنهم أصابوا البشرية بالويلات. حالات التقدم الغربي هي ما يعاني منه الآن العالم و البشرية برمتها؛ فالدول المتأخرة تعاني بشکل و الدول المتطورة بشکل آخر. هذه هي التنمية التي تُحقق الثروة لعدد من الجماعات و الأسر الغنية؛ لكنها تحقق للشعوب الأخرى القيود و الذلّ و الاستعمار و الحروب و فرضت عليهم هذه الحكومة و تلك و انتشرت في هذه البلدان الأخلاق الفاسدة البعيدة عن المثل، و انتشر الاستهتار، و الفساد و الانحراف الجنسي، و التفكّك الأسري و ما شابه ذلک. لذلک، فان النموذج الغربي ليس ناجحاً. إذا تقرأون الآن الأعمال الأدبية للبلدان الغربية - الأدب الفرنسي على سبيل المثال - التي تعود إلى القرنين أو القرون الثلاثة الماضية، و تطالعون ظروف تلك البلدان في الوقت الراهن، فسوف تلاحظون أنهم شعوب تأخرت إلى حد بعيد على الصعيد الأخلاقي. فالحالة السائدة بينهم اليوم لم تكن في تلك الأيام. تقدم الحضارة الغربية طوال قرون متمادية، سبّب لهذه البلدان مشاكل كثيرة على الصعيد الأخلاقي و أدی إلی فساد أخلاقهم و لم يقدم لهم خدمة على مستوى الحياة المادية أي إن الفقر ما زال موجوداً. هناك الكثير من الأعمال و المساعي لكن الانجازات للفرد و العائلة قليلة. لهذا فالتقدم الغربي تقدم غير ناجح. ينبغي علينا أن نبحث عن النموذج الإيراني الإسلامي للتقدم. فهذه قضية حيوية بالنسبة لنا. لماذا نقول النموذج الإسلامي؟ لأنه قائم على أسس الإسلام الفكرية و الفلسفية و مبادئه في معرفة الإنسان. لماذا نقول النموذج الإيراني؟ لأن الفكر و الإبداع الإيراني حققا هذا الأمر؛ و الإسلام هو ما تحظي به الشعوب الأخرى. شعبنا هو الذي تمكّن أو يتمكّن من إعداد هذا النموذج. إذن هو نموذج إيراني إسلامي. طبعاً البلدان الأخرى سوف تستفيد من هذا النموذج؛ كما أن بلدنا و شعبنا يعد اليوم نموذجاً للعديد من البلدان في الكثير من الأمور، كذلك سوف تتبع العديد من الشعوب هذا النموذج أيضاً.السبب في عدم اكتفاءنا بالنموذج الغربي للتقدم يعود في الدرجة الأولى إلى أن هناك اختلافاً جوهرياً بين نظرة المجتمع الغربي و الفلسفات الغربية إلى الإنسان - فإن الفلسفات الغربية مختلفة لكن هذه هي خلاصتها - و نظرة الإسلام إلى الإنسان . لهذا فإن التقدم الذي يكون للإنسان و يتحقق على يديه له في الفلسفة الغربية معنى آخر يختلف عن منطق الإسلام. إن التقدم عند الغرب هو التقدم المادي؛ و المهم عندهم هو الربح المادي؛ كلما كان الربح المادي أكثر سيكون التقدم أكبر؛ أي ازدياد الثروة و القدرة . هذا هو معنى التقدم الذي يتابعه الغرب و المنطق الغربي و نموذجه، و هو ما ينصحون به الجميع. إذا قام التقدم على أساس مادي فمعناه هو أنه یمکن التضحیة بالأخلاق و المعنويات لمثل هذا التقدم. فليتقدم شعب و لكن لا يتحلى بالأخلاق و المعنويات. و أما من وجهة نظر الإسلام فهذا ليس تقدماً. إن التقدم المادي إذا كان وسيلة للهدف فإنه أمر رائع. الهدف هو سمو الإنسان و رفعته.تقدم البلد و التحول الذي يؤدي إلى التقدم، يجب أن يكون على أساس برنامج صحيح حتى يمكن للإنسان النمو و تحقيق الرفعة دون أن يهان. الهدف هو منفعة البشرية بأكملها، لا طبقة معينة منها، و لا أبناء الشعب إيراني فحسب . التقدم الذي نعنيه هو ما يتفق مع المعايير الإسلامية و التفكير الإسلامي، و هو ليس لصالح الإنسان الإيراني فقط ، ناهيك عن أنه يكون لصالح طبقة معينة. هذا التقدم للبشرية بأكملها. الفرق الأساسي هو النظرة إلى الإنسان. و هنا لنتوقف قليلاً لكي أتحدث لكم عن المعرفة الإسلامية: إن نظرة الإسلام للإنسان ذات رکنين يكمل إحداهما الآخر. و يمكن لهذا أن يكون أساساً لجميع قضايا البلاد العامة و ما نرسمه لمستقبلنا. و هاذين الرکنين اللذين ينظر الإسلام من خلالهما، إحداهما هو النظرة للإنسان على أساس إنه فرد؛ أي إن الإسلام ينظر إلي و إليكم و إلى زيد و عمرو يخاطبه بوصفه موجوداَ يتمتّع بالعقل و الإرادة ؛ فيحمّله المسؤولية و يجعل له شأناً و سوف نتحدث عن ذلك. النظرة الأخرى إلى الإنسان هي النظرة إليه على أنه كل و جماعة إنسانية. و هاتان النظرتان تنسجمان و تكمل إحداهما الأخرى. في النظرة الأولى التي ينظر فيها الإسلام إلى الإنسان على إنه فرد، يخاطب الإسلام فرداً واحداً. فالإنسان هنا هو العابر الذي يسلک سبيله. و إذا استقام في السير فسيدخله الدين ساحة الجمال و الجلال الإلهي؛ و سيوصله إلى الله؛ ( يا أيّها الإنسان أنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ). و إذا أردنا تعريف هذا الطريق، يمكن القول بإيجاز إنه طريق السير من عبودية الذات إلى عبودية الله تعالى. أي إن الإنسان يتحرك من عبودية الذات نحو عبودية الله. هذا هو الصراط المستقيم و الصحيح. المسؤولية التي تقع على عاتق الفرد في هذه الرؤية هي أن يجتاز هذا الطريق. كل واحد منّا هو المخاطب بهذا الكلام؛ و لا فرق بين أن يلتزم الآخرون أو لا يلتزموا أو تعم العالم ظلمات الكفر أو نور الإيمان. على كل شخص بصفته فرداً أن يسير في هذا الطريق؛ ( عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم ) فينبغي عليه القيام بهذه الحركة؛ و هي الخروج من الظلمات إلى النور و من ظلمات الأنانية إلى نور التوحيد. فما هو السبيل إلى هذا الطريق؟ نريد أن نجتاز طريقاً و نحتاج إلى سبيل؛ هذا السبيل هو الواجبات و الابتعاد عن المحرّمات. الإيمان القلبي هو محرّك هذا الطريق؛ الملكات و الفضيلة الأخلاقية هما زاد هذا الطريق الذي يسهل الحركة للإنسان و يسرعها. و التقوى هي مراقبة الذات و الحذر من الانحراف عن هذا الطريق و تعدي حدوده . هذا هو واجب الفرد في رأي الإسلام. واجب الإنسان هو أن يقوم بهذا العمل و يسعی سعيه في كل زمان سواء في دولة الأنبياء أو حکومة الطواغيت. الإسلام يوصي الفرد بالزهد في نظرته إلى الإنسان باعتباره فرداً. الزّهد يعني أن لا يغتر الإنسان بالدنيا؛ لكن في حين أن يوصي الاسلام بالزّهد، يحذر أيضاً من الابتعاد عن الدنيا و الانقطاع عنها. فما هي الدنيا؟ الدنيا هي هذه الطبيعة، و جسدنا و حياتنا، و سياستنا، و اقتصادنا و علاقاتنا الاجتماعية، أولادنا و ثروتنا و بيتنا. و حب هذه الدنيا و التعلق بمثل هذه الأشياء صفة مذمومة في هذا الخطاب الفردي. فلا ينبغي الغرور بهذه الدنيا. و عدم حب هذه الدنيا و الانقطاع عنها يسمى الزهد؛ و لكن يجب عدم ترك الأمور أيضاً. فلا يجوز لأحد يدير ظهره لمتاع الدنيا و نعمها الإلهية. ( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرّزق قل هي للذين آمنوا ). أي لا يجوز لأحد الإعراض عن الدنيا. هذه هي الأمور البديهية و معارف الدين الواضحة التي لا أريد أن أوضحها. هذه هي النظرة الفردية. و في هذه النظرة الفردية إلى الإنسان، يبيح الإسلام له الاستفادة من لذّات الحياة لكن إلى جانب هذا يعلّمه لذة أرفع درجة هي لذة الاستيناس بالله و ذكره. و على الإنسان بوصفه موجوداً يتمتع بالعقل و الإرادة أن يختار و يسير في هذا الطريق. فالإنسان هو المخاطب في هذه الرؤية. و الهدف من هذه الحركة و السعي من أجلها هو فوز الإنسان. إذا عمل الإنسان على أساس هذه القاعدة و الوصفة التي كتبت له فسيغدو فائزاً. هذه هي النظرة الأولى. أما الرکن الآخر من الرؤية العامة، الإنسان الذي يخاطب بصفته الفردية فيعتبر خليفة الله في الأرض؛ و قد وضعت على عاتقه مسؤولية أخرى هي مسؤولية إدارة الدنيا. و عليه أن يعمّر الدنيا؛ ( و استعمركم فيها ). إن هذا الإنسان مسؤول عن إعمار الدنيا. فما معنى إعمار الدنيا؟ يعني أن الإنسان مسؤول عن الكشف عن الهبات التي جعلها الله في الطبيعة و هي لا تحصى و استخدامها لتقدم حياة البشرية. خلق الله تعالى في هذه الأرض و ما حولها طاقاتٍ على الإنسان الكشف عنها. ذات يوم لم يكن يعرف الإنسان النار، لكنها كانت موجودة؛ لم يكن يعرف الإنسان الكهرباء لكنه كان موجوداً، لم يكن يعرف الجاذبية لكنها كانت موجودة، و لم يكن يعرف الطاقة البخارية، لكن كل هذه الأمور كانت في الطبيعة. و اليوم لا تزال هناك طاقات و مواهب هائلة. و على البشرية كشفها. هذه هي مسؤولية الإنسان لأنه خليفة الله و هذه واحدة من مستلزمات الخلافة الإنسانية. و نفس هذا الموضوع يتعلق بالإنسان؛ أي يجب على الإنسان في النظرة الثانية الكشف عن الطاقات الذاتية في نفسه؛ أي المنطق و الحكمة الإنسانية و المعرفة الإنسانية و الطاقات المذهلة التي أودعت في النفس الإنسانية التي تبدل الإنسان إلى موجود يتمتع بالقدرة. هذه هي النظرة العامة. فمن هو المخاطب في هذه النظرة العامة؟ المخاطب هو جميع أفراد البشر. و هناك مطالبة بإقرار العدالة و العلاقات الصحيحة. ممّن؟ من جميع الأفراد. كل واحد من أفراد المجتمع الإنساني يُخاطب في هذه النظرة العامة؛ أي عليهم واجب و مسؤولية. تكريس العدالة، و إقامة حكومة الحق، و إنشاء العلاقات الإنسانية، و إعمار الدنيا و بناء عالم حر مسؤوليات تقع على عاتق جميع أفراد البشر. وفقاً لهذه النظرة تلاحظون أن الإنسان هو الآخذ بزمام الأمور في العالم؛ إنه مسؤول عن نفسه و تربيتها و سموها و تزكيتها و تطهيرها كما أنه مسؤول عن بناء الدنيا. هذه هي نظرة الإسلام إلى الإنسان.الأومانية الغربية محورها هو الإنسان. الأومانية - التي هي محور فلسفات القرن التاسع عشر و ما قبله و ما بعده - تتخذ الإنسان محوراً لها. فما هو ذلك الإنسان؟ الإنسان في منطق الغرب و الأومانية الغربية يختلف تماماً عن الإنسان في منطق الإسلام. الإنسان في النموذج الإسلامي و الرؤية الإسلامية كائن ذو بعدين؛ البعد الطبيعي، البعد الإلهي، لكنه في النظرة الغربية كائن مادي محض هدفه اللذة و المتعة و التنعّم بلذات الحياة الدنيا، و هذا الإنسان هو محور التقدم و التنمية في الغرب؛ أي محورية النفع للإنسان. لكن الثروة و القدرة و العلم في النظرة الإسلامية تعد من عوامل سمو الإنسان. أما في تلك النظرة الغربية فالهدف هو الثروة و القدرة و العلم و لا بأس أن يهان الإنسان و تهان الشعوب، و أن يسحق الملايين من البشر في الحروب لكي يصل بلد إلى القدرة أو الثروة أو أن تبيع الشركات الكبرى ما تنتجه من السلاح ،هذا هو الفارق المنطقي.لذلك فإن ما نحتاجه هو إعداد خارطة لتقدم بلادنا وفقاً للرؤية الإسلامية للإنسان و حسب منطق الإسلام. ففي خارطة التقدم و التحول هذه لا يوجد معنى لاقتران التقدم و التنمية بالفحشاء و الغوص في مستنقع الفساد. المعنوية هي القاعدة الرئيسية لهذا التقدم. التقدم الذي محوره هو الإنسان المتمتع بالمعنوية العميقة الذي يجعل العلم و الثروة و العمل في الحياة وسيلة ً لعلو روحه و سيره إلى الله يختلف عن ذلك التقدم اختلافاً شديداً. ( صوت الأذان يطرق الأسماع. و أنا لا أواصل الحديث عادة حينما يأتي صوت الآذان. فلابد لي أن أنهي حديثي لكنني سوف ألخصه )أريد أن أقول بأن على مجتمعنا الطلابي، و مجتمع النخب في بلدنا - سواء في الحوزات أو الجامعات - و أحد أهم أعمالهم هو إعداد الخارطة العامة لتقدم البلاد وفقاً للمبادئ الإسلامية، و يجب عدم الاعتماد على النماذج و التقاليد الغربية، لأنها سوف لا تتمكن من إنقاذ البلاد و لا يستطيع التخطيط لتقدمها. على الأشخاص الذين يعملون في مراكز التخطيط و المراكز العلمية و البحثية و يتخذون القرارات في الاقتصاد و السياسة الدولية أو غيرها من القضايا الحيوية لبلادنا، عليهم عدم المضي في تطبيق المعادلات الغربية؛ أعني المعادلات الاقتصادية للغرب، أو معادلات البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي على قضايا البلاد؛ لا، إن تلك النظريات لا تنفعنا. نستفيد من علمهم طبعاًً؛ و لسنا متعصبين. نحن نستفيد من التقدم العلمي و التجربة العلمية أينما كانت. و نستفيد من الأمور النافعة؛ لكن علينا إعداد الخارطة وفقاً لأفكارنا و متطلباتنا . استقلال شعبنا الیوم أصبح أسوةً في جميع إنحاء العالم. و علينا أن نبين هذا الاستقلال في كل أمورنا. الاستقلال يعني أن لا ننفعل أمام قوى العالم الكبرى. علينا متابعة ما ينسجم مع مصالحنا و ينطبق مع أهدافنا و مبادئنا؛ و لا ينبغي أن نخضع لضغوط العدو الدعائية و أنشطته السياسية. و الشعب الإيراني برهن بأنه قادر على الصمود مقابل هذه الضغوط. لقد تعاون الشرق و الغرب و جعلا هذا الشعب لفترة عرضة لضغوط حرب طاحنة استغرقت ثمانية أعوام، و لكن الشعب قاوم بكل قواه . بعد ذلك و إلى يومنا هذا كنا عرضة للضغوط الإعلامية و الحصار الاقتصادي. و هم الآن يهددونا من جديد بالحصار الاقتصادي! في أي زمن لم نتعرض للحصار الاقتصادي؟ نحن حققنا هذا التقدم العلمي في المجال النووي و غيره من المجالات في أجواء الحظر الاقتصادي. و هذا هو ما يعرفه الغرب. لكن مع الأسف هناك أشخاص يُـخدعون بدعوة الغرب و أفكاره و مبادئه إلى حد يرفضون سماع القول و قبوله ؛ حتى إنهم لا يقبلون ما حققه التقدم العلمي في البلاد إلا أن يصدقه الآخرون! أتذكّر عندما تم تشغيل أجهزة الطرد المركزية منذ عامين أو عامين و نصف على أيدي شبابنا و علمائنا و صرّح المسؤولون و رئيس الجمهورية و الآخرون بذلك، أرسل لي عدد من علماء الفيزياء الجامعيين الذين هم من الصالحين و الصادقين و منهم من يعرفني أرسلوا لي رسالة قالوا فيها: سيدي! يجب أن لا تصدق هذا! و هو أمر لم يحدث و غير ممكن! ما كانوا على استعداد لأن يصدقوا هذا. هذا هو الإيحاء. ثم جاء الغربيون و مندوبو الوكالة الدولية للطاقة الذرية و الآخرون و شاهدوا ذلک بأم أعينهم و صدقوا و اعترفوا بأنهم لم يكونوا ليصدقوا بأن إيران يمكن أن تصل إلى هذا المستوی، و عند ذلك صدق الآخرون أي تلك الجماعة المشككة في الداخل بهذا الأمر. و نفس هذه القضية حدثت حول الخلايا الجذرية . أنا كرّرتُ عدة مرّات في كلماتي حالات التقدم التي حصلت في مجال الخلايا الجذرية. و بعض العلماء في البلاد و أساتذة الجامعات أرسلوا رسالة: و قالوا سيدي! لا تكرّر هذه القضية فإنها غير حقيقية؛ و ليست بهذا الشكل! لا تصدق ما يقال عن التقدم الذي حصل في قضية الخلايا الجذرية و النشاط الذي تم القيام به في مجال الاستنساخ! و هذا الأمر لم و لن يحدث! و ظل الأمر كذلك حتى تم عرض الخروف المستنسخ أمام أعين الجميع، ثم انعقدت ندوة تحدّث فيها العلماء المشهورون في العالم و خبراء البيئة من الطراز الأول في العالم و صدّقوا أن تقدماً مذهلاً قد تحقق، و في ذلك الحين تم تصديق الأمر من قبل المشككين! من الآفات هي أن لا نثق بمواهبنا و تقدمنا و طاقاتنا حتى عند تحققها .إن ما قدمته الثورة لنا و نتوقع من أنفسنا تقويته يوماً بعد يوم هو الثقة بالنفس. أي الثقة الوطنية بالنفس؛ و ليعلم الشعب الذي يتمتع بالثقة في النفس أن بوسعه تحقيق أهدافه بفضل همته العالية و تعاونه مع جميع البلاد. على مجتمعنا الجامعي أن يصدق هذا في مجال علمه و أبحاثه العلمية من الأعماق و ليعلم طلبتنا الجامعيون و أساتذتنا و باحثونا و مدراؤنا الجامعيون إن بوسعهم تنفيذ أي عمل يهدفون إليه في ظل العزم و السعي المستمر. هذا ما نحتاج إليه. كنت أريد أن أواصل حديثي و لكنني أتممته . في الختام أريد ان أقدّم إلى الأعزاء الطلبة الجامعيين عدة وصايا : النقد المنصف و قبوله بتواضع هو ما يحتاج إليه الوسط الجامعي. على الشباب و لا سيما الشاب الجامعي أن يكون ذهنه و رأيه حرّاً في الوسط العلمي؛ عليه أن ينتقد بشرط أن يكون ذلك النقد نقداً منصفاً. من الخطأ أن لا يكون هناك فرق بين النقد و العصبية و التذرّع؛ و لكن لا بد من النقد و في الوقت ذاته تقبله. و إذا كنا عرضة للنقد بوصفنا طلبة جامعيين أو تنظيمات طلابية فإن علينا أن نقبل النقد و نتقبله؛ و لنقبل يعني نتحمله. و وصيتي الأخرى هي أن التحمل و المداراة السياسية في الوسط الجامعي أمر واجب. على التنظيمات الطلابية أن يكون لديهم التحمّل السياسي. جعل الأوساط الطلابية عرضة للاشتباك بينهم خطة خطيرة رسموها. عليكم أن تحذروا. يريدون أن يجعلوا التنظيمات الطلابية عرضة للاشتباكات فيما بينها. نحن لاحظنا أخيراً أنهم كانوا ينفذون هذا العمل في عدد من الجامعات. و الطلبة الجامعيون العقلاء الواعون و ذوى النضج السياسي لم يسمحوا أن يحدث هذا الأمر. لكن هذه هي الخطة. و السبيل إلى مواجهتها هو أن يكون بين الأوساط الجامعية و الطلبة الجامعيين و التنظيمات الطلابية التحمل و المداراة. و الوصية الأخرى هي قضية الحفاظ على المبادئ و الروح المبدئية. عليكم أن لا تكونوا متحفظين. من الممكن أن يصبح البعض متحفظاً بسبب تقدم السن؛ لكن الدايناموا المحرّك هو مرحلة الشباب. على شابنا أن لا يصبح متحفظاً، بل ينبغي عليه أن يكون مبدئياً. لا تتراجعوا عن المبادئ. عليكم بمطالبة المبادئ و القمم لكي نتيقن أن نصل إلى منتصف الطريق على الأقل. لكنكم إذا طلبتم القمم، فإنني على يقين بأنكم سوف تصلون إليها. ينبغي عليكم أن لا تفقدوا الروح الطامحة التي من مصاديقها التمسّك بالمبادئ و الأسس الفكرية.النصيحة التالية هي قضية بناء الذات على أساس العقائد و العلم و العمل و هو ما أشار إليه عدد من الطلبة الأعزاء. و ( عليكم أنفسكم ) عليكم أن تأخذوا بنظر الاعتبار دوماً نظرة الإسلام إلى الإنسان في خطابه الفردي. عليكم الحفاظ على أنفسكم؛ ( عليكم أنفسكم ). السبيل الذي يوصل الإنسان إلى الله و إلی النور، هو سبيل الابتعاد عن المحرمات و أداء الواجبات. عليكم الاهتمام بالواجبات و الابتعاد عن الذنوب؛ هذا هو معنى التهذيب. إن قلوبكم شابة نيرّة و هذا هو سبب عدم وجود التلوث في قلوبكم و روحكم و الحمد لله، و الله خير ناصر و معين . و وصيتي الأخيرة هي الدراسة و الاهتمام بطلب العلم. عليكم أن تدرسوا بجد. ينبغي أن يكون طلب العلم شائعاً في الأوساط الجامعية بشكل حقيقي. يلاحظ المرء في بعض الأوساط الجامعية عدم وجود طلب العلم حقيقة عند البعض، أي إنه لا يبحث عن العلم؛ بل هناك الاعتماد على الذاكرة و الاهتمام بها، لا تسمحوا أن يصبح الأمر هكذا. عليكم أن تبحثوا عن العلم بشكل حقيقي و لا تعتبروا العلم هو مجرد قراءة النصوص و تعليمها. لقد قلت قبل أن أحضر هنا في اجتماع الأساتذة؛ ينبغي على الطالب أن يعتاد على السؤال و التعمّق في العلم و مناقشة الأستاذ، و البحث عن الزوايا المختلفة في البحث العلمي. و في النهاية، تحدّثت ابنتنا العزيزة هذه عن الرياضة. أنا أؤمن بالرياضة. و لكنها تتعلق في بعض الجوانب بالمديريات التي عليها توفير الإمكانيات للطلبة، و تتعلق بالطلبة الجامعيين بجوانبها الأخرى، و لا ينبغي إلقاء اللوم دائماً على المديريات. فإن كل هذه المرتفعات في أنحاء مشهد - و أنا ألوم الشباب دائماً في طهران - حيث هناك ارتفاعات جيدة أمام أعين الناس، و لا تحتاج إلى بطاقة دخول و ليس فيها مشكلة؛ لكنهم لا يذهبون و يفضلون النوم و الكسل في الصباح. الرياضة مهمة جداً بالنسبة لنشاطكم و صحتكم أيها الشباب. أسأل الله لكم التوفيق و أن يجعل المستقبل بهممكم أيها الشباب الأعزاء، مستقبلاً مشرقاً و مزدهراً لشعبنا و لشعوب المنطقة إن شاء الله. و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.  
2007/05/13

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء الاتحادات الإسلامية لتلاميذ البلاد

بسم‏اللَّه‏الرّحمن‏الرّحيم‏أعبر عن سعادتي و سروري البالغ للقائكم أيها الشباب الأعزاء الذين يمكن للمرء مشاهدة مظاهر الصفاء، و الطهارة و ضياء قلوبكم في أي لقاء يتاح له.للشباب دائماً أهميتهم عند أي شعب أو بلد. لكن هذه الأهمية تتضاعف عند الظروف الحساسة. على سبيل المثال عندما يخوض بلد أو شعب نضالاً أو تحدياً عسكرياً مع الأعداء فإن دور الشباب تصبح أهميته أكثر من أي وقت آخر و كذلك حينما يتحرك بلد نحو القمم العلمية، و العملية، و التجريبية، و السياسية، و الاجتماعية، يغدو دور الشباب في تاريخ ذلك الشعب أوضح و أهم.في الحققية اجتاز بلدنا و مجتمعنا لحظات حساسة طوال المراحل التي تلت الثورة و كان دور الشباب و تأثير حالاتهم و مواهبهم تأثيراً بارزاً جداً. مع أننا كنّا و لا نزال شعب ذي مواهب، إلّا أننا تخلّفنا عن قافلة التطور العلمي إثر هيمنة السياسات الاستعمارية، و الاستبدادية، و الحكومات الغاصبة، و الجائرة، طوال القرنين أو الثلاثة الأخيرة. التخلف العلمي يؤدي إلى التخلف الاقتصادي و الثقافي و العسكري و غيره من أنواع التخلف. البلد الذي يجب أن يكون واحداً من أكثر البلدان تقدّماً و ثراءً في العالم نظراً لأرضياته الطبيعية و البشرية و موقعه الجغرافي - حينما تنظرون إلى خارطة العالم سيتضح لكم موقعه الحساس - و مصادره الجوفية، تبدّل إلى حكومة متخلفة عميلة فقيرة ضعيفة خاضعة للظلم في عهد الحكومات القاجارية و البهلوية. هذا ما حدث في تاريخنا. فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟ تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على عواتق أولئك الحكام الفاسدين و غير الكفوئين و الذين صاروا تابعين أيضاً حينما دخلت سياسات الغرب الاستعمارية الساحة. لم يكونوا يتصفون بالهمة و الحمية. و لم يهتموا إلّا بحياتهم و سيادتهم و حفظ اقتدار حكومتهم. هؤلاء هم الذين تقع المسوؤلية بالدرجة الأولى على عواتقهم؛ و لا سيما الدولتان القاجارية و البهلوية على الأقل.من حق الشعب الإيراني أن يمسك بتلابيب هؤلاء يوم القيامة و يشتكي إلى الله ظلمهم و جورهم و أن يقيم عليهم دعوى هائلة مفزعة. و يقول: هؤلاء هم الذين بدّلوا بلداً غنياً عظيماً بتاريخه الثقافي المنقطع النظير- و مثل هذا البلد يجب أن يكون في مقدمة البلدان المتقدمة في العالم و إلّا فهو في المرتبة الأولى أساساً - إلى بلد متخلف فقير ضعيف يعاني من الحقارة و الظلم و اليأس.ماذا حدث بعد ذلك؟ طوال هذه المائة أو المائة و العشرين سنة الأخيرة التي مازال القسم الأخير منها ممتداً حتى الآن، استيقظت الضمائر و ظهرت شخصيات عظيمة قرعت أجراس الإنذار و أضاءت بوارق في السماء الحالكة لهذه البلاد، فظهرت صحوات من أمثلتها معارضة الميرزا الشيرازي لشركة رجي المعروفة التي كانت ستبتلع البلاد كلها شيئاً فشيئاً و كانت تريد أن يكون مصير إيران كمصير الهند في السيطرة الاستعمارية عليها؛ أو صيحات المرحوم آية الله مدرس في قاعة المجلس الوطني آنذاك في معارضة رضاخان، و سوى ذلك من الشخصيات التي عارضت تلك الاتفاقية الخائنة التي كانوا يريدون بواسطتها جعل البلاد كلها تحت الهيمنة الإنجليزية. كانت تلك بوارق في هذه الأجواء أضاءت القلوب و ضاعف من عزيمة الشعب. بدأت الحركة على يد روّاد هذه الفكرة، و هيّأ الله تعالى قائداً إلهياً ذا عزم و إرادة كالإمام الخميني؛ و تحرك شباب هذا البلد ثانية و ظهر تحول عظيم جذري؛ و انكسرت قضبان السجن الذي كان الشعب الإيراني يعاني منه، لكن الطريق طويل ما بين انتصار الثورة و الموضع الذي يجب أن يبلغه شعب إيران. إنه مليء بالتحديات المنوّعة؛ و يحتاج إلى الهمة و القوة و النشاط و الإبداع و تراكم الخبرات المختلفة. و هذا ما يجب أن يؤمّن على يد الشباب و روحهم الشبابية و نشاطهم.يذكرون فترة الدفاع المقدس و هو أمر صحيح؛ كان الإنسان يلاحظ في فترة الدفاع المقدس عدداً كبيراً من الشباب المتطوعين بحيث لا يمكن للعين أن ترى شيئاً آخر من كثرة عددهم و نشاطهم و شوقهم للالتحاق بالخطوط الأمامية لجبهات الدفاع عن استقلال البلاد أمام الهجوم العسكري.لكنني أريد أن أقول بأن هناك قضايا و تحديات كبيرة أخرى لا تقل أهميتها عن مرحلة الدفاع المقدس. رفع الشعب الإيراني و حمل بيده لواء السيادة الدينية و المعنوية في حياة الإنسان . هذا شيء مهم جداً. صحيح أن البشرية في كل أنحاء العالم لا سيما في البلدان الغربية و المادية تهفو للمعنوية بعد أن ملّت من النزعة المادية - و إن كانت لا تعرف هذه المعنوية بشكل صحيح - و الشباب يبحثون عن شيء وراء هذه الظواهر و اللذات المادية؛ يبحثون عن المعنوية؛ لكن القوى التي تدير العالم؛ و مديريات العالم الاقتصادية؛ أي هؤلاء الناهبين الذين تسمونهم الاستكبار العالمي لا يسمحون أن تتجه الشعوب نحو المعنوية.هناك رغبة، لكن العراقيل موجودة أيضاً. في مثل هذا العالم رفعت الجمهورية الإسلامية أي شعب و بلد كبيران في منطقة حساسة مع بما لديهما من شباب و ثروات مادية و معنوية يعرفها الجميع، رفعا راية المعنوية و قالا: أريد أن أوصل البشرية إلى السعادة، و الرفاه، و الأمن، و التقدم العلمي، و الاستقلال في ظل المعنوية؛ و أثبتا أن هذا أمر ممكن. هذا تحدٍّ كبير بالنسبة للاستكبار العالمي و شي ء يبطل فلسفاتهم و يضع علامة سؤال كبيرة على أساليبهم.إذا استطاع هذا الشعب أن يوصل نفسه إلى قمم التقدم و العلم، فإنه سيفتح بوابة عظيمة أمام الشعوب لتتحرك و تسير نحو المعنوية. لذلك يخالفون، و يبثون الدعايات الكاذبة، و يوجهون أنواع الإساءات و يوجهون الضغوط السياسية و الاقتصادية لكي يحولوا دون وصول هذا الشعب إلى هدفه، لكن عزمنا و عزم الشعب عزم راسخ و سيواصل هذه المسيرة، و هنا يتضح دور الشباب.يمكن للشباب المؤمن الطافح بالأمل الذي يثق بنفسه و يؤمن بإبداعاته و مواهبه و قدراته أن يرفع بنشاطه و قدراته هذا الثقل العظيم و يمارس دوره في تقدم هذه العجلة العظيمة.تنصب كل محاولات أعدائنا على محو هذه العناصر الحيوية و الفعالة من نفوس شبابنا، يحاولون تجريدهم من إيمانهم و ثقتهم بأنفسهم؛ و قد نجحوا في ذلك في زمن الطاغوت. لم يكن شبابنا في تلك الأيام يثقون بأنفسهم، كانوا يعتبرون أنفسهم بشكل غريزي أو شبه غريزي أصغر و أحقر من الشاب الأوربي! و ما و من هو الشاب الأوربي؟ انه ليس سوى كائن مملؤ بالعقد و المشاكل النفسية و يعاني من المشاكل المادية و المعنوية المتنوّعة، لكن الدعايات الملوّنة رسمت لشبابنا صورةً جعلته يشعر حينما ينظر لها بأنه أقل و أصغر؛ زرعوا مثل هذا الخطأ في أذهان شبابنا. و الآن أيضاً إذا راجعتم شباب ذلك العهد و هم شيوخ الحاضر ممن لم يتأثروا، لوجدتم فيهم نفس هذه الروح و المشاعر، و ذلك إثر التربية الخاطئة في ذلك الوقت. لم تكن لديهم ثقة بأنفسهم.يحاولون سلب ثقة الشباب المعاصر بأنفسهم، و سلب إيمانهم و روحهم الإبداعية الخلاقة، و رغبتهم للعمل و التقدم، و إلهائهم بمختلف أنواع المشاغل و المشاكل. واحد بالشهوات و الآخر بالأمور العبثية الباطلة، و آخر بتضييع الوقت هنا و هناك، و الآخر بالنزاعات و الشجارات المختلفة.هناك مسؤولية مضاعفة تقع على عواتقكم كأعضاء في الاتحادات الإسلامية؛ أي مسؤوليتكم كشباب هذا العصر - و هي في حد ذاتها مسؤولية عظيمة تبعث على الفخر و لعل الزمن الذي تعيشون فيه نادر النظير من حيث الحساسية في الماضي و المستقبل طوال تاريخنا، لأنه من المقرر أن يبدّل شعباً متخلفاً إلى شعب متقدم يتصدر شعوب العالم - و هناك مسؤوليتكم الأخرى و هي المسؤولية في الاتحادات الإسلامية؛ أي ذلك الشاب الذي يرى لنفسه مسؤولية و رسالة بين الشباب الآخرين.يمكن أن يخطأ الشباب و يتأثروا بالمشاعر الخاطئة أو الفهم الخطأ أو التوجيهات الخاطئة أو الإغراءات الخطرة. يجب إنقاذهم. و أنتم تريدون أن تمارسوا دور ذلك المنقذ، و من الممكن أن يتعرض إنسان للغرق في بحر الشباب العظيم و يجب أن يكون هناك منقذ. على الاتحادات الإسلامية أن ترى لنفسها دور إنقاذ الغرقى من دون شعارات أو رياء، فهذا الرياء ليس بالشيء الحسن.يقول الشاعر: ذاك يسعى لإنقاذ بساطه من الأمواج و هذا يحاول إنقاذ الغريق.إنتم منظومة تسعى لأن لا يتعرض أحد للغرق؛ لا تسمحوا أن يخطأ أحد، أو أن يتوقف عن الحركة. لا تنحصر جميع السيئات بالانحراف أو السقوط، بل عدم السير و التوقف أيضاً يعتبر من ضمن السيئات. هذه هي أجواء الاتحادات الإسلامية و هذه هي حوافزها. من الواضح أن الشخص الذي يريد أن ينقذ الغريق يجب أن تكون سباحته أفضل بكثير من الآخرين؛ و إلا فإنه فضلاً عن فشله في إنقاذ الغريق سيغرق هو أيضا. لذلك عليكم أن تعملوا لتقوية أنفسكم و بنيتكم الاعتقادية و الأخلاقية.قبل عدة سنوات حينما كنت أتحدث مع الشباب - ربما كنت بينكم أو بين آخرين - قلت إنني أنصح الشباب بالدراسة، و التهذيب، و الرياضة. أدرسوا لتقوية ملكة العقل و التفكير و العلم. و الحمد لله لدي تقارير تفيد بأن أعضاء الاتحادات الإسلامية دراستهم أفضل من زملائهم و أترابهم و من الممكن أن لا يكون الأمر بهذا الشكل في جميع الأمكنة. هذا أمر جيد جداً و يجب أن يكون بهذا الشكل. عليكم أن تعملوا لتقوية أنفسكم و تقدمكم على الصعيد العلمي لا لكي يؤثر كلامكم في الأخرين فحسب، بل لأنكم تريدون أن تكونوا عماداً قوياً لهذا البناء العظيم أي بناء حضارة الشعب الإيراني و تقدمه.يجب أن يكون التهذيب إلى جانب الدراسة. قلوبكم أيها الشباب تزهر بالضياء، و الفطرة الإلهية فيكم حية و متألقة. إذا فرضتم على أنفسكم اليوم أن تعتاد على الأعمال الصالحة و الأخلاق الحسنة و السيرة الطيبة فإن هويتكم الإنسانية ستتشكل بهذا الشكل و يبقى هذا الإنجاز معكم إلى آخر عمركم، لا سيما في هذه المرحلة التي تعتبر المرحلة الذهبية من أعماركم.إنكم تستطيعون أن تعملوا أعمالاً كبيرة كثيرة على شخصيتكم في هذه المرحلة؛ بناء الذات. إعملوا على تقوية ارتباطكم بالله تعالى. و في القضايا الدينية تناولوا النقاط العقلانية الدقيقة و تعلّموها من أساتذتها الماهرين. في الدين عواطف أيضاً لكن هذ العواطف تعتمد على المعنويات و الأفكار العميقة؛ يجب تعلّم هذه الأفكار و معرفة الأسس الدينية و التأثير بواسطتها على شخصياتكم و قلوبكم. عليكم أن تؤثروا في قلوبكم. علينا أن نخاطب قلوبنا في كثير من الأوقات.كان يقول أحد العارفين إني رددت هذا الذكر آلاف المرّات في اليوم على قلبي الغافل النائم. فيا له من تعبير حسن. الصلاة هي ذلك الذكر و هي ماء الحياة الذي يروي به الإنسان قلبه؛ صلاة بحضور قلب و التذكر بأننا أمام الله سبحانه. أقيموا الصلاة بهذا الشكل. حينما تقفون للصلاة عليكم أن تتذكّروا بأنكم أمام الله سبحانه و تتكلمون معه. عليكم أن تحافظوا على هذه الحالة على طول الصلاة، و عندها تؤثر هذه الصلاة و تحوّل قلب الإنسان كالإكسير. الإكسير مادة كيميائية يقال إنها تبدّل النحاس إلى الذهب. حتى لو كانت قلوبنا من نحاس فإن إكسير الذكر يحوّلها إلى ذهب. هذا شيء مهم جداً.التهذيب يشمل السلوك أيضاً؛ السلوك مع الوالدين. عليكم أن تحبّوا والديكم و تعبّروا لهم عن هذا الحب؛ و عليكم أن تحترموهما إلى جانب إطاعتهم. سلوككم و أخلاقكم في داخل البيت بإمكانه بناء الأسرة. من الممكن أن يؤثر شاب في أسرته أحياناً على والديه و إخوانه و أخواته. أنا حينما أزور عوائل الشهداء بين حين و حين أسمع من الوالدين إنّ هذا الشاب، أي ابنهم الشهيد كان يلعب دور المعلم في البيت بحسن سلوكه؛ كان يعلمهم الصلاة بصلاته و كان يعلمهم القرآن بقراءته القرآن، و كان يعلمهم التعرف على الواجبات و النشاط للعمل بقيامه بأداء واجباته و نشاطه للعمل. الشاب المؤمن المهذب يكون بمثابة مصباح ينير الجو داخل الأسرة و منه يتعلم الإخوة و الأخوات؛ سواء في الحي أو محيط العيش أو محيط العمل.الصيف أمامنا و على شباب الاتحادات الإسلامية أن يفكرّوا بعد الامتحانات أكثر من غيرهم في الاستفادة من هذه العطلة في فصل الصيف للتعلم و المشاركة في الأعمال البدنية التي تخدم الناس - في بعض الأحيان تنظم التعبئة و الآخرون للشباب نشاطات في مجال الرياضة و الخدمات و البناء - و لمساعدة الوالدين و العائلة و التهذيب و الرياضة. و الرياضة أيضاً أمر ضروري. إنني أوصي الشباب و البنات و البنين بالرياضة دائما.عليكم أيها الشباب في الاتحادات الإسلامية أن تعملوا بشكل أحسن و بمستوى أعلى لتحقيق هذه العناصر الثلاث في سلوككم و تأثيركم على الشباب الآخرين.فترة الشباب نعمة كبيرة تمنح للمرء مرة واحدة و لها مرحلة معينة. حينما تتجاوزون تلك المرحلة يمكنكم الاستفادة من خيراتها. الشيوخ الذين يتمتعون بالدعة النفسية و السلوك المنظم و المبرمج هم الذين اجتازوا مرحلة الشباب بهذه الخصال. و الذين يعانون في شيخوختهم من الكسل و الحيرة و عدم النشاط للعمل لم يتزودوا من هذا الزاد في مرحلة شبابهم.الشيوخ من الرجال و النساء الذين ينعمون بالأنس مع الله بسهولة هم الذين علّموا قلوبهم هذا الأنس في فترة شبابهم. من الخطأ أن نتصور أنه يمكن قضاء مرحلة الشباب بغفلة تامة ثم يمكن أن نكون أناساً ذاكرين شاكرين لله في مرحلة الشيخوخة؛ فهذا أمر مستحيل. يحاولون في بعض الأحيان و لكنهم لا يستطيعون. هذا هو الزاد الذي توفرونه في أيام الشباب ليبقى لكم إلى نهاية أعماركم، سواء كان هذا الزاد مادياً، أو فكرياً، أو قلبياً، أو روحياً. هذا هو زادكم حتى نهاية أعماركم و زادكم الأبدي لحياتكم الأخروية التي هي الحياة الحقيقية.عليكم أن تعرفوا قدر هذا؛ عليكم أن تعرفوا أيضاً قدر العضوية في الاتحادات الإسلامية. مستقبل هذا البلد لكم؛ بناء هذا البلد يتحقق بأيديكم القوية. المجتمع الشبابي في بلدنا مجتمع جيد جداً، و هو يتمتع بالمواهب الطبيعية و مناخ الحركة و العمل و النشاط. طبعاً الأعداء يحاولون حتى بشق الأنفس أن يعطلوا مجتمعنا الشاب؛ و ثمة انحرافات عن المسير هنا و هناك و لدي علم بذلك، لكن الحركة المستقيمة تفوق ذلك بكثير. إن شبابنا صالحون، و سيزدادون صلاحاً و هم في تقدم مستمر إن شاء الله. و إنني على ثقة أنكم سترون العالم المثالي الذي هو من ثمرة جهودكم الحالية و ستجربونه في اليوم الذي لن أكون أنا و من هم في سني في هذا العالم . و إن شاء الله ستخططون لمستقبل جيد و أفضل من ذلك.نسأل الله تعالى أن يديم عليكم نعمة القلوب النيرة و النفوس الطيبة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2007/05/08

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من معلمي البلاد

بسم الله الرحمن الرحيمفي البداية أرحب بجميع الإخوة و الأخوات المعلمين الأعزاء الذين تفضّلوا بعقد هذا الاجتماع الحميم الطيّب.يوم المعلم له برأيي أهمية و ميزة خاصة بين التسميات الرمزية التي تطلق على أيام معينة خلال السنة؛ و هذه الأهمية ناتجة عن أهمية مكانة المعلم. حينما نتحدث عن المعلم نقصد أحياناً معناه العام الذي يمتاز بعظمة و أهمية بالغة. المعلم يعني ذلك الشخص الذي يشعل مصباحاً في قلب المرء و يهديه من الجهل إلى العلم و المعرفة؛ هذا هو معنى كلمة المعلم. و هذا أعظم شيء يمكن تصوّره في حياة الإنسان.من نماذج ذلك معلمنا الشهيد العزيز في هذا اليوم، أعني الشهيد مطهري الذي استطاع بعلمه و فكره العميق و القوي أن يبحث و يدقق في أبعادٍ من القضايا الإسلامية في مختلف المجالات و يكشف عن حقائقها و يجعلها في متناول أيدينا عبر العشرات من كتبه القيمة. حين ننظر بدقة، سنرى بأن كل واحد من المجالات التي خاض فيها الشهيد مطهري و درسها بصورة علمية عميقة و وضعها في متناول أيدينا هو بمثابة مصباح أضاءه هذا الرجل الكبير في أذهاننا و قلوبنا. ما الذي يمكن مقارنته بذلك؟ هذه هي نظرة معينة لمعنى المعلم.كما بيّن إمامنا الجليل و قلنا و سمعنا نحن جميعاً مراراً فإنّ التعليم هو دور الأنبياء يعلّمهم الكتاب والحكمة ، بل هو دور الوجود المقدّس للباري تعالى المقدس ، علّم الإنسان ما لم يعلم و في درجة أدنى، هناك أفراد البشر الذين يعلمون بعضهم بعضاً: أحدهم معلم و الثاني متعلِّم. إذا قمتم أنتم أو أي شخص آخر في أي مكان - سواء في التربية و التعليم، أو الجامعات، أو الحوزات العلمية، أو المحافل التعليمية المختلفة - بتعليم الناس و الكشف لهم عن حقيقة قيّمة أو إضافة معرفة إلى معارفهم سيكون لكم شأن المعلم و منزلته؛ و هذا أمر جد قيّم و مهم و محترم.النظرة الثانية التي أريد اليوم أن أتحدث عنها لكم أيها الأعزّاء هي النظرة للمعلم من حيث هو معلم في مؤسسة التربية و التعليم؛ هذا المعلم يختلف عن غيره من المعلمين. المعلمون كلهم أعزاء، لكن لمعلم التربية و التعليم دور مميّز لا يمكن لغيره من المعلمين - سواء الوالدان الذان يعلمان أولادهما في البيت أو الأساتذة الكبرى و العلماء الذين يرتقون بالإنسان في المراحل العلمية - أن يمارسوه و يضاهوا بذلك منظومة معلمي التربية و التعليم؛ معلم التربية و التعليم يمتاز بأهمية خاصة.من أين تنتج هذه الأهمية؟ تنتج من أن التربية و التعليم و المدارس هي بمثابة ورشة تعليمية عامة لكل أبناء المجتمع طوال 12 عاماً من الابتدائية إلى الثانوية. فهي تشبه المحجر الذي يدخله جميع أفراد المجتمع من باب و يغادرونه من باب آخر. و في أي المراحل؟ في المرحلة التي لا تساويها مرحلة أخرى طوال حياة الإنسان التي قد تمتد سبعين أو ثمانين أو مائة سنة من حيث القدرة على التعلّم؛ إنّها مرحلة التعليم الذهبية التي تمتد من السادسة إلى الثامنة عشرة. أنظروا للتربية و التعليم و المعلم بهذه الرؤية. يدخل الملايين من أبناء المجتمع في أفضل مراحل حياتهم التعليمية - أعني تلك السنوات الاثنتي عشرة - ورشة عظيمة تسمى التربية و التعليم. فمع من يتعاملون؟ مع المعلم. إذن، المعلم صاحب الدور الأساسي في هذه الورشة العظيمة على مدى اثنتي عشرة سنة.فانظروا إلى أي بلد من البلدان.. أنتم كبشر، أو كمدراء، أو كمسؤولين، أو كأشخاص مخلصين.. تريدون أن يكون لكم بلد يتميّز أبناؤه بمواهبهم، و أخلاقهم النزيهة؛ و شجاعتهم في التحرك و العمل، و تدبيرهم في الفكر؛ و أن يتمتّعوا بالاستقلال، و الفكر، و الإبداع، و الروح الخلاقة، و التقوى، و حسن السيرة، و الإيمان بالنظام و القانون، و المبدئية، و يكونوا من ذوي المبادرات و الخطوات العظيمة. تريدون بناء مثل هذا البلد و المجتمع. من في العالم لا يريد أن يكون بلده و مجتمعه مكوّناً من رجال و نساء بهذه الروح و الخصال؟ يعني أنهم يوظَّفون الطاقات و المواهب و يتحلّون بالشّجاعة في المبادرات، و يتابعون الطموحات الكبرى، و لا يرضخون للتعب، و يتحلّون بالإرادة و النشاط و النظم و الانضباط بعيداً عن الكسل و الشراهة و عدم الحيوية في العمل.نريد الآن بناء بلد بهذه السمات. لاحظوا أين يتربي الإنسان؟ و ما هو المكان الذي يمكن اعتباره أفضل من التربية و التعليم لتربية مثل هؤلاء الأفراد من المهد إلى اللحد؟ هذا المحجر الذي يستمر اثنتي عشرة سنة يمكنه تربية الناس بهذه الخصال الإيجابية. أي إنّ مصنع التربية و التعليم إذا عمل بشكل جيد و بالاتجاه الصحيح، و إذا عملت جميع أجزائه من تخطيط و إدارة و إنتاج النماذج المحبّذة بشكل جيد فلا شك أن أي بلد في أي مكان من العالم سيتّصف أبناؤه بعد عشرين أو خمسة وعشرين سنة بهذه السجايا. هذا هو دور التربية و التعليم؛ و هذا هو دور معلم التربية و التعليم؛ لا يمكن الاستهانة بهذا الدور. أي قسم من المنظومة الإدارية والتعليمية للبلاد سوى التربية والتعليم تحظي بهذه الأهمية البالغة و هي أن يتعلم عدد كبير من الناس على يدها بنحو متواصل في أفضل أوقات أعمارهم؟ هذه هي أهمية التربية و التعليم. ليس من باب المجاملة أن نحترم المعلم لهذه الدرجة و أن أجله و أكرمه أنا بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ و هذا ليس من أجل رضا زيد أو عمرو؛ هذه حقيقة مبتنية على هذه الفلسفة. للمعلم - شاءوا ذلك أم أبوا - مكانة عالية و يقف على أكثر المواقع حساسية.تحدثنا عن أهمية التربية و التعليم. و تشتمل منظومة التربية و التعليم طبعاً على الموظفين الإداريين، و المخطّطين، و أصحاب الأطروحات و الأفكار، و واضعي الكتب، و كل هؤلاء يساهمون في هذه الأهمية و القيمة. لكن المعلم هو رجل الساحة. كل هذه الأطروحات و التصميمات و الخطط هي من أجل أن يمارس المعلم دوره بشكل جيد. المعلم هو الذي يقف في وسط الساحة و في الخط الأمامي، و الباقون هم مساعدوه و من يقومون له بمهمات الدعم و الإسناد لكي يستطيع بفضل فنه و جهاده و إخلاصه و مهارته أن يحوّل هذا العنصر أو المادة الطبيعية الموضوعة في متناول يده - أي الأطفال و المراهقين - إلى مادّة قيمة و يضاعف من فائدتها. و هذه الفائدة المضاعفة لا يمكن مقارنتها بالفائدة المضاعفة لأي بضاعة أو شيء آخر. حتى لو صنعنا من التراب ذهباً، لكانت قيمة ذلك أكبر من هذا؛ و لو أنتجنا الطاقة النووية من المناجم، لكانت قيمة ذلك أكبر من هذا. أنتم تربون الإنسان و تصنعونه بتلك الخصال.و الآن، لو قرّر المعلمون في بلد ما العمل خلافاً لهذا الاتجاه؛ أي أن يخرّجوا إنساناً جباناً بدل من الإنسان الشجاع؛ و أن يصنعوا الإنسان الضعيف الخاضع للظلم بدلاً من الإنسان المستقل و لو صنعوا الإنسان العميل للأجانب بدلاً من الإنسان العاشق للوطن و مفاخره الوطنية، و لو صنعوا الإنسان اللا أبالي و غير المؤمن بدلاً من الإنسان المتقي المؤمن، و لو خرّجوا الإنسان المبهوت المنبهر بالقدرات العلمية و غير العلمية للآخرين بدل الإنسان الموهوب صاحب الثقة بذاته، فلاحظوا أية كارثة ستقع في البلد؟! كان تخطيط نظام التربية و التعليم في البلد طوال زمن الطاغوت - أي منذ تأسيس نظام التربية و التعليم الحديث في عهد رضا خان - من النوع الثاني. ربما لم يكن المدراء المباشرون يعلمون ماذا يفعلون، لكن كان هذا هو الهدف و التخطيط، و قد أضحى خرّيجو هذا النظام من هذا السنخ بدرجات متباينة. طبعاً كان بين معلمي التربية و التعليم و موظفيها أناس متدينون و مستقلون و مؤمنون و نزيهون - و لم يكن عددهم قليلاً - و قد أدى هؤلاء واجبهم. لكن الخطة كانت هذه.أما في النظام الإسلامي فالخطة على العكس من ذلك؛ الخطة هي أن يتربي في هذه الورشة الكبيرة أناس بتلك الخصال التي ذكرتها. مرحلة بلوغ الشباب تحت تصرّفكم. مرحلة بلوغ الإنسان هي مرحلة تحول و تشكيل شخصيته الباقية الثابتة ؛ الشباب في هذه المرحلة تحت تصرف المعلم. المعلم يترك تأثيره على التلميذ لا عن طريق التدريس فقط بل و بشخصيته أيضاً. المعلم العاقل، العالم، الحليم، المؤثر، المتفائل، صاحب الأمل بالمستقبل و الرغبة في العمل الجماعي، يخرّج تلميذه على نفس هذه الشاكلة أما المعلم الذي يتصف بالعنف و الكسل، فيخرّج تلميذه على شكل آخر مهما كان الدرس. لذا كان الاهتمام بالتربية و التعليم و المعلم من المبادئ الرئيسية و المهمة في النظام الإسلامي.ما قلناه و نقوله عن المعلم نخاطب به كافة جماهير البلاد؛ على التلاميذ و العوائل و المؤسسات الحكومية و المسؤولين أن يعرفوا أهمية المعلم و قدره. لذلك فالمعني الأول بهذا الكلام هم عموم الجماهير. أي إن كافة الناس يجب أن يتفهموا بأن المعلم يتمتّع بهذا القدر من الشرف و الأهمية. تكريم المعلم يقع بالدرجة الأولى على عواتق الجميع - أي الجماهير، و العوائل، و أولياء الأمور، و المسؤولين - لكن المعني الخاص بهذا الكلام هم المعلمون أنفسهم.على المعلمين أن يدركوا أهمية مكانتهم و حساسيتها. لستم أصحاب مهنة كباقي أصحاب المهن. يجب أن لا تنظروا لهذه المهنة نظرة البحث عن لقمة العيش. أجل، إنّه عمل يوفر لقمة العيش، لكن قضية المعلم يجب أن تكون بالنسبة للمعلم تلك المسؤولية و الرسالة العظيمة التي شرحناها إجمالاً. على المعلم أن يتفطن لمكانته و حساسية موقعه. لو أردنا تشبيه المعقول بالمحسوس، فإن دور سدّاد السكك الحديدية في حركة القطار قد يبدو قليل الأهمية، لكن حياة و موت جميع الركاب في القطار يعود إلى عمل هذا السدّاد و دقته، إذا غفل فلن تقتصر غفلته على عمله و مهنته فقط، إنما ترتبط به أرواح و مصائر مجموعة من الناس. دور المعلم من هذا القبيل و على المعلمين أن يتنبّهوا لذلك.طبعاً الواقع في مجتمع معلمينا واقع طيب، و هذا ما أقوله عن علم. مجتمع المعلمين في كل أنحاء بلدنا متصف بالنزاهة و النقاء و الالتزام و الجد و الصبر و أكثرهم يحبون مهنتهم و يؤمنون بعملهم. و علامة ذلك أننا لمسنا دور المعلمين في توجيه التلاميذ في جميع المراحل الحساسة في البلاد كمرحلة الدفاع المقدس و الحرب المفروضة.كان المعلمون هدفاً لمؤامرات العدو خلال هذه السنوات و منذ خمسة و عشرين عاماً إلى اليوم منذ أن كنت رئيساً للجمهورية و عندما كنت أخدم في المجلس الأعلى للثورة الثقافية و كنت على معرفة قريبة بمجريات الأمور. قلت في بداية السنة إن العدو يبذل قصارى جهده لتحقيق ثلاثة أهداف هي التخلف العلمي، و التخلف الاقتصادي، و تحطيم وحدتنا الوطنية؛ ينفق الأموال و يستخدم العملاء و يوظف أكبر الخبراء الاستخباريين لتحقيق هذه الأهداف الثلاثة في بلادنا؛ أي إنه يريد بقاءنا متخلفين و فاشلين اقتصادياً، و أن نوقف التقدم العلمي الذي بدأ و انطلق و أن نحطم وحدتنا الوطنية و نشتبك فيما بيننا. يحاول العدو تحقيق هذه الأهداف الثلاثة. استهدف الأعداء المعلمين في هدفين من هذه الأهداف الثلاثة هما التقدم العلمي و الاتحاد الوطني. إن مساعي الأعداء وصلت إلى ذروتها في الوقت الراهن؛ لكنها كانت موجودة منذ عشرين أو خمسة و عشرين عاماً و هذا ما لاحظته من قرب، و قد وقف مجتمع المعلمين أمام هذه المؤامرات و الضغوط كالجبل. و هذا مؤشّر واضح على نزاهة معلمينا التي أشرتُ إليها. بذلوا مساعيهم و حاولوا كثيراً أن يتخذوا المعلمين أداة لزرع الفرقة و الخلاف فيما بين أبناء المجتمع، لكنهم لم و لن ينجحوا و سيبقى المعلمون صامدين.أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! بلادنا تتقدم للأمام بنحو جاد في المجالات العلمية و السياسية والعسكرية و تمتين الأسس الاقتصادية. أثبت النظام الإسلامي عملياً أنه نظام متجذّر مؤثر له اقتداره الذاتي؛ و هذا الاقتدار يختلف عن اقتدار بعض البلدان و الساسة البائسين الناتج من دعم الحكومة الفلانية أو الفلانية؛ لا، الاقتدار السياسي لنظام الجمهورية الإسلامية اقتدار ذاتي؛ كالجبل الذي تكون جذوره الضاربة في الأرض أكثر من الجزء الذي يمكن ملاحظته فوق الأرض. هذا ما يثبته النظام الإسلامي حالياً و يكرسه باستمرار. نحن في حالة تقدم إلى الأمام و ليست هذه الحركة بطيئة بل هي سريعة.لا يحب المستبدون في العالم هذا الصمود، و لا يدخل في زمرة هؤلاء المستبدين ملك البلد الفلاني البعيد، بل أشد المستبدين استبداداً هم الذين يترأسون الاستكبار العالمي. ظاهر الأمر في بلدانهم هو الديمقراطية - مع أنها ليست ديمقراطية في الحقيقة - لكن تعاملهم على المستوى العالمي تعامل مستكبر عنيف. إنهم يرفضون أن ينتخب شعب من الشعوب نظاماً سياسياً يقف أمام أطماعهم و تطاولهم. لكنهم يرون أن الشعوب المسلمة الأخرى تأثّرت بهذه الحركة الإسلامية العظيمة القوية في إيران.لاحظوا، حينما يسافر رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية و مسؤولونا الكبار إلى أي بلد إسلامي و تتاح لهم الفرصة لكي يلتقوا بالجماهير فإن مشاعر الجماهير هناك حماسية هادرة و مناصرة! ما هو السبب؟ لماذا تستقبل الجماهير رؤساء جمهوريتنا بتلك الحفاوة و الحب أمام رؤسائهم و شخصياتهم المحبوبة كلما زار رؤساؤنا بلداً من البلدان و أتيحت لهم فرصة التواصل مع جماهير ذلك البلد؟ لماذا؟ هذا يعود إلى أن حركة الشعب الإيراني العظيمة قد فعلت فعلها و تركت تأثيرها و نفوذها على مستوى الرأي العام في العالم الإسلامي و بلغت طور الظهور. للشجاعة و الصمود و الإيثار و التضحية و الصدق في القول و العمل تأثير و آثار طبيعية. قد لا يريد الرؤساء و المسؤولون السياسيون في عدد كبير من البلدان أن تستمر الجمهورية الإسلامية في حياتها؛ لكن لشعوبهم موقف مضاد لهذا تماماً فهم يعشقون نظام الجمهورية الإسلامية. نحن نعرف مثل هذه البلدان حوالينا و في هذه المنطقة الحساسة العظيمة التي نعيش فيها. وهذا ما يلاحظه الاستكبار العالمي. نحن نتقدم بهذا الشكل؛ و لنا هذا النفوذ المعنوي المتنامي، لكننا إذا لم نواصل هذه الحركة بالعقل و الشجاعة و التوكل على الله و الشعور بالمسؤولية العامة فسوف نخسر سواء في التربية و التعليم أو في أي موقع آخر.على التربية و التعليم أن تنسجم بصورة مستمرة و متصاعدة مع أهدافها الكبرى و المهمة جداً التي أشرتُ إلى بعضها. و على نظام التربية و التعليم أن يشهد تحولاً أساسياً بهذا الاتجاه. إنّهم يعملون الآن بصورة جيدة و نحن راضون عن منظومة التربية و التعليم في البلاد، لكننا نعتقد أن هناك حاجة إلى حركة تغييرية. على المخطّطين المفكّرين العلماء أن ينفذوا مشاريع تغييرية مهمة على صعد تنظيم و تشكيل الأماكن و الصفوف الدراسية و محتواها و تخريج المعلمين و رسم الخطوط المهمة و البارزة في منظومة التربية و التعليم؛ و هذا طبعاً بحاجة إلى التعاون من داخل مؤسسة التربية و التعليم نفسها؛ لا يمكن تحقيق أعمال كبيرة للتربية و التعليم من خارجها. هناك عدد كبير من العناصر الحكيمة و البارزة و الذكية و الموهوبة في منظومة التربية و التعليم يمكن استخدامهم من أجل تقدمها و التغلب على النواقص و سد الثغرات.أعتقد أن مستقبل هذا النظام التعليمي مستقبل مشرق. و الإخلاص و التدين و حب مصالح البلد و الإقبال عليها من النقاط الأساسية التي يمكن الاتكال عليها. مثل هذه الروح تثمر بركات و خيرات عظيمة و العدو لا يستطيع أن يفعل شيئاً.نتمنى تحقيق المزيد من التقدم و الرفعة لمؤسسة التربية و التعليم بفضل اللطف الإلهي و أدعية الإمام المهدي ( أرواحنا فداه ) و ببركة أرواح شهدائنا الأبرار و الروح الطاهرة لإمامنا العظيم. نرجو أن نشهد في المستقبل القريب، التطور الذي تتطلبه ضرورات العصر و احتياجات نظام الجمهورية الإسلامية. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2007/05/01

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي الحكومة

بسم الله الرحمن الرحيماليوم يوم عظيم في تاريخ الإسلام بل في تاريخ البشرية؛ يوم ولادة نبي الإسلام الأكرم ورسوله الأعظم محمّد بن عبدالله، وكذلك ولادة الإمام الناطق بالحق، جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهما سلام الله ورحمته). لهذا اليوم بركات عظيمة جداً للمسلمين لأنه يوم ميلاد النبي الأكرم و ميلاد الإمام العظيم الإمام جعفر الصادق.إحياء هذه الأيام هو من أجل أن تكون ذكرى لنا؛ استذكارعظمة مولود هذا اليوم الذي يُعدُّ الفهم البشري في الحقيقة أصغر من أن يدرك بدقة تلك الحقيقة العظمى وتلك الروح السامية والعظيمة بما لها من نور وضياء وما يجري على ألستنا لا يتجاوز الأبعاد الظاهرية للمسألة، أي:فاق النبيّيّن في خلق وفي خُلق ولم يدانوه في علم ولا كرموكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمهذه هي الأمور التي يمكن للعقل والفهم البشريين ملاحظتها من بعيد في الوجود النبوي العظيم، حينما يغرقان في بركات أحكام أولئك العظماء وقوانينهم وكلماتهم.إننا كمسلمين وكبشر نحتاج اليوم للنبي، حيث كان النبي الأكرم رحمة للعالمين؛ ولم يكن رحمة للمسلمين فحسب. البشرية برمتها مرهونة ببركات النبي الأعظم ورحمته. ما قدّمه ذلك الإنسان العظيم للبشرية كرسالة إلهية - و يشتمل القرآن الكريم على جميع كلياتها ونقاطها المهمة - في متداول أيدينا اليوم ويمكننا الانتفاع منها.لقد فتح النبي الأكرم سبيل النجاة أمام البشرية؛ و فتح أمامها باب الصلاح؛ وشجّع البشرية على السير في الطريق الذي يمكن أن ينهي مشاكلها ويداوي آلامها. تعاني البشرية منذ القدم من آلآم كثيرة لا تختص بمرحلة واحدة أو زمان معين؛ إنها تحتاج إلى العدل، والهداية، والأخلاق الإنسانية السامية، والإرشاد؛ ويحتاج العقل البشري إلى مساعدة المبعوثين الإلهيين. فتح النبي الأعظم هذا الطريق أمام البشرية بكل سعة الهداية الإلهية واستيعابها. ما كان وسيكون سبباً في عدم انتفاع البشرية من بركات هذه الهداية والعون الإلهي، يعود إلى الإنسان نفسه؛ وإلى جهلنا، وتقاعسنا، وكسلنا، وعدم نشاطنا، و حبنا للهوى والنفس. إذا فتح الإنسان عينيه وشحذ هممه وتقدّم إلى الأمام سيجد الطريق أمامه مفتوحاً لتغلّبه على كافة مشاكله والآمه القديمة، ومعالجة جراحه المزمنة. في مقابل هذه الدعوة هناك دعوة الشيطان الذي عبّأ جنوده وأنصاره وتلاميذه دوماً لمعارضة الأنبياء ووضع البشرية على مفترق الطرق، وعليها أن تختار. الأمة الإسلامية - في مختلف أنحاء العالم الإسلامي - تنظر اليوم برؤية جديدة إلى الشريعة الإسلامية وذلك بعد غفلتها الطويلة وابتعادها عن الحقائق الإسلامية المشرقة طوال مراحل متوالية وقرون عديدة. فتحت الإنسانية اليوم أعينها؛ فتح العالم الإسلامي عينيه على أحكام الإسلام ومعارفه؛ حيث كشفت الفلسفة البشرية الوضعية عن عجزها وضعفها ميدانياً. بوسع العالم الإسلامي اليوم عبر تمسّكه بالشريعة الإسلامية ومعارفها أن يكون رائداً في حركة البشرية نحو التعالي والكمال. العالم اليوم مستعد لتحرّك الأمة الإسلامية. التقدم العلمي البشري - الذي يمتاز عموماً بعزلة الأخلاق والمعنوية والروح الدينية - وعلوم الإنسان ونظرته الجديدة لحقائق عالم الطبيعة يمكن لها أن تكون رصيداً لتحرك الأمة الإسلامية. العالم الإسلامي هو مصدر المعارف والعلوم الإسلامية وسيرة النبي وأحاديثه، وفوق ذلك القرآن الكريم، ويمكن للعالم الإسلامي أن يتحرّك.الأمور التي لا يمكن الشك فيها بالنظر لأحداث العالم وما يجري في عالم السياسة هي: أولاً الصحوة الإسلامية. الكلام الذي أطلقه بغربة مصلحو العالم الإسلامي منذ مائة عام في بلدان مختلفة في غرب العالم الإسلامي وشرقه ، أصبح اليوم شعاراً تطلقه الجماهير: العودة إلى الإسلام، إحياء القرآن، تأسيس الأمة الواحدة ، استعادة عزة العالم الإسلامي والأمة الإسلامية واقتدارهما أفكار كان يطرحها المصلحون كمبادئ وطموحات بعيدة المنال على نطاق محدود بين الخواص، وتبدّلت اليوم إلى طموحات مطروحة وشعارات حيّة لدى الجماهير المسلمة. إذا لاحظتم كل واحد من البلدان الإسلامية - لا سيما شرائح الشباب والمتعلمين والمثقّفين - ستجدون هذه الشعارات حيّة. وهذا ما يدل على حقيقة أن الهوية الإسلامية أصبحت حية في القلوب. طبعاً انتصار الثورة الإسلامية في إيران الإسلامية له دور بارز جداً على هذا الصعيد. الشعب الإيراني بما قدّمه من تضحيات وصمود وبرفعه لواء العزة الإسلامية بثّ روح الأمل بين الشعوب المسلمه وجعلها متفائلة. و تلاحظون نتائج هذا التفاؤل في كل أنحاء العالم الإسلامي والبلدان الإسلامية. هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. أما الحقيقة الأخرى التي لا يمكن إنكارها فهي أن عداء جبهة الاستكبار العالمي للإسلام أصبح اليوم أكثر تنظيماً وجدّاًً وشمولاً، سواء على الصعيد الثقافي، أو الدعايات السياسية، أوالتحرك السياسي، أوالاقتصادي. صحوة العالم الإسلامي أيضاً تمثّل خطراً كبيراً على عالم الاستكبار. القوى الاستكبارية - التي تسيطرعلى جزء كبير من العالم؛ الشبكة الصهيونية العالمية؛ وأمريكا المتغطرسة؛ والأجهرة الاقتصادية التي تدعم نظام الهيمنة العالمي هذا - تشعر بالخطر إزاء صحوة العالم الإسلامي وتتحدث بذلك علناً. وما تمارسه الجبهات المختلفة ضد الإسلام اليوم إنما هو حركة منظمة ومدروسة ومبرمجة. وليس من باب الصدفة أن يكرر أحد رجال الدين المسيحيين البارزين نفس ما جاء على لسان رئيس جمهورية أمريكا الذي يترأس السلطة الشيطانية الاستكبارية من أحاديث مناهضة للإسلام! لا نقصد مؤاخذة الأشخاص، نحلّل القضية فقط. هذا لا يمكن أن يكون مجرد صدفة. إهانة النبي في الصحافة، توجيه التهم للإسلام ووصفه بدين العنف، وتوجيه التهم للشعوب المسلمة، ومن جانب آخر هناك تصريحات رجال السياسة عن الحروب الصليبية؛ وعن معاداة الشعوب المسلمة، والتحدث بذلك صراحة... هذه ليست صدفة. قرر الأعداء كجبهة معاداةٍ للإسلام ممارسة الهجمات التخريبية والعدوانية ، وقد أصبحت هذه العداوة جدية أكثر بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.الحقيقة الثالثة المهمة جداً والملفتة للنظر هي أن الطرف الأقوى ظاهرياً - أي الطرف المتفوق تسليحياً وعسكرياً واقتصادياً - وخلافاً للحسابات الظاهرية والمادية، هزم في هذه المواجهة أمام الأمة الإسلامية والشعوب المسلمة وهذه الحركة الإسلامية العظيمة، ولم يوفق في تحقيق أهدافه. الشيء اللافت للنظر جداً في قضية الشرق الأوسط وخصوصاً قضية فلسطين أو قضايا أخرى في هذه المنطقة - مثل قضية العراق وقضية لبنان - هو أن تدخل القوة الأمريكية الاستكبارية الساحة بكل قدراتها وتمني بالهزيمة؛ هذه حقيقة.هزمت القوى الاستكبارية في فلسطين أيضاً. من كان يخطربباله أن تتولى السلطة بين الفلسطينيين منظمة مناضلة تطلق شعار مواجهة الكيان الصهيوني؟ ومن كان يصدّق أن الهجوم العسكري على لبنان سيخفق بصورة فاضحة على يد مجموعة من المقاتلين المؤمنين المضحين، وهذا ما حدث في حرب الأيام الثلاثة والثلاثين في لبنان؟ ! من كان يصدّق أن أمريكا بكل ما بذلته من مساع في العراق وتجنيد كل تلك القوات، لن تتمكن من فرض إرادتها على الشعب العراقي وجعل العراق بوابة للسيطرة على كل البلدان العربية في الشرق الأوسط والتلاعب بشعوب هذه المنطقة وحكوماتهم. لكن هذه الأمور حدثت. الجانب الذي هزم في كل هذه القضايا هو الجانب الذي كان يتمتع على الظاهر بالاقتدار العسكري، والاقتصادي، والسياسي. هذه حقيقة أيضاً.كانت الهوية الإسلامية هي الجانب المنتصر في هذه المواجهة بين الهويتين الإسلامية والاستكبارية. يجب أخذ هذه الحقائق بنظر الاعتبار. أحياناًً يقولون: يا سيدي! عليكم أن تتعاملوا مع الواقع؛ كونوا واقعيين. هذا هو الواقع. الواقع الذي يجب أخذه بنظر الاعتبار في التحليل واتخاذ القرارات. هذه حقائق لا يمكن تجاهلها فهي مقابل أعيننا.إذا أراد العالم الإسلامي أن يتقدم بحركة عميقة إلى الأمام في طريق النصر وبشكل صحيح، فيجب عليه القبول ببعض الالتزامات، وعلى رأس هذه الالتزامات الاتحاد؛ الاتحاد والانسجام الإسلامي.بث الخصومة والصراع بين الإخوة، من المخططات الأولى للاستكبار والمعروفة منذ القدم؛ سياسة فرّق تسد سياسة قديمة نعرفها ونتحدث بها كلنا. ومع ذلك يستطيع عدونا أحياناً أن يستخدم هذه السياسة ونحن غافلون بسبب اتباعنا الأهواء النفسية، والتحليلات الخاطئة، وانعدام الرؤية النافذة، وترجيح المصالح الشخصية أو قصيرة الأمد على المصالح بعيدة الأمد. لاحظوا اليوم: أن سياسة الاستكبار اليوم تتركز على بث الفرقة بين الفلسطيني والفلسطيني، والعراقي والعراقي؛ والمسلم الشيعي والمسلم السني، وبين المجتمع العربي وغيرالعربي. هذه سياسات معروفة. على الجميع معالجة هذا قبل كل شيء. نحن من جانبنا نرى أن الوحدة بين الأمة الإسلامية أمر ضروري. لذلك أطلقنا على هذا العام اسم الاتحاد الوطني والإنسجام الإسلامي. الانسجام الإسلامي يُعنى في وجه من الوجوه بالعالم الإسلامي كافة؛ وعلى جميع الحكومات الإسلامية والشعوب المسلمة أن ينسجموا، ويتعاونوا فيما بينهم. وبوسع الحكومات الإسلامية أن تلعب دورها في الاستفادة من إمكانيات الشعوب المسلمة لتحقيق هذه الوحدة الكبيرة.ثمة عقبات تحول دون مشروع الوحدة، في مقدمتها وجود الرؤية غير الصحيحة وعدم الاطلاع على الحقائق؛ لا نعلم بأحوال بعضنا؛ ونعيش أوهاماً بخصوص بعضنا؛ و نخطئ فيما يتعلق بعقائد وأفكار بعضنا؛ الشيعي حول السني والسني حول الشيعي؛ وشعب مسلم حول شعب آخر، وحول جاره؛ إنه سوء الفهم الذي يستغله الأعداء بشدة. ومع الأسف يقع البعض بسبب سوء الفهم هذا والتحليل الخاطئ والجهل بمخطط العدو الرئيسي العام، يقعون ألعوبة في أيدي الأعداء ويستغلهم العدو. أحياناً حافز صغير جداً يجبر الإنسان على أن يتحدث بشيء ويتخذ موقفاً معيناً، ويفعل ما يستغله العدو في مخططه الرئيسي ويزيد الهوة بين الإخوة.الدواء المهم والعلاج الرئيسي للعالم الإسلامي اليوم هو الاتحاد، وعلى الجميع أن يتّحدوا. يجب على علماء الإسلام ومثقفيه أن يجتمعوا ويدوّنوا ميثاق الوحدة الإسلامية؛ كي لا يتجرأ الجهلاء المتعصبون المنتمون لهذا وذاك ولهذه الفرقة الإسلامية أو تلك أن يتهموا بكل حرية جماعة كثيرة من المسلمين بالخروج عن الإسلام ويكفرونهم. إعداد هذا الميثاق من الأمور التي يطالب بها التاريخ اليوم مثقفي الإسلام وعلماءه. ستؤاخذكم الأجيال الآتية إن لم تنهضوا بهذا الأمر. تلاحظون عداء أعدائكم تجاهكم! تلاحظون مساعيهم من أجل هدم الهوية الإسلامية وبث الخلاف بين أبناء الأمة الإسلامية! إجتمعوا وعالجوا هذه الأمور؛ ورجّحوا الأصول على الفروع. يمكن أن يكون هناك اختلاف حتى بين أفراد المذهب الواحد في الفروع؛ فلا مانع من ذلك. هناك عدد كبير من النقاط المشتركة؛ على الجميع أن يجتمعوا حول هذا المحور؛ محور النقاط المشتركة. وليحذروا مؤامرات الأعداء وألاعيبهم. يمكن للنخبة والخواص مناقشة المباحث المذهبية فيما بينهم، ولكن يجب أن لا يعكسوا ذلك على جميع الناس. وعليهم عدم تعكير القلوب وتعميق العداوات؛ سواء بين الفرق الإسلامية أو الشعوب المسلمة، أو الجماعات الإسلامية في الشعب الواحد.القضية المهمة بالنسبة للاستكبار هي الإسلام. يرومون ضرب الإسلام، وعلينا جميعاً أن نفهم ذلك. لا فرق عندهم بين الشيعة والسنة. إنهم يشعرون بالخطر أكثر مقابل الشعب أو الجماعة، أو الشخص المتمسّك بالإسلام أكثر، ومعهم الحق في ذلك؛ الحق أن الإسلام يمثل خطراً على أهداف الاستكبار وطموحاته السلطوية، ولا يمثل أي خطر على الشعوب غير المسلمة. لكنهم يدّعون عكس ذلك. إنهم يستخدمون الفنون والدعايات والسياسة ووسائل الإعلام لكي يدّعوا أن الإسلام ضد الشعوب والأديان الأخرى! ليس الأمر كذلك. الإسلام ليس ضد الأديان الأخرى. الإسلام هو ذلك الدين الذي حينما فتح البلدان غير المسلمة، شكر أصحاب الأديان الأخرى رحمة الإسلام وقالواأنتم أرحم بنا من حكامنا السابقين. لما دخل الفاتحون الإسلاميون منطقة الشام، قال لهم اليهود والنصارى الذين كانوا في المنطقة، أنتم أرحم بنا. لقد كانوا عطوفين على الناس. الإسلام دين الرأفة والرحمة؛ رحمة للعالمين. يخاطب الإسلام المسيحية بالقول: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم. فهو يشدد على النقاط المشتركة معهم. ليس الإسلام ضد الشعوب والأديان الأخرى؛ إنه ضد الجور، والظلم، والاستكبار، وحب الهيمنة. والمهيمنون والظالمون والمستكبرون يعكسون هذه الحقيقة في العالم بشكل مقلوب. ويستفيدون من جميع الإمكانيات - من هوليوود حتى الإمكانات الدعائية، والتسليحية والقوات العسكرية - من أجل ترويج نقيض هذه الحقيقة وإثباته للعالم. يعتبر الإسلام والصحوة الإسلامية خطراً ولكن على الاستكبار. إذا شعروا بهذا الخطر في أي مكان يستهدفونه ويوجهون هجماتهم ضده. سواء كان سنياً أو شيعياً. الاستكبار يعامل الحماس في فلسطين كما يعامل حزب الله في لبنان. ذاك سني وهذا شيعي. ينظر الاستكبار إلى المسلمين الملتزمين المتعبدين بنظرة واحدة في كل أنحاء العالم سواء كانوا من الشيعة أو من السنة. فهل من العقل أن تكون نظرتنا بيننا طائفية أو فئوية أو مذهبية؟ وهل من الصحيح أن نتخاصم فيما بيننا؟ وننسى أن عدونا المشترك هدفه هو محونا؛ ونهدر طاقاتنا بهذا الشكل؟على العالم الإسلامي اليوم أن يبذل مساعيه من أجل استعادة عزته واستقلاله؛ وتقدّمه العلمي واقتداره المعنوي أي التمسك بالدين والتوكل على الله والإيمان بالعون الإلهي. و عداتك لعبادك منجزة. وهذا وعد إلهي؛ إنه لوعد إلهي منجز ولينصرن الله من ينصره . على المسلمين أن يدخلوا ساحة التحرك والعمل بالاعتماد على هذا الوعد. ولا ينحصر هذا العمل بالسلاح؛ بل يعتبر أيضاً نشاطاً فكرياً، وعقلياً، وعلمياً، واجتماعياً وسياسياً؛ و يصب كله في سبيل الله واتحاد العالم الإسلامي. هذا ما تنتفع منه الشعوب والحكومات الإسلامية على السواء. إذا كانت الحكومات الإسلامية متصلة ببحر الأمة الإسلامية اللامتناهي لكانت أقوى مما لو كانت معتمدة على سفير أمريكا والسياسي الأمريكي الفلاني، فهذا لا يحقق لها القوة. أما إذا اعتمدت الحكومات الإسلامية على العالم الإسلامي والأمة الإسلامية وهذا البحر العظيم الموّاج، وتقاربت من بعضها، لا يمكن للاستكبار أن يستهدف حكومة إسلامية ويبعدها عن الآخرين؛ ثم ينتقل لاستهداف حكومة أخرى. على الجميع أن يضعوا هذه المسألة نصب أعينهم. وعلى الحكومات الإسلامية أن تحقق وحدتها وانسجامها وتعلم أنها قادرة. وضعنا هذه التجربة أمام الأمة الإسلامية. وضع الشعب الإيراني تجربة صموده واعتماده على الله وقدرته في متناول يد العالم الإسلامي. وبوسع العالم الإسلامي ملاحظتها. مضت 28 سنة على الثورة من بدئها وإلى يومنا هذا. لم يكف الاستكبار يوماً عن العمل والسعي ضدنا خلال هذه الثمانية وعشرين عاماً. ولم يحدث يوماً أن لا نتقدم يومياً إلى الأمام ونحقق مزيداً من التقدم والاقتدار.نسأل الله تعالى أن يشمل كافة الأمة الإسلامية برحمته وألطافه. ونبارك لكم وللأمة الإسلامية كلها هذا العيد العظيم ونسلم على الروح الطاهرة لإمامنا العظيم الذي مهّد هذا الطريق أمامنا. ونسأل الله تعالى أن يرفع من درجات شهدائنا ومضحينا الذين بذلوا مساعيهم للسير في هذا الطريق. ونتمنى أن يشمل دعاء سيدنا بقية الله ( أرواحنا فداه) كافة الشعوب المسلمة.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2007/04/05

كلمته في الحرم الرضوي الشریف بدایة العام الإیراني 1386

بسم‌ اللَّه‌ الرّحمن ‌الرّحيم‌الحمد للَّه ربّ العالمين، و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي ‌القاسم محمّد و على آله الأطيبين‌ الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، سيّما بقيّة اللَّه في الأرضين.ربّنا عليك توكّلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.عيد رأس السنة يستدعي في هذه المرّة تبريكين. أحدهما تبريك لمناسبة عيد النوروز، و التبريك الآخر لمناسبة حلول شهر ربيع المولد النبوي؛ الذي كانت فيه ولادة النيّر الأعظم و النبي المكرّم الرسول محمّد بن عبد الله (صلی الله علیه و آله و سلم). و عيد النوروز من الأعياد المباركة بالنسبة لنا نحن الإيرانيين.الناس يبدأون السنة الجديدة بذكر الله، و يسألونه تبارك و تعالى أن يحوّل حالهم إلى أحسن الحال. و بالإضافة إلى ما ذُكر، فإنَّ هذه السنة يُضاف فيها إلى بركات هذا العيد، ما اكْتُنِز من ذخيرة معنوية خلال التوجّه و التوسّل في شهري محرم و صفر. أنتم أيّها الحشد الحاضرون في هذا الصحن، و قد تشرفتم بزيارة ضريح الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام)، لكم نصيب أوفر من البركات. و بالنسبة إليّ، يُمثل هذا الموقف فرصة مناسبة لكي أتحدّث في بداية السنة حول بعض القضايا التي ستکون ذات فائدة لنا بإذن الله. إنَّ بداية السنة فرصة ثمينة في سبيل ترسيخ الإرادة الوطنية، و من أجل إضفاء البركة على أعمارنا في هذه السنة. فنحن أبناء الشعب الإيراني إذا ركّزنا كلّ عزمنا منذ أوّل السنة على أن نجعل هذه السَنة سَنة زاخرة بالعطاء بالنسبة لنا، بما نبذله من جهد و بما نقوم به حركة، فمن المؤكد ان الله عزّ و جلّ سيكون في عوننا. و لا شك طبعاً في أن جوهر هذه الإرادة الوطنية و الكبرى، هو النيّة الخالصة و العزم على نيل مرضاة الله، و الرغبة الجادّة في السير على الصراط المستقيم، ثمّ التعرّف على موقعنا و وضعنا، و مكانتنا في ظروف عالم اليوم و التحدّيات التي تواجه شعبنا، و التعرّف على الخطوط العريضة لمواجهة التحدّيات. و هذا شرط لنجاح أيّ شعب حيّ. أي أن يعرف الشعب وضعه، و مكانته و ظروفه بشكل صحيح، و أن يرسم خططه وفقاً لمتطلّبات هذه الظروف، و أن يعقد العزم و يصمم تصميماً قاطعاً على مواجهة ما يعترض الإنسان في هذا الطريق بشكل طبيعي. و إنني استثمر هذه الفرصة لأتحدّث في هذه الساعة التي أكون فيها معكم، حول هذه المجموعة من القضايا و الأمور.إنَّ القضية الأساسية بالنسبة إلينا نحن الإيرانيين ـ و التي ينبغي أن نضعها نصب أعيننا على الدوام ـ هي أن شعبنا و مجموعنا نحن أبناء الشعب الايراني قد رسمنا لأنفسنا هدفاً سامياً، و واصلنا متابعة هذا الهدف على مدى العقود التي أعقبت انتصار الثورة. و أنا كلّما أنظر أجد أن لدينا القدرات اللازمة لأجل الوصول إلى هذا الهدف. و هذا الهدف الكبير يتمثّل في شموخ الشعب الايراني، و أن نغدو مثالاً بين الشعوب الإسلامية، إن من حيث الجانب المادي، و إن حيث الجانب المعنوي. و معنى هذا الكلام هو أن يترقّى شعبنا مادياً و معنوياً، و أن يكون له استقلاله الوطني و كرامته الوطنية، و أن تكون له قدراته و امكاناته الوطنية؛ و أن يتمكّن من استثمار جميع طاقاته؛ و أن يتمتّع بالرفاه العام، و أن تسود حياته العدالة العامّة و العدالة الاجتماعية. و الشعب في هذه الحالة سيغدو قدوة و نموذجاً لجميع الشعوب الإسلامية، بل و حتّى الشعوب غير الإسلامية. فشعبنا يتطلّع إلى أن يكون شعباً حراً، و مرفهاً، و مؤمناً، و أن يكون بلده بلداً عامراً و مزدهراً و متقدّماً. هذا هو هدف الشعب الايراني.هذا الهدف لا اختلاف فيه؛ فهنا تُنحّى التناحرات الحزبية و الاختلافات السياسية جانباً؛ فهذا الهدف موضع قبول جميع أبناء الشعب الايراني. فالشعب الايراني كلّه يصبّو الى هذا الهدف و هو توّاق إلى أن يكون بلدنا عامراً، و أن يكون شعبنا حرّاً و شامخاً، و أن نستفيد من طاقاتنا الوطنية على أحسن وجه، و أن نكون في الطليعة، رافعين راية العدالة الاجتماعية بأيدينا، و أن نسير حاملين لواء الايمان الإسلامي في مقدّمة جميع الشعوب الإسلامية. و نحن قادرون على الوصول إلى هذا الهدف؛ فمعرفتنا بقدراتنا الوطنية تمنحنا هذا الأمل من جانب، كما أن التجارب تثبت صوابه من جانب آخر.الشعب الايراني شعب ذو قدرات و مؤهلات، و يتّصف بالصلابة و الثبات، و يتحلّى بالحمية الدينية و الحمية الوطنية، و هو يؤمن إيماناً عميقاً بالإسلام، و يحب وطنه حبّاً جماً؛ فهذه الامور تمنحنا الأمل و الثقة بأنّ شعبنا قادر على الوصول إلى هذا الهدف؛ و هو ليس هدفاً بعيد المنال. و هذا ما ثبت لنا بالتجربة أيضاً.لاحظوا، إنّنا قد بقينا خارج ساحة المنافسات العالمية على مدى سنوات طويلة بسبب تسلّط الحكومات الفاسدة و المرتبطة بالأجنبي. فالشعب الايراني الذي كان يوماً رائداً في العلم و الثقافة، أصبح بسبب تسلّط الملوك الجبابرة و القوى التي كانت بمعزلٍ عن الشعب، وصل به الحال إلى أن أقصي عن ساحة السباق منذ ما يقارب المائتي سنة فصاعداً، حيث بدأ السباق العلمي و السياسي في العالم، إنّ أيّ شعب إذا لم يدخل إلى ساحة التنافس فمن الطبيعي أن قواه و طاقاته تأخذ بالاضمحلال و الاندثار، و تتقلّص نجاحاته و انجازاته. فلو افترضنا أنّ هناك فريقاً رياضياً، لديه القدرة، و لديه النشاط، و الرغبة في العمل، إذا مُنع هذا الفريق من الدخول إلى ساحات التنافس و خوض المباريات الرياضية، فمن الطبيعي أن تتناقص قواه و تضمحل و تتلاشى. و قد قاموا بهذا العمل مع شعبنا.في ذات الوقت الذي كانت القوى المرتبطة بالأجنبي، و القوى الفاسدة، و القوى العديمة الكفاءة، و الملوك الظلمة قد جلبوا مثل هذا الوضع على شعبنا، على مدى سنوات طويلة، بمجرد أن فتحت الأبواب نحو هذا الطريق أمام شعبنا على يد الثورة الإسلامية، و دخل شعبنا في خضم التنافس و السباق العالمي، و إذا به یحقّق انجازات كبرى. لقد أصبح شعبنا اليوم شعباً ذا سمة متميّزة و معروفاً على صعيد العالم في المجالات العلمية من جهة و في المجالات السياسية من جهة أُخرى. أصبح شعباً معروفاً بين الشعوب في المجالات العلمية؛ فنحن بالنسبة إلى هذا الزمان متقدّمون. و من الطبيعي أن التخلّف الذي عشناه على مدى مائتي سنة لا يمكن تعويضه خلال عشرين أو ثلاثين سنة؛ غير أنّنا على مدى هذه العشرين و نيّف من السنين تقدّمنا بسرعة تفوق هذه المدّة الزمانية كثيراً. فإذا نظرتم تجدون ان شبّاننا قد أحرزوا تقدّماً فائقاً في مجال الطاقة الذرية، و في مجال الخلايا الجذعية، و في مجال التلف النخاعي و في عشرات المجالات الأُخرى التي لو تعرّف عليها شعبنا كما ينبغي، لملأته البهجة. الوجوه العلمية البارزة في بلدنا استطاعت أن تكون اليوم شخصيات لامعة في العالم، و تنال ثناء شعوب العالم.وهكذا الحال في مجال التنافس السياسي أيضاً. اليوم حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران في المجال السياسي ـ سواء على المستوى الاقليمي أو على المستوى الدولي ـ يُنظر إلى خطابها على انه من الخطابات التي تحظى بالكثير من الأنصار، و كلامها مسموع. و مسؤولو بلدنا أعلام بارزة و متميّزة سواء في الاوساط العالمية، أو في زياراتهم إلى البلدان، و في ما يتّخذونه من المواقف. إنَّ مثل هذا الوضع بالنسبة إلى شعبنا يدلّ على استعداد هذا الشعب و على قدرته على التقدّم و على الدخول إلى هذه الميادين.لقد استطاع شعبنا أن يدخل مفاهيم جديدة في ثقافة السياسة الدولية. العالم لم يكن يعرف سيادة الشعب الدينية [= الديمقراطية الدينية]، أمّا اليوم فقد أصبح شعار سيادة الشعب الدينية شعاراً تتطلّع إليه جميع الشعوب الإسلامية. و لم يكن العالم يدري تعريف نظام الهيمنة؛ فوضع له شعبنا تعريفاً و أدخله هذا التعريف في قاموس السياسة الدولية. و كذلك قضية جعل الدين محوراً في السياسة، و القانون، و إدارة شؤون البلاد؛ هذه كلّها مفاهيم جديدة استطاع شعبنا أن يطرحها على صعيد العالم. إذن، فنحن قادرون على الدخول في المسابقات العالمية ـ التسابق العلمي، و التسابق السياسي، و التسابق الصناعي، و التسابق الاقتصادي ـ و التسابق الثقافي ـ و لدينا الأمل بنيل النجاح و التوفيق خلال مدّة وجيزة، و على المدى البعيد لدينا أمل بالتفوّق. هذا هو وضع شعبنا.لكن هذا الطريق الذي يريد الشعب الايراني السير عليه، ليس طريقاً معبّداً أو خالٍ من المعوّقات. بل إنّنا نواجه على هذا الطريق تحديات.و نحن نواجه عدوّين كبيرين. و أنا اليوم أُبيّن هذين العدوين و أصوّرهما لكم لنر أنا و أنتم ما الذي ينبغي أن نفعله أمام هذين العدوّين. فعلى أي شعب أن يعرف عدوّه و يعرف مخططاته لكي يأخذ الأهبة و الاستعداد لها. نحن نواجه عدوّين؛ أحدهما عدو خارجي، و الآخر عدو داخلي. و العدو الداخلي أخطر. و لكن ما هو هذا العدو الداخلي؟ العدو الداخلي هو تلك العادات السيّئة التي قد تكون فينا. و منها التكاسل، و فقدان الاندفاع إلى العمل، و اليأس، و الأنانية المفرطة، و سوء الظن بالآخرين، و سوء الظن بالمستقبل، و فقدان الثقة بالنفس ـ فلا ثقة للشخص بنفسه ذاته و لا بشعبه ـ فهذه الأمور التي ذكرتها كلّها أمراض. و إذا كان العدو الداخلي بكلّ مظاهره هذه موجود فينا، فسيغدو وضعنا صعباً. و كثيراً ما كان العدو الخارجي للشعب يسعى إلى تكريس هذه الأمراض و هذه الصفات السيّئة في نفوس أبناء الشعب الإيراني، موحياً إليهم بأنّكم: «لا تستطيعون»، و «ليست لديكم القدرة»، و «مستقبلكم مجهول»، و «الأفق أمامكم مظلم»، و «قد أصبحتم بائسين»، و «أصبحتم ممتهنين». كان اهتمامهم ينصبّ على جعل شعبنا شعباً يائساً، و كسولاً، و عديم الثقة بنفسه، و متراخياً، و ينظر بعين الاستجداء إلى الأجنبي؛ هذه هي مظاهر العدو الداخلي. على امتداد السنوات التي سبقت ظهور الحركة الإسلامية في بلدنا، كان هذا هو البلاء الأساسي الذي ابتلي به شعبنا. و أي شعب يبتلی بمثل هذه الأمراض، من غير الممكن أن يتقدّم. و إذا كان هناك شعب يتّصف أبناؤه بالكسل، و اليأس، مع فقدان الثقة بالذات، و عدم وجود علاقات وثيقة في ما بينهم، و كلّ منهم يسيء الظن بالآخر، و ليس لهم أي أمل بالمستقبل، فمثل هذا الشعب لن يتقدّم أبداً؛ فهذه الأمراض أشبه بالأرضة التي تنخر قواعد البناء من داخلها، فتهدّه من أساسه. و مثل الدودة التي تجد طريقها إلى باطن ثمرة فتفسدها. هذه الصفات السيّئة ينبغي مكافحتها. شعبنا يجب أن يكون مفعماً بالأمل، و أن تكون له ثقة عالية بنفسه، و أن تكون نظرته إلى المستقبل نظرة مشرقة، و أن يكون توّاقاً إلى التقدّم، و مؤمناً بالقيم المعنوية التي تكون بمثابة العون له على هذا الطريق. و نحن نحمد الله علی أن شعبنا يتحلّى اليوم بمثل هذه الثقة بالنفس، و لديه مثل هذا الأمل. و يجب الاستزادة من ذلك. و نحن إذا استطعنا إجهاض هؤلاء الأعداء في داخل ذاتنا، و في أنفسنا، و في الثقافة العامّة لمجتمعنا، فلن يستطيع العدو الخارجي أن ينال منا أو يلحق الضرر بنا.و أمّا بالنسبة إلى العدو الخارجي، فإنّ العدو الخارجي الذي نقصده هو نظام الهيمنة الدولية؛ أعني بالذات ما نطلق عليه تسمية الاستكبار العالمي. إنّ الاستكبار العالمي و نظام الهيمنة، يقسّم العالم إلى مهيمنين و خاضعين للهيمنة. و إذا أراد شعب أن يقف بوجه المهيمنين للدفاع عن مصالحه، فإنّ المهيمنين يتكالبون على معاداة ذلك الشعب؛ و يمارسون الضغوط عليه، و يحاولون تحطيم قدرته على المقاومة. هذا هو العدو لأي شعب يتطلّع إلى الاستقلال و العزّة و الكرامة و التقدّم و عدم الخضوع لتسلّط قوى الهيمنة. هذا هو العدو الخارجي. يتجسّد هذا العدو اليوم في اخطبوط الصهيونية العالمية و الحكومة الحالية للولايات المتّحدة الأمريكية. و هذا العداء ليس جديداً طبعاً، إنّه عداء قديم و إنّما تتغيّر أساليبه. و لكن سياسة معاداة الشعب الايراني كانت متواصلة منذ أوّل الثورة إلى يومنا هذا. و قد مارسوا غاية ما يستطيعون من الضغوط. و لكن ذلك كلّه كان عبثاً، و لم تنجح ضغوطهم في النيل من عزيمة الشعب الإيراني أو إرغامه على التراجع؛ لا الحصار الاقتصادي، و لا التهديد العسكري، و لا الضغوط السياسية، و لا الحرب النفسية. فنحن اليوم أقوى بكثير ممّا كنّا عليه قبل خمس عشرة سنة، أو قبل عشرين سنة أو قبل سبع و عشرين سنة. و هذا يدلّ على أن العدو قد خاب في عدائه للشعب الايراني و لنظام الجمهورية الإسلامية؛ إلا إنّ هذا العداء موجود.اليوم هنالك تناقض في العالم. فالشعب الإيراني في نظر الشعوب الإسلامية و في نظر الشعوب الأخرى ـ شعوب آسيا، و شعوب افريقيا، و شعوب أمريكا اللاتينية، و شعوب منطقة الشرق الاوسط ـ شعب شجاع و مدافع عن الحق و العدالة، و يقف في مواجهة الغطرسة و التجبّر. هكذا عرفوا الشعب الايراني. و هم يثنون على الشعب الايراني و يمجّدونه. و لكن الشعب الايراني و نظام الجمهورية الإسلامية الذي يحظى إلى هذا الحد بثناء الشعوب، متّهمٌ مِن قبل القوى المتغطرسة بنقض حقوق الإنسان، و متهم بتهديد السلام العالمي، و متهم بدعم الارهاب! و هذا تناقض طبعاً؛ تناقض بين نظر الشعوب و بين ارادة القوى الكبرى. هذا التناقض فيه تهديد لنظام الهيمنة العالمي. فهم آخذون بالابتعاد عن الشعوب يوماً بعد آخر؛ و هذه الحالة أحدثت شرخاً واسعاً في بنية الليبرالية الديمقراطية الغربية. و هذا الشرخ آخذٌ بالاتّساع يوماً بعد يوم. إنّ دعايات الاستكبار قادرة على التكتّم على الحقائق حتّى حين؛ و لكنّها غير قادرة على كتمان الحقائق إلى الأبد؛ فالشعوب تزداد وعياً يوماً بعد يوم. إذا نظرتم تلاحظون أن رئيس الجمهورية الايرانية حينما يسافر لزيارة بلدان في آسيا، أو بلدان في أفريقيا، أو في أمريكا الجنوبية، تخرج الجماهير هناك في تظاهرات ترحيب، و تطلق شعارات التأييد و تعلن عن دعمها و تأييدها له؛ رئيس جمهورية أمريكا يسافر أيضاً إلى بلدان أمريكا الجنوبية ـ و هي ما تُسمّى بالحديقة الخلفية لأمريكا ـ فتضرم الشعوب النار في علم أمريكا و تحرقه احتجاجاً على مَقدمه ـ و هذا يعني اهتزاز أسس الليبرالية الديمقراطية التي يزعم الغرب اليوم و في مقدّمته أمريكا رفع لوائها. فالتناقض أخذ يزداد و يتّسع يوماً بعد آخر بين إرادتها و بين تطلعات الشعوب و ميولها. يتحدّثون عن الديمقراطية، و عن حقوق الإنسان، و عن الأمن العالمي، و عن مكافحة الإرهاب، غير أن سرائرهم الشريرة دالة على نزعتهم الميالة إلى إثارة الحروب، و تشير إلى سحقهم لحقوق الشعوب، و تحكي عن نهمهم الوافر الذي لا يُشبع لمصادر الطاقة العالمية. و هذا ما تراه الشعوب بكلّ وضوح. في كلّ يوم يتناقص اعتبار الليبرالية الديمقراطية و اعتبار أمريكا ـ المتصدية لرفع لواء الليبرالية الديمقراطية ـ في أعين الشعوب. و في مقابل ذلك يزداد شأن و اعتبار إيران الإسلامية. الشعوب تعلم أنّ الأمريكيين يكذبون في مزاعمهم بالدفاع عن حقوق الإنسان. و المثال على ذلك مواقفهم من بلدنا. ايران في زمان الطاغوت ـ في عهد النظام البهلوي ـ كانت برمّتها في قبضة الأمريكيين. و كان الأمريكيون يهيمنون على ايران بكلّ أرجائها. كانوا يبنون القواعد العسكرية في ايران من أجل السيطرة على تحركات الدول العربية في المنطقة؛ و كانوا يريدون مراقبتها انطلاقاً من القواعد الموجودة في ايران. و كانت ايران حليفة لاسرائيل. كانت أسوأ النظم الاستبدادية تحكم هذا البلد. كانوا يعذّبون المناضلين في السجون؛ و كانت كلّ أرجاء البلاد تعيش في حالة من الكبت و الرعب ـ و منها مدينة مشهد هذه، و طهران، و جميع المدن الاخرى ـ تحت وطأة جلاوزة النظام الطاغوتي؛ فكانوا ينهبون نفطنا؛ و كانوا يوظّفون الأموال العامّة و الثروات الوطنية لصالح الحكام و لمنفعة الأجنبي؛ و كانوا يمنعون الشعب الايراني من الاسهام في السباق العلمي و الصناعي الجاري في العالم؛ و كانوا يحقّرون الشعب الايراني. كانت ايران يومذاك الحليف الرئيسي لأمريكا في هذه المنطقة؛ و كان زعماؤها محبوبون لدى أمريكا؛ و لم تكن هناك أيّة ادانة و لا اعتراض ضد تلك الحكومة الطاغوتية على نقضها لحقوق الإنسان و نقضها للديمقراطية. اليوم إيران بلد حرّ؛ و بهذا الحكم الديمقراطي الواضح ـ فنظامنا الديمقراطي قلّما تجد له نظيراً في العالم ـ و بهذه الصِلة الوثيقة بين الشعب و مسؤولي البلد؛ تعد إيران هذه من وجهة نظر الأمريكيين، و من وجهة نظر حكومة أمريكا و ساسة أمريكا بلد غير محبّذ؛ و هذا يكشف عن توجّه الاستكبار العالمي إزاء الحقائق الموجودة في العالم. و بطبيعة الحال فإنّ الأمريكيين لم يجنوا أيّة فائدة من هذا العداء، و لن يجنوا منه فائدة أبداً. فالشعب الإيراني يكتسب المزيد من القوّة يوماً بعد يوم، و قيم الثورة تغدو أكثر نماءً و سناءً يوماً بعد آخر.تقع علينا مجموعة من الواجبات إزاء هذين العدوّين. ففي البداية ينبغي معرفة العدو، و من بعد ذلك يجب التعرّف على مخططاته. فأعداؤنا الخارجيون لديهم اليوم مخططاتهم إزاء الشعب الإيراني. فنحن نرسم سياساتنا بخطة خمسية، و نضع خطة الأفق الاستشرافي على مدى عشرين سنة؛ لكي نعيّن المسار الذي نسلكه. و كذلك الحال بالنسبة إلى عدوّنا؛ فهو أيضاً يرسم المخططات لنا، و له سياساته إزاءنا. و علينا أن نكون على معرفة بسياسته.أستطيع تلخيص مخططات الاستكبار العالمي ضد الشعب الإيراني في ثلاث جمل: الأولى: الحرب النفسية؛ الثانية: الحرب الاقتصادية؛ الثالثة: مجابهة التقدّم و الاقتدار العلمي. تتلخص عداوات الاستكبار مع شعبنا في هذه الامور الثلاثة الرئيسية. هذه الامور ينبغي طبعاً أن يجري توضيحها لشعبنا أكثر من قبل الأجهزة الاعلامية و وسائل الاعلام و الشخصيات السياسية. و لكنّني أعرض على أسماعكم هنا نبذة عن كلّ واحدة من القضايا الثلاث الآنف ذكرها.ما هي الحرب النفسية و ما هدفها؟ هدف الحرب النفسية هو بث الرعب. و لكن من الذي يريدون إرعابه؟ إنّ الشعب لا يصيبه رعب، و جماهير الشعب العظيمة لا يصيبها رعب. فمن الذي يريدون إرعابه؟ إنّهم يريدون أرعاب المسؤولين، و الشخصيات السياسية، أو كما يقال يريدون إرعابنا نحن النخبة. إنّهم يريدون تطميع مَن يمكن تطميعه. و يريدون زعزعة الإرادة العامّة. يريدون تغيير فهم الناس لواقع مجتمعهم. هذا هو هدف الحرب النفسية. الشخص السليم إذا قيل له مائة مرّة أنت مريض، صحّتك ليست على ما يرام، تراه يستشعر في نفسه أنّه مريض. و على العكس من ذلك، إذا كان الشخص مريضاً و قالوا له مائة مرّة إنّ صحتك جيدة، فهو يشعر بالصحّة و التحسّن. يريدون تغيير واقع بلدنا في نظر شعبنا عن طريق التلقين و الإيحاء. إنّ شعبنا شعب ذو كفاءة، و لديه قدرات، و لديه مؤهلات، و لديه ثروات طبيعية هائلة. مثل هذا الشعب يمكن أن يكون شعباً ريادياً. و لا مبرر يدعو إلى أن يكون هذا الشعب يائساً؛ بيد انّهم يريدون قلب الواقع و إشاعة اليأس في قلوب أبناء الشعب، و يريدون زعزعة ثقة أبناء الشعب بالمسؤولين. فإذا كان الشعب يثق بالحكومة و بالمسؤولين فهذه نعمة كبرى لأي بلد؛ غير انّهم يريدون انتزاع هذه النعمة، و سلب ثقة الشعب بنفسه و بمسؤوليه؛ إنّهم يهددون الناس بالاشاعات، و بالحصار الاقتصادي، و بالعنف؛ و في الاعلام يستبدلون مكان المدّعي و المتّهم. إنّ أمريكا اليوم متّهمة، و الشعوب هي المدّعية ضدها. نحن اليوم ندّعي الحق على أمريكا. أمريكا متّهمة بالتطاول الاستكباري، و بإنشاء المستعمرات، و إثارة الحروب، و الاحتلال العسكري، و إيجاد الفتن. فنحن أصحاب الحقّ، و نحن المدّعون. و لكنّهم يريدون وضع أنفسهم في موضع المدّعي، و جعل الشعب الإيراني في موضع المتّهم. إنَّ أوضاع حقوق الإنسان في أمريكا نفسها تدعو إلى الأسف، و حالة فقدان الأمن موجودة هناك. ففي عام واحد، و هو عام 2003، أعلنوا أن هناك ثلاثة عشر مليون معتقل في أمريكا! هناك يصدرون أوامر للسماح بالتعذيب، و للسماح بالتنصّت على المكالمات الهاتفية. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وقعت قبل عدّة سنوات، حققوا مع ملايين الأشخاص. ينبغي أن يتحمّلوا مسؤولية الأجواء غير الآمنة في أمريكا، و ما يقومون به في خارج أمريكا من تعذيب في سجون أبي غريب، و غوانتانامو، و السجون السرية في أوربا و البقاع الأُخرى من العالم. فهم متّهمون، و هم ينقضون حقوق الإنسان، ثم بعد ذلك يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، و يريدون محاسبة الشعب الإيراني أو أي مكان آخر في العالم تدفعهم أهواؤهم إلى محاسبته، بأنّكم قد انتهکتم حقوق الإنسان! فالإرهاب هم الذين يروّجون له، و ممارسات الحرب النفسية هم الذين يقومون بها.إنَّ جزءاً من الحرب النفسية التي يمارسها العدو، يركّز على إذكاء الاختلافات. إذ انّهم يشيعون و يروّجون للاختلافات القومية، و الاختلافات المذهبية ـ بين الشيعة و السنّة ـ و الاختلافات الحزبية، و الاختلافات المهنية، و التنافس المهني في بلدنا. و لهم هنا في داخل بلدنا عملاء و أيدٍ خفية تنفّذ لهم مآربهم بطرق و أساليب شتّى. و هم ما انفكوا يبثّون الإشاعات. و يتّهمون إيران بالتدخّل في شؤون العراق. فالذين جاءوا و احتلوا العراق، و استخفّوا بالشعب العراقي، و أهانوا النساء، و الرجال، و الشباب العراقيين بمختلف أنواع الإهانة، بل و لا زال الجنود الأمريكيون و البريطانيون في العراق يتصرّفون بأسوأ أنواع السلوك، هؤلاء أنفسهم يتّهمون إيران بالتدخّل في شؤون العراق. يوم كانت الحكومة الأمريكية و الكثير من الدول الغربية تدعم صداماً البعثي المعدوم، كان الشعب الايراني قد فتح ذراعيه لاستقبال أحرار العراق؛ فقد جاء أحرار العراق إلى هنا و نحن حفظناهم من شرّ صدام؛ و هؤلاء هم الذين تسلّموا مقاليد الحكم و السلطة في العراق. إنّ الإرهاب في العراق يجري بدفع من أجهزة تجسّس أمريكا و بريطانيا و إسرائيل. إنَّ ما يجري في العراق من تناحر بين الاخوة ليس ناتجاً عن حرب بين الشيعة و السنّة؛ فالشيعة و السنّة عاشوا في العراق سوية على مدى قرون و لم تقع بينهم حروب. و الكثير من العوائل العراقية بعض أفرادها شيعة و البعض الآخر سنّة، يتزوّجون من بعضهم الآخر و يعيشون سويّة. و هذه الاغتيالات هم الذين افتعلوها. و هم الذين يستفيدون من حالة الانفلات الأمني.و أمّا بالنسبة إلى ما يُثار حول نفوذ الشيعة و الدعوة إلى التشيّع من قِبل ايران، و الهلال الشيعي و ما شابه ذلك من الأقاويل، فهي من إشاعاتهم. فمن جوانب حربهم النفسية: أوّلاً: إثارة الاختلاف بين أبناء الشعب الإيراني، ثانياً: إيجاد خلافات بين الشعب الإيراني و الشعوب الإسلامية الأُخرى. فقد كانت سياسة أمريكا ترمي إلى تخويف جيراننا في الخليج الفارسي من نظام الجمهورية الإسلامية. و البعض منهم طبعاً يدرك هذه المؤامرة عن وعي و فطنة، و البعض الآخر ربّما يُخطئ و يقع في شباك هذه المؤامرة الأمريكية. و قد كُنّا على الدوام نمدّ يدَ الصداقة نحو جيراننا في الخليج الفارسي ـ الذي تعود الحقول الأساسية للنفط في العالم إلى مجموعة دوله ـ و نحن الآن أيضاً أصدقاء و نمدّ يد الصداقة. و نحن نعتقد أنّ دول منطقة الخليج الفارسي يجب أن يكون بينها حلف دفاعي مشترك و يجب أن تتعاون في ما بينها. فلا ينبغي أن تأتي أمريكا و بريطانيا و الأجانب و الآخرون و الطامعون للدفاع عن هذه المنطقة المهمّة. فنحن الذين يجب أن نحافظ على أمن هذه المنطقة. و هذا يمكن من خلال التعاون مع بلدان الخليج الفارسي. و بهذه المناسبة أقدّم نصيحة أخوية للعناصر السياسية الداخلية، و هي أن يكونوا على حذر، و لا يتحدّثوا و لا يتخذوا المواقف بالشكل الذي يساعد العدو على الوصول إلى مآربه، عليهم أن لا يساعدوا العدو. اليوم كلّ من يبثّ اليأس في نفوس الناس، و لا يثق بنفسه، و لا بالمسؤولين، و لا بالمستقبل، فهو يساعد العدو. اليوم كلّ من يؤجّج الاختلافات ـ من أي نوع كانت ـ فهو يساعد عدو الشعب الإيراني. فأصحاب الأقلام، و ذوو البيان و الخطابة، و أصحاب و سائل الإعلام، و كلّ من له مكانة، يجب أن يحذروا؛ و لا ينبغي أن يسمحوا للعدو بالاستفادة منهم. إنّ الحرب النفسية تمثل أحد أهم الجوانب في حرب العدو ضد الشعب الإيراني.الحرب الاقتصادية هي الجانب الآخر. يريدون أن يعاني الشعب الايراني عسراً في القضايا الاقتصادية. و أنا أقول إن الساحة مفتوحة أمام الشعب الايراني للتحرّك الاقتصادي. إنّ ساحة العمل الاقتصادي مفتوحة من خلال سياسات المادة 44 التي أُحيلت إلى الحكومة، و الحكومة جادّة في المضيّ في تحقيقها، بل و ينبغي أن تتولّى متابعتها؛ و هذا المجال ليس مفتوحاً أمام الأثرياء فحسب، بل حتّى أمام أفراد الشعب الآخرين. ففي هذا العام و على مدى السنة أو السنتين المقبلتين، يفترض أن يكون اتجاه الحكومة و اتجاه الناشطين في البلد، اتجاهاً اقتصادياً. نحن نستطيع أن نجعل من اقتصادنا اقتصاداً مزدهراً. يهددوننا بفرض حصار اقتصادي علينا. و لكن الحصار الاقتصادي لا يمكنه إلحاق الضرر بنا. ألم يفرضوا علينا حصاراً حتّى الآن؟ نحن في ظل الحصار الاقتصادي استطعنا الوصول إلى الطاقة النووية؛ و في ظل الحصار الاقتصادي أحرزنا تطوّراً علمياً؛ و بوجود الحصار الاقتصادي أنجزنا هذا البناء و الإعمار الواسع على مستوى البلد. فالحصار الاقتصادي حتّى يمكن أن يكون في صالحنا في ظروف معيّنة؛ حيث أنّه يدفعنا نحو المزيد من الجهد و العمل المثابر. إنَّ الاتجاه الذي يسير عليه البلد في هذا العام الذي نحن الآن في مستهلّه، و على مدى السنتين القادمتين، يجب أن يكون اتجاهاً اقتصادياً. ينبغي أن يستفيد الجميع من سياسات المادة 44. و الفرصة متاحة لمن لديهم القدرة على الاستثمار، و حتّى لمن يستطيعون الاستثمار عن طريق المشاركة و الأسهم. جميع الأفراد و الجماعات المختلفة لأبناء الشعب يستطيعون الاستثمار؛ يمكنهم المساهمة في هذا المجال عن طريق الشراكة. و بالإضافة إلى أسهم العدالة التي تشمل ما يقارب العشرة ملايين شخص ـ و هم أفراد الطبقات الفقيرة من المجتمع ـ يستطيع بقية أفراد المجتمع الاستفادة من هذه السياسات. و يتعيّن على المسؤولين الحكوميين أن يبيّنوا للناس سبل المشاركة في النشاطات الاقتصادية. فهذه السياسات بمعنى إنتاج ثروة عامّة للمجتمع. فإنتاج الثروة لا مانع منه في الرؤية الإسلامية. إنتاج الثروة يختلف عن نهب ثروات الآخرين. ففي بعض الأحيان قد يتطاول أحد على الأموال العامّة، و في بعض الأحيان قد يحصل شخص على ثراء مادّي بطرق غير مشروعة و بعيدة عن القانون. و هذا ممنوع طبعاً. و امّا إنتاج الثروة بالطرق المشروعة فهو شيء محبّذ و مستحسن في نظر الإسلام و في الشرع المقدّس. فلينتجوا الثروات، و لكن إلى جانب ذلك عليهم الامتناع عن الإسراف. الإسلام يدعونا إلى إنتاج الثروة، و يأمرنا بعدم الإسراف. فالنزعة الاستهلاكية المفرطة لا يرتضيها الإسلام. فما تحصلون عليه من إنتاج الثروة عليكم توظيفه لانتاج ثروة أُخرى. فلا تجعلوا المال راكداً و غير منتج ـ و هو ما يُسمّى في الإسلام بالاكتناز ـ و لا تسرفوا و لا تبذّروا في المال و لا تنفقوه في مصارف غير ضرورية؛ و لكن بين هذا و ذاك انتجوا المزيد من الثروة لأنفسكم. إذ أن ثروة كلّ واحد من أبناء الشعب تدخل ضمن ثروة عموم البلد، و الجميع ينتفع منها. هذا هو جوهر المادة 44، و هذه هي سياسات المادة 44. حيث ينبغي أن تتنوع مصادر الدخل لكلّ فرد من أفراد الشعب، و خاصّة الشرائح الفقيرة، و ليتسنَّ للناس أن يكونوا في بحبوحة؛ فهذه خطوة واسعة على طريق الرفاه العام.في ما يخصّ مواجهة التقدّم العلمي، مثالها الواضح و المهم هو قضية الطاقة النووية. في التصريحات، و في المفاوضات السياسية و غيرها يقولون إنّ الدول الغربية لا توافق على أن تكون لدى إيران قوة نووية؛ طيّب، حتّى و إن لم يوافقوا. و هل طلبنا نحن الإذن من أحد للحصول على الطاقة النووية؟ و هل دخل الشعب الايراني إلى هذا المجال بإذن من الآخرين لكي يقولوا إنّنا لا نوافق؟ و ليكن. فالشعب الايراني موافق على هذا الأمر و لديه طموح لامتلاك هذه الطاقة. في السنة الماضية قلت هنا في تجمع اليوم الاول من السنة إن الطاقة النووية لبلدنا ضرورة، و حاجة على المدى البعيد. و إذا تهاون مسؤولوا البلد اليوم في الحصول على الطاقة النووية فإنّ الأجيال القادمة ستؤاخذهم. الشعب الايراني و هذا البلد بحاجة إلى الطاقة النووية و إلى هذه القوّة من أجل الحياة، و ليس من أجل السلاح. هناك أشخاص يكرّرون الأقوال التي يطرحها العدو، و يقولون: يا أخي! ما الداعي إلى ذلك؟ و ما الضرورة للمخاطرة بمستقبل البلد؟ و لكن هل إهمال و تجاهل الحاجة المستقبلية للبلد أمر طبيعي و لا إشكال فيه؟ و هل يجوز لمسؤولي البلد خيانة الأجيال القادمة؟ نحن اليوم نستخرج النفط و نستهلكه؛ و سيأتي يوم ينتهي فيه هذا النفط. فهل يمدّ الشعب الإيراني يد الاستجداء إلى الدول الأُخرى لتزوّده بالطاقة لأغراض الكهرباء، و لتشغيل المصانع، و لأغراض التدفئة و الإنارة، و لأجل تشغيل عجلة الحياة؟ و هل يجوز هذا بالنسبة إلى من يتولّون مسؤولية شؤون البلاد اليوم؟ هناك أشخاص يعيدون ما يقوله العدو. هؤلاء الذين يكيلون المديح و الثناء اليوم على تأميم النفط على يد الدكتور مصدّق و المرحوم آية الله الكاشاني، و كان ذلك العمل بطبيعة الحال أقل أهمية بالقیاس إلى مشروع الطاقة النووية؛ و هذا أعظم و أكثر أهمية، هؤلاء يتحدّثون اليوم حول مشروع الطاقة النووية بنفس الكلام الذي كان يتحدّث به معارضو مصدق و الكاشاني. و هذا الموقف غير مقبول طبعاً. فنحن قد سرنا قُدُماً على هذا الطريق، و سرنا قُدُماً بكفاءاتنا. و مسؤولو بلدنا لم يرتكبوا أي عمل غیر قانوني. و كلّ نشاطاتنا في هذا المجال تجري تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية، و لم يسجّلوا علينا أيّة مؤاخذة، و نحن لا نمانع في أن يكون عملنا تحت إشرافهم. إنَّ إثارة الضجيج ضد الشعب الإيراني و ممارسة الضغوط عليه لأجل هذه القضية، و اتخاذ مجلس الأمن الدولي كأداة، سيعود بالضرر على القوى المناهضة للشعب الايراني. و أقول إنّهم إذا أرادوا اتخاذ مجلس الأمن كأداة و استخدامه استخداماً ذرائعیاً، و إذا أرادوا حرماننا من هذا الحق المسلم به، فإنّ كلّ ما قمنا به لحدّ الآن كان وفقاً للقوانين الدولية، و هم إن أرادوا خرق القانون، فنحن أيضاً قادرون على خرق القانون و سنفعل ذلك. و إذا أرادوا التعامل معنا بالتهديد و ممارسة القوّة و العنف، فليعلموا علم اليقين أنّ الشعب الإيراني و المسؤولين الإيرانيين سيستخدمون كلّ قواهم لمجابهة الأعداء الذين يتعرّضون لهم.أريد أن أنهي كلامي. و أودّ أن أقدّم توصياتي إلى الشعب الايراني من خادم هذا الشعب، و ألخّص ذلك بالقول: إن الشعار الذي رفعناه هذا العام و هو شعار ـ التكاتف الوطني و الانسجام الإسلامي ـ ينبغي الالتزام و العمل به. فالتكاتف الوطني يعني اتّحاد الشعب الايراني، و الانسجام الإسلامي معناه أن تسير الشعوب الإسلامية سوية. الشعب الايراني يوطّد علاقاته مع الشعوب الإسلامية. نحن إذا أردنا أن يتحقّق التكاتف الوطني و الانسجام الإسلامي. يجب علينا التركيز على المبادئ المشتركة بيننا. و لا ينبغي أن نشغل أنفسنا في الفروع التي تكون موضع خلاف. وصيتي الأُخرى هي أن شعبنا العزيز و خاصّة شبابنا، يجب أن لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم. أيّها الشباب الأعزاء! يا شباب الشعب الايراني الاعزاء! أنتم تستطيعون؛ تستطيعون القيام بأعمال كبرى. تستطيعون إيصال شعبكم إلى ذرى المجد و العُلا. إنّ الثقة بالنفس، و بمسؤولي البلاد، و بالحكومة، هو ما يتمنّى الأعداء زواله. الاعداء يريدون أن يفقد الشعب ثقته بالحكومة ـ التي تتولّى إدارة شؤون البلاد ـ عليكم السعي لإحباط خطة العدو هذه. أنا أساند الحكومة و أدعمها. و قد دعمت جميع الحكومات التي انتخبها الشعب و أصبحت بيدها السلطة، و هكذا سيكون موقفي في المستقبل أيضاً؛ و أنا أدعم هذه الحكومة بشكل خاص. و هذا الدعم ليس اعتباطياً أو من غير مبررات. و أسباب ذلك أوّلاً إنّ مكانة الحکومة في نظام الجمهورية الإسلامية و في النظام السياسي لبلدنا مكانة في غاية الأهمية، ثانياً إن معظم المسؤوليات تقع على كاهل الحكومة؛ أضف إلى ذلک أنّ التوجّهات الدينية و هذا الاتجاه القيمي الثوري و الإسلامي له أهمية عظمى. ثم إن هذا العمل الدؤوب، و الجهود الهائلة، و التواصل مع جماهير الشعب، و الجولات التفقدية للمحافظات، و الاتجاه نحو تحقيق العدالة، و اتخاذ الطابع الشعبي؛ هذه الأمور ذات قيمة عليا و أنا أدرك قدر هذه الأعمال. و أنا ادعم الحكومة لأجل هذه الامور. و كما قلت فإن هذا الدعم ليس اعتباطياً أو من غير مبررات؛ و إنّما في المقابل ارتجي من الحكومة أشياء. و أوّل ما أرتجيه منها هو انني أقول للمسؤولين الحكوميين أن لا يكلّوا و لا يملّوا، و لا يفقدوا ثقتهم بالله، و أن يتّكلوا على الله و يعوّلوا على أبناء هذا الشعب؛ و أن يحافظوا على نمطهم الشعبي و الجماهيري؛ و أن لا يقعوا في نزعة الكماليّات التي يقع فيها بعض الأشخاص؛ و أن يكونوا على وعي و حذر؛ و أن لا يدخلوا في التناحرات الحزبية، و لا يضيّعوا وقتهم في الصراعات السياسية؛ و أن يعملوا لأجل هذا الشعب بكلّ قواهم و من أعماق قلوبهم؛ و أن يتابعوا و ينجزوا ما يعدون الشعب به.يجب أن نفتح أعيننا. و يجب أن نتوسل بالله، و أن نكون له ذاكرين. إنّ شعبنا شعب كبير، و شعب قادر، و لديه تطلّعات كبرى، و باستطاعته طي الطريق المؤدّي إلى تحقيق هذه التطلّعات. أسأل الباري تبارك و تعالى أن ينزل عليكم أنتم أبناء الشعب الإيراني من فضله على الدوام، و أن يفيض عليكم من وابل لطفه. و أدعوه تعالى أن يجعل هذا اليوم الأوّل من سنة 1386 ، يوماً حافلاً بالبركة لهذا الشعب.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2007/03/21

كلمة الإمام الخامنئي في الروضة الرضوية

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد للَّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبى‏القاسم محمّد و على آله الأطيبين‏ الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين سيّما بقيّة اللَّه فى الأرضين.ربّنا عليك توكّلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.لهذه السنة تبريكان؛ أحدهما لعيد النيروز، والآخر بمناسبة حلول شهر ربيع المولود؛ و فيه ولادة النير الأعظم والنبي الأكرم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلّم. و عيد النيروز يعد بحد ذاته من الأعياد المباركة عندنا نحن الإيرانيين.الناس يبدأون العام بذكر الله ويسألونه تعالى أن يحوّل حالهم إلى أحسن الحال. وإضافة إلى هذا كله ثمة في هذا العام كنز معنوي يتمثّل في توسّلات و توجّهات شهري محرم وصفر التي ضاعفت فضائل هذا العيد. وتحظون أيها الحضور الذين تشرّفتم بزيارة المرقد الطاهر لعلي بن موسي الرضا (عليه السلام) ببركات أكثر. وهي فرصة بالنسبة لي أيضاً كي أثير بعض القضايا التي ستنفعنا في بداية العام إن شاء الله.بداية السنة فرصة جيدة لتقوية العزم الوطني و إضفاء البركة على أعمارنا في هذا العام. وإذا ركّز كل واحد منا نحن الشعب الإيراني عزيمته منذ بداية السنة على أن يكون لنا بفضل سعينا وجدّنا عام مفعم بالخير، فسوف يعيننا الله تعالى يقيناً. طبعاً روح هذا العزم الوطني الكبير، تتمثل في النية الطيّبة والتصميم على تحقيق مرضاة الله، والسير في الصراط المستقيم؛ ومن ثمّ التعرف على مكانتنا و وضعنا في الظروف الراهنة في العالم والتحديات التي تواجه شعبنا و معرفة الخطوط الرئيسية لمجابهة هذه التحدّيات. يكمن سرّ نجاح الشعب الحي في التعرف الصحيح على وضعه ومكانته وظروفه و البرمجة لهذه الظروف والعزم الحاسم لمواجهة كل ما يعترض الإنسان بشكل طبيعي في هذا الطريق. أغتنم هذه الفرصة وأتحدّث بعض الشيء حول هذه الأمور .القضية الأساسية بالنسبة لنا نحن الإيرانيين - والتي يجب أخذها دائماً بنظر الاعتبار - هي أننا رسمنا لأنفسنا هدفاً كبيراً و تابعناه طوال العقود التي تلت الثورة. وكلّما نظرنا لاحظنا أننا نتوفر على القدرات اللازمة لبلوغ هذا الهدف. وهذا الهدف الكبير هو رفعة إيران الإسلامية و تبديلها إلى نموذج مادي ومعنوي تحتذي به الشعوب المسلمة، و يعني هذا ضرورة أن يرتقي شعبنا على المستويات المادية والمعنوية، و أن يتمتّع بالاستقلال والعزة الوطنيين، والقدرة والإمكانيات الوطنية، و يتمكّن من توظيف جميع إمكانياته، و يسود حياته الرفاه العام والعدالة العامة والاجتماعية. في هذه الحالة يمكن له أن يكون نموذجاً تحتذي به جميع المجتمعات المسلمة وحتى غير المسلمة. يريد الشعب الإيراني أن يكون شعباً حراً يتمتّع بالرفاه، والإيمان، و يكون له بلد متقدم وعامر.وليس ثمة اختلاف حول هذا الهدف؛ حيث تزول هنا جميع الخلافات الفئوية والنزاعات السياسية؛ هذا هدف يوافقه كلُّ أفراد الشعب الإيراني؛ نريد أن يكون لنا بلد عامر و شعب حر شامخ وأن نتمكن من الاستفادة الجيدة من إمكانياتنا الوطنية، وأن نحمل لواء العدالة و لواء الإيمان الإسلامي في مقدّمة الشعوب المسلمة؛ هذا هو ما يطلبه جميع أفراد الشعب الإيراني ويعشقونه. ونستطيع أن نصل إلى هذا الهدف؛ فمعرفة إمكانياتنا الوطنية تبشّرنا بهذا الأمل و تؤيده التجارب أيضاً.الشعب الإيراني شعب ذو مواهب وصامد، ويتمتّع بالغيرة الدينية والوطنية، وله إيمان راسخ بالإسلام ويعشق وطنه؛ هذا ما يبثّ فينا الأمل والثقة بأن الشعب الإيراني سيستطيع أن يبلغ هذا الهدف؛ و هذا ليس بالأمر البعيد. والتجربه أيضاً تثبته لنا.لاحظوا؛ كنا خارج ميادين التنافس العالمي طوال سنوات إثر هيمنة الحكومات الفاسدة والعميلة. الشعب الإيراني الذي كان رائداً على الصعد العلمية والثقافية؛ وصل به الأمر إثر هيمنة الجبابرة والقوى المنقطعة عن الجماهير إلى أن يخرج من ساحة السباق العلمي والسياسي الذي بدأ في العالم منذ قرنين تقريباً. حينما لا يكون شعب ما في ميدان السباق بين الشعوب فستزول قدراته طبيعياً وتقلّ نجاحاته. تصوّروا على سبيل المثال فريقاً رياضياً له القدرة والنشاط والرغبة في العمل، ولا يسمحون له أن يدخل في ساحة المنافسات الرياضية، فإن قدراته تتضاءل وتقل بشكل طبيعي. هذا ما مارسوه ضدّ شعبنا.في الوقت الذي أوجدت القوى العميلة الفاسدة وغير الكفوءة والملوك الظلمة مثل هذه الظروف لشعبنا طوال أعوام متمادية، بمجرد أن فتحت الثورة الإسلامية أبواب الدخول إلى هذا الطريق ودخل شعبنا إلى ساحة التنافس والسباق العالمي، حقّق إنجازات هائلة. يتمتّع شعبنا اليوم بمكانة لائقة و صورة متألقة على الصعد العلمية والسياسية بين الشعوب. لقد تقدّمنا على الصعد العلمية مقارنة بهذا العصر. طبعاً لا يمكن تعويض هذا التخلف الذي حصل طوال مائتي سنة في عشرين أو ثلاثين سنة؛ لكنّنا تقدّمنا في هذه العشرين ونيّف من السنوات بسرعة أكبر مقارنة بهذه المدّة. تلاحظون اليوم تقدّم شبابنا في مجالات الطاقة النووية، والخلايا الجذرية والإصابات النخاعية إضافة إلى عشرات المجالات الأخرى، التي يبتهج شعبنا إذا اطلع عليها بصورة واضحة. تمكّنت النخب العلمية في بلدنا من التألق في العالم وانتزاع إعجابه.و الأمر كذلك في مجال التنافس السياسي. تحظى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم بالكثير من مؤيّدي أفكارها في المجالات السياسية، سواءً على المستوى الإقليمي، أو الدولي. و كلمتها مسموعة. يظهر مسؤولو بلدنا بنحو بارز ومميّز سواءً في المحافل الدولية ، أو خلال زياراتهم إلى البلدان الأخرى، أو في مواقفهم. و مثل هذا الواقع يدل على قدرة شعبنا على التقدم والخوض في هذه الساحات.تمكّن شعبنا من إدخال مفاهيم جديدة في معاجم السياسة الدولية. العالم لم يكن يعرف الديمقراطية الدينية. الديمقراطية الدينية اليوم من العناوين والشعارات المنشودة لدى كافة الشعوب المسلمة. ما كان العالم مطلعاً على تعريف نظام الهيمنة، وشعبنا هو الذي أطلق هذا التعريف و أدخله في قواميس السياسة الدولية. فكرة محورية الدين في السياسة، والقانون، وإدارة البلاد، مفاهيم جديدة استطاع شعبنا أن يطرحها. لذلك بإمكاننا أن ندخل في السباقات العالمية و العلمية والسياسية و الصناعية والاقتصادية والثقافية، و أن نأمل بالنجاح في الأمد القصير، وبالتألق والريادة في الأمد البعيد. هذه هي حالة شعبنا.لكن الطريق الذي يسير فيه الشعب الإيراني ليس طريقاً سالكاً دون عقبات، بل هناك تحدّيات. أمامنا عدوّان كبيران. وأريد أن أعرّف لكم اليوم هذين العدوين بصورة موجزة لنرى كيف نواجههما أنا وأنتم. ينبغي على الشعب أن يعرف العدو، و مخطّطاته، و يعدّ نفسه لمواجهته. أمامنا عدوان، الأول داخلي والثاني خارجي. والعدو الداخلي أخطر من الخارجي. ما هو العدو الداخلي؟ العدو الداخلي هو الخصال المذمومة التي قد نتصف بها. الكسل، و عدم الحيوية في العمل، والقنوط، والإنانية المفرطة، وسوء الظن بالآخرين، وبالمستقبل، وعدم الثقة بالنفس - عدم ثقة الإنسان بنفسه وبشعبه - هذه أمراض. إذا كان هؤلاء الأعداء الداخليون موجودين فينا فسيكون وضعنا عصيباً.بذل أعداؤنا الخارجيون مساعيهم دوماً لنشر هذه الجراثيم في المجتمع الإيراني : أنتم لا تستطيعون... لا تقدرون... مستقبلكم مظلم... أفقكم مظلم... لا مفرّ أمامكم... نزلت بكم النوازل... سعوا أن يجعلوا من الشعب الإيراني شعباً قانطاً، كسولاً، لا يثق بنفسه، متطلعاً إلى ما يجود به الأجانب؛ هذه الأمور هي أعداؤنا الداخليون. وكانت هذه الأمور ويلات شعبنا الرئيسية قبل انطلاق الصحوة الإسلامية في بلدنا. وإذا أصيب شعب بهذه الأمراض فلا يمكن له أن يتقدّم؛ لو اتّصف شعب بالكسل، واليأس، وعدم الثقة بالنفس، وعدم تواصل أبنائه ببعضهم، وسوء الظن ببعضهم وبالمستقبل، فإنه لن يتقدم. هذه الأمراض أشبه بأرضة تنقضّ على أركان البناء فتهدّمه، أو كدودة تدخل الفاكهة فتفسده. ينبغي مكافحة هذه الصفات. يجب على شعبنا أن يتصف بالأمل، والثقة بالنفس، وحسن الظن بالمستقبل، والرغبة في التقدم، والإيمان بالمعنويات التي تساعده في هذا الطريق. والحمد لله يتحلّى شعبنا اليوم بمثل هذه الثقة بالنفس ومثل هذا الأمل؛ ويجب إتمام هذه الأمور. لو استطعنا أن نعطّل هذا العدو عن التأثير في أنفسنا وأجسادنا وفي ثقافة شعبنا العامة، فلن يستطيع العدو الخارجي أن يصيبنا بمكروه.أما العدو الخارجي لهدفنا هذا فهو نظام الهيمنة الدولي؛ وهو ما نسميه الاستكبار العالمي. الاستكبار العالمي ونظام الهيمنة يقسّمان العالم إلى مهيمنين وخاضعين للهيمنة. إذا أراد شعب أن يذود عن مصالحه أمام المهيمنين فإنهم سيناصبونه العداء، ويضغطون عليه ويسعون لتحطيم مقاومته. هذا هو عدو الشعب الذي يريد الاستقلال والعزة والكرامة والتقدّم وعدم الخضوع للمهيمنين، هذا هو العدو الخارجي. مظهر هذا العدو اليوم هو الشبكة الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية. طبعاً ليس هذا العداء وليد اليوم، قد تتغير الأساليب، لكن سياسة العداء تجاه الشعب الإيراني كانت موجودة منذ بداية الثورة وإلى يومنا هذا. لكنها سياسة عبثية. لم تتمكن ضغوطهم من إضعاف الشعب الإيراني أو إجباره على التراجع؛ لم ينفع حصارهم الاقتصادي، ولا تهديداتهم العسكرية، ولا حربهم النفسية. ونحن الآن أقوى بكثير من قبل 15 سنة، وقبل20 سنة، وقبل 27 سنة. و هذا الأمر يشير إلى فشل العدو في عدائه للشعب الإيراني وحكومة الجمهورية الإسلامية؛ لكن هذه العداوة لا زالت قائمة.هناك مفارقة في العالم اليوم. الشعب الإيراني في نظر الشعوب المسلمة وشعوب المنطقة - شعوب آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية ، والشرق الأوسط - شعب شجاع يدافع عن الحق والعدالة و صامد بوجه التجبّر؛ بهذا يعرفون الشعب الإيراني. إنهم يشيدون بالشعب الإيراني ويبدون إعجابهم به. لكن الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية الذي يتمتّع بكل هذه الحفاوة والإعجاب من قبل الشعوب، تتّهمه القوى المتغطرسة بانتهاك حقوق الإنسان، وتهديد الأمن العالمي، وحماية الإرهاب! هذه مفارقة؛ مفارقة بين نظرة الشعوب وإرادة القوى الكبرى. هذه المفارقة تهدّد نظام الهيمنة العالمية. فهؤلاء يبتعدون عن الشعوب يوماً بعد يوم، وقد خلق هذا شرخاً استنزافياً في صرح الليبرالية الديمقراطية الغربية وسيتضاعف هذا الشرخ يوماً بعد يوم. يمكن لوسائل الإعلام الغربية كتمان الحقائق لمدّة من الزمن ولكن لا يمكنها إخفاء الحقائق إلى الأبد؛ يقظة الشعوب تتزايد يوماً بعد يوم. لاحظوا أن رئيس جمهورية الشعب الإيراني يسافر إلى بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فتطلق الشعوب الشعارات لصالحه و تستقبله بالمسيرات المؤيدة، ويبدون دعمهم له، في حين يسافر الرئيس الأمريكي إلى بلدان أمريكا اللاتينية - أي المنتجع الأمريكي - فتستقبله الشعوب بحرق العلم الأمريكي؛ وهذا يعني زعزعة أسس الليبرالية الديمقراطية التي يدّعي الغرب وفي مقدّمته أمريكا حمل لوائها. تتضاعف المفارقة بين إرادتهم و رغبات الشعوب وتطلعاتهم يوماً بعد يوم. يدّعون الديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن العالمي ومكافحة الإرهاب، لكن واقعهم الشرير يحكي إثارتهم للحروب، وانتهاك حقوق الشعوب؛ ورغبتهم الشديدة وشهيتهم الجشعة في مصادر الطاقة العالمية، وهذا ما تلاحظه الشعوب. سمعة الديمقراطية و سمعة أمريكا التي تقف في مقدمة البلدان التي تدّعي الديمقراطية تتشوّه باطّراد في أنظار العالم والشعوب. وفي المقابل تتحسن سمعة إيران الإسلامية باطّراد. تفهم الشعوب بأن الأمريكان يكذبون في ادعائهم الدفاع عن حقوق الإنسان؛ واحد من نماذج ذلك تعاملهم مع بلدنا. كانت إيران في زمن الطاغوت - عهد النظام البهلوي - في قبضة الولايات المتحدة الأمريكية تماماً. كانت أمريكا مهيمنة على كل إيران؛ كانت تقيم قواعد عسكرية لرصد تحركات البلدان العربية في المنطقة. كانت إيران حليفة إسرائيل؛ وكانت أسوأ الديكتاتوريات مسيطرة على إيران؛ كانوا يعذّبون المجاهدين في السجون؛ في جميع أنحاء إيران - في مدينة مشهد هذه، وفي طهران وجميع المدن - كان الكبت وقسوة الجلاّدين في النظام الطاغوتي هو الذي يحكم الناس، كانوا ينهبون نفطنا؛ وكانوا يبدّدون الثروات الوطنية والأموال العامة لصالح الحكام والأجانب. وكانوا يحولون دون مشاركة الشعب الإيراني في السباقات العلمية والصناعية في العالم؛ وكانوا يذلّون الشعب. و كانت إيران الحليفة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة؛ وكان حكّامها محبوبين لدى أمريكا؛ ولم يوجّه أي اعتراض بسبب انتهاك حقوق الإنسان والديمقراطية لتلك الحكومة الطاغوتية. وتعد إيران اليوم بلداً حراً بهذه الديمقراطية الواضحة -قلّما يوجد نظير لديمقراطيتنا في العالم - وبهذا الارتباط الوثيق بين الشعب والمسؤولين؛ إيران هذه من وجهة نظر الأمريكان والحكومة الأمريكية بلد غير مرغوب فيه. هذا يدلّ على موقف الاستكبار العالمي تجاه الحقائق الموجودة في العالم. طبعاً لم تنتفع أمريكا من هذا العداء ولن تنتفع أبداً. الشعب الإيراني يزداد قوة يوماً بعد يوم و قيم الثورة تتألق وتبرز بصورة متواصلة.علينا واجبات أمام هذين العدوين. أولاً يجب تشخيص العدو ومن ثم التعرف على مخطّطاته. أعداؤنا الخارجيون لهم مخطّطاتهم للشعب الإيراني. نحن نطرح خططنا الخمسية لتحديد طريقنا؛ عدونا أيضاً يخطّط ضدّنا، وله خطته وسياسته تجاهنا. يجب علينا معرفة سياسته.ألخص خطط الاستكبار العالمي ضد الشعب الإيراني في ثلاث نقاط : أولاً، الحرب النفسية، ثانياً الحرب الاقتصادية، ثالثاً مواجهة التقدم والتفوّق العلمي. تتلخص عداوة الاستكبار ضد شعبنا في هذه المفردات الرئيسية الثلاث. طبعاً على الأجهزة الإعلامية والشخصيات السياسية أن توضح ذلك للناس بتفصيل أكثر. أنا استعرض لكم بعض رؤوس النقاط وخلاصة لهذه المسائل.ماذا تعني الحرب النفسية؟ الهدف من الحرب النفسية هو بث الرعب. من الذي يريدون إرعابه؟ الشعب لا يمكن إرعابه؛ حشود الشعب العظيمة لا يمكن إرعابها. من الذي يريدون إرعابه؟ المسؤولين، الشخصيات السياسية، والنخب على حد تعبيرنا الشائع، يريدون إرعاب هؤلاء. يريدون تطميع من يمكن تطميعهم، يرومون تطميع هؤلاء، ويريدون إضعاف الإرادة العامة، ويحاولون تغيير فهم الناس لحقائق مجتمعهم، هذا هو الهدف من الحرب النفسية. والشخص غير المريض إذا قيل له مائة مرّة أنك مريض، فإنه سيشعر بأنه مريض إلى حدّ ما. و على عكس ذلك، الشخص المريض إذا قيل له مائة مرة بأنك بخير وصحة فسيشعر بالصحة. يريدون بالإيحاء قلب حقائق بلدنا في أنظار الشعب. شعبنا شعب ذو مواهب وقابليات واستيعاب وينعم بثروات طبيعية ضخمة؛ ويمكن لمثل هذا الشعب أن يكون رائداً. ليس هناك من مبرر لأن يكون شعبنا قانطاً؛ لكنهم يرومون تغيير الحقائق وبثّ اليأس في نفوس الشعب. يريدون إضعاف ثقة الشعب بالمسؤولين. وأن يثق الشعب بحكومته ومسؤوليه فهذا نعمة كبيرة لأي بلد. يريدون أن يسلبوا هذه النعمة ويبثّوا عدم الثقة في نفوس الشعب، سواء ثقتهم بأنفسهم أو بمسؤوليهم؛ ويريدون تهديد الناس بالشائعات والحصار والعنف، وأن يبدلوا مواضع المدعي والمتهم في إعلامهم. أمريكا اليوم متهمة والشعوب هي المدعية ضدها. ونحن أيضاً ندّعي ضد أمريكا. أمريكا متهمة بالتطاول والاستكبار وإنشاء مستعمرات، وتأجيج الحروب، والاحتلال العسكري وإثارة الفتن. نحن نطالبها وندّعي ضدها. يريدون أن يضعوا أنفسهم موضع المدعي ويضعوا الشعب الإيراني موضع المتهم. وضع حقوق الإنسان في أمريكا نفسها مؤسف جداً، وهناك انعدام الأمن. في سنة واحدة - في 2003 م - اعتقلوا حسب إحصائياتهم ثلاثة عشر مليون مواطن أمريكي! يجيزون التعذيب والتنصّت على المكالمات الهاتفية. وقد قاموا باستجواب عدة ملايين بعد حادثة العشرين من شهريور(1). تسود مثل هذا الأجواء غير الآمنة في داخل أمريكا! وفي خارجها هناك سجن أبو غريب وصنوف التعذيب ومعتقل غوانتانامو والسجون السرية في أوربا والأماكن الأخرى. هم من يجب أن يجيب، فهم المتهمون، وهم من ينتهك حقوق الإنسان، ومع ذلك ينادون بحقوق الإنسان، ويرومون محاسبة الشعب الإيراني أو أي طرف أرادوا على انتهاكه حقوق الإنسان! إنهم يروّجون الإرهاب. وهذه هي الحرب النفسية التي يمارسونها.بث الخلافات أحد فصول حربهم النفسية. يرومون تأجيج الخلافات القومية و المذهبية - بين الشيعة والسنة - والفئوية، والمهنية في داخل بلدنا. ولهم في الداخل عملاء ينفذون سياساتهم بأشكال مختلفة. يبثون الشائعات، ويتهمون إيران في القضية العراقية. الذين احتلوا العراق واذلّوا شعبه و أهانوا نساءه ورجاله وشبابه بمختلف الأساليب - والقوات الأمريكية والبريطانية لا تزال لحد الآن تتعامل مع الناس في العراق بمنتهى السوء- هؤلاء يتّهمون إيران بالتدخّل في العراق. يوم كانت الحكومة الأمريكية والكثير من الدول الغربية تدعم صدام البعثي البائد فتح الشعب الإيراني ذراعيه لاحتضان أحرار العراق الذين جاءوا إلى هنا وحميناهم من شرور صدام؛ هؤلاء أنفسهم استلموا اليوم الحكومة والسلطة في العراق. الإرهاب في العراق يجري بتحريض الوكالات الاستخبارية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية. ولم ينتج هذا الاقتتال في العراق من حروب بين الشيعة والسنة، فقد تعايش سنّة العراق وشيعته على مدى قرون طويلة ولم تقع بينهم حروب. بل هناك كثير من العوائل الشيعية والسنية تزاوجت فيما بينها وتعايشت . هؤلاء هم الذين أوجدوا الإرهاب؛ و ينتفعون من انعدام الأمن.يبثّون الشائعات حول نفوذ الشيعة وترويج التشيع من قبل إيران والهلال الشيعي وما إلى ذلك. يبثون الإشاعات وهذه إحدى شعب الحرب النفسية: أولاً يؤججون الخلافات بين الشعب الإيراني، وثانياً: يحاولون إثارة الخلافات بين الشعب الإيراني والشعوب المسلمة الأخرى. كانت سياسة أمريكا تتجه نحو تخويف جيراننا في الخليج الفارسي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. طبعاً أدرك بعضهم هذه المؤامرة بوعي ويقظة وقد يخطئ البعض ويقعون في فخ هذه المؤامرة الأمريكية. لقد مددنا دوماً يد الصداقة نحو جيراننا في الخليج الفارسي - وهي المنطقة التي توجد فيها أكبر الاحتياطيات النفطية - ولا تزال الصداقة قائمة بيننا وبينهم، والآن أيضاً نمدّ يد الصداقة نحوهم، ونرى من الضروري أن يكون لبلدان الخليج الفارسي معاهدات دفاعية مشتركة وتعاون فيما بينها. يجب أن لا تاتي أمريكا وبريطانيا والأجانب وغيرهم من الطامعين للدفاع عن هذه المنطقة، بل علينا الحفاظ على أمنها بأنفسنا وهذا ما يمكن تحقيقه عبر تعاون دول الخليج الفارسي فيما بينها.لذلك أوصي السياسيين في داخل البلاد بأن يدققوا في كلامهم ولا يتكلّموا كلاماً أو يتّخذوا مواقف تساعد أهداف الأعداء في هذه الحرب النفسية. وأي شخص يبث اليأس لدى الناس ويسلبهم الثقة بالمسؤولين والمستقبل يكون قد ساعد العدو. وأي شخص يثير الخلافات - أية خلافات - إنما يساعد أعداء الشعب الإيراني. على أصحاب الأقلام والمنابر والمكانة أن يدققوا ولا يسمحوا للعدو أن يستفيد منهم. والحرب النفسية أهم الفصول في حرب العدو ضد الشعب الإيراني . والحرب الاقتصادية من الفصول الأخرى. يريدون محاصرة الشعب الإيراني اقتصادياً. أنا أقول إن المجال لتحرك الشعب الاقتصادي مفتوح. ومع الإعلان عن سياسات المادة الرابعة والأربعين - والتي تسعى الحكومة بجد لتحقيقها ويجب عليها ذلك - صار المجال مفتوحاً للعمل الاقتصادي ليس للأثرياء فقط بل لكل أفراد الشعب الإيراني. ينبغي أن يكون منهج الحكومة والناشطين في عام 86 وربّما لعامين بعده منهجاً اقتصادياً. بإمكاننا جعل اقتصادنا مزدهراً. يهدّدوننا بالحظر الاقتصادي. لا يمكن للحظر الاقتصادي أن يلحق أي ضربة بنا. ألم يفرضوا علينا الحظر لحد الآن؟ ولقد تمكّنّا من الحصول على الطاقة النووية و الإنجازات العلمية وإعمار البلاد على نطاق واسع في ظروف الحظر الاقتصادي. بل إن الحصار قد ينفعنا في بعض الظروف، لأنه يجبرنا على أن نشحذ هممنا للسعي والنشاط المضاعف. ومنهج البلد في هذه السنة التي تبتدئ اليوم والسنة أو السنتين التي تليها يجب أن يكون اقتصادياً. على الجميع أن يستفيدوا من سياسات المادة الرابعة والأربعين من الدستور. الذين يمكنهم الاستثمار وحتى الذين لا يمكنهم الاستثمار إلا من خلال المشاركة يمكنهم أن يستثمروا في هذا المجال. يمكن لجميع أفراد الشعب الإيراني وشرائحه المختلفة الاستثمار وأن يتشاركوا فيما بينهم. إضافة إلى أسهم العدالة التي تشمل حوالي عشرة ملايين نسمة - العشرين بالمائة الأفقر في المجتمع - يمكن للجميع أن يستفيدوا من هذه السياسات. وعلى مسؤولي الحكومة أن يوضّحوا للشعب طرق مشاركتهم في الأنشطة الاقتصادية. هذه السياسات تعني إنتاج الثروة العامة للمجتمع. إنتاج الثروة لا إشكال فيه حسب الرؤية الإسلامية. و إنتاج الثروة يختلف عن نهب ثروات الآخرين. أحياناً يمد الإنسان يده إلى الأموال العامة أو يحصل على إنجازات مادية غير شرعية بعيداً عن ضوابط القانون. هذا ممنوع؛ لكن إذا كان انتاج الثروة بطرق قانونية فإنه مستحسن ومحبذ في الرؤية الإسلامية وفي رأي الشارع المقدس. يجب إنتاج الثروة ولكن من دون إسراف. يأمرنا الإسلام بإنتاج الثروة ولكن من دون إسراف. والاستهلاك المفرط ليس مقبولاً في الإسلام. ما تُحصلون عليه من خلال إنتاج الثروة وظّفوه في إنتاج الثروة مرة أخرى. فلا تجمّدوا الأموال - وهو ما يسمى في الإسلام الاكتناز- ولا تسرفوا في المال أو تنفقوه لأمور لا ضرورة لها في الحياة؛ ولكن في ضوء هذه الضوابط انتجوا الثروة لأنفسكم. ثروة كل واحد من أفراد الشعب هي ثروة البلد العامة التي يستفيد منها الجميع. هذه هي روح المادة الرابعة والأربعين وسياساتها. يجب أن تتنوع مصادر مداخيل أبناء الشعب؛ خاصة الطبقات الضعيفة منهم، فيستطيع الناس التمتع بالانفراج الاقتصادي؛ هذه خطوة كبيرة في طريق تحقيق الرفاه العام. فيما يتعلق بمعارضة التقدم العلمي؛ يمكن القول إن أحد نماذجها هو قضية الطاقة النووية. يقال في التصريحات السياسية وغيرها من الأحاديث إن الدول الغربية لا توافق امتلاك إيران الطاقة النووية، طيّب، فلتكن غير موافقة. وهل استأذنّا من أحد لامتلاك الطاقة النووية؟ وهل دخل الشعب الإيراني في هذه الساحة بإذن الآخرين حتى يقولوا نحن لا نوافق؟ فلتكونوا غير موافقين. الشعب الإيراني موافق ويرغب في امتلاك هذه الطاقة. لقد ذكرت في السنة الماضية في اجتماعي معكم هنا في الأول من شهر فروردين بأن امتلاكنا الطاقة النووية أمر ضروري و حاجة ماسّة طويلة الأمد. و اليوم إذا توانى المسؤولون في الحصول على الطاقة النووية ستؤاخذهم الأجيال الآتية. الشعب الإيراني وبلد إيران بحاجة إلى الطاقة النووية من أجل العيش لا من أجل السلاح. هناك من يردّد أقوال العدو ويقول : ما هي الضرورة لذلك؟ ما هي الضرورة لذلك؟ تعريض مستقبل البلاد للخطر وتجاهل حاجاته المستقبلية تجاهلاً تاماً، ألا يوجد إشكال في هذا؟ هل يحق للمسؤولين خيانة الأجيال الآتية؟ نستهلك النفط اليوم وسينفد هذا النفط يوماً. يومئذ سيضطر الشعب الإيراني إلى مدّ يدي الحاجة للبلدان الأخرى بغية الحصول على الكهرباء والطاقة لمصانعه وحرارته وإضاءته وحركته في حياته. هل يجوز هذا لمسؤولي البلاد اليوم ؟ البعض يكرّرون أقاويل الأعداء. الذين يشيدون اليوم بتأميم النفط على يد الدكتور مصدق والمرحوم آية الله كاشاني - وهو عمل صغير مقارنة بهذا العمل - يتكلّمون اليوم عن الطاقة النووية بنفس الكلام الذي كان يردّده معارضو مصدق وكاشاني. هذا ليس مقبولاً. نحن تقدّمنا في هذا الطريق إلى الأمام بابتكارنا. ولم يرتكب مسؤولو البلد أية مخالفة قانونية. كل نشاطاتنا النووية أمام أنظار وكالة الطاقة الذرية، ولا إشكال في ذلك، وليس لدينا أي اعتراض على إشرافهم على تلك النشاطات. إثارة الضجيج و ممارسة الضغط على إيران في هذه القضية واتخاذ مجلس الأمن أداة بيد القوى الكبرى سيكون له عواقب ضارة. وعلي أن أقول إذا أرادوا أن يستغلوا مجلس الأمن استغلالاً ذرائعياً ويتجاهلوا بذلك هذا الحق المسلم فإن ما فعلناه إلى اليوم كان وفقاً للقوانين الدولية، وإن أرادوا تجاهل القانون فبإمكاننا أيضاً أن نتجاوز القانون وسنتجاوزه. إن أرادوا استخدام التهديد والإكراه والعنف فليعلموا أن الشعب الإيراني سيستخدم جميع إمكانياته ضد من يتعرض له من الأعداء.أريد أن أنهي كلمتي. هذه توصيات خادم الشعب الإيراني للشعب. توصيتي هي: الشعار الذي أطلقناه هذا العام - أي الاتحاد الوطني والانسجام الإسلامي - يجب مراعاته. الاتحاد الوطني يعني تلاحم الشعب الإيراني. و الانسجام الإسلامي يعني وقوف الشعوب المسلمة جنباً إلى جنب. وينبغي على الشعب الإيراني تمتين علاقاته مع الشعوب المسلمة. وإذا أردنا تحقيق الاتحاد الوطني والانسجام الإسلامي فعلينا التركيز على الأصول المشتركة بيننا. يجب أن لا نشغل أنفسنا بالفروع المختلف عليها.الوصية الأخرى هي: يجب على الشعب الإيراني لا سيما الشباب أن لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم. أيها الشباب الأعزاء، يا شباب إيران الأعزاء، أنتم قادرون، قادرون على إنجاز أعمال كبرى، تستطيعون أن ترفعوا بلادكم إلى ذروة العزة والعظمة. الثقة بالنفس، والثقة بالحكومة ومسؤوليها، أمور لا يريدها العدو لنا. يروم الأعداء أن لا يثق الشعب بالحكومة، وهي المسؤول عن إدارة البلاد. حاولوا أن تحبطوا مؤامرة الأعداء هذه. أنا أدعم الحكومة. وقد دعمت كل الحكومات التي انتخبها الشعب وهكذا سيكون الأمر في المستقبل، وأدعم هذه الحكومة بشكل خاص. وليس هذا الدعم دون سبب وتسويغ وحسابات. أولاً موقع الحكومة في نظام الجمهورية الإسلامية وفي نظام بلادنا السياسي موقع مهم جداً، ثانياً أكثر المسؤوليات تقع على عاتق الحكومة؛ ثم إن هذه الاتجاهات الدينية وهذه النزعة القيمية الثورية والإسلامية حالة قيمة جداً. المثابرة، والسعي الحثيث، والتواصل مع الناس، والزيارات المحافظاتية، ونزعة العدالة الشعبية، هذه عناصر لها قيمة كبيرة وأنا أعرف قدر هذه الأعمال. ومن أجل هذه الأمور أدعم الحكومة. ليس هذا الدعم دون حساب أو كتاب، إنما أتوقع مقابل ذلك بعض التوقعات من الحكومة . توقعي الأول، أقول للمسؤولين أن لا يتعبوا، ولا يفقدوا التوكل على الله، وأن يعتمدوا على الله وعلى هذا الشعب، ويجب عليهم الحفاظ على مظهرهم الشعبي، وأن لا يقعوا في فخ الزخارف التي يقع البعض فيها، يجب أن يراقبوا وينتبهوا ولا يدخلوا في الصراعات الفئوية، ولا يهدروا وقتهم بالنزاعات السياسية؛ وأن يعملوا للشعب بكل ما لديهم من قوة، ويحققوا ويتابعوا كل ما يعدون الناس به.علينا أن نفتح أعيننا، ونتوسل إلى الله ونذكره. الشعب الإيراني شعب عظيم وقدير، وله أهداف كبرى، وأمامه طريق إلى هذه الأهداف. أتمنى أن ينزل الله تعالى بركاته عليكم باستمرار وأن تطهل عليكم شآبيب لطفه، وأن يكون هذا اليوم إن شاء الله وهو اليوم الأول من عام 86 بداية سنة مفعمة بالبركات على الناس. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 1- 11 سبتمبر 
2007/03/20

كلمته في المسؤولين عن شؤون الحج

بسم الله الرحمن الرحيمنرحّب أجمل ترحيب بهذه المجموعة الممتازة من المسؤولين الناجحين والقائمين الموفّقين على شؤون مراسم الحج العظيمة، في الحقيقة إن الخدمة والعمل في هذا المجال، وبأي شكل كان، لمن الأمور التي يفخر بها الإنسان.إنّ المقاصد والنوايا في إقامة مراسم الحج يجب أن تكون أسمى من تلك المقاصد العادية والصغيرة التي عادةً ما نُبتلى بها نحن بني البشر. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ أفق الحج يعتبر من الآفاق العالية والرفيعة.إنّ الحج فريضة واسعة الأبعاد بحيث لو أدّيناها طبقاً لمقاييس الشارع المقدس في كل زمان ومكان وبما يتناسب مع ظروف العصر، سيكون لها آثار دولية فضلاً عن الآثار الفردية والقومية. فأي فريضة وأي واجبٍ لدينا يمتلك هذه الخصوصيات؟إنّ هذا المنسك وهذه الفريضة تضفي نوعاً من الصفاء على قلوب وأرواح وبواطن الحجيج، وتبعث فيها الضياء، وتجعلها قريبة من الله تعالى، وتوقفها على إدراك عمق الاستغفار والتضرع والمناجاة الإلهية، كما تؤثّر على قضايا الأمم والشعوب حيث إنّ المرء عندما يسافر حاملاً في وجدانه هدفاً من الأهداف ثم يعود من هذا السفر فإن آفاقه المعرفية تتسع تلقائياً ويرتفع مستوى شخصيته المعنوية وأخلاقه الوطنية.وهناك علاوة على ذلك أبعاد عالمية حيث إنه كما توجد قواسم مشتركة بين الشعوب توجد أيضاً بعض الفوارق التي تفرّق بينها بل ولربما سببت الشقاق بينها، ولكن الحج يساعد على تذويب هذه والفوارق تقوية القواسم المشتركة بين مختلف الشعوب؛ ولهذا فلا يوجد لدينا فريضة بمثل هذه الأبعاد الواسعة والعظيمة.ولهذا فقد أمرنا الشارع الحكيم بأداء هذه المناسك جميعاً وفي وقت واحد {في أيام معدودات}، {في أيام معلومات} وفي نفس الميقات، وكأنه أراد أن يكون لهذه الآثار أبعاد عالمية، ولولا ذلك لاستطاع كل شخص أن يحج وأن يأتي بالمناسك في أي وقت شاء على مدار العام.إنّ هذا ممكن في أداء العمرة؛ لأنها من المستحبات، ولكن الحج ليس كذلك.إنّ الحج لابدّ وأن يكون في وقت محدد؛ حتى يجتمع الحجيج معاً. فلماذا يجتمعون معاً؟ لكي يتخاصموا؟ {لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}. إذاً فَهُم لا يجتمعون لكي يتخاصموا، ولا يشعر كل منهم بالاغتراب إزاء الآخر. إذاً.. فلماذا؟ من أجل الشعور بالاتّحاد والوحدة، ومن أجل خلق هذا الشعور في الذات وفي الآخرين.إنّ الدنيا والآخرة متمثّلتان في فريضة الحج، هذه الفريضة الواسعة الأبعاد والمتعددة الفوائد والإمكانيات التي يمكن الاستفادة منها أيما استفادة.إنه لو استطعنا أنا وأنتم ـ كلّ منّا ـ أن نتعرّف على هذا البعد في أحد جوانبه وأن نستفيد منه؛ لكان لنا الأجر والمثوبة. ولهذا فإن هذا العمل فائق الأهمية، وعلى القائمين بشؤونه أن يشعروا بالفخر والاعتزاز.لقد تحدّثنا وتحدّث غيرنا مراراً حول ما يجب الاهتمام به في فريضة الحج، وهو أن يقترب الحج من معناه الحقيقي. ولابدّ لهذا من متطلبات بالطبع. فمن متطلّباته الاستعداد المسبق، فلو تركنا المرء يذهب لأداء فريضة الحج بدون استعداد مسبق، لَمْا استفاد على النحو الصحيح، فلابدّ من إعداده سلفاً. إنّ هذا هو أحد واجبات مؤسسة الحج والزيارة والبعثة الملحقة بها، حيث يجب على المعنيين أن يُعدُّوا الحجاج وأن يجعلونهم على الصورة المطلوبة قبل السفر لأداء المناسك.إنّ هذا متحقق في الوقت الحاضر، ولكن لابدّ من ترسيخه، وذلك عن طريق طبع الكتب والتخطيط الدقيق وإقامة الدورات التعليمية والتثقيفية في قضايا الفقه والاجتماع والسياسة والأخلاق والجوانب المعنوية والعبادية والعرفانية وغيرها، وبهذا فإن أحد الواجبات اللازمة إعداد الحاج لأداء هذه الفريضة.وأما النقطة الأخرى: فإنه لابدّ من إفراغ الحج بقدر الإمكان من الأهداف الدنيوية والمادية، فهذا أمر في غاية الأهمية؛ لأنه من أبرز المميزات في فريضة الحج، يقولون: بأنه لا يحق للحاج استخدام الطيب، كما لا يحق له أن يسدّ أنفه إذا ما مرّ بمكان تنبعث منه رائحة كريهة.إنّ مثل هذه التعاليم تنطوي على معانٍ عميقة، فأثناء الحج يجب على الإنسان الابتعاد عن الأهداف الدنيوية والمادية كلما أمكن. ولا يعني هذا أن يعاني الحجاج من الجوع، أو أن يناموا في أماكن غير مريحة، كلا، فمن المهم استضافة الحجاج بشكل جيد، وتقديم الطعام والمسكن المريح وتوفير وسائل الراحة البدنية؛ حتى يتمكنوا من التوجّه إلى القضايا المعنوية والروحية، ونحن لا نعارض ذلك. ولكن لابدّ من تنقية قلب الحاج من تلك التطلّعات والمشاعر المادية بقدر الإمكان، كما يجب التقليل من أهمية الانشغال بالتبضّع والتسوّق وشراء الهدايا وما إلى ذلك، وألاّ يكون الحج ـ لا سمح الله ـ بمثابة نزهة سياحية أو من أجل أهداف أخرى لا تستحق الذكر.إنّ الهوى النفسي يذهب بالإنسان مذاهب شتّى، فلابدّ من مراقبة النفس ومخالفة هواها.إنّ الحجاج على اختلاف أنواعهم بما فيهم من مرافقين ومسؤولين يجب أن يبتعدوا عن مثل هذه الأمور إذا ما كنّا نودّ الاستفادة على ما ينبغي من هذه الفرصة والمناسبة العظيمة، وهذا أحد شروطها.ومن الشرائط الأخرى إتحاد المسلمين، فيجب أن يكون الحج مرآة للإتحاد وليس مرآة للاختلاف.وإذا ما كان الهدف من هذا الاجتماع هو أن يمسّ بعضنا كرامة البعض الآخر فلا معنى له ولا فائدة! وحتى لو كانت هناك خلافات فالحج ليس هو المكان المناسب للتعبير عنها؛ لأن الله تعالى يقول مبيّناً الهدف من هذا الاجتماع { ليشهدوا منافع لهم}.على أننا ننظر للقضية بتفاؤل وحسن ظن، فنقول: إنّ الأمر لا يعدو أن يكون اختلافاً في السلائق والأذواق، ولكن البعض يتخذ من الحج فرصة للتكشير عن الأنياب، إذا ما أردنا أن نُطلّ على الموضوع من زاوية أخرى، ومنهم من يستغلّه للعناد وتقطيب الجبين وتوظيف الخلافات المذهبية والطائفية؛ لتأجيج نار الفرقة بين الشيعة والسنة.فإلى متى نستمع إلى تصريحاتهم الساخرة حتى نصدّق أنّ إيجاد الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة يعتبر أحد المحاور الأساسية التي يعمل عليها أعداء الإسلام وينفقون في سبيل ذلك أموالاً طائلة؟! إنهم على استعداد لبذل الأموال الباهظة من أجل الإيقاع وإثارة الخلاف بين الشيعة والسنة. وهناك البعض من قاصري الأفهام الذين يقدّمون هذه الخدمة للإستكبار مجاناً حتى بلا أن يحصلوا على شيء من تلك الأموال التي تنفق على هذا الصعيد، فلماذا إذاً..؟! إنّ هذا إثم وعسى الله ألاّ يغفره.إن الله تعالى يدعو المسلمين للاجتماع في مكان واحد؛ حتى يشعروا بالتآلف والاتحاد والوحدة، وهذا من أبرز المنافع التي يشهدها الحجيج، ومع ذلك فإننا نجد في هذا التجمّع الذي شُرّع من أجل وحدة المسلمين من يثير النعرات هنا وهناك ويُزيد من اتّساع هوّة الاختلاف! أفليس هذا عناداً لله تعالى؟!إننا نعرف جيداً ـ وليس من قبيل التحليل فحسب بل على سبيل العلم ـ أنّ هناك من جنّد الأيادي الاستعمارية لتوسيع رقعة الاختلاف بين المسلمين في موسم الحج، وهذه هي المهمة الأساسية لأولئك العملاء حيث يقومون بتسقّط بعض الأخطاء الصغيرة من بعض الشيعة ثم يأخذون في افتعال ضجّة كبيرة متذرّعين في ذلك بالحجج الواهية. وحتى لو لم نكن على علم فإن التحليلات تشير إلى ذلك بوضوح، ولا غضاضة في أن يستغل أعداء الوحدة الإسلامية فرصة الحج العظيمة لتحقيق هذا الهدف، ونحن على علم بالأسباب، وهم يستأجرون أشخاصاً لتنفيذ مثل هذه المكائد، فكونوا على حذر من الوقوع في تلك الشباك.إنّ على الحجاج الإيرانيين، شيعة كانوا أم سنة، ألاّ يقعوا فريسة في شراك هذه المؤامرة.إننا نوصي الأخوة في السعودية وفي الأماكن الأخرى: بأن يحولوا دون نفوذ تلك الأيدي التي تبذر بذور الخلاف بين الحجيج، ومن ثم يُلقي بعضهم بالتبعة على الآخر، فهذه مسألة حساسة وفي غاية الأهمية.وأما الموضوع الآخر فهو موضوع البراءة. إنّ البراءة من الكفار والمشركين قضية مهمة جداً، وعلى جميع الشعوب المسلمة المبادرة إلى القيام بها وحتى السعوديون فإن عليهم في اعتقادنا أن يكونوا سبّاقين إلى ذلك.إنّ على المستضيفين للحجاج أن يقوموا هم أنفسهم بأداء هذه المهمة قبل أن يؤدّيها ضيوفهم من الإيرانيين أو من البلدان الأخرى، فهذا من واجباتهم.إنّ مما لاشك فيه أنّ الاستكبار العالمي يتربّص الدوائر بعالم الإسلام. ولا يتوقف هذا عن مجرد البغض والكراهية، بل يتجاوزه إلى المجاهرة بالحقد والعداء، فَهُم ليسوا أعداءً فحسب، بل أعداء ومحاربون؛ وهذا ما يشاهده كل مسلم واع، فالأعداء يهدفون إلى إفراغ العالم الإسلامي تماماً من كافة حقائق ومضامين الإسلام، ولم يعد هذا بحاجة إلى إثبات أو دليل.إنهم يعادون المسلمين، ويسعون إلى القضاء على الإسلام؛ حتى تتسنّى لهم فرصة الاستيلاء على الشعوب المسلمة والسيطرة على مقدّرات المسلمين وإشاعة الثقافة الغربية في أنحاء العالم الإسلامي؛ حتى يجعلوا من المسلمين مواطنين لهم ومن الدرجة الثانية.فعندما تتقبّل أمة ثقافة أمة أخرى فإنها تصبح جزءاً منها، ولكن بالتبنّي وليس من صلبها، فتبقى في منزلة متدنّية. وفي هذه الحالة فإن الأمة الغالبة لا تقبل باندماج المغلوبة وإن كانت تلك الأخيرة تأتمر بأمرها وتنتهج نهجها. وهذا هو خطأ الذين حاولوا تقليد الغرب في كافة سلوكياته وثقافته.إنهم لم يدركوا بأنهم سوف يُصبحون مثل الآخرين وجزءاً منهم لمجرد تقليدهم في حياتهم وثقافتهم، بل سيصبحون تابعين لهم وفي منزلة أدنى وأحط. لقد كانت هذه دائماً هي إرادة الاستكبار إزاء العالم الإسلامي.إنّ الإسلام هو المانع الأساس. ولهذا فإنهم يكيدون للإسلام ويناصبونه العداء بلا أدنى شك. ويأخذ هذا العداء أشكالاً مختلفة إستكبارية وصهيونية وعنيفة ودموية وقمعية ووحشية. حسناً، أفلا يجب على المسلمين أن يتخذوا موقفاً من هذه الممارسات؟! إننا لا نريد أن نُسَيّر جيشاً من مكة لنحارب به في بلد آخر، ولكننا نريد أن نعلن عن موقفنا، وباستطاعة المسلمين أن يعبّروا عن موقفهم إزاء هذا الغزو الإستكباري الصهيوني.إنّ مكة هي المكان المناسب، ولا يوجد مكان أفضل من هذا الميقات والتجمّع الحاشد للأمة الإسلامية.إنّ على جميع الشعوب أن تقوم بذلك، وعلى كافة رؤساء البلدان أن يعملوا على ذلك؛ إذا كانوا يدركون هذه الحقيقة أو كانت لديهم ضمائر حيّة.أما إذا تقاعسوا فإننا سنؤدّي واجبنا ولن نتخلّى عنه لمجرد أنّ الآخرين أشاحوا عنه بوجوههم، وهذا أمر مهم للغاية. إنه مجرد التعبير عن موقفنا وموقف بلدنا، وهذا بالمنطق والدليل.فلابدّ من جعل الشعوب المسلمة على وعي بهذه الحقيقة، ولابد من توضيح معنى البراءة من المشركين وما هو هدفنا من إعلان هذه البراءة، فعليكم بإعداد ذلك وكتابته وتوضيحه بلغة مناسبة ومفهومة ومن ثم توزيعه على حجاج البلدان الإسلامية.إنّ التشوّق للإسلام الأصيل يزداد يوماً بعد آخر في أنحاء العالم، ولم يقلّ هذا الاشتياق منذ انتصار الثورة الإسلامية بل إنه في ازدياد. لقد كان يظنّ بعض السطحيين أنّ الثورة كانت مثل شعلة التهبت ثم خبت وخمدت، ولقد سمعتم ما كانوا يرددونه في الأعوام الماضية بهذا الصدد من أنّ الثورة بلغت نهايتها ومضت إلى النسيان في طريقها إلى المتاحف، غافلين عن أنّ هذه الشعلة عندما يهدأ لهيبها فإنها تمنح الاتّقاد لتلك المشاعل القوية الخالدة التي لا تخبوا ولا تنطفئ على مرّ الزمان. لقد ازدادت الكراهية في العالم الإسلامي اليوم إزاء الاستكبار وعلى رأسه أمريكا والصهيونية وما تقوم به من ممارسات. ولم يعد الأمر مقتصراً على الكراهية، بل إنّ الشعور بالمبادرة والإقدام قد ازداد لدى المسلمين، وإنكم تشاهدون نماذج لذلك في فلسطين.إنّ فلسطين هي نفسها تلك الأرض المحتلة منذ خمسين عاماً، ولكنها تحوّلت إلى مقاومة مقتدرة وقوية لا تستطيع أمريكا والصهيونية مواجهتها، في حين أنّ الشعب الفلسطيني شعب أعزل ويرزح تحت الحصار المشدد.إنهم يضاعفون من ضغوطهم على فلسطين ويرتكبون المذابح والفجائع والجرائم كل يوم، ولكنهم عاجزون أمام مقاومة الشعب الفلسطيني. ومن النماذج البارزة والإعجازية ما حدث في لبنان، فلقد كانوا يظنّون أنّ لبنان أضعف حلقة في سلسلة بلدان العالم الإسلامي، ولكن سرعان ما تبيّن لهم أنه من أقوى الحلقات، وقد شاهدتم ما فعله بهم اللبنانيون، وما قام به حزب الله!كما أنّ العراق وأفغانستان من النماذج الأخرى، ففي كافة بلدان هذه المنطقة يزداد ألق المسلمين وبريق الشباب المسلم وازدهار الطموحات الإسلامية يوماً بعد يوم. وطالما أنّ الأمر كذلك فلابدّ من تشجيع المسلمين على التعبير عن موقفهم بشدّة متمثلاً في البراءة.وعلى أية حال، فإننا نرجوا أن تكون هذه البرامج التي أشار إليها سماحة الشيخ الري شهري والمدير المحترم نقطة عطف على طريق تحسين برامج الحج وأن تجد طريقها إلى التنفيذ على أفضل وجه، وكذلك فيما يخص المؤسسة ونشاطاتها وأسلوب عملها، ونسأل الله تعالى أن يوفّق هذه المجموعة المسؤولة عن الحج ـ بقسميها ـ إلى المزيد من التكامل والتقدم بفضل ما توليه لهذه المهمة من الشعور بالمسؤولية وحسن المتابعة والتطور.وندعوا الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل بقية الله (أرواحنا فداه) جميع هذه الخدمات الجليلة، وأن تكون مثار رضا وسعادة لأرواح شهدائنا الطيّبة وإمامنا العظيم.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته*****          
2006/11/21

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد

الخطبة الأولى بسم ‏اللَّه الرّحمن الرّحيم‏ «الحمد للَّه ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكّل عليه، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه سيّدنا ونبيّنا أبي ‏القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين وصحبه المنتجبين، والسّلام على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين. أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه» أبارك للأمَّة الإسلامية جمعاء، كما أبارك للشعب الإيراني الأبي، ولكم ـ أيَّها الإخوة المصلّون الأعزاء ـ حلول عيد الفطر المبارك، وأوصيكم ـ أيَّها الإخوة والأخوات جميعاً ـ بالتمسّك بالتقوى والورع والاجتناب عن معاصي الله. لقد مرَّ علينا جميعاً شهر رمضان المبارك ـ شهر الإخلاص والصدق والمعنويات ـ وقد أظهر الشعب الإيراني حيويته ونشاطه على الصعيد المعنوي والسياسي، على طول أيام شهر رمضان المبارك. أمَّا في باب المسائل السياسية، ففي آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، صدع الشعب الإيراني بصوته في جميع أنحاء البلد، معبَّراً عن دعمه للشعب الفلسطيني المظلوم، من خلال هتافاته، وشعاراته، وتواجده في الساحة، وإعلان رسالته الواضحة للعالم. لقد شاهدنا في هذا العام ـ والحمد لله ـ نفس الاهتمام والحماس والإحساس بالمسؤولية الذي كان تبديه الأمَّة الإسلامية في معظم مناطق العالم، تجاه الشعب الفلسطيني، وبالتأكيد فإنَّ المعنويات العالية للأمَّة الإسلامية؛ الناتجة عن الانتصارات التي حققها حزب الله، كان لها تأثيرٌكبيرٌ في هذه الحيوية والنشاط السياسي. وأمَّا بالنسبة للنشاط المعنوي، فإنَّ شعبنا العزيز قد عاش هذا العام أيَّاماً رمضانية خالصة ومفعمة بالحيوية في جميع مناطق البلد، فقد كان لإقامة الصلاة وقراءة القرآن، ومجالس الدعاء والتوسّل، وإحياء ليالي القدر، رونق جدير بالذكر، ففي هذه الليالي طهَّر شعبنا ـ وبالخصوص الشباب ـ أرواحهم وقلوبهم في ماء التوبة؛ وهذا ما حدث في كافة أنحاء بلدنا العظيم ـ في المدن، والقرى، وجميع المناطق الأخرى. لقد حصلتُ على أخبار وتقارير موثَّقة ـ في حكم مشاهدة العيان ـ تُبيِّن أنَّ شبابنا ـ بمختلف طباعهم وتوجّهاتهم، وعلى اختلاف هيئاتهم وأشكالهم، وميولهم ومشاعرهم ـ قد هيّأوا قلوبهم وأقبلوا في ليالي القدر المباركة الى مساجد طهران والمدن الأخرى، بل الى جميع أماكن العبادة في البلد، ، وشرعوا بالدعاء والمناجاة. إنَّ إخلاص هؤلاء الشباب، والنور الذي يملأ قلوبهم، والتوجَّه نحو القرب الإلهي، ومناجاتهم لله تعالى، تعتبر إحدى النعم الكبيرة التي أنعم الله بها علينا، وهي في تزايد مستمر، فقد اعتكف في مساجدنا آلاف الأشخاص في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وقضوا الليالي والأيام بالذكر والعبادة، والكثير منهم قام بختم القرآن الكريم. سوف أتعرَّض الى مسألتين تتعلّق بالطهارة المعنوية لقلوب الشباب: المسألة الأولى هي: ينبغي لجميع أفراد الشعب ـ خصوصاً الشباب ـ أن لا يقطعوا العلاقة مع الله تعالى، والتي حصلوا عليها ببركة هذه الأيام والليالي النورانية، بل عليهم أن يحافظوا على هذه العلاقة، وإنَّ إمكانية حفظ هذه العلاقة في متناول الجميع أيضاً. إنَّ أداءنا للصلوات اليومية الخمس، بتوجَّه وحضور قلب، أثناء وقوفنا أمام الله تعالى، سيكون أكبر باعث على تعميق العلاقة مع الله، وجعل قلوبنا أكثر نورانية يوماً بعد آخر. فعلى الشباب الذين اجتمعوا في المساجد والحسينيات والمراقد المطهّرة في ليالي القدر، وذرفوا الدموع المشفوعة بالدعاء وقراءة القرآن وإحياء الليل، ونوَّروا قلوبهم بنور المحبَّة الإلهية، أن يحفظوا هذه العلاقة؛ لأنَّهم سيجنون آثارها النافعة في المستقبل، وستشتدّ هذه العلاقة على مرَّ الزمان ـ في السنين اللاحقة أكثر فأكثر و إن شاء الله تعالى . إنَّ هذا الطريق هو الذي يوصل الإنسان الى الكمال المطلوب و إلی الهدف الذي خُلق من أجله، وإنَّ النجاح في جميع ميادين الحياة متعلّق بهذا الأمر أيضاً. المسألة الثانية هي: إنَّ بمقدوركم أن تطلبوا مختلف الحاجات ـ حتَّى الحاجات الصغيرة ـ من خلال إقبالكم على الله تعالى، بالدعاء والمناجاة، ولابدّ لكم من فعل ذلك، إلا أنَّ ذلك لا يعني أن تقصروا دعائكم على طلب الحاجات الصغيرة، بل اطلبوا من الله تعالى قضاء حوائجكم الكبيرة أيضاً. إنَّ أكبر الحاجات هي غفران الذنوب اطلبوا من الله تعالى أن يزيل الآثار المتبقّية في القلوب والنفوس؛ نتيجة ارتكاب المعاصي والذنوب، واسألوه أن يفتح أمامكم أبواب التوبة. من الحاجات الكبيرة الأخرى محبَّة الله، فعليكم أن تطلبوا من الله تعالى أن يمنحكم مقام المحبَّة الإلهية. ومنها أيضاً صلاح أمور الأمَّة الإسلامية، فعليكم أن تطلبوا من الله تعالى أن يُصلح كافة أمور الشعوب الإسلامية ـ ليس الشعب الإيراني فقط ـ وبلدانها، بل عليكم أن تطلبوا من الله تعالى أن يهدي جميع أفراد البشرية الى الصراط المستقيم. إنَّ هذه الأدعية مؤثّرة، وإمكانية استجابتها كبيرة جداً، وهي تفتح الأبواب، وتمهِّد السُبل، وتساعدنا في الوصول الى أهدافنا الكبرى بسهولة. أسأل الله تعالى أن يوفّقكم جميعاً، ويمكّنكم من الانتفاع ببركات هذا الشهر الكريم. بسم ‏اللَّه الرّحمن الرّحيم‏ ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ الخطبة الثانية «الحمد للَّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي ‏القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين، سيّما علي أمير المؤمنين والصدّيقة الطّاهرة سيّدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، والخلف القائم الحجّة. اللّهم صلّ عليهم صلاة كثيرة تكون لهم رضىً، ولحقّ محمّد وآل محمّد أداءً وقضاءً بحولٍ منك وقوّة يا ربّ العالمين. استغفر اللَّه وأتوب إليه وأتوكّل عليه» في الخطبة الثاني، أوصي نفسي وجميع الإخوة والأخوات المصلّين مرَّة أخرى بتقوى الله، واتّباع أمره. إنَّ من أهمّ المسائل اللازم ذكرها في هذه الأيام،مسألتين أوثلاثة، سوف أتعرَّض لها باختصار: المسألة التي ينبغي لكافة الشعب الإيراني الانتباه إليها، هي مسألة الانتخابات المقبلة. فإنَّ أمامنا مرحلتين من الانتخابات المهمَّة، الأولى: انتخابات مجلس خبراء القيادة، والثانية: انتخابات المجالس البلدية والقُروية. إنَّ أهمية انتخابات مجلس الخبراء التي قد تفوق في أهميتها و حساسيتها غيرها من الانتخابات في هذا البلد تكمن في أنَّ من خلالها، ينتخب الشعب أفراداً ذوي خبرة، وموضع ثقة؛ ليستعدوا للقيام بوظيفتهم في اللحظة الحساسة التي يمرَّ بها البلد، والمتمثّلة بفقدان القائد، فإنَّ على هذه الشريحة المعتمدة من الشعب، والتي تمتلك البصيرة النافذة، الجلوس لانتخاب القائد القادر على أداء المسؤولية القيادية، وتعريفه للشعب. وجود هذه الجماعة ضروري لانتخاب القائد عندما يحتاج البلد إلی هذا الانتخاب في حالة وفاة القائد السابق أو عندما يسقط في صلاحياته لا سمح الله، و بدونهم سوف يتعرض الجهاز الاداري في البلد لأزمة يستعصي حلّها إنَّ أهم أعمال مجلس الخبراء ـ في الدرجة الأولى ـ هي انتخاب القائد، وـ في الدرجة الثانية ـ مراقبة وضعه الحالي، أي مراقبة استمرار تمتعه بالصلاحيات. وهل أنّ علمه وتقواه وإدارته وتدبيره وإخلاصه وصدقه باقٍ على حاله، أم انخفض عن حدّ النصاب؟ فلابدّ لهم من مراقبة ذلك، ومن هنا تكمن أهمية مجلس الخبراء؛ لأنَّه ليس هناك مؤسسة أخرى في البلد يمكنها أن تقوم بهذا العمل المهم، ويسمح لها القانون بذلك. بناءً على ذلك، فإنَّ انتخابات مجلس الخبراء مسألة حساسة جداً. لقد بدأت وسائل الإعلام الخارجية ببثّ سمومها الدعائية قبل عدَّة أشهر من انعقاد الدورة السابقة لمجلس الخبراء ـ عندما جرت انتخابات مجلس الخبراء قبل ثمانية أعوام ـ وذلك من أجل أن يقللوا من اهتمام الشعب بهذه الانتخابات، فيمتنعوا عن المشاركة فيها. إنَّ هدف دعايات الأعداء هو إيجاد المشاكل الكبيرة؛ للحيلولة دون نجاح عملية انتخاب هذا المجلس الذي يتمتع بصلاحيات كبرى في البلد.إلّا أنَّ الشعب قد شارك ـ بتوفيق الله وهدايته ـ في الانتخابات من خلال الحضور القوي والفعَّال في ساحة الانتخابات، على خلاف رغبة الأعداء، وقاموا بانتخاب أعضاء لمجلس الخبراء ـ الذي هو على مشارف نهاية دورته الحالية . على الأخوة والأخوات أن يعلموا: أنَّ هذه الانتخابات التي ستجري في الأيام القادمة هي انتخابات حسّاسة جداً، والمشاركة فيها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصالح الأساسية للشعب والدولة، فكلما أصبح مجلس الخبراء، أكثر قوَّة واعتباراً وثباتاً وحكمةً وبصيرة، فسوف يكون مستقبل البلد أكثر ضماناً. شاركوا في هذه الانتخابات، بحماس ووعي تام، وانتخبوا من تثقون بهم أو تثقون بمن يعرّفهم ويشهد بصلاحيتهم من أجل أن يبقى هذا المجلس محافظاً على قوَّته واقتداره، وفقاً لما حُدّد له من قانون، ويُضمن مستقبل البلد. طبعاً، اليوم أيضاً تظهر بعض الدعايات من هنا وهناك، إلّا أنَّها ليست بالحجم الذي كانت به قبل ثماني سنوات؛ لأنَّ الأعداء قد يئسوا من إصغاء الناس لهم، وإعطاء الأهمية لما يتفوّهون به. على الجميع المشاركة في الانتخابات من باب الشعور بالتكليف وأداءً للمسؤولية، وخاصةً في الدورة المقبلة للمجلس؛ لطول مدَّة دورته بعض الشيء، نتيجة لبعض المهام القانونية التي تترتب عليه؛ أي سوف تكون مدَّة مسؤولية مجلس الخبراء القادم تسع سنوات ونيّف. إنَّ الانتخابات التي تليها هي انتخابات المجالس البلدية، وهي تعني تمشية أمور المدن، والمتطلّبات اليومية لحياة النَّاس ـ التي تمثّل حكومة الشعب ـ وهي تُعد من الانتخابات المهمَّة أيضاً، ولها مميّزاتها الخاصة أيضاً. سوف تجري عمليات هذين الانتخابين في وقت متقارب بعض الشيء، تفصل بينها عدَّة أيام(أقل من شهرين ) وسوف يشارك فيها جميع الشعب الإيراني ـ إن شاء الله تعالى ـ وعلى المسؤولين أن يبذلوا مساعيهم الحثيثة، من أجل تنظيمها بالشكل الذي يحفظ سلامتها وكمالها وخلوّها من النقص والانتقاد. وعلى المسؤولين أن لا يُربكوا الأجواء السياسية في البلد، عندما يقومون بالترويج للدعايات الانتخابية، من خلال توجيه الشتم والإهانة لهذا وذاك؛ آخذين بنظر الاعتبار اختلاف التوجّهات السياسية للتيارات المتعددة. ما ذنب هذا الشعب حتي يتعرض لهذا التشويش و الاضطراب نتيجة للاختلافات السياسية من قِبَل الأشخاص والمجاميع والتيارات، فعلى هؤلاء أن يحافظوا على أجواء الانتخابات سالمة. طبعاً، ليس هناك مانع أبداً من الدفاع ودعم أي شخص لنفسه ولمرشَّحه، فإنَّ إجراء الدعايات الانتخابية بالقدر المتعارف، دون إفراط وتفريط، أمر رائع، أمَّا الإهانة والتسقيط والشتم ـ وهي من العادات القبيحة عند الدول الغربية ـ فعليكم اجتنابها. ليترك هؤلاء الشعب ينتخب في أجواء هادئة، من خلال التشخيص والوعي، دون اضطراب وتشويش. المسألة الأخرى ـ وهي توصية أخرى للشعب الإيراني أيضاً ـ الإحصاء السكّاني، ففي المستقبل القريب ـ في الأيام القلائل القادمة ـ سوف تجري عملية إحصاء سكّاني عامة في البلد، وهو ما يتمّ إجراؤه كل عشر سنوات مرَّة واحدة. فعلى الجميع أن يلتفتوا الى أنَّ الخطط الأساسية لمشاريع البلد، هي إحصائيات تعتمد على التعداد السكّاني، فكلما كان التعداد السكّاني دقيقاً وصحيحاً، فسوف تكون البرامج المتعلّقة بالمشاريع أكثر صحَّة ودقَّة، وتكون إمكانية نجاح برامج التنمية والإعمار أكثر من ذي قبل. بناءً على ذلك، يجب على أفراد الشعب أن يشاركوا في عملية الإحصاء السكّاني. المسألة الأخرى ـ التي تُعد من المسائل المهمَّة في المنطقة ـ هي المسائل المتعلّقة بقضية الشعب الفلسطيني، وأحداث الشرق الأوسط، والسياسة التعسّفية للولايات المتحدَّة الأمريكية في هذه المنطقة. وقد أدرك الجميع أنّ هناك صفحة قد طُويت من سجلّ أحداث الشرق الأوسط، وبدأت صفحة جديدة؛ نتيجة للانتصار الذي حققه حزب الله في لبنان، والهزيمة الواضحة والفاضحة لإسرائيل في ميدان القتال خلال المعركة التي دامت ثلاثة وثلاثين يوماً . لقد فشل البرنامج السياسي الذي كانت تريد أمريكا إجراؤه في منطقة الشرق الأوسط، وهذا لا يعني أنَّ أمريكا وإسرائيل قد تخلَّتا عن متابعة نواياهما الخبيثة، كلا، إلّا أنَّهما قد تراجعا خطوة الى الخلف، وفقدا امتيازات كبيرة في المنطقة. يجب على جميع الشعوب توخّي الحيطة والحذر، وبالخصوص شعبنا، والشعب اللبناني والفلسطيني. وعلى شعوب المنطقة العربية، كما أنَّ على الشعب العراقي، وباقي الشعوب الإسلامية الأخرى، أن يكونوا على حذر، وينتبهوا للمخطط العدواني الذي يريد كلّاً من أمريكا والكيان الصهيوني تمريره؛ من أجل إنجاح مشروعهم الخياني الجديد؛ لأنَّ كل ما من شأنه ـ اليوم ـ أن يكون نجاحاً بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، بالمقابل يكون ضرراً يلحق كافة الدول الإسلامية، فليس الأمر مختصاً بالبعض، بحيث يتضرّر البعض منهم وينتفع البعض الآخر ، أبداً . فإنَّ ما يُفرح المعتدين والغاصبين والطامعين بهذه المنطقة، سوف يُؤلم بالمقابل شعوب هذه المنطقة، ويترك أثره عليهم، ولو أننا لم نلتفت الى ذلك بسرعة، فبالتأكيد سوف نبتلي بعواقبه الوخيمة في المستقبل، فينبغي للبلدان توخّي الحذر والتمسّك بالوحدة. يجب أن تحافظ الشعوب على وحدتها الوطنية، وعلى الأخوة الفلسطينيين من مختلف التيارات والمجاميع أن يعلموا أنَّ اتّحادهم اليوم يعتبر من أهمّ عوامل الانتصار الأخرى. فيجب تجنب الاختلاف الذي يسرالعدو المتربص الرامي الی تاجيج الخلافات بين الفصائل الفلسطينيّة ، وعدم الغفلة عن الخطَّة التي رسمها الأعداء؛ من أجل تفرقتهم. إنَّ نفس هذه المسألة تصدق على لبنان أيضاً، فعلى الشعب اللبناني أن يحافظ على وحدته، على ضوء الشعارات القويَّة للمقاومة الإسلامية، كما أنَّ على الشعب العراقي تجنّب الخلافات الحزبية والطائفية بشكل جدّي، وهذا هو الطريق لعلاج وحلَّ المشاكل التي تبتلي بها منطقتنا. أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً، وجميع الشعوب الإسلامية، لنتمكن من أداء وظائفنا المهمَّة. بسم ‏اللَّه الرّحمن الرّحيم‏ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ ***** والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته  
2006/10/24

كلمته في مسؤولي النظام

بسم الله الرّحمن الرّحيم أبارك للأمَّة الإسلامية جمعاء، وللشعب الإيراني العزيز، ولكم ـ أيَّها الحضور الكرام ـ كما أبارك للضيوف الأعزّاء سفراء البلدان الإسلامية الحاضرين في هذا الاجتماع، مناسبة حلول عيد الفطر المبارك. إنَّ الله تعالى خصَّ يوم عيد الفطر بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعله ذخراً وشرفاً وكرامةً، وباعثاً على زيادة النور والهيبة المعنوية له ولدينه الحنيف، كما نكرر ذلك في دعاء قنوت صلاة عيد الفطر المبارك: (ذخراً و شرفاً وكرامةً ومزيداً). إنَّ يوم عيد الفطر المبارك، يوم عظيم، وهو مختصّ بالأمَّة الإسلامية. إنَّ الأمَّة الإسلامية في الوقت الراهن بحاجة أكثر من ذي قبل لبواعث الاشتراك والوحدة والشعور بالعزّة والعظمة. لقد امتهنت الأمَّة الإسلامية على مدى الأعوام المتمادية، واستهين بالتأريخ الثقافي العريق، والعزَّة والكرامة والهوية الأصيلة التي تمتلكها هذه الأمَّة، وقد كان هدف الأعداء من ذلك، هو إبعاد الشعوب الإسلامية من ميدان العمل السياسي والجهادي؛ من أجل الهيمنة على البلدان الإسلامية، وتجريدهم من مصادر ثرواتهم. كانت هذه سياسة القوى الاستعمارية والاستكبارية في العالم، لعقود من الزمن، وقد نجحوا في ذلك لفترة معيّنة. ولو أنَّ الأمَّة الإسلامية، تمسَّكت بهويّتها الإسلامية، لما وجدت معضلة باسم إسرائيل في المنطقة، إلّا أنَّ الأعداء تمكّنوا من عزل الأمَّة الإسلامية عن ساحة التحوّلات التي تجري في المنطقة ـ أي موطنها ـ فنتج عن ذلك الغياب أن شرع الأعداء باتخاذ قرارات جائرة ضد البلدان الإسلامية. يمكن لنا القول بلا تردد: إنَّ الأمَّة الإسلامية، وعلى طول الأعوام المتمادية، لم تكن تؤدّي الوظائف الملقاة على عاتقها؛ ولهذا علينا أن نشخّص ونتعرَّف على أخطائنا، من أجل إصلاحها. فلولا وجود حالة التقاعس والتهاون قبال العدو، لما استطاع العدو أن يسيطر علينا. لقد تراجعنا، وهذا هو أحد أخطائنا، إلّا أنَّ الوضع قد تغيَّر الآن، فالعالم الإسلامي اليوم يتمسَّك بهويّته. ينبغي لهذه الأمَّة استغلال كافّة عناصر العزَّة ـ الموجودة في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والقرآن الكريم ـ وعلى رأس ذلك التوجَّه الى الله والتمسّك بالدستور الإلهي، والتوكل على الله والثقة به تعالى. إنَّ الله تعالى يلقي اللوم على الذين يظنّون به ظنَّ السوء فيقول: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ ، فإنَّ الذين ينكرون نصرة الله لهم في الميدان، ينبغي لهم أن يلوموا أنفسهم؛ لأننا حينما ننزل الى الميدان، فإنَّ الله تعالى سوف يُعيننا؛ وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم، والوعد الإلهي المؤكَّد، وما نشاهده من خلال التجارب الحياتية التي نمرّ بها. إنَّ التاريخ الإسلامي ثرٌّ بالتجارب التي تبيِّن للمسلمين، أنَّهم كلّما شحذوا الهمم، ونزلوا الى الميدان، مستعينين بالقدرة الإلهية، فسوف يحصلوا على العون والإمداد الغيبي. إنَّ النصر الإلهي يتحقق لا محالة، إلا أنَّه يُشترط فيه نُصرة الله، والتواجد في الميدان: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ﴾ ، وأمَّا مع وجود التقاعس، والسعي وراء الأوهام، والتلاعب بمقدّرات الأمَّة الإسلامية، وترجيح هوى النفس على مصالح الأمَّة، فلا يمكن أن يتحقق ذلك. لقد استيقظ العالم الإسلامي في يومنا هذا، وعلينا الاهتمام بهذه الصحوَّة، وتوجيهها الوجهة الصحيحة، وعلينا أن نثق بالله، مكان الثقة بالقوى الاستكبارية، وحيثما تحقق هذا الأمر، فسوف يكون النصر حليفنا لا محالة. إنَّ ما يقع على عاتقكم ـ أيَّها الإخوة والأخوات الأعزاء ـ باعتباركم مسؤولي هذا البلد الإسلامي، هو أن تعتقدوا بأهمية هذا الشعب، فشعبنا عظيم، وشجاع، ومؤمن وحيويّ ومخلص، فعليكم أن تعترفوا بهذه المكانة والمنجزات التي حققها، وتعتقدوا بأهمية العمل من أجله، وتحمّل المسؤوليات التي تصبُّ في خدمته وقضاء حوائج أفراده، التي تعتبر فخراً عظيماً. إنَّ هذا الشعب العظيم، والمؤمن، الذي استطاع؛ من خلال مجاهدته وصبره ومعرفته ووعيه وروحيته العالية، أن يبعث الحياة في بدن العالم الإسلامي. أنتم أيضاً تُعدّون من ضمن أفراد هذا الشعب، وتشاركونه في نهضته العالمية الخيَّرة. إلّا أنَّكم مسؤولون الآن أيضاً؛ لأنَّكم تحمَّلتم المسؤولية التي لابدّ لكم من الوفاء بها، فعليكم أن تجعلوا الإخلاص، والجد والاجتهاد، والتحمّل، والقناعة، وترجيح المصالح العامة على المصالح الخاصة، مصابيح هداية لإنارة طريقكم. هذا هو تكليفكم، وعبادتكم، وهو من أكبر العبادات، وبالطبع، لو رغبتم في بقاء هذه الروحية، فعليكم أن تجعلوا قلوبكم متعلّقة بالله تعالى. إنَّ شهر رمضان يعتبر من الفرص الكبيرة، كما أنَّ عيد الفطر المبارك يُعدّ من الفرص الكبيرة أيضاً، بل إنَّ جميع أيام السنة وساعات العمر هي فرص للارتباط بالله تعالى. إنَّ تلاوة القرآن، والاهتمام بالمعارف والمعاني القرآنية، والشعور بالمسؤولية التي توجب علينا أن نشكر الله تعالى، والخضوع له، وخشوع القلب في حضرته، والتواضع لأفراد الشعب؛ تعتبر من المعايير والملاكات لعملنا، وعلينا الاهتمام بها. وهذا يعني وجوب تواجدنا في الميدان، والعمل لله تعالى، وعدم جعل ذلك مشفوعاً بالأهواء النفسية، وعدم الشعور بالتعب عند القيام بذلك ـ وبالطبع، فإنَّ العمل إذا كان مقروناً بالنيّة لله تعالى، فسوف لا ينتاب الإنسان الشعور بالتعب ـ قال تعالى ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ ، فمع الخشوع، يزول التعب والملل، ومع التوجَّه لله تعالى، تذهب المتاعب والآلام، وهذا من النعم التي خصَّنا الله بها. إنَّ الشعب متواجد في الساحة أيضاً، وكذلك الشباب، فإنَّ هذا الشعب يسعى للنزول بكل حماس وشوق الى جميع الميادين التي يشعر أنَّها موضع لحاجة البلد، فلقد خاض ميدان الجهاد في فترة الدفاع المقدَّس، والميدان العلمي والسياسي، وأظهر تواجده المستمر في المظاهرات والانتخابات. هذه هي طبيعة شعبنا وأمتنا العظيمة، فعليكم أن تعتقدوا بأهمية خدمة هذا الشعب، وتشكروا الله عليها، الذي جعلنا خَدَمة لهذا الشعب، ووفّقنا للعمل بهذا التكليف. وكذلك في العالم الإسلامي، فإنَّ من أولويات المسائل العالمية المتعلّقة بالأمَّة الإسلامية في الوقت الراهن؛ هي القضية الفلسطينية. طبعاً، إنَّ القضية العراقية، واللبنانية، والأفغانية، تعتبر ـ أيضاً ـ من المسائل المتعلَّقة بالأمَّة الإسلامية، وهي من القضايا المهمَّة أيضاً، وعند النظر الى مجموع هذه القضايا، سوف نرى من خلالها يد الاستكبار العالمي والأمريكي والصهيوني الآثمة والملوثة بالذنوب. إنَّ تكليفنا واضح أيضاً، وهو عودة الشعوب والحكومات الإسلامية الى التفكير باستعادة هويتها، والحصول على القدرة التي تمنع المستكبرين من التسلّط عليها. إنَّ أهم المصالح بالنسبة لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، هو الحفاظ على المصالح الصهيونية والإسرائيلية، علماً أنّ البعض من الحكومات العربية والمسلمة لها علاقة جيدة ووطيدة مع أمريكا، إلّا أنَّ مصالحها لا تشكَّل أهمية رئيسية لدى الإدارة الأمريكية. إنَّ مصالح هذه الحكومات لم تكن لها أهميَّة مقابل مصالح إسرائيل بالنسبة لأمريكا، فعلى الجميع إدراك ذلك والانتباه له. إنَّ الأعداء قد بذلوا مساعي حثيثة؛ من أجل تأجيج الصراع بين أفراد الشعب الفلسطيني في فلسطين نفسها، إلّا أنَّ المسؤولين الفلسطينيين ـ ولحسن الحظ ـ توخّوا الحذر، ووقفوا للحيلولة دون وقوع التنازع والحرب وسفك الدماء فيما بينهم، لكن العدو لا يزال يقوم بمشاريعه التآمرية. إنَّ حكومة حماس، حكومة شعبية، والمواقف التي اتّخذتها ـ أي عدم الاعتراف بإسرائيل، وعدم إجراء المحادثات معها ـ هو ما كان يرغب به الشعب الفلسطيني. فليعلم الذين يدَّعون أنَّ رغبتهم هي إرادة الشعب الفلسطيني، أنَّ الشعب الفلسطيني يرغب في نفس الشعارات التي أطلقتها الحكومة الحالية ـ التي جاءت عن طريق الانتخابات الفلسطينية ـ فينبغي لمسؤولي الحكومة الفلسطينية المستقلّة التسليم مقابل إرادة الشعب الفلسطيني، وعلى الجميع أن يلمُّوا شملهم، ويعترفوا بحكومة حماس الشعبية والمواقف التي تقوم باتخاذها. إنَّ القضية اللبنانية بهذا الشكل أيضاً، فإنَّ اللبنانيين وحزب الله البطل أظهروا بأنَّهم قادرون على التصدّي لإسرائيل وإلحاق الهزيمة بها؛ من خلال الثبات والعزم الراسخ، وهو مما كان لا يخطر على مخيَّلة بعض ساسة البلدان الإسلامية، إلّا أنَّه حدث فعلاً، وتحققت هزيمة إسرائيل؛ نتيجة للتصدَّي والمقاومة، والتوكّل على الله تعالى، واستخدام جميع الإمكانات والوسائل من قِبَل حزب الله والشعب اللبناني. إنَّ هذه إحدى الصور الشاملة والمتعلّقة بالعالم الإسلامي بأسره، دون فرق بين بلد وبلد، وإنَّ شرط تحقق ذلك هو تخلّينا ـ كمسؤولين للبلدان الإسلامية ـ عن منافعنا ورغباتنا وأهوائنا الشخصية، وترجيح مصلحة الشعب والأمَّة على ذلك، فلو حافظنا على هذه الشروط، فسوف تكون النتيجة لصالحنا بالتأكيد. وكذلك الأمر في العراق، فهو بهذا الشكل أيضاً، فإنَّ الحكومة الآن هي حكومة شعبية، على خلاف رغبة المحتلّين ورغبتهم، وعلى خلاف الصورة والنموذج الذي رسموه للعراق في مخيّلتهم، وهذا هو الذي حدث بالفعل؛ ولهذا فإنَّكم تجدونهم يظهرون رؤوس الفتنة، ويقومون بتأجيجها، وهذا هو عمل الذين لا يرغبون في أن تكون هناك حكومة شعبية حقيقية في العراق، كما هو عليه اليوم؛ فهم يخلقون الذرائع من أجل إشغال هذه الحكومة بالمشاكل. وهذا ما تدلّ عليه جميع القرائن والشواهد. إننا نأمل أن يعلم المسؤولون البارزون، من مثقّفين، ورجال دين، وسياسيين، وعلماء اجتماع، وعشائر، والمنظمات الشعبية في العراق، أنَّ العلاج الوحيد لمشاكلهم هو وحدة الكلمة، فعليهم أن لا يقعوا في شباك العدو، ويضعفوا أنفسهم ويقوّوا العدو؛ نتيجة لذرائع مذهبية وطائفية وسياسية وحزبية .. وأمثال ذلك؛ مما يؤدّي الى تسلّط العدو عليهم. أسأل الله تعالى أن يبارك لكافة المسلمين في هذا العيد، ويجعله باعثاً على خير وبركة جميع البلدان الإسلامية، ويجعل العالم الإسلامي أكثر عزَّة وفخراً يوماً بعد آخر ـ إن شاء الله تعالى ـ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته *****
2006/10/24

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

الخطبة الأولىبسم ‏اللَّه الرّحمن الرّحيم‏«والحمد للَّه ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونتوجّه إليه ونستغفره، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه، حافظ سرّه ومبلّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته، سيّدنا و نبيّنا وحبيب قلوبنا أبي ‏القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المعصومين، وصحبه المنتجبين، اللّهم صلّ على وليّك وحجّتك صاحب الزّمان، ومظهر الإيمان، ومعلن أحكام القرآن، وصلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين».إنَّنا في رحاب اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، أحد الأيام التابعة لليالي القدر، ويوم ضربة مولى المتّقين وقائد الغرّ الميامين، أمير المؤمنين (عليه الصّلاة والسّلام).في بداية حديثي، أوصيكم جميعاً ـ أيَّها الإخوة والأخوات ـ ونفسي بذكر الله، والتمسّك بتقواه وإتّباع أمره.إنَّ الصيام، والعبادة، والقيام بأعمال ليالي القدر وتلاوة القرآن، تعتبر من أهم الآثار لشهر رمضان المبارك؛ لأنَّها تجنّب قلوبنا المعاصي وتجعلها طافحة بالتقوى. سوف أتعرَّض في الخطبة الأولى الى جملة مختصرة في باب الدعاء ـ لأنَّه فضلاً عن كون شهر رمضان، هو شهر الدعاء، فإنَّ ليالي وأيام القدر، مختصّة بالدعاء أيضاً، وعلينا استغلال هذه الفرصة ـ وبعد ذلك أتحدَّث قليلاً عن أمير المؤمنين (ع).إن ملخّص حديثي في باب الدعاء، هو: أنَّ الدعاء يعتبر مظهر العبودية لله تعالى، والهدف منه تقوية صفة العبودية عند الإنسان، وإنَّ الاتّصاف بهذه الصفة، والإحساس بها مقابل الله تعالى، كان هدف جميع أنبياء الله ـ بدءاً بأوَّلهم وانتهاءً بآخرهم ـ ويظهر ذلك من خلال تعاليمهم ومساعيهم.إذاً، فإنَّ هدف الأنبياء هو إحياء صفة العبودية عند الإنسان.إنَّ المنبع الرئيسي لجميع الفضائل الإنسانية، والأفعال الحسنة ـ التي يتمكّن الإنسان من القيام بها، ـ سواء كان ذلك على المستوى الشخصي، أو الاجتماعي ـ هو الإحساس بالعبودية مقابل الله تعالى، وإنَّ النقيض من ذلك، الشعور بالتكبّر والأنانية والعجب؛ لأنَّ الأنانية هي منشأ جميع الآفات الأخلاقية التي تصيب الإنسان، وما يترتب عليها من آثار ونتائج على مستوى السلوك العملي.إنَّ منشأ جميع الحروب والمذابح التي تحدث في العالم، والظلم الذي يقع، والفجائع التي حدثت على مرّ التاريخ ـ التي قرأتم عنها أو سمعتموها أو تشاهدونها في هذه الأيام ـ هو الشعور بالأنانية والتكبّر والعجب، الذي يعتبر المنبع الأساسي للفساد والتدهور الموجود في حياة بعض المجتمعات البشرية.إنَّ العبودية تقع على طرفي النقيض من الأنانية والتكبّر والعجب.ولو جُعلت هذه الأنانية والتكبّر في مقابل الله تعالى، أي يجعل الإنسان نفسه مقابل الباري تعالى، فسيؤدي ذلك الى ظهور حالة الطغيان؛ مما يجعله أن يكون طاغوتاً، وهذا لا يختصّ بالملوك وحسب، بل إنَّ أيَّ شخص منّا ـ بني الإنسان ـ يمكن له أن يجعل من نفسه ـ لا سمح الله ـ طاغوتاً وصنماً، ويقوم بتنشأته وتربيته.إنَّ التمرّد والتكبّر على الله تعالى، يؤدي الى تنمية حالة الطغيان عند الإنسان، فإن كان ـ هذا التكبّر ـ على النَّاس، فسيؤدّي الى الاعتداء على حقوق الآخرين، والتجاوز والتطاول على حقوق هذا وذاك، وإذا كان على الطبيعة، فسوف يؤدّي الى التفريط بالبيئة الطبيعية؛ أي أنَّ ما نراه اليوم من اهتمام بمسألة البيئة في العالم، يجعلنا نعتبر عدم الاهتمام بالمناخ الطبيعي للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، من مصاديق الطغيان والتكبّر والأنانية التي نقوم بها إزاء الطبيعة، والدعاء مخالف لكل ذلك.إننا عندما ندعوا ـ ففي الحقيقة ـ إننا نقوم بإيجاد حالة الخشوع في أنفسنا، وتحطيم روح التكبّر والأنانية فيها، الذي سيؤدي بدوره الى حفظ عالم الوجود وبيئة الإنسان الحياتية؛ نتيجة لفقدان حالة الطغيان والتجاوز من قِبَل المتكبّرين على حقوق الإنسان والطبيعة؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف: «الدّعاء مخُ العبادة» .إنَّ الهدف من العبادة هو: تقوية صفة التسليم عند الإنسان لله تعالى وخشوع القلب مقابل عظمته، وإنَّ هذه الطاعة والخشوع مقابل الله تعالى ليست من قبيل تواضع وخضوع الناس بعضهم للبعض، بل بمعنى التواضع والخضوع مقابل الخير، والجمال، والحسن، والفضل المطلق؛ ولهذا فإنَّ الدعاء، والفرصة التي نحصل عليها للقيام بالدعاء تعتبر من النِعَم، ففي وصية أمير المؤمنين (عليه ‏الصلاة والسلام) الى الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ورد هذا المعنى: «اعلم أنَّ الذي بيده خزائن ملكوت الدّنيا والآخرة قد أذن لدعائك وتكفّل لإجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك » إنَّ العلاقة والارتباط مع الله ـ التي تحصل من نتاج الطلب منه تعالى للحصول على عطاياه ـ هي الباعث على تسامي روح الإنسان، وتقويتها، «و هو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه» .فإنَّ الله تعالى يسمع صوتك ويقضي حاجتك، في أي وقت تدعوه وتعرض حاجتك عليه، فإنَّك تستطيع أن تخاطب الله تعالى، وتتحدث إليه وتأنس به وتطلب منه في أي وقت، وهذه نعمة كبيرة بالنسبة للإنسان.إنَّ أهم خواص الدعاء ـ التي تحدّثنا عنها مقداراً في ما سبق ـ هو الارتباط بالله والإحساس بالعبودية في حضرته، وإنَّ ذلك يعتبر من أكبر النعم الإلهية؛ وكذلك تظهر خواص الدعاء حينما ندعو الله فيستجيب دعوتنا. إنَّ الاستجابة الإلهية من قِبَل الباري عزَّ وجلَّ، تتحقق بدون قيد أو شرط، إلا أننا نمنع الإجابة؛ نتيجة لِمَا نرتكب من معاصي، فنكون السبب الباعث لحجب ما ندعو به، وهذا بحدّ ذاته يعتبر من المعارف التي نتعلّمها من الدعاء، وهو أحد الخصوصيات التي يمتاز بها الدعاء أيضاً.إنَّ إحدى البركات التي نحصل عليها من خلال الأدعية المأثورة التي وصلتنا عن طريق الأئمة (عليهم السلام) هو: أنَّ هذه الأدعية مليئة بالمعارف الإلهية، فإنَّ أدعية الصحيفة السجّادية، ودعاء كميل، والمناجات الشعبانية، ودعاء أبو حمزة الثمالي ـ وبقية الأدعية الواردة الأخرى ـ كلَّها معارف إلهية، بحيث لو قرأها الشخص وفهمها، فإنَّه يحصل على مجموعة كبيرة من المعارف، فضلاً عما يصحبه من تعلّق قلبي وارتباط مع الذات الإلهية المقدّسة.إنَّني أأكد في وصيّتي للشباب، على الاهتمام بقراءة ـ ترجمة ـ هذه الأدعية، فإنَّ دعاء عرفة وأبي حمزة الثمالي، طافحة بالمعارف، وكذلك دعاء كميل الذي نقرأ فيه: «اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء؛ اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تُنزل البلاء» أو «تُنزل النقم»، فإنَّ كلّ ذلك يعتبر من المعارف الإلهية؛ ومعنى ذلك هو أننا ـ بني الإنسان ـ نرتكب أحياناً أخطاءً وذنوباً، تؤدَّي الى منع الاستجابة لأدعيتنا، وأحيناً تصدر منَّا بعض الذنوب تجلب لنا البلاء.وفي بعض الأحيان تقع بلايا عامة وشاملة؛ نتيجة لبعض الذنوب، وبالطبع، لا يُنبأ عن السبب الذي أدّى الى وقوع هذا البلاء، إلا أنَّه عندما يفكَّر العارفون ويتدبّروا في ذلك؛ يدركون السبب الذي أدّى الى وقوع البلاء على هذه الأمَّة.إنَّ بعض آثار الأعمال سريعة، وبعضها تحتاج الى بعض الوقت، وهذا ما يخبرنا به الدعاء أيضاً.أو عندما نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: «معرفتي يا مولاي دليلي عليك وحبّي لك شفيعي إليك؛ وأنا واثق من دليل بدلالتك و ساكن من شفيعي إلاّ شفاعتك » لاحظوا إنَّ هذه الكلمات تفتح بصيرة الإنسان، وتزيد في معارفه، فهي من أنوار الله وفيوضاته، وتوفيقاته وعناياته الربّانية؛ وهذا هو ما نستطيع الحصول عليه في الدعاء، وبناءً على ذلك، ينبغي لكم إعطاء أهمية للدعاء.إنَّ الدعاء، هو الطلب من الله تعالى، ويمكنكم أن تدعو باللغة الفارسية، أو أي لغة أخرى، وتطلبوا كل ما تحتاجونه منه، وهذا هو معنى الدعاء.في بعض الأحيان لا توجد لدى الإنسان حاجة ـ رغم تعدد واختلاف حوائجه ـ بل يريد الاستئناس بالقرب من الله ، وأحياناً يحتاج الى رضى الله أو مغفرته، وهذا يعتبر نوع من أنواع الحوائج أيضاً، وأحياناً يطلب الإنسان أمراً مادياً، فلا ضير في ذلك كلّه.إنَّ الطلب من الله ـ أي شيء وبأي لغة ـ أمر مرغوب، ويحتوي على الخصائص التي تطرّقت إليها أيضاً؛ أي الارتباط بالله والشعور بالعبودية.طبعاً، إنَّ أفضل المضامين ذات الألفاظ الجميلة، والمليئة بالمعارف الإلهية، تجدونها في الأدعية المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام)، وعليكم معرفة أهميتها، والاستعانة بها.والآن أتحدَّث قليلاً عن حياة أمير المؤمنين (ع).إنَّ حياة أمير المؤمنين (ع)، تمثّل حياة مسلم كامل، وإنسان من الطراز العالي، فهو المثل الأعلى، الذي قضى مراحل حياته ـ طفولته وصباه ـ في كنف النبي (ص) وتحت رعايته، بل ترعرع في أحضان النبي، وتربَّى بتربيته.فقد كان (ع) متّبعاً الرسول (ص) في عهد صباه وشبابه، من حين ما بدأت البعثة وما رافقتها من حوادث جسيمة جرت على الرسول (ص)، حيث شهد (ع) جميع تلك الحوادث، بما فيها من مواجهات ومخاطر شهدتها فترة بداية البعثة النبوية ـ منذ اليوم الأول للبعثة وحتى اليوم الذي أعلنت فيه الرسالة ـ إنَّ أمير المؤمنين هو الذي يقول: «لقد كنت أتّبعه إتّباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً و يأمرني بالاقتداء به » لقد كان الرسول (ص) يربّي هذه الشخصية المرموقة والملكوتيّة ويُعدّها، حيث يقول (ع): «ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول‏ اللَّه (صلّى ‏اللَّه عليه وآله) و خديجة و أنا ثالثهما، أرى نور الوحي و الرّسالة وأشمّ ريحَ النّبوة »حينذاك بدأت البعثة، وما تلتها من حوادث ومواجهات؛ وذلك عندما اُخرج رسول الله (ص) والمسلمون من مكّة، واُجبروا على اللجوء الى شعب أبي طالب ـ الوادي الذي كان تابعاً لأبي طالب (ع)، وهو مكان ليس فيه ماء وكلأ ـ وقد كان عمر أمير المؤمنين (ع) حينها سبعة عشر عاماً، فقد دخل الى شعب أبي طالب وعمره الشريف سبعة عشر عاماً، وقد أصبح له من العمر عشرون سنة، حينما خرج منه بتلك الطريقة الإعجازية.وعندما ذهب الرسول (ص) الى الطائف، علّه يحصل على موطئ قدم فيها ـ حيث بقي عشرة أيام هناك ـ كان أمير المؤمنين (ع) في رفقته، وعندما علم سادة وكبار الطائف أنّ الرسول الأكرم (ص) قد قدم للطائف، قاموا بحثّ الغلمان والعبيد والسَوَقة من الناس لرمي الرسول (ص) بالحجارة، وعندما فعلوا ذلك، أخذ أمير المؤمنين (ع) يدافع عن الرسول (ص) ويذب الأذى عنه.وفي تلك الليلة التي جاء فيها ـ لأول مرَّة ـ مجموعة من كبار ووجهاء أهل المدينة الى منزل عبد المطلب القديم بخفية؛ من أجل البيعة، وجلسوا الى جنب النبي (ص)، وما أن علم بذلك كفار قريش إلا وجاءوا الى البيت وقاموا بمحاصرته واستعدوا للهجوم عليه؛ لم يأتِ للدفاع عن الرسول (ص) إلا أمير المؤمنين، والحمزة بن عبد المطلب (عليهما السلام).إنَّ هذا الشاب ـ المؤمن الحقيقي، المتّقي، الطاهر، الكامل، والنوراني المتصل بمنبع الوحي ـ نذر شبابه خلال الثلاثة عشر عاماً التي رافق بها الرسول (ص)، وكل وجوده للرسالة والرسول (ص)، وقد أخذ على عاتقه ـ أيضاً ـ أصعب الوظائف أثناء هجرة الرسول (ص)؛ أي حمل النساء (الفواطم) وأرجع الأمانات التي كانت مودعة عند رسول الله (ص)، ثمَّ التحق بقبا والمدينة.إنَّ أمير المؤمنين (ع) كان في المدينة قائداً ومؤمناً، وتلميذاً للرسول (ص)، وعابداً من الطراز الأول، من بين المسلمين كافة.إنَّ العيون معلَّقةٌ به، في ساحة الحرب، كما أنَّ أنوار وجوده المبارك في المسجد، وفي حالة العبادة، تسيطر على جميع القلوب، و هو الأكثر قبولاً، وعلماً، وسؤالاً دون سواه عند منبر رسول الله (ص)، فقد جاء في إحدى الروايات، أنَّه سُئل (ع): لماذا تروي كثيراً عن رسول الله (ص)؟ قال: إنَّني أسأل الرسول (ص)، فيجيبني، وعندما لا أسأله يبادرني بالسؤال.بناءً على ذلك، فإنَّ أمير المؤمنين (ع) يعتبر أفضل تلامذة رسول (ص)، ولقد أمضى مع الرسول (ص) عشرة أعوام ـ أيضاً ـ بكلّ محنها وصعوباتها، وحلوها ومرّها.وبعد وفاة الرسول (ص)، بدأت حوادث السقيفة ومسألة الخلافة.حسناً، من المعلوم أنَّ الحقّ كان مع أمير المؤمنين (ع)، وهو يعلم أنَّ الحقّ معه، إلا أنَّه لم يصدر منه شيء يعيق البيعة، بل قبلها عندما تمَّت، وإن كان اُجبر على ذلك؛ لأنَّه لم يرغب أن يكون حائلاً بين الناس وبين البيعة، الأمر الذي يودّي الى حدوث فتنة فيما بينهم؛ لذلك فإنَّه اجتنب هذه الأمور، وأوّل عمل قام به، أنَّه اعتزل الناس؛ أي أنَّه لم يُسبب أيّ متاعب للأشخاص الذين استلموا السلطة.ثمَّ أنَّه شعر بعد فترة قصيرة أنّ المجتمع الإسلامي بحاجة إليه، حيث كان يقول: «حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يريدون محو دين محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله)» ، عندها دخل الميدان، وأخذ بتقديم العون والمشاركة، ومساعدة الأشخاص الذين تولّوا إدارة المجتمع، فكان يهديهم ويرشدهم في المواضع التي يخطأون، أو ينحرفون فيها، سواء كان ذلك في المجال العلمي أو السياسي، بل في جميع المجالات، وهذا ما يعترف به الجميع، وليس نحن الشيعة فقط. فإنَّ كتب الروايات والتاريخ الإسلامي التابعة للشيعة والسنّة مليئة بالأخبار التي تتحدث عن الإرشادات والتوجيهات التي كان يقدَّمها أمير المؤمنين (ع) لهؤلاء، ومنها ما جاء في الحديث: «لولا علي لهلك عمر»، الذي رواه السنّة في مواطن مختلفة من كتبهم، بالإضافة الى أنَّه روي من طرق الشيعة أيضاً، وكذلك ما قدّمه ذلك الرجل العظيم من إرشادات ومساعدات في مجال إعداد الجيوش، وإقامة الحدود، والأمور السياسية وغير ذلك، فقد كان أمير المؤمنين (ع) هو المرشد الكامل، ومركز الإشعاع في المجتمع الإسلامي. فإنَّ الخمسة والعشرين عاماً التي عاشها معتزلاً، قد مرَّت بنفس الانطباع الذي تحملونه عنه أيضاً.وعندما جاء وقت الخلافة، أظهر حينذاك أمير المؤمنين (ع) معجزته في الإدارة والحكومة على مرِّ التاريخ، فإنَّ الأربعة أعوام والتسعة، أو العشرة أشهر التي حَكَم فيها أمير المؤمنين (ع)، تعتبر معجزة في الحكومة، ولم يكن لها نظير، فقد كانت حكومة‎‎‎ العدل‎ المطلقة و الشجاعة المطلقة‎‎‎‎ المشفوعة بالمظلوميّة المطلقة، على أنّ مثل هذا الوضع لم يحدث في زمان الرسول (ص)؛ لأنَّ الخطوط والحدود كانت واضحة ومعلومة في زمان الرسول (ص)، أمَّا في زمان أمير المؤمنين (ع) فقد كانت المشاكل معقدّة ومتشعّبة أكثر، فضلاً عمَّا حصل من توسّع في العالم الإسلامي، بعد أن كان الأمر مقتصراً على المدينة ومكّة وبعض المدن الأخرى.لقد أصبح العالم الإسلامي في زمان أمير المؤمنين (ع)، بلاداً واسعة وعريضة، حيث أخذ النَّاس في الدخول الى الإسلام جديداً، بالإضافة الى أنَّ تخوم البلاد أخذت تشوبها الفوضى العقائدية، ومشاكل كثيرة من هذا القبيل، فإنَّ أمير المؤمنين (ع) تصدّى لمثل هذه الحكومة، التي تعتبر موضع افتخار جميع الحكومات المنصفة في العالم، التي تحاول أن تحصل ولو ببعض الشبه من حكومته، وهو ما لم ولن يتمكن منه أحد.إنَّ أمير المؤمنين (ع) هو مظهر العدالة، والقداسة، والإنصاف، والرحمة، والتدبير، والشجاعة، ورعاية حقوق الإنسان، والعبودية للباري تعالى، وهذا هو ملخّص حياة أمير المؤمنين (ع).لقد ذُكرت هذه العبارة في أدعية وأذكار الليلة الماضية: >اللّهم العن قتلة أمير المؤمنينأيَّها السنَّة! لماذا تجلسون مكتوفي الأيدي، إحذروا فإنَّ الشيعة أخذوا بالتسلّط عليكم!ومن جهة أخرى ـ أيضاً ـ يُظهرون بعض الأمور التي تؤدّي الى إبعاد الجمهورية الإسلامية عن دول الجوار، كطرحهم لمسألة الجزر الثلاث، ومسائل مختلفة أخرى؛ من أجل أن تشعر إيران أنَّها أصبحت مورداً للتهديد.إنَّهم يحرّكون السنَّة بطريقة ما على الشيعة، ويحرّكون الشيعة على السنَّة بطريقة أخرى، وهذا هو مخطط الأعداء.ولو أننا أردنا أن نحصل على ثمرة الانتصارات التي تحققت في الأعوام الأخيرة ـ من خلال التوكّل على الله تعالى ـ على السياسات الاستكبارية في هذه المنطقة، فعلينا توخّي الحيطة والحذر.وعلينا أن نكرّس جميع جهودنا على بناء الذهنية السياسية على مستوى العالم، فضلاً عن بناء البلد من الداخل بكل ما أوتينا من قوَّة، ولا نترك بعض الثغرات التي يمكن أن يتسلّل منها العدو.إنَّ يوم القدس قد أقبل علينا، وهو يوم هتاف الأمَّة الإسلامية ضد الظلم والتجاوز من قِبَل أعدائها على امتداد خمسين عاماً. فعلى جميع أفراد الأمَّة الإسلامية الاعتزاز بهذا اليوم، وعليك ـ أيَّها الشعب الإيراني العزيز ـ أن تعتزّ أيضاً ـ كالأعوام السابقة ـ بهذا اليوم الأغر.بسم ‏اللَّه الرّحمن الرّحيم‏وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
2006/10/12

كلمته في أساتـذة الجامعات‎

بسم الله الرحمن الرحيمأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات الأعزاء، أساتذة وأعضاء الهيئات‎‎ العلمية‎ المحترمين.إنَّ الهدف الأساسي من هذا الإجتماع ـ الذي نعقده في كل عام خلال السنين الماضية ـ أمران، وإن كان هناك أهداف أخرى أيضاً يمكن أن تندرج ضمن هذين الأمرين ـ في هذا الاجتماع الأخوي الخالص ـ :أول هذين الأمرين، هو إظهار التكريم لمنزلة الأستاذة والشخصيات من أصحاب المكانة العلمية في البلاد.إننا نريد من خلال هذه الجلسة، ومن خلال هذه الفرصة ـ التي تُعد واسعة نسبياً ـ إبراز رغبتنا لتكريم الأساتذة المحترمين، حيث يجد الأساتذة المحترمون هنا ميداناً في كل عام ـ يُعقد لعدَّة ساعات ـ من أجل فسح المجال لهم؛ لإظهار آرائهم من خلال منبر عام ـ يُعرض في جميع أنحاء البلاد ـ وإنَّ ذلك يعتبر برأينا من الأهداف المهمّة.فلو أننا قمنا بتكريم العالِم، سوف يكرَّم العلم نتيجة لذلك، وإنَّ تكريم العلم، من شأنه أن يؤدي إلى تقدَّمه ونشره وتوسعته، ونحن بحاجة لذلك من أجل مستقبل بلدنا.الهدف الثاني هو: طرح المسائل الجامعية الأساسية من قبل مجموعة من الطلائع والمفكرين وأصحاب الخبرة في الأمور الجامعية والعلمية في البلد، من خلال هذا الملتقى الأخوي والخالص، بعيداً عن الاجتماعات الرسمية التي تُعقد عادةً والتي ينتابها شيء من التقييد،وبالطبع، لابدّ من طرح المسائل المتعلقة بالجوانب العلمية للجامعات، والأمور المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأساتذة؛ من أجل أن تتعرّف الأجواء الذهنية للحاضرين في هذا الاجتماع، ولمسؤولي البلد في المجال العلمي، والأجواء العامة للبلد تبعاً لذلك، على أهم المسائل الجامعية، وما يترتب على ذلك من احتياجات، وما يُتطلّع له في هذا المجال. إنني أستفيد وأنتفع شخصياً من كلمات الأخوة من خلال ما يدلون به من مقترحات في هذا الاجتماع، الذي يُعقد في كل عام، فقد اتّضح لي الكثير من المسائل جرَّاء ذلك، وقد اُتّخِذت إجراءات مناسبة وجيدة في هذا المجال أيضاً.لاشكّ في أننا قمنا بتجربة من أجل التوجّه نحو حركة جديدة في مجال التقدّم والنمو العلمي في البلد، كالتقدَّم في البحوث والإختراعات والإبداعات المختلفة، وإنَّ هذه الحركة وإن كانت قد بدأت في بداية الثورة، لكنَّها تطوّرت بشكل أكثر وأفضل في الأعوام الأخيرة، إلا أنَّها إلى الآن في خطواتها الأولى؛ لهذا فإننا بحاجة أيضاً إلى آراء، ومقترحات، وإيضاحاتكم؛ من أجل تقدّم وتطوّر العلم في البلد وسوف تتحقق بعض هذه المطالب في هذا اللقاء، إن شاء الله تعالى.إنني مستعد الآن، فإنَّ الهدف من هذا الاجتماع ليس هو الإدلاء بتوجيهاتي، بل لديّ رغبة كبيرة بأن أكون مستمعاً.وعلى كل حال سوف أتحدّث قليلاً ـ لو كان هناك متّسعاً من الوقت ـ إلا أنني أرجّح كثيراً أن أكون مستمعاً في هذا الاجتماع.إنَّ ما سمعته من مطالب ـ بحسب رأيي ـ كان مفيدة ومتنوّعة، ويمكن أن يكون لبعض الأخوة تحفّظات تجاه بعضها، إلا أنّ طرح هذه المواضيع في هذا الاجتماع يعتبر مفيداً بالتأكيد؛ فهو يفتح لأذهاننا وأذهان المسؤولين والموظفين الأبواب؛ لتتجّه شيئاً فشيئاً نحو جوانب وآفاق مختلفة على صعيد المسائل الجامعية.إنّ ما أريد قوله في هذه الفرصة القصيرة، مسألتين أو ثلاث مسائل مختصرة. الأولى هي: إننا عندما نريد أن نتحدّث عن الإحتياجات المختلفة للمجتمع والمحيط الجامعي والعلمي، يمكن أن ينصّ حديثنا على جهتين، ومنطقين، المنطق الأول: التشجيع والتحفيز، والمنطق الثاني: التثبيط والتخييب للآمال.إنَّ رجائي هو أن يقوم الأساتذة والمسؤولون المحترمون باستخدام المنطق الأول في كل المجالات ـ في الحصة الدراسية، والمجامع العلمية، وأثناء إلقاء التقارير ـ لا المنطق الثاني.إنَّ سرعة التقدّم التي حصلنا عليها في الأعوام القليلة الأخيرة ـ حسب الإحصاءات التي قُدّموها لي، وهي في حوزتي الآن ـ قد بلغت الدرجة الأولى على مستوى العالم.إنني لم أكن قد راجعت ذلك مؤخّراً، إلا أنني رأيت هذه الإحصائية قبل ما يقارب شهر ونصف، وقد كانت إحصاءات مدروسة ودقيقة.إنَّ التقدّم العلمي الذي بلغناه قد وصل إلى المراتب الأولى على مستوى العالم، وليس على المنطقة فحسب، إلا أنّ ما لمسناه بأيدينا، وتوصّلنا إليه فعلاً، لم يكن بالمقدار الذي نرتضيه.فلابدّ من النظر إلى هاتين الحقيقتين مع بعضهما، فكلاهما صحيح، ، ففي نفس الوقت الذي تعتبر فيه نهضتنا، نهضة عظيمة ومليئة بالحيوية والنشاط، توجد لدينا نواقص كثيرة في الوقت الراهن، بحيث إنَّ المكانة التي وقفنا عليها، ليست بالمكانة التي ترضينا باعتبارنا إيرانيين ومسلمين، ولدينا تطلّعات كبيرة في الآفاق الرحبة، فعليكم أن لا تجعلوا هذه النهضة المتسارعة ينتابها الفتور، بل أن عملوا على تقويتها.لقد قلت قبل عام ونصف تقريباً في إحدى المحافل العلمية ـ التي تشبه محفلكم هذا، حيث كان الحاضرون من الشباب والجامعيين والزبد وأمثال ذلك ـ : إنني أتوقّع أننا سوف نعلن بعد خمسين سنة ـ لا أقول عشرة أو خمسة عشر سنة ـ بأننا قد وصلنا إلى المرتبة العلمية الأولى على المستوى الدولي في العالم؛ أي أننا سوف نقوم برسم الخطوط العلمية بأيدينا، وسوف يؤول الأمر إلى تكون أن لغتنا ـ الفارسية ـ لغة العلم على مستوى العالم، هذا هو ما يتبادر أمام عيني الآن.ومن أجل أن نصل إلى هذا الهدف، علينا أن نعتقد أولاً: أنَّ ذلك ممكن التحقق، فلو لم يكن عندكم ـ باعتباركم أساتذة، وذلك الأخ الذي يُعتبر طالباً، والشخص الثالث الذي يُعتبر مديراً ويقوم بإدارة هذه التشكيلات ـ ثقة بتحقق هذا الأمر، فسوف لن تتمكنوا من تحقيق ذلك أبداً؛ ولذلك عليكم الاعتقاد بأن ذلك ممكن الوقوع. إنَّ ما أريد قوله هو: إنَّ الأرضية لهذا الاعتقاد مهيّأة، باعتبار أنَّ قدرتنا ـ نحن الإيرانيون ـ قد أصبحت مورداً للتأييد في المجال العلمي على المستوى العالمي من طرق مختلفة، وإنَّ هذا المعنى قد تحقق وتمَّ البحث في هذه المسألة، وفي رأيي هو أمر قطعي، حيث وصل معدل القابلية التي يتمتع بها الفرد الإيراني في أكثر الجامعات العالمية تطوّراً إلى أرفع المستويات؛ أي أنَّ مستوى معدل الاستعداد الإيراني بالنسبة لمستوى معدل الاستعداد العالمي، يعتبر في القمّة.وهذا ما يُنبئ عنه وجود الموارد الطبيعية في البلد كذلك، فإننا نقع في منطقة مرموقة من العالم، ونتمتع بنسبة سكّانية جيدة، ونقع في موقع جغرافي جيد؛ وبسبب هذه النسبة من الناحية السكّانية والموقع الجغرافي، أصبحنا نتمتع بإمكانات كبيرة، فإنَّ بلدنا لا يُعد من البلدان الفقيرة.ولقد ذكرت إحصائيات ذلك من خلال الخطابات العامة التي ألقيتها، وتمَّ عرضها، ولا أرغب في تكرار هذا الأمر.إننا نمتلك 1% من مجموع سكان العالم، و1% من مساحة الكرة الأرضية أيضاً، وبذلك تكون ذخائرنا على صعيد أهم العناصر المؤسسة والداعمة للحضارة الحالية في العالم ـ أي الفولاذ، والنحاس، وبعض العناصر الأخرى ـ أكثر من 1%؛ وإذا ما وصلنا إلى نسبة 3 أو 4 أو 5% من النفط أو الغاز، فسوف نشاهد حينذاك قفزة مفاجئة على طريق التقدَّم.إنَّنا نمتلك إمكانات بشرية، وطبيعية، وتجربة في الإنتاج، ونحن نعتقد أنَّنا قد تقدَّمنا في كافة المجالات التي أقدمنا عليها، وبذلنا جهدنا فيها، وأبدينا قليلاً من التوجّه لها.حسناً، لقد بيَّن الأخ الدكتور مرندي أوجاع وآلام وحسرات واضطرابات ثلاث أو أربع سنين من أوائل الثورة في مجال نقص الأطباء، وأساتذة الجامعات، والأجواء العلمية في الجامعة، والتربية والتعليم.فما الذي يجري لنا عندما نطّلع على أحدى القصص، التي من خلالها نرى تلك العيوب الموجودة في ذلك الزمان! فمثلاً، كان يعطى موعداً لمدّة سبع أو ثمان سنوات في هذا البلد من أجل القيام بعملية جراحية للقلب، ولو أراد شخص ـ مثلاً ـ أن يذهب لإجراء عملية جراحية لقلبه، كتغيير صمامه، أو القيام بعملية ربط لأحد شرايينه أو غير ذلك، فعليه أن ينتظر ثمان سنين ليُجرى له ذلك! هذا ما كان يحدث قبل عشرين سنة، فضلاً عن أنّ الكثير من الناس كان يموت جرّاء ذلك.إننا عندما نلقي نظرة اليوم على ذلك الماضي، نرى أنَّ نهضة البلد على هذه الأصعدة، نهضة غير قابلة للتصوّر، فهي حركة نهضة رائعة جداً، فلقد سعينا، ونحن نرى نتيجة سعينا هذا أيضاً.فهذا مركز تحقيقات رويان ـ الذي أعطى الأخ الدكتور گُوراني تقريراً عنه ـ يشهد على ذلك، وكذلك مسألة الخلايا الحيّة التي تمكّن العلماء من الوصول إلى زراعتها بالرغم من إمكاناتنا المحدودة؛ وهذا شاهد على أيضاً على ذلك التقدَّم الذي حققوه في هذا المجال، وكذلك الملتقى الذي تُشكّل قبل سنتين في هذا المكان، وحضره علماء العالم، وأجريت لقاءات معهم، حيث أظهروا تأييدهم وإعجابهم بهذا التقدَّم، كل ذلك يعتبر أحدى الأحداث التي من المناسب أن نجعلها نصب أعيننا كباعث من بواعث فخرنا.إنَّ لدينا شخصيات أمثال المرحوم الدكتور كاظمي آشتياني ـ حيث أجد نفسي ملزماً أن أذكر اسم هذا الشاب الطاهر المؤمن الفاضل الحكيم، والذي كان حقَّاً مديراً ثورياً مؤمناً ـ وأيضاً هناك الكثير من أمثاله في الوقت الحاضر، ممن يعمل في القطاعات المختلفة للبلد، فضلاً عمَّا يقومون به من إنجازات رائعة أيضاً.إنَّ وضع جامعاتنا اليوم لا يمكن أن يقاس مع العشرين أو الخمسة والعشرين سنة الماضية، فإنَّ تطوّرنا الذي تحقق اليوم رائع جداً.طبعاً، إنني أريد أن أشير إشارة إلى الإحصاءات التي ذكرت أنَّها تحتاج إلى تحليل، وكذلك إلى ما قاله الأخ الدكتور ملك‏زاده.التفتوا: إنَّ هذه المعايير والمِلاكات، والعناصر التي تمنح من أجلها درجات ـ ليتمكّن الجامعي من خلالها الحصول على امتياز أو لا يتمكن ـ لا تُعد جميعها من المواد العلمية، بل قد تكون أحياناً من المواد التي لا ترتضوها أبداً، وإنني لا أرغب في التصريح بهذه الأمور في الوقت الحاضر.وقد لاحظت بنفسي أنَّكم لا توافقون على بعض المواد الأساسية المانحة للدرجات التي تحصل من خلالها الجامعات على امتياز في الإحصاءات العالمية، ولو فرضنا أنَّ هذه المعايير كان من المفترض أن يُعمل بها في عهد وزارة الأخ الدكتور ملك‏زادة أو الأخ الدكتور مرندي أو الأخ الدكتور فاضل أو الآخرين، فسوف لن يوافقوا على ذلك؛ وذلك لما نمتلك من ثقافة إسلامية وإيرانية؛ وإن كان البعض من تلك المواد يُعد من المسائل العلمية.لاشكّ في أننا مازلنا في أول الطريق ـ وقد ذكرت ذلك مسبقاً ـ وأننا نخطو الخطوات الأولى، وعلينا متابعة هذه الخطوات تدريجياً، والتقدّم إلى الأمام عبر مضاعفة الجهود، ومن خلال الإعتقاد بأننا قادرون على ذلك.إنَّ ما أريد قوله هو: أنَّكم مع ما تمتلكون من اعتقاد ورؤية مصحوبة بالثقّة والقبول، فلا ضير من قيامكم بإحصاء الإمكانات التي يمتلكها شبابنا المؤمن وما حققوه من إنجازات على طريق التقدّم، وما ينجم عن ذلك المشاكل التي تواجههم. فإنَّ هذا سوف يكون عامل مشجّع للحدّ من هذه المشاكل، والمضي قُدُما على طريق التقدّم يوماً بعد آخر.إنَّ الشباب عندما يستمعون إليكم، سوف يتشجّعون للمضي نحو التقدّم للأمام أيضاً، وتزداد قلوبهم شوقاً ورغبةً للتطوّر أكثر من ذي قبل؛ وهذا على العكس فيما لو كانت رؤيتنا رؤية سلبية، ومتشائمة، وهو ما لا أرتضيه لكم.المسألة الأخرى التي تعتبر في رأيي مسألة أساسية: هي أنَّكم ـ أيَّها الأخوة والأخوات الحاضرون هنا ـ تمثّلون النخبة والنموذج لأساتذة البلاد.إنَّ من أوّليات الأمور التي يجب أن يجعلها الأساتذة في بلدنا موضع اهتمامهم من أجل تطوَّر العلم ـ هو: الشجاعة العلمية في جميع الأصعدة، سواء كان ذلك على صعيد العلوم الإنسانية، أو التجريبية، أو التي لها علاقة بالعمل والتقنية، أو على صعيد العلوم الأساسية، سواء كان ذلك على مستوى القيام بمتابعة نظرية ما، أو زيادة الإنتاج، أو القيام بالإختراع، أو الإبتكار، أو النقد، دون اللجوء إلى السعي وراء العمل التقليدي والأعمى.إنَّ مشكلتنا الدائمة في الماضي هي أننا كنّا ننظر نظرة عمياء وتقليدية على مختلف الأصعدة ـ في جميع المجالات العلمية ـ وننتظر ما يقوم به الغربيون.ومما لاشكّ فيه أنّ الغربيين كانوا متقدّمين علينا بما يقرب على قرنين أو قرنين ونصف في مجال النهضة العلمية، وقد تمكّنوا من الوصول إلى مواقع مدهشة لا يتصوّرها العقل، وليس هناك شكّ ـ أيضاً ـ من أننا تخلّفنا وراء الركب، مع ما لنا من تراث عظيم؛ نتيجة لكسلنا امتلاكنا الحنكة السياسية.إلا أنني قلت مسبقاًً: أننا لا ندعو لعدم طلب العلم من الآخرين، ولكن ندعو إلى فكرة البقاء تلاميذ أبد الدهر؛ لأنَّ النظرة التقليدية معناها: أننا يجب أن نكون تلاميذ دائماً.إنَّ الإبداع أمر واجب، وإنَّ الثقّة بالنفس وامتلاك الروح الوطنية لدى الأساتذة تعتبر من المسائل الضرورية.ولهذا يجب أن يتحلّى أساتذتنا بالثقة بالنفس، ويقومون بتحقيق الإنجازات العلمية، هذا أولاً، وثانياً: عليهم أن يتمتعوا بالثقة بالنفس الوطنية أيضاً، وكذلك الثقة بقابليات وإمكانيات هذا الشعب، فلو أنَّ هذا المعنى تحقق عند أحد الأساتذة، فسوف يسري إلى أجواء الحصّة الدراسية، وسينتقل إلى الطالب الجامعي، فيترك أثره التربوي عليه.وثالثاً: وفرة العمل، فلقد صُدمنا بعض الشيء؛ نتيجة لما اُبتلينا به من الكسل وقلّة العمل ـ في الأقسام والقطاعات المختلفة ـ ولهذا يجب أن تبذل الجهود من أجل المواظبة على العمل، ولا ينبغي التقاعس عن ذلك.بناءً على ذلك فإنَّ التجدد والابتكار، والشجاعة في العمل، والثقة بالنفس والتحلّي بالروح الوطنية، والعمل المستمر والكثير، يعتبر علاجاً لتحقق الانجازات والتطور العلمي.علماً، أنَّ المعني بالخطاب في هذا المجال هم أساتذة الجامعات.المسألة الثالثة ـ ولعلّها تكون تابعة للمسألة التي سبقتها ـ هي: إنني طرحتُ وطالبت قبل عدة سنوات بمسألة تحقيق نهضة علمية لتطوير العلوم واختراق الحجب العلمية، واليوم ـ لحسن الحظ ـ تحوّل هذا الأمر إلى أحد المطالب العامة في المجتمع الجامعي والعلمي، حيث نرى أن ذلك أخذ يتكرر على ألسنة الجامعيين والأساتذة.ونحن أيضاً نفتخر بما تحقق لدينا من تطورات على الأصعدة العلمية والتقنية المختلفة ـ التي أصبح الكثير منها واضحاً أيضاً، وتمَّ الإعلان عنه، كالمسائل المتعلّقة بالطاقة النووية وأمثال ذلك، علماً أنَّ الكثير أيضاً لم يعلن عنه إلى الآن؛ أي أنَّه لم يكتمل العمل به حالياً، وهو في معرض الكمال والإكمال، حيث إنَّ بلدنا يمتلك الكثير من هذه المنجزات ـإنَّ نظرتنا نظرة متفائلة، وتُعرب عن قدرتنا، كما ذكرت ذلك مسبقاً، إلا أنَّه يتوجّب عليّ أن أتطرّق إلى مسألة أخرى وهي: إنَّ مسألة اختراق الحجب وكسر الحواجز العلمية في بلدنا لم يتّخذ أسلوبا جدّياً.إننا بحاجة إلى أن يبحث علماؤنا ومفكرونا، عن طرق مختصرة، فإنَّ هناك الكثير من الطرق التي لم تُكشف في هذه الآفاق اللامتناهية الموجودة في عالم الطبيعة إلى الآن، والتي يجب على الإنسانية أن تقوم بكشفها واحدةً تلو الأخرى.إننا بحاجة إلى أن يتمّ الكشف عن الطرق التي لم تُكشف إلى الآن.فلا شكّ من أنَّ مقدرتنا على صناعة آلة تقنية ـ السانتريفيوژرا فرضاً ـ والتي تستخدم في المجال النووي، حيث قام الآخرون بضاعتها والإستفادة والانتفاع بها قبلنا بعهود ـ يعتبر إنجازاً كبيراً، بإعتبارنا استطعنا إنجاز ذلك وإنتاج عناصره الجديدة بدون الاعتماد على مساعدة الآخرين، إلا أنّ هذا العمل لم يكن مبتكراً، فهو عمل قد أنجز وانصرم وحققه الآخرون قبلنا، وكان من المفترض أن نبقى نحن محرومين من الإستفادة منه إلى خمسين أو مئة سنة آتية ـ حيث لم يكن يتصوّر، أنّ بلداً مثل بلدنا وشعباً كشعبنا سوف يحصل على هذه التقنية وهذا العلم ـ إلا أنَّ شبابنا وعلماءنا ومحققينا استطاعوا أن يحققوا ذلك من خلال متابعتهم وسعيهم، وهذا الأمر يُعد أمراً قيّماً؛ إلا أنني أأكد على أن تجعلوا وجهة سعيكم ومتابعتكم في مجال العلم والتقنية نحو العمل الذي لم يتوصّل إليه الذهن البشري إلى الآن، بحيث نصل إلى الحالة التي نكون فيها قد كسرنا الحاجز الأول للعلم، وتقدّمنا خطوة نحو الأمام، وعندها نتمكّن من أن ندّعي بأننا قد حققنا الهدف، وذلك أمر يمكن الوصول إليه.بالطبع ليس هناك شك في أنَّ القيام بخطوة جديدة، يحتاج إلى متابعة الطرق التي سار عليها وقطعها الآخرون، إلا أنَّه لا ينبغي أبداً حرمان ومنع الذهن من البحث والتدقيق؛ من أجل الحصول على طرق مختصرة، وهذا ما نحتاج إليه في بلدنا.من المسائل الأخرى التي كانت ضمن كلمات الإخوة ـ أوضحها الإخوة، وقد قمت بتدوينها، من أجل الاستناد عليها ـ هي: علينا أن نجعل التحقيق تحقيقاً هادفاً في البلد من خلال التوجّه إلى احتياجات البلد ـ يجب علينا وجوباً أكيداً أن نجعل البحث والتحقيق مورد توجّهنا، ونُوليه أهمية أكبر ـ أي أننا نرى نواقص البلد الضرورية، فنجعل التحقيق ينصب في البحث على ذلك، وقد استندنا إلى ذلك من خلال ما تحدّث به بعض الأخوة، وهو أمر صحيح جداً.وذلك يستلزم أن يكون لدينا بنگاً للمعلومات ومركزاً إدارياً؛ لكي يتمكّن الجميع من الإطلاع على الأمور، وما اُنجز من أعمال، وماذا نحتاج للقيام بإكمال بحثاً من البحوث؛ من أجل التمكن من جمع الأقسام المختلفة والتنسيق بينها.هذه أيضاً إحدى المسائل المندرجة تحت المسألة السابقة ـ التي أشار إليها بعض الإخوة مكرراً، وقمت بتدوينها أيضاً ـ وهي: علينا أن نجعل نظام منح الإمتيازات العلمية في الجامعات متناسباً مع الأمور التي ذكرناها سابقاً، وإلا فإنَّ مجرد أن تنشر مقالة أو عدّة مقالات ـ مثلاً ـ في مجلة (آي. أس. آي)، ليس أمراً كافياً؛ أي أنَّه يجب على محققنا وباحثنا أن لا يسعى ـ من أجل الحصول على درجة علمية ـ وراء إعداد وتأليف مقالة ليس لها أي فائدة بالنسبة للبلد، ولا تملأ أي فراغ من الفراغات التحقيقية فيه.نعم، قد يكون ما يطبع في هذه المجلة نافعاً بالنسبة لذلك الشخص نفسه، أو لشخص آخر ومكان آخر، إلا أنَّه ليس نافعاً للبلد؛ لأنَّ ما قام به في هذا المجال كان من أجل الحصول على درجة علمية وحسب.فليس من الصحيح المطالبة بانحلال النظام، فإنَّ النظام المتّخذ لمنح الإمتيازات العلمية، وإعطاء الشهادات، يجب أن يتناسب مع مسألة كون التحقيق منسجماً مع احتياجات البلد، وكونه امتدادا لسلسلة من التحقيقات والبحوث.إننا نمتلك أحياناً أحدى حلقات الوصل المفقودة ـ في إحدى السلاسل ـ على صعيد من الأصعدة؛ مما يجعل الحصول على هذه الحلقة أمراً بالغ الأهمية.إذاً جعل التحقيق العلمي تحقيقاً هادفاً من خلال التوجَّه إلى احتياجات البلد واحتياجات الصناعة وبقية القطاعات، هو إحياء للبلد.من المسائل الأخرى: مسألة تربية طلبة الجامعات الدينية.إنَّ لدينا على مستوى البلد اليوم ـ ولحسن الحظ ـ الكثير من الأساتذة المؤمنين والمخلصين، ممن يمتلك إيماناً دينياً عميقاً، وشعوراً بالثقة بالنفس الوطنية.إنَّهم تربية عهد الثورة، وهم يشتغلون ـ لحسن الحظ ـ الآن بالتدريس في مواقع علمية عالية، وفي مختلف الاختصاصات الجامعية، وهذا ما يبعث على الفخر والاعتزاز. إنَّ التربية الدينية، يجب أن تكون إحدى أهداف شريحة أساتذة الجماعات في البلد، وإنَّ الطالب الجامعي يجب أن يكون متديّناً ويمتلك الثقة بالنفس الوطنية ـ الثقة بالنفس الوطنية التي تحدّثنا عنها ـ المنتجة، خلافاً لِما أسمعه أحياناً ـ عن بعض الجامعات والحصص الدراسية ـ من أنَّ الأستاذ يأتي ليتكلم عن البلد بصورة تجعل الطالب الجامعي يتنفَّر من كونه إيرانياً.وهذا ما يُعد ظلماًً؛ لأنَّه عمل يخالف مصلحة هذا الشاب، وهذا الجيل.يجب العمل على دفع الشاب للتعلّق بهويته ومعتقداته الوطنية، بالشكل الذي يجعله يفتخر أنَّه إيراني، وإنَّ ذلك مدعاة للإفتخار أيضاً.ـ حقَّاً ـ إنَّ الانتساب لإيران مدعاة للافتخار، علاوة على أن إيران اليوم أصبحت أكثر عزّة في العالم الإسلامي؛ نتيجة لمواقفها السياسية والعالمية.فلو أنَّكم ـ اليوم ـ ذهبتم إلى جميع المناطق في العالم الإسلامي، سوف تجدون أنَّ نظام الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني، هو أعز الشعوب في أعين أفراد الشعوب الأخرى، بدءاً من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، ومن آسيا إلى أفريقيا، فإنَّ الأمر على هذه الشاكلة في جميع المناطق.حسناً، لماذا لا يبتهج الشاب الإيراني بالمكانة التي حصل عليها، فضلاً عما له من ميراث ثقافي، ومفاخر تاريخية، وبالإضافة إلى ما يتمتع به البلد من إمكانات بشرية وطبيعية؟ ولماذا نجعله متشائماً؟ إننا نلاحظ أحياناً أموراً من هذا القبيل، وبالطبع فإنَّ التصدّي لها يعتبر من التكاليف التي تقع على عاتق الأخوة والأخوات الحاضرين الأعزاء وبقية الأساتذة من أبناء البلد.إنَّ إحياء وتنمية الهوية الإسلامية والدينية والإيرانية للشباب، تعتبر من أهم المسائل التي تقع على عاتقنا، وهي تساعد كثيراً على تقدَّم البلد أيضاً.لقد انتهى الوقت، وإنني اليوم راضياً كل الرضى بهذا الاجتماع.أقدّم شُكري الخالص لجميع مَنْ تعاون وساهم من أجل حصولنا على الفائدة المتوخّاة من هذا الاجتماع، سواءً كانوا من الأخوة أو الأخوات الحاضرين، أو الأشخاص الذي تحدّثوا أو الأخوة الذين تحمّلوا مسؤولية القيام بإدارة هذا الاجتماع، وأتمنّى أن ينزل الله تعالى عليكم ـ أيَّها الإخوة والأخوات الأعزاء ـ وعلى الشريحة العلمية والجامعية في البلد ـ بركاته ورحمته في هذا الشهر الكريم ـ بالخصوص ـ وفي جميع أيام السنة. والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته‏  
2006/10/04

كلمته في مقرئي القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيمأتقدّم بالشكر الوفير للإخوة الأعزاء الذين أضاءوا قلوبنا ومجلسنا بذكر الآيات الإلهية وتلاوة كتاب الله المجيد، كما أشكر القرّاء المحترمين، والمشاركين في هذا الاجتماع بتقديم برامجهم المنوّعة، وأشكر مُنظّمي هذا الاجتماع والذين تحمّلوا عناء انعقاده على مدى سنوات طويلة بما فيه من خير وفائدة.لقد كان برنامجنا في هذا العام أفضل من الأعوام السابقة، كما أنّ تطوّر قرّائنا الشباب في القراءة والأداء كما أمراً ملحوظاً. إنّ الأجيال المحبّة للقرآن تتوالى جيلاً بعد آخر والحمد لله؛ وذلك بما تتميّز به من مواهب طيّبة وقلوب والهة وأنفاس حارة أوقفتها على خدمة القرآن الكريم وتلاوته.هذا من ناحية، وأما من ناحية أخرى ـ وهو المهم ـ فإنني أشير وأنوّه هنا بأنه إذا كنّا نعتقد ـ ونحن كذلك ـ بأن العمل بالقرآن هو أساس ومحور إحيائه، وأن المسألة ليست مجرد تلاوة وقراءة، فإننا نؤمن أيضاً بأنه لابدّ من تطبيق تعاليم القرآن الكريم والعمل بآياته، وأنْ علينا أن نجعل من مجتمعنا مجتمعاً قرآنياً، وأن يكون فكرنا قرآنياً، وأن يكون سلوكنا قرآنياً، وأن نثق بالقرآن ونعتمد عليه ونصدّق بحقيقة الوعد الإلهي الوارد في القرآن الكريم، حيث يقول تعالى في كتابه المحكم (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ) (1) كما يجب علينا أن نتعامل بنَفَس القرآن وروحه مع أنفسنا، ومع أفراد عائلتنا، ومع زملائنا في العمل، ومع أفراد المجتمع، ومع مسلمي البلدان الأخرى، والسلطات، والشعوب، وما إلى ذلك من أمور.إنّ إحياء القرآن الكريم والعمل به وإجلاله كلّها ممّا نعتقد ونؤمن به، ولكن هذا لا يعني أن نقلل من شأن تلاوته. إننا نريد أن نؤكّد لكم ـ أنتم عشّاق القرآن وأهل القراءة والتلاوة والتجويد ـ بأننا نسمع أحياناً من يقول: بأنه لابدّ من التأسّي بالقرآن؛ وهذا صحيح، ولكنه لا يعني في نفس الوقت التقليل من شأن قراءة القرآن الكريم وتلاوته. إنّ تلاوة القرآن تمثّل حلقة في مجموعة ومنظومة تتصل ببعضها البعض؛ وهذا ما يجب علينا الاهتمام به وتقديره.إن علينا أن نُقبل على تلاوة القرآن الكريم وأن نفهم معانيه في نفس الوقت، وإذا ما فهمنا معاني القرآن استطعنا تلاوته بصورة أفضل.إننا لو عقدنا مقارنة بين قرّاء اليوم والقرّاء منذ عشرين عاماً في بلدنا ـ عندما كانت هذه الحركة القرآنية في بدايتها ـ فإننا نجد أنّ البعض كانوا يتلون القرآن بشكل جيد، وكانت هناك أصوات جميلة، كما أنّ قرّاءنا كانوا قد تعلّموا الطرق والأساليب التي يقرأ بها مشاهير القرّاء، إلاّ أنه لم يكن شيئاً رائعاً فلماذا؟ لأنهم لم يكونوا يعون شيئاً من معاني ومفاهيم الآيات القرآنية، وكان ذلك واضحاً.وأما الآن فإن الأمور قد تغيرت، فكيفية تلاوة شبابنا للقرآن الكريم تدلّ على أنهم يفهمون ما يقرأون.إذاً... فعليْكم أولاً: بتجويد القراءة وتحسين التلاوة، وثانياً: عليكم بفهم معاني ما تقرأون، وثالثاً: عليكم بحفظ القرآن الكريم؛ فإن حفظه من الأمور المهمة. إنكم أيها الشباب تحتاجون إلى ذلك وتقدرون عليه؛ وعندما تحفظون القرآن وتكررون آياته وتأنسون بتلاوته فإن هذا سيمنحكم فرصة التدبّر في القرآن.إنّ التدبّر في القرآن لا يتأتّى بالقراءة السريعة المتعجّلة، ولا من التلاوة مرّة أو مرّتين، بل من خلال التكرار والإعادة المتواصلة والشعور بالأنس مع الآيات القرآنية، وكم من دقائق وعِبَر في القرآن الكريم لا يمكن التوصّل إليها إلا بالتدبّر؛ ولهذا فإنه من الضروري حفظ وفَهْم معاني القرآن مع تلاوته. ولقد قمنا بتقديم الكثير من الإرشادات في مثل هذه المناسبات من كل عام حول تلاوة القرآن، والحمد لله فإن دائرة القرّاء قد ازدادت اتّساعاً من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم قد تعرّفوا على كيفية التأثير في المخاطب من خلال القراءة والتلاوة.إنّ كل قراءة ليست مؤثّرة بالضرورة، فهناك بعض القراءات تجعل معاني القرآن راسخة في سمع وقلب وروح المخاطب، وإنّ التمتّع بمثل هذه القراءة لأمر يستحق الثناء والتقدير، وهذا هو هدفنا.وبالطبع فإن هذا يستلزم الصوت الحسن والمقامات المتناغمة وكيفية تركيب الآيات وتصنيفها عند التلاوة، فهي من الأمور المؤثرة. والحمد لله فإن شبابنا يدركون هذه الأشياء، ويتقدّمون بشكل جيد، وهم في تطوّر مستمر، ولكنني أتقدّم إليكم بهذه النصيحة: إننا أحياناً نقوم بتشجيعكم والثناء عليكم من القلب أيها الشباب الأعزاء، سواء منكم القدامى أو الجُدد، ولكن هذا لا يعني أنكم وصلتم إلى القمة ولم يعد هناك مجال آخر للتقدم.إنّ ما أخشاه دائماً هو: أن تتصوّروا ـ أيها الشباب الأعزاء الحاضرون في هذا الاجتماع ـ بأنكم ارتقيتم إلى الدرجة الأخيرة من السلّم. كلا، فهذه ليست الدرجة الأخيرة، فلا تتوقّفوا، بل تقدّموا إلى الأمام، وحاولوا التلاوة بشكل أفضل يوماً بعد آخر وأن تكونوا في تحسّن مستمر، وهذا أمر ممكن.وبالتأكيد فإن هذا الأمر يستلزم بعض الضروريات من قبيل الدراسة وإنشاء المعاهد والمؤسسات القرآنية، وعلى الإخوةخوة المسؤولين المعنيين بهذا الأمر أن يبذلوا جهودهم في توفير ما يلزم من إمكانيات، وعلى مؤسسة الإذاعة والتليفزيون أيضاً أن تمدّ يد العون بهذا الصدد.إنّ تلاوة القرآن إذا ما أصبحت ظاهرة شعبية في بلادنا واستطاع الجميع أن يقرأوا القرآن بصورة صحيحة، وإذا ما انتشرت هذه الظاهرة بين العوائل وفي المنازل، فإن أملنا سيزداد في أن يغدو مجتمعنا مجتمعاً إسلامياً وقرآنياً بمعنى الكلمة.إننا نمتاز اليوم بحكومة إسلامية ومجتمع إسلامي، ولكن هذه ليست سوى الخطوات الأولى.إنّ ما نشاهده من الإسلام في بلادنا وداخل حكومتنا قولاً وعملاً ليس سوى أقل القليل من الإسلام، فهو أقل مما يتطلبه أي مجتمع إسلامي. إنّ كل ما رافق نظام الجمهورية الإسلامية من بركات حتى اليوم يعتبر من ثمار هذا القليل الأقل.وإذا كان الشعب الإيراني قد استطاع أن يحطّم صنم الاستبداد ويسقطه في هذا البلد، وأن يثبت بشجاعته وبطولته أنه لا ينحني أمام جبروت الهيمنة ولا يخضع أمام غطرسة المتكبرين، وإذا ما رأيتم أنّ شبابنا يحرز النجاح تلو الآخر في الميادين العلمية ويثبت وجوده في عرصات العلم والمعرفة بشكل مطّرد يوماً بعد آخر ـ والتقدم العلمي في بلدنا ولحسن الحظ تزداد رقعته اتّساعاً يوماً بيوم ـ وإذا ما شاهدتم ألواناً من تطبيق العدالة في بلادنا ـ وهي مجرد أطياف ليس إلاّ فإن المسافة بيننا وبين تطبيق العدالة الكاملة مازالت شاسعة ـ وعلى أية حال إذا ما وجدتم أنّ المعروف في مجتمعنا وبلادنا هو معروف من وجهة النظر الإسلامية وأنّ المنكر منكر، فإن هذا كله بفضل ذلك القليل الأقل الموجود في مجتمعنا من نور الإسلام.وكلما استطعنا أن نوسّع من دائرة المعرفة الإسلامية والروح الإسلامية والإدراك الإسلامي فإن المكاسب ستزداد بطبيعتها وسنصبح قدوة للبلدان الأخرى.لقد باتت الشعوب المسلمة ـ والحمد لله ـ تشعر بالاعتزاز بالإسلام، وهذا في غاية الأهمية.أيها الشباب، لقد مرّ يوم على هذه البلاد وسواها من بلدان العالم الإسلامي كانوا يعتبرون فيه الإسلام عاراً، وكان الشباب لا يشعر بالفخر بانتمائه للإسلام حيث كانوا يصمونه بالعار إذا قال بسم الله أو إذا أدّى صلاته أمام الآخرين.لقد كان الفخر كل الفخر بالانتماء والتبعية للغرب أو الشرق، حيث كانت الأفكار الماركسية سائدة آنذاك.وأما الآن فقد تغيّر كل شيء، فالمعسكر الشرقي سقط، والمعسكر الغربي يواجه المزيد من الفشل يوماً بعد آخر ويفقد مصداقيته وشخصيته أمام العالم، وقد جلب أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الخزي والعار لأنفسهم في كل مكان.إنّ الإسلام يزداد تألّقاً على الدوام، وها هي شمسه تسطع مشرقة في الآفاق العالية. إنّ الشعوب المسلمة تشعر بالفخر والاعتزاز بانتمائها للإسلام في كافة الأقطار الإسلامية، من شمال أفريقيا إلى شرق آسيا، ومن اندونيسيا إلى ماليزيا إلى الهند وباكستان وبنغلادش، ومن بلدان شرق آسيا إلى الشرق الأوسط والبلدان العربية وتركيا إلى بلدان أفريقيا، سواء منها البلدان العربية أو غير العربية، حيث يعيش المسلمون والشباب المسلم ويشعرون بالاعتزاز بالإسلام.إنّ الإحساس بالاعتزاز هو الذي يمنحهم النصر، وإلاّ فكيف حقق حزب الله لبنان ذلك الانتصار الساحق على جيش مدجّج بالعدّة والعتاد ويحظى بدعم القوى الكبرى العالمية، وذلك بلا أن تتوفّر لحزب الله تلك التغطية والأوراق السياسية والعسكرية والاقتصادية المتداولة في عالم اليوم؟ إنّ ذلك بفضل الإسلام والثقة بالنفس. إنّ معنى العمل بالإسلام وتصديق القرآن الكريم وتحقق الوعد الإلهي هو: أن نثق بالقرآن المجيد عندما يقول (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(2) أو عندما يقول (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)(3).إنّ هذه المعرفة القرآنية هي التي تمنحنا مثل تلك الثقة، وعندها تتجلّى الآثار والنتائج في نهضة الشعوب، واضمحلال القوى الجائرة يوماً بيوم، وفشل مؤامرات المعتدين والمستكبرين ضدّ البلدان المسلمة؛ فعلينا أن نأنس بالقرآن الكريم، وأن نثق بما فيه، وأن نتدبّر آياته. إنّ الاهتمام بالقرآن الكريم في بلدنا يسير قُدُماً بصورة جماعية يحدوها العزم والتصميم، فلا ينبغي أن تتوقّف هذه المسيرة أبداً. وإنني أوصيكم أيها الشباب الأعزاء العاشقون للقرآن والفخورون به: بأن تواصلوا هذه المسيرة وهذا النهج المبارك، وستجدون أنّ ثماره الطيّبة ستغمركم وتغمر شعبكم وبلدكم على الدوام إن شاء الله.إنني أرحّب أيضاً بالضيوف الحاضرين في هذا الاجتماع، كما أرحّب بالقرّاء والأساتذة وكل من شاركوا بالقراءة أو لم يشاركوا، وأسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع في هذه المسابقات القرآنية التي بدأت في هذه الليلة على ما يبدو.اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين.اللهم أحينا بالقرآن، وأمتنا مع القرآن، واحشرنا مع القرآن.اللهم اجعل قولنا قرآنياً وعملناً قرآنياً.اللهم أكتب الهزيمة والنكسة على أعداء القرآن والمتآمرين على القرآن والمبغضين لاستمرار وجود القرآن في المجتمع الإسلامي.اللهم اهزم المستكبرين.اللهم أنزل علينا لطفك ورحمتك وغفرانك في هذا اليوم ونحن نقترب من ساعة الإفطار في شهر رمضان المبارك.اللهم اغفر لنا وتقبّل منّا صيامنا وصلاتنا وتلاوتنا بفضلك وكرمك.اللهم أنزل غيث فيضك ورحمتك على كافة البلدان والأقطار الإسلامية.اللهم ارزقنا روحاً قرآنية ومعرفة حقّة بالقرآن واجعلنا من خدّام القرآن. رحم الله من قرأ الفاتحة مع الصلوات.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.--------------------------1 ـ سورة الأنعام الآية 1152ـ سورة الحج الآية 403 ـ سورة يوسف الآية 21ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
2006/09/25

كلمته في أعضاء لجنة إقامة الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيمأيَّها الإخوة الأعزاء، السادة المحترمون أهلاً وسهلاً بكم.إنني أرى من الواجب أن أقدّم شُكري الى سماحة الشيخ قراءتي، والأخوة الآخرين ممن قام بمساعدته الترويج لمسألة الصلاة المهمة، كالأخوة العلماء، وأئمة الجمعة المحترمون، ومسؤولي الأقسام المهمة في البلد، وبعض الوزراء والمدراء.أودّ أن أذكر أنّ ما تبذلونه من جهد ووقت في هذا المجال، وما تصرفونه من قوة مادية ومعنوية في مسألة الترويج للصلاة، ليس بالأمر الكثير؛ بل يتطلب الأمر أكثر من ذلك.إنَّ ما سمعناه من أنَّ (الصلاة عمود الدين) علينا أن نتعامل معه بجدية. إنَّ خيمة الدين قائمة على الصلاة، سواء كان ذلك في تقوى وتديّن شخص ما، أو في إقامة إحدى المجاميع الدينية أو في تديّن أحد البلدان أو المجتمعات.فإذا كنّا لم نتمكن من تشخيص كيفية تأثير الصلاة في آفاقها الواسعة؛ فإنَّ سبب ذلك يعود الى قصر نظرنا، وإلا فإنَّ ذلك الشخص الذي قال: (الصلاة عمود الدين) والآيات القرآنية الناطقة بأهمية الصلاة، على معرفة جيدة بطبيعة دور الصلاة وتأثيرها.لقد كنّا نسمع أحياناً في عهد الطاغوت من داخل بعض زنزانات السجون الصعبة والموحشة لنظام الشاه، التي كان يسجن فيها سجناء مختلفون، ومن جملتهم السجناء الإسلاميين الذين يحملون أفكاراً إسلامية، وكذلك من بعض الذين كانت لهم ميولاً حزبية وأفكار مختلفة والتي يطلق عليها (إسلامية) على أي حال ـ ولعلي كنت أسمع ذلك مباشرة، وإذا كان الآخرون قد سمعوا شيئاً أيضاً كانوا ينقلونه لنا ـ أنَّ البعض كان يقول: إنَّكم كثيراً ما ترددوا: (حيّ على الصلاة)؟ قولوا: (حيّ على الجهاد).إنَّ جوّ المقاومة، كان يُحدث هذا التفكير وهذه الرؤية الى المسائل، كالقول: لماذا تتشبّثون بترديد مسألة الصلاة ودائماً تقولون: (حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة) حسنا، قولوا: (حيّ على الجهاد)، وادعوا الناس الى ذلك. إلا أنَّ التجربة التاريخية أثبتت أنّ عدم الاهتمام بالصلاة، إذا طرأ على شخص ما، أو على جهاده، سيؤدي الى تعطيل الجهاد، بالإضافة الى إخراج المقاومة عن عنوان الجهاد، وتحويلها الى مقاومة هدفها الوصول الى القدرة و إتباع هوى النفس.إنَّ الأمر الذي يصبغ مقاومة الإنسان وصراع الأمة بصبغة الجهاد ومعانيه هو التوجّه لله تعالى، الذي تعتبر الصلاة سنداً له؛ ولهذا فإنَّ أول الأوامر التي توجهت للنبي (ص) هو وجوب الصلاة، وأول تبليغ عُيّن من قِبَل الله تعالى للرسول (ص)، (وأمر أهلك بالصلوة)، والوصف الذي بيَّنه الله تعالى الى المجتمع الموحّد في الدرجة الأولى، (الذين مكناهم في الأرض أقاموا الصلوة)، هذه هي أهمية الصلاة.إنَّ أهم ما يلزم للحركة في هذا الميدان، أمران: الأول: الباعث: وهي القوَّة الباطنية التي تحرّك الإنسان وتسيّره.الثاني: التوجَّه الصحيح الذي يؤدي الى عدم غفلة الإنسان عن أنوار الهداية، أو ينحرف عن جهتها.إنَّ عدم وجود الباعث نحو الله يؤدي الى بقاء الإنسان في وسط الطريق، فإنَّ هناك الكثير من المشاكل التي تواجهنا اليوم.إنَّ إقامة المجتمع التوحيدي، وانتشار العدل بين أفراد الإنسانية، وثبات خيمة الحق وسط جميع العواصف الناجمة عن الأهواء الباطلة، ليس بالأمر السهل، بل يحتاج الى باعث.إنَّ هذا الباعث هو التحرَّك نحو الله تعالى، وذكره، والإستعانة به، والعمل على طبق ما يريده، وأن تكون نيّتنا عند توجيه البوصلة الى القبلة من أجل الصلاة، وجه الله، لا القدرة، أو الثروة، أو عبادة الهوى، أو الرغبات النفسية، أو المداهنات السياسية المختلفة.إنَّ هذين العاملين المهمين وهما التحرّك لأجل الله واتخاذ رضى الله هدفاً دوماً قد تلخصا في الصلاة.كما أنّ الأشخاص الذي يتحمّلون القسم الأكبر من هذه المسؤولية، في حاجة الى المحرَّك نحو الله والتوجّه إليه، كذلك الطبقة المتوسطة من الناس، وعامة أفراد المجتمع يحتاجون الى ذلك.وبالطبع، فإنَّ الأفراد الذين يتحمّلون مسؤوليات أكبر، بحاجة الى ذلك أكثر من غيرهم، فإنَّهم بحاجة الى هذين الأمرين أكثر من الآخرين: الباعث، والتوجّه الخالص لله تعالى، ولهذا فما الداعي الذي جعل الباري تعالى يخاطب نبيّه الكريم بقوله: (قم اللّيل الّا قليلاً نصفه أو نقص منه قليلا أو زد عليه و رتّل القرآن ترتيلا)؟لأنَّ الله تعالى يقول: (إنَّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)، فعليك بتهيئة نفسك لذلك.بناءً على ذلك، إننا بحاجة لذلك أكثر، وبقية الناس أيضاً يحتاجون الى ذلك، لكن بدرجات متفاوتة، هذه هي أهمية الصلاة.وإنَّ الأمر المهم في الصلاة الذي لابدّ أن نستند إليه بعد مسألة ترويج أصل الصلاة ـ أي وجوب هداية الجميع من أجل أن يوأدوا الصلاة، ويكونوا مصلين ـ هو التوجَّه في الصلاة، وهو ما يطلق عليه بـ (حضور القلب).إنَّ حضور القلب والتوجّه، هو عمل يحتاج الى ممارسة وتمرين.إنَّ الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل ويعرفونه، يعلموننا: بأنَّ الإنسان يجب أن يشعر حال الصلاة، بأنَّه يقف أمام مخاطَب ذو شأن ومقام عظيم، وهو خالق الوجود ومالك جميع الموجودات.إنَّ أي جزء من الصلاة إذا تُضفى عليه حالة من الخشوع، فسوف يكون مصداقاً لما تضمّنه بتعبير الرواية: (إنَّ هذه الصلاة صلاة مقبولة) وسوف يحقق ذلك الأثر وتلك الخاصّية، ثمَّ تترتب آثار الصلاة على هذا النحو ـ لا يمكن لنا تلخيص جميع آثار الصلاة في عدّة جمل أو عدّة فقرات قصيرة ـإنَّ من أوليات الأمور وضرورياتها، وظيفة القيام بتعريف الصلاة لجميع الشباب وكافة أفراد المجتمع، ونشرح لهم أهمية الصلاة.إنّ هذا العمل يحتاج الى متصدي، ولقد تحمّلتم مسؤولية ذلك ـ والحمد لله ـ وأصبحتم متصدّين لهذا العمل. وحقيقةً لابدّ للمؤسسات المختلفة العمل في هذا الميدان والسعي لتحقيق ذلك، فإنَّ هذا الأمر مهم.إنَّ المسألة لا تقتصر على هداية أحد الأشخاص المشغولين عن الصلاة أو تاركيها الى أداء الصلاة، بل معناها العمل على تقوية القواعد الأساسية لحركة عالمية عظيمة بين أفراد المجتمع الإنساني، الذي يعتبر نظام الجمهورية الإسلامية الدعامة المحكمة لها.عندما تأنس قلوب الناس بالصلاة، ويأنسون بالله تعالى عن طريق الصلاة ويتعرّفون عليه، فمن الطبيعي سوف تتولد لديهم حالة تنفر واشمئزاز من المعاصي، وتصبح قلوبهم حسّاسة إزاءها، وبالتدريج سوف تحصل لديهم حالة التقوى التي تمثّل الإستقامة الدينية في الشرع المقدس.هذا ما يتعلق بمسألة الصلاة.ولهذا فإنني أقدّم شُكري الخالص الى جميع الأخوة خصوصاً الأخ سماحة الشيخ قراءتي الذي سعى سعياً حثيثاً وجدّياً في هذا المجال، والأفراد الذين قاموا بالتعاون معه، هذا أولا.وثانياً: أأكد على استمرار العمل دون انقطاع، وعدم السماح لحالة الخمول والتعب للتغلغل بين أوساطكم.إنَّ هذا العمل هو عمل مستقبلي، ويجب أن يتابع بشكل مستمر، فهو كالصلاة لا يتحمّل الإنقطاع، ولا يقبل التوقف؛ لأنَّ غفلة الإنسان تؤدي به الى مساوئ كثيرة، وإنَّ هناك الكثير من الأمور تؤدي الى غفلة الإنسان.ومن أجل التصدّي لهذه الغفلة تلزمنا الصلاة، كصلاة الصبح والظهر والمغرب والعشاء والنافلة والفريضة، ويجب أن نعرّف الناس بأهمية الصلاة وتأثيرها وخصوصياتها المعنوية، وينبغي الإستفادة من جميع الأجهزة التبليغية النافعة في هذا المجال.أرغب في التحدّث قليلاً فيما يتعلق بما نقل عن تصريحات البابا، الذي أبدى العالم الإسلامي ردة فعل قوية تجاهها.إنَّ هذا التصريح الذي صدر من شخصية روحانية مسيحية ضد الإسلام ـ الذي يعتنقه مليار ونصف إنسان وكتب عنه ملايين الكتب ـ يحتوي على جهتين تسترعي الإنتباه:الأولى: التّهمة التي وجّهت للإسلام ـ التي استرعت انتباه العالم الإسلامي كثيراً بالخصوص في الأيام القلائل الأخيرة ـ إنَّ هذه الشبهة وهذه التهمة، تعتبر ظلماً للعالم الإسلامي، و خلاف الإنصاف حيال الإسلام. لقد اُتّهموا الإسلام بإهمال التعقّل، وعدم إهتمامه بالعقل، الى درجة أنَّهم أخذوا ينكرون فيه أمراً بديهياً، كإنكار فوائد الشمس أو نورها.ففي أي كتاب سماوي جاء التأكيد على المخاطبين بالتفكر والتعقل بهذا القدر ـ (لعلكم تتفكرون)، (لعلكم تعقلون) ـ أو على التدبّر بالآيات الكونية الإلهية؟وفي أي كتاب سماوي توجّه الخطاب الأول منهم الى العلم والقلم وأهمية التعليم والتعلّم.وإذا ما كان العالم الغربي قد نجح في مسألة العلم والتقدّم العلمي، فأي مؤرّخ ومطّلع منصف لا يصدّق أنّ كل ذلك يعود الى فضل الإسلام؟فعندما كان العالم الغربي في القرون الوسطى قابعاً بالجهل والظلام والعمى، كان يعيش العالم الإسلامي في عهد التفتّح العلمي والعقلي والفكري والفلسفي، وعهد العلماء كإبن سينا والفارابي وأمثالهم.إنََّ عدم فَهْم مسألة الجهاد الإسلامي والتصوّر الخاطئ لها، هو ظلم آخر.لم يكن الجهاد الإسلامي من أجل فرض العقيدة، بل لمحاربة الأشخاص الذين يريدون أن يستعبدوا الإنسانية.الجهاد الإسلامي ليس حرباً مع الشعوب، بل حرباً ضد القوى الظالمة والمستكبرة.هذا هو تاريخ الإسلام، وهذا هو سلوك قادة الإسلام، وإرشاداتهم.توجد في رسالة أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) التي يخاطب بها مالك الأشتر، توجد العبارة الخالدة التي لا يطرأ عليها النسيان، وهي قوله: إنَّ الأشخاص الذين تواجههم، إمّا هم على نفس عقيدتك، (وأمّا نظير لك في الخلق).فينبغي لك أن تتعامل بالأخلاق الكريمة حتى مع الأشخاص الذين يختلفون معك في مسألة العقيدة. (لا ينهاكم اللَّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين و لم يخرجوكم من دياركم ان تبرّوهم و تقسطوا إليهم انّ اللَّه يحبّ المقسطين) ـ إنّ هذه أوامر القرآن ـ هذه هي أوامر الإسلام، فكيف لا يفهم الإنسان هذا، ويفسّر الجهاد الإسلامي ـ الذي يعتبر المقاومة التحررية للشعوب، والتي تخلّص الشعوب من مخالب القوى المستكبرة والظالمة ـ بهذه الطريقة.إنَّ مثل هذه الآراء التفسيرية ـ للأسف ـ لم تكن مقتصرة على الوقت الحاضر ، بل إنَّ علماء الغرب كانوا يثيرون هذا الكلام ضد الإسلام منذ قرون متمادية، وكنّا نتصوّر أنّ هذا الكلام قد أنقطع في العهود الأخيرة، واتّضحت حقيقة الأمر، إلا أنّ المرء ـ وللأسف ـ يرى مرّة أخرى أنَّ هذا الكلام الذي يجب أن لا يطرأ على الألسن، أخذ بالعودة مرّة أخرى.الجهة الثانية من المسألة ـ التي تعتبر حسب اعتقادي أهم من المسألة الأولى ـ هي النوايا التي تختفي خلف ستار مثل هذه التصريحات، والتي تتضح لنا حقيقة الأمر من خلالها.وحقيقة الأمر هي محاولة خلق الأزمات الطائفية في العالم، وإيجاد التنازع بين أصحاب الأديان والمذاهب المختلفة، والحيلولة دون إيجاد نوع من التعاون والإنسجام بين الشعوب المختلفة بالعقائد، وتأجيج الحروب، وخلق الصراعات وإثارة الأزمات، التي تعتبر من أهداف القوى المستكبرة؛ لأنَّ حياتهم متوقفة على هذا التصعيد، فلابدّ من زيادة حالة التصعيد؛ لكي يتمكّنوا من تمرير نواياهم الخبيثة في أوساط المجتمع الدولي.إنني أخشى من أن يكون قد أجري التخطيط خلف هذه التصريحات لإثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وزرع البغضاء بينهم، وتشويه صورة المسلمين ـ خصوصاً في الأماكن التي يمثّلون الأقلية فيها، كالبلدان الأوربية والأمريكية ـ وخلق الذرائع من أجل إسقاط المجاميع الإسلامية في البلدان التي يكثر فيها الإرهاب وما شاكله لأسباب واهية.عليكم أن تلتفتوا الى أنَّ مثل هذه السياسات أخذ يخطط لها خلف ستار هذه المسألة.وإنني أعتقد أنّ نفس البابا قد خٌدع في هذه المسألة أيضاً، ولم يكن منتبهاً الى ما يدور خلف ستار هذه التصريحات، وما هي أهداف أولئك الأشخاص الذين يهيئون له الأرضية ويجبرونه بالإدلاء بمثل هذه التصريحات.لقد جاء أحد الرؤساء الأوربيين قبل عدّة سنوات الى طهران، وعندما التقيت به أشار في أحد تعابيره الى الحرب بين المسيحيين والمسلمين، وحينها أبديت تعجبي من كلامه! وخاطبته قائلاً: وهل من المتوقع أن تكون هناك حرباً بين المسلمين والمسيحيين؟! ثمّ قلت له: ليس هناك باعثاً للمسلمين على الحرب مع المسيحيين. إنَّ أي حرب في العالم ـ الحروب الكبيرة ـ حدثت في المئة عام الأخيرة ـ ولعلّه أكثر من ذلك ـ كانت حروباً بين المسيحيين أنفسهم، كالحرب العالمية الأولى، والثانية، والحرب بين فرنسا وألمانيا؛ وغيرها، وقلت له: إنَّ هذه الحروب كانت بين الدول المسيحية، ولم تكن بين المسيحيين والمسلمين.ولقد تعجّبتُ حينها من السبب الذي يؤدّي الى الإدلاء بمثل هذه التصريحات!بعد أيام قلائل من حادثة سقوط برجي نيويورك، وإبداء وجهة نظر الرئيس الأمريكي الذي صرّح قائلاً: لقد بدأت الحرب الصليبية! أصبح الشخص الذي تكلّمت عنه ـ الذي التقيت به وأخذ بالتحدث معي ـ أحد الأشخاص الأساسيين بالعمل المباشر في المشروع الأمريكي ـ الصهيوني للهجوم على العراق بعد تصريحات جورج بوش. لقد إنتبهت حينذاك أنَّ الكلام الذي دار بيني وبينه في ذلك الوقت، كان مسبوقاً بإحدى المباحثات أو المناقشات أو المعاهدات بين رؤوس الإستكبار العالمي.أولئك الأشخاص الذين قاموا بتأسيس حلقة المؤامرات الأمريكية ـ الصهيونية في الشرق الأوسط، حيث استهدفت خطوتهم الأولى العراق.لقد إتّضح معنى ذلك الكلام لدي حينذاك، حيث كان يعني الحرب الصليبية! الحرب بين المسلمين والمسيحيين! إلا أنّ ذلك لم يحالفه النجاح.لقد سعوا كثيراً من ذلك اليوم وحتى وقتنا الحاضر من أجل تمرير مخططاتهم، وكانت الرسوم الكاريكاتورية التي تنال من شخصية الرسول (ص) أحدى حلقات الإستهانة بالمسلمين، وإنَّ التصريحات المشوبة بالإهانة من قِبَل أرباب السياسة والصحف ضد الإسلام والمسلمين في أمريكا وأوربا من هذا القبيل أيضاً، فهي الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة الى حد الآن، والتي جرت ـ وللأسف ـ على لسان البابا، الذي يعتبر أحد علماء المسيحيين، فلو كانت قد صدرت من بوش لم يكن ذلك على خلاف توقّعاتنا؛ لأنّ ذلك ليس بعيداً على بوش. فالإنسان لا يتعجّب إذا صدر ذلك من الرئيس الأمريكي ـ أي العنصر الذي يعمل من أجل التسلّط والشركات الإحتكارية الناهبة لثروات العالم، والذي انتخب بمعونتهم وهو يعمل لأجلهم ـ إلا أنّه يثير العجب الشديد حينما يصدر من شخصية علمائية!فمن الأسف الشديد أنّ مقاماً علمائياً كبيراً في العالم المسيحي يكون وسيلة للأمر الذي يُعد مرتكز سياسة المستكبرين والمتسلّطين والمتجاوزين بالقوة على بلدان العالم! ووسيلة للمرتكز السياسي وأهداف الكواسر التي تقوم بنهب الثروات الوطنية، وتأجيج الأوضاع، فعلى المسلمين أن ينتبهوا الى ذلك.وعلى الأشخاص الذي يتخذون المواقف الغير منصفة إزاء هذه التصريحات، أن ينتبهوا من الذي يكون وراء هذه الهجمة وهذا النشاط.إنَّ الشخص الذي يقوم بالترويج لهذه الحملة، ويمتلك الباعث لذلك، وينتفع من ورائها، ليس هو الباب وأمثاله، بل هي القوى العالمية والصهيونية وأمريكا.إنَّ الشيطان الأكبر أيضاً يقبع خلف الستار في هذه المسألة، ليقوم بالتخطيط لهذه المؤامرات.أسال الله تعالى أن يبعث في نفوسنا الأمل، ويسددنا ويهدينا ويرشدنا، ويجعلنا متحلّين بالبصيرة والوعي والنشاط عند القيام بوظائفنا، وأن يردّ كيد أعداء الإسلام والمسلمين الى نحورهم.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  
2006/09/17

كلمته في الشباب النخبة

بسم‏ اللَّه‏ الرّحمن ‏الرّحيم‏إنَّ أحد الأسباب التي تدعوني الى عقد مثل هذه اللقاءات مع الطلبة، هو ما يتمتع به الشباب من شعور بالحرية، والشجاعة في بيان أفكارهم، وهذا، يُعد من أروع المسائل؛ ولهذا فإنني أشكر الأخ العزيز الذي تطرّق الى بعض المقترحات من خلال كلامه . طبعاً، إنَّ إدارة هذا الاجتماع لم تكن عملية ـ إلى حدٍ ما ـ بما يتناسب مع وضعي، وبالشكل الذي وصفتموه، ولو عاد الأمر إليّ وأردت أن أتخذ قراراً في هذا الشأن، لانتخبتُ طريقة أخرى؛ أي بعد قيام الأشخاص للتحدّث، يُترك لهم تعيين الوقت بأنفسهم؛ ليحصلوا على فرصة واسعة للكلام، إلا أن ذلك يحتاج الى وقت أوسع، و هو لا يتناسب مع وقتي المحدود أيضاً.إنني أقوم بالإطلاع على آراء الشباب والجامعيين والتلامذة والنخب ـ عن طريق الذين يقومون بعقد هذه الاجتماعات وأمثالها ـ من خلال التقارير المتعددة التي تصدر من أماكن مختلفة، فإنني لم أكن بعيداً عن الحقائق.بالطبع، إنَّ الاستماع منكم مباشرة يعتبر توفيقاً إضافياً، إلا أنَّه ولضيق الوقت لا يمكنني الاستماع إلا بالمقدار الذي يسمح به الوقت.وعلى كل حال، فإنني أكتفي بالمقدار الذي أتمكّن منه للاستماع إليكم.في البدء، أرحّب بكم جميعاً، كما أشكر جميع الشباب الذين قاموا بطرح بعض المسائل في هذا الاجتماع، وإنَّ كل ما قالوه قد دوّن أيضاً، وإنَّ البعض منها هي من المسائل التي تعتبر مورداً لاهتمام المسؤولين المحترمين الحاضرين في هذا الاجتماع ـ الوزراء والمعاونين المحترمين، ورئيس الجمهورية وبقية المسؤولين الذين رأيتهم يدوّنون هذه المسائل أيضاً ـ حيث عليهم متابعتها والاهتمام بها، فالبعض منها قابل للتحقق، والبعض الآخر يمكن أن يرد عليه بعض الإشكالات، وعلى كل حال، لابد من أن تُبحث هذه المسائل وتُولى أهمية.إنَّ بعض ما قلتموه يعتبر من الأمور الصحيحة، التي لابد أن تكون مورداً للاهتمام من الآن، فمثلاً بالنسبة لمؤسسة النخب ـ التي تحدّث عنها بعض الإخوة ـ فإننا ـ ولحسن الحظ ـ نجد أنَّها قد أصبحت تتحرك بشكل أفضل في الأيام الأخيرة، بالإضافة الى أنَّ الأشخاص الذين اُنتخبوا للتصدّي للمسؤولية فيها ـ في السابق أو في الوقت الراهن ـ هم من ضمن النخب أيضاً، إلا أنَّهم من نخب الدورات السابقة على دورتكم. إنَّ من الخطأ أن تعطى مسؤولية عمل النخب الى أشخاص لا يعرفون معنى النخبة، وليس لديهم مؤهّلات تجعلهم يكونوا نخباً؛ وهذا ما سيكون في المستقبل، بل سوف يكون الأمر أفضل من ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ إنني أكَّدت على ذلك، وسوف أأكد عليه مستقبلاً؛ لأنَّه أمر بالغ الأهمية.أو ـ مثلاً ـ تلك المسألة التي ذُكرت فيما يتعلّق بمركز البحوث البتروكيمائية، التي ينبغي لجناب الأخ الدكتور داوودي أن يقوم بمتابعتها؛ لأنَّ وزير النفط المحترم ليس حاضراً، فهي من المسائل المهمّة جداً، فهي تمثّل ذلك الأمر الذي أريد الاستناد إليه، وهو: ، حيث إنّ عليهم أن يأخذوا هذين الأمرين مع بعضهما بنظر الاعتبار، ويقومون بالاستفادة منهما معاً.فكما يتمكّن هؤلاء من جعل العلم والبحث يصبّ في فائدة مراكز العمل، فإنَّ مراكز العمل أيضاً تكون في معرض الاستفادة من مراكز العلم والبحث، وإن شاء الله سوف يتابع جناب الدكتور ذلك بالتأكيد.لقد استفدت من بعض المسائل التي تطرّق لها الأخوة في أحاديثهم، ولا بأس من ذكرها لكم.عليكم أن تلتفتوا الى أنَّ جميع أنواع الرغبة للهجرة الى خارج القطر لا تعتبر سيئة، ولقد ذكرت مراراً: أنَّ ذلك لا يعني الهروب والفرار من ساحة الحرب.إنَّ الفرار من ساحة الحرب أمر سيّئ.إنَّ بلدكم في حالة حركة ونهضة عظيمة، ومشروع كبير من أجل الانطلاق والمضي نحو الأمام، فهو كساحة الحرب، وإنَّ الهروب من هذه الساحة هو أمر سيّئ، إلا أنّ الانزواء من أجل التعلّم والاستعداد أكثر من أجل خدمة البلد، لا يُعد أمراً سيئاً.إنني لا أرفض جميع موارد الذهاب الى الخارج، ولقد ذكرت لكم ولبقية الشباب هذا الأمر مرَّات عديدة، فأي إشكال في أن يذهب البعض الى الخارج؟ حسناً، فليذهبوا.إنَّ العقل يدين الأشخاص الذين ينسون بلدهم، ويرمون مصالح بلدهم وشعبهم ـ أي اُسرهم ـ خلف ظهورهم، ويعملون من أجل ملء جيوبهم فقط، لا يدانون من قِبَل القضاء ـ فليس هناك قانوناً يُدين هذا العمل ـ إلا أنَّ الضمير والعقل البشري والوجدان الوطني يُدين مثل هذا العمل.إنَّ هؤلاء لم يكونوا جميعهم من النخب، كلا، فمن الممكن أن يكون بينهم أربعة من النخب، وأربعون ليسوا من النخب، فلا يُتصوّر أنَّ هؤلاء الذين يهمّوا بأنفسهم فيذهبوا للخارج، كلّهم من نخبنا الذين يذهبون للخارج بين الحين والآخر، كلا، بل إنَّ الذين يكون جُلّ اهتمامهم هو الذهاب الى الخارج، فإنَّهم يُبتلون بالمشاكل هناك ـ عليكم أن تلتفتوا الى أنَّنا على علم تام في هذا المجال ـ كما أنَّهم لم يلاقوا استقبالاً وتقديراً جيداً في الغالب.وإذا كانوا حقيقةً من النخب، فسوف تقوم المراكز الخارجية بالضغط عليهم بالمقدار الذي يكون فيه استغلالهم، ثم نبذهم بعيداً، دون أن يتعهّدوا لهم بأي ضمان؛ ولهذا يجب أن يكون الهدف من وجود الإنسان، فائدة بلده وشعبه وعائلته وأرضه التي ضمّته، وربّته، وأعدَّته، وكذلك فائدة الجيل الصاعد والأجيال الآتية، فهكذا يجب أن يكون هدف الإنسان، ولا إشكال في أنَّ يتحقق هذا الهدف على أي نحو.مسألة أخرى في مجال قضية الاستقلال الثقافي التي أشار إليها بعض الأخوة، حيث شُرع بالعمل من أجل ذلك في البلد.لقد برزت بين أظهرنا في أواسط العهد القاجاري ظاهرة التعلّق والافتتان بالأجانب، وبالطبع كانت هناك عوامل طبيعية ساعدت على ذلك، وأخذت هذه العوامل بالاشتداد يوماً بعد آخر، ووصلت في عهد حكومة الشاه البهلوي الى أوجها، وعلى أساس ذلك، قاموا بتأسيس قواعد ثقافية خطرة جداً في البلد مثل: أنَّ الإيراني غير قادر، وليس له قابلية للحضور في ميادين العلم والثقافة، والنظرة السلبية الى ما نمتلك من ماضي ثقافي وميراث تاريخي علمي القيّم، وهذا ما كان قد حدثت في البلد.إنَّكم لم تشاهدوا ذلك العهد، وبما أننا ترعرعنا فيه، وحيث إنني أختلف مع أكثركم من ناحية العمر في ما يقرب النصف قرن، فقد أدركت تلك العهود، وشاهدت ما حدث فيها.ـ حقَّاً ـ إنَّ الثقافة التي كانت ترّوج فيها، كانت ثقافة إننا غير قادرون، فقد كانت الثقافة ترجّح ترجيحاً مطلقاً أي شيء غربي على أي شيء إيراني، هكذا كان الأمر.فلقد كان يلجأ البعض في مجال تراثنا الإيراني، على أمور يستفاد منها الغرب لأهداف ـ استعمارية وتسلطية ـ من التي يقوم برسمها مخططو السياسية الغربيون، حيث يقومون بتعظيم بعض المسائل في بلدنا، من أجل أن تكون مثاراً لانتباه أجهزة الدولة في البلد لا غير، وقد كان الوضع على هذه الحالة لعهود متمادية.إنَّ الثورة هزّت كل ضمائر هذا الشعب، وبعثت فينا روح اليقظة، وجعلتنا نعتّز بهويتنا، وأبرزت لنا قدراتنا، وجعلتنا نحمل شعار: .ونحن بدورنا، قُمنا باقتحام الميدان وخضنا التجربة، فوجدنا في أنفسنا القدرة؛ ولهذا فإنَّ الاستقلال الثقافي في هذا البلد يمضي نحو التقدّم يوماً بعد آخر، وتزداد الثقة بقدراتنا الثقافية.إنَّ ما نمتلكه من إصرار أيضاً، يُعرب عن قدرتنا على تحقيق هذا الأمر، وعليكم أنتم ـ أيَّها الشباب ـ أن تتوجّهوا الى ذلك، وإذا لمستم أيّ مورد للتعارض مع روحية الاكتفاء والاستقلال الثقافي، فعليكم أن تنظروا إليه بريبة، واعلموا أنَّ ذلك مخطط له مسبقاً من قِبَل الأعداء.المسألة الأخرى ترتبط بأسلوب التطوّر العلمي في البلد، حيث قال بعض الأخوة: إنَّ هذا الأسلوب بطيء.إنني أريد أن أقول: كلا، فمن حسن الصدف، إنَّ أسلوب التطوّر في بلدنا ـ من جانب السرعة ـ هو من أسرع أساليب التطوّر العلمي على مستوى العالم.وهذا ما يمكن معرفته من خلال الحسابات العلمية؛ أي أنّ بلدنا يمتلك أسرع أسلوب من أساليب التطوّر والتقدّم العلمي والتقني على مستوى العالم، إلا أنَّه بسبب وجود البعد الشاسع بيننا وبين بلوغ الهدف، فإنَّ هذه السرعة لا تظهر نتائجها في الوقت الحاضر.وإذا ما استطعنا ـ بتوفيق الله ـ أن نحافظ على هذه السرعة والهمّة في الحركة الى عشرة أو خمسة عشر سنة، ونمضي للأمام، فعند ذلك سيتّضح الأمر بصورة كاملة.إنني ـ بالطبع ـ أمتلك الكثير من الأمثلة على ذلك، البعض منها من المحتمل أن لا تتمكنوا من تصوره؛ لأنَّه من الإحصاءات التي قد أقوم بذكرها، إلا أنَّكم لم تكونوا اطلعتم عليها؛ ولهذا فسوف لا تكون ملموسة لديكم.أما ما هو ملموس في الوقت الحالي ونستطيع مشاهدتها، فيتمثل بما تحقق من بحوث تتعلق بالطاقة النووية، والتي حصلنا عليها عندما شرعنا من تلك النقطة التي قمنا فيها بالحركة في هذا المجال، وقد كانت الفترة التي تمَّ فيها ذلك فترة مدهشة، ومع ذلك فقد تمَّ إنجازه.ولقد تمَّ في هذا المجال أيضاً تحقيق منجزات مختلفة، كالبحث في مسائل علم الأحياء، ومسألة زرع الخلايا الحيّة، وفي مسألة الصناعات العسكرية، وهو ما ذكرته مسبقاً.وبما أنَّه ليس بحوزتكم معلومات وافية عمَّا حدث؛ باعتبار أنَّ ذلك لم يكن من ضمن المعلومات والأخبار العامة؛ ولهذا السبب وضوحه لم يكن محسوساً لكم.لقد ذكرت مراراً: عندما كانت تعطل قطعة من قطعات الطائرات المقاتلة التي كانت تُشترى من أمريكا بصورة رئيسية ـ في بلدنا قبل الثورة، وتحتاج الى التصليح، أو ينتهي مفعولها ـ ولعله كان يمكن الاستفادة من عملها لمدّة معينة، إلا أنَّهم كانوا يحددون لها زمان، لابد من استبدالها فيه ـ كانوا لا يسمحون لنا يفتح هذه القطعة المركبة ـ قطعة تتركب من عشرين أو ثلاثين أو خمسين جزء ـ وتفكيك أجزائها.أي أنّ حرفيينا ومبدعينا وضبّاطنا الفنيين الذين كانوا يعملون في القوَّة الجوية، لم يكن يسمح لهم بالإطلاع على ذلك.فلو قام الفنّي أو الضابط المعني بذلك بهذا العمل مرَّة أو مرّتين، فسوف يحاكم من قبل المحكمة العسكرية للنظام، فيقال له: من سمح لك بالقيام بفتح هذه القطعة من قطعات الطائرة ـ مثلاً ـ أو ؟ حيث كان من المفروض أن يحوّلوا تلك القطعة وهي مغلقة ومقفلة الى المستشار الأمريكي، فيقوم بحملها على متن طائرة ويذهب بها الى أمريكا، ثمَّ يأتي بقطعة بدلها؛ أي أنَّهم كانوا لا يسمحون حتى للإطلاع على معرفة من كم جزء تتركب هذه القطعة، وما هو سبب عطلها.ولقد وصلنا اليوم من تلك المرحلة الى هذه المرحلة، التي أخذت فيها الطائرات المقاتلة الإيرانية بالتحليق في سماء الوطن! وهذا ما رأيتموه بأجمعكم من على شاشة التلفزيون، وبالطبع،فإنّ ذلك قد مرّ بعدّة مراحل.لقد كانت صناعة أول طائرة مقاتلة في إيران، قبل ما يقرب ثمان أو تسع سنوات، حيث حلّقت في الجو من ـ خلال مناورات عسكرية، كنت أشاهدها وأراقبها بنفسي ـ ثمَّ قمنا بتطويرها وإحكامها أكثر من ذي قبل، وهذا ما حصل الآن؛ وهذا يعني أنَّ لنا القدرة على إنتاج كميات كبيرة من ذلك؛ أي أنَّه عندما ينتعش البلد من الناحية الاقتصادية، فسوف يؤدي ذلك الى زيادة الإنتاج في هذا المجال.إنَّ المدّة التي تحقق فيها ذلك، هي مدَّة مثيرة للدهشة؛ أي أننا قد قطعنا شوطاً كبيراً للغاية في هذا المجال؛ ببركة المتابعة والجهود الكبيرة التي بُذلت من أجل ذلك.بناءً على ذلك، فإنَّ السرعة كانت جيدة، إلا أنَّ الأهم من ذلك هو المحافظة على هذه السرعة، وهذا ما يجب عليكم ـ أيَّها الشباب العارف المفكّر الواعي ـ معرفته، ويجب على المسؤولين أيضاً الاهتمام بهذه المسألة، التي كان من المفترض أن تتابع. وإذا ما كان هناك عيب في جانب من الجوانب التي تؤثّر على كيفية تقدّم العمل، فإنَّها عيوب جزئية وسوف يتمّ إزالتها.إننا لا ننكر وجود العيوب، بل ننكر أن تؤدي هذه العيوب الى حالة اليأس، الذي علينا أن لا ندعه يسري الى قلوبنا؛ أي علينا ـ أنا والمسؤولون في هذه الأقسام ـ محاربة اليأس بكل ما أوتينا من قوّة؛ لأنَّ الأمور التي تمنع تقدَّم الفرد أو المجتمع،هو اليأس ورؤية الآفاق الضيّقة، كلا، فالآفاق مضيئة، ويمكننا التطلّع لتحقيق أهدافنا.لقد ذكرت بعض المسائل قبل أن تشرعوا بحديثكم، وبالطبع هناك مسائل أخرى قمت بتدوين بعضها أيضاً، إلا أنَّه ليس هناك وقتاً متّسعاً لإيضاحها، وسوف أقوم بالإشارة الى واحدة منها الآن.إنَّ إحدى الفتيات من بناتنا أخذت تعاتب وتقول: إنَّ مكانة المتخرجين من العلوم الإنسانية، ليست بالمكانة المرموقة!إنَّ الأمر ليس كذلك، فإنني أقول لكم: إذا أصبحتم ـ إن شاء الله ـ من الروّاد، وتقدّمتم في مجال العلوم الإنسانية ـ مثلاً ـ أو التاريخ أو علم الاجتماع، أو علم النفس الذي ذكرتموه، إعلموا ـ حقيقةً ـ أنَّ مكانتكم في المجتمع وعلى مستوى العالم، سوف لا تكون أقل من مكانة طبيباً متقدّماً، بل أكثر من ذلك أيضاً.أنظروا الآن، لتعلموا كم هو عدد الأطباء ممن يوجد بين الشخصيات العلمية المعروفة في العالم، وكم هو عدد علماء الاجتماع أو المؤرخين المعروفين، سوف تجدون أنَّ عدد وشهرة علماء القسم الثاني أكثر من غيره، إلا أنَّ عليكم أن تعملوا لتتقدّموا.عليكم أن لا تقنعوا أبداً بالمقدار الذي وصلتم له الآن، ولا تقنعوا أيضاً بحصولكم على وسام النخبة والقابلية المتألّقة.فإنَّكم قد وضعتم أقدامكم الآن على الطريق من خلال انتخابكم بعنوان نخبة، سواء كان ذلك ـ مثلاً ـ عن طريق النجاح في أحدى الامتحانات، أو الحصول على وسام في إحدى المسابقات، أو المؤتمرات.إنَّ حقيقة الأمر هي أنَّكم وضعتم أقدامكم على الطريق.فإذا توقّفتم عن الحركة، فسوف تبقون في أول الطريق، وكأنكم لم تكونوا قد دخلتم الميدان.إنَّ أهمية عملكم تتضح من خلال طيّكم الطريق بأقصى سرعة ممكنة، بحيث تتقدّمون الى الأمام دون أن ينتابكم الشعور بالكسل؛ لكي تصلوا ـ إن شاء الله تعالى ـ الى المكانة المرموقة التي تليق بكم.إنني أرغب الآن بالتعرّض الى مسألة المسائل وهي، أولاً: إنَّ الهدف من هذا الاجتماع ليس هو حلّ المشاكل، وإن كان لابدّ من إيجاد الحلول لهذه المشاكل، وهو مما لاشكّ فيه، إلا أن لاجتماعنا هذا هدف أسمى، وهذا ما كرّرته مراراً.إنَّ هذا الاجتماع هو بالأساس اجتماع رمزي، فهو يقوم أولاً: بإبراز التكريم الذي يوليه نظام الجمهورية الإسلامية للعلم، وثانياً: لطلب العلم، وثالثاً، لأهمية العلم في تطوّر البلد، هذا هو ما يرمز إليه.إنَّ الأعمال الرمزية لا تتنافى مع التحرّك، فهي في حقيقتها تعتبر أيضاً حركةً داخلة في ضمن هذا الوجود، إلا أنَّ الاعتماد الأكبر يتوقف على الرمزية، كالشعائر الإسلامية، فالشعائر الإسلامية تمتلك جانباً رمزياً، فهي وإن كانت تمثّل حركة من الحركات، إلا أن أكثر التأثير الذي يؤدي الى جلب الانتباه، هو العمل الرمزي، فمثلاً: «إن الصّفا و المروة من شعائر اللَّه»، فالصفا والمروة توجدان في الحج، وإنَّ أكثر أعمال الحج من هذا القبيل، فهي من الأعمال الرمزية للحج؛ حيث خصصت منطقتان بينهما مسافة، وأصبح من الواجب على المكلف أن يقطع هذه المسافة في حركة مستمرة ـ على أن تكون هذه الحركة بصورة هرولة، في بعض أقسام هذه المسافة ـ وهذه هي الرمزية، فالرمزية هي أحدى الممارسات التي يقوم بها المسلمون في أغلب الأحيان، وكذلك في الطواف ـ مثلاً ـ حول أحد المحاور، الذي يمثّل حركة مستمرة، فالطواف هو حركة لا تنتهي؛ لأنَّه عندما يتمّ طوافكم، يأتي شخص آخر ليبدأ بذلك؛ ولهذا لا يمكن أن تشاهدوا الكعبة وهي خالية من هذه الحركة الدائرية للنَّاس أبداً، فهذه هي شعائر الله؛ أي أنَّ لها جهة رمزية.إنَّ هذا يعطي المجتمع الإنساني درساً، عن أهمية الأعمال الرمزية.إننا لدينا الرغبة، أن يُعلم في هذا البلد أنَّ طلب العلم، والعلم نفسه، وتأثيره على مستقبل البلد، هو أحد النقاط المهمَّة والأساسية لنظام الجمهورية الإسلامي.في الحقيقة، هذه من المسائل الأساسية والبارزة في ذهن الشعب الإيراني.إننا قد صُدِمنا من هذه الناحية، وتضررنا نتيجة للتخلّف في العلم. فقد ظهرت في يوم من الأيام نهضة علمية في العالم ـ إن النهضات العلمية في العالم دائماً تخضع لظروف متشابهة، ويرتبط بعضها بالبعض الآخر، وإنَّ شعبنا ومجتمعنا ينتفع بعضه من البعض الآخر في مسألة العلم ـ حيث كان الإسلام يوماً ما مركزاً لنشر العلم في العالم، بدون أن يتّجه العالم الإسلامي ـ من خلال سلاح العلم ـ نحو استعمار أوربا ـ مثلاً ـ أو أفريقيا أو أي نقطة أخرى من نقاط العالم.بل إنَّ هذا العلم أخذ بالانتشار بصورة سلمية، فوصل الى جميع الأرجاء، واستفاد منه الجميع وانتفعوا به.أما عندما أصبح العلم بأيدي أولائك، جعلوه أداة للتسلّط على البلدان، ثمَّ أخذ الاستعمار بالظهور شيئاً فشيئاً، حيث سُحق الشرق ـ أي أغلب مناطق آسيا وأوربا ـ تحت أقدام الاستعمار لمدّة مئتين أو ثلاث مئة عام، فلم يكن الغربيون قد استفادوا من العلم للتسلّط السياسي والاستعماري، الذي كانوا يستخدمونه من أجل الضغط على الشعوب والسيطرة على عصارة جهودهم وإمكاناتهم وثرواتهم وحسب، بل استفادوا من ذلك في فرض ثقافتهم على الشعوب المتخلّفة، وهذا الأخير ـ أي فرض الثقافة ـ يؤدّي الى عدم حصول هذه الشعوب على أي حظّ من التقدّم العلمي مطلقاً، ولا يسمح لهم بذلك، ولا يقدّموا لهم أي نوع من أنواع التشجيع، بل يقومون بوضع العراقيل أمامهم، هذا ما حدث بالفعل.حسناً، علينا إذاً أن نقوم بالتعويض عن هذا التخلّف التاريخي؛ لأنَّ الضرر الذي لحق بنا كان جرّاء الجهل، فإذا كان العالم الإسلامي اليوم متخلّفاً من الناحية الاقتصادية، أو الثقافية أو السياسية، فهذا بسبب أنَّ الخصم ـ أي العالم الغربي ـ متسلّحاً بسلاح العلم، وهم يستخدمونه من أجل الغلبة في ميدان السياسة، والاقتصاد والثقافة.فعلينا أن نحصل على هذا السلاح.يجب علينا أن نتمكّن من التسلّح بالعلم؛ لكي لا يكون التهديد من قِبَل الخصم ـ سواءً كان خصماً أو عدواً، فَهُم على أشكال مختلفة ـ مؤثّراً كما كان مؤثّراً قبل ذلك؛ ولهذا ينبغي لنا تحصيل ذلك؛ لأنَّ ذلك يعتبر هدفاً استراتيجياً رفيعاً جداً للشعب، ومهمّاً جداً وحياتي.إذاً يجب علينا التمكّن من تحصيل العلم.وبالطبع، إننا نعلم أنّ العلم وحده ليس كافياً؛ ولهذا يجب أن يقترن العلم بالأخلاق والإيمان؛ لكي لا نقع في المستنقع الذي وقع به الغرب، فإنَّ العلم بالنسبة لأولئك أصبح أداة للظلم، ووسيلة للانحراف الأخلاقي، ولنشر الثقافات المضلّة والمهلكة، فعلينا أن لا نبتلي بذلك، وهذا الأمر محفوظ في محلّه أيضاً، إلا أنَّ المسألة الأساسية هي أنَّ العلم هو أمر حياتي بالنسبة لنا.بناءً على ذلك، فإنَّ لدينا الرغبة في هذا الاجتماع من تكريم العلم، والتعليم والأشخاص الذين أظهروا مكانة مرموقة في هذا الميدان، فإنَّ هذا الاجتماع هو مظهر لتكريم هذه الخصوصيات التي ذكرناها.إنني عندما أقرأ لبعض الوقت عن مصير وتاريخ الشعوب ـ ليس الأمر مختص في الزمان الماضي، بل في زماننا كذلك أيضاً ـ أجد أنّ أهم عنصرين من العناصر المؤثّرة في التقدّم الوطني للبلدان، هي: أولاً: وثانياً: ، ولديّ الرغبة في هذا اليوم أن أوصيكم بهاتين الخصوصيتين.إنَّ المسألة التي تخالف مواجهة الخطر، هو الخوف، الخوف من ماذا؟ الخوف من عدم النجاح، كأن نقوم بترك الميدان خوفاً من عدم النجاح، أو نتوقف عن التحرّك خوفاً من عدم الوصول، أو لا نقدم على شيء خوفاً من الرفض، أو من مواجهة بعض المشاكل.فإنَّ جميع هذه المسائل تتناقض مع مواجهة الخطر.إنَّ أحدى الخصوصيات التي يمتاز بها الغربيون ـ نجعل الخصوصيات السّيئة والحسنة بعضها مع البعض الآخر، وننظر لها على حدّ سواء، دون إنكار أي منها ـ مواجهة الخطر، فإنَّ الغربيين والأمريكيون بتبعهم ـ الذين أمسكوا بزمام الثقافة الأوربية لأول وهلة ـ يتحلون بخصوصية مواجهة الخطر التي تعتبر من الخواص الإيجابية.إنَّ مواجهة الخطر يمكن أن يكون عاملاً في نجاح المجتمع.فعليكم ـ أيَّها الشباب ـ أن تستعدّوا، فإنَّ الخوف من عدم إمكانية تحقق العمل الفلاني يعتبر أمر سيّئ، فأحياناً تراود الإنسان بعض التصوّرات تجعله ينظر الى المستقبل نظرة تشاؤمية تماماً، وهذا أحد موارد الإشكال على ما أعتقد. فلو أننا أردنا الآن دخول الجامعة، وكنّا قد درسنا، وقمنا بالبحث الفلاني، ودخلنا فرعاً من فروع التحقيق والبحث، فهل سننجح؟ وهل سوف يوثّقون أيدينا في مكان ما؟ أو لا يفعلون ذلك؟ فيجب علينا الدخول!ولله درّ الشاعر العربي حيث يقول: ، فإنَّ أشدّ من البلاء، الخوف من وقوعه.إنَّهم يقولون ـ لئلا يكون ـ، حسناً، يجب أن لا تعتنوا بـ ـ لئلا ـ، بل عليكم دخول الميدان وسوف ترون نتيجة ذلك، فإنَّ الجرأة وعدم الخوف من احتمال عدم النجاح في جميع الميادين المادية والمعنوية التي يحصل الإنسان من خلالها على النجاح، تعتبر من العوامل المهمّة جداً؛ للمضي بنا نحو الأمام. المسألة الأخرى هي: الذي تعتبر من المسائل التي تناقض الكسل.ينبغي لكم أن لا تتركوا الكسل والدّعة وحبّ الدنيا الخالية من المشاكل، يُدخل الوساوس الى قلوبكم، فلو سيطرت عليكم حالة الكسل، سوف لن تتحقق أي من الاكتشافات العلمية المهمّة.أنظروا الى الوضع الذي عاشه المكتشفون والمخترعون الكبار، وكيف كانوا يحرّمون النوم على أنفسهم، وكيف ذلّلوا لها الصعوبات، وكيف جُبلوا على المشاكل وتحرّكوا من أجل الوصول الى هدفهم الأساسي.طبعاً، لقد كانت عاقبة هذه النجاحات في الكثير من الموارد ـ يمكن القول في أغلب الموارد ـ هو حصول الفائدة، فقد كان لها فائدة مادية ودنيوية كالحصول على الشهرة والمال، وغير ذلك، مع أنَّ هدفهم لم يكن هذه الأمور، بل كانوا يرغبون في الدخول الى عمق المسائل؛ للحصول على انجاز معيّن وبلوغ الهدف.هذه هي إحدى الوصايا التي أودّ أن أذكرها بشكل قاطع.من المسائل الأخرى التي أرغب بذكرها إليكم هي: اقتران العلم بالدين والأخلاق ـ المسألة التي تمَّ الإشارة إليها قبل قليل ـ الذي يعتبر أمراً نافعاً للبشرية.عليكم أن تعلموا علماً قطعياً، أنَّه كلّما تطوّر العلم، دون أن يقترن بالأخلاق والدين، فسوف لا يكون نافعاً للبشرية، فعلى الذين يقولون: إنَّنا نطلب العلم من أجل تقدّم الإنسانية، عليهم أن يلتفتوا الى هذه الحقيقة أيضاً.لقد سمعتم عن ذلك الكثير من الأمثلة الواضحة، ولا أريد أن أكررها لكم، فمثلاً بعض الأشخاص الذين تقدَّموا في علم الكيمياء، والذين وصلوا إلى القدرة على تصنيع القنابل الكيمائية وأسلحة الدمار الشامل، والذين تقدّموا في العلوم النووية، والذين تمكّنوا من صناعة القنبلة الذريّة والأسلحة الفتّاكة والمفجعة، فهذه أمثلة واضحة.أنظروا الى الأمم، ولتأخذوا بنظر الاعتبار إحدى الأمم المتقدّمة من الناحية العلمية، والتي أصبحت في القمَّة من هذه الناحية في العالم، لتروا، هل أنّ الشعب في ذلك البلد قد وصل حقَّاً الى السعادة؟ وهل تحققت العدالة فيه؟ وهل قُضي فيه على الفقر والتمييز والظلم؟ وهل كما يدّعون من أنَّ شعبهم يعيش بطمأنينة وبعيداً عن العنف والتجاوز والتعدّي في الحياة؟ هل توجد هذه الحقائق أيضاً، مع وجود العلم هناك!؟ وهل إنَّ الشعور بالثقة والأمان هو الغالب على الحياة العائلية؟ وهل يتمتّع الأطفال بالتربية الحسنة في أحضان آبائهم وأمهاتهم؟ وهل أنَّ تلك البلدان خالية الى القتل والإرهاب والجريمة؟ فإنّكم تشاهدون العكس من ذلك تماماً، فإنَّ أكثر البلدان التي تعاني من فقدان الأمن اليوم هي التي وصلت الى أعلى المراتب من الناحية العلمية؛ أي أمريكا، فلا يوجد بلد ـ ليس في أوربا وحسب، بل في آسيا أيضاً ـ يعاني من فقدان الأمن كما تعاني منه أمريكا، فإنَّ أكثر البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار النفسي هي أمريكا، وإنَّ أكثر جرائم القتل والإرهاب التي تحدث بين السكان تجدها هناك، وأكثر موارد التمييز والفروقات الطبقية تجدها هناك، وتجد هناك أيضاً الثروات الطائلة التي تضاهي جبال الهملايا، والفقر المدقع الذي لا يمكن وصفه ـ أي الموت نتيجة الجوع بمعناه الحقيقي ـ وهذه هي الهوّة التي بين العلم والأخلاق.هذه هي أهم الأهداف البشرية من بداية التاريخ وحتى يومنا هذا، فهي لم تتغيّر على مرّ العصور.إنَّ أهم أهداف الإنسانية هي: و ، و ـ ليس في الجنَّة عسرٌ ـ و ، والشعور بطمأنينة النفس، والراحة في الجو العائلي، والتمتّع بالحياة الزوجية ورؤية الأطفال، والوجود بين أحضان الوالدين، فإنَّ هذه الأمور هي أهم الاحتياجات الإنسانية، وما أخذ يتطلّع إليه البشر من بداية الخليقة وحتى اليوم، وهو ما كان يرغب به في الماضي، وما يسعى لتحقيقه في المستقبل أيضاً. إنَّ هذه الحقائق لا توجد مطلقاً في تلك المجتمعات، التي تعتبر أكثر تقدّماً من الناحية العلمية.أنظروا، لو أنَّ العلم والإيمان والأخلاق لا يقترنان، ولا يمضيان جنباً الى جنب، فسوف نصل الى هذه النتيجة.فلو كان العالِم متديّناً، فإنَّ المجتمع سينتفع انتفاعاً حقيقياً بعلمه؛ لأنَّ الدين لا يقف حائلاً أمام التقدّم العلمي، بل يقوم بدعمه، إلا أنَّه يقف حائلاً بين تجاوز العلم وتعدّيه حدود الإنسانية، التي من الممكن أن يبتلي بها العلم. ولهذا فإنَّ وصيّتي لكم ـ أيَّها الشباب ـ هي: عليكم أن تعملوا من أجل روحيّتكم ومعنويّتكم، بالقدر الذي تعملون فيه للعلم، فإنَّ الميدان المعنوي مفتوح أمامكم، وليس هناك أي تعارض بين العلم والمعنوية، أو بين العمل في مختبر علمي أو تعليمي، أو مركزاً للبحوث، أو درس أو جامعة من الجامعات، وأداء الإنسان لصلاته في أول وقتها، مع التوجّه والشعور بالحضور أمام الباري عزَّ وجلَّ.فإنَّ أداء هذا الأمر يقوم بتطهير قلوبكم، فأنتم شباب وقلوبكم نيّرة، وحتّى الأشخاص الذين لم ينشغلوا بالمسائل الدينية كثيراً، فإنَّ قلوبهم نيَّرة وطاهرة؛ لكونهم شباباً؛ أي أنَّ الحالة القلبية التي تتمتعون بها هي أفضل وأكثر استعداداً من قلوب الأشخاص الذين هم في سنّي. فهي كالمرآة الناصعة، التي تجذب أنوار اللطف والعناية الإلهية بسرعة وتقوم بعكسها كذلك؛ أي أنَّكم عندما تكونوا صالحين من الناحية الدينية، وطاهرين وعفيفين من الناحية الروحية، وذاكرين لله، وتشعرون شعوراً حقيقياً بوجودكم في محضر الله تعالى، فسوف يكون وجودكم ـ في أي مجال كنتم؛ سواء في الجامعة، أو مكان العمل، أو البيت، أو العائلة والأقرباء ـ له تأثير نوراني؛ أي أنَّكم عندما تكونوا صالحين ونيّرين، فسوف تهبون النور للآخرين أيضاً.فعليكم أن تعرفوا أهمية ذلك وأن لا تفرطوا به.إنَّ هذا الخطاب ليس أنتم ـ ثلّة الأشخاص المتواجدين هنا ـ المعنيين به وحسب، بل يُعنى به جميع الشباب، خصوصاً الشباب المنشغلون الآن بالعمل في المجال العلمي، وهم اليوم ـ لحسن الحظ ـ يشكّلون النسبة الكبيرة من الشباب أيضاً.لقد قال أحد منكم أيَّها الأخوة: إنَّ الجيل الصاعد في بلدنا وشعبنا في الوقت الراهن، لا يقل مكانة عن الجيل الأول للثورة، وهذا ما أقوله أنا أيضاً، فإنني أعتقد بذلك أيضاً، وقد قلت ذلك مراراً أيضاً، وهذا هو رأيي.فقد أظهرتم ـ أيَّها الشباب ـ أنَّكم قد تقدّمتم خطوة الى الأمام في المجالات المختلفة؛ أي أنَّ جيل الشباب في بلدنا تحرَّك خطوة الى الأمام، إلا أنّ وطيس الحرب المفروضة والدفاع المقدس، وتلك الحالة المدهشة، كان لها تأثيرات فطرية.فلو عاد ذلك الوضع اليوم أيضاً، فسوف يُعلم الى أيّ مدى يتقدَّم شبابنا على الصعيد المعنوي، وهذا ما أخذنا نشاهده اليوم، سواء كان ذلك في الجامعات أو خارج الجامعات.بناءً على ذلك، يجب أن نجعل الدين والأخلاق توأمان للعلم، هذا هو خطابي لكم بالذات. عليكم بالاستفادة من الفرصة المتاحة لكم في شهر رمضان، أتمّوا الصيام على أحسن وجه، وهذا ما ينبغي على الشباب ـ أداء الصيام بصورة جيدة ـ وإنَّ معنى الصيام بصورة جيدة هو: أنَّه في الوقت الذي تمتنع فيه أفواهكم عن الطعام والشراب، عليكم أن تحافظوا على قلوبكم من الأهواء، وجنّبوا عيونكم وبقية أعضائكم وجوارحكم عن ما تبتلي به من الأهواء.وعليكم أن تشعروا في هذا الشهر ـ أي شهر رمضان، ومن خلال حالة الصيام التي تتمتعون بها ـ بأنّكم أكثر قرباً من الله تعالى، وأنَّ قلوبكم أصبحت أكثر نورانية.لقد دوّنت مطالباً أخرى لم يسمح الوقت للتحدّث فيها؛ ولأنكم أنتم ـ أيَّها الشباب ـ ذكرتم إحدى هذه المسائل، وقد كنتُ دوّنتها أيضاً، فسوف أقوم بذكرها فقط، وهي: عليكم ـ أيَّها الشباب ـ أن تشعروا بأنَّ لكم دوراً خلاّقاً، لا تنتظروا ما يحدث من إنجازات في بعض الأماكن الأخرى.نعم، إنَّ المؤسسات الحكومية عليها واجبات تجاهكم، فإنَّ مؤسسة النخب عليها أن تتصدّى الى بعض الواجبات، وتقوم بإنجازها ـ وإن شاء الله ـ سوف تقوم بذلك، بل وترتقي للأفضل شيئاً فشيئاً، إلا أنَّ محور المسؤولية يجب أن يقع على عاتقكم، بحيث تشعروا أنَّكم مسؤولون، ولكم دور مهم.وعليكم أن تجتنبوا ما يراود أذهانكم كالسؤال: هل أننا سوف نعطى دوراً في المستقبل أم لا؟ وتستعدوا للدور الذي يقع على عاتقكم في هذا الوقت ـ كونكم طلبة جامعيين، وتمرّون في فترة طلب العلم وبلوغ الكمال ـ وتؤدّوا دوركم على أحسن وجه، ويتمثّل ذلك: بالدراسة الجيدة، والعمل الجيد، والجدّية في الحركة، وعدم تقليل سرعة هذه الحركة مطلقاً، والتمسّك بالدين والتحلّي بالتقوى وتزكية النفس، الى جانب طلب العلم.أسأل الله تعالى أن يوفقكم ويؤيدّكم جميعاً، وأن تفتح أمامكم أبوب السعادة يوماً بعد آخر ـ إن شاء الله تعالى ـوالسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته‏‏  
2006/09/15

كلمته بمناسبة المبعث النبوي

بسم الله الرحمن الرحيمنبارك للأمة الإسلامية العظيمة هذا العيد الكبير الذي يكلل هامة جميع الأعياد البشرية كما نبارك أيضا للشعب الإيراني العزيز ونهنّئكم أيها الحضور الأفاضل ولاسيّما ضيوف وعشّاق الوحدة الإسلامية الذين تشرّفنا بمشاركتهم في هذا الاجتماع ونهنّئ سفراء البلدان الإسلامية.لقد أطلقنا على هذا العام في بلدنا عام الرسول الأعظم واليوم ذكرى بعثته. وكما روي عنه (ص) في حديث مشهور ومتواتر قال: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.وطالما لم يتحلَّ المرء بأفضل المكارم الأخلاقية فإن الله تعالى لن يوكل إليه هذا المهمة العظيمة والخطيرة ولهذا فإن الله سبحانه يخاطب النبي (ص) في صدر البعثة قائلا: إنك لعلى خلق عظيم.أي أنّ الرسول (ص) كان على درجة من الاستعداد تجعله قادرا على تلقّي الوحي الإلهي وهذا الأمر يعود إلى ما قبل البعثة. ولهذا فقد ورد أنّ النبي (ص) كان يشتغل بالتجارة في شبابه وقد كسب من ذلك أرباحا طائلة فما لبث أن أنفقها جميعاً على المساكين قربة إلى الله تعالى وفي هذه المرحلة التي كانت مرحلة تكامل النبي (ص) قبل نزول الوحي ـ ولم يكن قد نبّئ بعد ـ كان النبي يتحنث في غار حراء ويجول بفكره في الآيات الإلهية من سماء ونجوم وأرض ويتأمّل في هذه الخلائق والموجودات التي تعيش على وجه البسيطة بما لها من مشاعر مختلفة وطبائع شتّى.لقد كان يشاهد كافة هذه الآيات الإلهية فيزداد خضوعه يوماً بعد آخر أمام عظمة الحق ويتضاعف خشوع قلبه إمام الأمر والنهي الإلهي والإرادة الرّبانية وتتفتح في وجدانه براعم الأخلاق النبيلة بمرور الأيام.ولهذا فقد ورد أنه (ص) كان أعقل الناس حيث كان يزداد تكاملاً قبل البعثة بمشاهدة الآيات الإلهية حتى بلغ الأربعين (فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عز وجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلّها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لأبواب السماء ففُتحت ومحمد ينظر إليها وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد ينظر إليهم) حتى نزل عليه جبرائيل الأمين وقال: (اقرأ) فكانت بداية البعثة.إنّ هذا المخلوق الإلهي الذي لا نظير له وهذا الإنسان الكامل الذي كان قد بلغ تلك الدرجة من الكمال في هذه المرحلة قبل نزول الوحي وشرع منذ اللحظة الأولى من البعثة في دخول مرحلة من الجهاد الشامل والبالغ المشقّة والمكابدة استغرقت ثلاثةً وعشرين عاماً كانت جميعاً نموذجاً للكفاح والمجاهدة والعمل الدؤوب.لقد كان جهاده (ص) جهاداً مع نفسه ومع أناس لا يدركون من الحقيقة شيئاً ومع ذلك المحيط الذي كان يعمّه ظلام حالك ومطبق. وفي وصف ذلك يقول أمير المؤمنين في نهج البلاغة: (في فتن داستهم بأخفافها ووطأتهم بأظلافها وقامت على سنابكها). لقد كانت الفتن تهاجم الناس من كل جانب: حب الدنيا وأتّباع الشهوات والظلم والجور والرذائل الأخلاقية التي تقبع في عمق وجود البشرية وأيادي الطغاة الجائرة التي كانت تمتد على الضعفاء بلا أدنى مانع أو رادع. ولم يكن هذا العسف متقتصراً على مكة أو الجزيرة العربية بل كان يسود أعظم الحضارات في العالم آنذاك أي الإمبراطورية الرومانية العظيمة والإمبراطورية الشاهنشاهية في إيران.فإذا ما تأملتم في التاريخ لوجدتم صفحة تاريخية مظلمة كانت تضرب بأطنابها على كافة نواحي الحياة الإنسانية.لقد بدأ النبي(ص) جهاده منذ الوهلة الأولى للبعثة متسلّحاً بقوة خارقة وسعي متواصل يستعصي على التصوّر فتحمّل الوحي ذلك الوحي الإلهي الذي كان ينزل على قلب الرسول (ص) كما ينزل الغيث العذوب ويهمي على الأرض الخصبة فيمنحه الطاقة ويمدّه بالقوة فانبرى موظفاً كل طاقته ليأخذ بِيَد العالَم إلى زمن من التحّول العظيم ولقد حالفه التوفيق.إنّ الرسول(ص) وضع اللبنات الأولى في بناء الأمة الإسلامية بِيَده المقتدرة في تلك الأيام العصيبة من تاريخ مكة فبنى قواعد الأمة الإسلامية ورفع عمادها وكان المؤمنون الأوائل وأول من اعتنق الإسلام وأول من كانت لديهم تلك المعرفة والشجاعة والنورانية التي مكنّتهم من الوقوف على حقيقة الرسالة النبوية والإيمان بها. (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام). لقد كان الرسول (ص) هو الذي مسّ بأنامله الرقيقة شعاع تلك القلوب الوالهة وفتح بيده القوية أبواب الأفئدة على عالَم رحب من المعارف والأحكام الإلهية فتفتحت الأذهان والقرائح وازدادت الإرادات صلابة ودخلت تلك الثلةّ المؤمنة ـ التي كان يزداد عددها يوماً بعد آخر ـ في صراع مرير لا يمكن تصوره في المرحلة المكية.لقد تفتحت هذه البراعم في بيئة لم تكن تعرف سوى القيم الجاهلية فكان يسودها التعصّب والعصبية الخاطئة وكان يعمّها الحقد العميق وتتصارع بين جنباتها قوى القسوة والشر والظلم والشهوة التي تضغط بشدة على حياة البشر وتحيط بها من كل جانب فنبتت تلك الأزاهير من بين كل هذه الأحجار والأشواك الجامدة والملفّة وهذا هو معنى قول أمير المؤمنين (وإن الشجرة البريّة أصلب عوداً وأقوى وقوداً).ولذلك فإن كافة العواصف والأنواء لم تستطع النيل من هذه النباتات والبراعم والأشجار التي نمت وترعرعت وبسقت أعوادها من بين الصخور الصماء وانقضت ثلاثة عشر عاما ثم ما لبث صرح المجتمع الإسلامي ـ المجتمع المدني والنبوي ـ أن قام على أساس هذه القواعد القوية. واستغرق بناء الأمة عشر سنوات أخرى ولم تكن السياسة هي العنصر الوحيد في بناء هذه الأمة بل كانت عنصراً من العناصر وجزءاً من الأجزاء وكان القسم الأهم يتركّز في بناء الأفراد (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) ومعنى(يزكيهم ) أنّ الرسول(ص) كان يعمل على تربية وتزكية القلوب قلباً بقلب. كما كان يبثّ الحكمة والعلم والمعرفة في العقول والأذهان (ويعلمهم الكتاب والحكمة) والحكمة أعلى درجة ومكانة فلم يكن النبي(ص) يعلّمهم القوانين والأحكام فحسب بل كان يعلّمهم الحكمة أيضا وكان يفتح عيونهم على حقائق الوجود وهكذا سار النبي(ص) فيهم لمدة عشر سنوات.فمن ناحية كان اهتمامه منصّباً على السياسة وإدارة الحكومة والدفاع عن كيان المجتمع الإسلامي ونشر الإسلام وفتح المجال أمام الآخرين لكي يتّجهوا صوب المدينة ويدخلوا الإسلام ويتعلّموا المعارف الإسلامية ومن ناحية أخرى كان يعمل على تربية أفراد المجتمع.وهذان الأمران أيها الإخوة والأخوات الأعزاء لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.لقد اعتبر البعض أنّ الإسلام مسألة شخصية وفصلوا الدين عن السياسة وهذا هو الاتجاه الذي يروّجون له الآن في الكثير من المجتمعات الإسلامية وفي المنظومة المعرفية للعالم الغربي المعتدي والمستكبر والمستعمر أي فصل الدين عن السياسة ! إنهم أفرغوا الإسلام من السياسة في حين أن النبي(ص) كان همّه الأول هو السياسة بمجرد هجرته إلى المدينة وفي أول فرصة وجد نفسه فيها وقد تخلّص من العقبات التي كانت تسدّ طريقه في مكة.إنّ إقامة المجتمع الإسلامي وتشكيل الحكومة والنظام والجيش الإسلامي وإرسال الرسائل إلى حكام العالم الكبار والدخول إلى معترك السياسة العظيم آنذاك تعدّ كلها من شؤون السياسة. فكيف يمكن فصل الدين عن السياسة؟! وكيف يمكن إعطاء السياسة معنىً ومضموناً وشكلاً بِيَد غير يد الهداية الإسلامية؟! (الذين جعلوا القرآن عضين) (نؤمن ببعض ونكفر ببعض) إنهم يؤمنون بالقرآن لكنهم لا يؤمنون بسياسته! (ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) . فما معنى القسط؟ إنّ القسط يعني إقرار العدالة الاجتماعية في المجتمع. فمن الذي يستطيع تحمّل هذا العبء؟ إنّ إقامة مجتمع يعمّه العدل والقسط هو عمل سياسي يقوم به مدراء البلاد وهذا هو هدف الأنبياء جميعاً.فليس الأمر مقتصرا على نبينا فحسب بل إنّ عيسى وموسى وإبراهيم وكافة الأنبياء الإلهين بُعثوا من أجل العمل السياسي وإقامة الحكومة الإسلامية.ومع ذلك فإن بعض ذوي المسوح من المتظاهرين بالدين والقداسة يحترمون أمورهم ويقولون: لا شأن لنا بالسياسة! فهل الدين مفصول عن السياسة؟! ثم تجئ وسائل الإعلام الغربية الماكرة وترفع عقيرتها بالقول: افصلوا الدين عن السياسة! افصلوا الدين عن الدولة! فإذا ما كنّا مسلمين فإن الدين والدولة لا ينفكان أحدهما عن الآخر إنهما ليسا كأمرين يتّصل أحدهما بالأخر بل إنّ الدين والدولة شيء واحد.إنّ الدين والدولة في الإسلام ينبعان من منبع واحد ومصدر واحد وهو الوحي الإلهي. فهذا هو القرآن والإسلام ومع ذلك فإن البعض يفصلون الدين عن السياسة بينما يعتبر البعض الآخر أنّ الدين ليس سوى سياسة ولعبة سياسة وانشغال بالعمل السياسي. إنهم يتجاهلون الأخلاق والسمو والمحبة والفضيلة والكرامة التي تمثل الهدف الأكبر من بعثة نبينا(ص).إنّ هذا مصداق لقوله تعالى (الذين جعلوا القرآن عضين) ومصداق أيضاً لقوله تعالى(نؤمن ببعض ونكفر ببعض).لقد لخّصوا الإسلام في السياسة مستخدمين كلمات برّاقة وجملات طنّانة معرضين عن الخشوع القلبي والذكر والصفاء والنقاء الروحي والسجود لله والتوسل به والتولّه في حبّه والبكاء أمام عظمته وطلب رحمته وغفرانه والتحلّي بالصبر والحلم والسخاء والجود والعفو والأخوة والتراحم فصبّوا كل اهتمامهم على السياسة باسم الإسلام وهو من الانحراف أيضا بلا فرق.إنّ قوله تعالى (يزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) يعني التزكية والتعليم في آن واحد وإن ساحة التربية الدينية هي قلوبنا وعقولنا وأيادينا وسواعدنا.(يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) .أي أن القوة ضرورية في مواجهة الأعداء والغزاة وكل من تسوّل له نفسه الحيلولة دون انتشار الوحي والأنوار المعنوية.(وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) فالمجابهة لا تكون إلا بسواعد فولاذية وقبضات حديدية وعزيمة لا تنثني ولا تفتر وهذا هو دواء آلام الأمة الإسلامية اليوم.إنّ الأمة الإسلامية اليوم في أمسّ الحاجة إلى حكومة إسلامية بمعنى الكلمة والحكومة الإسلامية هي التي تُولي عنايتها ورعايتها للفرد والمجتمع وتصبّ اهتمامها على تربية العقول وتحقيق التطور العلمي ومنح الإنسان القوة والشكيمة والالتزام بسياسة صحيحة لإدارة المجتمع.فهذا هو ما تحتاجه اليوم الأمة الإسلامية لقد باتت الأمة الإسلامية تعاني من الاختلال منذ أن فصلوا الدين عن الحكومة وجرّدواـ إدارة المجتمع من الأخلاق. فبعد أن اعتلى الملوك سدّة الحكم باسم الخلافة ـ في بغداد والشام وسواها من بقاع العالم ـ ورفعوا لواء الإسلام ومن تحته تتلاطم أمواج الأهواء النفسية والشهوات والأغراض والتكبّر والغرور السلطاني وجمع الأموال والثروات وتكديسها في خزائنهم والانشغال بكل هذا الحطام الزائل كانت السبل قد مهّدت أمام انحطاط عالم الإسلام.وعندما كانت حركة نبي الإسلام الأكرم(ص) تتقدم إلى الأمام وكان أصحابه والتابعون له من المجاهدين الأوفياء يمضون بالإسلام قُدُما ـ وهم الذين كانوا يمثلون النهج النبوي ويسهرون على تقدم الحركة السياسية والعلمية للإسلام حتى القرنين الرابع والخامس الهجري ـ كانت بذور الضعف والانحطاط والفساد والنفاق تُبذر في بلاط الخلافة وبين أمراء الحكومة وحينما نمت تلك البذور فإنها أطاحت بالأمة الإسلامية وبرزت عواقبها الوخيمة بعد قرون وغدونا نشاهد آثارها السلبية ونعاني من تبعاتها بكل ما لدينا من مشاعر.لقد وقعت الشعوب الإسلامية فريسة للاستعمار وسيطرة الأعداء في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي فتخلّفنا عن ركب التطور العلمي وازداد أعداؤنا قوة وما لبثنا أن ازددنا ضعفاً يوما بعد آخر ـ حيث امتصّوا دمائنا فتمتعوا بالقوة وفقدنا نحن دمنا فعانينا الضعف ـ حتى بلغت الأمور إلى حد تحكّم الحكّام الظلمة والجائرين من الإنجليز ومن بعدهم الشيطان الأكبر في هذا العصر وهي إدارة الولايات المتحدة الأميركية وأخذهم بزمام مصير الأمة الإسلامية ومستقبل الشعوب المسلمة في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص وعلى أية حال فقد استغلّوا ضعف العالم الإسلامي.إنّ الأمريكيين اليوم يتحدثون وكأنهم أصحاب الملكية فيما يخصّ قضايا العالم الإسلامي! وها هو الرئيس الأمريكي عندما يتحدث حول أحداث لبنان أو فلسطين أو العراق أو سورية أو إيران أو سائر البلدان الأخرى فهو يتحدث وكأن سند ملكية هذا البلدان موضوع في جيبه ورهن تصرفه! فلماذا يجب أن يحصلوا على هذه الفرصة؟ ولماذا ينبغي أن يتصرفوا بكل هذا القدر من الوقاحة؟إنّ عمرانهم يأتي من خرابنا وإنّ اتحاد ملّة الكفر ناتج عن تفرّقنا نحن الذين لم نهتم بتقوية أنفسنا ونحن الذين لم ننزل إلى المعترك بكامل قوانا. إننا على قدر عظيم من القوة ولدينا الكثير من الطاقات انظروا إلى الشعب اللبناني وحزب الله في لبنان! إنّ أمريكا وإسرائيل يعتبران لبنان من أضعف بلدان الشرق الأوسط فكيف استطاع أن يمرغ أنف الكيان الصهيوني في التراب؟!إننا نحقق الفوز عندما نستفيد من طاقاتنا ونوظّف إمكانياتنا ولكن عندما نتقهقر عن ساحة الصراع وعندما يتقاعس الحكّام والمدراء والسياسيون وأصحاب المناصب وأصحاب وسائل الإعلام ولا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية فإن الشعوب تعاني من الانسحاق وتخلو الساحة من القوى الشعبية.رحم الله إمامنا (الخميني) العظيم الذي أيقظ شعبنا وقاد قوانا الجماهيرية إلى الميدان لقد كنّا يوماً مثل الآخرين وكنّا نعاني من الضغط والانسحاق.ففي مدينة طهران كان يتنطع أعدى أعداء الإسلام وكأنها باتت موطناً لهم فكانوا ينعمون بمطلق الأمن وكامل الأمان! لقد كانوا يستولون على ثروات هذا البلد ويسرقون النفط ويحولون دون تقدمنا وتطورنا وكانوا يفرضون على هذا الشعب مشاريعهم الخائنة والجائرة وكان يركع أمامهم محمد رضا شاه وبطانته حتى وإن تظاهروا بالرفعة والكرامة حيث كانوا قد سلبوهم كافة الصلاحيات وعندما كان البلاط الملكي هنا في طهران يريد اتخاذ قرار شأن القضايا البالغة الأهمية فإن ذلك لم يكن ليتمّ إلا بعد استشارة السفيرين الأمريكي والانجليزي وفي حوزتنا الآن ما يدعم ذلك من وثائق ولكن مما يؤسف له أنّ مثل هذا الوضع ما زال قائماً في العديد من البلدان الإسلامية.إنّ هذا الشعب المقتدر الواعي الذي يتمتع بتاريخ طويل زاهر هذا الشعب الذي يتألّق الآن في ميادين العلم والجهاد والتقنية والسياسة كان أسير ضغوط الحكام.ولكن الإمام قاد الجماهير الشعبية إلى ساحة النضال وأعاد للشعب ثقته في نفسه فكان الشعب جديراً بالثقة وعندما وضع الإمام ثقته في الشعب فإن الشعب أيضاً بادله الثقة.إنّ هذا البلد الذي كان الكفر يعلّق عليه آماله أصبح حامل لواء الإسلام المحمدي الأصيل وسيشقّ الشعب الإيراني طريقه قُدُماً إلى الأمام أن شاء الله تعالى.لقد أخطأ أولئك الذين كانوا يظنّون أنّ الشعب الإيراني سيتخلّى عن مبادئه بمرور الأيام وبعد رحيل إمامنا الكبير وخابت ظنونهم فمازلنا متمسّكين بمبادئنا الثورية ومازلنا نعتبر أنّ القيم الإسلامية هي جوهر عّزتنا وكرامتنا الوطنية. إننا نعتقد بأن هذه القيم هي التي كانت سبباً في تنامي الوعي والقدرات بين أبناء شعبنا إننا بحول الله وقوتّه وبركة وفضل الإسلام سنكون قادرين على الانطلاق إلى الأمام بسرعة فائقة لنبلغ ذرى العلم والمعرفة يكلل النجاح هاماتنا إننا سنتغلّب على ما اعترانا من ضعف فرضته علينا قوى الظلم والطغيان خلال سنوات مديدة وسنعود أقوياء.ومن الواضح أنّ ذلك لا يُرضي الاستكبار وأن قوى الغطرسة تريد أن تحول دون هذه الانطلاقة مستخدمة ما بوسعها من ضجّة وضوضاء ووسائل دعائية ونشاطات سياسية وضغوط اقتصادية ولكن دون جدوى. إننا لصامدون وإن شعبنا لصامد وإن الشعوب الإسلامية قد هبّت من رقدتها. إن قلوب الشعوب المسلمة باتت تغلي بُغضاً وكراهية للصهاينة وأمريكا إنّ الدول الإسلامية والشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا توّاقون للإعراب عن حقيقة هويتهم الإسلامية وهذا هو ما نما وترعرع في الشعوب.لقد كانوا يظنّون أننا نعمل على تصدير ثورتنا للبلدان الأخرى على غرار ما فعله السوفييت عندما أرادوا تصدير ثورتهم معتمدين على الانقلابات والتآمر.ولكن إمامنا العظيم قضى على هذا الوهم والخيال الزائف لقد بعثت الروح الإسلامية اليوم من جديد في أوساط الشعوب المسلمة وانفتحت على الإسلام عيون الشعوب والمثقفين المسلمين والسياسيين المسلمين المخلصين الأوفياء وطلاب الجامعات المسلمين وفي صدورهم تتماوج مشاعر الشوق والإحساس بالهوية الإسلامية وتحقيق العزة والكرامة على هذا الطريق. إنّ أيادي الأمريكيين مكبّلة وهم عاجزون عن اتخاذ أي إجراء في مواجهة الشعوب.إننا نرفع أيدينا بالدعاء متضرّعين إلى الله تعالى أننا لم نبدأ هذه المسيرة إلا طاعة لأوامرك لا رغبة في ثورة أو زخارف دنيوية أو سلطة. لقد جاء إمامنا العظيم نظيفاً وراح نظيفا وإنّ مسؤولي البلاد رأوا فيه أسوتهم ومقتداهم فتابعوا نهجه معترفين أنّ شعبنا يفوقنا إخلاصاً وصدقاً وعزماً راسخاً. لقد قمنا بهذه النهضة يحدونا الوعد الإلهي (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وصدق الله وعده (وتمّت كلمة ربك صدق وعدلا) فكلمة الله حق وصدق وإنه سبحانه جل وعلا يدافع عن المؤمنين أولئك المؤمنين الذين يخوضون غمار الصراع في سوح الجهاد وليس عن المؤمنين الذين يقبعون في مخابئهم فعمّ يدافعون؟ إنّ الله يدافع عن المؤمنين الذين يدخلون الميدان متسلّحين بكيانهم ووجودهم وإرادتهم وسواعدهم القوية وعقولهم المتوقٍّدة في سبيل الله تعالى ـ سواء أكان ذلك في ميدان العلم أو الاقتصاد أو السياسة أو ميدان الجهاد عندما تقتضي الضرورة ـ ولقد دافع الله عن الشعب الإيراني حتى يومنا هذا . لقد استخدم الاستكبار كل ما لديه من طاقات وأعدّ ما استطاع من قوة طوال سبعة وعشرين عاماً طمعا في اجتثاث جذور هذه الشجرة من أصولها فلم يحالفه الحظ حتى عندما كانت هذه الجذور غضّة طريّة وأما الآن وقد اشتّدت وامتّدت في أعماق الأرض وآفاقها كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء فإن يد القدرة وصنربة السنة الإلهية ستنزل على رأس كل من تّسوّل له نفسه تحدّي إرادة العزيز الجبار. نسأل الله تعالى أن يثبّت أقدامنا على الصراط المستقيم وأن يجعلنا من أتباع الحق والعاملين به وأن يرضي عنا قلب ولي الله الأعظم (أرواحنا فداه) وأن يحشر أرواح شهدائنا الأطهار وروح إمامنا العزيز مع أرواح أوليائه.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  
2006/08/21

کلمته في لقائه المشارکين في مؤتمر الوحدة الإسلامیة العالمي التاسع عشر

بسم الله الرحمن الرحيمأرحّب بجميع الإخوة و الأخوات الموجودين هنا، و أبارك بعثة سيّدنا الرسول الخاتم النبي الأعظم مطلع النور في تاريخ الإنسانية. کما أبارك لکم جميعاً و لکل المسلمين الانتصار الباهر لإخوتنا في لبنان في مواجهة الکيان الصهيوني، و هو في الحقيقة انتصار للإسلام. کان إخوتنا في جنوب لبنان و في مواجهة المعتدين الصهاينة هم الخط الأمامي للأمة الإسلامية. هذا الاجتماع اجتماع جد مهم و عظيم. لقد اجتمعتم هنا من أنحاء العالم الإسلامي. ينبغي بلا شك استخراج مستقبل العالم الإسلامي من تخطيطات و برمجيات الشخصيات الزبدة في العالم الإسلامي.. الشخصيات العلمية و الدينية و السياسية. هذه الجماعة و الجماعات البارزة في العالم الإسلامي إذا نظرت للأمة الإسلامية نظرة تتوخّى الحقيقة و معالجة الآلام و البحث عن العلاج، فسيکون للأمّة الإسلامية مستقبل حسن. إذا لم نعرف واجباتنا، أو لم نعمل بها، فسوف تستمر لسنوات طويلة أخرى أوجاع العالم الإسلامي التي عانى منها لحد الآن. واجباتنا ثقيلة. موضوع نقاشکم هو الأقليات الإسلامية في البلدان غير الإسلامية. و هو بالطبع موضوع مهم، و من المناسب أن يفکر فيه مجمع التقريب بين المذاهب و المبرزون في العالم الإسلامي و يبرمجوا له. إنني أقدّر ما قمتم به في هذا المجال، و لکن أروم الإشارة إلى نقطة و هي أن قضيتنا الأولى في العالم الإسلامي هي «وحدة الأمة الإسلامية». إذا استطعنا التغلب على کيد الأعداء و إحباط مخططاته في بث الخلافات فسوف تعالج الکثير من مشکلاتنا. و من جملة هذه المشکلات مشکلة الأقليات الإسلامية.إننا نعاني من مرض مهلك ينبغي أن نعقد عزائمنا و هممنا لإبعاده عنا. الاختلافات في العالم الإسلامي و عدم الانسجام و إثارة العداوات و الأحقاد مرض جد خطير. و أقولها لکم إنه لو کان هذا المرض موجوداً طوال الأزمنة الماضية بشکل طبيعي في جسد العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية، فإن الأيدي السياسية اليوم تتوخّى بکل ما أوتيت من قوة تشديد هذا المرض. إننا نلاحظ نماذج ذلك في العالم الإسلامي، و هي مما ترتعد له فرائص المرء. إننا لا نخاف من الأعداء الخارجيين. هيبة أمريکا و القوى الاستکبارية لم تصبنا لحد الآن بالخوف و التردّد. و تجييش الجيوش العدائية و الإعلامية و السياسية و العسکرية و الاقتصادية لم تفرض علينا أبداً مواقف الانفعال و لن تفرضها علينا، لکننا نرتعد خوفاً لهذا المرض الداخلي في العالم الإسلامي. عالجوا هذا المرض. حينما رُفِعت في إيران راية الإسلام، و تأسست الجمهورية الإسلامية بهدف تحقيق الأهداف الإسلامية، خطط أعداء الإسلام لبث الاختلافات بدقة و تابعوا هذا المخطط. فالمسلمون حينما يشعرون بالشرف و العزة و يشاهدون أن رفع راية الإسلام أمر ممکن، و حينما تبعث فيهم روح الهوية الإسلامية، و حينما ترفع کتل الشعوب المسلمة شعارات الإسلام في کل مکان، أدرك الأعداء أن الأخطار التي تهدد مصالح الاستکبار في هذه المنطقة الإسلامية العظيمة خطر جاد، و أن مصالحهم العدوانية مهدّدة بشکل حقيقي. العالم الإسلامي بنفوسه البالغة نحو مليار و نصف المليار نسمة، و بإمکانياته الإقليمية و الجغرافية و الطبيعية و الإنسانية الوفيرة، و بأرصدته المنقطعة النظير، بمقدوره تشکيل منظومة متحدة عظيمة. منذ مائتي عام و إلى اليوم و أکياس الاستعمار الغربي تمتلأ دوماً من هذه المنطقة، سواء في الحقبة الاستعمارية، أو في حقبة الاستعمار الحديث، أو في الفترة الراهنة، کانت هذه المنطقة في خدمة الأهداف السياسية للعالم الاستکباري، و على رأسه أمريکا. إذا حققت الأمة الإسلامية وحدتها، و إذا عرضت قدرتها الإسلامية بالمعنى الحقيقي للکلمة، و إذا تحقق الاستقلال الإسلامي في هذه المناطق بالمعنى الحقيقي للکلمة، فسوف تنقطع السيطرة و الهيمنة الاقتصادية و السياسية و الثقافية للأعداء. و هذا ما لا يرضونه و يحاولون بکل ما أوتوا من قوة أن لا يحصل. و السبيل الذي عثروا عليه هو بثّ الخلافات، و قد تغلغل هذا المرض للأسف في جسد العالم الإسلامي. إنني أرجوکم أن تفکروا في هذه القضية بشکل جاد. إننا کثيراً ما نذکر اسم الوحدة الإسلامية، و نتحدث کلنا عن الوحدة الإسلامية و الأخوة الإسلامية. و على المستوى العملي يشعر جماعة من المبرّزين في العالم الإسلامي بالأخوة بشکل حقيقي - و روح الأخوة تتموّج الآن في هذا الاجتماع - إننا جميعاً نعتبر بعضنا من بعض، و لا نرى فواصل بيننا. هذه حقيقة.. لکننا لا نمثل و لا نلخّص واقع العالم الإسلامي على الصعيد السياسي و على صعيد الحکومات بين کتل الشعوب بالمعنى الکامل للکلمة. الأعداء ينشرون بذور الاختلافات بين الأمة الإسلامية، و من الأرضيات المساعدة على نمو هذه العصبيات رجال السياسة غير الخلّص، و العصبيات الخاطئة و عدم رؤية الآفاق البعيدة للعالم الإسلامي، و التقوقع في أطر و مجالات صغيرة. أشار بعض الأعزاء إلى العراق. لاحظوا ما الذي يحدث في العراق. في العراق اليوم و في بعض البلدان الأخرى يقف البعض من الإخوة السنة و الشيعة بوجه بعضهم، و يعادون بعضهم قربة إلى الله! لماذا؟ من الذي حقن هذه التحفزات الباطلة بينهم. هذه الأشياء ليست من الإسلام. تعالوا و اجعلوا الوحدة الإسلامية واقعاً عملياً، و أعدّوا ميثاقاً يقبله و يصدّقه و يعمل به کل علماء الإسلام و کل المثقفين في العالم الإسلامي، و کل المبرزين السياسيين المخلصين في العالم الإسلامي، حتى لا يعود هناك مسلم يجرؤ على تکفير متکلم بکلمة التوحيد من مذهب أو تيار آخر، و حتى يکون الإخوة مع بعضهم. مرادنا من الوحدة الإسلامية ليس توحيد العقائد و المذاهب الإسلامية. ساحة تضارب المذاهب و العقائد الإسلامية و العقائد الکلامية و الفقهية - و لکل فرقة عقائدها و سيکون لها في المستقبل أيضاً عقائدها - ساحة علمية و مساحة للبحث الفقهي و الکلامي، و يمکن لاختلاف العقائد الفقهية و الکلامية أن لا يترك أي تأثير على واقع الحياة و الساحات السياسية. ما نقصده من وحدة العالم الإسلامي هو عدم التنازع: «و لا تنازعوا فتفشلوا» (1).. أن لا يکون هناك تنازع و خلافات. يقول القرآن الکريم: «و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا» (2). الاعتصام بحبل الله واجب على کل مسلم، لکن القرآن الکريم لا يکتفي بأمرنا بالاعتصام بحبل الله، إنما يقول اعتصموا بحبل الله مجتمعين متراصّين «جميعاً».. اعتصموا بحبل الله کلکم سوية. و هذا الاجتماع و هذا الاتحاد واجب آخر. و عليه، فضلاً عن أن المسلم يجب أن يعتصم بحبل الله، يجب عليه أن يعتصم به مع سائر المسلمين و إلى جانبهم. علينا أن نعرف هذا الاعتصام بصورة صحيحة و نمارسه و نقوم به. تقول الآية القرآنية الشريفة: «فمن يکفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى» (3). هذا يفسّر لنا الاعتصام بحبل الله. کيف يتمّ التمسّك بحبل الله؟ بالإيمان بالله و الکفر بالطاغوت. نظام الولايات المتحدة الأمريکية هو في الوقت الراهن الطاغوت الأعظم في العالم، لأنه أوجد الصهيونية و يؤيّدها. أمريکا هي خليفة الطاغوت الأعظم السابق أي بريطانيا. اعتداءات نظام الولايات المتحدة و حلفاؤها الفکريون و المتعاونون معها خلقت في الوقت الحاضر متاعب للعالم الإسلامي الذي راح يتعرّض في تقدمه و مواقفه و رقيّه المادي و المعنوي لضغوط أمريکا و أنصارها و المتعاونين معها. في اعتداء الکيان الصهيوني الأخير على لبنان في الشهر الأخير - و الذي أفضى إلى هذه الملحمة الإسلامية الکبرى من قبل حزب الله، حيث نزل عليهم النصر الإلهي - دخلت أمريکا ساحة الحرب بصراحة، و لم تکتف بالدعم اللساني و المالي و السياسي، إنما وفرت الأسلحة للکيان الصهيوني و أرسلتها له و ساعدته. و الواقع أن الأمريکان هم الذين أرادوا هذه الحرب و بدأوها. الأمريکان اليوم هم الطاغوت الأعظم. الإيمان بالله حالة شائعة في معظم أجزاء الأمة الإسلامية، و لکن قد لا يوجد فيها کفر بالطاغوت. و الکفر بالطاغوت أمر ضروري. من دون الکفر بالطاغوت لا يمکن التمسك بالعروة الإلهية الوثقى. إننا لا ندعو البلدان و الحکومات و الشعوب للمسارعة إلى محاربة أمريکا، إنما ندعوهم لعدم الاستسلام لأمريکا. ندعوهم لعدم التعاون مع عدو الإسلام و المسلمين. و من مصاديق عدم التعاون عدم الاکتراث لوساوسهم بخصوص وحدة الإمة الإسلامية، و المحافظة على وحدة الأمة الإسلامية. نعتقد أن أهم قضية في العالم الإسلامي حالياً هي قضية الاتحاد. إذا تحقق هذا الاتحاد فسيمکننا تحقيق التقدم العلمي و السياسي. تلاحظون کم يضغط أعداء العالم الإسلامي في قضية الملف النووي على إيران. إنهم يعلمون إننا لا نسعى للحصول على قنبلة نووية. إنما يزعجهم تقدم العلم و التقنية في هذا البلد. بلد إسلامي أثبت و أعلن أنه لا يستسلم للسياسات الأمريکية و أنه لا يخاف أمريکا، يجب أن لا يتجهّز بأکثر تقنيات العالم تقدماً، أي التقنية النووية. و هذا هو سبب ضغوطهم. و بالطبع فإننا اتخذنا قرارنا. لقد أدرك الشعب الإيراني طوال الأعوام السبعة و العشرين التي تلت الثورة و من خلال التجارب أن السبيل الوحيد للخلاص من کيد الأعداء هو التوکّل على الله و الصبر في الميدان و الجهاد. لقد سلکنا هذا الدرب لحد اليوم و ذقنا طعم ثماره الحلوة، و سوف نواصله بحول الله و قوّته و بکل عزيمة، و نحن نشاهد آثار ذلك و خيراته. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! يمرّ العالم الإسلامي اليوم بوضع استثنائي. يمکن القول إن العالم الإسلامي لم تتوفر له الفرصة التي يعيشها اليوم منذ قرون من الزمان. تتوفر أمامنا اليوم فرصة کبيرة جداً. لقد استيقظت الشعوب الإسلامية، و امتدت أمواج الصحوة الإسلامية إلى کل أرکان العالم الإسلامي، و تعرّفت الشعوب الإسلامية على حقوقها، و الکثير من القادة المسلمين - حتى لو لم يتظاهروا بذلك - ممتلئون في داخلهم بکراهية الاستکبار و النفور منه، و هذا ما نشاهده. في الکثير من البلدان الإسلامية يعيش الرؤساء و القادة و السياسيون و المسؤولون کثيراً من الاستياء و الألم من سلوکيات أمريکا و القوى الاستکبارية. هذه فرصة کبرى للعالم الإسلامي ينبغي الاستفادة منها. ثمة واجب على عاتق الشخصيات السياسية، و ثمة واجب على عواتق القادة الفکريين و الثقافيين. و هذا الواجب الثاني ليس بأقل أهمية من الواجب الأول. علماء الإسلام و المثقفون و الأساتذة في العالم الإسلامي و المفکرون الکبار فيه و أصحاب المنابر الشعبية الذين بوسعهم توجيه أفکار جماهيرهم، يتحمّلون واجبات کبيرة، و عليهم تفهيم الناس درجة اقتدارهم الوطني و قوة الکتل الشعبية في العالم الإسلامي بصورة صحيحة. منذ قرون - من بداية الحقبة الاستعمارية و إلى اليوم - و الأجهزة الاستعمارية تروم تفهيم الشعوب المسلمة أنها لا تحسن شيئاً و لا تقدر على شيء. و کأنها تقول للشعوب المسلمة: إنکم غير قادرين على مواجهتنا. و قد استطاع الاستعمار على مدى فترات طويلة إقناع الکثير من المسلمين بهذه الفکرة، و ساعدت على ذلك خيانة بعض الشخصيات السياسية. و کانت نتيجة هذه القناعة الخاطئة مشکلات کبيرة على رأسها قضية القدس الشريف و فلسطين.مضت إلى الآن نحو ستين سنة على سلب فلسطين، بيت المسلمين، و التي فيها قبلة المسلمين الأولى، من أيدي المسلمين و من أيدي أصحابها، و راح الفلسطينيون مشرّدين في البلدان، أو يتعرّضون في بيوتهم لضغوط الغاصبين الأدعياء الذين مکثوا هناك بکل وقاحة، و حظوا بدعم أعداء الإسلام و تأييدهم. هذه غصّة کبيرة و مصيبة عظمى حصلت لأن المسلمين غفلوا عن قدراتهم. لو حصلت هذه الصحوة التي حصلت اليوم في عقود الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن العشرين للميلاد، لما وقعت قضية فلسطين، و لما تجرّأت الحکومة البريطانية الغاصبة يومذاك على اغتصاب بلد إسلامي من أهله دفعة واحدة، و إعطائه للأجنبي. و اليوم، علينا تدريجياً تعويض ما خسرناه، و هذا الشيء ممکن بالبرمجة و العقل و التدبير و العزيمة الراسخة. و لکن بالميول للانفعال و الاستسلام لن يصل العالم الإسلامي لأهدافه أبداً. و بالخوف من الأعداء و عدم الإيمان بطاقات الجماهير و قدراتها لن تتحقق أبداً مقاصد العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية. کتل الشعوب المليونية التي تشاهدونها في البلدان الإسلامية قوة عظمى، إذا تمّ تفعيلها فلن تستطيع أية قوة أجنبية الوقوف بوجهها. و مثال ذلك هو ما حدث، و أتمّ الله تعالى الحجة علينا جميعاً. حدث لبنان و انتصار حزب الله الواضح الذي کان بحق مصداقاً للآية الكريمة: «کم من فئة قليلة غلبت فئة کثيرة بإذن الله و الله مع الصابرين» (4)، أتمّ الحجّة علينا جميعاً. نعتقد أن من أعظم خصوصيات الإمام الخميني الراحل أنه عرف طاقات الشعب و اکتشفها و استفاد منها، و وضع ثقته في الناس. لم يکن وضع إيران قبل الثورة وضعاً جيداً. لم يکن للناس مسار واضح يسلکونه، و الأعداء کانوا مسلطين، و کانت إيران مقراً و قاعدة لإسرائيل و محل استراحة الکيان الصهيوني، يأتون و يذهبون، و يأکلون و ينتفعون سياسياً و مالياً. و يوم قرّرت بعض البلدان العربية استخدام النفط ضد إسرائيل، طمأن الشاهُ الصهاينة، و ربط على قلوبهم، و قال لهم: أنا سأعطيکم نفطاً. هکذا کان وضع إيران في ذلك الحين، و لم يکن لأحد أمل بشيء. لکن إمامنا الخميني الراحل (قدّس الله نفسه الزکية) حينما عقد الهمة و العزيمة على النضال لم تکن لديه من قوة سوى قوة الشعب. لقد تعرّف على هذه القوة و اعتمد عليها، و الله تعالى الذي في يده کل شيء - «و ما رميت إذ رميت و لکن الله رمى» (5)- قلّب القلوب و حوّلها. و حينما تنبّهت القلوب لهذه الحقيقة نزلت الطاقات و القوى إلى الساحة و تزلزلت قوة نظام الشاه الطاغوتي العميل، و قام النظام الإسلامي في هذا البلد. إننا في أکثر مناطق العالم الإسلامي حساسية، و نقع على مفترق طرق، و کان أکبر اعتماد أمريکا و الاستکبار في هذه المنطقة على نظام الشاه. يتوجّب معرفة قوة الجماهير و قدراتها. إنها قوة عظيمة. من أجل إنزال هذه القوة إلى الساحة لا بُدّ من الهمّة و العزيمة و الإخلاص و الجهاد. إذا نزل الشعب إلى الساحة و اقترب الساسة و من بأيديهم زمام الأمور من کتل الشعوب المليونية في بلدانهم، فلن تستطيع أية قوة الوقوف بوجههم، و لن تؤثر فيهم أية تهديدات. طبعاً، من دون الجهاد و من دون تحمّل الصعاب، لا يصل الإنسان لأي هدف، و على الأمة الإسلامية تحمّل الصعاب لتستطيع الوصول لأهدافها السامية. هذه هي واجبات العالم الإسلامي المهمّة اليوم. نشکر الله على أنْ هدى قلوب جماعات کبيرة من الشعوب المسلمة و المبرّزين و العلماء و النخبة إلى سواء السبيل و الطريق الصحيح. أساس القضية هو أن لا تسمحوا لليأس بالتغلغل إلى قلوب الشعوب، و لا تسمحوا بأن تتلبّد الآفاق و تسوّد أمامهم، و لا تدعوا هيبة الاستکبار تلقي بظلالها الثقيلة على قلوبنا و عزائمنا و إراداتنا، و لا تدعوا الخلافات تضعفنا و تستنزفنا. يلاحظ المرءُ اليوم للأسف أن کلام أمريکا و بريطانيا يتکرّر على لسان بعض الساسة في العالم الإسلامي! يکرّرون الأشياء التي يريدها أولئك، و يؤجّجون نيران الاختلافات بين الشيعة و السنة و الخلافات الطائفية في العالم الإسلامي. و هذا تحديداً متطابق مع ما يريده أعداء الإسلام. يجب مواجهة هذه العملية. نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لکل ما يرضيه، و يساعدنا لنستطيع إن شاء الله النهوض بواجباتنا. إننا في الجمهورية الإسلامية فرحون من أعماق قلوبنا لتحقق الوعود الإلهية، و نرى تباعاً و باستمرار إنجاز الوعود الإلهية. و طبعاً، فإنهم يهدّدوننا، و التهديدات موجودة دوماً. لا شيء جديد أبداً - منذ بداية الثورة و هم يهدّدون الجمهورية الإسلامية، لکن الجمهورية الإسلامية استطاعت بثباتها إحباط هذه التهديدات، و کذا سيکون الحال بعد الآن أيضاً؛ سوف يجري إحباط التهديدات و احتوائها بعد الآن أيضاً - و أي بلد من البلدان المسلمة يقف بوجه الاستکبار و لا ينهزم نفسياً سيرى بعينه هذه التجربة الناجحة، ألا و هي تجربة الانتصار و إنجاز الوعود الإلهية.إننا نمدّ يد الأخوّة لکل الشعوب الإسلامية، و لکل القادة الفکريين و السياسيين في العالم الإسلامي، و نطلب منهم تحکيم و تکريس أواصر الأخوّة هذه أکثر فأکثر، و نتمنّى أن يقرّ الله تعالى أعين العالم الإسلامي بمزيد من الانتصارات في شتى المجالات. و السلام عليکم و رحمة الله و برکاته. الهوامش:1 - سورة الأنفال، الآية 46 .2 - سورة آل عمران، الآية 103 .3 - سورة البقرة، الآية 256 .4 - سورة البقرة، الآية 249 .5 - سورة الأنفال، الآية 17 .
2006/08/21

كلمته في المؤتمر ال 19للوحدة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيمأرحّب بجميع الإخوة والأخوات الحاضرين، وأبارك لكم ذكرى مبعث خاتم الأنبياء وإشراقة نور التاريخ البشري الرسول الأعظم(ص). كما أهنّئكم وأهنّئ المسلمين جميعاً بالنصر المؤزّر الذي حققه الإخوة في لبنان في المواجهة مع الكيان الصهيوني، والذي كان في الحقيقة نصر للإسلام. لقد كان إخوتنا في لبنان، والذين خاضوا تلك المواجهة ضد الصهاينة المعتدين، رأس الحربة والخط الأول للأمة الإسلامية. إنّ هذا الاجتماع يتّصف بالأهمية والعظمة البالغة. وإنكم تلتقون هنا قادمين من كافة بقاع العالم الإسلامي. إنّ مما لاشك فيه أنّ استشراف مستقبل العالم الإسلامي يكون من خلال ما أعدّته النخبة من برامج ومشاريع، سواء في ذلك النخبة العلمية أو الدينية أو السياسية.إنّ هذا الجمع وهذه الجماعة البارزة من أقطار العالم الإسلامي إذا ما ألقت نظرة واقعية على راهن الأمة الإسلامية، وتلمّست ما يعتورها من آلام، وفكّرت في علاج ناجع، فإن الأمل سيشرق بمستقبل زاهر لأمتنا الإسلامية.ولكننا إذا ما تجاهلنا واجباتنا، أو تقاعسنا في العمل بما تمليه علينا هذه الواجبات، فإن الأمة الإسلامية ستظل تعاني من هذه الآلام على مدى أعوام مديدة قادمة.إنّ مسؤوليات جسيمة تقع على عواتقنا. وإنكم أنتم المعنيون بهذا الخطاب الذي يخص الأقليات الإسلامية في البلدان غير الإسلامية. إنها قضية مهمة، وعلى مجمع التقريب والنخب المعنية في العالم الإسلامي اتخاذ ما يلزم من إجراءات بصددها. إنني أنظر بعين التقدير لِما حققتموه في هذا المجال، إلا أنني أودّ أن ألفت انتباهكم إلى أنّ (وحدة الأمة الإسلامية) هي همّنا الأول في العالم الإسلامي. إننا سنجد الحلول للكثير من مشاكلنا فيما لو قُدّر لنا الغلبة على كيد الشيطان وإحباط خططه الرامية لزرع الفرقة والخلاف.وستكون مشكلة الأقليات الإسلامية من تلك المشاكل التي سنعثر لها على حل. إننا نعاني من مرض قاتل، وعلينا أن نتحلّى بالعزم الأكيد لنتغلب على هذا المرض. إنّ الخلافات والتشتت وإثارة العداء بين أبناء العالم الإسلامي مرض بالغ الخطورة، وإنني أوجّه عنايتكم إلى أن أيادي التآمر السياسي تعمل الآن على زيادة تغلغل هذا المرض في جسد الأمة والعالم الإسلامي حتى ولو كان له وجود غير ذي أهمية في الأزمنة الغابرة إننا نرى نماذج لذلك تقشعر لها الأبدان في العالم الإسلامي.إننا لا نخشى أعداء الخارج، وإن صلف أمريكا والقوى الاستكبارية لم يبلغ منّا حتى الآن مبلغاً من الهلع والحيرة، وإننا لم ولن نقف موقفاً انفعالياً مما يشنّونه ضدنا من هجمات عدائية ودعائية وسياسية وعسكرية واقتصادية مهما بلغت، غير أنّ ما يجعلنا نشعر بالرهبة والخوف هو ذلك المرض الذي ينخر في أحشاء العالم الإسلامي، فعليكم بمعالجته. إنّ أعداء الإسلام لم يكفّوا عن وضع خطط الخلاف وما انفكوا يحوكون مؤامرات الفرقة والنزاع بدقة فائقة منذ أن رفرف لواء الإسلام على ربوع إيران وإقامة الجمهورية الإسلامية وبلوغ الأهداف المرجوّة. فعندما شعر المسلمون بالعزة والكرامة، وعندما وجدوا أنّ راية الإسلام يمكن أن تخفق، وعندما نهضوا واستيقظت في وجودهم روح الهوية الإسلامية، وعندما رفع المسلمون شعار الإسلام في كل مكان، أدرك الأعداء أن خطراً جسيماً يهدد مصالح الاستكبار في هذه المنطقة الإسلامية العظيمة وأنّ الأخطار تحدق بأطماعهم الجائرة.إن باستطاعة العالم الإسلامي أن يشكّل كياناً عظيماً ومتّحداً بفضل ما يتمتع به من تعداد يبلغ المليار ونصف المليار نسمة وما يتميّز به من طاقات إقليمية وجغرافية وطبيعية وإنسانية عظيمة وما يملكه من رؤوس أموال ليس لها من نظير.لقد ظلّ الاستعمار الغربي يملأ خزائنه من ثروات هذه المنطقة على مدى أكثر من مئتي عام سواء أكان ذلك خلال المرحلة الاستعمارية القديمة أو الزمن الاستعماري الجديد، حتى باتت هذه المنطقة في خدمة الأهداف السياسية للعالم الاستكباري وعلى رأسه أمريكا.إنه لو حققت الأمة الإسلامية وحدتها، ولو كشفت القوة الإسلامية عن معناها الحقيقي، ولو تحقق الاستقلال الإسلامي بمعنى الكلمة في هذه المناطق، لاستطعنا قطع دابر الأعداء وتغلّبنا على سيطرتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية.ولكنهم يرفضون ذلك ويحولون دون تحققه بكل ما لديهم من قوة.إنّ وسيلتهم في ذلك هي إثارة النعرات والخلافات، وللأسف الشديد فقد تغلغل هذا الداء في كيان العالم الإسلامي.إنني أناشدكم التفكير بجدّية في هذه المشكلة. إننا دائماً ما نتحدث عن الوحدة الإسلامية، وندعو إليها، كما نتحدث عن الأخوّة الإسلامية، وهناك على أرض الواقع من يشعر حقيقة بالأخوة الإسلامية من نخب العالم الإسلامي ـ وها هي روح الأخوة الإسلامية تتجلى في هذا الاجتماع ـ وإننا ننظر إلى بعضنا البعض نظرة التآلف والانسجام بلا فرق بين الواحد والآخر.إنّ هذه هي الحقيقة، سوى أننا لا نعبّر عن حقيقة وواقع العالم الإسلامي بالمعنى الصحيح للكلمة في المحافل السياسية وعلى صعيد الحكومات وفي الأوساط الجماهيرية.إنّ الأعداء يبذرون بذور الخلاف بين أبناء الأمة الإسلامية وإنّ السياسيين المزيَّفين، والعصبيات العمياء، والعجز عن مشاهدة الآفاق العالية للعالم الإسلامي، والتقوقع في بيئات مضمحلّة، كلها من الأمور التي تمهّد السبيل أمام تفاقم هذه العصبيات.لقد أشار بعض الأصدقاء إلى أحداث العراق، فانظروا ما يجري هناك. إنّ بعض الإخوان من السنة والشيعة في العراق وبعض البلدان الأخرى يخوضون صراعاً ضد بعضهم البعض، ويعادي أحدهم الآخر تقرّباً إلى الله تعالى، فلماذا؟! ومن الذي حقن هؤلاء بتلك الأباطيل؟ وهي ليست من الإسلام في شيء. تعالوا لنحقق معاً الوحدة الإسلامية على أرض الواقع، ولنتّفق على ميثاق عمل يرضى به كافة علماء ومثقفي العالم الإسلامي وتصدّق عليه النخبة السياسية المخلصة؛ وذلك حتى لا يتجرّأ أحد على تكفير من ينطق بكلمة التوحيد مهما كانت عقيدته ومذهبه، وحتى نصبح أخوة حقيقيين. إننا لا نعني بالوحدة الإسلامية أن يكون الجميع على عقيدة ومذهب إسلامي واحد.إنّ ساحة الخلاف بين المذاهب والعقائد الإسلامية والعقائد الكلامية والفقهية هي ساحة علمية، ولكل فرقة أن تحتفظ بمذهبها وعقيدتها، فالساحة ساحة بحث فقهي، وميدان بحث كلامي، ومن الممكن ألاّ يكون لاختلاف الآراء الفقهية والكلامية أي تأثير على واقع الحياة وعلى صعيد السياسة.إنّ عدم التنازع هو ما نقصده بوحدة العالم الإسلامي: ولا تنازعوا فتفشلوا.والقرآن يقول:واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا . إنّ الاعتصام بحبل الله واجب على كل مسلم، ولكن القرآن لا يكتفي بمجرد الاعتصام بحبل الله، بل يريد منّا الاجتماع على ذلك؛ فيقول: جميعاً وهذا الاجتماع والاتحاد هو واجب آخر.ولهذا فإنّ على كل مسلم أن يعتصم بحبل الله في صورة جماعية مع سائر المسلمين الآخرين فعلينا أن نفهم هذا الاعتصام على الوجه الصحيح وأن نجهد في تحقيقه.إنّ الآية القرآنية الشريفة تقول:  فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى وهذا يوضّح لنا معنى الاعتصام بحبل الله فكيف يكون التمسّك بحبل الله؟ يكون بالإيمان بالله والكفر بالطاغوت.إنّ الطاغوت الأعظم في العالم اليوم هو نظام الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأنه هو الذي ابتدع الصهيونية ويقوم بمساندتها.إنّ أمريكا هي خليفة الطاغوت الأعظم السابق، أي انجلترا.إنّ عدوانية الإدارة الأمريكية وحلفائها وأعوانها تضع العالم الإسلامي في مأزق عسير، وتعرضه لضغوطهم في السعي للتقدم، وفي اتخاذ القرارات، وفي تحقيق تطوره المادي والمعنوي. لقد نزلت أمريكا إلى الساحة على رؤوس الأشهاد في هذا العدوان الذي شنّه الكيان الصهيوني على لبنان خلال الشهر الماضي، والذي انتهى إلى ملحمة إسلامية عظيمة سّطرها حزب الله وتكللت بالنصر الإلهي، حيث لم تكتف الولايات المتحدة بالدعم الإعلامي والمالي والسياسي للكيان الصهيوني، بل وفّرت له الدعم العسكري أيضاً وأمدّته بالسلاح والعدّة والعتاد.وفي الحقيقة فإن الأمريكيين هم الذين أرادوا هذه الحرب وهم الذين أشعلوا فتيلها.إنّ الطاغوت الأعظم في هذا العصر هم الأمريكيون. إنّ الإيمان بالله متوفّر في الكثير من بقاع الأمة الإسلامية، ولكن لا يوجد كفر بالطاغوت.إنّ الكفر بالطاغوت أمر ضروري وإنّ التمسّك بالعروة الوثقى الإلهية لا يمكن أن يتحقق بلا كفر بالطاغوت. إننا لا نؤلّب الدول والشعوب ولا ندعوها لشنّ حرب على أمريكا، ولكننا ندعوها إلى عدم الاستسلام لأمريكا، وإلى عدم التعاون مع أعداء الإسلام والمسلمين، ومن مصاديق ذلك عدم الوقوع في حبائلهم، وإحباط مؤامراتهم الرامية لزعزعة الوحدة الإسلامية، والحفاظ على الأمة الإسلامية من خلال اتّحادهم.إننا نعتقد أنّ الاتحّاد من أهم قضايا العالم الإسلامي اليوم، وإذا ما تحقق هذا الاتحاد فإننا سنكون قادرين على إحراز التطور العلمي والتطور السياسي. إنكم تشاهدون كيف يركّز أعداء العالم الإسلامي على الملف النووي في إيران، مع أنهم يعلمون أننا لا نهدف إلى تصنيع القنبلة النووية، ولكنهم يشعرون بعدم الارتياح إذا ما حقق هذا البلد تطوراً علمياً، ويصابون بالامتعاض إذا ما حقق بلد إسلامي تقدماً تقنياً، هذا البلد الإسلامي الذي لم يستسلم للسياسات الأمريكية وأظهر أنه لا يخشى أمريكا. إنّ هذا البلد الإسلامي يجب أن يكون مجهّزاً بأحدث تقدم تكنولوجي في عالم اليوم، أي التكنولوجيا النووية. ولهذا فإنهم يمارسون ضده الضغوط ولكننا اتخذنا قرارنا. لقد أدرك الشعب الإيراني خلال سبعة وعشرين عاماً مضت من عمر الثورة، ومن خلال التجربة، أن التوكّل على الله والتسلّح بالجهاد والصبر في الميدان هو السبيل الوحيد للتخلص من كيد الأعداء.لقد قطعنا هذا الشوط، وقطفنا ثماره اللذيذة، ولسوف نواصل مسيرتنا بحول الله وقوّته بكل ما لدينا من عزم وقوة، وها نحن نشهد النتائج.أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، إنّ العالم الإسلامي يمرّ الآن بمرحلة استثنائية، ومن الممكن القول: إنّ العالم الإسلامي لم تتهيّأ له هذه الفرصة منذ قرون عديدة إنها لفرصة عظيمة جداً، فلقد نهضت الشعوب الإسلامية، وغطّت أمواج الوعي الإسلامي كافة زوايا عالم الإسلام، وباتت الشعوب الإسلامية تعرف حقوقها، وثمة كثيرون من حكّام البلدان الإسلامية يكنّون في صدورهم شديد البغض والعداء للاستكبار ـ حتى ولو لم يفصحوا عن ذلك ـ وهو ما نراه رأي العين.إنّ هناك في العديد من الدول الإسلامية قادةً ورؤساء وسياسيين ومسؤولين يشعرون بالاستياء والغضب الشديد جرّاء سياسات أمريكا والقوى الاستكبارية.وهذه فرصة ثمينة أمام عالم الإسلام وينبغي انتهازها.إنّ على السياسيين واجباً، وعلى عاتق المسؤولين عن الفكر والثقافة يقع واجب آخر وليس هذا الواجب الثاني بأقل من الواجب الأول. إنّ على علماء الإسلام والمثقفين والأساتذة والمفكرين البارزين والذين بإمكانهم إيصال أصواتهم إلى الجماهير والتأثير عليهم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم الجسام وأن يُطلِعوا الجماهير على ما تتمتع به من قوة وطنية وسلطة شعبية عظيمة. لقد بذلت الأجهزة الاستكبارية ـ منذ بداية الاستعمار وحتى الآن ـ جهودها القصوى لإيهام الشعوب الإسلامية بأنه لا قيمة لها، وأنها لا تقوى على المواجهة.ولقد نجح الاستعمار في إقناع الكثيرين من أبناء الشعوب المسلمة بصحة هذا الوهم على مدى أعوام طويلة، وساعده على ذلك خيانة بعض الحكّام، فكان هذا الاعتقاد الخاطئ سبباً في حدوث مشاكل وكوارث مستفحلة، وعلى رأسها قضية القدس الشريف ومشكلة فلسطين.لقد مضى نحو ستين عاماً على احتلال فلسطين التي هي دار الإسلام، وبها القبلة الأولى للمسلمين، وبات الفلسطينيون مشرّدين في البلدان أو بقوا في أراضيهم تحت نير الاحتلال الغاصب الذي يحظى بدعم أعداء الإسلام رغم ما يمارسه من وحشية وعدوان.وإنّ هذه الكارثة العظيمة والمصيبة الكبرى مردّها إلى عدم معرفة المسلمين بما يتمتعون به من إمكانيات. إنّ صحوة العالم الإسلامي اليوم لو كان لها وجود في الثلاثينيات أو الأربعينيات من القرن الميلادي الماضي لما وقعت مشكلة فلسطين، ولما تجرّأ الاستعمار الانجليزي آنذاك على انتزاع أرض فلسطين الإسلامية من يد أبنائها وتسليمها للصهاينة الأجانب.وما علينا اليوم سوى تسوية حساباتنا وتعويض ما خسرناه تدريجياً، وهو أمر ممكن إذا ما اعتمدنا تخطيطاً صحيحاً، واستخدمنا العقل والتدبير، وتسلّحنا بالعزم الراسخ، دون انفعال أو استسلام؛ لأن الانفعال والخوف من الأعداء وعدم الثقة في قوة الشعوب لن تجعل الأمة الإسلامية قادرة على بلوغ أهدافها.إنّ هذه الجماهير المليونية التي تشاهدونها في البلدان الإسلامية تعتبر قوة عظيمة إذا ما حظيت بالتفعيل، ولن تقوى أية قدرة أجنبية على الصمود أمامها ومثالاً على ذلك ما حدث مؤخراً في لبنان وأتمّ الله به الحجة علينا.إنّ ما وقع في لبنان والنصر المبين لحزب الله الذي يعدّ مصداقاً لقوله تعالى  كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين وقد أقام الحجة علينا. إنّ أعداء الإسلام تجاهلوا القوى الجماهيرية وأوهموا الحكام بعدم الثقة في قدرات شعوبهم.إنّ من أهم انجازات إمامنا الراحل في رأينا هو اكتشاف القوى الشعبية وثقته بها والاستفادة منها على الوجه الصحيح.إنّ الأوضاع في إيران لم تكن على ما يرام قبل انتصار الثورة، فلقد كان الشعب في حيرة من أمره، وكان الأعداء يفرضون سيطرتهم على البلاد، وكانت إيران قاعدة لإسرائيل ومحل استجمام للمسؤولين الصهاينة الذين كانوا يستنزفون ثرواتنا ويحققون أطماعهم السياسية والمالية وفي تلك الأثناء قررت بعض البلدان العربية الاستفادة من سلاح النفط ضد إسرائيل، ولكنّ شاه إيران طمأن الصهاينة ووعدهم بإمدادهم بالنفط.لقد كانت الأوضاع هكذا في إيران، ولم تكن ثمة بارقة من الأمل، ولكنّ إمامنا الراحل(قدس الله نفسه الزكية) شمّر عن ساعد العزم واتخذ قرار المواجهة، ولم يكن لديه سوى قوة الجماهير الشعبية. لقد كان يعرف قدر هذه القوة، وكان يعتمد عليها، فآزره الله الذي بيده ملكوت كل شيء، وأعاد النبض للقلوب وأحيا الأفئدة وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى . وعندما تفتحت أبواب القلوب على هذه الحقيقة، هرعت الجماهير إلى ساحة الصراع فأسقطت سلطة النظام الطاغوتي العميل، وأقامت عماد الحكومة الإسلامية في إيران. إننا نقع على مفترق الطرق وفي موقع استراتيجي حساس للغاية، وكانت أمريكا والقوى الاستكبارية في هذه المنطقة تعتمد اعتماداً كاملاً على النظام الشاهنشاهي.لابدّ من معرفة القوى الشعبية، فهي قوة عظيمة فاعلة ولكنّ إنزالها إلى الميدان في حاجة إلى همّة وعزم وإخلاص وكفاح. إنّ الجماهير إذا ما نزلت إلى الساحة وحظيت القوى الشعبية المليونية بدعم الساسة والحكّام لَما استطاعت قوة أخرى الوقوف أمامها أو تهديدها بأي شكل من الأشكال.ولكن لا سبيل إلى بلوغ الأهداف بدون نضال وتحمّل للمصاعب، وعلى الأمة الإسلامية تحمّل المشاق حتى تحقق آمالها الكبرى، وهذه هي مسؤولياتنا الجسام اليوم في عالم الإسلام.نحمد الله تعالى على تأليفه لقلوب الكثيرين من أبناء الشعوب الإسلامية وبارزيها وعلمائها ونخبها وهدايتهم إلى الطريق المستقيم. إنّ أساس النجاح هو ألاّ تدعوا الجماهير تصاب باليأس والإحباط.وألاّ تدعوا الآفاق تَدْلهمّ أمام الشعوب، وألاّ تدعوا الغطرسة الاستكبارية تلقي بظلالها الكثيفة على قلوبنا وعزمنا وإرادتنا، وألاّ تدعوا الخلافات تصيبنا بالضعف والانهيار. إنّ المرء وللأسف الشديد يجد أنّ بعض حكّام العالم الإسلامي اليوم يرددون أقوال أمريكا وانجلترا..! إنهم يكررون جميع ما يصبون إليه؛ ويشعلون فتيل الاختلافات المذهبية ويثيرون بؤر الخلاف بين الشيعة والسنة في العالم الإسلامي وهذا على وجه الدقة ما يثلج صدور أعداء الإسلام.فلابدّ من مواجهة مثل هذه الممارسات. ندعوا الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على القيام بواجباتنا.إننا في الجمهورية الإسلامية نشعر بالفرحة الغامرة على أنّ الله تعالى أنجز وعده، ومازلنا نشهد إنجاز الوعود الإلهية من حين لآخر. وبالطبع فإن القوى الاستكبارية مازالت تمارس ضدّنا التهديد، وهذا ليس بالأمر الجديد ـ فإنهم يهددوننا منذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية، غير أنّ الجمهورية الإسلامية استطاعت بعزمها وصمودها إحباط كل تلك الممارسات، ولسوف يهددوننا مرة أخرى، وسنحبط تهديداتهم من جديد ـ وبإمكان أية دولة إسلامية أن تكتسب هذه التجربة الناجحة وأن تقف بوجه التهديدات الاستكبارية دون أن تفقد ثقتها بنفسها، وأن تشاهد بأم عينها إنجاز الوعود الإلهية. إننا نمدّ يد الأخوّة نحو كافة الشعوب الإسلامية وجميع الرؤساء وزعماء الفكر والسياسة في العالم الإسلامي، وندعوهم إلى توثيق عُرى الأخوّة فيما بيننا أكثر فأكثر، داعين الله تعالى أن يفتح عيون دنيا الإسلام على المزيد من الانتصارات على شتّى الأصعدة والمجالات إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  
2006/08/20

كلمته بمناسبة ولادة الإمام علي(ع)

بسم الله الرحمن الرحيمأُبارك للأمة الإسلامية جمعاء ميلاد أمير المؤمنين وإمام المتقين والكوكب الساطع في سماء العدل والإنصاف والإنسانية عليّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) كما أتوجّه بالتهنئة للشعب الإيراني العزيز ولاسيّما الحضور المحترمين الذين تكبّدوا عناء القدوم من الأماكن المختلفة للمشاركة في هذا الاجتماع الرائع والمتألق.إنّ حبّ أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) هذا الرجل العظيم في تاريخ البشرية والإسلام هو أمر لا ينحصر بالشيعة فحسب، ولا حتى بالأمة الإسلامية قاطبة، بل هو ما يشاركنا فيه أحرار العالم. وإنكم لتجدون أنّ شخصيات من غير المسلمين أعربوا عن حبّهم لهذا الوجه الوضّاء وهذه الشمس الساطعة، فألّفوا الكتب ونظّموا الأشعار مفصحين عن مشاعرهم المتأجّجة بالمحبة. إنّ من الخطأ الفاحش أن يكون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) مثار اختلاف بين المسلمين، ذلك أنّ هذا الرجل العظيم استحوذ على مشاعر وقلوب ونفوس المسلمين جميعاً بما في ذلك كافة الفرق الإسلامية.وتتأتّى هذه المشاعر وينبع هذا الحب من الإقرار والخضوع أمام تلك المميزات والمناقب والخصال والتي لا يمكن لأي إنسان منصف إلا الإذعان بها، وهذا هو القاسم المشترك.إنّ الإيمان الصادق، والجهاد المخلص، والذوبان في الأوامر والنواهي الإلهية، والإذعان لله بالطاعة والعبودية المطلقة، والابتعاد عن الزخارف الدنيوية والمباهج المادية، والتعامل مع الجميع بعطف وعدل وإنصاف، والنظر إلى المظلومين والضعفاء والمستضعفين بعين الرحمة والشفقة، والحزم والصمود في مواجهة أعداء الدين، وأداء الواجب مهما كانت الظروف والعقبات والمشقّات، كلها كلمات تتفجّر بالحكمة، ولطالما كانت البشرية وما زالت وستظل في أشدّ الحاجة إليها.إنّ نهج البلاغة لأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) هو درس للإنسانية الخالد.وإنّ هذه هي الشخصية الظاهرية لأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) والتي تقصر دون إدراكها عيوننا الكليلة وتعجز عن التوصّل إلى كُنْه جمالها أحاسيسنا القاصرة.إنّ الأبعاد المعنوية والقدسية والملكوتية لا يختص بها إلا القديسون والصديقون الذين يتميزون بالعين الثاقبة والبصيرة العميقة، ولهذا فإن أبصارنا ليس بإمكانها تلمسّ تلك الصفات الرفيعة كما يفعل أولياء الله وعباده المقربون، واليوم هو ذكرى ميلاد شخصية من هذا الطراز، وهو يوم عيد أيضاً.إن طلوع كل كوكب في سماء التاريخ البشري هو عيد للإنسانية. وإنّ ميلاد كل شخصية بارزة من الأولين والآخرين، أولئك الذين مهدوا سبيل السعادة أمام الناس وتحمّلوا المشاقّ بغية تحقيق ذلك، لهو من الأعياد المميزة أيضاً للإنسانية، وإنه لعيد خالد للمسلمين.فكيف نتعامل الآن مع هذا العيد أو مع هذه الظاهرة بعد مرور قرون عديدة؟إنه لا يكفي أن نردد إسم عليّ، ولا يكفي أن نعتبر أنفسنا أتباعاً له، فنحن لا نعتبر الشخصيات التاريخية الكبرى والزعماء الدينين والأنبياء والأولياء مجرد ذكريات تاريخية مع أنهم النموذج والقدوة والقادة في الحياة. فما هو الدرس الذي يجب أن نتعلّمه منهم؟ هذا هو المهم. وماذا ينبغي على الأمة الإسلامية أن تتعلّمه اليوم من أمير المؤمنين ونبي الإسلام الأعظم (صلى الله عليه وآله) والعظماء الآخرين من الهادين على الدرب الإلهي المنير؟ وما هو النهج الذي يجب التمسّك به في مسيرة الحياة؟ هذا هو الأمر المهم. علينا أن ننظر إلى أمير المؤمنين من هذه الزاوية.من المؤكّد أنّ هؤلاء كانوا مظهراً للجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينه (أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، وعملت بكتابه، واتبعت سنن نبيه صلى الله عليه وآله) فهذا ما نقوله عند زيارة أمير المؤمنين وباقي الأئمة (عليهم السلام).وهذا الجهاد هو واجب في أعناقنا على الدوام، سواء في ذلك الجهاد العلمي أو الجهاد العملي أو الجهاد في ساحات المعارك أو الجهاد في حالات السلم أو جهاد النفس أو الجهاد مع العدو الخارجي أو الجهاد بالمال والروح واللسان، فهذا درس علينا تعلّمه.إنّ كل ما تقدّمونه من أجل إعلاء كلمة الدين أو رفعة الأمة الإسلامية هو جهاد، كما أنّ تحصيل العلم والمعرفة من أجل النهوض بالأمة الإسلامية يعدّ جهاداً، وكذلك ما تبذلونه من مساع بهدف تمكين عُرى الوحدة والتآلف والمودّة بين أبناء وشعوب الأمة الإسلامية يعتبر جهاداً، وفي نفس السياق فإن مجاهدة الأهواء والنزوات الشيطانية يعتبر جهاداً، وعندما تجاهدون أعداء الله والدين والقرآن بألسنتكم أو بأيديكم فهذا جهاد في سبيل الله، وهذه هي الدروس التي يجب أن نتعلّمها من أمير المؤمنين والأولياء الصالحين، فالجهاد لا يقتصر على ميادين الحرب فحسب، وإن الأمة الإسلامية لم تصل إلى هذا الوضع المؤسف إلا لتَرْكِها الجهاد في سبيل الله.لقد كانت الأمة الإسلامية سبّاقة على طريق التقدم والعلم والحضارة والأخلاق ونشر القيم الإنسانية طوال قرون متمادية من التاريخ ولكنها باتت اليوم تعاني من التفرّق والضعف والتخلّف؛ مما جعل الكفار وأعداء الدين يتدخّلون في شؤونها السياسية وأمور حياتها العامة، ويمارسون عليها كل أنواع الظلم دون أن تحرّك ساكناً للدفاع عن نفسها. وما هذا الضعف والانحطاط الذي يغشى العالم الإسلامي إلا نتيجة للتخلّي عن الجهاد في سبيل الله. إننا لا نقول: لماذا لم تمتشقوا السيوف وتحملوا السلاح لمقاتلة الأعداء في كل حين ـ مع أن القتال نوع من أنواع الجهاد ـ ولكننا نقول: لماذا تقاعستم عن معرفة عدوكم؟ ولماذا عشتم في غفلة عن مخططاته؟ ولماذا ظللتم غافلين عن مكائده؟ ولماذا خدعكم الأعداء؟إنّ اليوم هو يوم الثالث عشر من شهر رجب، وهو يوم عيد، ولكن قلوبنا مستعصية على فرحة العيد وبهجته وهي تشاهد جسد الأمة الإسلامية مضرّجا بالدماء.سرّحوا أبصاركم إلى لبنان، وانظروا ماذا يحدث هناك، ومدّوا أنظاركم إلى فلسطين، وشاهدا ما الذي يجري هناك، ثم نقّلوا أبصاركم إلى العراق وإلى أفغانستان، حيث لا سبيل لأن تبتهج الأمة الإسلامية، وهذا كله من أمارات ضعفنا.في هذه الأيام ألمّت ظاهرتان مريرتان بالأمة الإسلامية، وكل منهما من شأنها أن تدعوا المسلمين إلى الفكر والتأمّل، وأن تُنحني الأمة الإسلامية باللائمة على نفسها، وأن تتذرّع بالتوبة. فأما الظاهرة الأولى: فإنها تتجسّد في تلك الكوارث العظيمة التي تجتاح لبنان وفلسطين بعنف وضراوة لا تنقطع. فلقد مضى حتى الآن نحو شهر من الزمان ومازال ذلك الذئب الوحشي المفترس آكل لحوم البشر والمسمّى بالصهيونية يمزّق بمخالبه أوصال الشعب اللبناني.إنهم يتلقّون الضربات الموجعة من (حزب الله) المجاهد في سبيل الله، ولكنهم يصبّون جام غضبهم على رؤوس الأطفال المسلمين في (قانا) ويغيرون بالقنابل على باقي الأراضي اللبنانية، حيث تجرّعوا مرارة الهزيمة على يد حزب الله وأبطاله المجاهدين في سبيل الله، فوقعوا في حالة من الهستيريا وراحوا يخلعون رداء الهزيمة ويلقون بالحمم على المدنيين الأبرياء والمواطنين المظلومين والأطفال، ويقصفون المنازل الآمنة والبنى التحتية وقد فقدوا رباطة جأشهم. وهذه مصيبة كبرى.ونفس الشيء يحدث في (غزة) وبقية المناطق الآهلة بالسكان الفلسطينيين. إنّ مثل هذه الأحداث يجب أن توقظ المسلمين جميعاً وتردّهم إلى وعيهم. والعجيب أن عالم الاستكبار والكفر لا يكتفي بالصمت، بل إنّ أعمالهم وأقوالهم المريبة تدفع المعتدين والظالمين إلى ارتكاب المزيد من الجرائم، فهذه أمريكا بطريقتها الخاصة، وتلك انجلترا الخبيثة بطريقة أخرى، وبعض القوى العظمى يتصرف كل منها بشكل أو بآخر، بينما تقف منظمة الأمم المتحدة عاجزة بلا حول ولا قوة وتكتفي بموقف المتفرّج مما يجري! وفي نفس الوقت فإنهم لا يكفّون عن التشدّق بحقوق الإنسان وادّعاء المدنية ومكافحة الإرهاب دون أن يشعر هؤلاء المنافقون أصحاب القلوب السوداء بأدنى خجل أو حياء.وهذا مما يثير الاعتبار أنّ ما أنزلوه من مصائب بلبنان، ولاسيّما بالشيعة في لبنان، ليس من المستبعد أن ينزلوه بكافة الشعوب والدول والفرق الإسلامية الأخرى، فلا يمكن الاعتماد أو تعليق الآمال على تلك القوى المستكبرة. فعلى الأمة الإسلامية أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها والحفاظ على كيانها. لقد شاهدنا دائماً، وها نحن نشاهد اليوم، أنّ القوى الإستكبارية غالباً ما تغضّ الطرف عما يقع من جرائم وخصوصاً بحق المسلمين. فهذا هو الذي حدث في البوسنة، وما جرى في كوسوفو، وما وقع في أفغانستان، وما نشاهده في العراق، وما نراه اليوم في لبنان. أما فلسطين فهي ما زالت تعاني مثل هذه الظاهرة منذ عقود.إنهم لا فرق عندهم بين شيعي وسنّي أو بين عربي أو أعجمي، فحيثما كان بإمكانهم القمع والبطش فإنهم لا يتورّعون عن ذلك. فعلى الأمة الإسلامية وعلى شعوب العالم الإسلامي أن يفهموا ذلك ويدركوه، وأن يحصّنوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة ومنعة. وهذه هي إحدى الظاهرتين والتي فيها عبرة لمن اعتبر، ولا ينبغي أن تنصرف عنها أذهان المسلمين، ويجب أن تكون شغلا شاغلاً لهم.وأما الظاهرة الثانية ـ والتي هي أشد وطأة من الأولى ـ فهي: تفرّق الحكومات الإسلامية واختلافها. فهاهم أعداء الإسلام يقومون بمهاجمة جمع من المسلمين بضراوة وإجرام على مدى نحو شهر كامل ـ وهي ليست حرباً عادية، بل إنها لا تنفك عن إرتكاب جرائم حربية، وقتل المدنيين العزّل، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وقانونياً ـ ومع ذلك فإن الحكومات الإسلامية، ولاسيّما بعض الحكومات العربية وقفت مكتوفة الأيدي وهي تتفرّج على ما يحدث! وهذا الخطأ يؤدّي إلى خسارة فادحة. إنّ هذه الحكومات تراعي مشاعر أمريكا والقوى الإستكبارية التي لن تراعي لهم مشاعر على الإطلاق؛ لأنها لا ترى سوى مصالحها.إنّ الأعداء يعملون بجد ونشاط ويتخذون من قضية الشيعة والسنة أداة فاعلة للقضاء على الأمة الإسلامية. فعلى الشيعة والسنة جميعاً في إيران وفي الوطن الإسلامي أن يعلموا بأن زرع الفرقة والخلاف بين الشيعة والسنة هو أحد وسائل الأعداء وأسلحتهم ضد الأمة الإسلامية، وهم يستخدمونها بكل قسوة وضراوة. فعندما كان السنة الفلسطينيون تمارس ضدّهم الضغوط، نشط البعض في الدعاية ورفع الشعارات قائلين: بأن هؤلاء سنة وأنتم شيعة، وذلك في محاولة للحيلولة دون دعمهم ومساندتهم، واليوم، وعندما باتت الضغوط تمارس ضد الشيعة في لبنان، فإن البعض الآخر يقولون: أنتم سنة، وأولئك شيعة، فلا تمدّوا لهم يد العون والمساعدة. فهؤلاء لا يحترمون الشيعة ولا السنة، ولكنهم يخالفون أصل الإسلام.إنّ التفرقة هي السم الزعاف للعالم الإسلامي. فهذه التفرقة تقيم الحواجز بين الدول وتنزغ بين القلوب. واليوم فإن الأعداء وأجهزة المخابرات والجاسوسية الإسرائيلية والأمريكية يثيرون الضغائن في نفوس البعض لاقتراف الجرائم ضد الشيعة ذوي الأغلبية في العراق ـ مع أنهم يشغلون أكثر المناصب الحكومية ـ ويدفعونهم لزعزعة الأمن، ومن ثم يتذرّعون بالفوضى والقلاقل لترسيخ أقدامهم في العراق وبغداد. إنّ أمريكا تبحث عن ذريعة للبقاء في العراق، وذريعتها زعزعة الأمن. إنهم يثيرون القلاقل في العراق حتى لا تستطيع الحكومة القيام بمهامها اللازمة، وبذلك تكون لديهم حجة للبقاء في العراق. إنهم يثيرون الخلافات، ويُوقِعون بين الشيعة والسنة، ويؤلّبون أحدهم على الآخر حتى لا يتمكنوا من العيش معاً بما لديهم من قواسم مشتركة. إنّ هذا من عمل الأعداء فلماذا لا نفهم هذه الحقيقة؟ لقد كانت هناك جهود حثيثة منذ عقود طويلة ـ في عهد المرحوم آية الله البروجردي (رضوان الله تعالى عليه) وبعض علماء أهل السنة الكبار في مصر ـ للتقريب بين الشيعة والسنة والقضاء على الخلافات، وأن يحافظ كلٌ على مذهبه، فيبقى السني سنياً، ويبقى الشيعي شيعياً، وأن تتآلف القلوب ويجتمع المسلمون على كلمة التوحيد والوحدة.إنّ القرآن الكريم يخاطب المسيحيين في صدر الإسلام على لسان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فيقول: (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً).ثم يجيء المسلمون اليوم بكل ما يشد أزرهم من قواسم مشتركة، فإلههم واحد، ونبيهم واحد، وقرآنهم واحد، وقبلتهم واحدة، وعبادتهم واحدة، فيتخلّون عن كل هذه القواسم والبديهيات، ويجعلون من بعض الأمور الخلافية سلاحاً بيد الأعداء!أفليست هذه خيانة؟ أليس هذا من غرض المغرضين وغفلة الغافلين؟ إنّ كل من يقترف تقصيراً بهذا الصدد سيكون آثماً عند الله تعالى، شيعياً كان أم سنياً.إنّ الدفاع عن حزب الله في لبنان اليوم واجب على كافة المجتمع الإسلامي. إننا ننظر إلى القضية بتبصّر ونعرف بوضوح ما يرمي إليه الإستكبار. لقد وقفنا في قضية فلسطين بنفس الصمود الذي وقفنا به في قضايا لبنان والعراق وأفغانستان. إننا نجد أنّ الاستكبار الأمريكي بالتحالف مع بعض الحكومات الأوروبية الخبيثة ـ كالحكومة الانجليزية التي فاقت الجميع قبحاً وعاراً في المنطقة ـ وبالتعاون مع الصهاينة سفّاكي الدماء والجائرين إلى اجتثاث جذور الإسلام من هذه المنطقة، يطمحون لأنهم يرون أنّ الإسلام يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق أطماعهم. لقد أدركوا أنّ الإسلام ما زال حياً إثر إقامة نظام الجمهورية الإسلامية وارتفاع لواء الإسلام في سماء المنطقة. إنّ المشاعر الإسلامية وروح الجهاد والمقاومة في سبيل الإسلام بُعثت من جديد في كافة الأقطار الإسلامية وفي جميع بقاع هذه البلاد العظيمة والحساسة والممتدة من شاطئ المحيط الأطلسي إلى شاطئ المحيط الهادي. إنّ شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط والقارة الآسيوية وشرق آسيا، وحيثما يوجد مسلمون في العالم، تخفق بين جنوبهم روح إحياء الهوية والكرامة الإسلامية، ومع أنّ القوى الإستكبارية تعجز عن إبادة هؤلاء المسلمين، إلا أنها لا تكف عن بذل مساعيها في هذا الاتجاه. إنّ علينا أن نتحلّى باليقظة والحذر. وإنكم تشاهدون نموذجاً من الصمود والمقاومة الإسلامية اليوم في لبنان. إنّ الجيش الصهيوني الضاري والجرّار الذي كان يوصف ذات يوم بأنه جيش لا يقهر والذي تمكن من إلحاق الهزيمة بجيوش ثلاثة بلدان إسلامية خلال ستة أيام، يقف اليوم عاجزاً بكل ما يملك من قوة وعتاد ودعم عسكري أمريكي ويتلقّى الضربات الساحقة من فريق مؤمن مجاهد (لا تأخذه في الله لومة لائم) على مدى شهر بأكمله.وهذا دليل على أن الأمة الإسلامية تستطيع القضاء على أعداء الإسلام بالتوكل على الله وحده.اللهم أبعد شر أعداء الإسلام عن الأمة الإسلامية. اللهم عرّفنا واجباتنا في مواجهة أعداء الإسلام.اللهم وفّقنا إلى الجهاد الصادق والدؤوب في سبيلك.اللهم ألّف بين قلوب المسلمين ووحّد كلمتهم.اللهم خلص الشعب اللبناني المظلوم من شر جيش الأعداء العاتي والقاسي والذي لا يعرف الرحمة والرأفة.اللهم احفظ في كنف رعايتك أبطال حزب الله المجاهدين، واكتب لهم النصر المؤزّر.اللهم ارفع رأس العالم الإسلامي عالياً يوماً بعد آخر.اللهم اجعلنا ممن تشملهم الدعوات الزاكية لبقية الله (أرواحنا فداه) وعجّل اللهم على ظهوره.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  
2006/08/07

كلمته في مدراء الجمهورية الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيموالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين والسلام على جميع أنبياء الله المرسلين. قال الله الحكيم { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .في البداية أرحّب بالسادة المسؤولين وأشكر حضورهم هذا الاجتماع، خاصة الأعزاء الذين تجشّموا عناء الحضور رغم مشاغلهم الكثيرة وبُعد المسافة.إنّ الهدف من هذا الاجتماع ـ كما جرت العادة في السنوات الماضية ـ هو التذكير والنصيحة والمراقبة، فعندما أراجع نفسي أجدها بحاجة مستمرة إلى التذكير والنصيحة، وهكذا الحال بالنسبة لجميع المسؤولين بمختلف درجاتهم الوظيفية نحتاج باستمرار إلى مراجعة النفس والاستماع إلى النصيحة والتذكير والانتقاد؛ لعلّها تقرّبنا إلى الله تعالى فيمنحنا فرصة الإصلاح.إذاً، يجب على الجميع مراجعة النفس ومراقبة القلب؛ لحاجته الماسة إلى المراقبة أكثر من حاجة الجسم والبدن، ولأنها الوسيلة الوحيدة التي تنير القلب وتجعله مهبطاً لنزول الرحمة والهداية الإلهية.وإذا ما تركنا القلب يتعرّض إلى التأثيرات والرغبات المادية، فسنصاب بصفات خطيرة كالعجب والغرور والغفلة.الآية الكريمة: { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} جاءت في سورتين من القرآن الكريم هما الزمر والقصص، وتبيّن أنّ الإنسان عندما يمنحه الله تعالى نعمة، يغفل عن الله ويتصور أنه السبب في حصوله على هذه النعمة وهذه الفرصة. وتكررت هذه العبارة أيضاً بحق قارون، عندما اعترضوا عليه قائلين:إعلم أنّ هذه النعمة من الله تعالى، فابتغي ما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الحياة الدنيا، فأجاب قائلاً: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} ، أي أنا الذي حصلت على هذه النعمة بقدرتي وإمكاناتي الذاتية، وهذا عين الغرور بالنفس، وهو خطأ كبير يمكن أن نتعرّض له جميعاً.أما الآية الشريفة: { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} ، فهي تتحدث عن صفة شبيهة بالغرور بالنفس هي الغرور بالله تعالى، فيجب تجنّب هذه الصفة أيضاً. إذ جاء في أدعية الصحيفة السجادية: (فالويل الدائم لمن اغتر بك)، (ما أطول تردّده في عقابك)،(ما أبعده عن الفرج) ، فالغرور بالله تعالى يعني: سوء الظن بالله، وتوقّع الأجر دون القيام بعمل صالح يستحق الأجر، كقول الإنسان: إنّي عبد صالح وسأحظى حتماً برحمة الله ولطفه، وكاستغلال الإنسان لحلم الله للاستمرار بارتكاب المعاصي والذنوب.إنّ قول الإمام السجاد(ع): (فالويل الدائم لمن اغتر بك) يبيّن الغرور بالله تعالى، وهو عين ما ابتلى به بنو إسرائيل بعدما اختارهم الله على الأمم الأخرى، لكنهم ونتيجة لغرورهم بالله تعالى وتركهم واجباتهم التي كلّفهم الله بها، قال تعالى بحقهم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} .وهؤلاء هم نفس الذين وصفهم الله تعالى في آيات أخرى من القرآن الكريم أنهم شعب الله المختار بقوله: { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، لكن وبعد ارتكابهم المعاصي، غضب الله تعالى عليهم ، فقال{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ}، فكانت هذه نتيجة الغرور بالله تعالى.إذاً ينبغي علينا مراجعة النفس ومراقبة القلب وتطهيرهما من الذنوب؛ حتى نلتفت إلى مسؤولياتنا الجسام وعدم الغفلة عنها. وهناك أبواب واسعة لتحقيق هذا الأمر كالصلوات الخمس، والدعاء، وأداء النوافل، وصلاة الليل، إذ يمكن أن تصبح ـ إذا لم يتقاعس الإنسان عن أدائها ـ سبباً لسمو الإنسان وصفاء قلبه والبركة في عمله.أعزائي، نحن المسؤولون بحاجة إلى الالتزام بهذه المسائل أكثر من عامة الناس، وأعتقد أنّ مسألة الشكر من أهم الواجبات المعنوية التي يجب علينا الالتزام بها؛ لهذا رأيت أن أتحدث قليلاً عن هذه المسألة:إنّ الآية الكريمة من سورة إبراهيم: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} من الآيات المهمة جداً، وتتضمّن الترغيب والترهيب. فهي تشير إلى أنّ الشكر يوجب ازدياد النِعَم والبركات الإلهية، في حين يجلب الكفر العذاب الإلهي، ولا نجد في التاريخ استثناءاً واحداً لهذه السُنّة الإلهية. ويخطأ من يتصور وجود مثل هذا الاستثناء بقوله: إنّ الله تعالى لم يظهر شدة عذابه في المكان الفلاني، وهذا ناشئ من قصور في التحليل، إذ لو رجعنا إلى التحليل الصحيح لأدركنا عدم وجود استثناء لهذه السُنّة الإلهية.وإذا ما أردنا أن نحلل مسألة الشكر، فنقول أنه يرتكز على عدة أسس: الأول: معرفة النعمة والاهتمام بها؛ لأن عدم المبالاة بالنِعَم الإلهية يعدّ من أشدّ الآفات في حياتنا، فنحن لا نشعر بنعمة السلامة إلاّ بعد الابتلاء بالمرض وفقدان أحد الأعضاء، ولا نشعر بنعمة الشباب إلاّ بعد الابتلاء بالشيخوخة، ولا نشعر بنعمة الأمان إلاّ بعد الاحساس بالخطر، ويعود السبب في ذلك إلى قصورنا في تشخيص العمل الصحيح.فالكوفيّون لم يدركوا نعمة وجود أمير المؤمنين بينهم إلاّ بعد تسلّط الحجاج على رقابهم، وأهل المدينة لم يدركوا نعمة وجود أمير المؤمنين والإمام الحسن (ع) إلاّ بعد تسلّط مسلم بن عقبة عليهم، فأخذ بقتلهم واستحياء نسائهم، وإجبارهم على البيعة ليزيد والإقرار بالعبودية له، وقتل كل من يرفض إطاعة هذا الأمر، وحينها أدرك الناس نعمة حكومة أمير المؤمنين ونعمة حكومة الأمن والأمان، وحكومة احترام الناس وتقديرهم التي كانوا يعيشونها في زمن أمير المؤمنين(ع).الثاني: الاعتقاد بأن النِعَم لا تصدر إلاّ من الله تعالىالثالث: شكر الله تعالى على هذه النِعَم، من خلال الاحساس بالفقر والحاجة إلى هذه النِعَم الإلهية، لا الاعتقاد بوجوبها على الله تعالى.الرابع: الاستفادة من هذه النِعَم تدريجياً كارتقاء السلّم درجة بعد أخرى، أي إذا منحكم الله نعمة فهي بمثابة وضع قَدَمكم على الدرجة الأولى من السلّم، بانتظار ارتقاء الدرجة الثانية فإذا ما سنحت لكم فرصة ارتقاء هذه الدرجة أيضاً فهي نعمة أخرى، يجب الاستفادة منها والصعود إلى درجة أخرى من السلّم وهكذا..أما من تسنح له فرصة ارتقاء السلّم ولا يستفيد منها فقد جحد بالنعمة ولم يشكر الله عليها، كما أنَّ الشكر بهذه الأسس هو بحدّ ذاته نعمة إلهية عظيمة، وهذا ما يُبيّنه الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة:(... فأيُّ نِعَمِكَ يا إلهي أحصى عدداً وذكراً أم أيُّ عطاياك أقومُ بها شكراً وهي يا ربِّ أكثر من أن يحصيها العادون... أن لو حاولتُ واجتهدت مدى الأعصارِ والأحقابِ لو عُمِرّتُها أن أُؤدي شُكرُ واحدةٍ من أنعمك ما استطعت ذلك إلاّ بمنّك الموجب عَلَيَّ به شُكرُكَ أبداً جديداً..).أي أنّ شكر النعمة أيضاً نعمة أخرى تستحق الشكر وهكذا يستلسل الشكر إلى الأبد.إذاً الشكر نعمة أيضاً؛ لأنه أولاً: يؤدي إلى ذكر الله والتقرّب إليه، ويجعل الإنسان من الذاكرين. وثانياً: يمنحنا الصبر والثبات وهما من خواص الشكر، لهذا نقرأ في الدعاء المأثور: (اللهم إنّي أسألك صبر الشاكرين لك)، أي عندما تشكرون النعمة ستعرفون قيمتها وستدركون الهبة والقدرة التي منحها الله لكم، فتبث فيكم روح الأمل التي ستزيد الثبات والاستقامة عندكم.وهذا يعني أنّ من خواص الشكر ولوازمه الصبر، والقدرة على الثبات والمقاومة في الميادين الصعبة، وعدم الغرور. كما أنّ الله تعالى وعد الشاكرين بزيادة النِعَم، فقال: {لأزيدنكم} والله لا يخلف الميعاد. إذاً الشكر يزيد النِعَم، ويمثل الدرجة الأولى في السلّم الذي يوصل الإنسان إلى كماله النهائي، وهو واجب علينا جميعاً.أما الصفة المقابلة للشكر فهي كفران النعمة، إذ إنّ عدم الاهتمام بالنعمة والغفلة عن أصلها هو أحد الابتلاءات التي نتعرّض لها جميعاً، ومن كفران النعمة: إنكار النعمة، أو عدم الاعتقاد بصدورها عن الله تعالى، أو الغرور بالنعمة التي يهبها الله لنا؛ لأن الغرور يلازم السقوط، وعندما يصاب الإنسان بالغرور فسينتهي به الأمر إلى السقوط حتماً. ولهذا قال الله تعالى: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} .فالمجتمع الذي يتمتع بالنِعَم المعنوية والمادية الإلهية ثم يكفر بها، يذقه الله لباس الجوع والخوف؛ بسبب كفره بهذه النِعَم.أولاً، ما الذي يوجب الشكر علينا؟ لا يمكن إحصاء ذلك، إذ يقول الله تعالى: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} . عندما أصيبت يَدِي بالشلل، انتبهت إلى بعض الخصائص المرتبطة بها: فمثلاً أنّ حركة الأصبع هذه والتي تبدوا سهلة بسيطة ويمكنها أن تدير حولها ـ بسهولة ـ مسبحة أو شيئاً معيّناً، تبيّن حسب ما أخبرني به الأطباء أنها ناتجة عن سلسلة من الحركات والقابليات المتوالية في الإنسان، لكننا للأسف نغفل عن هذه النِعَم. فالإنسان يغفل عن هذه النِعَم العظيمة ولا يشعر بقيمتها إلاّ بعد فقدانه هذه النعمة التي يتصورها بسيطة عديمة الأهمية. ومن النعم التي تستحق الشكر: قدرتكم أنتم المسؤولون ـ بمختلف درجاتكم الوظيفية ـ على اتخاذ القرارات المناسبة على ضوء إيمانكم ورؤيتكم الإسلامية، واستقلالكم أمام السياسات الخارجية المختلفة، وارتباطكم الوثيق بالشعب، وحصولكم على فرصة تبوّءكم مناصب المسؤولية؛ لتتمكّنوا من خدمة الشعب، وزهدكم عن التطاول على الأموال العامة، وابتعادكم عن اقتراف الذنوب وتجنّبكم من الوقوع فيها، وهكذا يمكن أن نعدّ كثيراً من النِعَم الإلهية، لكنها لا تعدو سوى قليل من آلاف النِعَم التي منحها الله لنا، ولكننا نغفل عنها ولا نبالي بها.أما اليوم فأعتقد أنّ عزّتنا واستقلالنا الوطني هي أول النِعَم التي يجب أن نشكر الله عليها، فقد كانت بلادنا ومسؤوليها تأنّ تحت سيطرة سفراء انجلترا وأمريكا في اتخاذ القرارات المهمة؛ بل إنّ رؤساء الدول الثلاث المتحالفة في الحرب العالمية الثانية قاموا بتعيين رئيس للبلاد في ذلك الوقت؛ فَهُم ينصّبون أميني ويقيلون اقبال، ويأتون بفلان ويزيحوا فلان، يضعون الشخص الفلاني في الوزارة الفلانية أو يقيلونه منها.لقد كان الأجانب يسيطرون على مصير الشعب، فَهُم من يقرر بيع النفط للدولة الفلانية أم لا، أو دخول البلاد في المعاهدة الدولية أو الإقليمية أم لا، وبهذا الشكل سلبوا العزة والافتخار الوطني من المسؤولين في البلاد.ولهذا نعتقد أنّ عزّتنا واستقلالنا الوطني هي أول النِعَم الإلهية العظمى علينا، اذ لا يمكن لأي دولة في العالم أن تدّعي اليوم قدرتها على التأثير في نظامنا السياسي، أو أنها تستطيع بالتهديد والترهيب أن تؤثر في قراراتنا السياسية المهمة.النعمة الإلهية الأخرى في بلادنا: هي وجود هذه القابليات والاستعدادات الشبابية العظيمة، فما شاهدته من قابليات وتقدّم في مجال الطاقة النووية خلال المعرض الذي أقامه شبابنا المتعلّم في هذه الحسينية قبل عدة أيام، يثير فينا الفخر والاعتزاز حقاً، لكن أشد ما أثار اعتزازي وفخري هو وجود نفس هؤلاء الشباب المتعلّم المتديّن، إذ كان السيد آقازاده يُعرّفهم لي فيقول: هذا الشاب رئيس مجموعة، وهذا الشاب مسؤول عن مشروع عظيم في الطاقة النووية، وهكذا بشكل يثير الفخر والاعتزاز، فأين كان هؤلاء الشباب؟ نحن لم نستوردهم من الخارج؛ بل هم ثمرة هذه الأرض الخصبة بالفطرة الإنسانية، نموا وتربّوا في ظل مبادئ الثورة الإسلامية، وهناك المئات أمثالهم شاهدتهم بنفسي في مختلف مدن البلاد، مازالوا ينتظرون الفرصة المناسبة للتعبير عن قابلياتهم واستعدادهم، وعندما تسنح لهم مثل هذه الفرصة في بلدهم سوف لا يحتاجون بعدها إلى ترك البلاد.لذا فإنّي أعجب لأولئك الذين يجلسون يتباكون حول فرار الأدمغة وهجرة العقول؛ لأنّي لا أعتبرها مشكلة كبيرة؛ بل علينا أن نسمح للشباب بمواصلة دراستهم أينما شاؤوا؛ لأن أغلبهم سيعودون لا محالة إلى بلادهم؛ إذا ما وفّرنا لهم الإمكانات الجيدة وفرص العمل المناسبة لاستثمار طاقاتهم وقابلياتهم العلمية في بلدهم.پرى روتاب مستورى ندارد چو در بندى سراز روزن برآرد عندما توفّرون ملعباً مناسباً لكرة القدم أمام الشباب المستعد القوي، فإنهم سيمارسون هذه اللعبة وسيبدعون بها حتماً، لكن إذا لم توفّروا مثل هذا الملعب، فإنه سيفقد مهاراته في هذا المجال، أو يبحث عن ملعب آخر لممارسة كرة القدم؛ لهذا يجب علينا فسح المجال المناسب أمام الشباب المستعد للتعبير عن طاقاتهم وقابلياتهم، وبالفعل فقد فسح مثل هذا المجال، لكن مازالت أمامنا واجبات كثيرة سأتطرق لها لاحقاً.إذاً تعتبر هذه الإمكانات والقابليات من النِعَم الكبرى التي منَّ الله بها علينا، والتي يمكن مشاهدتها في بلدنا في كافة المجالات العلمية والإدارية وفي قواتنا المسلحة أيضاً.ومن النِعَم الإلهية الأخرى: روح الأمل والثقة بالنفس التي تسود كافة أفراد الشعب، إذ إنّ اليأس وفقدان الأمل عند أفراد الشعب سيؤدي إلى الجزع وانعدام الرؤية الصحيحة للمستقبل، وعدم تحمّل المشاق، والكسل في العمل؛ بل ويكون مانعاً من العمل أيضاً.في حين يتمكن الشعب الذي تسوده روح الأمل تحقيق التقدم، من خلال الطاقة التي يبثّها في المسؤولين؛ مما يدفعهم لتحقيق الأفضل والأكمل، وهذا ما يحصل اليوم في بلدنا حيث نرى بوضوح روح الأمل سائدة بين أفراد شعبنا، وهي نعمة إلهية كبرى تستحق الشكر والامتنان.ومن النعم الإلهية الأخرى نذكر: البيئة، والموارد الطبيعية، والفرصة التي اتيحت لكم لخدمة الشعب وإعمار البلاد، وسيادة الجو الديني والمعنوي في البلاد.فنحن لا ننسى بعض الأفراد ممن كان في السابق يعارض جميع الحركات الدينية بمختلف الوسائل والأساليب، وكانوا رغم اعتراض المسؤولين الكبار في الدولة، ورغم مخالفة رؤساء الحكومات السابقة، ورغم عقائد الشعب وإيمانه، يسعون إلى إيجاد جو وهمي كاذب يعارض الدين ويتناغم مع الثقافة الغربية.لكن الشعب تمكّن اليوم من المحافظة على هويته الفكرية والمعنوية والإيمانية في ثقافة البلاد، وهي من النِعَم الإلهية العظمى أيضاً.ومن النِعَم الإلهية العظيمة جداً: هي تشكيل هذه الحكومة التي تمكّنت بواسطة شعاراتها الأصولية من الوصول إلى السلطة في البلاد. وكذلك سيطرة الأحزاب التي ترفع الشعارات الأصولية على أغلب مقاعد المجلس، وهي نعمة أخرى تستحق الشكر أيضاً.وإذا ما حاولت رسم صورة عامة إجمالية عن الوضع الراهن في البلاد، بعيداً عن الإفراط في التفاؤل أو الإفراط في التشاؤم الذي يُبعّدنا عن الرؤية الصحيحة، أقول: نحن نمتلك نقاط إيجابية كثيرة، لكن في الوقت ذاته توجد لدينا نقاط سلبية كثيرة أيضاً، لذلك نحتاج إلى دراسة كل النقاط؛ حتى نتمكن من انتخاب الصحيح منها.إحدى نقاطنا الإيجابية: هي تراكم النجاحات والانجازات المتوالية التي حدثت في البلاد على يد الحكومات السابقة والحكومة الحالية أيضاً، وأنتجت هذه المجموعة من النجاحات إنجازاً عظيماً تفتخر به الجمهورية الإسلامية في كافة المجالات العلمية، والسياسة الخارجية.ونذكر من النقاط الإيجابية الأخرى: روح الأمل التي تسود بين أفراد الشعب وتبعث فيهم القوة والنشاط، ووجود الحكومة القوية القادرة على تقديم الخدمات، إضافة إلى المكانة الدولية المرموقة التي اكتسبتها الجمهورية الإسلامية، كما تشير إليها الأحداث والوقائع الحالية والتقارير التي تبثّها وسائل الإعلام المختلفة في العالم، ومن أبرز هذه الدلائل ما حدث في الزيارات الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى بعض دول العالم، وما حققته من نجاحات كبيرة أشادت بها مختلف وسائل الإعلام الدولية.ومن النقاط الإيجابية الأخرى: التقدم العلمي الحاصل في البلاد في كافة المجالات، لذا أسأل الله تعالى أن يمدّ شبابنا ومسؤولينا العاملين في هذه المجالات بالقوة والعلم؛ حتى يتمكّنوا من تحقيق الانجازات العلمية المهمة، وتقديم خدماتها للشعب؛ حتى يشعروا بمزيد من العز والافتخار.نذكر من النقاط الايجابية أيضاً: التقدم العلمي وتطوير أسس التنمية في البلاد والذي حصل نتيجة للجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومات السابقة. فاليوم تشهد البلاد مشاريع كبيرة لتطوير البنى التحتية في مختلف المجالات واستثماراً جيداً محسوساً لرؤوس الأموال في مجالات الاتصالات والحمل والنقل وغيرها.كما أنّ الاستقرار السياسي في البلاد يعتبر إحدى النقاط الايجابية أيضاً، إذ ساعد على إفشال كافة المؤامرات الخفية التي سعت إلى إشعال الفتنة الطائفية أو الفتنة القومية أو حتى الفتنة الطبقية بين أفراد الشعب، مما يدل على الاستقرار والهدوء الذي يسود هذا البحر العميق، بحيث أفشل كافة المخططات والمؤامرات الخفية والعلنية التي سعت إلى تهييج أمواجه وتلاطمها.ومن النقاط الايجابية المهمة نذكر: الانسجام بين السلطات الثلاث، إذ تشهد البلاد اليوم انسجاماً وحُسن ظن كبيرين بين السلطات الثلاث في البلاد المجلس والحكومة والسلطة القضائية؛ مما يؤثر إيجابياً على الوضع السياسي في البلاد، على عكس ما يمكن أن يحدث من وضع سيّئ لو كان المجلس يُسيء الظن بالحكومة، والحكومة لا تتعاون مع المجلس، والسلطة القضائية تشتكي منهما.لكن ولله الحمد، نشهد اليوم اتحاداً وانسجاماً واتفاقاً في الرؤى والسياسات بين الاتجاهات السياسية المختلفة، ونشهد تعاوناً ملحوظاً بين أجهزة الدولة المختلفة.في المقابل توجد لدينا نقاط سلبية ومشاكل أيضاً مثل، عدم توفير بعض احتياجاتنا الضرورية المهمة، إذ تعاني البلاد من مشاكل خطيرة تحتاج إلى حلول سريعة منها: مسألة البطالة وتوفير فرص العمل، وهي من المسائل المهمة التي طالما أكّدتُ عليها وقدّمتُ المساعدات الكبيرة للحكومات السابقة في هذا المجال، ولا تزال هذه المشكلة قائمة حتى الآن؛ إضافة إلى مشاكل أخرى لا يمكن إهمالها كالتضخّم والمناطق المحرومة، ومحاربة الفساد. فالفساد ينخر في جسد الاقتصاد كالشقوق الصغيرة في حوض الماء، فإنكم مهما حاولتم مدّ الأنابيب الكبيرة لملء هذا الحوض بالماء، فإنه لن يمتلئ بسبب التسرّب الحاصل من هذه الشقوق، وبدلاً من جمع الماء في الحوض حتى يمكن ايصاله للمكان المطلوب، فإنه يتسرّب ويذهب هدراً.نحتاج أيضاً توفير الحماية الكاملة إلى المستثمرين ورؤوس الأموال؛ حتى يمكن جذب الاستثمارات الكبيرة إلى البلاد، وتشجيع الأفراد على استثمار أموالهم في المشاريع المختلفة؛ لتساهم في تحقيق التقدم والنمو الاقتصادي في البلاد.المسألة الأخرى: تثبيت مكانة البلاد الدولية وتقويتها، إذ لا يمكن أن نضمن بقاء هذه المكانة المرموقة على حالها مهما تصرّفنا أو عملنا؛ بل نحتاج إلى تدبير وحكمة ورؤية دقيقة وسعي متواصل لتقوية هذه المكانة المرموقة وتثبيتها.من المسائل المهمة الأخرى التي ينبغي الاهتمام بها: هي تحسين صورة البلاد الثقافية، إذ يجب أن تتميز بنورانيتها وصيغتها الإسلامية التي تتطابق مع الأخلاق الإسلامية الفاضلة.وبالطبع، يمكن للحكومة والمجلس بشعاراتهما الأصولية، وشُكرهم للنِعَم الإلهية التي ذكرناها، وعملهم المتواصل، أن يزيدوا حجم هذه النجاحات ويقللوا تدريجياً حجم المشاكل التي تواجهنا.قلت سابقاً والجميع يؤكد هذا أيضاً: إنّ الدولة بسلطاتها الثلاث مجلس الشورى الإسلامي، والحكومة والسلطة القضائية، تدار اليوم طبقاً للفكر الأصولي الإسلامي، وهذا من النِعَم الإلهية العظيمة، لكن نريد أن نعرف ماذا يعني هذا الفكر الأصولي؟ وهو أمر مهم جداً.ولا أريد الآن تدوين هذه الأصول، لكني سأتطرق إلى أبرز ما نلتزم به منها.فالأصولية: لا تعني الفكر المقابل للاتجاهات السياسية الرائجة في البلاد، ومن الخطأ تقسيم السياسيين إلى أصوليين وإصلاحيين؛ لأن الأصولية ترتبط بجميع الأفراد المؤمنين بمبادئ الثورة والملتزمين بها، بغض النظر عن الاسم الذي يطلق عليهم.الآن نسأل ما هي هذه الأصول؟الأصل الأول: الإيمان والهوية الإسلامية والثورية والالتزام بها.إنّ تطبيق هذا الأصل يعتبر من أهم واجبات الحكومة، إذ لا يمكن القبول بعدم تدخّل الحكومة بإيمان الناس، كما يروّج البعض لهذا الفكر، فكيف يمكن لوزارة الصحة محاربة ظاهرة بيع الأدوية المزيّفة في السوق السوداء، في حين نمنع وزارة الثقافة من محاربة الفساد الثقافي والمروّجين لهذه الظاهرة في البلاد؟إنّ هذه المهمة تقع على عاتق أجهزة الدولة المختلفة كالإذاعة والتلفزيون، ووزارة الثقافة وغيرها، إذ على الجميع العمل على تقوية أسس الإيمان الصحيح والثابت في فكر شبابنا وأجيالنا القادمة، ونشر الإيمان البعيد عن الخرافة والعقائد الضعيفة، الإيمان الصحيح، الإيمان بالدين، الإيمان بالنظام الإسلامي، الإيمان بالشعب، الإيمان بالمستقبل، الإيمان بالذات، الإيمان باستقلال البلاد، والإيمان بالوحدة الوطنية، والإيمان الذي لا يثير التعصب الطائفي في مختلف المجالات.لقد أكدت كثيراً وأقول للجميع مرة أخرى: إنّ من الخطأ التحدّث عن الإيمان بالإسلام والإيمان بالمذهب، في حين نعمل في الوقت ذاته على إثارة الفتنة الطائفية والصراع الطائفي بين أفراد الشعب؛ بل على الجميع التمسّك بإيمانهم وعقائدهم مع فتح باب الحوار والنقاش والاستدلال والمنطق القوي لإثبات ما تعتقدون به دون تعصب أو إجبار: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فهذا منطق القرآن، لكني لا أعلم لماذا لا يفهم البعض هذا المنطق؟.ومن الواجبات المهمة الأخرى التي تقع على عاتق الحكومة والنظام الإسلامي في هذا المجال: العمل على نشر الهوية الإسلامية بصورة شفافة ومتميزة في العالم الإسلامي، لنرسم نموذجاً متميزاً أمام الشعوب الإسلامية يحفّزها على نشر التديّن البعيد عن الخرافة، وتشجيع روح البحث والتجديد في المصادر الإسلامية.فالبعض يظن بعدم إمكانية التجديد في الدين، على رغم ما تزخر به مصادرنا الإسلامية من علوم عظيمة، لم ننهل منها حتى الآن إلاّ القليل؛ مما يتطلب منّا السعي لطرح أفكار وبحوث جديدة في مختلف المجالات، وبذل الجهود العظيمة لدراسة القرآن الكريم هذا البحر العظيم الممتلئ بحقائق وأسرار هذا العالم، والتي نعجز ـ حتى الآن ـ عن فهمها وإدراكها، وتشجيع الفكر، واستنباط الحقائق القرآنية، وتجديد الفكر وطرح الأفكار الحديثة وعرضها أمام العلماء والمفكرين الإسلاميين.وبالطبع، يجب أن تطرح هذه المسائل من قِبَل المتخصصين بأسلوبها ومنطقها الخاص، إذ لا يمكن نشر أي فكر بعيداً عن أسلوبه الخاص وبعيداً عن المتخصصين بهذا الفكر أو الفن، فكيف يمكن توقّع التجديد من غير المتخصصين لهذا الفن كأن تطلب من شخص لا يفهم الموسيقى أن يُعِدَ لنا قطعة موسيقية جديدة؟إذاً يجب أن يتولّى هذه المهمة العلماء والمفكرون العارفون بالكتاب والسنّة. وعلينا أيها الإخوة أن نحمل راية الأخوة الإسلامية إلى جميع الشعوب الإسلامية، ونعمل على نشر الفضائل والأخلاق الإسلامية وتقويتها في المجتمع مثل: التعاون، التسامح، المساعدة، الصبر، والحلم. وهذا يمثل الأصل الأول، أي الإيمان والهوية الإسلامية والثورية.عندما نتحدث عن الإسلام والإيمان، يتصور البعض أننا نروّج لفكر متحجّر يرفض التعامل مع الآخرين، ويُخطّئ كل فكر أو منطق آخَر، كالفكر الذي تروّج له المجاميع المتطرفة في أفغانستان أو المجاميع الإرهابية في العراق، التي لا تعترف إلاّ بأفكارها وعقائدها وتكفّر جميع المسلمين في العالم، وتشيع فكر القتل والسبي والتشريد. كلا، إنّ هذا الفكر لا يمثل الفكر أو المنطق أو الأسلوب الذي تروّج له الجمهورية الإسلامية في إيران؛ بل نحن نقدّم للعالم رسالة خاصة مِلء سطورها بالأفكار المتجددة والحديثة مفكرون مجددون أمثال الإمام الراحل(قدس سره) في كافة المجالات حتى الفقهية منها، حتى إنكم تشعرون بعمق تأثير هذه الرسالة على الشعوب الإسلامية عندما يتصفّحونها ويتذوّقونها كالشهد، والسبب يعود إلى الاستعداد والذوق والفهم والحكمة الإيرانية التي تعطي ثمارها بهذا الشكل إذا ما اجتمعت لتفسير الدين وبيان عقائده.الأصل الثاني: العدالة، التي تمثل الأساس الذي تقوم عليه فلسفتنا الوجودية، إذ من الخطأ التفكير لسنوات طويلة بتحقيق النمو الاقتصادي في البلاد، ثم نعود للتفكير بتحقيق العدالة؛ بل يجب أن يتزامن التخطيط لتحقيق النمو الاقتصادي مع التخطيط لتحقيق العدالة في المجتمع.لكن نسأل ما هي العدالة؟ بالطبع يمكن أن يختلف الأفراد أو التيارات الفكرية في تعيين معنى العدالة، لكنهم سيتفقون حتماً على بعض مصاديقها ومنها: تقليل الفوارق الطبقية، تكافؤ الفرص، تشجيع المصلحين ومحاسبة المتجاوزين على الثروة الوطنية، تطبيق العدالة في إدارة مرافق الدولة كالعزل والنصب، وإصدار الأحكام، وإبداء الرأي ، والاهتمام المتساوي بجميع مدن البلاد الفقيرة منها أو الغنية، التوزيع العادل للثروة الوطنية، الاعتراف بالثروة الوطنية ملكاً لجميع أفراد الشعب.إذاً العدالة أحد الأصول وتحتاج إلى بعض الشروط المهمة، منها: أولاً: الحزم، وثانياً: تقوية الارتباط مع الشعب وثالثاً: زهد العيش وبساط التعامل مع الناس ورابعاً والأهم: تربية النفس وتهذيبها، إذ يجب علينا أولاً تربية النفس وإصلاحها؛ حتى نتمكن من تطبيق العدالة في المجتمع. ومن واجباتها الأخرى، محاربة الفساد والمفسدين في المجتمع.الأصل الثالث: المحافظة على استقلالنا السياسي، وهو من الأصول المهمة، وأحد الأهداف الأساسية والاقتصادية والثقافية، كما يجب علينا السعي لتحرير أنفسنا من أسر الأخطبوط الثقافي الغربي الذي أخذ يثقل كاهلنا. وعلى هذا الأساس جميع الحركات والاتجاهات والشعارات والبرامج التي لا تدعوا إلى استقلال البلاد، لا يمكن اعتبارها ضمن التيارات أو الشعارات الأصولية.الأصل الرابع: تقوية الثقة بالنفس والعزة الوطنية، وهذه الثقة بالنفس يجب أن تسود في جميع المجالات، فمثلاً في العلوم التطبيقية شاهدنا نماذج مهمة منها: التقدم الحاصل في مجال الطاقة النووية، وإنتاج الخلايا الحية، بالإضافة إلى إنجاز الكثير من المشاريع الجيدة في المجالات العلمية الأخرى ـ ولا أريد التصريح بها الآن قبل موعدها ـ وهي من المشاريع التي تخدم التقدم العلمي البشري.ولا يقتصر عامل الثقة بالنفس والعزة الوطنية على هذه الأمور كأن نتمكن من إنشاء سد أو بناء محطة كهربائية أو نقوم بإنجاز بعض المشاريع الكبرى بإمكاناتنا الذاتية دون الاستفادة من المساعدات الخارجية بل يجب أن يشمل مجالات أخرى كالسياسة، والفلسفة، والإبداعات الشعبية، والقيم الأخلاقية.فمثلاً في بعض الدول يقوم البعض بأداء حركات بلهاء عند ممارسته لمصارعة الثيران في الشوارع، وتزهق فيها عدد من الأرواح أيضاً، لكنهم لا يخجلون من هذه الأعمال؛ لأنهم يعتبرونها عرفاً وطنياً! فبرغم خطأ عملهم، لكن ثقتهم بنفسهم واعتزازهم بتقاليدهم الوطنية يستحق التقدير.الآن لو افترضنا وجود سنّة إسلامية أثبتنا صحّتها بالمنطق والأدلة الصحيحة، فلا يجب علينا أن نخجل من القيام بها، ولا أريد هنا ذكر بعض الأمثلة على هذا الموضوع، لكن توجد بعض الموارد ليس من المصالح ذكرها في هذا المقام؛ فمن الممكن أن نجد بعض الجزئيات في بعض المسائل، لكن يمكن أن نجد أمثلة كثيرة على هذا الموضوع.في القيم الأخلاقية: الصراع الثقافي المستمر مع الفشل المزمن المفروض على هذه البلاد منذ عدة عقود، فقد كان السياسيون الكبار والمسؤولون عن الثقافة في البلاد في حقبة تاريخية معيّنة، يصرّحون بوقاحة تامة وبصوت واحد: إنّ الحل الوحيد لإنقاذ إيران من الجهل والتخلّف يتمّ بنشر الثقافة الغربية فيها. هذا ما كان يصرّح به السياسيون الأوائل ودعاة التجديد الفكري في فترة الحكم القاجاري والبهلوي، أما البعض فَلَم يصرّحوا بهذا الأمر، لكنهم نفّذوه عملياً، وبالتالي تحوّل هذا الأمر تدريجياً إلى مرض مزمن في المجتمع. لذا يجب علينا التصدّي لهذا المرض ومحاربته.الأصل الخامس: الجهاد العلمي، وهو أحد المبادئ الأساسية في الحركة الأصولية.وقد أكدت منذ عدة سنوات على ضرورة فسح المجال أمام الابتكار العلمي في البلاد. وعندما التقي بالجامعيين والشباب ـ كانوا غالبا ما يتحدثون وأنا استمع لهم ـ كنت أشعر بالسعادة عندما أسمعهم يؤكّدون على مسألة الابتكار العلمي وارتباط العلم بالصناعة، ويطلبون دعم الحكومة في مجال الابتكار والإبداع العلمي. أنا سعيد بهذا الكلام الذي أصبح عرفاً في الجامعات؛ لأنه يعبّر عن رأينا في هذا الموضوع، لكنه غير كاف؛ إذ يجب علينا السعي المتواصل لإنجاز المشاريع الكبرى. فمثلاً يمكنكم بالاعتماد على قدراتكم الذاتية ودون مساعدة الآخَرين أن تصنعوا داخل البلاد طائرة اخترعها الآخَرون قبلكم وقاموا بتصنيعها، هذا عمل كبير جداً؛ لأنه أفضل من شراء طائرة مصنوعة، لكن الأفضل منه أن تسعوا إلى ابتكار شيء جديد يضاف إلى مجال صناعة الطائرات في البلاد، فهذا ما نحتاجه الآن، ابتكار شيء جديد يضاف إلى ثروة البشر العلمية، وهو ليس بالأمر المستحيل، إذ لم يكن البشر يعرفون شيئاً عن علم الجزئيات، لكنهم الآن يعرفون الكثير عنه.اليوم أيضاً توجد مئات المجالات التي لم يكتشفها البشر حتى الآن، يمكن الغور فيها واكتشاف أسرارها، وبالطبع يحتاج هذا الأمر إلى مقدمات خاصة، يمكن توفيرها بالعمل الدؤوب.لقد قلت ذات مرة أمام بعض الشباب والجامعيين: إنّي لا أتوقّع الكثير عندما أطلب من المتصدّين للواقع العلمي في البلاد أن يجعلوا بلدنا في مصاف الدول المتقدمة علمياً، فهل هذا توقّع كبير من شعب يمتلك كل هذه الإمكانات والطاقات؟ لكن إذا ما أردنا تحقيق هذا الهدف، فعلينا أن نبدأ من الآن بالعمل الجِدّي والسعي المتواصل وعدم الغفلة وعدم الوحشة من صعوبة الطريق، وفسح المجال أمام الطاقات والاستعدادات، وتربية النخب العلمية والمبدعين.فنحن لا نختلف كثيراً عن الدول المتقدمة في كثير من المجالات العلمية ومنها المجالات التي ذكرتها، مما يتطلب منّا مضاعفة السعي لتقليل الفاصلة بيننا وبين الدول المتقدمة في هذه المجالات. وهذه المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لتفسح المجال أمام الشباب المتعطّشين للعلم والعمل والإبداع، وتوفّر الامكانات اللازمة لهم لتحقيق التقدم العلمي.ولله الحمد، وبعد أن كانت البلاد قبل الثورة الإسلامية تعاني من شحّة الأساتذة، لدينا اليوم الكثير من الأساتذة المبدعين تربّى معظمهم وتعلّموا في وطنهم وبين أفراد شعبهم.الأصل السادس: إشاعة أجواء الحرية وحرية الفكر وتقويتها في البلاد.إنّ الحرية ومنها حرية الفكر تُعدّ من أعظم النِعَم الإلهية، إذ لا يمكن بدونهما تحقيق النمو الاجتماعي والتقدم العلمي والفكري والفلسفي في البلاد؛ لذا لا ينبغي علينا تعريف الحرية بمعناها الخاطئ والسيّئ.إنّي اعتقد أنّ من أكبر الأخطاء التي تواجهنا اليوم، ما نشاهده في الحوزات العلمية والجامعات والتجمّعات الثقافية من استهزاء وسخرية على كل من يطرح أفكاراً أو مقترحات جديدة، إذ من المفروض أن نسمح لجميع الأفراد للتفكير بحرية.وبالطبع فإنّي لا أؤيّد المعنى الخاطئ للحرية ولا أؤيّد فسح المجال أمام الأعداء حتى يتمكّنوا من بثّ سمومهم في الوسط الثقافي والسياسي في البلاد، وأرفض ما يطلقون عليه الانقلاب الأبيض الذي صرّح به الأمريكيون أنفسهم وبعض عملائهم في الداخل قبل بعض سنوات، لكن هذا الأمر لا علاقة له بمسألة توفير أجواء الحرية وفسح المجال أمام تبادل وطرح الأفكار الجديدة، وتوفير الأجواء المناسبة لتحقيق التقدم العلمي؛ مما يتطلب منّا التميّيز الصحيح والشفاف بين هذين الأمرين وتعيين الحد الفاصل بينهما.إذاً الحرية وحرية الفكر تعتبر أحد المبادئ الأساسية للحركة الأصولية.الأصل السابع: إصلاح المناهج والأساليب وتصحيحها: وهو أحد مبادئ الحركة الأصولية أيضاً.في السنة الماضية وأثناء سفري لمدينة كرمان، التقيت ببعض الشباب والجامعيين فقلت: إنّ الاصلاحات الأصولية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأصولية الإصلاحية. فالإصلاحات التي يدعوا البعض إلى تطبيقها في البلاد وتنسجم مع المعايير الأمريكية، تشبه الاصلاحات التي كان رضا خان يدعو إلى تطبيقها وكانت أبرز شعاراته طيلة فترة حكمه، فارتكب في ظلها أبشع الجرائم في البلاد، كما تشير إليها المستندات التي عثر عليها من تلك الفترة، حتى إنّ الحكومة كانت تعزل الأفراد من مناصبهم بتهمة معارضتهم للإصلاحات، وتنصّب آخَرين في مناصب رفيعة؛ بسبب تأييدهم لهذه الاصلاحات.إنّ هذه الإصلاحات التي تنسجم مع معايير رضا خان والمعايير الأمريكية، لا يمكن قبولها ولا تعتبر إصلاحات بل هي مفسدات.لقد أكّدت قبل ثلاث أو أربع سنوات في خطبة صلاة الجمعة وغيرها من المناسبات، على ضرورة تنظيم الإصلاحات وتطبيقها؛ لتنسجم مع القيم والمعايير الإسلامية والوطنية، وأهم هذه المعايير هو مطابقتها للدستور. وعلى هذا الأساس نحن بحاجة إلى تطبيق الإصلاحات، وتصحيح المناهج والأساليب، وتصحيح الأهداف بما يتناسب ومقتضيات المرحلة، وتصحيح الأحكام والقرارات، وعدم الإصرار على القرارات الخاطئة. وهذا يختلف عن معارضة الدستور، ومعاداة الإسلام والعمل ضد استقلال البلاد.الأصل الأخير ـ وهو ليس الأخير في القائمة التي أعددتها ـ الازدهار الاقتصادي، والاهتمام برفع المستوى المعيشي للناس، وتحسين اقتصاد البلاد؛ وهذا يتطلب توفير الحماية للاستثمارات ورؤوس الأموال، وتشجيع الإبداع في العمل، وترويج الصناعة المحلية، ومحاربة عمليات التهريب والفساد، والاهتمام بمشكلة البطالة وتوفير فرص العمل، والعمل على تثبيت القوانين والسياسات في المجال الاقتصادي والمحافظة على شفافيتها وانسجامها، إذ لا فائدة من تغيير القوانين الاقتصادية باستمرار؛ بل يجب أن تتميز بالثبات والاستقرار؛ حتى يتمكن المواطنون من تنظيم أمورهم على ضوئها، وبالانسجام فيما بينها وشفافيتها ووضوحها. ومن الوظائف الأخرى المهمة لتحقيق الازدهار الاقتصادي الوطني: هي التسويق العالمي للبضائع المحلية والصادرات الوطنية، وتقديم المعلومات الكاملة عن المشاريع والبرامج الاقتصادية في البلاد، وبالطبع يجب أن لا نغفل عن الاهتمام بالبرامج الأساسية الإستراتيجية للبلاد والتي ستزداد حاجة البلاد إليها في السنوات القادمة مثل: توفير المخزون المالي الجيد من العملة الصعبة؛ لنتمكّن من مواجهة الصدمات الاقتصادية والمالية، وإيجاد مصادر الانتاج والاستثمار، ووضع البرامج الاستراتيجية لتوفير المياه والطاقة وتوزيعهما في البلاد. كما يجب الاهتمام بمسائل أخرى تعتبر جزءاً من برنامج الازدهار الاقتصادي في البلاد ومنها: الاهتمام بالتعاون الإقليمي كما يحصل اليوم ضمن منظمات اكو وشانغهاي، والاستفادة الصحيحة من النفط إذ يقول الخبراء الاقتصاديون في هذا المجال ـ حسب الأرقام والإحصائيات التي طرحوها ـ: إنّ الخمسين أو الستين مليارد دولار الحاصلة من بيع النفط، توفّر حوالي تسعمئة مليار دولار من الصادرات والمعاملات والعقود التجارية، وهو أمر مهم جداً إذ من الخطأ أن يقتصر صرفنا لإيرادات النفط على متطلبات حياتنا اليومية فقط؛ لأن هذا يعتبر هدراً للثروة النفطية.وللأسف فإن اقتصادنا الوطني قام على هذا النهج الخاطئ لعقود طويلة؛ لذا من الصعب تغييره بين عشيّة وضحاها. قبل عشر أو اثني عشر سنة قلت للمسؤولين: إنّ المواطن لن يشعر بالرضا بشأن النفط إلاّ إذ تمكّنت الحكومة يوماً ما أن تتعامل مع هذه القضية بما يتناسب مع مصالحها الوطنية، كأن تعمل على تقليل انتاج النفط إلى مستوى مُعيّن، أو تعمل على غلق بعض آبار النفط، أو تعمل على تقليل صادرات النفط للاستفادة منها في مجالات أخرى غير الوقود ـ الذي يعتبر أسوأ أنواع الاستفادة من النفط ـ لأن العالم بدأ يكتشف مجالات كثيرة للاستفادة من النفط أفضل من استخدامه كوقود.تواجهنا أيضاً تحدّيات كبيرة مفروضة علينا، بعضها داخلي ظهرت نتيجة ضعفنا، وبعضها خارجي. وبعيداً عن المجاملات، فإننا نعتقد وبدون تردد أنّ أمريكا هي السبب الرئيسي في كثير من التحدّيات والأزمات الخارجية التي تواجهنا اليوم.فقد خططت أمريكا والغرب منذ القرن التاسع عشر ووضعت البرامج طويلة الأمد؛ للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، لكونها منطقة مهمة تفصل بين البحر الأبيض المتوسط المحاذي للدول الاستعمارية الغربية، وبين منطقة المحيط الهندي المحاذي لمستعمراتها، ولهذا السبب تعرّضت إيران في القرن التاسع عشر إلى ضغوط شديدة من قِبَل بريطانيا وأصبحت كبش فداء لحماية الهند التي كانت آنذاك جزءاً من بريطانيا، ثم عمّمت أمريكا هذه السياسة على جميع منطقة الشرق الأوسط.ومما زاد من تشديد هذه السياسة الغربية في المنطقة أسباب كثيرة منها: ظهور إسرائيل، واكتشاف النفط، وتقسيم ممتلكات ومستعمرات الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وظهور الاتحاد السوفياتي. وفي خضم هذه الأوضاع المعقّدة في المنطقة، وفي ظل المخططات والبرامج التي وضعتها أمريكا للسيطرة على هذه المنطقة الحساسة والإستراتيجية جغرافياً وسياسياً، إضافة إلى وجود النفط فيها، ظهرت فجأة دولة تحت شعار الجمهورية الإسلامية وتحمل أهدافاً أصولية تعارض الأهداف والسياسات الأمريكية الظالمة، مما زاد من حساسية أمريكا وعصبيتها.يقول البعض: لماذا تتزمّتون في مواقفكم مع أمريكا؟ أقول: الشعب هو الذي يتزمّت في مواقفه، وأنتم من يتزمّت في مواقفه؛ لأنكم أسستم الجمهورية الإسلامية، فماذا نفعل حيال ذلك؟ إنّ أمريكا هي من بدأ العداء مع الجهورية الإسلامية، إذ قامت في السنوات العشرة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية بتدبير المؤامرات ووضع الخطط المعادية لإسقاط الثورة من خلال الحرب المفروضة والحصار الاقتصادي، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها المشؤومة؛ لأن كلاهما أفاد الشعب الإيراني من جهة معيّنة، فالحرب المفروضة جعلت الشعب أكثر تصميماً وقوة، إذ تحوّلت الغيوم السوداء التي غطّت سماء البلاد أيام الحرب إلى أمطار نافعة، والحصار الاقتصادي دفعنا للتفكير بالاعتماد على أنفسنا؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات كثيرة، فجلب إلينا الكثير من الخير والبركة..وبعد ذلك سعت أمريكا إلى القيام بالانقلاب الأبيض أي الغزو الثقافي؛ لكنها فشلت أيضاً، وبالتالي وبعد سنوات طويلة أصبحت إيران دولة قوية تحمل شعارات أصولية لم تفلح معها جميع المؤامرات حتى الغزو الثقافي، لكن ما زلنا نتوقّع مؤامرات أخرى جديدة، يجب التصدّي لها وحماية أنفسنا منها، من خلال الاتحاد والإيمان والتسلّح بالعلم والعقل.وإنّي أؤكد مرّة أخرى أنّ النجاح والتقدم وحل جميع المشاكل وتجاوز الصعوبات وفتح قمم المجد، لا يتحقق إلاّ بالمثابرة والوعي واتحاد الكلمة واستثمار جميع الفرص السانحة.لقد دوّنتُ بعض التوصيات في مجال الإدارة وحول المسؤوليات الملقاة على عاتق المسؤولين والمدراء، أردت طرحها في هذا اللقاء، لكن الوقت لم يسمح لنا بذلك، لذا سأوكل التطرّق إليها إلى فرصة أخرى إن شاء الله.أما بالنسبة لقضايا الساعة فقد تحدّث الدكتور أحمدي نجاد عن الطاقة النووية والعلاقات الأوروبية، وهي المسائل التي تطرق إليها السادة الحاضرون أيضاً.اللهم اجعل كل ما قلناه وما سمعناه ابتغاءً لمرضاتك، واقبله منّا بكرمك.اللهم ارض عنّا واقبل منّا سلوكنا وأعمالنا.اللهم ونجنا من هول يوم القيامة، ووفقنا للإجابة عما سنسأل عنه يوم البرزخ.اللهم وأنر قلوبنا بنور معرفتك وهدايتك، اللهم وقرّبنا منك أكثر فأكثر، وقوّ أواصر المحبة والوئام بيننا وبين شعبنا أكثر فأكثر..والسّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته‏ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
2006/06/18

كلمته في عددمن مخرجي السينما

بسم ‏اللَّه ‏الرّحمن ‏الرّحيم‏كان هذا اللقاء مفيداً ومثمراً جداً بالنسبة لي، استفدت فيه كثيراً من كلام الأصدقاء وحديثهم، وتمكّنت من تدوين بعض المقاطع المهمة من كلامهم.وهذا الحديث يحتاج حتماً الى جمع وتنظيم سيتكفّل به الإخوة؛ حتى نتمكن ـ إضافة الى زيادة معلوماتنا في مجال السينما ـ من تحديد الخطوات المناسبة للنهوض بالواقع السينمائي في البلاد، ورفع بعض الموانع والصعوبات التي تواجهه.كما استفدت من الاختلاف في وجهات النظر حول الواقع السينمائي، الذي لا اعتبره دليلاً على مظلومية السينما ـ كما أشار السيد رئيسيان ـ بل أراه علامة على اختلاف في الرؤى قد يصل أحياناً الى 180 درجة، لكن في الوقت ذاته يعتبر الجميع نفسه مسؤولاً وحريصاً على السينما ويطالب بحقوقها، وهو من وجهة نظري أمر مطلوب وجيد.وبالطبع كنت أعلم ـ وسمعت ذلك قبل عدة سنوات ـ عن وجود مثل هذا الاختلاف في وجهات النظر حول النهج والأسلوب المتّبع في مجال السينما، وكما هو واضح في كلام الأصدقاء، لكن ما يتفق عليه الجميع في كلامهم وما أعتقد به أيضاً، هو ضرورة الارتقاء بالواقع السينمائي في البلاد.منذ بداية الإعداد لهذا اللقاء، كنت أسعى لتحقيق هدفين:الأول: تجليل السينمائيين وتكريمهم، أو في الواقع تكريم الفن السينمائي في البلاد، إذ إنّي أرى في هذا اللقاء وما يمكن أن يمثله في الخارج تكريماً لفن السينما وفنّانيها، وأودّ أن يشيع هذا الشعور في البلاد وأن يدرك الجميع ضرورة السينما وأهميتها.فلكل شخص هدف محدد ونهج خاص وتوقّع معيّن، لكن الجميع يتفق على ضرورة هذا الفن المعقد والمتميز جداً وعلى أهميته للبلاد.أما الهدف الثاني: فكنت أودّ الاستماع الى آرائكم وقد تم هذا الأمر ولله الحمد، وفي الواقع كنت أفضل الاستمرار بالاستماع الى كلامكم ووجهات نظركم في الوقت المتبقي من اللقاء.اليوم قبل هذا اللقاء، سنحت لي قبل الظهر فرصة ساعتين أو ثلاث ساعات تمكّنت خلالها من الاطلاع على بعض التقارير التي أعدّها المسؤولون وبعض الأخوة الحضور أمثال السيد مجيدي وغيره من الأصدقاء، ودوّنت منها بعض المعلومات المفصلة، التي اتمنى إن شاء الله الاستفادة منها بشكل جيد.على كل حال اطّلعت على آراء الأصدقاء.النقطة الأولى التي أود طرحها: هي قلق كثير من الأصدقاء من عدم الإحساس بالأمن، أو القلق من عدم الأمن، أو توهّم عدم الأمن في عملهم، حتى إنّي أشعر بوجود هذا القلق عند كثير من الحضور.وفي الواقع أنا لا أرى سبباً لهذا القلق، إذ من الممكن أن أشاهد فلماً وأستحسنه، لكن قد أعترض على فِلم معيّن سواء كان فِلماً تلفزيونياً أو سينمائياً ـ من خلال الأفلام التي يجلبها لنا أحياناً الأخوة لمشاهدتها ـ لكننا في هذا الاعتراض لا نتّهم المخرج ولا نحمّله سبب ذلك؛ لأن حدوث الخطأ في أهداف الفلم يعود لأسباب عديدة، قد يكون أحدها دور المخرج، الذي سأتطرق إليه أكثر لاحقاً؛ فنحن إذا ما شعرنا أنّ المخرج لا يتمكن من إيصال معرفة عميقة وصحيحة في فِلمه، علينا أن نعرف كيفية إلقاء هذه المعرفة في قلب هذا المخرج؛ حتى يتمكن من عكس مكنوناته القلبية في الفِلم.إذ إنّ الفنان لا يمكنه أن يعبّر عن شيء في فنّه ما لم يفهمه ويدركه ويشعر به؛ لأن الفن ليس شيئاً صناعياً حتى يمكن إضافة شيء له، وهكذا الحال بالنسبة لإنتاج الفِلم، فمنتج الفِلم والمخرج خاصة يعكس في فِلمه معرفته الداخلية؛ مما يفرض علينا معرفة كيفية إلقاء هذه المعرفة الداخلية ـ بالشكل الذي يستحسنه المشاهد ـ في قلب المخرج، ولماذا يحصل هذا؟أتذكر قبل الثورة أنّ بعض الشعراء دُعوا للاشتراك في مراسم شعرية، وكان من بين المدعوّين شاعراً شابّاً ذو قابلية شعرية ممتازة، لكنه لم يكن يعرف شيئاً عن الموضوع الذي ينبغي أن يكتب عنه، فقام أحد الأصدقاء بشرح هذا الموضوع له لمدة خمس أو ست ساعات، تمكّن بعدها هذا الشاعر بقابليته الشعرية الممتازة كتابة قصيدة طويلة وبليغة جداً حول الموضوع. فهل حاولنا مساعدة هؤلاء المنتجين والمخرجين وحتى الممثلين في فَهْم المعارف والقيم الإسلامية ـ التي أعتقد أنّ السينما عندنا تفتقر إليها ـ لكي يعبّر عنها في عمله، ولم يفعل؟ عندما أعيد النظر في عملي وعمل حوزاتنا العلمية ومؤسساتنا الثقافية، أجد أننا لم نقم بواجبنا جيداً في هذا المجال، وكما قال الشاعر:هر بلايى كزآسمان آيد گرچه برديگرى قضاباشدبه زمين نارسيده من گويند خانه آنورى كجا باشد وعليه من الخطأ لوم المخرج ومحاسبته لماذا فعلت هذا الأمر؟ لذا فإنّي أوجّه خطابي الى وزارة الثقافة، ومؤسسة التبليغ الإسلامي، والحوزة العلمية، والمفكرين في المعارف الإسلامية، والمعارف العرفانية، والحكمة المتعالية وغيرها، وأسأل: ماذا فعلتم حتى الآن لنشر هذه المعارف والقيم بين هؤلاء الفنانين المتميزين؟ فإن لم تفعلوا شيئاً في هذا المجال، فلا يمكن أن أتوقّع الكثير من المخرج، ولا من هذا الفنان المتميز أن يقدّم فنّاً متميزاً يعبّر عن هذه القيم الإسلامية بالمقدار الذي أطمح إليه؛ لهذا فإنّي أرفض تحميل مخرجينا سبب هذا القلق وعدم الاطمئنان، وإذا وجد حقاً فهو باطل وظالم وفي غير محله.أيها الأصدقاء، أيها الأخوة والأخوات، أودّ كرجل دين أن أطرح عليكم بعض النقاط المهمة، وبالطبع لا أعتقد أنكم تتوقّعون منّي ـ ولن أقع في مثل هذا الاشتباه ـ أن أتحدث معكم كخبير في مجال السينما؛ لأن أقصى ما يمكن لأمثالي هو التحدّث كمشاهد أو مستمع جيد، وأترك الحديث على مستوى الخبراء اليكم والى المسؤولين في مؤسساتنا الثقافية.لكني أستطيع على الأقل كرجل دين أن أطرح عليكم بعض النقاط المهمة في نظري.إنّ السينما ـ كما قلتم ـ من الفنون السامية والمتميزة، وهو فن روائي جيد ـ حتى إننا لم نجد فنّاً روائياً تمكّن من عرض الحقائق بالواقعية التي تعرضها السينما ـ وفن معقد ومتطور وراقي.لذا ينبغي عليكم الاستفادة من نافذة السينما وما تبثّه من نور يخترق الجدران؛ لترويج المعارف والقيم.إنّ أهمية هذا الفن سترفع من مسؤولياتكم أيضاً. وهنا أودّ أن أطرح هذه النقطة: إنّ مسؤوليتكم بلا شك ـ وكما قال الأصدقاء ـ مسؤولية كبيرة جداً، لكن لم يجبركم أحد على ولوج هذا الفن وتصبحوا مخرجين أو سينمائيين؛ بل هي رغبتكم واستعدادكم الذي دفعكم لولوج هذا المجال، وعليه يجب عليكم تحمّل هذه المسؤولية الكبيرة، وتتركوا الأثر المناسب عند المشاهدين. فأنا عندما أتكلم مع رجل دين أو خطيب أو كاتب في المسائل الدينية ـ الذي يعتبر أيضاً مُبلّغاً للحقائق والمعارف الدينية ـ وأطلب منه أن يهتمّ بكلامه وينتبه لاصطلاحاته ومواضيعه التي يطرحها لتتناسب مع المكان والزمان، أو أقول له: قلت كلاماً هنا لا ينبغي قوله، أو لم تقل كلاماً كان عليك قوله، فإنّي أحمّله المسؤولية أمام الله تعالى إذا كان كلامه سبباً في فقدان أحد الشباب لإيمانه، أو كان سبباً في سوء فهمه لإحدى الحقائق الدينية.فما أريد قوله: إنكم أيها الأخوة تملكون فنّاً متميزاً ومؤثراً جداً، مما يفرض عليكم مسؤولية كبيرة جداً، ومضاعفة قد تصل الى عشرات المرات أو أكثر؛ لأنكم تدركون الفارق الكبير بين التأثير الذي يتركه الفِلم الجيد على المشاهد وبين ما يطرحه الخطباء على المنبر.أيها الأخوة يمكنكم أن تكونوا مروّجين للأخلاق، ويمكن العكس أيضاً. ويمكنكم أن تبثّوا في روح شبابنا الصبر، والأمل، والرغبة، والدافع، والسلامة، والأخلاق وكل ما يحتاجه المجتمع للتقدم.كما يمكنكم أن تبثّوا في روح الشباب اليأس بدلاً عن الأمل، والكسل بدلاً عن الرغبة والنشاط.أما بالنسبة للنقد الذي تطرّق إليه الأصدقاء، وعبّر عنه بعضهم باصطلاح(النقنقة)، فأقول: إنّ النقد ليس نقنقة بل هو ـ ولا أريد الولوج في تعريفه اللغوي ـ كشف العيوب وتحديد مَواطِن الضعف، لكن يوجد نوعان لكشف العيوب: فمثلاً عندما نجلس مع بعضنا البعض، يمكن لأي منّا وبمنتهى الحرية أن يكشف للآخَر عيوبه، وهذا الكشف عن العيوب يمكن أن يكون أحياناً بقصد التحقير والإهانة والانتقام وتشويه سمعة الشخص أمام الآخرين، وهذا العمل قبيح وغير ممدوح في جميع الأعراف والأديان.وفي بعض الأحيان يكون الكشف عن العيوب بدافع العطف والتكميل والإصلاح ورفع مَواطِن الضعف من الشخص أو النظام أو المدير أو من الناس، وهو أمر ممدوح ومطلوب. لكن يمكن أن يوجد من لا يستسيغ هذا النوع أيضاً، ولا إشكال في ذلك. والآن أقول لكم: لا إشكال في النقد حتى على النظام، وإذا كان لديكم شك في ذلك، فإنّي أؤكد لكم بصدق لا إشكال في هذا النقد من وجهة نظري على الأقل. لكن عليكم أن تعلموا أنّ الغرض والهدف من النقد معلوم، إذ لا ينبغي أن نتوقّع أن ننقد النظام بالنوع الأول، ثم يتصوّره الناس بقصد العطف والإصلاح؛ لأن الجمهور والمخاطبين ـ كما ذكر بعض الأصدقاء ـ أذكياء وسيفهمون القصد من النقد.أما بالنسبة لما نشاهده من بعض الأفلام الناقدة، فرغم أنّي أتألّم منها كثيراً ـ لأنّي أشعر بالمسؤولية تجاه هذا النظام، وكل ما يسيء الى أي ركن من أركانه، كأنه يوجّه لي ضربة مؤلمة ـ لكني أشعر بالرضا أيضاً؛ لأنّي لا أتألّم من النقد نفسه إذا كان بنّاءاً، وما أشعر به أنّ هذا الاحساس هو الموجود في هذه المؤسسة، رغم وجود بعض الزيادة أو النقصان فيها.إذاً لا إشكال في النقد ـ الذي طرحه بعض الأصدقاء ـ ما دام بدافع الشعور بالمسؤولية.إنّ الواقع الذي يعيشه مجتمعنا اليوم ـ بعيداً عن الدعاية والشعارات وغيرها من أنواع المبالغة ـ هو أنّ بلدنا أصبح دولة متميزة ـ ولا أقول أكثرها تميزاً ـ نتيجة لإيمانه بعقائد الشعب والشجاعة التي أبداها في كافة المجالات والتي لا يمكن لأحد إنكارها.إذ ما نشاهده في بلادنا اليوم، لا يمكن مقارنته بما كان في عهد النظام السابق، فعندما ندقق في المكانة التي اكتسبتها إيران في العالم، وبين الشعوب، وبين الدول، وفي المحافل السياسية، وفي العلاقات الدولية، وفي الموازين بين القوى الدولية، نجد أنّ الجميع أصبح يتعامل مع هذا الشعب وهذه الحكومة بجِدّية ومن موضع الاحترام والتقدير.كما شهدت البلاد تطوراً وتقدّماً ملحوظاً لا يمكن مقارنته أبداً ـ وبدون إغراق أو مبالغة ـ بما كانت عليه قبل الثورة، فقد ازداد اعتقادنا بقدراتنا وقابلياتنا الذاتية، وتمكّنا من تبديل معظم هذه القابليات والطاقات من القوة الى الفعل في كافة المجالات كالعلم والصناعة والمسائل الاجتماعية وغيرها من المسائل العامة.فلا يمكن المقارنة بين نظامين متضادّين، أحدهما: نظام عميل لا يحظى بأي احترام في العلاقات الدولية، لا يؤمن بقدراته، ويحتقر شعبه ـ إذ كان رؤساء البلاد يعتبرون الدولة ملكاً لهم، فالكثير منّا يتذكر النظام الطاغوتي وحكومته التي كانت تعتبر البلاد ملكاً لها ولا تعير احتراماً للشعب إلاّ إذا كانت مجبرة عليه ـ والنظام الآخر: الحكومة فيه تعتبر نفسها خادمة للشعب وليست مالكة للبلاد والشعب، وهو الشعور الحقيقي للمسؤولين، وتقوم فلسفة وجودهم على خدمة الشعب بل إنّ التقابل بين هذين النظامين، والتفاضل بينهما، لا يقبل المقارنة بوزن أو مال أو دخل شهري لشخص معيّن؛ وإنما هو تقابل بين الوجود والعدم، والفاصلة بينهما هي فاصلة الوجود والعدم، وهذا ما يريده الإسلام منّا وما يمنحه لنا، ولا أريد الدخول في بحث موضوع القيم الإسلامية، الذي يعتبر من المواضيع القيّمة والجذابة جداً إذا ما أراد أحد البحث والتحقيق فيها.والآن البلاد في ظل هذه الظروف تسعى لتحقيق التقدم والتطور في كافة المجالات، وما تسمعونه عن التقدم في مجال الطاقة النووية ما هو إلاّ جزء يسير من أشياء كثيرة حدثت في البلاد.كما إننا ولله الحمد نمتلك الشباب المستعد والطاقات الكبيرة التي تحتاج الى الأمل، والرغبة، والعمل، والثقة بالنفس، وتقليل الاعتماد على الأجانب ـ في ثقافتهم وسلوكهم وقوانينهم الفكرية والثقافية ـ ونحتاج الى استخراج الطاقات الكامنة، والاستفادة من تراثنا الثقافي الغني.فهذا الشاب يحتاج الى مساعدتكم والى حضوركم في الساحة حتى يمكن تربيته على هذه الصفات؛ ولذا فإنّي أؤكد أنّ مفتاح الحل والنجاح وتقدم البلاد، يعتمد الى حدّ كبير على دوركم أيها الأخوة؛ لأنّي أدرك أهمية السينما ودورها، إذ يمكنكم أن تجعلوا من هذا الجيل جيلاً ساعياً للتقدم، مفعماً بروح الأمل، مفعماً بالرغبة، واثقاً من نفسه، مؤمناً بقيمه الإسلامية والوطنية، أو على العكس يمكن أن تجعلوا منه جيلاً خجلاً من نفسه، نادماً، مشككاً بإنجازاته الوطنية ومشككاً بانجازات ثورته وبدفاعه المقدس عن وطنه.لقد قلت هذا الكلام سابقاً أمام عدد من الفنانين ـ من سينمائيين ورسّامين ونحّاتين ـ بأن عملكم كفنانين يحتّم عليكم البحث عن دقائق الجمال وأسراره الخفية في عالم الوجود؛ حتى تتمكنوا من إظهارها وإبرازها الى جمهوركم.فعمل الفنان يعني إظهار الجمال، ودقائق الأشياء، والحقائق الخفية عن العين المجردة وإبرازها الى المخاطبين بفنّه وإبداعه الفني.وعندما أقول الجمال فهذا لا يعني عدم قدرته على إبراز القبائح أيضاً، إذ هو نوع من الإبداع أيضاً.وقلت لأولئك الفنانين: بما أنكم تبحثون عن الجمال، فكيف يمكن أن تغضّوا النظر عن الروائع التي رسمها هذا الشعب الأعزل في دفاعه عن وطنه وشعبه ونظامه لمدة ثماني سنوات وفي تلك الظروف الصعبة.وقد بدأت منذ عدة سنوات حركة في الوسط الثقافي لإصدار بعض الكتب التي تحكي قصصاً وروايات عن القادة العسكريين الذين شاركوا في الحرب، وأصبحتُ من المقتنين لهذه الكتب ومِنْ قُرّائها.ورغم معرفتي الشخصية لبعض هؤلاء القادة، كانت معظم هذه القصص والروايات صادقة ـ إذ يمكن للمرء الآن أن يميز الى حدّ ما بين المبالغة والصدق ـ ومؤثرة جداً. فالمرء كان يشاهد هذه الشخصيات المتميزة تشارك في الحرب حتى بلباس العمل، وقد كتبوا قصة الأسطة عبد الحسين البُرنسي البنّاء المشهدي ـ الذي كنت أعرفه قبل الثورة ـ في كتاب بليغ وجذاب عنوانه (خاكهاى نرم كوشك) .وأوصيكم بقراءة هذه الكتاب؛ لأنّي أخشى أن لا تصلكم مثل هذه الكتب.لقد دخل هذا الإنسان الحرب في بدايتها ولم أكن على علم بذلك، لكن بعد استشهاده حدّثني عنه أحد الأصدقاء ـ من الذين شاركوا في الحرب ضمن فصائل الجامعيين وفصائل التعبئة الشعبية ـ فقال: التقيت بهذا الشاب الأمّي ـ بمعناه الاصطلاحي، وإلاّ فإنه قد درس المقدمات في الحوزة العلمية لمدة ثلاث أو أربع سنوات ـ في الجبهة، وكان يجذب إليه الأفئدة عندما يتحدث مع المقاتلين، ولهذا قلت أنه يعكس معرفته القلبية أو إحساسه الصادق أو فهمه عن عالم الوجود، ثم استشهد بعدما أبدى شجاعة عظيمة في المعركة.وبعيداً عن هذه التفاصيل أتساءل أين يمكن أن تجدوا مثل هذه الروائع مثلما تجدونها في حياة مثل هذا الإنسان أو في حياة الشهيد همت والشهيد خرازي أو في حياة الموجودين منهم حتى الآن؟تجدونها في السينما الهادفة؛ وإنّي أتساءل أي معنى أجمل وألطف وأعمق من هذا الشعور بالتضحية والفداء والإيثار الذي نجده عند شاب في الثامنة أو التاسعة عشر من عمره، يترك لذائذ العيش والحياة المرفّهة وعطف الوالدين، ثم يشترك في الحرب بكامل قواه العقلية ودون نقص أو عقدة، ليقدّم أسمى معاني الشجاعة والتضحية بما يثير الحيرة والتعجب في النفوس، وقد تأثر كثير من هؤلاء الشباب بكلام أمثالي وتشجيعهم، لكني أعجز الآن عن وصفهم أو الوصول الى مكانتهم، وهذه الصور من الروائع التي يمكنكم تصويرها وإظهارها لجمهوركم.السيد حاتمي كيا، يقول: لا أعلم ماذا أقول عن الحرب، أقول: لديكم الكثير لتتحدثوا عنه، فباعتباركم سينمائيوا الحرب ماذا صوّرتم حتى الآن عما جرى خلف كواليس الحرب؟ أو عن سبب نشوبها، وأي فِلم سياسي عسكري عالمي، يمكنه تصوير شيء أجمل وأكثر تأثيراً مما يمكن أن تصوّروه عن أسباب جرأة صدام حسين وقيامه بشن هذه الحرب بهدف السيطرة على إيران، خاصة مع وجود الكثير من المستندات والأدلة؟فهو لم يكن يحلم باحتلال جميع إيران، بل كان يسعى بلا شك الى احتلال خوزستان وبعض المدن حولها، ثم يفرض بعد ذلك سيطرته على الحكومة المركزية في البلاد سواء كانت جمهورية إسلامية أم غيرها. أي لولا هذا الدفاع المستميت للشعب الإيراني الذي منع صدام من احتلال خوزستان، فهل كان بإمكان أية حكومة مركزية أن تعارض أوامر تلك القوة المسيطرة على هذا الجزء من البلاد؟ وعليكم أن تبحثوا عن الأسباب التي دفعتهم لتشجيع صدام على شنّ هذه الحرب؟ وكيف قدّموا له المساعدات؟ وأي المصانع زوّدته بالأسلحة الكيماوية؟ ومن هم الذين اجتمعوا لحمايته؟ وأي الدول زوّدته بتلك الطائرات المتطورة؟ ومن هم أولئك السياسيين والعسكريين الكبار من مختلف الدول ـ ومنها أمريكا ـ الذين قَدِموا الى بغداد، والتقوا صدام وأعوانه؟ فإنكم لم تتطرقوا في أفلامكم لهذه الأمور؛ بل لم تتعرّضوا لشخصية صدام، فهي من المواضيع المهمة التي تصلح لكتابة القصة.أما بالنسبة لمسألة كتابة القصة، فأنا أتفق مع بعض الأصدقاء الذين أشاروا الى هذه المسألة، بأننا مازلنا ضعفاء في هذا المجال، رغم غناء التراث الإيراني بالقصص الملحمية التي نجدها في أعمال فردوسي ومولوي.أما القصص الدرامية فإن تراثنا يفتقر لمثل هذا النوع بالشكل الذي ظهر في أوروبا خاصة في القرن التاسع عشر، الذي شهد كتابة العديد من القصص المشهورة، لكننا نمتلك الاستعداد الكافي لكتابة مثل هذه القصص. ورغم شهرتنا وقدراتنا الواسعة في الشعر، لكنها لم تصل الى الأسلوب المتّبع في القصص الدرامية، لكني أعتقد أنّ بالإمكان تقديم أعمال ناجحة إذا ما تظافرت الجهود خاصة من قِبَل وزارة الثقافة؛ لتشجيع العمل والكتابة في هذا المجال. وقد تحدّث بعض الأصدقاء عن ضرورة تشجيع كتابة القصص السينمائية، لكني حقاً لا أعلم ـ أنتم أعلم بهذا أكثر منّي ـ هل توجد ضرورة لمثل هذا العلم؟ إذ معظم الأعمال السينمائية المشهورة اليوم قد أخذت عن القصص والأعمال الكلاسيكية القديمة، رغم أننا لا نعلم أنها كتبت خصيصاً لهذا الغرض، وحتى لو كانت كذلك، فإني أعتقد أنّ من الأفضل أولاً إحراز تقدّم ملحوظ في كتابة القصص، والدراما والقصص الملحمية، ثم نعمل على تحويلها الى أعمال سينمائية؛ مما يساعد على نجاحها بالشكل المطلوب.كما أنّي أعتقد أننا لا نزال بحاجة الى تقديم الكثير من الأعمال السينمائية حول الحرب.الآن أودّ أن أتحدّث إليكم حول نقطة أخرى: وهي إنني عندما أحمّلكم المسؤولية ـ وأنتم جميعاً تتحمّلون هذه المسؤولية لِمَا لأعمالكم من أثر كبير على الناس ـ فإنها تستتبع الأجر والثواب من الله تعالى أيضاً، أي ينبغي أن تقترن أعمالكم بنيّة التقرّب الى الله.ولا إشكال في ما قالته السيدة: بكونها تعمل بما تمليه عليها أحاسيسها ومشاعرها، لكن اجعلي عملك مقترناً بنيّة التقرّب الى الله وكسب رضاه، فما دمتي تقدّمي عملاً كبيراً ومُهمّاً، فلماذا تحرمي نفسك من الأجر والثواب؟ وطلب الثواب، لا يقتصر فقط على إنتاج أفلام عن الصلاة والصوم؛ بل يمكن كسب الثواب أيضاً من انتاج أفلام تروّج بين جيل الشباب الأخلاق الحسنة، والسلوك الاجتماعي، والتنظيم الاجتماعي، والجِدّ في العمل، والإيمان القوي والإحساس بالمسؤولية. فأمير المؤمنين (ع) عندما يوصي الحسن والحسين(ع) بقوله : (اعملا للأجر) لا يعني به أجر الدينار والدرهم، إذ لا تعني المليارات عند أمير المؤمنين (ع) أكثر من قيمة ذرة تراب، لكنه يعني الأجر والثواب الإلهي.ونحن جميعاً بحاجة لمثل هذا الأجر، هذه الحاجة التي ستزداد ـ شئنا أم أبينا ـ ما أن تعبر هذه الحياة الدنيا الى الآخرة، فما دمتم تعملون في هذا المجال اجعلوا عملكم مقترناً بنيّة كسب رضا الله وأجره. وبالطبع يمكنكم كسب أجر إنساني وأخلاقي أيضاً، من خلال عملكم الجِدّي في هذا المجال وإحساسكم بالمسؤولية الذي تفرضه عليكم مكانتكم المرموقة في المجتمع باعتباركم تمثلون النخب والفنانين ومن يملك الرؤية النافذة في المجتمع والبلاد والناس.على كل حال استفدت كثيراً من كلام الأصدقاء، ودوّنتُ الكثير من النقاط المهمة من تقاريرهم وتحليلاتهم، لكني أعتقد أنّ أهم نتائج هذا اللقاء كانت أولاً: اتفاق الجميع على أهمية السينما؛ نتيجة لمكانتها المرموقة وقدرتها على التأثير والمسؤولية المترتبة على العاملين في مجال السينما كلٌ حسب درجته، وقد أتحمّل جزءاً من المسؤولية أيضاً باعتباري مسؤولاً في النظام، في حين يتحمّل السيد الوزير بالطبع جزءاً من هذه المسؤولية، وهذا يعني إحساس الجميع بالمسؤولية واتفاقهم على أهمية السينما.وثانياً: لابد أن يكون هدف السينما السعي لإصلاح البلاد والمجتمع، وبالتالي يجب أن يركّز النقد في هذا المجال على تحقيق هذا الهدف، مما سيقلل من الاختلال حول ضرورة هذا النقد وجدواه، أو حول اسمه، هل هو تشويه لصورة العمل أو نقنقة أو لا؟ لأن نيّة العمل إذا كانت لأجل الإصلاح والتطور، فإنها ستترك حتماً تأثيرها على العمل، مما سيقلل من هذه الفاصلة والاختلاف بين الآراء.السيد حاتمي كيا، يقول: امنحونا درجة، أقول: من أكون حتى أمنحكم مثل هذه الدرجة، الله منحكم هذه الدرجة، فهي درجة إلهية منحكم الله إيّاها بما وهبكم من ذوق رفيع وقابلية فنية ممتازة، وإذا ما أردنا تقييمها مادياً بهذه الدرجات فإننا سنفقدها قيمتها الواقعية، مع ذلك سنكرمكم حتماً على أعمالكم، لكن في المقابل ـ وأقولها بلا مجاملة ـ انتظر منكم أيها المخرجون كرجل دين، أن تعملوا على تقوية القيم الإسلامية والوطنية في المجتمع.وعندما أقول القيم الوطنية، فلا يتبادر بسرعة الى الذهن مراسم يوم الأربعاء (آخر أربعاء من أيام الشتاء)، بل أقصد الإحساس باستقلال الشعب والاستقلال الثقافي.وعليكم تقوية اعتماد الشعب على ثقافته الأصيلة، بعيداً عن هجوم الثقافة الغربية منذ قرنين من الزمن، وهذا الأمر يمكن تقويته أحياناً بالمشاركة في المهرجانات الدولية، لكن يمكن أن يتحقق أيضاً بعدم المشاركة فيها؛ لذا عليكم أن تجعلوا مشاركتكم أو عدمها بهذه النيّة وحسب ما تقتضيه المصلحة الإسلامية والوطنية.أما وقد دافع السيد عياري عن مهرجان (كان)، بأنهم قالوا له: لا نتمكن من عرض فلمك في المهرجان؛ بسبب رؤيتك القاتمة فيه، ولا أعلم ماذا فعل السيد عياري في فلمه حتى تعاطف هؤلاء مع الشعب الإيراني. ولا أريد هنا أن اعترض على دفاعكم عنهم، لكني أقول بصراحة ـ وأنتم تعلمون أنّ مصادر معلوماتنا أوسع بكثير من المصادر التي تنتقون منها معلوماتكم ـ إنّي على اطلاع تام أنّ هذه المهرجانات الدولية ومنها مهرجان (كان) ـ الذي ذكرتموه ـ تسعى لتحقيق أهداف معيّنة، فَهُم يرغبون بمشاركة الفنانين الإيرانيين المشهورين لتحقيق بعض المكاسب السياسية، ولا أعلم مدى تقييمهم لفِلم السيد مجيدي، وكم سيعرضونه أمام الناس في دور العرض، فَهُم قد يقدّرون الفِلم ويحترمونه في المهرجان، لكني لن أصدق هذا التقدير والاحترام إلاّ إذا أقدموا على ترويج الفِلم وعرضه أمام الناس في دور عرضهم وعلى قنواتهم التلفزيونية، وهذا ما لا يفعلونه أو نادراً ما يفعلونه.فنحن لا يمكن أن نصدق حسن نيّاتهم إذا اقتصر تقديرهم للفلم داخل المهرجان وفي صالة توزيع الجوائز فقط؛ بل نعتقد بوجود أهداف سياسية وراء ذلك، ولا عجب فيه؛ لأننا أيضاً في بعض المسائل الثقافية الدولية نسعى لتحقيق أهداف سياسية ولا نخفي ذلك، وكذلك بالنسبة لعلاقاتنا الثقافية مع كثير من دول العالم، وهكذا تعمل هذه الدول معنا أيضاً؛ لذا ينبغي علينا الحذر والوعي في المسائل الثقافية.وقد أخبرني المرحوم السيد أحمد الخميني، أنه كان مستعداً لدفع مبلغ ثمانين ألف دولار لنشر بيان الإمام الراحل في موسم الحج ولو بصورة إعلان في إحدى الصحف المشهورة في أمريكا، لكنهم رفضوا نشر هذا البيان.كذلك السيدة ابتكار معاون رئيس الجمهورية السابق، ألّفت كتاباً تتحدث فيه عن عملية السيطرة على السفارة الأمريكية في طهران، حيث كانت ضمن الطلاب المشاركين في العملية. وكانت السيدة قد قضت فترة طفولتها في أمريكا، حيث كان والدها المرحوم الدكتور ابتكار ـ وكان أحد أصدقائي ـ يعيش في أمريكا لعدة سنوات، وهي تتكلم الإنجليزية جيداً؛ وقد كتبت كتابها باللغة الإنجليزية وقام آخر بترجمته الى الفارسية.وقد نقلت لي أنّ جميع دور النشر الأمريكية رفضت نشر هذا الكتاب، وأنهم مازالوا يصرّون على عدم التئام الجرح الذي سببه هذا العمل، ويكررونه دائماً.حتى إنّي أتذكر عندما كنت رئيساً للجمهورية، وأثناء سفري الى أمريكا للاشتراك في اجتماع منظمة الأمم المتحدة، أجرى أحد الصحفيين الأمريكيين المعروفين حديثاً معي، كان له صدى واسع في كافة وسائل الإعلام، والقنوات الخبرية، وكان أول ما سألني عنه، لماذا قمتم باحتلال السفارة الأمريكية؟ فأجبته، لقد حضرت الى منظمة الأمم المتحدة، وتجري معي حديثاً، وتطرح أول سؤال عليّ هذا السؤال؟ إنهم مازالوا يصرّون على تكرار هذا الأمر ويعتبرونه عملاً إرهابياً وهمجياً. على كل حال، رفضوا نشر هذا الكتاب الذي يشرح هذه القضية بالتفصيل، رغم صدوره من قِبَل سيدة جامعية مثقفة، لم تكن متخلّفة عقلياً ولا رجعية، ولا أميّة، ولم تكن لها سوابق إرهابية، وكانت موجودة في تلك الحادثة؛ لأنهم يهتمّون برعاية مصالحهم السياسية.أما ما يروّجونه في أمريكا من عدم التدخّل في المسائل الثقافية، وعدم وجود رقابة عليها، إنما يقتصر على الأعمال التي لا تتعارض مع الأصول والعقائد الأمريكية، أما ما يتعارض مع الأصول والسياسة الأمريكية ـ كما حدث في حرب الخليج في عهد حكومة بوش الأب ـ فإنه يتعرض للرقابة والتحريف بشكل كامل وعلني ورسمي.فهم يهتمّون برعاية مصالحهم الثقافية، لذا علينا نحن أيضاً الاهتمام برعاية مصالحنا الثقافية؛ لأننا لا نتوقّع منهم الاهتمام بمصالحنا بل من المفروض أن نقوم نحن بهذا الأمر.وعليه، إذا ما أردتم المشاركة في المهرجانات الدولية، عليكم الاهتمام برعاية مصالحكم الثقافية، وإذا ما لاحظتم أنهم يريدون رعاية مصالحهم على حساب مصالح بلدكم، فمن الواضح، أنّ الأفضل عدم المشاركة في مثل هذا المهرجان.الكلام كثير، والوقت سيطول إذا ما أردت الحديث عن جميع ما دوّنته، خاصة وقد مضى على هذا اللقاء ثلاث ساعات وخمس دقائق.أنا سعيد لإقامة هذا اللقاء، وأشكر جميع الأخوة المشاركين فيه، خاصة السيد مجيدي لحسن إدارته هذا اللقاء، كما أشكر جميع الأصدقاء الذين عبّروا عن آرائهم بوضوح، وكذلك السادة المسؤولون المحترمون في وزارة الثقافة الذين تبنّوا توجيه الدعوة وإقامة اللقاء.ولو لم يداهمنا وقت الآذان لبقيت معكم فترة أطول، لكني مضطر للمغادرة فقد حان وقت الصلاة.والسّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته‏  
2006/06/12

كلمته في ذكرى رحيل الإمام الخميني

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيّما بقية الله في الأرضين.نعيش اليوم الذكرى الأليمة لرحيل إمامنا العظيم. إنّ الشعب الإيراني لا ينسى هذه الذكرى المريرة. وإنّ حضورنا في هذا المكان يهدف إلى تجديد العهد.نريد أن نقف أمام هذا الرفات ونخاطب روحه الملكوتية الطاهرة ونقول لها: ((إنّا على العهد الذي فارقناك عليه))، ويتلخّص هذا العهد في مواصلة طريقه ونهجه وبلوغ أهدافه. ونحن لا نرفع اسم الإمام ونهجه لنفخر به، أو لنزين به اسم للجمهورية الإسلامية فحسب، بل الأسمى والأهم من ذلك أنّ الإمام هدانا إلى طريق، وحدّد لنا أهدافاً وبيّن لنا علامات نهتدي بها كي لا نضلّ السبيل. وإنّنا سوف لا نَنْعَمْ بالحياة الطيّبة إلا بسلوك هذا الطريق، الذي يُمكننا من خلاله القضاء على كابوس الفقر والتخلّف وإزاحتهما عن كاهل مجتمعنا وشعبنا. ويمكننا تحقيق العدالة الّتي تُمثل أقدم الآمال البشرية. ويمكننا وضع حدِّ للإذلال الذي تتعرّض له الشعوب المسلمة. ويمكننا قطع دابر الأطماع الإستكبارية بقوّة بدل التملّق والتذلّل لها. ويمكننا إشاعة الأخلاق والإيمان والتقوى في سلوكنا الفردي وفي البرنامج العام لبلادنا.ويمكننا تحقيق الحرّية الّتي تُعَدّ من أكبر نِعم الله تعالى بكل بركاتها. وهذه هي أهداف الإمام الراح(قدس)، فقد قامت حركة الإمام وثورته والنظام الذي أسّسه، على تحقيق هذه الأهداف، وعليه فإنّ نهج الإمام هو نهج الإيمان والعدالة والرَخاء المادّي ونهج العزّة.وقد قطعنا العهد على مواصلة هذا الطريق وسنواصله بعون الله. وقد فتح الإمام هذا الطريق أمامنا، وحدّد لنا هذه الأهداف. وعَمَد بإرادته القاطعة وبمساعدة هذا الشعب على تجاوز أهم مرحلة في هذا الطريق الطويل، وأحدثَ نقلة نوعية في العالم الإسلامي. وهذا هو شأن عِباد الله الصالحين الذين يُغيّرون الدنيا رغم زهدهم بزخارفها، إذ يمثل هذا الزهد أهمّ عاملٍ في قوّتهم. فهم ينظرون إلى كل شيء وكل شخص من خلال نَظَرهم إلى الله.إن عباد الله الصالحين وهبوا التاريخ نفحات روحية. وإن التاريخ المعنوي الإنساني الحقيقي هو الذي خطّه عباد الله الصالحون.وكما ترون فإنّ المفاهيم الّتي قدّمها أنبياء الله إبراهيم وموسى وعيسى )(عليهما السلام) هدية للإنسانية، لا تزال رُغم مُضي آلاف السنين عليها تُعتبر من أسمى المفاهيم الإنسانية السائدة. فإذا كان الحديث عن الحرية والكرامة الإنسانية وإذا كانت حقوق الإنسان في المجتمعات مطروحة، وإذا كان العَدل ورَفع الحيف لا يزال شعاراً خَلاّباً في الدنيا، وإذا كانت مُكافحة الفساد والمفسدين والظلم والظالمين، وإذا كان الإيثار والتضحية في سبيل الحق موضع اهتمام الإنسان، فإنّما يعود الفضل في ذلك إلى الأنبياء وعباد الله الصالحين الذين قدّموا هذه المفاهيم للتاريخ ووضعوها في متناول البشرية. وعليه فإنّ عباد الله الصالحين يُغيّرون وجه التاريخ، ويُحوّلون المستحيل إلى ممكن من خلال تَوكّلهم على الله وخشيته. إذ لا يمكن تغيير الإنسان والإنسانية عن طريق الرجاء المادّي والخوف البهيمي. إنّ خَشية عباد الله ورجاءهم ليست كخَشية عبيد الدنيا ورجائهم إذ أنّهم يتمسكون بالله ويتوكّلون عليه، وتتلخص خَشيتهم من معصيته، ويَرون جميع القوانين الطبيعية ـ الّتي تمسك يدَ القدرة الإلهية بأطرافها ـ في خدمة أهدافهم، ويتحرّكون بالتوكّل على الله، ولذلك يستطيعون تغيير العالم.وقد كان إمامنا العظيم في زُمرة هؤلاء العِظام. إنّ عباد الله الصالحين يُهيمنون على القلوب وذلك عن طريق اتصالهم بالله تعالى. إنّ ولاية عباد الله الصالحين ولاية معنوية وباطنية، وإنّ ولايتهم الظاهرية إذا تحقّقت فهي استمرار طبيعي لولايتهم المعنوية والباطنية. إنّ الله سبحانه وتعالى يُلهم عباده الصالحين وأنبياءه وأوصياءهم قدرته وإبداعه فيُسلّطهم على القلوب. إنّ السلطة الحكومية وإن كان فيها شيء من الجمال إذا لم تكن متفرّعة عن الولاية المعنوية، لا تَعدو أن تكون لَوناً من التمويه والكذب. ومن هنا كانت حكومة عباد الله الصالحين والربّانيين مختلفة عن غيرها من الحكومات. وقد عَرض علينا الإمام نموذج ذلك، وشاهدناه عن كَثب. إنّنا حينما ننظر إلى أنفسنا، نجد أنّ المسافة بيننا وبين الأنبياء وأولياء الله وعباده العِظام عميقة وبعيدة المنال، إلا أنّ الإمام العظيم أرانا ـ في فترة غِياب الأنبياء وانقطاع الوحي ـ من خلال تواجده وفكره وسلوكه نموذجاً حيّاً للولاية الروحية. وحالياً يُمثل سلوك الإمام وفكره وهدفه وسيلة نجاة الشعب الإيراني والأمة الإسلامية.سأتعرض هنا إلى ثلاث نُبذ مُستوحاة من منطق الإمام الثوري والإسلامي:الأولى: حول مذهب الإمام السياسي الذي يشكل أساس نظام الجمهورية الإسلامية.الثانية: حول الأوضاع العالمية الراهنة، والمنعطفات الدولية فيما يتعلّق بالإسلام والمسلمين.الثالثة والأخيرة: حول الانتخابات الراهنة في بلادنا.أمّا المسألة الأولى: فإن المحور الأساسي في مذهب إمامنا العظيم يكمن في عَلاقة الدين بالدنيا، وهو ما يُعبّر عنه أيضاً بالدين والسياسة، والدين والحياة. لقد اتّخذ الإمام رأي الإسلام مُنطلقاً له في بيان علاقة الدين بالدنيا. يَرى الإسلام أنّ الدنيا قَنطرةَ الإنسان لبُلوغ الكمال، وأنّها مزرعة الآخِرة. ومن هذه الزاوية وهذه الرؤية تكون الدنيا عبارة عن الإنسان والعاَلم وأنّ حياة الإنسانية وجهودها وعلمها وحقوقها وواجباتها وتكاليفها ومواطنها السياسية واقتصاد المجتمعات والمَشاهد التربوية، ومَشاهد العدالة، تُشكل بأجمعها ميادين الحياة. وعليه تكون الدنيا هي المضمار الأساسي للتكليف والمسؤولية والرسالة الدينية. لقد جاء الدين كي يُنظّم الجهود الإنسانية ويعمل على هِدايتها في هذه الرقعة الواسعة والمساحة المتنوّعة وعلى هذا التفسير لا يمكن الفصل بين الدين والدنيا فالدين لا يمكنه العثور على غير الدنيا كمضمار لأداء رسالته كما أنّ الدنيا بَمعزل عن الهندسة الدينية وبرنامجها، حياة خالية من الروح والحقيقة والمحبّة.إنّ الدنيا والوسط الإنساني لو اُفرغ من الدين فإنّه سيتحوّل إلى غابة وما يسود الغابة من القوانين والنُظم. إنّ من حق الإنسان في هذا الميدان العظيم أن يَسَتشعر الأمن والطمأنينة ويمضي قُدماً نحو التكامل المعنوي والسمو الروحي. ولا ينبغي في ميدان الحياة أن تؤخذ القدرة المادية مقياساً للحق. ولا يمكن لغير الدين حَمل أعباء الحاكمية الصحيحة في هذا المضمار. إن الفصل بين الدين والدنيا يعني تفريغ الحياة والسياسة والاقتصاد من المعنوية والعدالة وتَسديد ضربة قاضية لهما.إنّ الدنيا بما تعنيه من إعداد فُرص الحياة للإنسان، والنِعم المنتشرة في بِقاع العالم وما تحتويه من الجمال والحلاوة والمصائب والمَرارة، وسيلة للنمو الإنساني وتكامله. وإنّ الدين ينظر إلى هذه الأُمور بوَصفها وسائل تمكّن الإنسان من مُواصلة طريقه نحو التعالي والتكامل وتفُجّر الطاقات الّتي أودعها الله في وجوده. إنّ الدنيا التي تَحمل هذا المعنى لا يمكن انفكاكها عن الدين، وأنّ السياسة والاقتصاد والدولة والحقوق والأخلاق والعَلاقات الفردية والاجتماعية الّتي تنطوي على هذا المفهوم لا يمكن فصلها عن الدين. ومن هنا كان الدين والدنيا في منطق إمامنا العظيم مترابطين وممتزجين مع بعضهما ارتباطاً وامتزاجاً وثيقاً لا يمكن معه الفصل بينهما. وهذه هي المسألة الّتي تَعرّضت منذ بداية ثورة الإمام وحتّى يومنا هذا لأكثر أنواع المواجهة والخصومة والعِناد من قِبَل أرباب الدنيا والمستكبرين الذين بَنوا حياتهم وأقاموا حكوماتهم وصَبّوا جهودهم، ووظّفوا أموالهم على فصل الدين والأخلاق والمعنويات عن المجتمع.إلا أن للدنيا مفهوماً آخر. فقد جاء في النصوص الإسلامية تفسير الدنيا بالأنانية وحبّ الذات وعبادة الهوى والشهوات وجَرّ الآخِرين إلى الوقوع في أسر الهوى. وقد امتلأ القرآن والسنّة وأقوال علماء الدين، بذمّ هذا النوع من الدنيا ونبذها، وهي الدنيا الّتي يُجسّدها فرعون ونمرود وقارون والشاه وبوش وصدام، وجميع المستكبرين والظلمة عبر التاريخ والى يومنا هذا.وطبعاً إنّ هذه النماذج الّتي ذكرناها تمثل أكبر الرذائل الأخلاقية المذمومة في هذه الدنيا.وبإمكان الإنسان البسيط أن يُربّي فرعوناً في نفسه ويمارس الدور الإمبراطوري الفرعوني والقاروني والقيصري في حدود إمكاناته.ولو توسّعت إمكاناته أضحى نسخة طبق الأصل لفرعون وقارون وسائر طغاة العالم ومستكبريه، وهذه هي الدنيا الّتي لا يمكن ربط الدين بها، والّتي جاء في الروايات تسميتها بـ(ضرّة الدين) فلا يمكن إعمار الدين بمثل هذه الدنيا، وأنّ استخدام مثل هذه الدنيا خيانة للدين.وقد كان الإمام يُحذّرنا من الوقوع في حبائل هذه الدنيا رغم نظرته في جعل الدين عين السياسة والاقتصاد والدنيا. فعلينا أن نُفرق بين هذين النوعين من الدنيا، كما أن الإمام نفسه قد رأى الدنيا بمعناها الثاني جانباً فلم يكن من ذوي الهوى والأنا وحب الذات. وأما الدنيا بالمعنى الأول والّتي تمثل رقعة الحياة الواسعة والتي تعلّمناها من النصوص الإسلامية فقد كان الإمام يراها منسجمة مع الدين ومساوقةً له، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (الدنيا متجر أولياء الله). إذ يمكنهم من خلالها بلوغ التسامي والرُقي المعنوي. إنّ الطريق الذي اتّخذه الشعب الإيراني هو طريق إعمار الدنيا، فلابدّ من إعمار العلم والمعرفة والاقتصاد والسياسة والحياة الفردية والعلاقات الاجتماعية والمناهج الاجتماعية العامة مما يعد من القطاعات المتنوعة في الدنيا، ودفعها إلى الأمام، ولا يتحقّق شيءٌ من ذلك إلا من خلال الدين. لقد عَلّمنا الإمام ذلك، وكان هذا هو السبب وراء عداوة القوى العظمى وخصومتهم العمياء ضد نظام الجمهورية الإسلامية، ولا تزال هذه العداوة قائمة، حيث نواجه على مستوى الإعلام العالمي هجمة شاملة حول هذه المسألة ويقولون: لماذا تجعلون من الدين منهجاً للحياة. وذلك لأنهم يشعرون بالخطر على دنياهم الّتي بَنوها على أساسٍ من الظلم والجَور وغياب الأخلاق. هذا هو النظام الذي يريده الاستكبار العالمي للإنسانية قديماً وحاضراً. وقد عَمد نظام الجمهورية الإسلامية على دفع هذا النظام الباطل والدور الخاطئ وجاء بنموذج يُبرهن على أنّ بإمكان الدين أن يؤدي دوراً عملياً في حياة الناس.الأمر الثاني: فيما يتعلّق بالأحداث العالمية والإقليمية بشأن الإسلام والمسلمين. منذ أيام الإمام وحتّى وقتنا الحاضر حصلت تَغَيرات كثيرة فيما يتعلّق بالمسائل السياسية، والجغرافيا السياسية فقد انهار المعسكر الشرقي، وقام الشعب الفلسطيني بانتفاضته، وازداد حَنَق العالم الإسلامي على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى مستوى المنطقة انهار عرش طاغية قبيح سيء الصيت مثل صدام حسين ولم يَعد له تأثير على الصعيد السياسي، وقد احتدم تنافس شديد في المعسكر الغربي بين أوروبا وأمريكا، وحدث بينهم صَدع يحاولون إخفاءه، إلا أنّ آثاره بادية للعَيان، وهذه الحوادث بأجمعها في غاية الأهمية.هناك فيما يتعلّق بالأوضاع الراهنة رؤيتان:الأولى سطحية: وهي تقول: إنّ هذه التَغَيرات قد أكسبت الولايات المتحدة قوة أكبر، وحاصَرت الثورة الإسلامية والعالم الإسلامي، وإنّ الولايات المتحدة متواجدة في العراق (غرب إيران)، وأفغانستان (شرق إيران)، وفي منطقة الخليج الفارسي، ومناطق جنوب غرب آسيا، وبذلك تكون قد حاصرت الجمهورية الإسلامية وثورتها، وعليه تكون أمريكا قد اكتسبت قوة أكبر.وفي قِبال ذلك هناك رأي آخَر يقول: إنّ هذه التَغَيرات تَدلّ على حركة انفعالية تقوم بها الولايات المتحدة تجاه الصحوة الإسلامية في العالم بُعيد قيام الجمهورية الإسلامية. فحيث كانت القدرة الإستكبارية الأمريكية تبلغ مآربها في منطقة الشرق الأوسط برغم وجود منافس لها كالاتحاد السوفيتي السابق، جاءت الثورة الإسلامية وزعزعت استقرارها وعَرّضت وجودها للخطر في المنطقة الإسلامية، فقد كانت أمريكا ذات يوم تشعر باقتدار مطلق في منطقة الشرق الأوسط لا يشوبه أي قلق حتّى مع وجود الحكومات ذات الطابع اليساري ظاهرياً كنظام البعث في العراق حيث كان يسارياً وعلى صلة وثيقة بالإتحاد السوفيتي، بِيَد أنّه لم يكن يشكل خطراً على أمريكا، لأنّها تعلم أنّ بإمكانها توجيه هذا النظام وفقاً لإرادتها ما دام أنّه نظام لَقيط لا يتمتّع بدعم الشعب، وهكذا بالنسبة إلى الأنظمة اليسارية الأُخرى في المنطقة. ولكن قيام نظام الجمهورية الإسلامية شَكل ظاهرة مستعصية على أمريكا إذ لم يكن نظاماً يسارياً تابعاً للمعسكر الشرقي حتّى إذا شكّل عقبة لها عَمدت إلى حله من خلال مفاوضة ساسة الإتحاد السوفيتي. بل كان نظاماً معتمداً على إرادة شعبه وإيمانه، غير مرتبط بأي قدرة خارج حدودها وبلادها، هذا أولاً.وثانياً: إنّ الدافع لهذا النظام وقائده العظيم هو العناية الإلهية والدين ومخافة الله ورجاؤه، ولذلك لم يكن للعالَم تأثير في إرادته. استقامة هذا النظام، وخلفيته المعنوية التي أدت إلى ظهور الصحوة الإسلامية في كافة إنحاء العالم الإسلامي.إنّ ما قامت به الولايات المتحدة طوال هذه السنوات في الشرق الأوسط والمنطقة الإسلامية، ليس سوى حركة انفعالية تجاه الحركة القوية لنظام الجمهورية الإسلامية. وإنّ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يَصرّ الأمريكيون على مواصلته ولم يُحالفه النجاح حتّى اليوم، ولن يحالفه النجاح فيما بعد بحول الله وقوته، إنّما هو مشروع انفعالي بإزاء قيام الثورة والصحوة الإسلامية. يَعلم الأمريكيون أنْ لا مستقبل لهم في العالم الإسلامي ولذلك يحاولون الأخذ بزمام المبادرة للحيلولة دون تطّور هذه الصحوة الإسلامية إلى حركات ثورية، ويحاولون من خلال ذلك إعاقة المصير المحتوم للشعوب. لقد صرّح الأمريكيون في الآونة الأخيرة بأنهم لو لم يهاجموا العراق لتمكن الشعب العراقي المسلم والمؤمن من الإطاحة بصدام في مدّة قصيرة، ولفَوّتوا عليهم الإمساك بزمام المبادرة، وهذا ما كانوا يَخشونه، ومن هنا كانت سياستهم انفعالية ناتجة عن مَخاوفهم من عواقب الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي. إنّ ما تقوم به الولايات المتحدة حالياً في هذه المنطقة ليس ناشئاً عن قدرتها، بل إنّه ناشيء من إحساسها بقدرة المعسكر الإسلامي ونهضته وصحوته.طبعاً لابدّ للشعوب الإسلامية من الحفاظ على يقظتها وصحوتها وعدم السماح للأعداء بالاستهانة بهذه الصحوة. فاليوم هو يوم اتحاد الشعوب والحكومات الإسلامية وتلاحمها. ومن هنا أُوجه تحذيراً لأبناء شعبنا وأبناء الشعب العراقي والشعب الباكستاني وسائر الشعوب المسلمة الأخرى، وأُناشدهم أنْ يَكبحوا الخِلافات المذهبية والطائفية، فإني أرى أنّ هناك أصابع تعمل في الخَفاء لإثارة الحروب بين المسلمين. لا ريب في أنّ الجرائم والتفجيرات الّتي تحصل في المساجد والحسينيات وصلاة الجماعة والجمعة لا يمكن أنْ تكون من فعل المسلمين أنفسهم، بل هي من صُنع الأيادي الصهيونية والاستكبارية الأثيمة سواء في العراق وإيران وأفغانستان وباكستان وجميع البلدان الأخرى. على المسلمين في الوقت الراهن التأكيد على مَواطن وحدتهم، فإن توحيدنا وإلهنا ونبينا ومَعادنا وقرآننا واحد، كما أنّنا متّفقون على أغلب الأحكام الشرعية في الإسلام، وبرغم ذلك يأتي العدو ويُراهن على موارد الخِلاف وَيشحن صدورنا بالضغينة على بعضنا بغية الوصول إلى أهدافه. وإنّ السبب الذي كان يَدعو إمامنا العظيم إلى التأكيد على الوحدة بين المسلمين هو أنّه كان يدرك هذا الخطر ويَراه جيداً. فقد عَمل الإنجليز وجهاز استخباراتهم في بلدنا وسائر البلدان الإسلامية على بثّ الفرقة بين الشيعة والسنّة. واكتسبوا تجربة كبيرة في هذا المجال، فعلينا جميعاً التزام الحذر. وحالياً يُمارس الصهاينة هذا المشروع، فإنّ معلوماتنا تؤكّد على وجود دور للصهاينة مباشرٍ أو غير مباشر في جميع الأحداث الّتي نُشاهدها في بلدان العالم الإسلامي.إن على العالم الإسلامي أن يُباهي بقوته وصحوته الّتي سبّبت إرباكاً واستفزازاً للاستكبار العالمي. وعلى الشعب الإيراني أن يقدّر ثورته العظيمة الّتي أحيت الأمل في قلوب المسلمين، كما يمكنه ـ إن شاء الله ـ أن يُلهم العالم الإسلامي بإمكانية التقدّم والخلاص من التخلف المزمن واحتقار الأعداء له.والأمر الأخير الذي سأتعرّض له يتعلّق بالانتخابات. لقد ذكرنا في الآونة الأخيرة أُموراً كثيرة حول الانتخابات الّتي نقترب منها يوماً بعد يوم. إن الانتخابات مسألة مهّمة، يُعطي فيها أبناء الشعب زمام أمور البلد لشخص في مدّة تستغرق أربع سنوات، يُمكنه خلالها توظيف ميزانية البلاد ومؤسساتها وثرواتها وطاقاتها الإنسانية بشكل صحيح وتام مقرون بالعمل السليم والاهتمام بحاجة أبناء الشعب ورفع مشاكلهم الكثيرة، أو لا قَدّر الله بشكل خاطئ وناقص مشوب بسوء العمل غير حافلٍ بمشاكل الناس.إذاً تكمن أهمية الانتخابات في أنّ الشعب الإيراني يُعطي زمام إدارة البلد لشخص يُخوّله القانون صلاحيات واسعة جداً ويزوّده بإمكانات استثنائية تمكّنه من التقدّم بالشعب والبلد أربع سنوات أو أكثر، كما يُمكنه تعطيلها أو الرجوع إلى الوراء والعياذ بالله.كما تحظى الانتخابات بأهمية أُخرى وهي أنّها تمثل نموذج الحركة الإسلامية في بلادنا، فإن الانتخابات هبة الإسلام لأبناء شعبنا.وقد علّمنا الإمام إقامة الجمهورية الإسلامية على أساس الاستفتاء. فقد ارتكزت فكرة الحكومة الإسلامية في الأذهان بوصفها خِلافة وراثية كما كان هذا هو شأن الدولة الأموية والعباسية أو الدولة العثمانية، حيث يتولّى شخص منصب الخليفة ظاهرياً، ويسلك في باطنه وواقعه سلوك الملوك الفراعنة، وبعد أنْ يُدركه الموت يستخلف غيره مكانه. هذه كانت الصورة الّتي يَحملها الناس عن الحكومة الإسلامية، وكانت هذه أكبر إهانة توجّه إلى الإسلام وحكومته حتّى جاء الإمام، وشرح للناس أنّ الحكومة الإسلامية تقوم على انتخاب الشعب وتعيين منُتخبهم الذي هو لُبّ الإسلام، وعمل على تجسيد ذلك في مجتمعنا. وها هم المسؤولون في بلادنا يتبوأون مختلف المناصب عن طريق الانتخابات المباشرة أو غيرها ولا توجد للمسؤوليات التنصيبية أو الوراثية أو المادية والدنيوية في نظام الجمهورية الإسلامية محل من الإعراب.إنّ انتخابات رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء وتعيين القيادة وشورى المدن من مفاخر الشعب الإيراني والإسلام ومفاخر الإمام الخاصة.لقد عَمل القانون الأساسي من خلال تحديد موارد هذه الاستفتاءات الحسّاسة والمصيرية على اجتذاب الأذهان والأفكار المؤمنة والمتحرّرة في العالم الإسلامي.إنّ الديمقراطية الدينية تختلف عن الديمقراطية الغربية، فإن الديمقراطية الدينية ـ الّتي تقوم على الانتخابات المشروعة وتكليف الإنسان من قَبِل الله ـ ليست مجرّد عقد اتفاق. فكل الناس لهم حق في الانتخابات وتحديد المصير، وهذا هو الذي يفسّر الانتخابات في بلادنا ونظامنا، وهو أعمق من الديمقراطية الليبرالية السائدة حالياً في البلدان الغربية، وهذا من جملة مفاخرنا الّتي يتعيّن علينا الاحتفاظ بها. وقد قطع إعلام الأعداء على نفسه وآلى عليها أن يعمل على التقليل من شأن هذه الانتخابات.وذلك لأنّها تسوؤهم، ويَرون أنّها تؤثر إيجابياً على العالم الإسلامي والأفكار العامة في العالم، وهذا ما يقض مضاجعهم ولذلك يخالفونها. ولو استمعتم لإعلام العدو لوجدتّم أنّه يُخالف الانتخابات؛ وقد يَبدو أحياناً أنّهم يَدعمون أحد المرشحين صُورياً ـ بالمعنى الذي يَخصّهم ـ إلا أنّ الحقيقة هي أنّهم متألمون من أصل إقامة الانتخابات ولا يريدون إجراءها على نطاق واسع في هذا البلد.وطبعاً إنّني مُتفائل، ومتوكّل على الله تعالى، وأعلم أنّ شعبنا العزيز سيخرج من هذا الاختبار مرفوع الرأس. أُوصي جميع الإخوة والأخوات وجميع أبناء الشعب الإيراني العزيز أن يحافظ على حرارة الانتخابات ونزاهتها. وعلى الذين يحبّون أحد المرشحين أنْ لا يقودهم حبّهم له إلى تشويه سمعة المرشح الآخَر فإنّ هذا يؤدي إلى الشِقاق والنَفرة والتنازع بين الناس، مُضافاً إلى أن تشويه السمعة في حدّ ذاته ليس صحيحاً وليس فيه نفع.إنّ الذي يحاول من خلال ذلك إلى التقليل من حجم أصوات هذا المرشح، لا يصل إلى مبتغاه، مضافاً أن هذا مخالف للمنطق، بل وللشرع في كثيرٍ من الموارد، فاكتفوا بالدفاع عن مرشحكم، واتركوا الآخَرين يدافعوا عن مرشحهم، ودققوا في اختيار مرشحكم، وليكن من الذين يهتم لدين الناس وثروتهم ودنياهم وحياتهم ومستقبلهم وعزتهم وإن مجال الاختبار والرؤية والمعرفة مفتوحة، وأن شعبنا واع والحمد لله.اللهم نسألك بمحمد وآل محمدٍ إلا ما هديت الناس لانتخاب الأفضل.. اللهم أرضِ الروح الطاهرة لإمامنا عن هذا الشعب والمسؤولين فيه.. اللهم ثبتنا على العهد الذي قطعناه لهذا الرجل التاريخي العظيم..اللهم أرضِ عنا إمام زمامننا( أرواحنا فداه) واشملنا بأدعيته المباركة...اللهم أنزل رحمتك وفضلك ونعمتك على هذا الشعب.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  
2006/06/03

كلمته في مؤتمر البرامج الإذاعية

بسم الله الرحمن الرحيمأرحّب بالضيوف الأعزّاء المتواجدين هنا، والذين شاركوا في المهرجان.أعتقد أنَّ هذه الاجتماعات والجلسات ـ وخاصة في الظروف الراهنة للعالم ـ يمكن لها أن تكون أداةً تستفيد منها الإنسانية.سأتحدث مع الإخوة في بعض الأمور، وأرغب في أن أجيب على السؤالين أو الثلاثة التي طرحها بعض الحاضرين من خلال هذا الحديث.إنَّ المذياع ـ الذي يتمحور اجتماعكم حوله ـ يعتبر من وسائل الإعلام المهمّة؛ أي أنّه مع ظهور وسائل إعلام أخرى، يبقى المذياع يلعب دوراً مهمّاً ومؤثّراً وواسعاً جداً؛ وذلك لما تمتلك هذه الوسيلة الإعلامية من خصائص ومميزات. إنَّ أهمية تأثير أي وسيلة من وسائل الإعلام، يعظّم حجم المسؤولية الملقاة على عاتق معدّي تلك الوسيلة، وإنني أريد أن أؤكد بعض الشيء على مسألة عظم المسؤولية الملقاة على عاتقكم ـ أيَّها المدراء ومعدّي برامج المذياع ـإنَّ وسائل الإعلام في العالم اليوم تقوم بالتأثير على الفكر والثقافة والسلوك، وتؤثّر ـ في الحقيقية ـ على تحديد الهوية الثقافية للإنسان، فهي قادرة على التأثير في تحسين وضع حياة الإنسان، وانتشار السلام والأمن العالمي، و سمو أخلاق الناس ومعنوياتهم، و جعلهم أكثر سعادة، وفي مقابل ذلك لها القابلية على أن تكون وسيلة لتأجيج الحروب الضروس، وترويج العادات والآداب والسلوك الضار بين أوساط الناس، وتجريد الشعوب عن هويتها الإنسانية والوطنية، وإحياء روح التفرقة بين البشر.إنَّ دور وسائل الإعلام اليوم كبير جداً.فلو أنَّ إدارة وإعداد وسائل الإعلام على مستوى العالم، تكون على أساس المعايير الأخلاقية، والفضائل، والمساواة، والاعتماد على المفاهيم الإنسانية الحقيقية، فسوف يكون ذلك في صالح الشعوب.ولو أنَّ وسائل الإعلام وإعدادها وإدارتها تكون مبتنية على أساس مصالح الشركات الاقتصادية، وأثرياء العالم، والمتسلّطين الجشعين والمحتكرين، فسيؤدّي ذلك إلى الإضرار بالإنسانية بالتأكيد.إنَّ وسائل الإعلام يمكن أن تكون أرضية مناسبة للحوارت الحرّة والثنائية ومتعددة الأطراف بين الشعوب؛ وهذا من أكبر الخصائص التي تتمتع بها وسائل الإعلام العامة والشاملة، ويمكن لها أن تكون وسيلة لتبادل أفكار الشعوب بين بعضها البعض بصورة أخلاقية ومنطقية، وتتلاقح أفكارها في الجانب المعنوي والأخلاقي والثقافي، وهذه المسألة تُعد من المسائل القيّمة جداً، ولها القابلية على تنمية مستوى معرفة الناس.لو أنَّ وسائل الإعلام أديرت بصورة عادلة، ولم يكن طريقها طريقاً أحادي الجانب، واستمعت بعض الشعوب لوجهات نظر البعض الآخر بجديّة وصغت إلى ما تقول، وتعرّف بعضها على مفاهيم البعض الآخر فسوف يساعد ذلك على تقريب الشعوب مع بعضها. وكما أشار أو صرّح بعضكم ـ أيَّها الأصدقاءـ في كلامه، أنَّ الكثير من العداءات الموجودة في أوساط الشعوب ـ حيث يستغل أصحاب القدرة والثروة هذه العداءات ـ ناشئة من عدم التفاهم وسوء الفهم؛ حيث لا يفهم البعض بعضه الآخر.لو ألقيت نظرة على وضع وسائل الإعلام العالمية، فسوف لن تكون نظرتي نظرة متفائلة في الوقت الراهن؛ وهذا ما ينبغي أن أقوله لكم ـ أيَّها المدراء ومعدّي البرامج ـ ولا أريد أن أعترض على ما أوضحه رئيس هذه المؤسسة المحترم فيما يتعلّق بمسألة التطوّر وغيرها، فإنَّ ذلك موجود فعلاً، ومع ذلك فإنَّ نظرتي إلى وضع وسائل الإعلام العالمية، ليست نظرة متفائلة وراضية.إنَّ حركة وسائل الإعلام والإتصالات اليوم ليست حركة ثنائية أو متعددة الأطراف، بل هي أحادية الجانب؛ أي أنَّ ما يرغب به أصحاب القدرة والنفوذ الإعلامي، يقومون بنشره وإظهاره من خلال العلم والتقنية المتطورة.فما الذي يرغبون به؟ وما هي الأفكار التي يريدون ترويجها؟ هل هي أفكار إنسانية؟ وهل هي قائمة على أساس الشعور بالفضيلة؟ وهل تشتمل حقاً على العدالة الإنسانية؟ نحن لا نشعر بمثل هذا الأمر مطلقاً؛ لأنَّ إمبراطوريات وسائل الأنباء والإعلام العالمية، مقتصرة بصورة كاملة تقريباً على أشخاص لا يرغبون في أن تسود الفضيلة والأخلاق والدين والإيمان والقيم والسلام في العالم، وهؤلاء الذين يتسلّطون على وسائل الإعلام العالمية، هم الذين يمتلكون أكبر مصانع الأسلحة، ويمتلكون أشد القنابل الذرية خراباً ودماراً، أو يكون لها ارتباطٌ بهم، وأنَّ السياسة المستبدة من ضمن جدول أعمالهم اليومية والدائمة، وغالباً ما تكون وسائل الإعلام تحت تصرفهم.طبعاً، يوجد هناك فارق بين اليوم وما قبل خمسين أو عشرين سنة، حيث استطاعت الشعوب والبلدان المستقلة من السيطرة على وسائل الإعلام، وهم يقومون بوظائفهم إلى حدٍ ما في هذا المجال، إلا أنَّ هناك بوناً شاسعاً بين ما هو موجود الآن وما ينبغي أن يكون؛ أي حصول هذه الحركة الثنائية والمتعددة الأطراف القادرة على انتقال حقائق الشعوب والأفكار الجيّدة الموجودة في منابعها إلى البعض الآخر بصورة صحيحة. إنَّكم ترون اليوم سياسة وسائل الإعلام ذات النفوذ في العالم، فإنَّ مصلحتهم تقتضي أن يكون الإسلام مساوياً للإرهاب على حسب نظرهم، وأخذ هذا العمل بالتحقق بسرعة قصوى من خلال التقنيّات المتطورة، وبالمقابل فإنَّ هذه المصالح تقتضي أن تُعد أمريكا مظهراً لحقوق الإنسان والديمقراطية، وإنَّ وسائل الإعلام العالمية تقوم بهذا العمل بكل بساطة وبوسائل معقّدة ومتطوّرة جداً، فتُظهر الأكاذيب الكبيرة وكأنَّها حقيقة في محطّات المذياع والتلفاز ومواقع الإنترنيت وغيرها.لقد برزت مسألة أنفلونزا الطيور فجأة ـ كما أشار بعض الأصدقاء ـ على الصعيد العالمي وأصبحت في مقدّمة المسائل، ولعلّ أضرارها لم تصل إلى ألف شخص في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي يُسْكَت عن قتل مئة وعشرين ألف من سكان العراق العزّل، على يد الأمريكيين أو المرتبطين بهم من الإرهابيين.وفجأة تجد أنّ في العالم ضجة بشأن ما يسمونه السلاح النووي الإيراني!! وإنَّ نفس هؤلاء الأشخاص الذين يروجون لذلك، يعلمون أنهم يكذبون، إلا أنَّ مصلحة إدارة السلطات الإعلامية تقتضي ذلك؛ مما يستدعي أن يقال مثل ذلك، وهو ما يقال فعلاً.إنَّ وسائل الإعلام العالمية لم تتطرق مطلقاً إلى أنَّ شعباً حصل على التقنية المتقدمة بجهوده، دون أن يقرضها إياه أحد، وهو يريد أن يستفاد منها للأغراض السلمية.وفي مسألة فلسطين لو أن انفجاراً حدث في منطقة من فلسطين، وجُرح بسببه بعض الصهاينة، فسوف يُصوّر على أنَّ ذلك فاجعة عظيمة حدثت في العالم، وفي مقابل ذلك يُقتل الفلسطينيون يومياً ـ يومياً بلا مبالغة ـ على أيدي الجنود الصهاينة.ويسكت الإعلام الرسمي عن اغتيال الناشطين الفلسطينيين على يد الحكومة الصهيونية، ويعتم على ذلك؛ لكي لا يصل إلى الأذهان.هذه هي المشاكل والأمراض المزمنة والآلام الكبيرة لمسألة وسائل الإعلام العامة ومحطاتها في العالم، وهذا هو أساس المسألة.فلا بد أن يصبح العلم ـ الذي وضع وسائل الإعلام تحت تصرّف الإنسانية بكل بساطة وسهولة وسرعة ـ عاملاً على إسعاد البشر. إنَّ هذه السعادة تكون بهذه الصورة: وهو أن تطّلع الشعوب على الخصوصيات الفكرية لبعضهم البعض بصورة جليّة، ليتمكّنوا من فَهْم كلام وأهداف بعضهم الآخر، ويشخّصوا ذلك.انظروا، ما الذي سوف يحدث لو أنَّ الشعب الأمريكي ـ مثلاًـ يعلم برأي الشعب الإيراني في خصوص المسائل المهمّة التي تطرح على الصعيد العالمي اليوم، كمسألة حقوق الإنسان، وحكومة الشعب الدينية ـ التي هي شعارنا ـ ورأي إيران في ذلك، ورأي الشعب الإيراني في مسألة دور الدين في حياة الناس والأثر الذي يمكن أن يتركه الدين، ودور المرأة في الحياة الاجتماعية، ونظرة الإسلام للمرأة.افرضوا أنَّ الشعب الأمريكي أو الشعوب الأوربية أخذت تستمع لهذا من لسان الشعب الإيراني ـ حيث اعتقد أنكم لم تسمعوا بذلك مع أنَّكم تمتلكون وسائل إعلام، فضلاً عن السكان العاديين للبلدان الغربية ـ ففي هذه الحالة سوف تحدث أُمور هامّة في العالم.سوف يتلاشى الكثير من مواضع سوء الفهم، وتنحل الكثير من عُقَد الشعوب، وتضيق سعة القرارات التي يتخذها السياسيون والمتسلّطون على أساس مصالح السلطات المالية والاقتصادية في العالم.إنَّ السياسيين والمتسلّطين في العالم اليوم يستغلّون غفلة شعوبهم، ويتبجحون بالكثير من الأقوال والأعمال في العالم باسم الشعوب.ومن الممكن فيما لو علمت الشعوب بالحقيقة، فسوف لن ترضى بهذه الأعمال، ولرفضت التعاون في هذا المجال، أو القبول بهذه الحكومات.إنَّ وسائل الإعلام يمكن لها أن تلعب مثل هذا الدور، وأن تساعد في إسعاد البشرية، بكل ما للكلمة من معنى.إذا كانت الهيمنة للدين والأخلاق والفضيلة في إدارة وإعداد وسائل الإعلام، فسوف يكون وضع وسائل الإعلام أفضل من هذا بالتأكيد، ويكون وضع الإنسانية أفضل مما هو عليه الآن.إنَّني أوصي بالتباحث والتفكير في مسألة الأهداف الإنسانية، وكيفية الحفاظ على الفضائل والأهداف في مثل هذه الاجتماعات ـ على الأقل ـ بالقدر الذي تُتبادل فيه وجهات النظر على الصعيد الفني والعملي؛ لكي تدخل القيم والأخلاق في وسائل الإعلام العالمية، ويسمو التطوّر والحركة العلمية القيّمة وحركة وسائل الإعلام التي تحققت في العالم، وتُجعل في خدمة الإنسانية، هذه المسألة التي أردت أن أقولها للأصدقاء.أتمنّى أن يكون الإخوة الذين سألوا أسئلة صميمية، قد حصلوا الإجابة على أسئلتهم من خلال ما قلناه.أشكر مسؤولي إذاعة وتلفزيون الجمهورية الإسلامية، لما قاموا به من تهيئة لهذا الاجتماع، وتنظيم هذا البرنامج، وكذلك أنتم ـ أيَّها الضيوف الأعزاء ـ وأتمنّى أن تكونوا أمضيتم وقتاً سعيداً في هذه الأيام القليلة، وأسأل الله تعالى أن تغادروا إيران وأنتم تمتلكون انطباعات جيدة عنها. والسّلام عليكم و رحمة اللَّه‏ وبركاته  
2006/05/15

كلمته بمناسبة ميلاد الرسول الأكرم(ص)

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك لجميع الحاضرين المحترمين، خصوصاً الضيوف الأعزاء سفراء البلدان الإسلامية والمشاركين في أسبوع الوحدة، وكذلك للشعب الإيراني العزيز والأمة الإسلامية العظيمة، وجميع روّاد العدالة وأحرار العالم، بمناسبة ولادة نبي الهدى والرحمة ورائد الحرية والعدالة.إنَّ هذه الأيام هي أيام عظيمة بالنسبة لنا وللعالم الإسلامي، حيث اقترنت ولادة الرسول الأكرم (ص) مع ولادة الإمام أبي عبد الله الصادق (ع)، وبهذه المناسبة العظيمة ـ ولادة الرسول (ص) ـ أطلقت الجمهورية الإسلامية على هذا الأسبوع اسم أسبوع الوحدة.إنّ من جملة ما يثير الإنتباه عند النظر إلى الرسول الأكرم (ص) والأمة الإسلامية، هو مصير الأمة الإسلامية والقضايا والحوادث التي تمر بها، ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (سورة التوبة/ 128)، وهذا المعنى مطّرداً في جميع مراحل التاريخ، فإنَّ كل ما يمرّ على الأمة الإسلامية هو فائق الأهمية بالنسبة للروح الطاهرة للرسول الأكرم (ص)، وإنَّ الوضع الذي تمرّ به الأمة الإسلامية مورد قلق بصيرته التي تشاهد العالم وتراقبه.لقد اجتازت هذه الأمة مراحل صعبة ومرّت بمنعطفات كثيرة على مرّ التاريخ، وقد وصلت اليوم إلى مرحلة مصيرية وحاسمة، ولو أنَّ الأمة الإسلامية عقدت عزمها اليوم من أجل التقدّم على الصعيد الديني والعلمي بقيادة النخب‎‎‎ السياسية والعلمية والثقافية‎، فسوف تتمكن من انتخاب طريقاً تستطيع من خلاله القضاء على التخلّف والمشاكل والصعاب والتخاذل من قبل بعض حكومات الدول في العالم الإسلامي، وهداية الأمة الإسلامية إلى طريق الوحدة وحثّهم عليه. أما الطريق الآخر فهو بقاء الأمة الإسلامية في غفلتها التي يرغب بها أعداء الإسلام، والإبتلاء بالخلافات وضيق الرؤية والأنانية وحب الدنيا وتخلّي النخب عن المسؤولية؛ مما يؤدي إلى إبتعاد الأمة الإسلامية عن سعادتها بمقدار عدّة عقود على الأقل.إنَّ الخصوصية التي يتمتع بها عصرنا في الوقت الراهن، هي كوننا نمرّ في وضع يتحتّم علينا فيه اختيار طريق الأمة الإسلامية الموحّدة.والحقيقة إنَّ التوجّه نحو طريق الرشد والصواب ليس أمراً دفعياً ـ بل هو تدريجي يعطي ثماره بعد حين ـ إلا أنَّه كلّما تأخّر النخب والمسؤولون عن النهضة الشاملة، وتخلوا عن قراراتها التي يتخذونها في مختلف بقاع العالم الإسلامي فستكون نتيجة ذلك إلحاق الضرر بالأمة الإسلامية، فعلى الجميع أن يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه؛ لأنَّ اليوم هو يوم اتحاد المسلمين.أنظروا إلى مقدار ما ينفقه العدو من أموال لفك أواصر الوحدة التي تتمتع بها الشعوب الإسلامية في الوقت الحاضر.انظروا إلى أوضاع العراق؛ وكذلك إلى المناطق الإسلامية الأخرى كيف تعاني إلى حدّ ما من الصراع مع قادة المؤامرات التي تستهدف إثارة الفرقة بين الطوائف والفرق والقوميات والشعوب الإسلامية بذرائع مختلفة. يقتلون هذا وذاك، ويزرعون البغض والأحقاد في قلب هذا وذاك، للحيلولة دون الانتباه لعدو العالم الإسلامي الأساسي، وقادة التسلّط والسيطرة على هذه المنطقة من العالم .وإذا ما كان العالم الإسلامي متّحداً لَمَا بقيت فلسطين اليوم وحيدة، ولَمَا وقعت الحكومة التي انتخبت من قِبَل الشعب الفلسطيني تحت وطأة الضغوط، ولَما كانت تُهدد بقطع المساعدات في حال كونها لا تتخلى عن مبادئها.يجب على العالم الإسلامي أن يعلن بصوت واحد وكلمة واحدة عن حمايته للشعب والحكومة الفلسطينية، ويصرّ على دعمه لأصوله وقيمه.وإذا ما كان كذلك فلن يستطع حينها الباعثون على شقاء الشعب الفلسطيني وحكومته أن يتكلّموا بهذا الشكل. إنَّ الساسة الأوربيين الذي يدّعون الإنسانية ومراعاة حقوق الإنسان صمٌ بكم، كأنّهم لا يسمعون ولا يرون ما يحلّ بالشعب الفلسطيني من فجائع، فعندما تسلَّمت السلطة الفلسطينية ـ السلطة المؤيدة من قِبَل الشعب ـ أخذوا يوجّهون لها الاتهامات ويتّخذون المواقف السيئة تجاهها، وما هذا إلا بسبب تشتت العالم الإسلامي، وأنانية النخب السياسية فيه.علينا أن نتيقّظ، ونفهم بأن وظيفتنا هي التصميم على تحديد المصير التاريخي للعالم الإسلامي، ومن الطبيعي أنّ هذا التصميم ليس منحصراً بنا شخصياً أو بوقتنا الحاضر.فاليوم ليس هناك طريقٌ أمام الأمّة الإسلامية سوى الإيمان بقدرتها والحيلولة دون استمرار الظُلامات، والتصميم على عدم الاستسلام حيال القوى الجائرة.إننا ـ نحن المسلمين ـ لا ندعو الدول الإسلامية إلى حمل السلاح والهجوم على بلدان العالم، بل نوصيها بالتمسك بحقها وقوّتها وعزّتها وتاريخها وميراثها العريق، ومعرفة قيمة ذلك والتمسك به، وعدم السماح لمعسكر الكفر والإستكبار ـ التي تسيطر عليه الصهاينة ـ بالاستهانة بذلك، هذا هو رأينا.(عزيز عليه ما عنتم) أي أنَّ الشدائد التي تمرّ عليكم وعلى العالم الإسلامي تؤذي قلب الرسول (ص)، (حريص عليكم) أي أنّه يريد أن يهديكم لتكونوا سعداء، وتمرّوا على الصراط الإلهي المستقيم ـ الذي مُهّد لكم من أجل سعادة الدنيا والآخرة ـ لتنتفعوا به وتتقدّموا.إنَّ الوجود المقدس للنبي الأكرم والرسول الأعظم (ص)، هو أهم محاور الالتقاء لتحقيق الوحدة، ولقد قلت ذلك قبل هذا: بأنَّ العالم الإسلامي يستطيع أن يحقق عرى الوحدة من محور الالتقاء هذا؛ لأنَّ جميع عواطف المسلمين تجتمع فيه، باعتباره موطن للعشق والمحبّة في العالم الإسلامي.انظروا الآن إلى مرتزقة الأقلام التي تتقاضى أجورها من قِبَل الصهاينة، كيف يكرّسون جهودهم لإبعاد المسلمين عن محور التقائهم هذا، ويحاولون الاستهانة بذلك؛ من أجل أن لا يعير العالم أهمية لمسألة الإستهانة بالأمّة الإسلامية، ومن ثمَّ إذلال العالم الإسلامي شيئاً فشيئاً.إنَّ هذه المسألة مهمّة وأساسية، فعلى السياسيين والنخب العلمية والثقافية والكتّاب والشعراء والفنانين أن يستندوا إلى محور الإلتقاء هذا ويعتمدوا عليه، ويلتفّ المسلمون جميعاً حول هذا المحور.وعليهم أن لا يعيروا أهمية إلى محاور الاختلاف، ولا يتّهم بعضهم بعضاً، ولا يكفّر بعضهم بعضاً، ولا يُخرج أحدهم الآخر من دائرة الدين، وأن ترقق القلوب في كافة أرجاء الأمة الإسلامية بذكر الرسول (ص) ومحبته، ونكون جميعنا من محبيه والمتعلقين به.إنَّ هذا الأسبوع، حقّاً هو أسبوع للوحدة، وإنَّ هذه الأيام هي حقّاً أيام للوحدة بين المسلمين.إنَّ مهمة المسؤولين السياسيين شاقة، فعلى مسؤولي الثقافة والكتَّاب والعلماء سواءً كانوا من المذهب السنّي أو الشيعي أن يجتنبوا طرح المسائل التي تثير الفرقة وتؤدي إلى الاختلاف، وأن يلتفّوا حول نقطة الالتقاء المتمثلة بالرسول (ص).وإنَّ المتوقع من عقلاء أهل السياسة ونخبهم أن يفهموا خطورة المرحلة الراهنة، وأهمية الاتحاد بين المسلمين فيها، ومؤامرات الأعداء الرامية إلى تفتيت وحدة المسلمين وتآلفهم.هذا ما نودّ أن نقوله لشعبنا وللعالم الإسلامي، ونسأل الله تعالى بشرف وعزّة وجلالة الرسول (ص) عنده أن يُوفّق العالم الإسلامي إلى هذا السبيل، وأن يكون مستقبل الأمة الإسلامية أفضل من حاضرها.والسّلام عليكم و رحمة اللَّه وبركاتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2006/04/15

كلمته في الشعراء العرب‎

بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ هذا الاجتماع ـ كما أوضح الدكتور آذر شب ـ يمتلك معنىً رمزياً ونموذجياً وذلك لعدة اعتبارات.أولاً: باعتباره يمثّل تكريماً للقدس؛ فهو ليس اجتماعاً سياسياً، بل إنّه اجتماعاً معنوياً وروحياً وعاطفياً.إنَّ الاجتماعات السياسية لها معانيها الخاصة، إلا أنَّ الاجتماعات التي تُظهر الشعور والعاطفة تمتلك معنىً أعمق في بعض الأحيان.ثانياً: إنني كلّما نظرت إلى ساحة الشعر وخصوصاً الشعر العربي، أجد أنّ الشعراء العرب في جميع الأقطار العربية، أبدوا نماذج بارزة من الشعر، مع كون القضية الفلسطينية كانت في بواكير سنيها، سواء كان ذلك في لبنان أو سوريا أو مصر أو العراق أو الحجاز أو بلدان شمال أفريقيا، إلى الدرجة التي نظّم فيها بعض الشعراء ديواناً خاصاً عن فلسطين وقاموا بنشره، والبعض الآخر نظّم عدّة دواوين.فقد قرأت اسماً لأحد الشعراء كتب خمسة دواوين مقتصرة على قضية فلسطين وقام بنشرها، إلا أنّه في السنوات الأخيرة لا يجد الفرد أثراً أو خبراً عن هذه الحركة الشعرية العظيمة.يوجد هناك شعراء في البلدان العربية ينشدون عن فلسطين، إلا أنَّ المتوقّع أكثر من هذا بكثير؛ والسبب هو أنّ الشعر خصوصاً في اللغة العربية وفي العالم العربي ـ كبقية الفنون الأخرى ـ يكون أكثر بروزاً وتأثيراً ونفوذاً في النفوس ، فإنَّ الشعر في اللغة العربية والعالم العربي له مكانة خاصة.لقد شهدنا خلال سِنِي الانتفاضة أحداثاً كبيرة، ولقد طوت القضية الفلسطينية مراحل مهمّة جداً، فمن المناسب أن تُبرز هذه الأحداث في الشعر العربي، وفي كلام العرب الفصيح، والشعر الملحمي العربي، وفي تلك الكلمات العربية الفاخرة؛ لتترك أثرها في القلوب والنفوس، لقد تحقق الضعف في هذا الأمر ـ على وفق معرفتي ـ وللأسف.نحن نرغب من خلال هذه الوسيلة وفي هذا الاجتماع، أن نُعرب عن رغبتنا وشوقنا الحقيقية في إنشاد الأشعار من قبل الشعراء العرب بصورة عملية، ونريد إبراز مقدار شوقنا للشعر الذي يُنشد من أجل فلسطين والقدس والانتفاضة والحركة المنطلقة نحو النصر الفلسطيني ـ إن شاء الله تعالى ـ ونتمنّى أن يحتلّ الشعر العربي في هذه المجالات والميادين مكانة أرفع وأفضل يوماً بعد الآخر.ثالثاً: إننا نريد القيام بتكريم الشعراء، فإنني أرغب في إظهار الاحترام والتقدير الذي أكِنّه في قلبي وفكري إلى الشعراء؛ والخطباء من خلال هذه الوسيلة.إننا نعلم بمنزلة الشعراء، فلقد كانوا يلعبون دورهم الدائم في جميع المجالات السياسية والدينية على مرّ التاريخ الإسلامي.لقد استطاع الشعراء الملتزمون في بعض الأحيان ـ منذ بداية الإسلام مروراً بالعصور المختلفة حتى زماننا المعاصر ـ أن يهزّوا مجتمعاً ويدفعوه نحو التحرّك، وأن يظهروا أرقى الأفكار وأدقّها، وينقلوها إلى أذهان جميع طبقات المجتمع.هذا الأمر يستحق الاحترام والتجليل، فإنني أعتقد بوجوب التقدير لهذه الثلّة من الشعراء ـ الشعراء القيمين الملتزمين حقاً ـ هذا يمثّل جانب آخر من اجتماعنا، وهو رغبتنا الحقيقية بتكريم الشعر والشعراء. وإنني أقول للشعراء المحترمين الحاضرين في هذا الاجتماع: إنَّ الإنسان يشاهد مناظراً متنوّعة في التلفاز، فيتأثر ـ حقاً ـ جرّاء البعض منها، من قبيل الأوضاع التي تمرّ بها الشعوب والبلدان، والحوادث المرّة التي تقع في العالم، إلا أنَّ المنظر الذي يُبكي الإنسان ـ يبكيني بالذات ـ هو الأحداث التي تُعرض عن فلسطين في التلفاز.هذا المقدار من الظلم الذي يقع على الشعب الفلسطيني اليوم، وتتمكّن الكاميرات من تصويره، هو أقل بكثير من الحقائق بالتأكيد، ومع ذلك فإنَّ هذا المقدار يبعث على البكاء والانفعال حقاً.إنني لا أشكّ من أنّ هذا هو شعور جميع الأشخاص الذين يمتلكون الرقة، ولا زالت عواطفهم حيّة، وعندما يشاهدون التلفاز ينتابهم هذا الشعور.حسناً، عليكم أن تصوّروا هذا البكاء وهذا الهَمّ الباطني وهذا الشعور في لغة الشعر، وتتركوه للأشخاص الذين لم يعرفوه ولم يشاهدوه، وتضعوه بين يدي التاريخ؛ لترى أجيالنا القادمة ما الذي حدث في الشرق الأوسط في هذا التاريخ وهذه البرهة من الزمن، وخاصة في فلسطين وفي القدس الشريف.لقد كان هذا الاجتماع من أجل هذا.طبعاً كنت أنوي أن أقرأ مقاطع من الشعر العربي لأحد الشعراء المعروفين، إلا أنني عزفت عن ذلك، وارتأيت أنَّ من الأفضل الاستفادة من الشعراء الحاضرين في هذا الاجتماع.إننا في الانتظار الآن، وإن شاء الله تعالى يضع الإخوة والأخوات الشعراء ـ سواء كانوا من الجمهورية الإسلامية أو الضيوف الأعزاء ـ خصوصاً الشعراء العرب ـ أو البلدان المختلفة أو شعراء خوزستان ـ كل ما في جعبتهم من الشعر؛ لنستفيد منه وننتفع به.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  
2006/04/15

كلمته المؤتمر الثالث لدعم حقوق الشعب الفلسطيني

14/04/2006 م
2006/04/14

كلمته في مؤتمر القدس العالمي

بسم‎‎ الله‎ الرحمن‎ الرحيم.الحمد لله‎‎ رب‎ العالمين‎ والصلاة والسلام‎ على‎ الـرسـول‎ الأعـظم‎ الأميـن‎ وعلى آلــه‎ الطاهرين‎‎ وصحبه‎ المنتجبين. أرحب‎ بضيوفنا الأعزة‎‎ السادة العلمـاء والمفكرين‎‎‎ والساسة‎ والمجاهدين والمرابطين على‎ الحدود العقائدية‎‎ والجهادية للإسلام‎ . لقد جاء اجتماعكم‎ هذا لتبادل‎ الأفكار ووضع‎‎ الحلول‎ المناسبة‎ لأبشع الكوارث التي‎ تواجهها الأمة‎‎ الإسلامية في‎ التاريخ‎ المعاصر إثر مؤامرات‎ الاستعمار وأعني‎ بذلـك‎ احتـلال‎ فلسطين‎ والقدس‎ الشريف‎. إنَّ‎‎ تزامن انعقـاد هـذا المـؤتمـر مـع‎ الذكرى‎ السنوية‎ لميلاد الرسول‎ الأعظم‎ (صلـى‎ الله‎‎‎‎ عليه وآله وسلم‎) فـي‎‎ الـسنـة التـي شرّفها الشعب‎‎ الإيراني‎ باسمه‎ المبـارك‎ يجـب أن‎ يشكل‎ لنا جميعاً منبعاً ملهماً للجهـاد والإتحاد والعزم‎ الراسخ‎ والوثـوق‎ بـالـوعـد الإلهي‎ وموفراً لأرضية‎‎ تقبّل‎ الرحمة والنصـر الإلهيين‎‎ إن شاء الله‎ تعالى‎. إنَّ‎ العصر الحـاضـر هـو عصـر الـصحـوّة‎ الإسلامية‎‎‎ حيث تحتل‎ فلسطين‎ قلب‎ هذه الصحوة. يمضي‎‎ الآن‎‎‎ ما يقرب‎ من ستين عامـاً على احتلال‎ فلسطين‎ حيث مرّ الشعب‎ الفلسـطينـي‎ المضطهد بفترات‎‎ ملأى‎ بالـمحـن‎ والابتـلاءات المتنوعة‎‎‎ بدءاً بأنماط المقاومة المظلومـة المخيبة‎‎‎ والتهجير والغربـة ورؤيـة دمـار الأهل‎‎ والديار والقتل الجماعي‎ لـلأعـزة‎ والأقارب‎ وانتهاءً باللجوء إلى‎ المحـافـل‎ الدولية‎‎ ومواجهة التعامل‎ السياسي‎ العقيم‎ والمقامرة‎‎ الخاسرة والمفاوضات‎ مع‎ المحتـل‎ وتوسيط القوى‎ التي‎‎‎ كانت‎ هي - في الواقع‎ - المجرم‎ الأصلي‎‎ في نشـوء واستـدامـة‎‎ هـذه المحن‎. إنَّ‎ نتاج‎ هذه‎‎ التجارب‎ التاريخية أوصـل‎ الجيل‎‎ الجديد الصاعد لذلك‎ الشعب‎ البـاسـل الرشيد إلى‎‎ ذروة‎ الوعـي والـتحـرر وفجَّـر بركان‎ الإنتفاضة‎. أمّا على‎ الطرف‎ الآخر فقد امتدت‎ مسيـرة‎ أخرى‎ ذات‎ مراحل‎ مختلفة: وحـشيـة مـطلقـة العنان‎ لا تعرف‎ الرحمة‎‎ وإبادة للأجيال‎ ودمار حاقد واعتداءات‎ عسكريـة‎ على‎ الـدول‎ المجاورة‎ ورفـع‎ شعـار مـن‎ الـنيـل‎ إلى‎ الفـرات‎ إلى‎‎ الاعتـداء الـسيــاســي والاقتصادي‎ على‎ المنطقـة‎ مسـتغـلاً ضعـف‎ بعـض‎ الساسة‎ في‎‎ العالم‎‎ الإسلامي وخيانـتهـم. وفجأة‎‎‎ راح‎ يواجه صحـوة الأسـد الفـلسـطينـي‎ الغافي‎ والإنتفاضة الصاخبة لـشعـب‎ مـتبـرم‎ ثائر. وكان‎ حاصل‎ هذه‎‎‎ المسيرة المتـلاطمـة التي‎‎‎ اعتمدت‎ باستمـرار على ثـروة‎ دولتـي أمريكا وانجلترا وقدرتيهمـا ودعمـهمـا المخزي‎ للصهاينة المجرميـن‎‎ أن استـولـى‎ اليأس‎ والتردد والخور على‎ قادة‎ النـظام‎ الغاصب‎‎ اليوم‎ حيث واجهـوا المـد الصـاخـب والمتصاعد للصحوة‎‎ الإسلامية. صحيح‎ إنّ‎‎ فلسطين اليوم‎ تـشكّـل‎ مسـرحـاً لأقسى‎‎ الجرائم‎ البشرية‎‎ على يد الـصهـاينـة الغرباء الغاصبين‎‎ بحق‎ أصحابها المضطهدين وتجري‎ على‎‎ تلك‎ الأرض‎ وبـشكـل‎ استـثنـائي أبشع‎ أنماط الظلم‎ وبصورة‎‎ سافرة يتبـاهـى‎ بها النظام‎ الصهيوني‎ إلا أن‎ نـظرة‎‎ فـاحصـة إلى‎ مجمل‎ هذه‎‎ المسيرة ذات‎ الستيـن‎ عـامـاً يكشف‎ عن‎ حقيقة‎‎ مروّعة لها عبرتها ولـيسـت‎ هي‎‎ إلى تغير المسرح‎ وتبادل‎ مواقع‎ القدرة‎ على‎‎ الجبهتين‎‎: على صعيد فلسطين نفسهـا وعلى‎‎ مستوى‎ الشرق‎ الأوسط والعالم‎ الإسلامـي الذي‎ خطط ونفَّذ الساسة‎ الغربيون‎‎ مـن خـلال‎ اغتصاب‎ فلسـطيـن‎ فـي‎ الأسـاس‎ للـهيـمنـة‎ والسيطرة‎‎‎‎ الممتدة والمضمونة عليه. لنتصور فلسطين‎‎ في‎ العقد الـرابـع‎ مـن القرن‎‎ العشرين وهي‎‎ أرض‎ تقع‎ في قلب‎ العالم‎ العربي‎‎ وهي بلد فقير وحكومـة‎‎ ضعـيفـة وشعب‎ غافل‎ وجيران‎ عملاء للاستـعمـار وقـد عملت‎ دولة‎‎ غربية هي‎‎ الأغنى والأكثر سلاحاً والأشد شراً بتحريض‎ من‎ الصهاينة‎ على‎ سلـبهـا من‎‎ أيدي‎‎ المسلمين وتسليمها لحزب‎ عـنصـري عدواني‎‎ إرهابي تدعمه‎‎ كل‎‎ الدول الغربيـة وكلا العملاقين‎‎‎ السياسيين المـتنـازعيـن فـي‎ العالم‎. وكانت‎ الدول‎ العميلة‎‎ في‎ المنطقـة مـن‎ قبيل‎‎ إيران‎ البهلوية‎ وبعض‎ الـدول الأخـرى‎ قد أعرضت‎‎ عن‎ إسلامها وعروبتهـا وانخـرطت في‎‎ خدمة‎ ذلك‎ النظام‎ في حين‎ وضع‎‎ الجميـع المال‎ والسلاح‎ والعلـم‎ والـصنـاعـة تحـت‎ تصرفه‎ وكانت‎ أمريكا تمثّل‎ القيم‎ والمحامـي‎ الداعم‎ في‎‎ حين‎‎ كان الاتحـاد السـوفـيتـي لا يختلف‎ معها في‎ هذه‎‎ المسالة فقط. وقرارات‎ الأمم‎‎ المتحدة‎ رغـم ضعـفهـا وكونها قرارات‎ محافظة‎ لـم‎ تكـن‎ لتـلقـي‎ أي‎ اهتمام‎ بها من‎ قبل‎ الـدولـة‎‎ الصـهيـونيـة المختلقة‎‎ المتمردة. فهي‎‎‎ بذلك‎ وبدعـم‎ أمـريكـي وأوروبي تعتدي‎ عسكرياً على‎ مصر وسوريـة ‎ والأردن‎ ولبنان‎‎ وتحتل‎ مساحات‎ من أراضيها مستهدفـة‎ احتلالها الدائم‎ وتتحدث وتهدد بالاغتيـال‎ والقتـل‎ والـنهـب‎ دون‎‎ أن تـأبـه‎ لأحـد ويتوالى‎‎ على الـقيـادة‎ فـيهـا إرهـابيـون‎ معروفون‎‎ الواحد تلو الآخـر وكـان آخـرهـم‎ جزار صبرا وشـاتيـلا الـمعـروف‎ . وهكـذا تستمر على‎ مسرح‎ فلسطين‎‎ لـعشـرات‎ السـنيـن دولة‎‎ غاصبة بمظهـرهـا الـخشـن‎ الـمتـصلّـب‎ المتطلب‎ دائماً للمزيد والعاصـي‎‎ على كـل‎ هزيمة‎. وعلى‎ الجبهة‎ الأخرى‎ وبعد ذلك‎ الـضعـف‎ والهزيمة‎‎ الأولى‎‎ وفشل‎ المسـاعـي النـاقصـة للسنين‎ الأولى‎‎ حيث التجارب‎ تتوالى وتفشـل‎ معها الذرائع‎ الفكـريـة‎‎ والـعمـليـة مـن‎ الإدعاءات‎ القومية‎‎ والوطنية إلى‎ اليسـار الماركسي‎‎ وأمثاله‎ على مـستـوى الـواقـع‎ العملي‎‎ يرسم‎ الإيمـان‎‎ الـدينـي الـذي‎ كـان الشعب‎ ملتزماً به‎‎‎ بقوة وبهمّة المجاهـديـن‎ الصابرين‎‎ المقاوميـن وبـالتـدريـج‎ نقـاطاً مضيئة في‎ الأفق‎‎ المعتـم‎ الـمحـزن‎ ويـخلـق الآمال‎. وفي‎ هذه‎‎ الأثناء تبزغ فجأة شمـس‎ الثورة‎‎‎ الإسلامية من‎ الشرق‎ ليرتسم‎ على‎ راية هذه‎‎‎‎ الثورة الإلهية الخفّاقة إلى‎ جانب‎ اسـم‎ الله‎‎‎ والشريعة الإسلامية اسم‎ فلسطين‎. ومن‎ هـذا المـنعـطف‎ تتـغيـر مـسيـرة‎ الحوادث وتبدأ في‎ المنطقـة‎‎ مـسيـرة زوال‎ الدولة‎‎‎‎ الغاصبة وفناء السيطرة الأمريكية المطلقة‎ التي‎‎ كـانـت‎‎ على مـدى‎ الـسنـوات الممتدة‎‎‎ شريكاً لإجرام‎ الدولة الغـاصبـة. وتنطلق‎ مسيرة‎‎‎ المجاميع‎ الجهادية المـؤمنـة بالإسلام‎ في‎ فلسطين‎‎ ولبنـان ويـنشـأ جيـل‎ مناضل‎ صلب‎ وصادق‎‎ ويحيا من‎ جـديـد منـطق الجهاد والشهادة‎‎‎ وتحتل‎ القدرة الحقيقية ـ وأعني‎ بها قدرة الشعب‎ الذي‎ يترسخ‎ فيـه عزم‎ المقاومة‎‎ والتضـحيـة ـ مـوقـعهـا فـي‎ معادلات‎ فلسطين‎‎ والمنطقة‎ من جديد. ويعمل‎ الدم‎ الطاهر للشباب‎ الاستشهـادي‎ والـحضـور الميداني‎‎ للمناضلين‎‎ المضحّين على قلـب‎ كـل‎ حسابات‎ هواة‎‎‎ السلطة وعبّاد المادة وعشـّاق‎ اللذة‎‎ ليفتح‎ ميداناً جديداً ينتصر فيه الدم‎ على‎ السيف‎. واليوم‎ وبعد مرور ستين‎ عاماً على‎ تلك‎ البداية‎‎ الحافلة بالمحن‎ تنـطلـق‎ على‎ أرض‎ فلسطين‎ يوماً بعد يوم‎ بقوة‎‎ متناهية وبنفس‎ جديد وعزم‎ قوي‎ جبهة‎‎ الحـق بآمال‎ حيـّة وبدافع‎ إيماني‎ يسـتقـطب‎ الأجيـال‎ الجـديـدة‎ الواحدة‎ تلـو الأخـرى‎ فـتفـرض‎ على‎ العـدو الهزائم‎ العسكرية‎‎‎ والسياسية المتتـابعـة في‎ لبنان‎‎ وفلسطيـن وتـتقـدم‎ بـجهـادهـا الحماسي‎ نحو الفتح‎ المبين‎‎ وكـان الخـطاب‎ الإلهي‎‎ الصادق‎ يتوجه‎‎ إليها عبر قولة تعالى : {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا 20 وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} سورة الفتح/20- 21وعلى‎ الطرف‎ الآخـر نـلاحـظ أنّ‎ جـبهـة‎ الباطل‎ بعد التقهقر الـمتـوالي‎ وفقـدان‎ الآمال‎ الكاذبة‎‎ الأولى‎ تقع‎ فريسة التمـزّق‎ والشك‎ والضياع في‎‎ حين‎ تواجه‎ أمريكا ـ وهي الداعمة الأساسيةـ في‎ الشرق‎ الأوسط مشكـلات‎ لا حلول‎ لها ونفوراً متزايداً لـشعـوب‎ هـذه‎ المنطقة‎ بل‎‎‎ من‎ كل العالم‎ تجاهها وتنـازل شعار من‎ النيل‎ إلى‎‎ الفرات‎ إلى شعار الأمن‎‎‎‎ وأي‎ أمن؟ أمن يـكمـن خلـف‎ جـدار يبنيه‎‎ النظام‎ حوله. ولا يملـك‎ فـي‎ مجـال‎ مواجهة‎‎‎ فلسطين‎ المنتفضة سبيلاً غير الدبابة والقنبلة‎ والاغتيال‎ والسجن‎ والجـرار، وهي‎‎ نفسها الوسائل‎ التي أدى‎ استخدامها عبر عشرات‎ السنين‎ الماضية‎‎ إلى‎ ما نراه اليـوم‎ من‎ الموقـف‎ الحـديـدي‎ الـمتـصلّـب‎‎ للـشعـب الفلسطيني‎ ولذلك‎‎ لن‎ تترك أثراً بعـد هـذا سوى‎ مقاومته‎‎ المتصاعدة. إخـوتـي‎‎ وأخـواتـي:إنَّ‎ شـعـب‎ فلسطين‎‎ اليوم‎ يتحرك‎ في‎ ميدان جهاد صعـب‎ وممتد ولا يقتصر هذا على‎ جهاد فلسطين‎ فحسب‎ وإنما هو جزء بارز من‎ الجبهة‎‎ الواسـعـة لجهاد العالم‎ الإسلامي‎ ضد المـستـكبـريـن‎ والمعتدين‎‎ والسفّاحين والغزاة. لقد وعى‎‎ العالم‎ الإسلامي وعـاد شعـار الحاكمية‎‎‎ الإسلامية في‎ جميع‎ الأقطار الإسلامية يـحتـل‎ المـرتبـة‎ الأولـى‎ بيـن‎ الـشبـاب‎ والجامعيين‎‎ والمثقفين فـي‎ هـذه‎ الأقطار وعادت‎ إيران‎ الإسلاميـة‎ وهـي‎‎ التـي تـطرح‎ وتـنفـذ فكـرة‎‎ سيـادة الـشعـب‎ فـي‎ الإطار الديني‎ تقوى‎ وتتقدم‎‎ يوما بعد يـوم كمـا عاد الإسلام‎‎ الأصيـل‎ الـذي‎ اعـتبـره‎ الإمـام الخميني‎ >قدس‎ سرهإنَّ‎ المذاق‎ المر والمسموم‎ لليبرالية‎ الديمقراطية‎‎ الغربية ـ التـي‎ عمـل‎ الإعـلام‎ الأمريكي‎‎ بكل‎ خبث على تقديمها علاجاً شافيـاً ـ قد بثّ الوهن‎ فـي‎ روح‎ الأمـة‎‎ الإسلاميـة وجسّدها وأحرق‎ قلبها. وإنَّ‎ مـا يجـري‎ فـي‎ العراق‎ وأفغانستان‎‎ ولبنان وغوانتانامو وأبو غريب‎ والزنزانات‎ المخفية‎ الأخـرى‎ وقبل‎‎ ذلك‎ كلّه‎‎‎ ما يحصل في‎ مدن‎ غزّة والضفـة الغربية‎‎ قد ترجم‎ حقيقة المصطلـح‎ الغـربـي‎ للحرية‎‎ وحقوق‎ الإنسان‎ الـذي‎ روّج‎ لـه بكـل‎ وقاحة‎‎ وصلافة النظام‎ الأمريكي‎. لقد عادت‎ الليبرالية‎‎ الديـمقـراطيـة الغربية اليوم‎‎ في‎‎ العالم الإسلامي مفضوحة ومقـززة‎‎‎ كمـا كـانـت‎ عليـه الاشتـراكيـة والشيوعية‎ في‎ الشرق‎ بالأمس‎. إنَّ‎ الشعوب‎ المسـلمـة‎‎ تـوّاقـة لـنيـل‎ الحرية‎‎‎ والكرامة والتقدّم‎ والعزّة وفـي‎ ظل‎ الإسلام‎‎ . ولقد سئمت‎ من‎ تحكّم الأجانـب‎ والمستعمرين‎ لمائتي‎‎ عام‎ في شؤونها وتعبـت‎ من‎ الفقر والـذلـّة‎ والتـخلّـف‎ الـمفـروض‎ عليها. إنَّ‎‎‎ من حقّنا ـ ونستطيـع ‎ـ أن نـعيـد حالات‎ المهانة‎‎ والتكبّر للقوى‎ الجشعة إلى‎ نحورها هذا هو الشعور الصادق‎ لشعوبنـا وجيلنا والجيل‎ الحاضر للعالم‎ الإسلامـي‎ مـن‎ شرق‎ آسيا حتى‎ قلـب‎ أفـريـقيـا وهـذا هـو ميداننا الجهـادي‎ المـعقّـد والمـتنـوع والصعب‎ والممتد. وإذا اعتبرنا فلسـطيـن‎ راية‎ هذا الجهاد فإننا لم‎ نتجاوز الحق‎ّ. إنَّ‎‎ على‎‎ جميع‎ العالم‎‎ الإسلامي اليوم أن يجعل‎ قضية‎‎‎ فلسطين‎ قضيتـه. إنـه المـفتـاح‎ السحري‎‎ الذي يفتح‎ أبواب‎ الخلاص‎ أمام‎ الأمـة‎ الإسلامية. ويجب‎‎ أن‎‎ تعود فلسطيـن للـشعـب الفلسطيني‎‎ وأن‎ تدير كل‎ القطر الفلسطينـي دولة‎‎‎ فـلسـطيـنيـة واحـدة ينـتخـبهـا كـل‎ الفلسطينيين. لقد باءت‎‎‎ المحاولات التي‎ دامت خمسيـن‎ عاماً لانجلترا وأمريكا والصهاينة‎ لـمحـو اسم‎‎ فلسطين‎‎ من خارطة‎ العـالـم وتـذويـب‎ الشعب‎‎ الفلسطيني‎‎ في الشعوب الأخرى‎ بالفشـل‎ وأدى‎ الضغط والظلم‎ والاضطهاد إلى‎ نتيجة‎ عكسية.إنَّ‎ الشعب‎ الفلسطيني‎ اليـوم‎ أكثـر حيوية‎‎‎ وبسالة ونشاطاً من‎‎ أسلافه قبل‎ ستين عاماً ويجب‎ أن‎ تستمر هذه‎‎ المـسيـرة التـي‎ ولدت‎ في‎ ظل‎ الإيمان‎ والجهاد والإنتفـاضـة‎ المفعمة‎ بالفخر ويتحقق‎ الوعد الإلهي‎ حيـث قال‎ تعالى‎: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة المؤمنون/55 ‎إذا نظرنـا إلى‎ الـدائرة‎ الأوسـع‎ ـ أي‎ العالم‎ الإسلامي ـ‎ نجد أيضاً أنَّ‎ نيل‎ هذا الهدف‎ السامي‎ وهو التحرر من‎‎ تسلط المستعمرين وغطرستهم‎‎‎ وتدخلهم، والحياة‎ فـي‎ ظل‎ الإسلام أمر ممكن‎ وقابل‎‎ للتحقق‎ وهو يبتني‎ بشكـل طبيعي‎‎ على جهاد من‎ نوع آخر إنّـه‎ الـجهـاد العلمي‎‎‎ والسياسي والأخلاقي .ولقـد جـرب‎ الشعب‎ الإيراني‎‎ في الـ‎ 27 عاماً الماضية‎ ذلك‎ وقطف‎ ثماره‎‎ الحلوة. ويقوم‎ هذا الجهـاد المقدس‎ على‎ النزعـة‎‎‎ الإيمـانيـة والاتجـاه الشعبي‎‎ والتوجّه‎‎ العـلمـي وتتـمثـل‎ هـذه الميزة‎‎‎ بأن‎ كل‎ خطوة ثابتة في‎ هذا الطريـق‎ تجعل‎ الخطوة‎‎ التالية أكثر ثباتـاً، وأنَّ‎ طي‎ كل‎‎ مرحلة‎‎‎‎ منه تجعل المرحلة التالية أكثـر إمكاناً. إنَّ‎ الشرط الأصلي‎‎ لنجـاح‎ الـجهـاد فـي فلسطين‎ والجهاد في‎‎ العالـم‎ الإسلامـي هـو الثبات‎ على‎ المبادئ والأصول‎.إنَّ‎ العـدو يستهدف‎‎ باستمرار خطف هذه‎ الأصول‎ ويـؤكـد عبر الخداع والوعود والتهديـد على‎ غـض‎ الطرف‎‎ عنها ومع‎ حذف هذه‎ الأصول‎‎ أو تضـاؤل تأثيرها فإنَّ‎ العالم‎ الإسلامـي‎ سـوف‎ يـضيـّع‎ المعالم‎ الهادية‎ ويـعيـش‎ فـي‎ ظل‎ قـواعـد يركزها العدو وحينئذ فالعاقبة‎‎ واضحة. إنَّنا نجد البعض‎ منّا ومن‎ شعـوبنـا و بإيحاء وتبعية‎ للعـدو يـوصـوننـا بتـرك‎ أصولنا ويعتبرون‎‎ ذلك‎‎ نوعاً من التكتيـك والتدبير، ومهما كانت‎ دوافـعهـم‎‎ فـإنهـم يشكّلون‎ مصاديق‎ لقوله‎ تعالى‎: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} سورة المائدة/52 إنَّهم‎‎ لن‎‎ يحصلوا من خلال‎ تعاونهـم مـع‎ العدو على‎ أي‎ نفع‎ فقد أثـبتـت‎ أمـريكـا والغرب‎ معها أنَّها لن‎‎ ترحم‎ حتى‎ المستسلميـن فإذا استنفذت‎ الغرض‎ منهـم‎‎ رمـتهـم إلى‎ صندوق‎ النفايات‎. ويحاول‎ البعض‎ أن‎ يطرح‎ قدرة‎ العدو ويخيف‎ طلاب‎ الحـقّ‎ بهـا ولكـن‎ هـذا الكـلام‎ يتضمن‎ مغالطة‎‎ خطرة وذلك‎: أولاً: لأن‎‎ العـدو الـذي‎ يـخشـى‎ الإنسـان العاقل‎ من‎ التعرّض‎ له‎ ليس‎ هو العـدو الـذي‎ يستهدف‎ منافعه‎‎‎ الحياتية وأصل‎ وجوده. إنَّ‎ المقاومة‎ ضد مثل‎ هذا العدو هي‎ مما يـحكـم‎ به‎‎ العقل‎‎ الإنساني‎ بشكل قاطع‎ ذلـك‎ لأنّـه من‎‎ البديهي‎‎ أنَّ الخسارة‎‎ الحـقيـقيـة التـي تنشأ مـن‎ الاسـتسـلام‎ لـه‎‎ تسـاوي‎ الـخسـارة المحتملة‎‎‎ الناجمة من‎ الإصـطدام‎ بـه فضـلاً عمّا يستتبعه‎ الاستسلام‎ من‎‎ ذل‎ وهوان. إنَّ‎ الاستكبار العالمي‎ اليـوم‎ ـ الـذي‎ يعتبر الرئيس‎ الأمريكي‎‎ الحالي ناطقاً باسمه‎ ـ يهدد العالم‎ الإسلامي‎ بكل‎ صراحة‎ متحـدثـاً عـن‎‎ الحـرب‎ الصـليـبيـة‎. وإنَّ الشـبكــة الاستكبارية للصهيونية والمنظمات‎ التجسسية الأمريكية‎‎‎ والإنجليزية تزرع بذور الفـتنـة في‎‎ كل‎ العالم‎ الإسلامي عبر دعمها المـادي‎ وتشجيعهـا فـتتـم‎ الإسـاءة‎ للـمقـدسـات‎ الإسلامية‎‎ وحتى‎‎ الشخصية الملكوتية للنبي الأعظم‎‎ (ص) لا تسلم من‎ هذا التطاول‎ السخيف‎ ويتم‎‎ إنتاج‎ الآلاف‎ من‎ الأفلام السينمائية‎ والألعاب‎ الحاسوبية‎‎‎ وأمثالها لتشويه صـورة الإسلام‎ والمسلمين‎ ويدفع‎ بها إلى‎ السوق‎ كل‎ هـذا بـالإضـافـة‎ إلى‎‎ جـرائمهـم‎ فـي الإعتداء على‎ الأقطار الإسلامية ومذابحهم‎ في‎ فلسطين‎‎ والعـراق‎ وأفغانستان وتدخلهم‎ الجشع‎ في‎ الأقطار الإسلاميـة‎ لـضمـان‎ مصالحهم‎ السياسية‎‎‎ والاقتصادية اللامشروعة. إنَّ‎ الاستسلام‎‎ لهذا العدو أمـر يـرفضـه‎ حكـم العقل‎‎ مطلقاً ولا يوصي‎‎ العقل والشرع فـي هذا المورد إلا بالمقاومة. ثانياً: إنَّ‎ التهويل‎ والمبـالغـة‎ فـي‎ قدرة‎‎‎ العدو هو نفسه أحد الأساليب‎ الماكـرة لـه‎‎‎. إنَّ‎ المـال‎ والقـدرة الـسيـاسيـة والعسكرية والمعدات‎ الحربية الـمتـطورة والمتراكمة‎‎ إنَّما تخيف‎ الحكومات‎ المحـرومـة من‎‎ دعم‎ شعوبها وإنَّ الانتصـار العـسكـري‎ على‎‎ نظام‎‎‎ مثل‎ نظام صـدام ـ الـذي‎ لا يحـظى بدعم‎ من‎ شعبه‎‎ ولا يـملـك‎ جـيشـه أي‎ دافـع‎ إيماني‎‎ وجهادي‎ لا يعتبر دليلاً على القوة‎ ـ وها هي‎ أمريكا تقف‎ عاجزة‎ عن‎ الإنـتصـار على‎‎ الشعب‎ العراقي. إنَّ‎‎ العراق‎ كمـا استـطاع أن يـوضـّح‎ ويفضـح‎ هشـاشـة‎ الإدعـاء الأمـريكـي‎ لـنشـر الديمقراطيـة استـطاع أيضـاً أن‎ يـتحـدى‎ إدعائها للقدرة‎‎ المطلقة التي‎ لا تـقهـر ويسخر مـنهـا.إنَّ‎ الـشعـوب‎ والـحكـومـات‎ المعتمدة‎ على‎ شعوبها إن‎‎ تمتعت‎ برصيـد مـن الإيمان‎‎ بالله‎ والإيمـان بـذاتهـا واتخـذت‎ المقاومة‎ سبيلاً لن‎ تنهزم،‎ وسـوف‎ يـمنـحهـا صبرها على‎ مصاعب‎ الجهاد النصـر ويبـطل‎ الأسطورة‎‎‎ الكاذبة لقـدرة العـدو المـعتـدي‎ التي‎ لا تقهر وهذا ما أثبتته‎ الأحـداث الحاضرة‎‎‎ والماضية غير البعيـدة وسـوف‎ تثبته‎‎ بعد هذا إن‎ شاء الله. إنَّ‎ الحلقـات‎ الـمتـرابـطة‎ لـلتـآمـر الأمريكي‎ ضد إيران‎ والعـراق‎ وسـوريـا ولبنان‎ لتحقيق‎‎ السيطرة على‎ شرق أوسط يقوده النظام‎ الصهيوني‎‎ لن‎ تصل‎ إلى نتـيجـة‎ سـوى‎ الخسارة‎‎‎ المدمرة لقـادة أمـريكـا. ولـو احتكمت‎ أمريكا صدفة‎ لعقلهـا ووجـدانهـا كان‎‎‎ عليها أن ترفع‎ يدها عن تعنتهـا تجـاه‎ الشعب‎ العراقي‎ وتمكّنه‎‎ من‎ تحكيـم‎ إرادتـه في‎ اختيار حكومته‎‎ المفضلـة وأنَّ‎ تـحتـرم‎ الحكومة‎‎ المنتخبة من‎ قبل‎ الشعب‎ الفلسطيني‎ وتوقف‎ حليفها المتمرّد الشرير أي‎ النـظام‎ الصهيوني‎ الغاصب‎ عند حدّه‎ وتطلـق‎ سـراح‎ السجناء المظلومين‎ في‎ غوانتانامو وأبـو غريب‎ وباقي‎ سجونها السرية‎ فوراً وتوقـف‎ تآمرها ضد سوريا ولبنـان‎ والجـمهـوريـة الإسلامية‎‎ الإيرانية ولا تـلهـب‎ بـجهـلهـا منطقة‎ الشرق‎ الأوسـط والخـليـج‎ الفـارسـي‎ الحساسة. في‎ الختام‎ أقولها لشعـب‎ فـلسـطيـن‎ الباسل‎ المقاوم‎‎‎: لقد رفعتم رأس‎ العـالـم الإسلامي‎ عالياً بجهادكم‎‎‎ وصبركم ومقاومتكم الرائعة وعدتم‎ أمّة نموذجية.إنَّ‎ العب‎ء الثقيل‎ لهذه‎‎ المحنة العظمى‎ لم‎‎ تحن‎ ظهوركم وإنَّ‎‎ الـدم‎‎ الـطاهـر لـشهـدائكـم زاد مـن عزيمتكم‎‎‎ وثباتكم. إنَّ‎ عدوكم عبر القسوة‎ واستباحة‎ الدمـاء والـقتـل‎ والـدمـار والخطف‎ والأعمال‎ الوحـشيـة‎ لـم‎ يـستـطع‎ أن‎ يرغمكم‎‎‎ على‎ التراجع‎.إنَّكم اليوم أقوى‎ من‎ أي‎ وقت‎ مضى‎ وإنَّ‎ دماء الشهداء العـظام‎ مثل‎ الشيخ‎ أحمد ياسين‎ وفتحي‎‎ الشقـاقـي والرنتيسي‎‎ والشبـاب‎ الاستـشهـادي‎ وبـاقـي شهدائكم‎ المظلومين‎‎ انتصرت‎ لحـد الآن على‎ سيف‎ العدو وستنتصر بعد هذا بحول‎ اللـه‎ وقوته‎. إنَّنا في‎ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ ومعنـا حـتمـاً الأكثـرية‎‎ الغالبة مـن‎ المسلمين‎ والأحرار في‎ جميع‎ أنحاء العالم‎ ـ نعتبر أنفسنـا شـركـاء فـي‎ مـحنـتكـم‎ شهداؤكم‎‎‎ شهداؤنا ألمكم وحزنكم ألمنـا وحزننا وانتصاركم‎ انتصـارنـا. إنَّ‎ الأمـة‎ الإسلامية‎ الكبرى‎ لا تستطيع‎ كمـا هـو الغـرب‎ بأساليبه‎‎‎ المزورة أن‎ تـبقـى‎ سـاكتـة غيـر مبالية‎‎ تجاه الظلم‎‎ الذي‎ يطالكم وتمـد يد المودة‎ لعدوكـم‎ وكـل‎ مـن‎ يقـف‎ هـذا الموقف‎ معكم‎‎ فهو يتخذ سبيل‎ العداء لكم ولا ريب‎‎ أنَّ‎‎ الشعوب المسلمة‎‎ تتبرأ من هـذه الخطيئة‎ الكبرى.‎ إنَّ‎‎ على‎ الأمة‎‎ الإسلامية أن تدعمكم‎ بكـل‎ ما تستطيع‎ من‎ دعم‎‎ وتعينكم على‎ استدامة‎ هذا السبيل‎ المبارك‎. ثقوا بالوعد الإلهي‎ واحتسبوا عنـد اللـه‎‎ كـل‎ الآلام‎ الـمقـرحـة والـدمـاء المسفوكة‎ دون‎ حقّ‎ والمصاعـب‎‎ التـي‎ تصـب عليكم‎ يومياً ورددوا ما قاله‎ سيد شهداء العالم‎‎ الحسين‎‎ بن على‎‎ عليهمـا السـلام فـي تلك‎ اللحظة‎‎ التي‎ استشهد فيها طفله الرضيع‎ وهو يضمّه‎‎ إلى‎ صدره بسهم‎‎ مسموم : إنَّمـا يهوّن‎‎ الخطب‎ على‎ أنَّـه‎‎ بـعيـن اللـه.. واعلموا أنَّ‎‎‎‎ الله‎ ضمن للمؤمنين والمجاهدين الصابرين‎ النصر النهائي‎ وتمّت‎ كلمة ربّك‎ صدقاً وعدلاً لا مبدل‎ لكلماته‎. والسلام‎‎ عليكم ورحمه‎‎‎ الله وبركاته.  
2006/04/13

كلمته في أهالي محافظة خوزستان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيّما بقية الله في الأرضين.لَمِن دواعي فخري واعتزازي أن اجتمع اليوم في هذا المكان بمجموعة من قوافل الزائرين وثلّة من المشتاقين لعبق الشهادة والشهداء.في البداية أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء من هذه المنطقة، وبالإخوة والأخوات الأعزاء الذين قَدِموا من مختلف أنحاء البلاد؛ لتجديد العهد مع الشهداء وتخليد ذكراهم.إنّ مصير البلد والشعب وحاضرهما ومستقبلهما يُدين بالعرفان لتضحيات هؤلاء الشهداء ولدفاع أبناء هذه المنطقة، الذين وقفوا سدّاً منيعاً بوجه الأعداء، وضحّوا بأرواحهم وأموالهم في سبيل المحافظة على استقلال البلد وعزة هذا الشعب وكرامته.فلقد شاهدت في المنطقة شعباً مؤمناً مضحّياً وفيّاً للإسلام والوطن، وقف بحزم وصلابة بعثرت جميع حسابات الأعداء البعثيين وجميع أعوانهم الأجانب.وشاهدت شباباً مؤمناً، عزفوا عن لذّة العيش في كنف العائلة وفي ظل حنان الوالدين، وقَدِموا من مختلف مناطق البلد الى هذه المنطقة الحدودية النائية للدفاع عن شرف الجمهورية الإسلامية وكرامتها وعزّتها؛ حتى جعلوا من خوزستان منطقة لفشل مؤامرات الأعداء، وإحباط حساباتهم ومخططاتهم؛ لأن النظام الديكتاتوري في العراق وأعوانه ـ أمريكا والاستكبار العالمي ـ قد وضع حسابات خاصة لهذه المنطقة، لكن شجاعة أبناء هذه المنطقة وإيمانهم وغيرة شبابنا المسلم من مختلف مناطق البلد بدّدت أمانيهم وأفشلت جميع حساباتهم.لقد ضمّت هذه الأرض بين ذرّاتها أرواحاً طاهرة نذرت نفسها فداءاً للإسلام، نخصّ بالذكر روح الشهيد جمران. فطابت أرواح الشهداء والمجاهدين في سبيل الله وخلدت ذكراهم ممن ضحّوا بأرواحهم في سبيل المحافظة على كرامة البلد واستقلالها، خاصة شهداء خوزستان والشباب العربي المؤمن من أبناء الأهواز وسوسنگرد وشادگان والحميدية والحويزة وغيرها من مناطق المحافظة وشهداء عبادان وخرمشهر.الرسالة الأولى أوجّهها للاستكبار العالمي؛ ليعلم الاستكبار العالمي، أنَّ هذا الشعب رجالاً ونساءاً، شباباً وكهولاً، سيبقى جيلاً بعد جيل شعباً قوياً عظيماً صقلته التجارب والأحداث، فحمل رسالة عظيمة هي الدفاع عن الإسلام ورفع رايته خفّاقة عالية في هذا البلد، حتى غدت مناراً تَشْخَص إليه أبصار مليار ونصف مليار مسلم في مختلف بقاع العالم، وسبباً لارتقاء مكانة شعبنا وثورته الإسلامية لتصبح رمزاً يحتذى به في كافة دول المنطقة، وفي فلسطين، ودول شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية.الرسالة الثانية أوجّهها للمسؤولين في الحكومة: أوصي جميع المسؤولين في البلد على احترام هذا الشعب، وتقوية أواصر التلاحم والتآخي بينهم وبينه، والعمل بكل قدراتهم على خدمة جميع أفراده في كافة مناطق البلد، خاصة منطقة خوزستان الغنية جدّاً بمواردها الطبيعية وقواها الإنسانية.أشكر الله تعالى على وجود مثل هذه الحكومة التي تتمتع بكل ما يبتغيه الشعب من كفاءات عالية ورجال مستعدّين توّاقين لخدمة الشعب وبناء البلد.عندما زرتُ خوزستان سنة (1375 هـ.ش ـ 1996م) تنقّلت في جميع مناطقها، واطّلعت عن كثب على أوضاع بعضها بنفسي، والبعض الآخر من خلال التقارير التي رفعتها إليّ الهيئات التي أرسلتها لتفقّد أوضاعها، فلو أننا تمكّنا من تنفيذ جميع المشاريع والبرامج المقررة خلال السنوات التسعة الماضية، لحققّنا نتائج متقدمة في هذه المناطق.ومع ذلك لا يزال هناك متّسع من الوقت لبذل الكثير من الجهود المخلصة والمساعي الحثيثة لإعادة بناء محافظة خوزستان ومحافظات البلد الأخرى. والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته‏والآن أريد ان أحچي وإياكم أيها الأخوة والأخوات العرب! باللغة العربية الحبيبة. مرّة أخرى يعاودني الشعور بالفخر والسعادة وتثور فى نفسى ذكريات مهيّجة عزيزة وأنا أجد نفسى فى هذه المنطقة وبين الأعزة من إخوانى وأخواتى العرب الكرام. هنا بالذات وبينكم أنتم أيها المواطنون العرب شاهدت بأمّ عينى خلال سنوات الدفاع المقدس عظمة جهادكم وجسامة تضحياتكم هنا فى هذه الأرض الطاهرة رأيت رجالاً ونساء مفعمين بالإيمان واليقظة والشجاعة قد بلغوا من القوّة فى إحباط مكائد العدو المهاجم ودسائسه بقدر قوّتهم فى التغلب على دبّاباته ومدافعه وأعوانه البعثيين السفلة. هنا بالذات عشت مع قلوب طافحة بالولاء لآل بيت رسول ‏اللَّه(صلى‏ اللَّه‏ عليه‏ وآله‏ وسلّم) وبالوفاء للوطن الاسلامى قد صيّروا من شبابهم زبر الحديد ومن رجالهم حصوناً منيعة للدفاع عن ثغور الوطن. لقد قضيت هنا أياماً وليالى مع مواطنين مخلصين ودودين ذوي حميّة دينية وشهامة حسينية ومفاخر عظيمة سطّروها فى جهادهم ضد الإنجليز وعملائه المأجورين وعلى طريق الثورة الاسلامية واستقلال الوطن وكرامته. لقد استجدّت فى نفسى هذه الذكريات فى أهواز قبل تسع سنين حين التقيت بإخوة أعزّة كرام قدموا من الحميدية وسوسنگرد وشادگان وهويزة وسائر مناطق خوزستان. وانعكست فى ما القاه الشعراء والخطباء العرب من أبناء هذه المنطقة وبلغت أسماع جميع الشعوب العربية.إن السرور ليغمرنى أن أزور اليوم مرة أخرى جمعاً منكم أيها المواطنون العرب. وأن أرى أمامى وبعد مرور على ما مضى، مستقبلاً زاهراً لهذه المنطقة الحساسة من وطننا الاسلامى. أيها الأخوة والأخوات الأعزّة! مما لا شك فيه أنّ هذه المحافظة بإمكانياتها الهائلة وبهمّة أهاليها والمسؤولين فيها قادرة أن تتحول الى نموذج لتطوّر البلاد. لو أنّ ما وضعناه من خطط لهذه المحافظة فى زيارتى السابقة قد نفّذ بشكل كامل لكنّا اليوم أقرب بكثير من الوضع الذى نتوخّاه ونطلبه. ولكنّى أعلم وكلّى ثقة أنّ هذه الحكومة الجديدة ـ الّتى هى حكومة العمل والخدمة ـ قادرة بحول اللَّه وقوّته أن تقطع خطوات رحبة على هذا الطريق وأن تقرّبنا كثيراً ممّا نريده لأهلنا فى خوزستان. وأغتنم الفرصة لأطلب من كل أهالى هذه المحافظة ـ عرباً وغير عرب ـ أن يساعدوا الحكومة فى إعمار خوزستان وإيصالها الى الوضع المطلوب. إنَّ الشعب الإيرانى ـ كما تعلمون ـ له أعداء؛ لا يريدون أن يحقق هذا البلد تقدماً يتناسب مع عظمته وهؤلاء يعمدون الى الوان المؤامرات ومن تلك، الاخلال بالأمن والاستقرار ليصدّوا عمليات الأعمار والازدهار ويدفعوا بالحكومة إلى الانشغال فى المشاكل اليومية. إنَّ مجاورة المحتلّين الإنجليز فى محافظتى البصرة والعمارة فى العراق؛ الذين جاهروا بعدائهم وخبثهم خلال قرنين تجاه الشعب الايرانى يمهّد لتآمر المعتدين. لكنّ حكومة ايران وشعبها وخاصة غيارى خوزستان سيتغلّبون على هذا التآمر، على جميع هذه التآمرات، وسيردّون كيد الأعداء الى نحورهم بإذن اللَّه تعالى. نسأل اللَّه سبحانه وتعالى أن يبعد عن الشعب العراقى المظلوم، شرّ المحتلّين وأن يمنّ على الشعبين الايرانى والعراقى بالرفعة والعزّة والتقدم فى ظلال راية الاسلام وحبّ رسول اللَّه وآل بيته الكرام (صلوات اللَّه‏ عليهم‏ أجمعين). آمين يا ربّ العالمين.والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته  
2006/03/24

كلمته في حشود أهالي مشهد و زوار مرقد الإمام الرضا (ع) في الحرم الرضوي الشريف

21/03/2006 م
2006/03/21

كلمته في صحن الروضة الرضوية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصّلات والسّلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين سيّما بقية الله في الأرضين.
2006/03/20

كلمته في لقائه أعضاء مجمع الاتحادات الإسلامية للطلبة الإيرانيين

بسم الله الرحمن الرحيمأنا مسرور و سعيد جداً لهذا اللقاء الحميم بكم أيها الشباب الأعزاء . الأجواء التـي تخلقونها بإخلاصكم و نقائكم أينما تحضرون أجواء طيبة و لطيفة جداً بالنسبة لـي . لاشك أن الشباب من الطلاب و الطلبة الجامعيين و طلبة العلوم الدينية هم زبدة الشباب فـي البلاد . كلما كان الشعور بالالتزام و المسؤولية و العمل أكثر فـي أوساط هذه الشريحة المليونية العظيمة كلما ارتقت قيمة الشباب أكثر ، و ينبغي عدم الشك فـي أن الاتحادات الإسلامية للطلبة من المنظمات المثابرة و الفاعلة و المؤمنة . لذلك أعتبر اللقاء بكم فرصة مغتنمة و أنظر لكم كعناصر جد عزيزة أعرف قدرها و أنمّي فـي قلبـي الأمل فـي أن يكون لكم فـي مستقبل هذه البلاد دور و نشاط بوسعه تحقيق الآمال الكبيرة لهذا الشعب إن شاء الله .من أبرز الآمال التـي يحملها كل شاب فـي أعماركم ـ فتى كان أو فتاة ـ هو أن يعيش فـي بيئة و مجتمع يتسم بالخصائص التالية : أن يكون مجتمعه مجتمعاً متطوراً علمياً و مدنياً ، يتصف بالعدالة و العلاقات الاجتماعية و الأخلاقية الإنسانية ، و أن تكون الآفاق فيه مشرقة لجميع الأفراد و لاسيما الشباب . العمل العظيم الذي قام به شعبنا قبل ستة و عشرين عاماً ـ و أعنـي به تفجير الثورة الإسلامية ـ لو كان قد حدث قبل ذلك بخمسين عاماً أو حتى ثلاثين عاماً لكنا اليوم نتمتع بذلك المجتمع المثالـي فـي بلادنا . حينما قامت الثورة الدستورية (المشروطة) أو فـي سنوات ما بعد هذه الثورة ، لو استطاع الشعب الإيرانـي القيام بما قام به فـي الثورة الإسلامية ، لكنا قد انطلقنا فـي المسيرة منذ ذلك الزمن ، و كان لنا اليوم مجتمع يتحلى بالمعنوية و الإيمان ـ و هذا مهم جداً بالنسبة للشباب ـ لكنهم لم يسمحوا للشعب الإيرانـي بمثل هذا التحول حين كان ظامئاً إليه . و حين نقول لم يسمحوا له بذلك فهو قول يرتكز لحسابات علمية دقيقة جداً . لا أن الشعب الإيرانـي لم يشأ أو لم يكن مستعداً للتضحية . بلى ، لكنهم فـي ثورة الدستور انتهزوا قلة التجربة لدى الشعب و قادته ، و انحرفوا بالتحرك العظيم الذي شهده هذا البلد ضد استبداد الملوك الطويل ـ الذي كان مصدر كل المآسي و البؤس ـ و نخروه من الداخل و هدموه . قصة الثورة الدستورية من القصص المرة فـي تاريخنا المعاصر . نزل الشعب الإيرانـي إلى الساحة ، و استطاع القادة من رجال الدين و العلماء الكبار و مراجع الدين فـي النجف تعبئة الجماهير داخل البلد و قدّم الشعب أغلى التضحيات ، لكنه كان عديم التجربة لذلك استطاع الأعداء المندسون و السلطويون الأجانب هدم هذه الحركة من الداخل و إحباطها و القضاء عليها .طبعاً ، كان العدو آنذاك هو الحكومة البريطانية على وجه التحديد ، إذ كانت تمارس فـي العالم ذات الدور الذي تلعبه أمريكا حالياً . كان هدفهم الهيمنة و التطاول و فتح البلدان و التدخل فـي شؤون الشعوب لامتصاص ثرواتها الوطنية و فرض التخلف عليها فـي آسيا و أفريقيا و أي مكان آخر . استخدموا منذ الأطوار الأولى أساليب معقدة و انحرفوا بالثورة الدستورية إلى غير الطريق الذي تحرك الشعب من أجله ، و هو الاستقلال و الحرية تحت ظل الإسلام . رشقوا بعض قادة الثورة الدستورية بالتهم ، و أعدموا البعض الآخر ، و اغتالوا آخرين ، و فرضوا على بعضهم التزام البيوت و العزلة ، و سيطروا على الأجواء و الساحة عبر عملائهم و غوغائهم . و بعد مضي عشرة أو خمسة عشر عاماً ، إلتفّ الإنجليز على حركة الشعب الإيرانـي البطولية العظيمة فـي ثورته الدستورية و جاءوا برضا خان بهلوي إلى الحكم . لم يكن للشعب تجربة . حتى القادة لم يكن لديهم تجربة ، لذلك استطاع العدو أن يفعل فعلته . و هكذا تأخرت بداية هذه الحركة العظيمة ثمانين أو تسعين سنة و قد فعلوا طوال هذا المدة كل ما استطاعوا بهذا البلد و الشعب المظلوم . جاءوا بالبهلويين إلى السلطة ليفرضوا هيمنة الأجانب ـ التـي تعد استكمالاً لمصير الشعب الأسود بعد الاستبداد الداخلي ـ على الشعب ، و لأنهم يعلمون أن الشعب مطلع على التطورات العالمية ، و لكي يسكتوا تطلعه الصادق للتقدم و الرقي شغلوه ببهارج الحضارة و سفاسفها ، و حرموه من حقيقة الحضارة الغربية ـ و هي العلم و التقدم ـ و ألهوه بالظواهر و القشور ، كالطفل الجائع الذي يحتاج طعاماً يأكله فيعطونه بدل الطعام المفيد ذي الپروتينات و الفيتامينات الكافية أطعمةً صناعية تقتل شهيته فلا يطالب بالطعام الحقيقي . هذا ما فعلوه بشعبنا .قضى هذا الشعب سنوات طويلة تميزت بالعنت نتيجة هيمنة الأجنبـي ، إلى أن تمهدت الأرضية للثورة الإسلامية . ظهر بين الجماهير قائد حكيم قوي ذو إرادة و عزم راسخ و مكانة نافذة فـي جميع القلوب فنزل إلى الساحة و كان الشعب قد اكتسب التجربة اللازمة ، لذلك قامت الثورة الإسلامية و لم تنفع حيل الأعداء هذه المرة ، لأن الشعب و قادته كانوا قد توفروا على التجربة الكافية فـي الثورة الإسلامية . فـي عهد الثورة الدستورية لم يكن القادة و الشعب يعلمون مدى خطورة كمائن الأعداء المعدّة سلفاً ، لذلك هدموا أسوارهم و حصونهم و صاروا مكشوفين أمام هجمات الأعداء ، فتقدم العدو و فعل كل ما حلا له فـي هذا البلد . أما فـي الثورة الاسلامية فقد استفاد شعبنا و قادتنا العلماء و مستنيرونا الصادقون من تجربة الثورة الدستورية و أدركوا أن عليهم الحفاظ بقوة على السور المعنوي ـ سور الإيمان و القيم الثورية و اليقظة ـ مقابل مؤامرات الأعداء .حين ترون أن شعبنا لم ينس شعار «الموت لأمريكا» حتى بعد ستة و عشرين عاماً ، فذلك لأن الغفلة عن مؤامرات الاستكبار العالمي تساوي الوقوع فـي فخ هذه المؤامرات . و الواقع أن شعار «الموت لأمريكا» الذي يردده شعبنا يشبه عبارة «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» التـي تقال فـي بداية كل سورة قرآنية قبل «بسم الله الرحمن الرحيم» . لماذا الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ؟ لكي لا ينسى الإنسان المؤمن وجود الشيطان حتى للحظة واحدة ، و لا ينسى حتى للحظة واحدة أن الشيطان متربص للهجوم عليه و تهديم أسواره المعنوية و الإيمانية . و «الموت لأمريكا» هو من أجل أن لا ينسى الشعب أن المهيمنين العالميين كان لهم مصالح جمة فـي هذا البلد و قد صُدّوا عن هذه المصالح . إنهم يعملون دوماً لاستعادة تلك المصالح فـي داخل البلاد فيضاعفوا بذلك من ثرواتهم و علومهم و تقنياتهم على حساب مواهب شبابنا و مستقبل بلادنا . إذن بدأ الشعب الإيرانـي متأخراً ، بدأ من الثورة الإسلامية .من أجل تغيير الواقع الذي كان يعيشه الشعب إلى الوضع المنشود الذي شرحتُهُ فـي البداية لا تكفي سنة و سنتان و عشر سنين . إنها تغييرات اجتماعية عميقة هائلة يجب أن تتكون على مدى أجيال . لقد قطعنا لحد الآن مسافات طويلة من هذا الطريق . الذين هم فـي أعماركم أو أكبر منكم بقليل ممن شاركوا فـي الثورة الإسلامية و بذلوا قصارى جهدهم ، نهضوا بواجباتهم على خير وجه فـي ذلك الحين ، و الجيل الذي أعقبهم أيضاً بذل جهوداً مشكورة طوال ستة و عشرين عاماً .حين تشاهدون اليوم أننا أحرزنا تقدماً فـي العلوم الذرية و فـي علم الخلايا الأساسية ـ و هو من العلوم النادرة جداً فـي العالم ـ و فـي كثير من الحقول الأخرى حتى أرغم أعداؤنا أيضاً على الاعتراف بذلك ، فما هذا إلاّ دليل أن البيئة التـي تسودها الثقة بالذات و يؤمن فيها الشعب بقدراته و يعمل بحرية بعيداً عن هيمنة الأجانب ، ستساعده على فتح كل القمم . بوسعنا أن نفتح قمم العلم و الأخلاق ـ لا العلم المنزوع عن الأخلاق أو الناقض للأخلاق مما يلاحظ اليوم فـي العالم الغربـي ـ و التقدم و العزة الحقيقية للإنسان فـي المجتمع ، و نكرس العدالة و العلاقات العادلة فـي بلادنا ، و نعمل بطريقة تجعل كل شاب إيرانـي حينما ينظر أمامه يجد الآفاق كلها مشرقة منيرة . العالم الغربـي اليوم يشعر بعجز فـي هذا الجانب . البلدان التـي تتبوأ قمة التقدم العلمي و الصناعي و المادي يشعر شبابها باليأس و عتمة المستقبل ، لذلك يزداد الانتحار و الجنوح بينهم . بمقدورنا نحن توفير البيئة المتفائلة الحماسية فـي البلاد إلى جانب التقدم المادي و المعنوي و العلاقات العادلة ، و لكن شريطة أن تعملوا أنتم الشباب بالطريقة الحرية بجيلكم فـي مثل هذه الفترة .ألاحظ لحسن الحظ أن شبابنا واعون يقظون . و تواجد الاتحادات الاسلامية من المؤشرات على ذلك . تواجد الشباب ـ سواء الطلاب أو طلبة الجامعات أو طلبة العلوم الدينية ـ فـي الميادين الاجتماعية المختلفة ، و تفكيرهم و تخطيطهم للمستقبل ـ و هو ما ألاحظُ مؤشراته و علاماته ـ كلها دلائل على أن شبابنا ينشطون بصورة جيدة ، ولكن يجب أن يكونوا يقظين أيضاً . فـي ظروفنا الحالية لابد من اجتياز مسافة معينة للوصول إلى تلك القمة . لابد من اجتياز هذه المسافة . بالقعود و الركون إلى الراحة و الانشغال و التلهي بالأهواء و الألاعيب التـي يزرعها العدو فـي طريقنا و طريق شبابنا لن يتسنى اجتياز هذه المسافة . على هذا الجيل استكمال إنجازات الماضين و إتمامها . يجب أن تدرسوا بشكل جيد و تراعوا الأنضباط و النظام الاجتماعي بنحو دقيق . البيئة الصاخبة و البيئة التـي ينعدم فيها الأمل على الضد من التطور . لاحظوا أن أعداءنا الذين يئسوا من المواجهة المباشرة مع شعبنا ، و يريدون الآن التأثير عليه بطرق ملتوية ، لاحظوا أنهم يستخدمون هذه الأساليب ، أي يحاولون تصوير الآفاق على أنها حالكة و معتمة فيبثوا اليأس فـي نفوس الشباب و يشغلوهم بألعاب و تسليات شتى ، و يصدوهم عن طلب العلم و يحثوهم على الغوغائية و الفوضى . لذلك ينبغي التيقظ . ينبغي اجتياز هذه المسافات بالإخلاص فـي العمل و التضامن و بالسعي المتفائل المحموم ، و بالعمل المدروس الصحيح ، و فـي نفس الوقت بالتوكل على الله و الاستمداد من الخالق . على الشباب أن يأخذوا كل هذه الأمور بنظر الاعتبار .يستطيع شبابنا اليوم التعرف على الشؤون السياسية و القضايا الكبرى فـي البلاد . فـي الماضي لم يكن الشباب فـي مثل أعماركم يدركون شيئاً عن قضايا البلد السياسية . تأتي الحكومات و تذهب و تتغير و تقام انتخابات صورية يبعثون من خلالها عدداً من الأشخاص طبقاً للائحة البلاط إلى ما يسمونه مجلس الشورى الوطنـي ، و لا يعلم بذلك أحد ! لم نكن نعرف حتى أسماء رؤساء الحكومات . لم يكن لأحد من الشباب مثل هذه الرغبة و الشوق . قنوات المعرفة السياسية كانت مغلقة . لكن الوضع ليس كذلك اليوم . شبابنا اليوم مطلعون على مخططات الاستكبار ، و يفهمون معنى تواجد الاستكبار فـي المنطقة بكامل عدّته السياسية و العسكرية . يفهمون دور أمريكا فـي فلسطين المحتلة . يعرفون القيمة و الأهمية البالغة للجهاد الفلسطينـي . حين كنا فـي أعماركم ربما لم نسمع حتى باسم فلسطين . و قد كان الكفاح جارياً آنذاك و كانت فلسطين مغتصبة ، لكن أحداً لا يعلم بذلك . أما اليوم فشبابنا يعلم كل هذا .أنا من المؤيدين لاطلاع شبابنا على قضايا البلد السياسية و تحلّيهم بالقدرة على التحليل . طبعاً لا أرتضى للشباب ألاعيب السياسة و التحول إلى أداة بيد هذا الحزب أو ذاك . هذه الأمور لا تورث الشباب أي فخر أو اعتزاز ، أما أن يعلم الشاب أنه قادر على التأثير و ممارسة دور معين فلهذا قيمة كبيرة طبعاً . أدرك شبابنا فـي فترة الدفاع المقدس أنهم قادرون على ممارسة دورهم ، و قد مارسوا هذا الدور فعلاً . تقاطر الشباب ذوو الستة عشر و السبعة عشر عاماً على ساحة القتال و رابطوا أربع سنين ، و خمس سنين ، و ست سنين ، و ثمانـي سنين ـ على اختلاف الأشخاص ـ فـي ساحة القتال ثم تخرجوا من ساحة الحرب شخصياتٍ مميزة واعية قديرة كفوءة . التعبئة الشعبية العامة ـ التـي انطلقت يومئذ بأمر الإمام ـ جعلت شبابنا متمرسين و واعين بحيث لعبوا دورهم فـي الدفاع المقدس ، و فـي الميادين الأخرى أيضاً . و الحال كذلك اليوم أيضاً .مشاركة الشباب فـي سوح الانتخابات الإيرانية كانت على امتداد الزمن مشاركة طيبة و مؤثرة و مصيرية . و يجب أن تكون كذلك الآن أيضاً . أمامنا انتخابات فـي مستقبل غير بعيد ، بعد نحو شهرين أو ثلاثة . على شبابنا أن ينظروا لقضية مثل قضية الانتخابات كعمل صالح و مهمة كبيرة . ذكر حضرة السيد علي أكبري فـي كلامه عبارة جيدة و هي أن الانتخابات بالنسبة لشبابنا الذين يشاركون فيها لأول مرة تعد فـي الواقع حفل تكليفهم السياسي . حفل التكليف العبادي يقام يوم يكلف الإنسان و يؤدي الصلاة . و حفل التكليف السياسي يقام يوم يذهب الشاب و يمارس دوره لأول مرة فـي انتخاب شخص معين إما كنائب فـي مجلس الشورى ، أو كنائب فـي المجلس البلدي ، أو كرئيس جمهورية . هذا شىء له قيمة عالية جداً .الدراسة و النزاهة و اجتناب المتع الفارغة من واجبات الشباب . أنا طبعاً أؤيد تماماً تسلية الشباب و الترفيه عنهم و ابتهاجهم ، بيد أن بعض المتع و التسليات المنحرفة يقحمها أعداؤنا عامدين إلى مجتمعنا بهدف إغفالنا و إغفال شبابنا . و هذه حالة لا تختص بمجتمعنا . يفعلون هذا فـي كثير من البلدان الأخرى . توفرت لدينا خلال السنة أو السنتين الماضيتين العديد من الأخبار أنهم فـي بلدان آسيوية مختلفة ـ كماليزيا و الصين و ... ـ و حتى البلدان الأوربية جمعوا و أتلفوا الأقراص المضغوطة التـي دخلت بلدانهم عن طريق التهريب و وجدوا أنها ضارة و مُضلّة لشبابهم . و الواقع أنهم تصرفوا مع هذه الأقراص المضغوطة كالمخدرات التـي يحرم على الشباب الميل إليها . الذين يهرّبون هذه البضائع هم الصهاينة الخبثاء فـي الغالب . إنهم سبب ضلال الشباب و فسادهم فـي الكثير من البلدان لاسيما البلدان الإسلامية و خصوصاً إيران . لماذا ؟ لأنهم يخافون مستقبل إيران. لا يريدون أن يبلغ الشعب الإيرانـي التقدم العلمي و التقدم المدنـي و التقدم الاجتماعي فيكون نموذجاً لسائر البلدان الإسلامية . و الحركات الإسلامية فـي البلدان الأخرى تشير إلى أن الشعب الإيرانـي قد غدا نموذجاً بالفعل ، ولكن يوم تستطيعون فتح قمم العلم و الإيمان و التعايش الإنسانـي و الأخلاقي و تحقيق مجتمع متقدم عادل معنوي يتمتع بالماديات و المعنويات الكافية ، و حين تتمكنون من تكريس القيم الثورية ، سوف تعطب أسلحة العدو بالكامل . لذلك يريدون أن لا تبلغوا هذه المرحلة .علي الاتحادات الإسلامية أن تقوي تنظيمها . هذه الأواصر القلبية و الإيمانية التـي تتبدى فـي الاتحادات الإسلامية حالة محبذة و مغتنمة جداً فحافظوا عليها و عززوها . المحافل التـي يكوّنها الاتحاد من مجاميع الطلاب و الشباب يجب أن تتشبع بالمعارف الأخلاقية و الدينية و السياسية . من حيث الدراسة يجب أن تكونوا نموذجاً لباقي الشباب ، و كذلك من حيث المساهمة فـي الميادين الاجتماعية و السياسية المختلفة . كونوا إشارة الطريق للشباب الذين ينظرون إليكم و يستلهمون الدروس منكم . و هذا طبعاً غير متاح بمجرد الادعاءات و الإكراه . ينبغي أن تبنوا أنفسكم بحيث يحترم الآخرون بشكل طبيعي نظرتكم ، و إشاراتكم ، و آراءكم و يعدونها قيّمة و ذات اعتبار و يستفيدون منها كدلائل و معالم فـي الطريق . هذا ما يجب أن تكون عليه أعمال الاتحادات الإسلامية و برامجها . وسّعوا من دائرة تأثيركم . إن جيل طلابنا الشباب اليوم جيل صالح جداً . عليكم أن تبنوا أنفسكم فـي فترة الدراسة و الثانوية بحيث لو انتقلتم غداً إلى الجامعة أو الحوزة العلمية إن شاء الله لاستطعتم أن تكونوا مأثرين هناك أيضاً . إجعلوا شخصياتكم متأهبة علمياً و أخلاقياً و من حيث السعي و النشاط و المثابرة فـي المجالات الاجتماعية و السياسية بحيث تشعّون كالمصباح فـي أي مكان تتواجدون فيه .و أنا بدوري أدعو لكم جميعاً يا أبنائي الأعزاء ، و أطلب من الله أن يشملكم بلطفه و فيضه و هديه و رفقته ، و ستشملكم جميعاً إن شاء الله أدعية سيدنا بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه) . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته   
2005/03/13

كلمته في لقائه كوكبة ًمن المهندسين و الباحثين التقنيين و الصناعيين في البلاد

بسم الله الرحمن الرحيمالجلسة هذه طيبة و قيمة جداً . اجتمعت هنا طائفة من المبرزين و الواعين و ذوي الكفاءات و المتخصصين . هذا أولاً و ثانياً تمر علينا الذكرى السنوية لكوكب علمي ساطع فـي تاريخنا الملئ بالمفاخر ، و أعنـي به نصير الدين الطوسي . يوم نستعيد فيه ذكري ذلك الإنسان الكبير . ثالثاً : حضر اجتماعنا هذا عدد من مسؤولـي القطاعات التنفيذية فـي البلاد ممن لهم صلة بالقضايا التـي تعانـي منها هذه الفئة . و قد أدلوا ببعض الإيضاحات كانت مفيدة . و أريد أن أشير فيمايلي إلى عدة نقاط :النقطة الأولى هي أن كلياتنا الصناعية كانت على امتداد سنوات ما قبل الثورة و ما بعدها مراكز تحتضن خيرة المواهب فـي هذا البلد . منذ الفترة التـي أستطيع استذكارها ـ فترة الشباب و الارتباط بالجامعات و الطلبة الجامعيين و المناخات الجامعية ـ ضمت الكليات الصناعية و الهندسية و المراكز العلمية ذات الصلة بالهندسة على اختلاف شعبها ، ضمت أفضل الطلبة الجامعيين تفكيراً و أكثرهم توثباً و نشاطاً . لنضع هذه الحقيقة إلى جانب حقيقة أخرى هي مستوى الذكاء و النباهة العالـي نسبياً لدى الأجيال الإيرانية ، و هذا من الأمور الأكيدة و ليس مجرد شعار أو دعاية . ذهنية الإيرانيين و ذكاؤهم أعلى من متوسط الذهنية و الذكاء لدى باقي شعوب العالم . هذا كلام علمي و إحصائي و نتيجة بحث و تحقيق . ماضينا أيضاً يدل على هذا . الثقافة و الحضارة الإيرانية فـي مختلف أحقابها تعد مؤشراً بارزاً و راية خفاقة لشعوب العالم . و فـي الحقبة الإسلامية أيضاً كان الشعب الذي استطاع أن يستلهم من الإسلام العلوم و الفلسفة و المعارف المختلفة و أساليب الحياة ، و يشيّدها ضمن إطار منطقي متين ، و يعرضها على العالم كله ، هو الشعب الإيرانـي عموماً، و هذا ما يوافقه الآخرون و يؤيدونه .خذوا بنظر الاعتبار كتلة وطنية ذكية و صاحبة مواهب وافرة و ثرة ، تبعث خيرة أبنائها و أذكاهم تقريباً إلى الأقسام الصناعية و الهندسية . فما ستكون النتيجة ؟ ما يتوقعه المرء من هذه المجموعة ـ و هم زبدة البلد و الأمة و نخبتها و خيرة عقولها ـ سيكون بطبيعة الحال توقعاً كبيراً جداً . و للأسف يجب القول إن هذا التطلع لم يتحقق فـي عصورنا الماضية التـي سبقت الثورة . و لهذا أسباب سأشير لها على وجه الإيجاز . أضف إلى ذلك التنوير و التفكير الاجتماعي الحي لدى الطلبة الجامعيين فـي هذا القطاع . كما أشاروا و هم على صواب فإن أعلى نسبة من الطلبة المجاهدين و الواعين و الناشطين فـي الميادين السياسية كانت فـي هذه الكليات الصناعية .النقطة التالية هي أن البلد حين يعيش ظروف انحدار اجتماعي أو سياسي أو صناعي ، ستكون أعظم خسارة يُمنى بها هي عدم استثمار أرصدته . هذه حالة طبيعية فـي فترات الانحدار . لقد أمضينا فترة انحدار و انحطاط مؤسفة للغاية طوال ما يقارب المائة سنة. تبدأ هذه الفترة من أواسط العهد القاجاري و تستمر إلى نهاية العهد البهلوي . أي كنا حتى خلال العهد البهلوي الذي يعد فترة تحديث حسب رؤية المسؤولين الحكوميين و المستنيرين آنذاك ، نتحرك حركة انحدارية رجعية للأسف . لماذا نصف ذلك بالانحطاط ؟ قد لا تكون لنا إنجازات كبيرة على الصعد العلمية و الصناعية فـي بدايات العهد القاجاري أيضاً ، لكنـي لا اعتبره عصر انحطاط ، و أعتقد أن الانحطاط بدأ من أواسط الحقبة القاجارية فما بعد . لماذا ؟ لأن الشعب الإيرانـي فـي هذا العصر نأى عن حركته الطبيعية التـي كانت تتسارع حيناً و تبطؤ حيناً ، أي إن الشعب الإيرانـي أصيب بنوع من السحر و الانبهار . لا يمكن لشعب من الشعوب أن يكون رائداً على الدوام . الشعب الموهوب قد يكتسب ، لأسباب مختلفة ، سرعة و تقدماً فائقاً أحياناً ، و قد يعتريه البطء فـي أحيان أخرى . ولكن قد يصاب الشعب حيناً بالانبهار أو الخضوع لسحر معين ، و قد وقع هذا الانبهار لشعبنا . الانبهار أمام ماذا ؟ أمام وجود فتـي حي ذي نظرة تفصيلية و عامة لقضايا العالم . و ما هذا الوجود إلاّ الحضارة الصناعية الغربية و ما أحرزه العالم الغربـي من تقدم علمي . دخل هذا الكيان الغربـي إلى الساحة بعقلية احتلال العالم ، لذلك كان مفيداً لنفسه و ضاراً للعالم . أثقل لفترة طويلة من الوقت كالكابوس على الشعوب النائمة كشعبنا و شعوب آسيا و أفريقيا و مناطق أخرى من العالم ، فحال دون أن تواصل هذه الشعوب حركتها الطبيعية التـي قد تتسم بالسرعة حيناً و بالبطء حيناً آخر . لقد سحرها الغرب .منذ أواسط العهد القاجاري ، بدأت علامات التطور الغربـي تظهر فـي بلادنا تدريجياً . توجه مستنيرونا إلى أوربا أو قرأوا كتابات الغربيين ، لذلك تعرفوا على تقدمهم و وجدوا أنفسهم عاجزين تافهين حيالهم . من الكلمات المكرورة التـي أطلقها مستنيرو عهد الثورة الدستورية (المشروطة) أن علينا اتباع الغربيين و حسب ، و العمل بكل ما يقولونه فـي كافة شؤون حياتنا . هذه عبارات تروى عن تقي زاده و غيره و هي صحيحة النسبة إليهم ، فقد كانوا يقولون : علينا العمل بوصفة الغربيين مائة بالمائة حتى نتقدم . أي إن الابتكار ، و الإبداع ، و النظرة المحلية للقضايا العلمية و الصناعية لم يكن لها أي محل فـي حساباتهم . خذوا هذه الأقوال بنظر الاعتبار و انظروا بالمقابل إلى الطرف الذي أوصتنا هذه الأقوال باتباعه ، ما هي حقيقته ؟ إنه الثورة الصناعية و العلمية و التقدم العلمي الذي لا تقتصر نظرته على حدود بلده ، إنما ينظر للعالم كمخزن كبير يجب أن يستفيد منه و يبتلعه ليمكنه مضاعفة حجمه و تنمية ذاته . المحطة الزمنية التـي أشرت إليها هي بعد أكثر من مائة عام على بداية الاستعمار . أي إن البرتغاليين ، و الإسبانيين ، والإنجليز ، و الهولنديين و غيرهم من الأوربيين كانوا قد تمددوا على مناطق ثرية و بكر فـي العالم ، منها منطقتنا و منطقة المحيط الهندي ، و شبه القارة الهندية ، و أندونيسيا ، و أفريقيا ، و مناطق مختلفة أخرى ، فاكتشفوا تلك الثروات العجيبة البكر . و قد كان لطباع الأوربيين أيضاً دورها فـي هذه العملية . بعض هذه الطباع إيجابية و بعضها سلبية . أنا لستُ ممن يعتبر كل طباع الغربيين و سماتهم سلبية ، لا ، لهم سمات إيجابية أيضاً : يتقبلون الأخطار ، شجعان ، مثابرون . ركبوا السفن و البحار و تحركوا للوصول إلى البلدان و المناطق البكر ، أي مخازن الثروات الطبيعية . فتحوا آسيا و أفريقيا و أمريكا. ماذا سيكون حالنا حينما يقول مفكرنا و عالمنا السياسي فـي إيران إننا يجب أن نكون نماذج مصغرة للغربيين مائة بالمائة ، و لابد أن نتبعهم ؟ لو كان ذلك الذي نروم أن نكون أتباعاً و نماذج مصغرة له إنساناً منصفاً عادلاً لا يقصد التعدي و النهب لكانت القضية مقبولة و حسنة ، ولكن مَن كان ذلك الجانب ؟ إنه كائن معتد متطاول ينظر لآفاق العالم الرحبة كمخزن مواد يحتاجها لتنميته و رقيه الحياتي . أصبحنا نحن نماذجه المصغرة ، و قد دخل بلداننا و لم يمنحنا العلم و الصناعة و لم يربّنا تربية علمية و ثقافية كما يفعل الأستاذ المخلص حين يربـي تلاميذه . إننا فـي عهد التحديث العلمي و الصناعي فـي إيران و على حد تعبير البعض عهد المدرنيزاسيون ـ و أنا لا أرتاح لمثل هذه التعابير ـ أصبحنا كعامل بناء بسيط يخضع لأوامر معمار أو مهندس . ما الذي يستطيع أن يفعله عامل بناء بسيط ؟ نعم ، له دوره فـي بناء البيت ، لكنه دور جسمانـي محض لا نسبة للتفكير فيه : أعطِنا الطين ، أعطِنا الطابوق ، أعطِنا الجص ، أو ارصف هذه على بعضها . لهذا أقول إنها كانت فترة انحطاط .كان الإيرانـي الذكي الموهوب مضطراً فـي هذا المناخ لأحد فعلين : إما أن يستسلم لهذا الوضع ، و إما أن يخرج من البلد و ينخرط فـي خدمة الآخرين . المهندسون الذين يعملون اليوم فـي مضمار الصناعات العسكرية و الجوية ـ الصناعات التـي اكتسبنا معارف معينة عنها طوال السنوات الماضية ـ فـي إيران و يستطيعون صناعة الطائرات و أعقد قطع الغيار ، و صاروا متمكنين من الصناعة العكسية ، كانت مهمتهم آنذاك أن يأخذوا لائحة ضبط الطائرة يتجولون بها و يعودون ليقولوا هل هذه القطعة سليمة أم لا . و إذا كانت هناك قطعة معطوبة يخرجونها و يسلمونها للمهندس الأجنبـي ليأخذها على حسابنا إلى أمريكا بالطائرة فيصلحوها أو يبدلوها هناك و يعودوا بها . لم يكن مسموحاً لنا بأكثر من هذا . هذا المهندس أو الإنسان الذكي الموهوب القادر على التطور عليه إما أن يتحمل هذا الوضع و هو ما حصل غالباً حيث يتأقلمون مع هذا الوضع ، أو إذا كان مغامراً بعض الشىء فسيغادر البلد و يذهب ليخدم الآخرين دون أن يعود أبداً . و قد فعل الكثيرون هذا . إلتقيت ببعضهم بعد الثورة و تحدثت إليهم و تعرفت عليهم .التقارير التـي قدمها السادة الوزراء كانت جيدة طبعاً ، بيد أنها لا تعبر أبداً عن الواقع الذي كان قائماً يومذاك و القائم فـي الوقت الراهن . الواقع أبعد من هذا بكثير . لم تسنح الفرصة للسادة لرفع تقارير مفصلة . البلد و النظام يومذاك لم يكن ليُفسح المجال لمهندسنا كي يصنع و يبحث و يحقق و يتطور علمياً ، بل و حتى لكي يستثمر و يشغّل . لقد ذكرت هذه النقطة فـي حديث سابق بعد أن زرت سد (دز) و ربما كنتم قد سمعتموها . بعد أن بنت لنا الشركات الأجنبية جزءاً من سد (دز) أوكلت تشغيل محطته الكهربائية لمدة قصيرة لإحدى الشركات الداخلية . بعد ذلك أرادوا زيادة سعة المحطة . و حين رأت الشركة الأمريكية التـي أخذت على عاتقها زيادة سعة المحطة أن الطرف المُشغِّل إيرانـي قالت يجب أن يخرج هؤلاء ، و لم تسمح لنا بالعمل . طردت الحكومة الإيرانية المشغّل الإيرانـي و أوكلت تشغيل محطة الطاقة فـي سد (دز) لشركة إيطالية . عندها أبدى الأمريكيون استعدادهم ظاهرياً لتكميل الخمسين بالمائة المتبقية من سعة المحطة . إذن ، لم يكن من المسموح للإيرانـي أن يتطور أبداً حتى فـي مجال التشغيل و الاستثمار . لذلك لا يوجد لدينا فـي مضمار الصناعة ـ سواء الصناعة التقنية أو الصناعات الإنشائية و العمرانية و الهندسية المختلفة آنذاك ـ شيئاً جديراً بالذكر و العرض من صناعة إيران . و الحال أن كوادرنا ذات الكوادر ، و جيلنا اليوم لا يختلف عن جيلنا بالأمس . هؤلاء الشباب الذين استطاعوا اليوم تشييد السدود ، و محطات الطاقة ، و الطرق السريعة ، و سكك الحديد ، و المعامل المتنوعة ، و تصميم السيارات و الطائرات و الأسلحة و التقنيات النووية المعقدة ، كانوا موجودين أيضاً فـي أجيالنا السابقة ولكن لم يكن من أثر لهذه الإنجازات . هذه أكبر خدمة قدمتها الثورة للبلاد . أعتقد أن أعظم خدمة على الصعيد العلمي هي أنها أكسبتنا الإيمان بأننا قادرون .. العبارة التـي كان الإمام يقولها : «نحن قادرون» .كانوا يقولون لنا يومذاك : اصنعوا الأباريق ، أباريق طينية كانوا يصنعونها فـي الماضي ، و ليس حتى أباريق نحاسية ! كنا نستورد من الخارج حتى مقبض المسحاة ، و كذلك باقي الأشياء التـي نستهلكها و نحتاجها دائماً لصناعتنا . مستوى الحياة كان يتقدم و الحاجات كانت تتضاعف يوماً بعد يوم ، و كان يجب علينا أن نطلب كل هذا من الآخرين و نستورده . و قد كان المخططون و المبرمجون يومذاك يفخرون بهذا ! فـي عام 44 أو 45 ذهبنا لزيارة صديق فـي مشهد و صادف أن حضر تلك الجلسة أحد أعضاء مجلس الشورى الوطنـي آنذاك . كنا فـي أيام الشباب و الحماس و نكثر الحديث عن التبعية و هيمنة الأجانب و ما إلى ذلك دون أن نلتفت إلى أن هذا الرجل نائب فـي المجلس . نائب المجلس فـي ذلك الحين معناه الشخص الذي ورد اسمه فـي لائحة البلاط ليكون نائب المنطقة الفلانية ، إذ لم تكن ثمة انتخابات حينها . و ردّ علىَّ قولـي بتفرعن و غطرسة و غرور و غضب ، فقال مثلاً : ما الذي تقولونه أنتم و ما الذي تعترضون عليه ؟ الأوربيون و الغربيون يعملون لنا اليوم كالخدم . لدينا النفط ، و لدينا المال ، نعطيهم المال فيكونوا عمالنا يعملون لنا كالخدم ! هذا هو منطق نائب برلمانـي فـي ذلك الحين ! هذا ما أسميه عهد انحطاط . التفكير الذي ساد يومها هو : لماذا ننتج ؟ لماذا نصنع ؟ لماذا نتعلم ؟ نقعد فـي بيوتنا كالأسياد و هم يأتوننا بما تحتاج و يزودوننا بما يلزمنا من معدات . لدينا أموال النفط ننفقها و نعيش حياة الأرستقراطيين . هذا كان منطق شخصية سياسية رفيعة المستوى يومذاك . هذه هي الثقافة التـي سادت أجهزة إدارة البلاد فـي ذلك الأوان . لذا كانت تلك المائة عام فترة انحطاط .جاءت الثورة و قلبت هذا الواقع . و قد ساعدنا ظرفٌ معين ـ و هذا ما لابد أن أقوله لكم ـ هو سخط العالم الصناعي و العالم الغربـي علينا . الحظر و السخط و الانزعاج الذي أبدوه حيالنا منذ مطلع الثورة و إلى الآن . البعض تذوب قلوبهم قلقاً لهذا الحظر . و أنا أقول لهم كلا ، لقد ساعدنا هذا الحظر . ذكرتُ مراراً هذه الخاطرة : حين كنا بحاجة للأسلاك الشائكة فـي بداية الحرب ، فاشتريناها من بلد أجنبـي و كان يجب أن تمر عبر الاتحاد السوفيتـي فلم يسمحوا بذلك لأنهم يدعمون العراق ! الأسلاك الشائكة لا هي قنبلة ذرية ، و لا مدفعية ، و لا دبابات ، و مع ذلك لم يسمحوا بعبورها ! كانوا يعادوننا لهذا الحد . حينما كنا نريد شراء مدفعية لا يبيعوننا ، و إذا أردنا شراء دبابات لا يبيعوننا ، نريد شراء أسلاك شائكة فلا يعطوننا ، نريد إمكانات و معدات معينة فلا يعطوننا . لكن المهربين يبيعون بأثمان مضاعفة و كنا مضطرين بالتالـي لتأمين هذه المستلزمات بأثمان عالية على قدر الحاجة . النتيجة التـي أثمرها هذا الحظر هي أننا اليوم من البلدان العشرة الأولى فـي صناعة الدروع . و بلدنا فـي مجال تخصيب اليورانيوم من البلدان العشرة أو الأحد عشر فـي العالم التـي تمتلك هذه التقنية بهذا المستوى . و هي تقنية محلية . نحن نختلف عن ذلك البلد الذي ساعده الاتحاد السوفيتـي فـي حينها لأنه ضمن الكتلة الشيوعية . البعض يطرحون الصين لتفضيله علينا . الصين استمد كل إمكاناته من الاتحاد السوفيتـي خلال الأعوام العشرة الأولى لثورته . حينما لم تكن العلاقات بينهم قد ارتبكت بعد . أما نحن فلم تساعدنا أية قوة علمية أو صناعية فـي أية سنة من السنين . كل ما فعلناه فعلناه بأنفسنا .من الكلمات التـي كنا نقولها دوماً قبل الثورة إننا نشتري القمح من أمريكا و يشيد لنا الاتحاد السوفيتـي مخازن القمح . زرت فـي بداية الثورة منطقة الجنوب و شاهدت أن شباب جهاد البناء و مهندسيكم قد بنوا مخزن غلال بسعة قليلة . أتخطر أننـي سجدتُ هناك ، لأن مخزن الغلال بناء صعب و ليس سهلاً جداً . حينما ينظر الإنسان لظاهره قد يبدو له شيئاً بسيطاً ، لكنه بناء صعب ، و قد استطعنا تشييد هذا الشىء الصعب . و نحن اليوم من البناة المعروفين لمخازن الغلال ذات السعة الكبرى . و قد بنيناها لكثير من البلدان الأخرى . إذن ، سخط العالم الغربـي علينا و عدم تماشيه معنا لم يفض إلى الإضرار بنا . البعض ينظر لهذا كفاجعة و يقولون إن الحظر الاقتصادي يلحق اللعنات بتقنيتنا . نعم ، الحظر قد يرفع الطريق المبلّط من أمام الإنسان ، لكن الطريق المبلّط ليس لصالحنا دوماً . أحياناً قد تكون الطرق التـي يشقها الإنسان بنفسه و يمشي عليها أنفع كثيراً لتقوية عضلاته . و قد يتخذ أحياناً طرقاً مختصرة . الطريق المبلّط الذي مده الآخرون يؤدي بنا إلى المكان الذي يرومه من مدوا هذا الطريق . إذا أردنا أن نمد طريقاً بأنفسنا فقد نمد طريقاً مختصراً بعض الأحيان ، و نجعل الطريق أسهل و أكثر اختصاراً . نحن نرى سبب انحطاطنا فـي هذا الانبهار . لقد خرجنا من تلك الحال الآن . من أعظم الخدمات التـي قدمها لنا نظام الجمهورية الإسلامية ـ كماقلت ـ ما حققه لنا فـي ميدان العلم و التقنية حيث جعلنا نؤمن أننا قادرون . مثل هذا الإيمان موجود اليوم و نحن قادرون فعلاً . لقد حققنا تقدماً جيداً جداً فـي مجالات الاقتباس ، و صناعة قطع الغيار ، و التقليد الصناعي ، و اللحاق بالنماذج التقنية العالمية المعاصرة .النقطة الثالثة هي أن هذا لا يكفي إطلاقاً ، إذ لا يزال البون شاسعاً بيننا و بين العلوم العالمية . كان هذا البون كبيراً جداً خلال عهد الانحطاط ، لكنه ليس كذلك فـي الوقت الحاضر . لقد استطعنا التقدم إلى الأمام ، لكن البون لا يزال قائماً . حين قلت إن إنتاج العلم ليس معناه اكتساب علم الآخرين ـ و لا شك أن علينا اكتساب علم الآخرين ـ فالمعنى الذي قصدته هو أن نحطّم حدود العلم و نفتحها و نكتشف آفاقاً جديدة ، و هذه مهمة صعبة بالطبع . علينا التمكن من القفزات التقنية. يجب أن نستطيع إضافة شىء إلى التقنيات العالمية الموجودة . علينا أن نستطيع عرض إختراع إيرانـي مائة بالمائة فـي الأسواق العالمية . قطعنا لحد الآن طريقاً جيداً جداً ؛ هذا مما لا شك فيه . أنا على معرفة بالأمور إلى حد كبير . منذ سنوات و الاحصاءات تصلنا من قطاعات و مؤسسات مختلفة فنقرأها . أعلم أننا تطورنا كثيراً ، بيد أن هذا التطور لا يكفي المجتمع الإيرانـي . المجتمع الذي يتألق أطباؤه ومنجموه و علماء اجتماعه الذين عاشوا قبل ألف عام بعد عدة قرون فـي كل العالم ، لا يكفيه هذا التقدم طبعاً . و اليوم أيضاً مع أن عالَم الطب قد لا يستفيد كثيراً من بحوث ابن سينا قبل ألف عام ـ رغم اعتقادي أن العلم المعاصر يمكنه أن يستفيد منها فـي بعض المجالات ـ لكنه حين ينظر إليها يثنـي عليها و يبدي إعجابه بها . و كذا الحال بالنسبة لبحوث محمد بن زكريا الرازي ، و نصير الدين الطوسي ، و الخيام ، و الخوارزمي و غيرهم . هذه هي مكانتنا ، لذا يعد هذا التقدم قليلاً فـي حق شعبنا . قبل أيام زار أحد شخصياتنا السياسية بلداً إسلامياً مهماً لا أريد ذكر اسمه . و قال رئيس جمهورية ذلك البلد أمام الحضور غير الإيرانيين و الأجانب و كانوا من بلدان أوربية ـ لا فـي اجتماع خاص حتى يُحمل الأمر على المجاملة و المصانعة ـ إننا كمسلمين نفخر بإيران ، بإيران اليوم و نظام الجمهورية الإسلامية ، و بإيران القديمة فـي التاريخ الإسلامي . قال إن الإيرانيين هم الذين حققوا التطور الإسلامي و وضعوا العلوم الإسلامية و شكلوا الحضارة الإسلامية و جعلوها متوثبة ، و أسسوا لها بمعنى من المعانـي . إننا نتوقع هذا من أنفسنا . نريد أن نصل فـي مضمار العلوم و التقنية إلى مرتبة تناسب مكانة الشعب الإيرانـي . ليست هذه مجرد رؤية وطنية يغلب عليها الكبرياء ، و لا هي ضرب من العنصرية . إنها نظرة إنسانية عامة للبشرية كلها ، لأننا إذا استطعنا التحرك فـي طليعة مسيرة العلم البشري فلن تكون لنا نزعات احتلال و فتوحات من تلك التـي أبداها الغرب ، و لن تكون لنا دوافع انتهازية حيال الشعوب . علومنا ستكون لصالحنا و لصالح الشعوب الأخرى . قدم رئيس جمهوريتنا فـي زيارته الأخيرة لبعض البلدان الأفريقية مشاريع و برامج معينة ، و رفع لـي تقريراً ، و قال إننا نستطيع تنفيذ بعض هذه المشاريع بسهولة ـ حتى بشكل أحدث و أكثر تطوراً مما يفعله الغربيون ـ لكنهم ينفذون هذه المشاريع للبلدان الأفريقية بتكاليف مضاعفة . و لا حيلة لهذه البلدان سوى أن يبرموا عقداً مع تاجر غربـي ليأتي و ينجزها لهم بتكلفة مضاعفة . لو كنا نحن الطرف لما تعاملنا بهذه الطريقة ، بل كنا نتماشى مع تلك البلدان . لا بمعنى أننا نصرف النظر عن الأرباح الوطنية ، بل بمعنى أننا لا نرى أرباح الاستكثار و التعدي و التطاول حلالاً لنا . إذا كانت لنا علوم فسوف نزود الآخرين بها . ثمة الآن بلد ـ بل ربما بلدان ـ طلبنا منه يوماً أداةً نحتاجها لمهماتنا العسكرية . و مع أن هذه الأداة كانت من صنع بلد آخر لكنهم لم يعطونا إياها رغم كل محاولاتنا ! لم يكن مسموحاً لهم أن يعطونا . طبعاً لم تكن علاقات ذلك البلد سيئةً معنا ، ولكن لم يكن مسموحاً له أن يعطينا ذلك الشىء . تعود هذه القضية للسنوات الأولى من عقد الستينات2. البلد الذي لم يكن يومذاك على استعداد لتزويدنا بالمُنتج المصنّع ، نعطيه اليوم تقنية صناعة ذلك الشىء بعد أن اكتسبناها بأنفسنا و لم يكن قادراً على اكتسابها . نبيعها له طبعاً . إذا تقدمنا فـي الصناعة و العلوم سيكون ذلك لصالح العالم و الشعوب المختلفة ، و لصالح العالم الإسلامي بالدرجة الأولى . إذن قولنا إننا يجب أن نتقدم و نحطّم حدود العلم و نفتحها لا يعبر عن نظرة عنصرية أنانية ، أي : لأننا إيرانيون إذن يجب أن نفعل هذا . نعم ، لنا كبرياؤنا الوطنـي و هذا ما لا ننكره . ننظر إلى ماضينا و نشعر بالعزة و الشموخ . لقد كنا شعباً تقبل الإسلام بأذرع مفتوحة ، و تعرفنا على أهل البيت قبل الكثيرين غيرنا ، و بذلنا كل تلك الجهود فـي سبيل نشر الإسلام ، و احتضنا المظلومين من أهل البيت الذين لم يكونوا آمنين فـي ديارهم فـي المدينة و مكة و الكوفة . لاحظوا كم تحتضن الأرض الإيرانية من مراقد السادة العلويين ! من هم هؤلاء السادة ؟ لم يكونوا إيرانيين . جاءوا إلى إيران و استقبلهم الإيرانيون بأذرع مفتّحة . بل قاتلوا من أجلهم أحياناً و بذلوا الجهود فـي سبيلهم . من مازندران و كيلان ـ منطقة شمال سلسلة جبال البرز ـ نهض عدد من الإيرانيين و توجهوا إلى اليمن و أقاموا هناك الحكم الشيعي الزيدي . اليمنيون شيعة زيديون و كانت حكومتهم زيدية ، و هذا ماتم بفضل الجنود الإيرانيين و المجاهدين المدافعين عن الإسلام و التشيع . توقعاتنا المستقبلية ناتجة عن اعتزازنا الوطنـي . هذا ما لا ننكره . لكن المسألة لا تقتصر على هذا و إنما هي مسألة نظرة إنسانية و إسلامية كما ذكرت .طبعاً لابد من بحوث ، و لابد من ميزانية خاصة ، و لابد من مناخ مشجع و فرص كافية للعمل . و لابد من تواصل الجامعة مع الصناعة . هذه كلها من مستلزمات العمل . و المسؤولية تقع طبعاً على عاتقنا ، على عاتق المسؤولين ، على عاتق الحكومة . لا شك فـي هذا . و قد توفر المناخ المناسب ـ و الحمدلله ـ لدى الحكومة فـي الأعوام الأخيرة بعد الإصرار و التكرار . يريدون إنجاز هذه المهام و قد أنجزت بعضها و الحمدلله . غير أن العنصر الرئيس و اللاعب الأصلي و البطل الحقيقي فـي هذه الساحة هو أنتم : الكوادر البشرية التائقة للعمل و التـي تشق طريقها كالنبات حتى فـي كبد الصخور الصماء ، فتنبت و تتفتح . يجب أن تحيوا روح التطور و الاستكمال فـي الأروقة الهندسية و التقنية فـي البلاد ، سواء المنظومات المماثلة لكم ممن تفضلتم بالمجيئ اليوم إلى هنا ، أو النظام الهندسي المختص بهندسة البناء و العمران و ما شاكل ، أو سائر الأقسام الهندسية .النقطة الأخيرة تتعلق بقضايا هندسة البناء و بناء المدن و بناء المنازل و ما شاكل . و هي مسألة على جانب كبير جداً من الأهمية . من الخطأ أن لا نفكر إلاّ عندما يقع زلزال . علينا استلهام العبر من الماضي . قبل أكثر من سنة وقع زلزال بم . و بعد مدة قصيرة وقع زلزال بلده و المنطقة الشمالية و تسبب فـي خسائر ، لكنه لم يسترع الانتباه إلى جانب زلزال بم الكبير . و قد وقع الآن زلزال منطقة زرند . فـي أي ساعة و أي يوم قد يقع زلزال فـي منطقة من هذا البلد . ما الذي تقوله لنا هذه الحوادث ؟ تقول لنا يجب الاهتمام بقضية الأبنية و تشييد الوحدات السكنية . البيت ملجأ كل إنسان و مأمنه . العائلة و هي المؤنس الأهم و الأول لكل إنسان تسكن داخل البيت غالباً . أطفال المرء و زوجه و هو نفسه يقطنون فـي فضاء البيت ، لذلك يجب أن نعمل ما يُشعرهم بالأمن . و لنا فـي هذا الميدان أيضاً ـ كما أشاروا ـ ماضٍ حافل بالمفاخر و الاعتزاز . خذوا من العهود القديمة بناء تخت جمشيد و طاق المدائن إلى أن نصل للأبنية الضخمة فـي العهد الإسلامي و العصور المختلفة الأخرى ، و التـي شيدت بأنماط و عمارات متنوعة ، ولكن بسمات عامة من قبيل المتانة ، و الجمال ، و المواد الإنشائية الجيدة ، و التلائم مع البيئة ، و الاقتصاد فـي النفقة بلاشك . و هذه هي الأصول التـي تأخذونها أنتم أيضاً بنظر الاعتبار فـي هندسة البناء . أتذكر عن عهد الطفولة أنهم أرادوا ذات مرة تعمير جانب من بيتنا القديم الذي كان قد مضى على بنائه فـي حينها مائة عام أو ثمانون عاماً . كان عمري آنذاك عشرة أعوام أو اثنـي عشر عاماً و كنت أساعد العمال و البنائين فنسحب الطابوق القديم ليرصفوا مكانه طابوقاً جديداً . حينما كان البنّاء يريد استخراج الطابوق القديم كان يضرب عليه بالمطرقه و يحطّمه . ما كان بوسعه أن يستخرجه سليماً دون تحطيم . كان مثل الحجر . تحول هذا الطابوق فـي فترة حياتنا إلى طابوق منخور مشؤوم رأيتموه . هذا هو عهد الانحطاط . كل شىء يؤثر فـي كل شىء . جاءت مواد إنشائية جديدة لكن الدقة فـي إنتاج المواد و استخدامها تضاءلت . و انحسر التلاؤم مع البيئة الذي كانوا يراعونه فـي الماضي . لاحظوا أن بناياتنا القديمة فـي كل منطقة شيدت بما يتلاءم و تلك المنطقة . و قد شيدت وفق الاعتبارات و القيم الإسلامية . البناية التـي ترونها فـي شمال البلاد أو جنوبها تختلف عن ما ترونه فـي شرق البلاد (خراسان مثلاً) . لكل منها شكل و طبيعة معينة . حتى المساجد و الأبنية الكبيرة القديمة تتباين عن بعضها بهذه الفروق ، فالاشكال الهندسية تتغير حسب الحاجة و بما يتلاءم مع البيئة و نوع الاستخدام . كانوا يفكرون بطريقة صحيحة و يعملون بطريقة جيدة . هنا يجب أن لا تقعوا فـي خطأ ، فأنا لست من أنصار بناء البيوت اليوم كما كانت تبنى قبل مائة و خمسين سنة ، لا ، علينا أن نكون مبتكرين ، و أن نستفيد من الحاجات المتجددة . يجب أن نستفيد من الأمور الحديثة التـي ظهرت نظير قضية البيئة التـي لم تكن محل ابتلاء فـي ذلك الحين . علينا الاستفادة من قضية الاقتصاد فـي استهلاك الطاقة و ما إلى ذلك . و يجب الانتفاع من الأدوات و المواد الإنشائية الجديدة التـي ظهرت و لم تكن موجودة فـي السابق . هذا مما لا ريب فيه . ولكن يتعين كذلك ملاحظة محفزات العمل و الدقة اللازمة و الركائز التـي ينهض عليها و هذا ما كان يلاحظه الإيرانيون القدماء فـي حينه . يجب أن لا نتوانى فـي هذا الأمور .لدي بعض المعلومات حول النظام الهندسي و القانون الذي تم سنه و القضايا التـي أشار إليها السادة . هذه أمور جيدة ولكن يجب أن تنقلوها إلى طور الفعل و التحقق . لا تتركوا هذه الأمور لرفوف الغفلة و النسيان . أي إن المهندس المحاسب أو المهندس المشرف يجب أن يعتبر نفسه مسؤولاً فعلاً . قالوا إن شريحة المهندسين تشعر بالضيق و الخجل حين تطرح هذه الأمور . نعم ، ينبغي أن نعتبر أنفسنا مسؤولين بالفعل . الجميع مسؤولون ، لاسيما الأقسام و المؤسسات ذات النشاط الأكبر فـي هذه الميادين . المهندس المشرف يجب أن يكون أميناً ، كالطبيب الذي حين يحدد المرض يكتب له الدواء المناسب . فإذا حدد المرض و لم يكتب الدواء المناسب أو كتب دواءً ضاراً أو أهمل فـي عملية التشخيص فسوف يتعرض لملامة نفسه و ضميره و الآخرين . و فـي الحيز الهندسي أيضاً ينبغي تكريس هذه الثقافة بكل جد . أي إن المهندسين المشرفين و المهندسين المحاسبين و المهندسين رسامي الخرائط و المهندسين العاملين فـي الأقسام المختلفة يجب أن يشعروا جميعاً أنهم مسؤولون حقاً . ليس الجمال شيئاً ثانوياً . يظن البعض أن الجمال شىء تشريفي ، لا ، الجمال من ضروريات الحياة الإنسانية ، الجمال يسهل الحياة و يجعلها حلوة ، يجعلنا قادرين على احتمال البيئة المحيطة بنا . تارةً يسير الإنسان فـي شارع فيرى أمامه كل الأبنية ذات أشكال مناسبة و تراكيب جميلة محببة ساحرة ، و تارةً يسير فـي شارع فيرى أبنية غير متناسقة و مشوّهة و مفروضة بالإكراه على الأرض و البيئة الطبيعية ، أين هذا من ذاك ؟ هذا يختلف عن ذاك . و كذا الحال بالنسبة لما فـي داخل البيوت و الأماكن العامة . الجمال مبدأ مهم جداً فـي البناء . مراعاة الاعتبارات المحلية و لاسيما الإسلامية مهم جداً فـي بناء المدن و البيوت . قلت للأعزاء الذين يتحملون جهوداً كبيرة فـي بناء مدينة بم أن لا يكتفوا بمتانة البناء و الاقتصاد فـي النفقة ـ هذه أمور ضرورية و قد أنجزوا أعمالاً جيدة جداً ـ ولكن اجعلوا الإنسان حين يدخل شارعاً فـي مدينة بم يشعر باللذة و الراحة حين ينظر لظاهر الأبنية هناك . كل مدننا يجب أن تكون هكذا . طبعاً ينبغي علينا أن نولـي اهتماماً خاصاً للأعمال الفورية و ذات الأولوية و منها تحديث الأنسجة البالية . لدينا الكثير من المدن مثل بم . زلزال درجته أكثر من ستة ريخترات ، و كل هؤلاء الضحايا يبعث الرعدة فـي الإنسان حقاً . زرت معظم المدن الإيرانية و تفقدتها و تجولت فـي أزقتها . بعض هذه المدن لو تعرضت لمثل هذا الحدث فستكون خسائرها فوق حد التصور . ينبغي التفكير فـي هذا و العمل له . كانت لـي فـي السنة الماضية العديد من الاجتماعات مع مسؤولـي الحكومة و المسؤولين المعنيين بعد حادثة بم . الكل كانوا متحمسين لإنجاز هذه المهمات . جرت العديد من النقاشات و التوصيات و التأكيدات ، و قد أنجزت بعض الأعمال . لكنـي أريد القول يجب إبداء اهتمام مضاعف بهذه الأمور . قتل لحد الآن مئات الأشخاص فـي هذا الزلزال الأخير . هذا ما يعرفنا مسؤولياتنا الكبيرة أكثر .على كل حال ، أتمنى من الله أن يعينكم إن شاء الله . كان يوماً طيباً جداً بالنسبة لـي لأنـي التقيتكم أنتم الواعين و النخبة و المتخصصين و العلماء . لدي الكثير مما أقوله لكم و أدري أن لديكم الكثير مما تقولونه لنا ، لكن الفرصة ليست أكثر من هذا . أتمنى أن تشملكم الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله إن شاء الله ، و أن يوفقكم الله و أن نستطيع جميعاً النهوض بالواجبات الثقيلة الملقاة على عواتقنا أمام الله تعالى و أمام الناس .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .1 1965-1966 م .2  بداية عقد الثمانينات من القرن العشرين للميلاد.
2005/02/22

كلمته كلمته في لقائه أهالي محافظة قم بمناسبة ذكرى انتفاضة 19 دي -1-

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الذين تحملتم بهممكم العالية و اندفاعكم و شوقكم النابع من الإيمان كل هذا العناء و أقمتم السنة أيضاً هذا التجمع الحميم العذب و الزاخر بالحماس و الهياج فـي ذكرى التاسع عشر من دي . يوم التاسع عشر من دي من المحطات المهمة فـي التاريخ السياسي لشعبنا .لو ألقى الإنسان نظرة ثاقبة بقدرة تحليلية على هذا الحدث لرأى أن التاسع عشر من دي مقطع تاريخي فـي الحياة السياسية لشعب إيران . و أبطال هذا الحدث هم أهالـي قم ... شبابهم المتحمس و الناس المؤمنون فـي هذه المدينة و حوزتها العلمية القديمة التـي عاودت شبابها و مارست دورها بالمعنى الحقيقي للكلمة فـي ذلك اليوم و ما تلاه من أيام .خلاصة القضية هي أن الشعب الإيرانـي كان قد ضاق ذرعاً بدكتاتورية الشاه العميل من جهة ، و بضغوط الحياة من جهة ، و بالثقافة الفاسدة المفروضة من جهة ، و هيمنة الأجنبـي لاسيما العناصر الأمريكية من جهة . و قد استمد هذا الغضب و التوثب العام من الإيمان الدينـي للشعب الإيرانـي ما يروي ظمأه و يمنحه المعنى . لم يكن هذا الغضب العام غضباً أعمى ، و لم يكن تحفزاً غامضاً . أدرك الناس ما يريدون و ماذا يريدون أن يفعلوا . و كان هذا بفضل التعاليم الإسلامية . حركة طلبة الحوزة الشباب و الفضلاء المحترمين خلف القيادة الفذة لإمامنا الكبير طوال سنوات متمادية خلقت لدى الشعب الإيرانـي وعياً ذاتياً يقول له إن هذا الواقع وصمة عار فـي جبين الشعب و البلد ، و هو واقع ممكن التغيير ، و تغييره متاح على أيدي الجماهير فقط . لقد وعى الناس هذه الحقيقة جيداً . الغضب العام كان قد فشى فـي كل مكان من إيران ، ولكن ككل الأحداث الأخرى كان لابد من نقطة بداية . لابد من بطل ينزل إلى الساحة و يبدأ البطولة . وقد كان هذا البادئ أهالـي قم و الحوزة العلمية فـي قم . هنا تكمن أهمية المسألة . التحفز ، و الإسلام ، و الأهداف التـي رسمتها المعرفة الإيمانية و الإسلامية ، و الأمل بالدعم الإلهي ، و الاعتماد على طاقات الجهاد الوطنـي ، هذا هو مجمل ما أوجده الشعب الإيرانـي فـي نفسه سواء فـي التاسع عشر من دي أو فـي الأحداث التـي أعقبته و تكونت بفضله . أطلقت هذه الحادثةُ طوفاناً كان الهلاكُ فيه للقوى المعادية للحق و لقوى الطغيان و الشر أمراً أكيداً . ﴿ و لقد كتبنا فـي الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ . هذا هو الوعد الإلهي . إذا لم يكن للحق من يؤازره و ينصره من الجماهير فسيبقى واقعاً ذهنياً و حقيقة معنوية لا يمكن التطلع لاستقراره و سيادته فـي مكان معين . ولكن حين تهب قوى الإيمان البشري وراء الحق ، فسوف يتحقق الحق ، و قد تحقق ، لأنه منسجم مع طبيعة الوجود . ولكن على امتداد التاريخ الطويل للأمة الإسلامية منذ القرون الأولى و لحد اليوم ، و منذ أن بدأ ضعف المسلمين ، نرى الحق مظلوماً و مقهوراً بسبب ذلك النقص ، أي إن القوى البشرية المؤمنة ألقت عن عواتقها أعباء الحق ولم ترفعه كالراية الخفاقة و لم تضرب أعمدته فـي أرض الحياة الإنسانية . لذلك حصل ما ترون . إنتهى أمر الأمة الإسلامية إلى هذا الواقع المتردي الذي نراه فـي العديد من بقاع الأرض . أما الشعب الإيرانـي فقد عمل بالقانون الإلهي ، أي إنه تحمل الحق و تقبلت عواتقه أعباء تحقيق الحقيقة الإلهية ، فنزل إلى الساحة و قد منَّ الله تعالى عليه بنصره كما وعد كراراً فـي القرآن . إنطلقت هذه المسيرة من قم و يجب أن تعدوا هذا اليوم يوماً مهماً . إنه محطة تاريخية . لابد من السعي و الجهاد للحفاظ عليه و تنمية المفاهيم الكامنة فـي هذا الحدث .نزل أبناء الشعب الإيرانـي إلى الساحة و أزاحوا عن أنفسهم سلطة الدكتاتورية التابعة ، و عن بلادهم تواجد العدو الناهب . لقد طردوا العدو ، و بددوا النظام الثقافـي المغلوط و الهيمنة الثقافية المفروضة للأجنبـي بمقدار ما استطاعوا ، و سوّدوا تيار الحق و كرّسوه . غادر الطاغوت و تولت الأمور قوة تعتمد على الجماهير و تنبع من الإيمان الدينـي ، و تنزلت البركات الإلهية كما وعد الله ﴿ و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ﴾ . لقد وعد الله تعالى أنه لو توفر الإيمان و التقوى لتفتحت أبواب الرحمة و البركة ، و هذا ما حدث .لو نظرتم للبلاد اليوم لوجدتم أنها لا تقبل المقارنة مع ما كانت عليه فـي عهد الطاغوت . فهي أكثر تقدماً على المستوى المادي ، و أكثر تنمية على مستوى التنمية . و من حيث المعنوية و الأخلاق فهي أرفع و أسمى بكثير من ذلك العهد . لقد كان هذا البلد بيد الأمريكيين تماماً يومذاك ، اقتصاده ، و سياسته ، و علاقاته الاجتماعية . كل الخطط و البرامج فـي هذا البلد كانت لصالح المهيمنين و المتنفذين الأجانب . لم يكن للشعب الإيرانـي حينذاك أي دور فـي انتخاب مدراء البلاد الكبار . لم يكن ثمة تفكير بالشعب على الإطلاق . لم تكن هناك أعمال تجري و لا أي اهتمام بشي ء . كان العلم فـي البلاد آنذاك فـي منتهى التخلف و التراجع . كل المواهب المتألقة فـي هذا البلد كانت راكدةً و معطلة . إذا استطاع شخص شق طريقه كان يتوجه لبلدان أخرى و يعمل لها ، و قد غادر الكثيرون فعلاً . كان الشعب الإيرانـي يومها بحاجة للأجانب حتى من أجل أصغر إنتاجاته . إما أن يستورد الشي ء أو إذا صنعه داخل البلاد فقد كان الأجنبـي يصنعه . كنا يومها نستورد من الخارج حتى الأسلاك الشائكة و مقبض المسحاة و ما شاكل ! تحرك البلد ببركة الثورة و انقلب رأساً على عقب . عدد الطلبة الجامعيين كان إذ ذاك قليلاً جداً قياساً لسكان البلد البالغين خمسة و ثلاثين أو أربعين مليوناً ، و قد ازداد عدد السكان عندنا اليوم إلى الضعف تقريباً ، بينما ازداد عدد طلبتنا الجامعيين إلى نحو خمسة عشر ضعفاً . و عدد الأساتذة و الجامعات أكثر من هذا بكثير . الصناعات التـي أنجزها الشعب الإيرانـي بنفسه لها بدورها حكاية مذهلة ، فـي حين كان يجب أن يأتي الأجانب يومذاك و يصنعوا لنا حتى أبسط الأشياء . يأخذون أموالنا و يهينوننا و يعطوننا النوعية الرديئة من البضاعة ! و اليوم ينتج شبابنا أعقد و أهم التقنيات و يعرضونها على الجميع و قد سمعتم و علمتم بنماذج من ذلك ، و المعروض أمام الرأي العام أقل بكثير من الواقع . إذا أرادوا فـي ذلك العهد بناء سد على نهر ، كان يجب أن يتوسلوا بأربعة بلدان و يعطونهم أموالاً باهضة ليأتوا و يبنوا سداً ، و كانت السدود غير مأمونة فـي بعض الحالات ! و اليوم يصنع شبابنا لا أقل من عشرة أضعاف ذلك ـ بل أكثر يقيناً ـ بأنفسهم . لقد شهد البلد نمواً أكيداً . علوم البلد تطورت ، و اقتصاده تطور كثيراً عما كان عليه آنذاك . تنمية البلد أكبر مما كانت عليه فـي ذلك الحين . و معنويات البلاد و أخلاقها مما لا يمكن مقارنته بذلك العهد . الثقة الوطنية بالذات أعظم اليوم مائة مرة مما كانت عليه إذ ذاك و الأهم من كل ذلك أن البلد حالياً مستقل . كل هذا الضجيج و سوء الأخلاق العالمي الذي ترونه سببه استقلالنا . جهاد الشعب هو الذي حقق هذا الاستقلال للبلد ، و لا عودة عن هذا الطريق . ليعلم العالم كله هذا . لن يسمح الشعب الإيرانـي للأمريكيين أن يتنفّذوا فـي البلد من جديد . منذ البداية كان ذلك النظام الناهب المسرف ـ نظام الولايات المتحدة الأمريكية ـ معادياً لإيران و لا يزال عداؤه مستمراً إلى اليوم و سيستمر . لم يؤثر هذا العداء شيئاً لحد الآن و لن يؤثر فـي المستقبل أيضاً بحول الله و قوته . طبعاً يتصور المحللون و الاستراتيجيون المستكبرون فـي العالم أنهم قد يستطيعون تكرار ما حدث فـي الثورة ـ حيث تمكن الشعب من اجتراح تحول كبير فـي البلاد و إرساء نظام سياسي جديد ـ ولكن بأهداف استكبار خبيثة هذه المرة . و هم يتشبثون بذا و ذاك من أجل تحقيق مآربهم . خلال العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة حاولت أيادي التجسس الأمريكية و الصهيونية و منظومة الاستكبار العالمي مراراً أن تثير الجماهير فـي إيران أو تثير بعضهم باسمهم كلهم عسى أن يستطيعوا تقليد أحداث الثورة ، و هم لخفّة عقولهم لا يعلمون أن الثورة كانت حدثاً داخلياً نابعاً من الإيمان و معتمداً على قلب كل فرد من أفراد الشعب الإيرانـي . لم يكن شيئاً مفروضاً أو مدفوع الثمن . إذا كان مثل هذا الشيء ممكناً يوماً فسيُوجّه ضد نظام الولايات المتحدة نفسه أو المرتبطين به . النظام الإيمانـي المستقر و المتين و الضارب بأركانه فـي قلوب الناس لن يهتز أبداً لمثل هذه الرياح ، إلاّ أنهم يسعون سعيهم و على الشعب أن يبقى يقظاً .أعزائي ، أقول لكم إن الإرادة و القدرة الإلهية أفصحت طوال هذه الخمسة و عشرين عاماً عن نفسها فـي يقظة الشعب و اتحاده و مشاركته فـي الوقت المناسب . إيمان الشباب و الحماس و الهياج الإيمانـي لدى رجالنا و نسائنا المؤمنين و الذي استطاع صيانة هذه الثورة و هذا البلد و إطلاق التنمية الوطنية الهائلة ، لا يزال على حاله . نعتقد أن الحق ـ أي النظام الإسلامي المرتكز إلى الإيمان ـ سينتصر على الباطل ، لكن شرط ذلك هو تواجد الجماهير و لاسيما الشباب فـي الساحة و رصدهم الأحداث بيقظة .أنظروا أي واقع يعانـي منه العالم اليوم و هو فـي قبضة الاستكبار العالمي الدامية . إنها قصة الاستعمار تُستعاد اليوم بأسلوب جديد . ذات يوم كان الاستعمار القديم ـ الاستعمار الذي أطلقوا عليه بعد ذلك اسم الاستعمار القديم ـ أن يزحفوا و يهيمنوا على بلدان كالهند ، و الجزائر ، و كثير من البلدان الأخرى . و مع يقظة الشعوب انحسر هذا الاستعمار و لم يستطيعوا مواصلته . لكنهم خلال عهد الاستعمار عصروا الشعوب و امتصوها و قطّعوا أنفاسها فعلاً . لكن الاستعمار القديم ولّى على كل حال و ابتدعوا مكانه الاستعمار الحديث الذي لم يكن الأجانب فيه يتولون السلطة العليا فـي البلدان ، فالأمر لم يكن كما كان حصل فـي عهد الاستعمار القديم حيث يتوجه الحاكم الإنجليزي ليحكم بنفسه فـي الهند ، كلا ، ينصّبون أشخاصاً من نفس البلدان ، كما حصل فـي النظام الطاغوتي حين حكم رضاخان و ابنه و ككثير من الحكومات الأخرى فـي بلدان العالم الثالث ـ كما يسمونها هم ـ و منها البلدان الإسلامية . عصروا الشعوب و امتصوها سنوات طويلة ، و جاءوا بالمستبدين و الأنظمة الانقلابية إلى رأس السلطة و حالوا دون مساهمة الشعوب و تواجدها بأية طريقة أمكنتهم . و لاحظوا راهناً أن هذا أيضاً لم يعد مجدياً ، لذلك استخدموا طريقة جديدة للتسلط على البلدان و هي التغلغل داخل الشعوب . و هذا هو ما سميتُهُ قبل فترة الاستعمار ما بعد الحديث ، أي إنه أعلى حتى من الاستعمار الحديث . نوع آخر من الاستعمار . يبعثون عملاءهم للبلدان و يخدعون قطاعات من الشعب و يحركونهم عبر بذل الأموال و الدعاية و أنواع الترغيب و الإغراءات الملونة و تجميع الشخصيات المستكبرة الظالمة فـي العالم . هذا أيضاً لن ينفعهم طبعاً ، لأن وجه الاستعمار و الاستكبار أقبح من هذا بكثير ، و لن يستطيع إخفاء ظلمه و جوره و شروره . و مثال ذلك العراق . أنظروا ماذا يفعلون فـي العراق . تحولت راية حقوق الإنسان اليوم فـي يد أمريكا و بريطانيا و بلدان مماثلة إلى شيء مضحك ساخر ! قصة سجن أبـي غريب ، و سجن غوانتانامو الأمريكي ، و تعامل المسلحين و الجنود الأمريكيين و الإنجليز مع الشعوب ، أضحت اليوم قصة الشعوب الدائمة . قد لا تتظاهر الشعوب الآن ، غير أن هذه الأحداث تترك فـي قلوبهم آثاراً عميقة ستفصح عن نفسها يوماً . قلوب الشعوب المسلمة اليوم تطفح بالكراهية لأمريكا و المستكبرين . قلوب الشعوب تغلي منهم فـي البلدان التـي يبدو أنهم يسيطرون على حكّامها ، و الجماهير تنتظر اللحظة التـي تعبر فيها عن هذا . لقد انتهى عهد النظام الاستكباري المرتكز على ظلم الشعوب و السيطرة على أرواحها و أموالها و أعراضها و مصادرها . طبعاً قد تمر الشعوب بفترات عصيبة ، بيد أن عهد الغطرسة و منطق القوة قد انتهى فـي باطن الناس و باطن العالم ، و لن يستطيعوا الصبر أكثر من هذا . الشعب القادر على ممارسة دوره ، و الواصل إلى مرتبة الوعي الذاتي ، و المتحلي بالإرادة و الإيمان و اليقظة ، مثل هذا الشعب سينزل إلى الساحة و يسيطر عليها . السهم الأوفر لهذا كان من نصيب الشعب الإيرانـي ، فهو شعب موهوب و ذكي و مؤمن و صاحب تجربة . ليس للشعوب الأخرى تجارب شعبنا . بمستطاع شعبنا أن يكون محور تحرك عالمي عظيم ضد الظلم و النظام الاستكباري و نظام الأسياد و العبيد الجديد الذي يروم المستكبرون اليوم فرضه على العالم . لينتبه الشباب لهذه القضية . ضاعفوا ما استطعتم من تأهّبكم و عمقكم الفكري و مساهمتكم فـي الميادين السياسية و الاقتصادية . ليعلم طلبة الحوزة الشباب ، و الفضلاء الشباب ، و الطلبة الجامعيون الشباب ، و العمال الشباب ، و شباب الشرائح الجماهيرية المختلفة ـ بنين و بنات ـ أن عليهم ممارسة دور فـي مستقبل العالم . إرادة البشر و إيمانهم هما الذان سيرسمان الجغرافيا السياسية للعالم فـي المستقبل . هذه مسؤولية تقع على عواتقكم . و لا ريب أن مسؤولـي البلد ـ الثقافيين أو السياسيين أو المختصين بشؤون الشباب أو المسؤولين عن شؤون العلوم ـ يتحملون مسؤوليات كبيرة و ثقيلة . حين أشدد كل هذا التشديد على تطوير العلم فلأن التوفر على العلم و اكتساب التقنيات له دور كبير جداً فـي هذا المستقبل . المستقبل ملككم أيها الشباب و اعلموا أنكم ستشهدون أيام عزة الشعوب و عظمتها الحقيقية إن شاء الله ، و ستذوقون ثمرة هذا الصمود . بلادنا اليوم تتمتع و الحمد لله بالاتحاد ، و الإيمان ، و الوعي ، و الحماس . طبعاً هم يسعون لحرماننا من هذا . تتجلى فـي هذه الانتخابات مساهمة الجماهير بكل وضوح حيث يشاركون فيها بحماس و شعور و تحفز حقيقي . سترون على أعتاب الانتخابات ـ التـي شرع البعض يُهمهم حولها من الآن ـ كيف تبدأ همسات مقاطعة الانتخابات من أجل أن لا تنزل الجماهير إلى الساحة ، و لا تشارك و لا تنتخب فتُقصى عن المعادلات السياسية لإيران و نظام الجمهورية الإسلامية . تبتدئ هذه الهمسات من محافل التخطيط السياسي و رسم الاستراتيجيات فـي أمريكا و إسرائيل لتصل أخيراً إلى عدد من الأشخاص المغفلين هنا و ربما المأجورين و المنحطين أحياناً . سيقول البعض لنقاطع الانتخابات ، و يقول آخرون ، لكي يثبطوا الناس ، إنها ليست انتخابات حرة . و سيعمل البعض على تشويه سمعة المرشحين . كل فئة من هذه الفئات ستحاول إفشال الانتخابات بشكل من الأشكال . أؤكد هنا على كافة مسؤولـي البلاد و على كل فرد من أفراد الشعب أن يستعدوا للانتخابات إن شاء الله . مع أن زمناً طويلاً تقريباً يفصلنا عن إقامة الانتخابات و أمامنا خمسة أو ستة أشهر حتى ذلك الحين ، و لكن يجب جعل أجواء البلاد أجواء شوق و اندفاع نحو الانتخابات لكي يعلم الناس أنهم يريدون إنجاز مهمة كبرى و ينتخبوا حكومة تقطع خطوات واسعة للوصول إلى الأهداف . هذا هو أساس القضية . يجب على الشخصيات المختلفة التـي تدخل ساحة الانتخابات كمرشحين أن تلاحظ هذا الموضوع . الشعب متعطش للعمل .. العمل .. الأعمال غير المنجزة كثيرة ، و الساحة لإنجازها فـي بلادنا مفتوحة تماماً . ما يرغب فيه الناس و يحبونه هو أن يتولى رئاسة الجمهورية شخص يكون همه الأكبر العمل لهذا الشعب ... أن يعمل فـي المجالات الاقتصادية ، و البنى التحتية ، و الثقافية ، و العلمية ، و الأخلاقية ، و السياسة الخارجية و باقي المجالات ، و يتحلى بالتوثب و الحماس و الاندفاع للعمل . و هذا متاح بفضل الإيمان . ليلاحظ المرشحون للانتخابات هذه النقطة . يرغب الناس أن يسمعوا عن لسان المرشحين ما الذي يريدون أن يفعلوه . ليحدد المرشحون ما الذي يريدون فعله . ليذكروا للجماهير برامجهم و أهدافهم و استراتيجياتهم . هذا هو حماس الانتخابات ، مشاركةٌ قصوى ذكرتها للشعب الإيرانـي العزيز يوم عيد الفطر ، و يمكن أن تتحقق بهذه الطريقة . ليكن الشعب على استعداد و لينظروا من الذي يؤمن بأهدافهم و يستطيع العمل لصالح هذه الأهداف . و طبعاً سأطرح على شعب إيران إن شاء الله تفاصيل و خصائص أكثر حتى زمن الانتخابات . ما يتوجب على الجميع أن يلاحظوه الآن هو أن هذا البلد و هذا الشعب متعطش للعمل ، العمل باتجاه الأهداف السامية التـي ثار الشعب من أجلها ، و دافع عن حدوده من أجلها ، و صمد فـي مختلف السوح من أجلها و بذل كل هذه المساعي و اكتسب هذا التطور العلمي و الفكري من أجلها . يد القدرة الإلهية مع الشعب الإيرانـي طبعاً ، إننـي أرى هذا رأي العين . كان الإمام راقداً يوماً على فراش المرض و ذهبت لعيادته . قلت له جملة معينة و قال فـي جوابـي : ما رأيته فـي هذه الأعوام هو أن هناك قدرةً تعاضد يدها شعب إيران و تدبر له الأمور . و لقد رأيتُ هذه اليد طوال هذه الأعوام . كم خامرتهم أضغاث أحلام ضد هذا الشعب و كم حاكوا من مؤامرات ، و كم أنفق أعداء الشعب من الأموال ليبقوه متخلفاً و يخترقوا حدوده و يتسلطوا عليه . لكنهم أخفقوا بفضل همم هذا الشعب الذي تعاضده يد القدرة الإلهية ، و اعلموا أنهم سيخفقون فـي المستقبل أيضاً إن شاءالله .نستمد العون و الهدى و الفضل من الله تعالى ، و نحيـّي الساحة المقدسة للولـي الأعظم سيدنا صاحب الزمان (أرواحنا فداه) و نسأل عونه و دعاءه و التفاته و لطفه و عنايته لكافة الشعب الإيرانـي و لكم أيها الأعزاء الحاضرون هنا .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . 1 9 كانون الثانى
2005/01/07

كلمته في لقائه العاملين في مراسم الحج

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء العاملين فـي هذا التحرك الإلهي و الجماهيري العظيم ، و نسأل الله الشاكر العليم أن يتقبل مساعيكم و يثيبكم و يمن عليكم و على الزوار بمزيد من التوفيق لإقامة الحج بأفضل ما يمكن .الحج فرصة استثنائية . كل العبادات إنما هي فرص يستعيد فيها الإنسان نفسه . الناس و بسبب غفلتهم عن الله تعالى ـ و هو روح الوجود و حقيقته ـ يغفلون عن أنفسهم و قلوبهم و حقيقتهم ﴿ نسوا الله فأنساهم أنفسهم ﴾ . هذا هو داء البشرية الكبير اليوم . الناس بغفلتهم عن الله تعالى يغفلون عن أنفسهم أيضاً . لقد نُسيت تماماً حاجات الإنسان و حقيقته و أهداف خلقته فـي زحمة العجلات المادية . ما يعيد الإنسان إلى الله و إلى نفسه و حقيقته و حاجاته و قلبه فـي ظل التوجه إلى الله ، إنما هو الدعاء و العبادة و التضرع . و الحج من هذه الناحية أفضل العبادات . فهو عبادة استثنائية من حيث الزمان و المكان و توالـي الحركات التـي تُقرر للحاج و الناسك أثناء مراسم الحج . لذا كانت مدينة مكة و مراسم الحج وسيلةً تُحقق الأمن للإنسان . فـي تلك المراسم العجيبة العظيمة يشعر الإنسان بالأمن يملأ فؤاده عبر خضوعه و خشوعه و تضرعه و استغراقه فـي ذكر الله . هذه هي أكبر حاجات الإنسان . الجحيم الذي تشعله القوى و الدوافع المادية داخل الإنسان يستطيع الإنسان حين يلوذ بالحج أن يقلبه برداً و سلاماً جنائنياً على نفسه فـي ذلك الزمان و ذلك المكان .ما أغفلهم أولئك الذين يهوّنون قدر مراسم الحج و أيامه و مناسكه بانهماكهم فـي شؤون الدنيا . ينبغي أداء الحج بخشوع و حضور قلب و أدب تام . ماعدا مناسك الحج و أعماله التـي تشكل صورته الظاهرية ، هناك أدب يمثل روح الحج . البعض يؤدون تلك الصورة لكنهم يغفلون عن روحه و حقيقته . أدب الحج هو الخضوع و الذكر و الخشوع . أدب الحج هو الشعور بالحضور مقابل الخالق فـي كل الآنات و اللحظات . أدب الحج هو اللجوء إلى ساحة الأمن الإلهي التـي أعدها للمؤمنين و المتمسكين بأذيال التوسل بالذات الإلهية المقدسة . يجب التعرف على هذه الجنة و الدخول فيها . ينبغي فهم الحج بهذه الطريقة . أدب الحج هو السلم و المداراة . العنف مع المؤمنين و العراك مع الإخوة و الفسق و الجدل ممارسات ممنوعة فـي الحج . أدب الحج هو الغور فـي حقيقة معنى الحج و الاغتراف و التزود منه لكل فترات الحياة . أدب الحج هو الأخوّة و تحقيق المحبة و الوحدة . فرصة تحقيق الوحدة بين الشعوب الإسلامية لا تتوفر إلاّ فـي الحج . كل هؤلاء البشر جاءوا إلى هناك من أقصى أنحاء العالم حباً للكعبة و لمرقد الرسول ، و لذكر الله ، و للطواف و السعي . إنها فرصة مغتنمة للأخوّة .بث الاختلاف من الأهداف الرئيسة للاستكبار و أمريكا فـي العالم الإسلامي اليوم . و أفضل طريقة هي بث الاختلاف بين الشيعة و السنة . ترون ماذا يقول صنائع الاستعمار فـي العالم بمناسبة ما يجري فـي العراق ، أية سموم يبثونها و أية بذور للنفاق ينثرونها كما وهموا . منذ سنوات طويلة و أيدي الاستعمار و القوى الغربية الطامعة منهمكة فـي هذه الممارسات . و ثمة فـي الحج فرصة مواتية لهم كي يسخطوا الشيعي على السنـي و السنـي على الشيعي . يحضّون هذا على إهانة مقدسات ذاك ، و ذاك على إهانة مقدسات هذا . ينبغي التحلي باليقظة و الوعي ، و هذا ما لا يقتصر على الحج ، إذ يجب التحلي بالوعي طوال السنة و فـي كل الميادين و المناسبات . حرب الشيعة و السنة أحب ما تحبه أمريكا ... أن يواجهوا بعضهم بعد مضي قرون طويلة ـ كما يتقابل الخصوم فـي الحرب ـ بقلوب تطفح بالأحقاد ، هذا يسب ذاك ، و ذاك يشتم هذا . ليس من المستبعد أبداً فـي هذا الزمن البالغ الحساسية أن يستأجروا أشخاصاً فـي مراسم الحج لاختلاق هذه الخلافات . عليكم أن تكونوا يقظين ، على الناس أن يكونوا يقظين ، و على رجال الدين المحترمين فـي قوافل الحج أن يشعروا بكامل المسؤولية تجاه هذه القضية و يلتفتوا إليها و يعلموا ماذا يريد الأعداء . إنها لغفلة كبرى أن يدافع الإنسان عن مخططات الأعداء و يعمل لهم و هو يظن أنه يدافع عن الحقيقة . الآخرون يقبضون المال و يصبحون أجراء فيفعلون هذا ، و قد يثيرون بعض العوام السطحيين المتعصبين ضدكم و ضد معتقداتكم و مقدساتكم ، و إذا واجهوا ردود فعل معاكسة فقد بلغوا أهدافهم دون شك . هذا ما يريدونه . يريدون أن نشتبك فيما بيننا ليركنوا هم للراحة و الاطمئنان .و من أنماط الغفلة المحتملة فـي الحج أن ينساق البعض وراء البهارج الفارغة عديمة القيمة و الأسواق و المحلات التجارية بدل المشاركة فـي صلوات الجماعة و الطواف المستحب و التواجد فـي الأجواء العاطرة فـي المسجد الحرام و مسجد النبـي الزاخرين بالذكريات عن حقبة مفاخر الإسلام و زمن الوحي و البعثة ، و ذلك ليملأوا جيوب الدول الأجنبية غير الآبهة لمصالح المسلمين، يملأون جيوب عمال تلك الدول و رأسمالييهم بالأموال الإيرانية و الثروات الوطنية . أن يتجولوا فـي الأسواق و الدكاكين و يتفرجوا على البضائع بدل المشاركة فـي صلاة الجماعة . إن الإنسان ليأسف حين يسمع أن عدداً محدوداً من الحجاج الإيرانيين ـ رجالاً كانوا أم نساءً ـ يقصدون الأسواق حين تقيم الجموع الغفيرة صلاة الجماعة فـي المسجد الحرام أو مسجد النبـي أو تهرع إليها ، يقصدون الأسواق حاملين الأكياس تحت آباطهم يشترون بضائع قد يتوفر فـي مدنهم ما هو أفضل و أقل ثمناً منها ﴿ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾ . الأفضل و الأنفع و الأهم أن ينهمك الإنسان فـي الصلاة و العبادة و الذكر و الخشوع و المشاركة فـي صلوات الجماعة . هذه هي المكتسبات الحقيقية للحج . هذه هي الهدايا الحقيقية . الهدايا هي المعنوية التـي تتزودونها فـي نفوسكم و تأتون بها ، الأخلاق و الأحوال الروحية التـي تعودون بها . شاهدنا أناساً حين عادوا من الحج كانت وجوههم و سلوكياتهم و كلامهم و ظاهرهم و باطنهم يعظ الإنسان و يؤثر فيه . هو هذا الصالح ، و هذه هي الهدية الحقيقية .و أشير أيضاً إلى أن أحداثاً مريرة تجري فـي بلدنا الجار العراق . الأحداث التـي وقعت أمس فـي النجف و كربلاء ـ انفجار قنبلة و مقتل العشرات و جرح عدد أكبر ـ يجب أن تلفت الإنسان إلى مشكلات و قضايا أكبر . واضح أن يد الاستكبار تعمل باستمرار داخل العالم الإسلامي . و الوضع لا يخرج عن حالين : إما أن تتصرف الأمة الإسلامية بوعي ، و عندها لن يستطيع الاستكبار فعل أي حماقة حتى لو تحولت يده إلى عشر أيدٍ . و إما أن نتعامل مع هذه الأمور بغفلة فيكون مصيرنا و مستقبل الأمة الإسلامية مهدداً أشد التهديد . لو كانت هذه الأحداث المفضية إلى إزهاق أرواح البشر مجرد أحداث إرهابية لكانت مدانة أيضاً ، لكنها فوق ذلك . إنهم يريدون إشغال الشعب العراقي عشية الانتخابات و تأجيج حمى التهم و الشائعات و الخلافات بحيث يفوتون عليهم فرصة الانتخابات الثمينة . أنا واثق أن يد الأجهزة التجسسية الإسرائيلية و الأمريكية تقف وراء هذه الأحداث . إما أنهم نفّذوا هذه الأعمال مباشرة أو ربما غرروا ببضعة أشخاص متعصبين غافلين و حضّوهم على هذا الفعل ، لكن المخطط يبقى مخططهم . يروم أبناء الشعب العراقي بعد سنين طويلة و على الرغم من ميول المستكبرين الاستكبارية أن يختاروا و ينتخبوا بأنفسهم ، بيد أن المحتلين لا يريدون ذلك . يريدون شكل الانتخابات دون باطنها و حقيقتها . لا يريدون أن يتولى المسؤولية شخص من الجماهير و للجماهير و اعتماداً على الجماهير ، بل يتولاها أشخاص مأجورون يطيعون أوامرهم و إملاءاتهم . يبغون أن يكون ظاهر القضية حكومةً جماهيرية تولت زمام الأمور ، أما باطنها فحكومة عميلة لأمريكا و بريطانيا يكون العراق فـي يدها تديره كيفما تشاء و تضمن مصالح أسيادها . هذا ما يجب أن يجعلنا يقظين للغاية ، و ما يحتم منتهى الوعي على الشعب العراقي و الأمة الإسلامية .هذه أحوال تشهدها شتى بقاع العالم الإسلامي بأشكال مختلفة . مشروع « الشرق الأوسط الكبير» الأمريكي أحد هذه القضايا . حقيقة هذا المشروع هي تجميع كل الخيرات المتوفرة فـي هذه المنطقة و سكبها فـي جحيم لا يمتلئ .. جحيم معدة الاستكبار الأمريكي النهمة . إنهم غير قانعين بالنفوذ و الهيمنة التـي يتمتعون بها الآن . يريدون هيمنة مطلقة ، يرومون سلطة مطلقة على كل العالم ، بما فـي ذلك هذه المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية و الإنسانية و التـي تعد بقعة فـي غاية الحساسية و الأهمية . على الشعوب أن تتحلى بمنتهى الوعي ، و الحكومات أيضاً يجب أن تبقى يقظة .ينبغي عدم تفويت فرصة الحج للتنوير و التوعية فـي هذه المجالات و إعلان البراءة من الاستكبار و أمريكا . لابد أن يعلم العالم الإسلامي ما هي القضايا التـي تواجهه . يجب أن تكون هذه الأمور مدعاة توثب و تحرك فـي العالم الإسلامي . يوحون فـي إعلامهم أنه ما عادت فائدة من الصمود فالاستكبار سوف يسيطر و لا يمكن فعل شيء . القوتان غير متكافئتين . ليس هذا هو واقع الأمر . واقع الأمر أن الأمة الإسلامية كيان حي قوي . إذا أرادت و بادرت فلن تستطيع لا أمريكا و لا أقوي من أمريكا أن تفعل لها أي شيء .نسأل الله تعالي أن يوفقنا و يؤيدنا جميعاً ، و أن يوفق رجال الدين المحترمين فـي القوافل و العاملين و المسؤولين فـي شتى مستويات الحج .الإشارة إلى أن القرآن هو محور الإعلام بشري كبيرة جداً . القرآن مفتاح نجاح المسلمين . يجب جعل القرآن محور الإعلام و الحركة و السعي فـي كل الأحوال ، و خير الأحوال لذلك هو الحج . ليتلو القرّاء القرآن فـي المساجد ، و فـي الحرمين الشريفين ، و فـي البعثة ، و فـي أي مكان تتوفر فيه الفرصة المناسبة ، و ليسمعوا الناس الآيات و يعرضوا عملياً على سكان العالم اهتمام الشعب الإيرانـي بالقرآن ، و سيستمر هذا الإعلام على امتداد السنة إن شاء الله .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته  
2004/12/19

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين . الحمدلله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون . نستغفره و نتوب إليه و نحمده و نتوكّل عليه و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه سيّد خلقه سيّدنا و نبيّنا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيّما بقية الله فـي الأرضين . أوصيكم عباد الله بتقوى الله .أولاً أبارك عيد الفطر السعيد لكافة الشعب الإيرانـي العزيز و لجميع المسلمين فـي العالم و لكم أيها المصلون الأعزاء ، و أسألُ الله تعالى أن يتقبل عباداتكم و طاعاتكم و قرباتكم فـي شهر رمضان المبارك بأحسن قبوله . أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلّين و نفسي بتقوى الله .شهر رمضان فرصة جد عظيمة و استثنائية أتيحت لنا بفضل من الله تعالى فـي هذا العام أيضاً لنستطيع الجلوس فـي هذا الشهر المبارك إلى مائدة الضيافة الإلهية . إنها فرصة استثنائية لا نظير لها على امتداد السنة . ما أعظمها من سعادة لنا نحن الساكنين فـي أتربة الأرض أن نجالس ملائكة الله و الروح الأمين فـي شهر رمضان : ﴿ تنزّل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم ﴾ . ليلة القدر من شهر رمضان ليلة اجتماع أهل الأرض بملائكة الملأ الأعلى . كما تسير قافلة البشرية بلا توقف نحو نهاية معينة ، كذلك يسير كل فرد من أفراد الإنسانية طوال حياته نحو نهاية و غاية و منزل : ﴿ إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ﴾ . تمر هذه المسيرة الطويلة المليئة بالصعاب و المنعطفات بأطوار و مراحل شتى ، ثمة فيها محن ، و ثمة فيها بلايا ، و ثمة فيها صعاب ، و هناك أيضاً حالات من فرج و سرور و ابتهاج : ﴿ بلوناهم بالحسنات و السيئات ﴾ . و كل هذه إنما هي محن و اختبارات . فـي هذا الطريق الطويل الذي يجب على البشر أن يقطعوه و يحاولوا أن يبلغوا بأنفسهم ذروة الكمال الإنسانـي ، أي لقاء الله ، تتسم الحركة فـي بعض مقاطع الطريق بالصعوبة ، و ذلك على غرار مسارات الحياة العادية ، حيث يمر الإنسان أحياناً بأطوار عصيبة ، و قد يضطر أحياناً للصعود فـي مضيق بطريق وعر ، و تارةً قد يواجه مستنقعاً ، و أحياناً قد يكون الطريق سالكاً و المركب مريحاً .إننا نواجه مشكلات معينة على امتداد السنة و خلال مسيرتنا الطويلة فـي مواجهة أهوائنا النفسية و المعاصي و الأجواء الحالكة التـي نخلقها بأنفسنا . أحياناً يستعصي على الإنسان أن يتوفر لديه الميل للدعاء ، أحياناً يستعصي عليه أن يذرف قطرةً من دمع . ولأن الطريق عصيب ، تحاصرنا ذنوبنا و معاصينا من كل حدب و صوب . أما شهر رمضان فهو البرهة التـي تسهل فيها الحركة . القضية كما لو أنكم تسيرون فـي طريق صعب للوصول إلى مكان أو مدينة معينة و تضطرون أحياناً للسير على أرجلكم ، أو اجتياز المياه ، أو عبور المستنقعات فـي أحيان أخرى . و أحياناً تصلون مطاراً فيه طائرة جاهزة توصلكم للغاية المنشودة بلا متاعب و ببال مطمئن و بعد أن تقطع بكم مسافاتٍ طويلة . مطلع شهر رمضان بمثابة الوصول إلى مثل هذا المطار. لقد مهد الله تعالى السبيل فـي شهر رمضان و أخلى أجواءه من العراقيل و الموانع . هذا الصيام الذي تصومونه يغِلُّ النفس و أهواءها . هذه العبادات ، و الأدعية ، و حالات الخشوع و الذكر ، و ليلة القدر هي الوسائط المريحة التـي تتقدم بكم إلى الأمام فراسخ و فراسخ . الطريق الذي نقطعه طوال الأشهر الأخرى من السنة متراً متراً فـي بعض الأحيان ، نستطيع إذا عقدنا العزم و تقدمنا بأنفسنا أن نقطعه فرسخاً فرسخاً فـي شهر رمضان . لهذا تلاحظون أن أولياء الله يسعدون ببشارة حلول شهر رمضان و يذرفون الدموع لفراقه .يئن الإمام السجاد فـي دعاء وداع شهر رمضان ـ و هو الدعاء الخامس و الأربعون من الصحيفة السجادية على ما يبدو ـ أنيناً يضطره للسلام على هذا الشهر عدة مرات : «السلام عليك» . السلام هنا بمعنى التحية و بمعنى توديع شهر رمضان العزيز و أيامه و لياليه النيّرة ، توديع هذه البرهة الجنائنية من أعمارنا و من السنة .التقوى هي حصيلة شهر رمضان . إنها العكوف على الذات و تداركها و اكتناز التقوى للنفس ﴿ لعلكم تتقون ﴾ . شهر رمضان يكنز فـي نفوسنا التقوى لتعمل بدورها كوسيلة لبلوغ المراتب العالية . التقوى مركب يمكنه الوصول بنا إلى تلك المنازل العُلى : ﴿ و اتقوا الله لعلكم تفلحون ﴾ ، ﴿ فاتقوا الله لعلكم ترحمون ﴾ ، ﴿ و اتقوا الله و يعلّمكم الله ﴾ يمنح الله العلم و الهدي و الرحمة للإنسان جزاءً له على تقواه . و الأهم من كل ذلك هو الفلاح . الفلاح أيضاً يأتي نتيجة التقوى . أعزائي ، ينبغي الحفاظ على زاد التقوى الذي اكتسبناه فـي شهر رمضان ، إن كنا قد اكتسبناه ، و تريّثنا ، إن شاء الله ، عند مائدة الزيارة الإلهية لنتزود منها . إنها ثمرة قيمة جداً . مثلنا كمثل ذلك المزارع الذي يبذل جهوده و كده ثم يحصد محصوله من القمح فيودعه مخزناً عند أيد أمينة حتى يستطيع الانتفاع منه على طول السنة . هذه هو زادنا على امتداد السنة . إنه زاد معرض للمخاطر على طول العام ، فهناك الوساوس ، و هناك البهارج ، و هناك الشهوات و أهواء النفس و الذنوب ، هذه كلها آفات قد تصيب ذلك الخزين من الزاد . حافظوا على هذا الزاد و استخدموه لمكافحة تلك الآفات .اليوم يوم عيد : « الذي جعلته للمسلمين عيداً ، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخراً و شرفاً و كرامةً و مزيداً » . إنه مزيد قُرِّر للرسول فـي يوم عيد الفطر . لذلك نتجهّز و نتسلح نحن أتباع ذلك الرسول بزاد التقوى فـي أي صقع من العالم كنا ، و ذلك لمواصلة طريق الحياة الوعر ، و لأجل عمارة الدنيا و الآخرة و الوصول إلى الفلاح .ربنا بمحمد و آل محمد وفقنا جميعاً لاكتساب التقوى و الحفاظ عليها . بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ و العصر . إن الإنسان لفي خسر . إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ﴾بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيّما على أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سبطي الرحمة و إمامي الهدى ، و علي بن الحسين ، و محمد بن علي ، و جعفر بن محمد ، و موسى بن جعفر ، و علي بن موسى ، و محمد بن علي ، و علي بن محمد ، و الحسن بن علي ، و الخلف الهادي المهدي القائم ، حججك على عبادك و أمنائك فـي بلادك ، و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين . أوصيكم عباد الله بتقوى الله .أذكركم و نفسي مرة أخرى بالتقوى ، و أوصي كافة المؤمنين و المؤمنات بمراعاة التقوى و الحفاظ عليها و الاهتمام بها .كان شهر رمضان لهذا العام شهراً عامراً حافلاً و الحمد لله . يلاحظ المرء أن إقبال الناس فـي بلادنا و فـي كافة الآفاق الإسلامية يزداد عاماً بعد عام . خلافاً للسياسات الاستراتيجية التـي يتابعها أعداء المعنوية و الفضيلة حيث يرومون تفريغ جيل الشباب فـي العالم كله من محتواه المعنوي ، إلاّ أن أفواج شبابنا و الحمدلله ـ و على الرغم من مساعيهم المكلفة ـ يتوجهون بقلوبهم النيّرة نحو الدعاء و التضرع و الإنابة و الاستغفار ، خصوصاً فـي شهر رمضان . الشعب الذي له شهر رمضان ، و له الله ، و له شهر محرم ، و له الجهاد و الاستشهاد ، الشعب المتجهز بأدوات الجهاد و المعتمد على الله ، لن يهزم أبداً . شهر رمضان هذا ـ و كما سبق فـي الأعوام الماضية ـ كان فيه مضافاً للعبادة و التضرع و التوسل ، مظاهرة جماهيرية عظيمة هائلة فـي يوم القدس ، و هي تحرك رمزي عظيم ترك و سيترك بلا شك تأثيرات عميقة فـي الساحة السياسية العالمية مقابل القوى الاستكبارية . على أن ما سبب المرارة لضيوف رمضان فـي كل العالم الإسلامي ، و خصوصاً هذه السنة ، هو الحوادث المفجعة فـي فلسطين و العراق . هذان البلدان فلذات من الجسد الإسلامي .فـي فلسطين ، أضحى قتل الناس عادةً يومية يمارسها الصهاينة الظالمون . العالم الذي يسكت عن مثل هذه الجرائم ، عالم منحرف غير طبيعي . إنهم ساسة مذنبون أولئك الذين يغضون الطرف لاعتبارات سياسية و لأجل المصالح الدنيوية عن كل هذه المظلومية من جهة ، و عن كل تلك الجرائم من جهة ثانية . الإنسانية اليوم مبتلاة بمثل هؤلاء الساسة . لقد قدم الشعب الفلسطينـي الصائم فـي شهر رمضان هذا عدداً من الشهداء . و تحمل الشعب العراقي فـي شهر رمضان هذا متاعب كثيرة و هو صائم . كل هذا بسبب حرب غير معلنة بدأها الاستكبار العالمي ضد الإسلام . فـي هذه الحرب غير المتكافئة تصطف كل ثروات الاستكبار و قدراته و إمكاناته الدعائية و السياسية و الاقتصادية إزاء الشعوب التـي تريد أن تذكر اسم الله و تبقى فـي نطاق العبودية لله : ﴿ و ما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ﴾ . يبعث الإسلام فـي قلب المسلم شجاعة و نوراً و صبراً يخشاه المستكبرون ، و لهذا يعارضون الإسلام .الأمة الإسلامية واقفة قبال هذه الجبهة الإستكبارية التوسعية الطامعة . يمكنكم ملاحظة نماذج المقاومة . محفزات هذه المقاومة مبثوثة من أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه ، و قد تظهر بشكل أبرز فـي بعض المواطن ، و على القمة من ذلك يقف الشعب الفسطينـي . لم تستطع أمريكا و حلفاؤها الصهاينة أن يطفئوا جذوة الشعب الفلسطينـي . حينما خاض الصهاينة حرباً مسلحة منظمة ضد البلدان العربية لم تستغرق الحرب أكثر من ستة أو ثمانية أو عشرة أيام ، و هم الآن يواجهون الشعب الفلسطينـي منذ نحو أربعة أعوام . شعب يقتلون منه ، و يهدمون بيوته ، و يعاملونه بمنتهى القسوة لكنهم عاجزون عن أن يركعوه . و هكذا الحال فـي كل العالم الإسلامي . حيثما أراد هذا العدو العنود الذي يقف ساسة الولايات المتحدة الأمريكية على رأسه ـ و هو عدو الإسلام و المسلمين و الأمة الإسلامية ـ التدخل بهذا الوجه و بهذا الأسلوب فسوف يواجه مقاومة الأمة و الشعوب المسلمة .نلعن مرةً أخرى عن تعاطفنا مع الشعب الفلسطينـي المظلوم ، و الشعب العراقي المظلوم ، و كافة الشعوب المظلومة . الشعب الإيرانـي شعب صامد .أيها الشعب الإيرانـي العزيز ، أيها المصلون الأعزاء ، إن وحدتكم و التحامكم هذا و اعتصامكم بالقيم المعنوية لهو أكبر مكسب يعينكم على الصمود أمام أطماع الاستكبار و نزعته التوسعية العدوانية ، فلابد أن تحافظوا على هذا لأنه شي ء قيم جداً . صلوات العيد هذه ، و هذه التجمعات العظيمة ، و هذه التظاهرات الهائلة ، و هؤلاء الشباب المتحفزون و أفراد الشعب المستعدون للتحرك و النهضة و الدفاع و الجهاد فـي سبيل الإسلام ، كلها عناصر استطاعت تحقيق العزة لجميع الأمة الإسلامية . عزتكم و اقتداركم أيها الشعب رهن بالاعتصام بهذه الوحدة و هذا التلاحم و هذه البصيرة و التنوّر ، فحافظوا على كل هذا . ليعمل المسؤولون فـي خدمة الشعب ، و ليقف الشعب إلى جانب المسؤولين ، و ليفكر الجميع بمصالح هذا البلد و هذا الشعب ، و ليهتم الكل اهتماماً حقيقياً بالضمانة الأصلية لإنقاذ الأمة الإسلامية ، أي التمسك بالإسلام ، ذلك التمسك الذي يبنـي للناس دنياهم و آخرتهم . اطلبوا من الله أن يحفظ فيكم هذه الروح و هذا الإيمان و هذا التوثب و الحيوية .و أريد أن أشير بسرعة إلى الحدث البالغ الأهمية الذي نستقبله فـي نصف السنة المقبل . إنها قضية انتخابات رئاسة الجمهورية . تفصلنا نحو ستة أشهر عن هذه الانتخابات و لا يزال هناك متسع من الوقت للكلام و الحوار عنها ، لكنـي أريد أن أذكر شيئاً مقتضباً حول المسألة و هو أن الشعب الإيرانـي أثبت دوماً يقظته و تواجده فـي ساحة الانتخابات . ما ينبغي أن يلتفت إليه الجميع كاستراتيجية أساسية هو المشاركة القصوى للشعب . يجب أن تكون مشاركة الجماهير فـي انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة التـي ستكون من الملاحم الوطنية إن شاءالله مشاركة تبعث اليأس فـي نفوس الأعداء من التطاول على إيران الإسلامية و الشعب الإيرانـي الشامخ . لقد أعد شعبنا نفسه دوماً للمهمات الكبرى عبر انتهاله من الفيوض المعنوية ، و سيستعد و يصمم على إقامة واحدة من أفضل الانتخابات الوطنية و أكثرها حماساً إن شاء الله . المهم بالنسبة للشعب فـي هذه الانتخابات و كل الانتخابات و القرارات الوطنية هو الارتقاء بمستوى كفاءة النظام يوماً بعد يوم . هذا هو أساس المسألة . إذا أراد الناس تعيين رئيس للجمهورية أو نائب فـي المجلس أو شخص آخر فإنهم يرومون إناطة المسؤولية بأشخاص أكفّاء يستطيعون رفع كفاءة النظام و معالجة المشكلات المادية و المعنوية للشعب . هذا ما يريده الناس . و لكل من الفئات و الأحزاب و العناصر السياسية آراؤها و تصوراتها ، و هي تصورات خاصة بهم . الجماهير تريد أن يتولى المسؤولية أشخاص مخلصون و أكفّاء . و قد تم إنجاز الكثير من المهام لحد الآن . الكثير من البنى التحتية للبلاد على وشك الافتتاح و الاستثمار . الأذرع القوية الكفوءة لمسؤول مؤمن وفـي لمبادئ الثورة ـ و هي مبادئ الشعب ـ ستستطيع حلَّ الكثير من العقد و المشكلات . هذا ما يتحراه الناس . الفرص كثيرة ، و الكلام فـي هذا الخصوص كثير . سيطرح هذا الكلام فـي حينه إن شاء الله ، و سيجتاز شعبنا هذا الاختبار الكبير أيضاً ببصيرة و استعداد و تحفز و حيوية كما كان دائماً .ربنا بمحمد و آل محمد احشر روح إمامنا الكبير مع أرواح الأولياء و الصالحين و الصديقين . ربنا احشر شهداءنا الأعزاء مع شهداء صدر الإسلام . ربنا اشمل معوّقينا و مضحينا برحمتك و لطفك و فضلك . ربنا مُنَّ على كل واحد من أبناء شعبنا فـي أي مكان من هذا البلد بلطفك و فضلك و احلل مشكلات الناس الحياتية بيد اقتدارك و إرادتك . ربنا ، أبلغ سلامنا فـي يوم العيد هذا لحضرة مولانا و سيدنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) مالك هذا البلد و صاحب العصر و الزمان ، و اجعلنا ممن يشملهم دعاؤه .بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد و لم يولد . و لم يكن له كفواً أحد ﴾و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/11/13

كلمته في لقائه مسؤولي الدولة و سفراء البلدان الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك عيد الفطر السعيد للأمة الإسلامية الكبرى و للعالم الإسلامي بأسره و للشعب الإيرانـي الواعي المضحي ، و لكم أيها الحضور الكرام و مسؤولـي البلاد الكبار و السفراء و ضيوفنا من البلدان الإسلامية .نقرأ فـي قنوت صلاة عيد الفطر : « أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً » . لقد جعل الله تعالى هذا اليوم عيداً للمسلمين ، أي إنه يوم يبقى بالنسبة للمسلمين مُحمّلاً بالذكريات دائماً : اجتماع الناس ، تعرفهم على بعضهم ، و تجديد اليوم و الزمن و أسلوب الحياة . و نقرأ فـي تتمة تلك العبارة : « و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخراً و شرفاً و كرامةً و مزيداً » . إنه ذخر للرسول و شرف و كرامة و مزيد ، أي إنه سبب فـي انتشار و اتساع التراث المعنوي للرسول . متى نستطيع نحن الأمة الإسلامية أن نجعل هذا اليوم عيداً لنا بالمعنى الحقيقي للكلمة ، و شرفاً و شموخاً لرسولنا الكريم ؟ حينما نتنبه لإشارات يد الرسول و نتحرك وفقاً لها .يستوعب الإسلام كل جوانب الحياة ، و له وصفة و علاج و حل و فرج لكل جزء من الأمور الكبرى فـي حياة الإنسان . بيد أن تفرق المسلمين هو الداء الأكبر و ما يمكن تسميته أم الأمراض من بين الأمراض المختلفة التـي يعانيها المسلمون . نحن المسلمين لا نعمل بوصية رسولنا العظيم ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا ﴾ أو بوصية ﴿ و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا ﴾ ، و ما ضعف العالم الإسلامي إلاّ نتيجة لهذه الفُرقة . تفرق المسلمين اليوم هو سبب استمرار ضعفهم . كانت هناك أمراض معينة فـي كل فترة من الزمن . و المرض الرئيس فـي هذه الفترة هو عدم اتحاد كلمة المسلمين . ترون أن بؤرة الاستكبار العالمي تتخذ موقفاً علنياً و صريحاً ضد الإسلام و تناصبه العداء . إنها الطرف المعادي للإسلام . تعارض الإسلام و تخالفه ، لأنها تعلم أن الإسلام بامتلاكه لخمس سكان العالم و بتواجده فـي واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية ـ المنطقة التـي يقطنها المسلمون ـ و بامتلاكه لثروات و مصادر هائلة و تراث علمي و معنوي عميق و عريق و قديم ، يستطيع عبر حشد إمكاناته تشكيل منظومة مقتدرة غنية مستقلة . و وجود منظومة غنية مقتدرة مستقلة مما لا يمكن أن تصبر عليه اليوم أجهزة الاستكبار العالمي ، و هي لا تحتاج لأية ذريعة أخرى .إذا أحسنت الأمة الإسلامية استخدام نفطها ، و طاقاتها الإنسانية ، و أسواقها ، و علومها ، و مصادرها المادية و المعنوية المختلفة ، لما استطاع الأقوياء و المهيمنون فـي العالم أن يتعاملوا معه بمنطق القوة هكذا . لاحظوا الأمر بالنسبة للشعب الفلسطينـي كم يبدو منطق القوة لدى العالم الاستكباري مفضوحاً و جلياً . شعب فـي أرضه يفرض مغتصبو أرضه أنفسهم عليه بالقوة ، و بكل هذه الفجائع التـي يرتكبونها . حقوق الإنسان تنتهك ، أرواح البشر تزهق ، إمكانات الحياة تسلب من أهالـي تلك البلاد ، يهدمون بيوتهم ، يدمرون مزارعهم ، يمنعون تجارتهم ، يقتلون مواهبهم ، يحولون دون تنميتهم و رقيهم ، يقتلون شبابهم و رجالهم و نساءهم باستمرار ، و شطر من العالم المستكبر يدعمهم بكل صراحة ، و شطر منه يلتزم الصمت ، و قد غدا العالم الإسلامي متفرجاً أيضاً ، متفرجاً يبدو أنه محايد ! إنها كارثة كبرى للعالم الإسلامي . و السبب هو ضعف العالم الإسلامي و هذه الفرقة الفاشية فيه . ينبغي أن نؤمن أن قوتنا تضرب بجذورها فـي الكتلة السكانية العظيمة للمسلمين و فـي قلب هذه الأمة الإسلامية الكبرى . علينا أن نؤمن بهذا . يحرضوننا على بعض ، و يشغلوننا بعناوين و مسميات شتى ، يزرعون بيننا عدم الثقة ، يشعلون المعارك الطائفية و القومية و الخلافات الحدودية ، يشغلوننا ببعضنا ، و يسيئون استغلال فُرقتنا . هذه هي أعظم مصائبنا و بلايانا اليوم .احتلوا العراق و راحوا يهينون شعبه نساءً و رجالاً . لقد سحقوا كرامة هذا الشعب . و لم يبالوا لغيرته و حميته ، و وجهوا الضربات لدينه و دنياه . أنظروا ماذا فعلوا و يفعلون فـي الفلوجة و الموصل و النجف و كربلاء و فـي غيرها من أنحاء هذا البلد العريق ، و العالم الإسلامي يقف و يتفرج هكذا بصمت ! لماذا ؟ بسبب الخوف . بدل أن تخاف الحكومات من الله ، بدل أن تخشى نقاط ضعفها الداخلية ، تخاف أصحاب منطق القوة ! ... نستطيع ... نحن نستطيع .سياسة العالم الاستكباري اليوم هي التقدم نحو البلدان الإسلامية واحداً تلو الآخر . أي بلد إسلامي يبدي عن نفسه ضعفاً سوف يبتلع و يُقضى عليه . يثيرون قضية حقوق الإنسان ، يثيرون قضايا سياسية معينة من قبيل قضية التقنية النووية .إذا كانوا قد ورطوا أنفسهم اليوم مع إيران فـي قضية التقنية النووية ، فبمقدورهم غداً أن يلتمسوا نفس هذه الذريعة أو ذريعة شبيهة بها فـي كل البلاد الإسلامية ، غير أن الشعب الإيرانـي صامد . نحن شعب حي و نحمد الله على ذلك . لا ندعي أننا اقتربنا جداً من الإسلام أو أننا نعمل طبقاً للإسلام بشكل كامل . لا ، هذا ادعاء كبير . لكن الخطوة الواحدة التـي قطعناها باتجاه الإسلام جعلت الإسلام يتقدم لمساعدتنا . لقد أورثنا الإسلام الشجاعة . لقد منحنا الإسلام الوحدة ، منحنا القدرة و ربط على قلوب شعبنا ، قرّب قلوب شعبنا من بعضها و بث فيها القوة و الصمود ، و أحيى روح العزة لدى أبناء أمتنا . ما عاد شعبنا على استعداد للعيش ذليلاً. يتوجب الوقوف بوجه العدو بهذه الطريقة و بهذه الخصوصيات و بالاعتماد على هذه الأركان .لندعو الله و نطلب منه تعالى أن يقرب قلوبنا و قلوب الأمة الإسلامية من بعضها ، و يحبط بفضله و كرمه مؤامرة الأعداء فـي جعلنا سيئي الظن و عديمي الثقة ببعضنا . ندعوه ليوقظنا و يجعلنا واعين . لو سرنا فـي هذا الطريق لاستعاد العالم الإسلامي قوته . لدينا الكثير من الإمكانات . عيد الفطر هذا أحد إمكاناتنا ، الحج أحد إمكاناتنا الأخرى . عيد الأضحى من إمكاناتنا أيضاً . هذه التجمعات العظيمة ، آيات القرآن التـي تتلى علينا فـي كل الآفاق الإسلامية كلها من إمكاناتنا و يجب الاستفادة منها .أوصيكم يا مسؤولـي البلاد بأن تعرفوا قدر هذا الشعب . إن لنا شعباً صالحاً و عظيماً جداً . إن لهذا الشعب حقاً كبيراً فـي أعناق الجميع ، خصوصاً فـي أعناقنا نحن المسؤولين . أعباء خدمة هذا الشعب تقع على كواهلنا . اعملوا من أجل الناس و أخدموهم بإخلاص و بكل قدراتكم و إمكاناتكم الفكرية و العملية . إن هذا الشعب شعب عزيز و عظيم . إنه شعب صنع التاريخ ، شعب يسيّر التاريخ فـي هذا المسار البالغ الأهمية و فـي هذا الظرف الحساس جداً .ربنا احشر روح إمامنا الطاهرة مع الأولياء فقد عرفنا هذا الطريق و جعلنا نسير فيه . ربنا لقد بذل شهداؤنا و مضحونا و رجالنا و نساؤنا المجاهدون الفدائيون أرواحهم و قدراتهم فـي سبيل الله و الإسلام فـي هذه الحقبة الطويلة فاشملهم بلطفك و فضلك . أبلغ صاحب الزمان (أرواحنا فداه) سلامنا و اجعلنا من جنده .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته  
2004/11/13

كلمته أثناء لقائه أعضاء الحكومة

بسم الله الرحمن الرحيمإنه مجلس أُنس قد أقيم ، وسوف تستئنس القلوب ببعصها أكثر فأكثر إن شاء الله ، و لا تستوحش أو تنفر من بعضها . عسى أن لا تكون قلوبنا إن شاء الله مستوحشة من الحقائق القريبة منا دائماً ـ لا سيما فـي أيام العشرة الأخيرة الزاخرة بالبركة من هذا الشهر ـ بل آنسةً بها .فـي السنوات الماضية ، سواء فـي الحكومة السابقة أو الحكومة الحالية ، كان الدارج عندنا فـي شهر رمضان أن نقرأ عبارة من نهج البلاغة و نشرحها باختصار . وكذا الحال فـي هذه السنة ، وقد اخترت عبارات من مواضع مختلفة من نهج البلاغة حول الإيمان سأقرأها الآن . طبعاً ، ثمة فـي كل كتاب (نهج البلاغة) الشريف عبارات أكثر عن الإيمان ، ولكن حيث أن النسخة التـي استخدمها دوماً مكونة من أربعة مجلدات ، إثنان منها مصحّفان ، و أنا استخدمها منذ نحو ثلاثين أو أربعين سنة ، لذا كان يجب أن أختار أحد المجلدات وآتي به ، لذلك جئت بالمجلد الثانـي الذي يشمل الجزئين الثالث و الرابع بهوامش المرحوم عبده .يقول الإمام : « سبيل أبلج المنهاج أنور السراج » الإيمان طريق واضح المعالم جداً . الإيمان أكثر المصابيح إشعاعاً و نوراً . المراد من الإيمان فـي عبارة أميرالمؤمنين (عليه الصلاة و السلام) هذه هو الإيمان الدينـي . أي الإيمان بالله و يوم الجزاء و الرسول ، و هذا الإيمان الذي تدعو الأديانُ الناس إليه . طبعاً ، أهمية الإيمان على نحو الإطلاق أمر واضح ، فالإيمان دعامة عمل الإنسان و تحركه . ما لم ينجذب الإنسان إلى شىء و ينشدّ إليه قلبه فلن يتحرك فـي سبيله . الإيمان يختلف عن العلم . أحياناً يعلم الإنسان حقيقةً ما لكنه لا ينجذب إليها . أي أن العلم و الاطلاع على صدق الفكرة لا يكفي لحصول الإيمان . ثمة شىء لابد منه إضافة إلى هذا العلم . و طبعاً ، الإيمان بدوره غير متاح من دون العلم ـ لا معنى للإيمان إلى جانب الشك و الارتياب ـ غير أن العلم لوحده أيضاً لا يكفي للإيمان . تلاحظون أن القرآن يقول حول قضايا موسى و فرعون : ﴿ و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ﴾ . أي أن موسى حين أطلق دعوته ادرك الملأ الفرعونـي أنه صادق و أن كلامه الحق ، ولكن بعد أن جاء موسى بهذه المعجزة العجيبة ، و بعد أن اعترف السحرة و المشعوذون أنفسهم ـ و الذين جرى التصور أن عمل موسى هو أيضاً من قبيل أعمالهم ـ أن هذا ليس من سنخ أعمالهم و سجدوا رغم تهديدات فرعون ، و آمنوا بموسى و تقبلوا الموت ، اتضح للملأ أن موسى ينطق بالحق ، لكنهم مع ذلك أنكروا .لماذا ؟ السبب هو ﴿ ظلماً و علواً ﴾ . لأن استكبارهم و أهواءهم النفسية و الظلم الذي أرادوا ممارسته لم يسمح لهم بالتسليم . الإيمان و الانجذاب ضرب من التسليم . التسليم لحقيقة من الحقائق . أحياناً يفهم الإنسان الحقيقة لكنه لا يُسلِّم قلبه لها بل يقف بوجهها . لذلك تلاحظون أن ما يقابل العلم هو الجهل و الشك . أما فـي مقابل الإيمان فلا يأتون بالجهل ، يأتون مقابله بالكفر ، أي التغطية و التعتيم . أحياناً يقتنع الإنسان بحقيقة ما لكنه يخفيها و يسترها . الموقف المضاد للإخفاء هو الإيمان ، أي الهيام و الانجذاب و الخضوع ، و تقبل الحقيقة بكل الوجود و التسليم حيالها . كل ما تتصورونه حقيقة ، إذا آمنتم به فسيكون هذا أساس عملكم . ترون اليوم أن فريقاً يدافعون بكل حماس عن الركن الاقتصادي أو الاجتماعي الفلانـي و يراهنون عليه . المثال الأوضح لذلك وجود الميول الماركسية إبّان فترة شبابنا و قد أدرك بعضكم تلك الفترة . طائفة من الناس كانوا مستعدين فعلاً للتضحية بأنفسهم من أجل تلك المفاهيم الماركسية . كان هؤلاء عاشقين و مؤمنين . هذا الإيمان يؤدي إلى العمل ، عملٍ بهذه الجسامة ، الكفاح و التواجد فـي الساحة و قتل الآخرين و التعرض للقتل . إذا توفر الإيمان بمبدأ معين سيتحول الإنسان إلى عامل باتجاه أهداف هذا الإيمان . ليس من الضروري ان يذكّروه دائماً . الإيمان يستتبع وراءه العمل ، و سأشير إلى هذا بعد قليل .قلنا إن مراد أميرالمؤمنين هنا هو الإيمان الدينـي . ليس الإيمان بشىء باطل أو الإيمان بالأصنام و عبادتها . إنه الإيمان بالله الذي لا شريك له و الإيمان بالنبوات و الحقائق و يوم القيامة . يقول : «سبيل أبلج المنهاج» أي أنه طريق ناصع نيّر جداً . إذا دخل إنسان هذا المضمار بعقله و فطرته فسيرى الطريق مشرقاً لا ترديد فيه و لا شبهة . إنه طريق «أنور السراج» . و تتمة العبارة : «فبالإيمان يستدل على الصالحات» عن طريق الإيمان يصل الإنسان إلى الأعمال الصالحة . الإيمان هو ما يجتذب الإنسان و يدله على العمل الصالح . ثم يقول مباشرةً : « و بالصالحات يستدل على الإيمان » . العمل الصالح أيضاً يدل الإنسان على الإيمان . أي أن ثمة تأثيراً و تأثراً متقابلين . أعتقد أن هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية . علينا تمتين إيماننا بالعمل الصالح ، كما ينبغي لنا معرفة العمل الصالح عن طريق الإيمان .تنبّهوا إلى الحدث الذي وقع فـي معركة أحد . أولئك الخمسون رجلاً الذين حلت بهم لعنات جميع المسلمين وعتابهم على مدى أربعة عشر قرناً كانوا مسلمين ومن أصحاب الرسول . الكثيرون منهم شاركوا فـي معركة بدر . لم يكونوا أناساً أشراراً . لكنهم أنفسهم ابتلوا بتلك الآفة ، فتركوا المضيق من أجل الغنائم ، و فسحوا الساحة للعدو و تسببوا فـي سفك كثير من الدماء الطاهرة على الأرض . أريق دمٌ كدم حمزة سيدالشهداء ، و جرح الرسول و تزعزعت الحكومة و النظام الإسلامي الفتـي بسبب تقصير هؤلاء الخمسين شخصاً . يقول القرآن حول هؤلاء الخمسين : ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا ﴾ ، أي أن فعلهم هذا حصيلة أخطائهم و زلاتهم التـي وقعوا فيها من قبل . كل زلة تفرض على الإنسان زلاّت أخرى ، أي أنها تضعضع أساس الإيمان ، وتضعضع الإيمان يترك تأثيره السيئ فـي أعمالنا اللاحقة . حينما نزلّ يؤثر زللنا هذا على إيماننا و إنْ بشكل غير محسوس . ﴿ انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ﴾ . عمل خاطئ يأتيه الإنسان فـي السابق يترك بصمات سلبية على إيمانه من دون أن يشعر الإنسان نفسه ، ككثير من الأحيان عندما ينتقل الإنسان من حال إلى حال لكنه لا يتفطن إلى تغيّر حاله .رحم الله المرحوم السيد خاتمي (رضوان الله عليه) الوالد الجليل لرئيس جمهوريتنا المحترم . فـي سنة 57 كنت عائداً من المنفى و زرته فـي أردكان . كان فـي حدود السبعين من عمره حينذاك ، و قد قال حينها أنا لا أشعر بنفسي أبداً . أقول بلسانـي إننـي شيخ كبير السن ، لكنـي لا أشعر أنـي شيخ كبير. أرى نفسي كما كنتُ فـي الثلاثين أو الخامسة والثلاثين . بعد سنوات قلتُ له انك قلتَ لـي يوماً كذا و كذا ، فهل أنت كذلك الآن ؟ قال نعم لا أزال كذلك . و نحن الآن أيضاً كذلك . الصورة التـي فـي أذهاننا نحن الشيوخ المسنين هي صورتنا فـي الثلاثين من أعمارنا . إننا لا نشعر بمضي العمر و التحول العجيب الذي يطرأ رغم كل آثاره الجسدية المحسوسة . و كذا الحال بالنسبة لتحول الإيمان ، بمعنى أن الإنسان لا يشعر بضمور الإيمان ، إذ ليس له حتى تلك العلامات الجسدية المحسوسة حتى يتفطن له الإنسان و يدركه . إذن ، تَرَكَ ذلك الزلل و الخطأ تأثيره على الإيمان . ضآلة الإيمان تترك بصماتها على أعمالنا التالية . مثلاً حين نصادف ميدان جهاد أو ساحة امتحان ، تسفر شحّة إيماننا هناك عن نفسها . نحن الذين استطعنا بإيماننا الوافر أن نقفز فـي موضع من المواضع و نتحرك و ننجز عملاً كبيراً ، حين نقف حيال نفس ذلك العمل ترتعد أطرافنا . تماماً كما لو أن شخصاً كان يستطيع القفز فوق ساقية عرضها متران ، لكنه لا يستطيع ذلك حين يصادفها الآن . التأثير السلبـي للعمل على الإيمان و الإيمان على العمل نتيجته الهزيمة فـي معركة أحد . نتيجته حالات التراجع و النكوص . نتيجته أن يقف سبط الرسول ـ و هو أعز إنسان عند الرسول ، أي الإمام الحسين عليه السلام ـ بوجه الحكومة التـي خلفت الرسول و يستشهد بتلك الحال المفجعة بعد خمسين عاماً فقط من هجرة الرسول و أربعين عاماً من وفاته . لقد قلتُ فـي وقتٍ ما إن هذه عبر التاريخ ، و هي أرقى من الدروس .جاء فـي الحكمة الثلاثين من نهج البلاغة : «سُئل عن الإيمان» ، طلبوا من الإمام أن يتحدث لهم عن الإيمان ، فقال : « الإيمان على أربع دعائم » ، يرتكز الإيمان على أربع ركائز . المراد من الدعائم الأربع أنها إذا كانت متينة فستحمل الإيمان ، أما إذا تحلحلت أو انهارت ، فسينهار الإيمان بنفس النسبة . قد لا يسقط نهائياً ، لكنه ينهار بنفس النسبة و الدرجة . ذكر الإمام هذه الدعائم الأربع فقال : « على الصبر ، و اليقين ، و العدل ، و الجهاد » . الدعامة الأولى هي الصبر و الاستقامة فـي كافة الصعد . إذا أردتم متابعة خطّة ما فعليكم التصدي لها إلى نهايتها . تريدون القيام بعمل ما ، إذن أتمّوا ذلك العمل . و إذا حلّت مصيبة فلا تنهزموا نفسياً حيالها . إذا حُدّد لكم واجب اصبروا على أدائه و لا تتبرموا و تتثاقلوا إلى الأرض . إذا عرضت لكم معصية تماسكوا و لا تستسلموا لها . للثبات شكله فـي كل موضع من المواضع . لكن معنى الثبات واحد طبعاً فـي كل مكان ، و هو القوة الإنسانية و الاستقامة و الصمود ، لكنه يفصح عن نفسه فـي كل مكان بشكل معين . الصبر على الطاعة ، و الصبر على المعصية ، و الصبر على المصيبة .الدعامة الأخرى للإيمان هي اليقين . اليقين هو العلم كما سبق أن ألمحنا . ينبغي عدم ضعضعة أركان اليقين . يجب عدم إطلاق العنان للشك ليقضِم عماد اليقين كالأرضة . يتوجب تعزيز اليقين و تمتينه . إذا عنَّ سؤال لذهن الإنسان بشكل طبيعي فعليه متابعة ذلك السؤال حتى يزول الشك و الترديد . ولكن يجب أن لا يوسوِس الإنسان لنفسه ، ولا يحطّم اليقين فـي روحه أو لدى الآخرين ، و لا يتردد فـي اليقينيات و يحولها إلى أمور مشكوكة . الدعامة الثالثة للإيمان هي العدل . معنى العدل وضع كل شىء فـي موضعه . و المعنى اللغوي للعدل هو التوسط ، و الاعتدال الذي يذكرونه مشتق من هذه المفردة . أي فـي الموضع المناسب بلا افراط و لا تفريط . بدون جنوح إلى يسار أو يمين . لهذا يقال أن العدل وضع كل شىء موضعه . أي إذا استقر كل شىء فـي موضعه عندها ينبثق ذلك التعادل السائد فـي نظام الطبيعة على أساس العدل و الحق . العدل ضروري فـي سلوك الإنسان . وهو ضروري للحاكم . و ضروري فـي اتخاذ المواقف . ولازم فـي إبداء المحبة و الكراهية . يقول القرآن : ﴿ و لا يجرمنكم شنئآن قوم على ألاّ تعدلوا ﴾ لا تفضي بكم عداوة أحد من الناس إلى الحياد عن العدالة و عدم مراعاتها فيما يرتبط به ﴿ اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾ . إذن ، العدل أيضاً من أركان الإيمان . إذا كان العدل ثبت الإيمان .الدعامة الأخيرة هي الجهاد . و الجهاد معناه الكفاح . الحرب و الصراع لا يعنـي فـي اللغة الفارسية الكفاح . تقول إننـي أكافح ، أكافح كفاحاً علمياً ، كفاحاً اجتماعياً ، كفاحاً سياسياً ، كفاحاً مسلحاً ، كل هذا كفاح و له معناه . الكفاح معناه السعي الحثيث مقابل عقبة أو عدو . إنْ لم يكن ثمة مانع حيال الإنسان فلن يكون هناك كفاح . فـي الطريق المبلّط يضع الإنسان قدمه على البنزين و يسافر بخزان وقود ممتلئ ، هذا لا يسمى كفاحاً . الكفاح يحصل حين يواجه الإنسان عقبة تكون فـي الجبهات البشرية عدواً ، و تظهر فـي الجبهات الطبيعية على شكل موانع طبيعية . إذا اشتبك الإنسان بهذه العقبات و حاول إزاحتها فسيكون ذلك كفاحاً . الجهاد فـي اللغة العربية بهذا المعنى تماماً . معناه الكفاح . الجهاد فـي القرآن و فـي الحديث أيضاً بنفس المعنى . ليس بمعنى الحرب المسلحة دائماً . طبعاً قد يتطابق أحياناً مع الحرب المسلحة ، و أحياناً مع الحرب غير المسلحة .بعد ذلك يشرح أميرالمؤمنين هذه الكلمات ـ و لن أخوض فيها طبعاً ـ يشرح الصبر ، و اليقين ، و العدل ، و الجهاد . يقول مثلاً إن الجهاد على أربع شُعب : الأمر بالمعروف ، و النهي عن عن المنكر، و صدق الحديث ، و صدق المواقف . تماماً بالمعنى الذي نتوخاه اليوم فـي اتخاذ المواقف . أي أنْ يكون الإنسان صادقاً فـي مواقفه السياسية و الاجتماعية . إذن الصدق فـي المواقف هو بحد ذاته جهاد . وبهذا المعنى قوله ﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ .من شعب الجهاد الأخرى « شنئان الفاسقين » أي الانفصال عن تيار الفسق و الكفر . أقول لكم هذا على وجه الخصوص، ويجب أن تتنبهوا له جميعاً . ينبغي أن تفصلوا وضعكم عن هذا التيار و لا تخلطوه به . أنتم تعرفوننـي و قد كنّا معكم نحو ثمانية أعوام ، و مع البعض أكثر بكثير . أنا لا أعتقد إطلاقاً أنه يجب قطع العلاقات مع الكفار ، لا ، يجب تشخيص الحدود بينكم و بين الكفار . يجب تشخيص الحدود بينكم و بين الفسّاق . ينبغي تشخيص الحدود بينكم و بين من يرفضون الجمهورية الإسلامية . و أحياناً يكون من الضروري أن يتعامل الإنسان مع نفس هذا الشخص الذي يرفض الجمهورية الإسلامية ، ولكن من الواضح أنه هو و أنتم أنتم . لا تمتزجوا به . كُنتُ عاتباً دوماً على البعض فـي هذا النظام و فـي منظومتنا لأنهم مسحوا الحدود . كنت أقول لهم أحياناً حينما تمسحون الحدود فالمشكلة التـي ستطرأ هي أن الكثيرين سينتقلون بسبب غياب الحدود من هذا الجانب إلى ذاك ، و من ذاك الجانب إلى هذا . سيتنقلون بين الجانبين باستمرار . أي أن الحدود ستُنسي . البلد إذا لم تكن حدوده معلومة ، فلن تكون له هوية و وحدة اجتماعية . لتكن الحدود واضحة . ليكن من المعلوم أين أنتم و أين هم . « و من شنئ الفاسقين و غضب لله غضب الله له ». إغضبوا لله و سيغضب الله لكم ، « و أرضاه يوم القيامة » .« من كلام له عليه السلام فـي الإيمان : فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً فـي القلوب و منه ما يكون عواري بين القلوب و الصدور إلى أجل معلوم » . لدينا نوعان من الإيمان : إيمان ثابت مستقر ، و إيمان مستودع مستعار . الإيمان المستعار هو أيضاً إيمان ، لا أن صاحبه منافق ، لكن إيمانه ليس راسخاً ، لذلك يزول بسرعة . الإيمان الثابت المستقر أي الراسخ فـي القلب يستند إلى براهين و بصيرة عميقة و يدعمه العمل الصالح . النوع الآخر من الإيمان هو الذي تصنعه العواطف دون المنطق ، و لم يرصد له الإنسان عملاً صالحاً . يرفع شعاراً إيمانياً كيفما اتفق و يكون متحمساً جداً فـي شعاراته أحياناً . لكنه لم يبذل لإيمانه هذا عملاً صالحاً يجاهد و يكافح نفسه من أجله . أي أنه لم يسقِ إيمانه هذا بالعمل الصالح ، فيكون إيمانه مستعاراً . يقول الإمام : « ومنه ما يكون عواري بين القلوب و الصدور إلى أجل معلوم » . متى هذا الأجل و الوقت المعلوم ؟ طالما كان هذا الإيمان مستعاراً ، و إلى حين يزول عن صاحبه . إلى أن يُحلِّق العصفور الذي حبسه فـي صدره و يذهب لحاله . لأن الإيمان لم يغدُ جزءاً من وجوده . متى يزول هذا النوع من الإيمان ؟ فـي أوقات الامتحان و لحظات هوى النفس . إذا كان الإنسان محباً للمال مثلاً ، حينما يقف على مفترق طريقين بين المال و حفظ الإيمان ، سيطير الإيمان و ينتهي . البعض مبتلون بالوساوس النفسية و الشهوات الجنسية ، و البعض مبتلون بعبادة المناصب ، كل إنسان بشكل معين . لكل واحد منّا مواطن زلل . لدينا على حد تعبير الأجانب كعبُ آشيل و عين إسفنديار . هنا مقتلنا و مكسر عصانا . نعوذ بالله من أن توجّه ضربة لمقاتلنا . السبيل إلى ذلك التقوى . التقوى التـي تحدثت عنها كراراً فـي هذه الجلسة و جلسات اخرى ، هي مراقبة النفس على الدوام . هنا يدرك الإنسان أسرار بعض التحولات ذات المائة و ثمانين درجة منذ مطلع الثورة و إلى الآن . مرت على بداية الثورة إلى الآن خمس و عشرون سنة . ترون أن البعض تغيروا أحياناً مائة و ثمانين درجة . أي أنه تحولَ من مؤمن مخلص صادق نشيط متوثب يهتف بالشعارات إلى معاند معارض عدو لجوج عنود متذرّع ! لدينا عدة أنماط من الأعداء : بعض الأعداء أعداء لكنهم لا يريدون أن ينشبوا أظافرهم دوماً فـي وجه الثورة . و البعض لا ، يريدون غرس أصابعهم و إنشاب أظافرهم فـي عيون الثورة و النظام الإسلامي دائماً . حينما تنظر ترى أن بعضهم أشخاص كانوا يرفضون الكثيرين بكل حدة و حماس ، كالشعلة التـي ترتفع عن التبن و الأشواك . طبعاً قد تتصاعد الشعلة القوية أحياناً عن الخشبة المتينة ، لكن شعلة النار المرتفعة من التبن و الأعواد التـي ليس لها أية قيمة ، سرعان ما تخبو . يكون لدينا أحياناً مثل هؤلاء الأشخاص . إيمان هؤلاء غير مستقر . إنه مستودع و زائل و لا يرتكز إلى براهين راسخة . و كما قلنا فإن هذا الإيمان الزائل حين يريد الزوال لا يقرع أجراساً أو يخبّر و يقول ها قد ذهبت وأصبحت منذ الساعة كافراً لا أصلي . إنها عملية تدريجية لا يفهم معها الإنسان و لا يتفطن كيف زال عنه هذا الإيمان . ينبغي المراقبة بدقة و اللجوء إلى الله .العبارة الرابعة و الاخيرة مستقاة من عهد الإمام لمالك الأشتر . رسالة الإمام لمالك الأشتر عجيبة جداً . الحِكم التـي فـي هذه الرسالة لا تعد و لا تحصي حقاً . يقول الشاعر :كلّما شرحتُ العشق و بيّنته ، خجلتُ مما قلته حين صرتُ عاشقاً .حين يعود الإنسان لأعماق هذه الرسالة ، يشعر بالتفاهة حقاً حيال العظمة المودعة فـي كل جزء و جملة منها . يقول : « و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها » . خراب الأرض يسببه فقر أهل الأرض . أي أن الناس إذا كانوا فقراء ستخرب الأرض . لا يقول الإمام هذا كلمحة فلسفية ، إنما يذكره كواقع . و « الأرض » التـي يتحدث عنها هنا هي أرض مصر التـي سار مالك الأشتر إليها . طبعاً كان بالإمكان فـي ذلك الحين مقارنة الشام و العراق و إيران و المدينة و أية منطقة أخرى فـي الدنيا لها من يحكمها بأرض مصر . يقول إن الأرض التـي تسير إليها إذا استطعت أن تجعل أهلها أثرياءً فسوف تعمُر . أما إذا أبقيت الناس فقراءً أو صيّرتهم فقراءً فإن أرضهم لن تعمر و تزدهر . ستبقى خربة . الناس هم الذين يجب أن يعمّروا بلادهم بحيويتهم و قدراتهم التـي يكتسبونها . إبداعات الأفراد فـي كل مكان هي التـي تعمّر الأرض . ثم يقول : « و إنما يعوز أهلها » الإعواز من باب إفعال ، لكنه لازم بمعنى أنْ يغدو الناس فقراء معوزين . يقول الإمام بلام التعليل « لإشراف أنفس الولاة على الجمع » فقر الناس سببه الولاة و الأمراء ، فهم الذين يسببون فقر الناس لأنهم يريدون الاستحواذ على ما يُستحصل من ثروة و خيرات ، و هذا يفضي إلى عوز الناس . طبعاً قد يكون الحكام كالمستبدين قديماً من قبيل رضاخان الذي يريد كل شىء لنفسه و لا يقنع بحد معين . و البعض ممن بجواره ينتفعون و يحصلون على شىء أيضاً . نصيب الملك يأتي فـي المرتبة الأولى ، يليه تدريجياً من هم فـي حاشيته ، يأخذ كل واحد منهم على قدره . هكذا كانت أنماط الاستبداد القديمة . و طبعاً ، كان هناك نمط أحدث فـي الحكومة البهلوية . قرأنا الشكل الأقدم فـي الكتب عن القاجاريين و عهد ناصرالدين شاه و غيرهم . و ثمة شكل و أسلوب حديث هو أسلوب الحكومات التـي تظهر الديمقراطية و تضمر الاستبداد . إن زمام هذه الحكومات اليوم بيد الشركات الاقتصادية . هذه الشركات هي التـي ترسم السياسات ، و هي ليست ذات شأن أو تأثير فـي ظاهر الأمر ، لكنها هي التـي تبعث النواب للمجلس فـي الحقيقة . و هي التـي تعين رئيس الجمهورية . لرئيس الجمهورية أعوان و أنصار ، و سفراء ، و وزراء ، و مدراء على شتى المستويات ، هذه الجماعة هي التـي تحكم فـي الواقع . و نوعية فرض الاستبداد ليست كالسابق حيث يقول : أحكم كذا و كذا . حينما كان يريد رضاخان ممارسة استبداده كان ينشر بياناً فـي طهران يقول فيه أربع أو خمس مرات « أحكم » . الحاكم اليوم لا يقول : أحكم . لا يتخلى عن لياقات الديمقراطية أبداً . بل هو لا يحكم أصلاً ، غير أن مسيرة الأمور تفضي إلى نفس تلك الـ « أحكم » . بمعنى أن القانون الذي تحتاجه هذه الشركة يُصادق عليه بالتأكيد . الخطوة التـي تحتاجها هذه الشركة لحياتها تُتخذ يقيناً ، حتى لو كانت خطوةً بمستوى الهجوم على بلد كالعراق . من هم الذين ينتفعون من إعمار العراق و نفطه ؟ الحكومات الأمريكية أو البريطانية ليست حكومات محورية تعود لها الشركات و النفط و كل شىء حتى نقول انها هي المستفيدة ، لا ، الجهاز المالـي الاقتصادي المهيمن على هذه البلدان هو الذي ينتفع من كل شىء جديد . طبعاً أولئك أيضاً لهم تنافسهم فيما بينهم ، ولهم عداواتهم و سوابقهم فيما بينهم ، بيد أن ذلك الجهاز المالـي هو الذي يستفيد من نفط الشرق الأوسط ، و من الهيمنة على الشرق الأوسط ، و من شىء اسمه الشرق الأوسط الكبير . هو المنتفع النهائي . الحكومة و رئيس الجمهورية و وزير الخارجية و وزير الدفاع و سواهم ـ و هم طبعاً فـي كثير من الأحيان جزء من مجموعة المدراء الماليين و الصناعيين الأساسيين فـي البلاد ـ هم الجبهة الأمامية و الخط المتقدم . إنهم يدعمون و يُسنِدون ، و هم الذين يتخذون الخطوات ، و الناس يتحركون فـي طريقهم . قد تقولون مثلاً إنه لا يوجد فـي أمريكا أو بريطانيا فقراء بالنظر لسكان هذه البلدان . يجب أن لا ننظر لهذا ، يجب أن ننظر كم من الناس أفقرتهم الحكومة البريطانية فـي شبه القارة الهندية ، و الدولة الفلانية التـي استعمرت أفريقيا أو أمريكا اللاتينية كم خلقت من الفقراء . أو أمريكا اليوم بكل ما لها من نفوذ اقتصادي واسع فـي كل العالم كم أوجدت من الفقر و الجوع و الحرمان فـي الأرض . هذا هو الملاك . طبعاً ثمة فـي هذه البلدان ذاتها فقر و فقراء و اختلافات طبقية جد كبيرة . بل هي مذهلة أصلاً . أحياناً ترد فـي إحصاءاتنا للأسف أشياء فارغة و ساذجة و قصيرة النظر كأن يقال مثلاً إن البون الاقتصادي لبلادنا أكثر من أمريكا أو البلد الفلانـي . هذا كلام ناجم عن الجهل بالحقائق و الواقع . إنهم غير مطلعين على الواقع أساساً . كلا ، الهوة الاقتصادية فـي البلدان الرأسمالية مفزعة و فوق حد التصور و أكبر من أي مكان فـي العالم . بالإضافة إلى هذا ، ينبغي عدم مقارنتهم داخل بلدانهم ، بل يجب حسبانهم إلى العالم كله ، لأن مديات نفوذهم و اقتدارهم و تحركهم تستغرق العالم برمته . لا نريد الآن الخوض فـي القضايا العالمية و الدولية . لننظر إلى أنفسنا . إذا أردنا أن تتعمر الأرض فعلينا السيطرة على أنفسنا . أنا و أنتم بوصفنا الرؤساء و المدراء الذين نتولى إدارة الشؤون المالية و الصناعية و الزراعية للبلد ـ أي أن المنافذ المؤثرة للبلاد بأيدينا أنا و أنتم ـ يجب أن نتمالك أنفسنا . ليس شخوصنا و حسب ، فنحن نمثل منظومة . أنتم تعنـي أنتم و معاونيكم و مدراءكم و مسؤوليكم المؤثرين . طبعاً قد يرتكب شخص ما فـي ناحية بعيدة و على مستوى جد بسيط ، خطأ ًلا يمكن السيطرة عليه أو التوقّي منه ، هذا موضوع آخر . بيد أن المنظومة التـي تتولون إدارتها و رئاستها و وزارتها يجب أن تتوفر فيها هذه الخصائص . « لإشراف أنفس الولاة على الجمع » . إنهم يريدون أن يجمعوا . « و سوء ظنهم بالبقاء و قلة انتفاعهم بالعبر » . معنى « سوء ظنهم بالبقاء » هو أنهم سيئوا الظن بما تبقى من أعمارهم ، فهم قلقون مما سيحدث لاحقاً . يتوجب عدم إساءة الظن . ينبغي إحسان الظن بالله تعالى و بالنفس . وقال أيضاً : « قلة انتفاعهم بالعبر » أي أنهم قليلاً ما ينتفعون من العبر .نتمني أن يكون لما قلناه تأثيره فـي أنا أولاً : الحق أننـي أحوج من الجميع . من أسباب أننا نختار هذه الكلمات و نذكرها هو أنها قد تؤثر فينا أنفسنا إن شاء الله ، فتكون حركتنا فـي اتجاه السبيل الإلهي و الطريق القويم أكثر واقعية و جدية بمقدار ما . نقرأ فـي دعاء كميل « وهب لـي الجدَّ فـي خشيتك » . على الإنسان أن يكون جاداً فـي خشية الله . يجب أن لا يأخذ ذلك مأخذ المزاح ، إذ لا مزاح فـي هذه الأمور . إذا كنا نُعدُّ ضمن عقلاء العالم لما أخذنا القضايا الواقعية فـي الحياة مأخذ المزاح أبداً . بل نأخذها بجد . و الأكثر جداً من قضايا هذه الحياة قضية الموت و القبر و السؤال الإلهي ، و قضية البرزخ و القيامة . يجب أن لا نتعاطى مع هذه الأمور بالهزل . يجب أن نتعامل معها بجد ، فهذه أمور مهمة .أتمنّى أن يجعلنا الله نحن و أياكم متأثرين بالكلمات الحكمية لأميرالمؤمنين ( صلوات الله و سلامه عليه ) .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/11/09

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، نحمده و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نستغفره و نتوكل عليه و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته فـي خلقه و حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته ، سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأمجدين الأئمة الهداة المهديين سيّما بقية الله فـي الأرضين . و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين .أوصي كافة الإخوة والأخوات المصلين و نفسي بتقوى الله . لنلقِّن قلوبنا و أرواحنا التقوى و الورع منذ مستهل الخطبة الأولى لصلاة الجمعة ، و نستثمر صيام شهر رمضان و الأجواء المعنوية و النقاء الروحانـي لهذا الشهر ، عسى أن تجنح قلوبنا لخصلة التقوى العظيمة و نستطيع أن نكون ورعين متقين بالمعنى الحقيقي للكلمة .اليوم ـ الحادي و العشرون من شهر رمضان ـ هو باحتمال كبير يوم القدر ، و يوم استشهاد أميرالمؤمنين (عليه الصلاة و السلام) أيضاً . البارحة كانت إحدى الليالـي المميزة الثلاث خلال السنة ، الليالـي التـي يحتمل أن تكون ليلة القدر . تنزّلُ الملائكة الإلهيين و تنزّل الروح حَدَث أو يحدث فـي مثل الليلة البارحة أو الليلتين القادمتين . طوبى للذين استطاعوا بتنزل ملائكة الرحمن أن يجعلوا أرواحهم ملائكية . تواجد ملائكة الرحمن على الأرض و بيننا نحن البشر ـ حيث قال ﴿ تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ﴾ ـ يجب أن يعيننا على الاقتراب للأخلاق و الطباع الملائكية . لا ريبة أنه كان بين عباد الله أشخاص قضوا الليلة البارحة على أحسن وجه و أدركت عيونهم المبصرة للحقائق و أرواحهم الشاعرة بالحقائق ، حقائق ليلة القدر . ربما شاهد البعض الملائكة بأعينهم . و أنتم أيها الجمهور الأعزاء فـي كل مكان قضيتم فـي الليلة التاسعة عشرة و ليلة الحادي و العشرين و ستقضون فـي ليلة الثالث و العشرين إن شاء الله ساعات مشحونة بالخير و الصلاح . نلاحظ أن شعبنا ، و شبابنا ، نساءنا و رجالنا يعتزمون تطهير أنفسهم حقاً بهذه الليالـي . القلوب ترق ، و العيون تفيض بالأدمع ، و الأرواح تتلطّف ، و الصيام يعين على هذا . علينا أن نكون آملين فندعوا و نسعى لاتخاذ هذه الليالـي وسيلة لعروجنا المعنوي ، ذلك أن الصلاة معراج المؤمن و هي وسيلة عروجه ، و الدعاء أيضاً معراج المؤمن ، و ليلة القدر أيضاً معراج المؤمن . لنحاول العروج و الابتعاد ما استطعنا عن مزبلة الماديات التـي ابتلي كثير من الناس فـي كافة أنحاء العالم بها و وقعوا فـي أسرها . النزوات ، و الأخلاق السيئة ـ الأخلاق اللاإنسانية و المعادية للإنسانية ـ الروح العدوانية ، و الطمع ، و الفساد ، و الفحشاء ، والظلم ، هي كلها مزابل الروح الإنسانية . يجب ان تستطيع هذه الليالـي إبعادنا و فصلنا بأكبر مسافة ممكنة عن هذه الأشياء .أما بخصوص شهادة اليوم . ليست هذه الشهادة مصيبة وقعت فـي برهة معينة من الزمان و نذرف الآن الدموع على ذكراها ، لا ، إنها مصيبة الزمان الدائمة . مصيبة استشهاد أميرالمؤمنين . «تهدمت و الله أركان الهدي» لم تسبب الخسارة لذلك الزمان فحسب ، إنما عادت بالخسارة على كل التاريخ الإنسانـي . فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) قالت لنساء المدينة قبل خمسة و عشرين عاماً من ذلك التاريخ و هي على فراش المرض لو كانوا قد أمّروا علياً « لسار بهم سيراً سُجُحاً » و «السُجُح» هو السير المستوى المرن ، أي أنه كان سيجعل طريق حياة الناس سالكاً سوياً . « لا يكلِمُ خُشاشة » ، لن يدع ـ حسب تعبيري ـ قوة الحكومة و روح السلطة الإسلامية تجرح جسد المجتمع الإسلامي حتى أبسط الجروح . ما كان سيسمح بأية أضرار أو خسائر . كان سيسيّر الأمور من دون أية آفات أو تبعات . أفضل أنماط الحكم هو أن لا تسبب الحكومة جراحاً أو خدوشاً للناس ، فتعمِّر حياة الناس مادياً و معنوياً . « و لا يكلّ سائره و لا يملّ راكبه و لأوردهم منهلاً غيراً صافياً رويّاً » . هذا ما قالته فاطمة الزهراء يومذاك . تأخر هذا الحدث خمساً و عشرين سنة ، إلاّ أن الأمة الإسلامية اجتمعت أخيراً و أمّرت أميرالمؤمنين . خلال هذه الأعوام المعدودة أي منذ ذي الحجة سنة 35 حتى شهر رمضان سنة 40 ـ أربعة أعوام و تسعة أو عشرة أشهر ـ قام أميرالمؤمنين بأعمال كبيرة . أسّس لأمور لولا سيف الغدر و الخيانة ، و لو لم تقع هذه الجريمة الكبرى على يد ابن ملجم و العناصر التـي اختبأت خلف الكواليس ، لواصل أميرالمؤمنين هذا الطريق ولكان ذلك ضماناً و حصناً إضافياً للعالم الإسلامي ربما إلى قرون من الزمن . لذا فإن الكارثة التـي حلت يومذاك كانت جسيمة الخسائر على العالم الإسلامي و تاريخ الإسلام . أبعدوا هذا المنهل الروي الصافـي الزلال الذي كان بوسعه إرواء العالم الإسلامي عن متناول أيدي العالم الإسلامي ، لذلك كانت مصيبة خالدة .الإنجاز المهم الذي اضطلع به أميرالمؤمنين فـي غضون هذه المدة يمكن أن يُلخّص فـي جملة قصيرة ، و سأشرح اليوم بعض القضايا المتعلقة به على نحو الإيجاز . أثبت أميرالمؤمنين خلال هذه المدة أن المبادئ و القيم الإسلامية التـي انبثقت فـي عهد عزلة الإسلام و صغر المجتمع الإسلامي ، ممكنة التطبيق أيضاً فـي عصر الرفاه و الانتشار و الاقتدار و التطور و التنمية المادية للمجتمع الإسلامي . إنها نقطة على جانب كبير جداً من الأهمية لو تفطّنا إليها . و هذه هي قضيتنا اليوم أيضاً . الاصول الإسلامية ، و العدالة الإسلامية ، و تكريم الإنسان ، و روح الجهاد ، و البناء الإسلامي ، و المرتكزات الأخلاقية و القيمية الإسلامية نزل بها الوحي الإلهي فـي زمن الرسول و تم تطبيقها من قبل الرسول فـي المجتمع الإسلامي ضمن حدود المتاح . ولكن ما الذي كانه المجتمع الإسلامي فـي عهد الرسول ؟ كان المدينة المنورة طوال عشرة أعوام ، و هي مدينة صغيرة بعدة آلاف من النسمات . ثم فتحوا مكة و الطائف . منطقة محدودة بثروات جد قليلة . الفقر كان شاملاً و الإمكانات التـي كانت فـي متناول أيديهم ضئيلة جداً . تأسست القيم الإسلامية فـي مثل هذه البيئة . مضت خمس و عشرون سنة على رحيل الرسول عن الدنيا . خلال هذه الخمسة و عشرين عاماً ازدادت مساحة البلد الإسلامي مئات الأضعاف ، لا ضعفين أو ثلاثة أو عشرة . فيوم استلم أميرالمؤمنين الحكم كانت الأرض من آسيا الوسطى حتى شمال أفريقيا ـ أي مصر ـ داخلةً ضمن نطاق الدولة الإسلامية . اما الدولتان العظميان المجاورتان للدولة الإسلامية فـي بداية الأمر ـ أعنـي إيران و الروم ـ فقد تلاشت إحداهما نهائياً و هي الدولة الإيرانية و صارت كافة الأراضي الإيرانية بيد الإسلام . ودخلت أجزاء مهمة من الأراضي الرومانية ـ الشامات و فلسطين و الموصل و مناطق أخرى ـ أيضاً فـي دائرة الإسلام . مثل هذه الرقعة الواسعة كانت بيد الإسلام يومذاك . إذن توفرت ثروات طائلة و لم يعد ثمة فقر و عوز و شحة طعام . الذهب كان قد انتشر ، و الأموال أضحت وفيرة ، و اجتمعت ثروات هائلة ، وبالتالـي فإن البلد الإسلامي كان قد غدا ثرياً . الكثيرون تمتعوا برفاه جاوز الحدود . لو ألغينا الإمام على من هذا الخضم ، ربما كان التاريخ قد حكم بأن المبادئ الإسلامية و القيم النبوية كانت جيدة لفترة المدينة النبوية فقط ، أي لعهد الصغر و الفقر الذي عاشه المجتمع الإسلامي . اما بعد أن اتسع المجتمع الإسلامي و اختلط بالحضارات المختلفة حيث وفدت من إيران و الروم ثقافات و حضارات شتى إلى حياة الناس و انضوت شعوب مختلفة تحت مظلة المجتمع الإسلامي ، فلم تعد تلك المبادئ كافية ولا قادرة على إدارة البلد . و قد أثبت أميرالمؤمنين طوال هذه السنوات الخمس بممارساته و سيرته و أسلوبه فـي الحكم أنْ كلا ، ذات المبادئ المتألقة فـى صدر النبوة ـ ذات التوحيد ، و العدل ، و الإنصاف و المساواة بين الناس ـ ممكنة التطبيق على يد خليفة قوي كأميرالمؤمنين . هذا شي ء خلّده التاريخ . مع أن هذا المنهج لم يستمر بعد أميرالمؤمنين ، لكنه أثبت أن الحاكم الإسلامي و مدراء المجتمع و المسؤولين المسلمين إذا قرروا و عزموا و كانوا أصحاب عقيدة راسخة لأمكنهم تطبيق نفس تلك المبادئ فـي عهد اتساع رقعة الدولة الإسلامية و ظهور ظروف جديدة و متنوعة للحياة ، حتى ينتفع منها الناس . هذه هي أيضاً قضيتنا اليوم . يخال البعض أن شعارات الثورة ، شعار العدالة ، شعار الجهاد ، شعار الدين ، شعار الاستقلال ، شعار الاكتفاء الذاتي ، الشعارات التـي شوّقت الجماهير وجاءت بهم إلى الساحة و أسقطت نظام الطاغوت و جعلت الشعب يصمد فـي الحرب ثمانـي سنوات ، أصبحت الآن قديمة و لا يمكن تطبيقها ، لا ، قد نكون أصبحنا نحن قدماء وفقدنا اقتدارنا و صلابتنا ، وصرنا مضعضعين مهزوزين ، بيد أن تلك المبادئ لا تزال على متانتها و صلابتها . إذا دخلنا الساحة بالإيمان اللازم ، و الإدارة الجيدة ، وبشوق و تفاؤل ، و من دون انهزام حيال الأساليب و الأحابيل السياسية و الدعائية للأعداء ، فسيكون لنفس تلك المبادئ اليوم تألق و بريق أكبر . واضح أن العدالة الاجتماعية فـي مجتمع ٍمن عشرة أو خمسة عشر ألف نسمة فـي المدينة تختلف اختلافاً هائلاً عنها فـي مجتمع من عشرات الملايين أو مئات الملايين كان على عهد أميرالمؤمنين . وقد نهض أميرالمؤمنين بهذه المهام .أذكر هنا نماذج من أعمال أميرالمؤمنين تجلت فـي كلماته عليه السلام . و ثمة آلاف الأمثلة الأخرى فـي حياته . جاء الناس و أصروا و بايعوا ، لكنه لم يوافق . و ازداد إصرار الناس . الجميع أكابر ، و صغار ، و رؤساء ، و صحابة قدماء قالوا جميعاً : كلا ، لن يكون غير علي بن أبـي طالب و لن يستطيع ذلك سواه . جاءوا و أخذوا الإمام بإصرارهم . قال الإمام : إذن لنذهب إلى المسجد . إرتقى الإمام المنبر و ألقى خطبة أوضح فيها آراءه ، فقال : الأموال التـي استحوذ عليها الخواص و المحترمون من دون وجه حق سأعيدها إلى بيت المال أينما وجدتها . إستطاع بعض الأشخاص خلال تلك السنوات مصادرة أموال من بيت المال لصالحهم . قال سأعيد كل هذه الأموال ، « لو وجدته قد تزوّج به النساء » حتى لو وجدت أنكم جعلتم تلك الأموال مهوراً لنسائكم ، أو « مُلك به الإماء » واشتريتم بها الجواري لحريمكم . « لرددته » لأعدته إلى بيت المال . ليعلم الناس و الأكابر أن هذه هي طريقتـي .بعد أيام بدأت المعارضات . طبعاً المستضعفون من الناس و الطبقة المضطهدة فـي المجتمع تتمنى من الله أن تُستعمل مثل هذه الطريقة ، أما المتنفذون و المخاطبون الحقيقيون بهذا الكلام فمن البديهي أن يسخطوا . جلسوا و شكلوا اجتماعاً و قالوا ما هذا الذي يريد علي صنعه ؟ قام الوليد بن عقبة ـ نفسه الذي كان والـى الكوفة زمن عثمان ـ نيابة عنهم و جاء لأميرالمؤمنين فقال له يا علي ، إن لبيعتنا إياك شروطاً ، « ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال فـي أيام عثمان » ، شرطنا هو أن لا تنال من الأموال التـي حصلنا عليها و تترك لنا ما كسبناه خلال العهد الذي سبقك . و من بعد الوليد بن عقبة جاءه طلحة والزبير . طبعاً الوليد بن عقبة يختلف عن طلحة و الزبير . الوليد بن عقبة فـي الحقيقة من حديثي الإسلام ، عائلته كانت ضد الإسلام و ضد الثورة و قد حاربت الإسلام . و بعد ذلك حين ساد الإسلام فـي نهاية عهد النبـي دخل فـي الإسلام كغيره من بنـي أمية . أما طلحة و الزبير فهما من السابقين للإسلام و من أعوان الرسول المقربين . جاء طلحة و الزبير أيضاً ـ و هما من أكابر الإسلام يومئذ و من البقية الباقية لأصحاب الرسول ـ إلى أميرالمؤمنين و تكلما كلاماً فيه عتاب ، منه قولهم : « إنك جعلت حقنا فـي القسم كحق غيرنا » . لقد ساويت بيننا و بين غيرنا فـي تقسيم بيت المال . « و سويت بيننا و بين من لا يماثلنا » ساويت فـي منح أموال بيت المال بيننا و بين من هم ليسوا مثلنا ، أي قسمة هذه ؟ لماذا لا تقرر امتيازات معينة ؟ « من لا يماثلنا فـي ما أفاء الله تعالى بأسيافنا و رماحنا » هذه خيرات استحصلت بأسيافنا . نحن الذين رفعنا الإسلام ، نحن الذين بذلنا الجهود و المساعي ، و إذا بك تساوينا بالجدد و الأعاجم و من جاءوا من البلدان المفتتحة ؟ لم أطلع على جواب أميرالمؤمنين للوليد بن عقبة ـ لم يسجله التاريخ ـ لكنه أجاب الآخرين . صعد الإمام المنبر و أجابهم جواباً شديداً . قال بشأن قضية المساواة فـي تقسيم بيت المال : « فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء » لست أنا الذي أسّست هذه الطريقة و المنهج . « قد وجدتُ أنا و أنتما رسول الله صلى الله عليه و آله يحكم بذلك » أنا و أنتم كنا قد شاهدنا الرسول يعمل بهذه الطريقة . لم أجئ بأسلوب جديد من عندي ، إنما أتبع الفعل الذي كان يأتيه الرسول . أريد تكريس تلك القيم و القواعد العقيدية و العملية الاجتماعية فـي هذا العصر . وقد كرّسها علي و دفع الثمن . كان الثمن نشوب ثلاثَ معارك . وقف أميرالمؤمنين ، ومن البديهي أنه كان يرى لنفسه حق الخلافة . لكن هذا لم يحصل بعد رحيل الرسول . لم يتحرك أبداً طيلة خمسة و عشرين عاماً من أجل الشي ء الذي كان يعلم أنه حقه . وكان يهدِّئ الذين يريدون التحدث بهذا . « إنك لقلق الوضين ترسل فـي غير سدد » ، «ودع عنك نهباً صيح فـي حجراته » . كان لأميرالمؤمنين مثل هذه الكلمات . لم تصدر عنه إزاء تلك القضية ردود فعل على مدى خمس و عشرين سنة . ولكن حيال قضية تبدو فـي الظاهر أهون من تلك القضية ـ قضية العدالة الاجتماعية ، و إحياء المبادئ النبوية ، و إعادة تشييد الصرح الإسلامي المتين الذي أرسى دعائمه الرسول ـ تحمّل أميرالمؤمنين ثلاثة حروب ، حرب الجمل ، و حرب صفين ، و حرب النهروان . لاحظوا كم كانت هذه القضية مهمة بالنسبة لأميرالمؤمنين . هذا هو الإنجاز العظيم الذي نهض به أميرالمؤمنين .و له فـي هذا المجال كلمة أخرى . لا بأس أن نتعرف قليلاً على المعارف العلوية . يقول : «لا تمنعنّكم رعاية الحق لأحدٍ عن إقامة الحق عليه » أي أن الإنسان إذا كان مؤمناً و مجاهداً فـي سبيل الله و بذل جهداً كبيراً و خاض الجبهات و أنجز أعمالاً كبيرة فستكون مراعاة حقه واجبة عليكم . و إذا تعدّى هذا الشخص حدوده فـي حالة خاصة و ضيّع حقاً من الحقوق ، فما يجب على المدراء و المسؤولين هو أن لا يصدهم ذلك الحق الواجب عن إحقاق الحق فيما يرتبط بهذه الحالة الخاصة . إذن ، ميزوا بين الأمور . إذا كان الإنسان صالحاً و ذا قدر كبير و سابقة محمودة و جهود بذلها للإسلام و البلاد فهذا جيد جداً و حقوقه مقبولة و محفوظة و ينبغي أن نقدِّره ، ولكن إذا تعدّى و تجاوز ، فإن مراعاة ذلك الحق ينبغي أن لا تؤدي إلى غض الطرف عن المخالفة التـي ارتكبها . هذا هو منطق أميرالمؤمنين .شاعر اسمه النجاشي ، من شعراء أميرالمؤمنين و مادحيه ، و صاحب أفضل القصائد فـي حرب صفين و تحريض الناس ضد معاوية ، و من محبّي أميرالمؤمنين و أحد الداخلين فـي حزبه ، و أفعاله مشهورة فـي الإخلاص و الولاية و السوابق ، شرب الخمر فـي نهار شهر رمضان . حين علم أميرالمؤمنين بالأمر قال إن حد الخمر معروف ، إإتوا به لإقامة الحد عليه . أقام عليه أميرالمؤمنين حد الخمر أمام أعين الناس . ثمانون سوطاً . جاءت عائلته و قبيلته إلى أميرالمؤمنين و قالوا : يا أميرالمؤمنين ، أرقت ماء وجهنا . لقد كان هذا من أصحابك و أصدقائك ـ و بتعبير معاصر ـ كان من تيارك . فقال أنا لم أفعل شيئاً ، مسلم ارتكب مخالفة فوجب عليه حد من حدود الله فأقمت ذلك الحد . طبعاً ، قال النجاشي بعد أن جُلد من قبل علي : طالما كان الأمر كذلك سأذهب لمعاوية و أنظم أشعاري له . قام و فارق أميرالمؤمنين و التحق بمعسكر معاوية . ولم يقل أميرالمؤمنين إن النجاشي قد تركنا وهذه خسارة مؤسفة ، لنحاول إبقاءه هنا ، كلا ، ذهب فليذهب ! طبعاً كان الأفضل أن يبقى . هذا هو منطق أميرالمؤمنين و منهجه . قال الإمام لأصحاب النجاشي : « فهل هو إلاّ رجل من المسلمين انتهك حرمة من حُرَم الله فأقمنا عليه حداً كان كفّارته ». أقمنا عليه الحد فسقط عنه ذنبه .رجل من قبيلة بنـي أسد ـ و كان من أقارب أميرالمؤمنين ـ وجب عليه حدٌّ من الحدود . و قال نفر من محبّي أميرالمؤمنين ومن رجال قبيلة ذلك الشخص لنذهب لأميرالمؤمنين و نعالج المشكلة بشكل من الأشكال . جاءوا أولاً للإمام الحسن المجتبى حتى يكون واسطتهم لدى أبيه : فقال الإمام الحسن لا ضرورة لمجيئي ، إذهبوا أنتم فوالدي أميرالمؤمنين يعرفكم . جاءوا عند أميرالمؤمنين و قالوا هذه هي حالنا فساعدنا . قال الإمام فـي معرض إجابتهم لا مانع لدي فـي أي أمر أكون فيه حراً مختاراً ، و سأفعله لكم ، ففرح هؤلاء و خرجوا و فـي الطريق صادفوا الإمام الحسن (عليه السلام) فسألهم : ماذا فعلتم ؟ قالوا له : إنتهى الأمر على خير و الحمدلله ، و قد وعدنا أميرالمؤمنين . فسألهم : ماذا قال لكم أميرالمؤمنين ؟ قالوا : قال لنا أفعل لكم ما أكون حراً فيه و يعود أمره إلـي . فتبسّم الإمام الحسن و قال : إذن اذهبوا و افعلوا كل ما يجب أن تقوموا به فـي حال إقامة الحد عليه ! و أقام أميرالمؤمنين الحد عليه بعد ذلك . فجاءوا و قالوا : يا أميرالمؤمنين ، لمَ أقمت الحد على هذا الرجل ؟ فقال : ليس الحد مما أملك أمره و حرية التصرف فيه . الحد حكم إلهي . قلتُ لكم ما أكون حراً فيه أفعله لكم . و الحد ليس فـي يدي . هذا و بنو أسد من أصدقاء أمير المؤمنين و المخلصين له . هكذا كانت حياة أميرالمؤمنين . ثمة روايات كثيرة عن قضائه ، و ثيابه ، و معيشته ، و اولاده . يقول الراوي ذهبت فشاهدت الإمام الحسن و الإمام الحسين جالسين يأكلان الطعام . طعامهما كان خبزاً و خلّاً و بعض الخضرة . فقلتُ لهما يا سيديـي أنتما أميران ، أنتما عائلة الدولة ، أبناء أميرالمؤمنين و فـي السوق كل هذه المأكولات « و فـي الرحبة ما فيها » فـي الرحبة ـ بقرب الكوفة ـ يباع كل شي ء و الناس تشتري ، و أنتما ابنا الأمير هذا طعامكما ؟ فالتفتا اليه و قالا : « ما أغفلك عن أميرالمؤمنين » أنت غافل عن أميرالمؤمنين ، إذهب و أنظر حياته ! كان الإمام هكذا حتى مع عائلته .سمعتم بقصة زينب الكبرى والاستعارة من أبـي رافع . و سمعتم قصة عقيل الذي جاء للإمام و طلب شيئاً : « صاع من برّ » أراد مقداراً أكثر من القمح . ثم أخذ الإمام تلك الحديدة المحماة و قربها منه ـ طبعاً لم يضعها عليه ـ و هدده و لم يقبل طلبه . جاءه عبدالله بن جعفر ـ إبن أخيه و صهره ، زوج السيدة زينب ـ و قال : يا أميرالمؤمنين ليس فـي يدي شي ء ، و أنا مضطر لبيع بعض أدوات منزلـي . فساعدنـي ببعض الشي ء ، فلم يوافق الإمام و قال : إلاّ إذا قلت لـي اذهب يا عم و اسرق و أعطنـي من مال الناس . حدد أميرالمؤمنين معيار الحكم فـي مجتمع متطور ، كبير ، متحضر ، و ثري كالذي كان فـي زمانه على أساس ما كان فـي زمن الرسول . كل شي ء كان قد تطور . أراد أميرالمؤمنين بسلوكه اثبات أن بالإمكان إحياء تلك المبادئ حتى فـي مثل هذه الظروف . هذا هو العمل الكبير الذي قام به أميرالمؤمنين . مبدأ المعنوية ، و العدالة ، و الجهاد ، و البناء للناس ، و الإدارة الكفوءة اللائقة المؤمنة ـ و حياة أميرالمؤمنين زاخرة بأحداث و أمور سمعتم و تسمعون بها طوال سنوات على شكل قصص و روايات و أحاديث لأميرالمؤمنين موزعة على أبواب عدة ـ كلها دلائل على هذه الحقيقة ، و خلاصتها أن أميرالمؤمنين أراد البرهنة للعالم أن هذه المبادئ الإسلامية ممكنة التطبيق فـي كل الظروف . و هذا هو الواقع . قلتُ قبل أيام بحضور جماعة معينة : ليست المبادئ الإسلامية شكل ثياب أميرالمؤمنين حتى إذا كان يرتدي مئزراً أو قميصاً علينا اليوم ارتداء نفس الملابس . المبادئ الإسلامية هي العدالة ، و التوحيد ، و إنصاف الناس ، و احترام حقوقهم ، و متابعة شؤون الضعفاء ، و الوقوف بوجه الجبهة المعادية للإسلام و الدين ، والإصرار على ركائز الحق و الإسلام و الدفاع عن الحق و الحقيقة . هذه مفاهيم ممكنة التطبيق فـي جميع العصور . طبعاً حينما نقول هذا اليوم إنما نتحدث عن القلّة ، فمن ذا الذي بوسعه حتى أن يتصور التشبّه بأميرالمؤمنين ؟ كلا ، لا أحد يمكنه التشبه بأميرالمؤمنين . الإمام السجاد و هو حفيد أميرالمؤمنين و له مقام العصمة ، حين قيل له إنك كثير العبادة قال أين عبادتنا من عبادة على ؟ أي أن الإمام العابد السجاد يقول ليس بالإمكان مقارنتـي بعلي . و بين الإمام السجاد و خيرة العُبّاد والزهاد فـي زماننا آلاف الفراسخ . أشار أميرالمؤمنين إلى النموذج و القمة و اتجاه الحركة و حدد الملاك ، فلنصل أينما استطعنا الوصول . النظام الإسلامي نظام العدل و الإنصاف و خدمة الناس واحترام حقوق الإنسان و مجابهة الظلم الذي يمارسه القوي ضد الضعيف . هذه هي مشكلات البشرية المهمة على امتداد التاريخ . إبتليت البشرية بهذه المشكلات دائماً و لا تزال تعانـي هذا الابتلاء . لاحظوا اليوم كيف يدعي العتاة و الأقوياء فـي العالم أن العالم كله لهم . تعانـي الشعوب الصفعات و ضنك العيش بسبب هذا العسف . منطق الإسلام و منطق أميرالمؤمنين و منطق الحكومة العلوية مجابهة هذه الأشياء ، سواء داخل المجتمع إذا أراد قوي ابتلاع ضعيف ، أو على المستوى العالمي و الدولـي .أريد أن أضيف فـي نهاية هذه الخطبة نقطة فحواها أن لا تجعلوا أميرالمؤمنين موضوعاً للخلاف بين الشيعة و السنة و الفرق الإسلامية . أميرالمؤمنين عامل وحدة لا عامل فُرقة . ليطمئن إخواننا و أخواتنا فـي أنحاء البلاد إلى هذا الكلام . معلوماتنا عن الأحداث كثيرة جداً . أرى عياناً أن هناك أيادٍ تنشط بقوة لزرع الخلافات المذهبية و الحرب بين الشيعة و السنة و نفور المذاهب الإسلامية عن بعضها . تُكتب كتب ضد الشيعة ، و تُكتب كتب ضد السنة ، و حين نتابع الموضوع نلاحظ أن أموال كلا الجانبين وصلت من مكان واحد خارج الحدود . لكل مذهب معتقداته و استدلالاته .لينتصر كل من ينتصر خلف طاولات البراهين و المباحثة ، ولكن ينبغي أن لا نجعل مناخ المجتمع مناخ حرب و شجار و نفور . أميرالمؤمنين محور الوحدة . العالم الإسلامي كله خاضع أمام أميرالمؤمنين ، و ليس فـي ذلك شيعة و سنة . جماعة صغيرة تسمى النواصب كانوا أعداء أميرالمؤمنين . طوال التاريخ الإسلامي سواء فـي العصر الأموي أو العصر العباسي ناصبت بعض المجاميع العداء لأميرالمؤمنين ، أما عموم العالم الإسلامي ـ من سنة و شيعة ـ فقد بجّلوا أميرالمؤمنين . لاحظوا أن أئمة فقهاء أهل السنة قد نظموا شعر المديح فـي أميرالمؤمنين . الأشعار المعروفة التـي يقال إنها للشافعي . للإمام الشافعي أشعار مديح فـي أميرالمؤمنين . وليس لأميرالمؤمنين و حسب ، بل هم خاضعون أمام جميع أو معظم الأئمة . مقام هؤلاء العظماء و منزلتهم شفافة و جلية و واضحة بالنسبة لنا نحن الشيعة ، لكنهم لم يستطيعوا إجلاء هذه المسائل لأنفسهم . إن هذه الأمور ممكنة الإيضاح على مستوى النقاش و الجدل و البحث العلمي . منطقنا قوي جداً . لكن البعض فـي العراق اليوم ، و فـي مناطق شتى من العالم الإسلامي و خصوصاً إيران يحاولون جهدهم أن يشعلوا المعارك و الشجار . نستطيع أن نرى ما هو مصدر هذه الأنشطة .اليوم يوم استشهاد أميرالمؤمنين ، و أريد أن أذكر مصيبته ببعض الجمل «صلّى الله عليك يا أميرالمؤمنين» . طوبى لمن هم اليوم فـي النجف إلى جوار مرقد أميرالمؤمنين و بمقدورهم التسليم على ذلك القبر الطاهر المطهر عن قرب . و نحن نقول مرة أخرى عن بعد : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا إمام المتقين ، السلام عليك يا سيد الوصيين » . بعد أن وقعت تلك الفاجعة الكبرى فـي سحر يوم التاسع عشر، دوى صوت الهاتف الغيبـي فـي كل مكان : « تهدمت و الله أركان الهدى » . أهل الكوفة و بعض المدن الأخرى التـي ربما وصلها الخبر فـي ذلك اليوم شيئاً فشيئاً ، كانوا مضطربين على الدوام . كان أميرالمؤمنين محبوباً جداً فـي الكوفة . كانوا يحبون علياً . النساء و الرجال ، الصغار و الكبار ، و خصوصاً بعض أصحاب أميرالمؤمنين كانوا مضطربين جداً . مثل عصر يوم أمس ، فـي اليوم الذي سبق يوم استشهاد ذلك العظيم ، اجتمعوا حول بيت أميرالمؤمنين . شاهد الإمام الحسن ـ حسب ما جاء فـي الرواية ـ الناس مضطربين مشتاقين لعيادة أميرالمؤمنين ، فقال لهم أيها الإخوة أيها المؤمنون حال أميرالمؤمنين لا تعينه . لا يمكن أن تزوروا هذا الجليل ، تفرقوا و اذهبوا . فرّق الناس فانصرفوا . يقول أصبغ بن نباتة : ألححتُ على نفسي كثيراً فلم أجد بـي طاقةً على ترك بيت أميرالمؤمنين والانصراف ، فبقيت ، ومضى قليل من الوقت. خرج الامام الحسن من البيت و ما أن وقعت عينه على حتى قال : أصبغ ، ألم تسمعنـي قلت لكم انصرفوا ؟ لا يمكن اللقاء بالإمام . فقلت ياابن رسول الله ، ليس بـي طاقة على ذلك ، لا أستطيع الابتعاد من هنا ، دعونـي أدخل لحظة واحدة و أرى أميرالمؤمنين إنْ أمكن . فدخل الإمام الحسن و عاد و أذِن له . يقول أصبغ دخلتُ الغرفة فرأيت أميرالمؤمنين مسجى على فراش المرض و قد شدوا مكان الجرح بقماش أصفر ، فلم أستطع أن أميّز هل القماش أكثر صفرةً أم وجه أميرالمؤمنين! كان الإمام يغيب عن الوعي حيناً و يعود لوعيه حيناً . فـي إحدى المرات التـي عاد فيها إلى الوعي أمسك بيد أصبغ و روى له حديثاً . هذه هي «أركان الهدي» التـي يتحدثون عنها . لا يترك هداية الناس حتى فـي اللحظة الأخيرة من حياته و بتلك الحال السيئة . روى له حديثاً طويلاً ثم غاب عن الوعي . و بعد ذلك لم يلتقه لا أصبغ بن نباته و لا غيره من أصحاب أميرالمؤمنين . غادر علي فـي ليلة الحادي و العشرين إلى جوار الرحمة الإلهية فأحزن عالماً بأكمله و خلع الحداد على التاريخ كله .ربنا ، بمحمد و آل محمد أسبغ صلواتك و رحمتك و سلامك اللامتناهي على الروح المطهرة لأميرالمؤمنين ، إجعلنا من أتباعه و شيعته الحقيقيين . ربنا ، احفظ أمة الإسلام ، و شعب إيران و كافة الشعوب المسلمة من شرور الأشرار و أعداء الحق و الحقيقة و العدالة . أنصر الشعب الإيرانـي فـي كافة الميادين . أحشر أرواح شهدائنا مع روح أميرالمؤمنين . احشر الروح المطهرة لإمامنا العظيم مع روح أميرالمؤمنين .بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد و لم يولد . ولم يكن له كفواً أحد .بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبـي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين سيّما على أميرالمؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة ، و علي بن الحسين ، و محمد بن علي ، و جعفر بن محمد ، و موسى بن جعفر ، و علي بن موسى ، و محمد بن علي ، و علي بن محمد ، و الحسن بن علي ، و الخلف القائم الهادي المهدي ، حججك على عبادك و أمنائك فـي بلادك ، و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين ، و استغفر الله لـي ولكم .إن سنحت الفرصة فسأذكر فـي الخطبة الثانية قضيتين إن شاء الله . ثم أقرأ نصاً كتبته خطاباً للإخوة العرب . القضيتان التان سأذكرهما ، إحداهما تتعلق بضجة الملف النووي . و الثانية حول مسألة القدس ، مسألة القدس و التظاهرة التـي سيخرج فيها الشعب الإيرانـي و الشعوب الأخرى بصلابة و قوة الجمعة المقبلة إن شاء الله .الواقع أن هذا الضجيج الذي يثيره المعارضون فـي العالم بشأن القضية النووية ، كلام غير منطقي يمكن من خلاله إدراك النوايا الأمريكية ؛ إنها واضحة . و الآخرون الذي يبدون قلقهم الشديد فـي هذا الميدان بعضهم خاضعين للنفوذ الأمريكي ، و البعض مبتلون بأوهامهم . بيد أن نوايا أمريكا و أعداء الشعب الإيرانـي و نظام الجمهورية الإسلامية واضحة . ما هي نوايا الأعداء ؟ أقولها فـي جملة قصيرة : كل ما يمكن أن يوصل الشعب إلى الاستقلال و الاقتدار الوطنـي الذاتي الأصيل ، فهو بغيض لدى مراكز القوى فـي العالم التـي تريد العالم كله لها . هذا هو نظام الهيمنة . فـي نظام الهيمنة ، تنظر مراكز القوة العالمية للعالم كله كصيد . كل شي ء يجب أن يكون بيدهم : المصادر المالية فـي العالم ، مصادر الثروة فـي العالم ، الأسواق و قوى العمل فـي العالم . هذه هي مرتكزات نظام الهيمنة أساساً . نظام الهيمنة فـي واقع الأمر سلسلة من الدول و القوى تقف وراءها هذه الدول شركات و مراكز للاقتصاد و المال . هذه المراكز هي التـي تحدد السياسات الحالية فـي نهاية المطاف . خذوا مثلاً الشركات التـي تتبعها الهيئة الحاكمة فـي أمريكا الآن ، إذا أرادت التحرك فـي الشرق الأوسط ، و اكتساب ثروات جديدة ، أو الحؤول ربما دون إفلاسها ، أو الاستيلاء على مصادر النفط فـي الشرق الأوسط ، أو دعم مصالح الرأسماليين الصهاينة و الدولة الصهيونية ، و إذا لزمهم لكل ذلك أن يتواجدوا تواجداً قوياً فـي الشرق الأوسط ، فما الذي سيفعلونه ؟ يخططون لحرب العراق . التخطيط للحرب ، للتواجد العسكري بكل هذه الخسائر . حينما تتابعون القضية فـي تسلسلها تصلون لمطامع القوى التـي تنشط و تتحرك خلف كواليس السياسات المقتدرة فـي العالم ، و خليط أغراضهم الاقتصادية و السياسية .على هذا الأساس ، إذا تحرك أي بلد تحركاً يساعد على استقلاله الوطنـي و تنميته الداخلية، سيكون ذلك بغيضاً عندهم . هم مستعدون لمنح الصناعة ، ولكن الصناعة التابعة . مستعدون لإعطاء الطائرات ، ولكن للبلد الذي لا يفتح قطع الغيار ليرى ما هي . مهندسهم هو الذي يشد تلك القطعة و يأخذ القطعة العاطلة لمراكزها الأصلية . كما كان دارجاً فـي زمان نظام الطاغوت فـي إيران . هم مستعدون لإعطاء الطاقة الذرية ، طبعاً بمعنى المحطة الذرية ـ لا تلك المعامل المنتجة ـ لنظام كالنظام الطاغوتي البهلوي التابع ، لأن ذلك النظام فـي قبضتهم ويعمل لهم . ولكن عندما يحين الدور للجمهورية الإسلامية لا يكونون مستعدين لفعل ذلك . و حين تعمل الجمهورية الإسلامية ـ التـي لا يبدون استعدادهم لتزويدها بالوقود ـ بشبابها و مهندسيها و دكاترتها و خريجها ليل نهار ، و تكسب بنفسها عبر الإدارة الجيدة تقنية إنتاج الوقود ، سيكون هذا مراً فـي مذاقهم ، لن يكون محبذاً ، لذلك يواجهونه .لاحظوا ، حين انبثق نظام الجمهورية الإسلامية ، كانت القوى العالمية المهيمنة تفهم يومها أن نظام الجمهورية الإسلامية يمثل تهديداً لمقاصدها السلطوية . كانوا يدركون هذا . لذلك عارضوه منذ البداية . على أن هذا التهديد لم يكن بسبب بلد إيران نفسه ، إنما لأن الجمهورية الإسلامية كانت خطاباً جديداً و كلاماً غير مسبوق . كلام الجمهورية الإسلامية و افكارها الجديدة كانت فـي العالم الإسلامي و فـي ميادين السياسة الدولية أفكاراً جذابة تزعزع الكثير من مرتكزاتهم . كانوا يدركون هذه الأمور ، لكنهم عزّوا أنفسهم بأن الجمهورية الإسلامية لن تستطيع البقاء ، ففي العالم الذي تنعقد فيه السيادة للعلم و التقنية ، و تستحصل الثروة أيضاً عن طريق العلم و التقنية ، إذا لم يكن البلد ذا قدرات ملحوظة فـي الحقول العلمية و التقنية و يكون بالإضافة إلى ذلك محاصراً لا يسمحون بوصول شي ء إليه ، فسوف يجفُّ من تلقاء نفسه ، كالشجرة التـي تمنع عنها الماء و الهواء ، ستجف تدريجياً ولا حاجة لأن تقطعها ، ستزول هي بنفسها . كانوا يتوهمون هذا بشأن الجمهورية الإسلامية . لذلك كانوا يقولون فـي بداية الثورة : بعد شهرين ، و يقولون أحياناً : بعد سنة واحدة ، و أحياناً يقولون : بعد خمس سنين ستزول الجمهورية الإسلامية و تتلاشى ! كانوا يمُنّون أنفسهم دائماً . وقد فرضوا حظراً اقتصادياً ، و حظراً علمياً ، و حظراً تقنياً ، و فرضوا الحرب ، و دعموا الطرف الآخر للحرب بكل ما استطاعوا و ساعدوه عسى أن يستطيعوا إهالة كل هذه المشاكل على رأس الجمهورية الإسلامية و القضاء عليها . لكنهم يرون الآن أن الجمهورية الإسلامية نهضت بعد خمسة و عشرين عاماً من تحت الركام و خرجت واقفة على قدميها ، تعتمد على نفسها و تطمح و تتفاءل للمستقبل ، و قد تقدمت فـي مضمار العلوم و التقنية . هذه حقائق يفهمونها و يعلمون أنها حققت المراتب الأولى على العالم فـي بعض المجالات البالغة الحساسية و الأهمية .عشرات البلدان الآن تستخدم الوقود النووي . أما البلدان التـي تستطيع إنتاج الوقود النووي ـ و هم يثيرون ضجيج الملف النووي الإيرانـي اليوم فـي سياق هذه القضية ـ فقليلة جداً . ربما كانت بحدود عشرة بلدان منها إيران .قضية الخلايا الأساسية هذه و التـي طرحتُها عدة مرات لحد الآن ، من الأعمال المعقدة و المتطورة و المهمة فـي العالم ، حيث استطاع شبابنا المؤمن و المتعبد و الثوري أن ينتجوا فـي مختبراتهم الخلايا الأساسية و يكثروها و يجمدوها و يستخدموها ، و يصنعوا قلباً ، و يضخوا هذه الخلايا للقلب و لنخاع العظم . حين اُقيم قبل نحو سبعة أو ثمانية أشهر مؤتمر حضره علماء عالميون و شاهدوا هذه الأمور عن كثب ، لم يصدقوا أنفسهم ، و تحيروا و اعترفوا أن عملاً كبيراً جداً قد أنجز . وقد بث التلفزيون اعترافهم هذا . إيران فـي هذا العمل من ضمن البلدان العشرة الأولى فـي العالم . لقد تقدمنا .فيما يتعلق بالبُنى التحتية يجب أن أقول انه منذ دخول بناء السدود لهذا البلد و إلى أن أزيح الطاغوت عن هذا البلد ، بنيت عشرة سدود أو اثنا عشر سداً على أيدي الأجانب ، و قد كان فـي بعضها مشكلات فنية عديدة ، أما فـي عهد الثورة فقد تم تصميم سبعين سداً بُنـي الكثير منها ، و يجري الآن بناء عشرات السدود بأنواعها الكبيرة و الصغيرة ، و الكونكريتية و الترابية . انها تشيد و تملأ بالمياه على نحو مستمر . بناء السدود بهذا الكم الكبير ، و بتقنية محلية و على يد المتخصصين المحليين مائة بالمائة ـ حسب ما رفعوا لـي فـي التقارير ـ جعلنا أحد خمسة بلدان تستطيع بناء السدود الكبيرة بهذه الجودة و بهذا الكم الكبير .الأعمال من هذا القبيل كثيرة جداً فـي مضمار الصناعات العسكرية ، و فـي مجال الصناعات المختلفة ، و فـي ميدان البنى التحتية ، و فـي مجال الإنتاج الثقافـي . رغم أنهم يحاولون اطلاق أرضةً فـي الداخل ضد ركائز بنيتنا الثقافية المتينة ، حيث يمارسون أعمالاً قبيحة على الصعيد الثقافـي ـ يجب أن يقال هذا و يكون واضحاً ـ فإن الثقافة الأصيلة و الفلسفة الإسلامية و علوم الثقافة الإسلامية على مستوى العالم تتطور باستمرار و تذهل الأنظار . إن فلسفتنا الصدرائية أذهلت اليوم بعض الأنظار فـي العالم ، و انتزعت إعجابها و ثناءها .ترون أن الجمهورية الإسلامية قامت من تحت الركام ، و خلافاً لما كانوا يتوقعون من أنها ستختنق تحت هذا الركام ، وقفت بصدر شجاع و بشعب حي و بكل هؤلاء الشباب ، و راحت تستخف بالتهديدات . العدو غاضب لهذا الواقع ، لذلك يوجّه التهم بأنهم يريدون صناعة أسلحة نووية ! لا ، نحن لا نفكر بالسلاح النووي . لقد قلتُ مراراً أن سلاحنا النووي هو هذا الشعب ، سلاحنا النووي هؤلاء الشباب . لا نريد سلاحاً ذرياً . النظام الذي يمتلك هؤلاء الشباب المؤمنين و هذا الشعب المتماسك لا يحتاج للسلاح النووي . إنتاج السلاح النووي ، والحفاظ عليه واستخدامه ، كل واحد من هذه الأطوار له مشكلاته . وقد ذكرنا حتى رأينا الشرعي . إنه واضح و يعلمه الجميع. ليس الشجار على هذا . يتحدثون عبثاً و هم أنفسهم يعلمون . عدم رضاهم سببه إحراز الجمهورية الإسلامية لهذا التقدم . هذه هي القضية .أيها الشعب الإيرانـي ، أنتم تعلمون طبعاً هذا الموضوع ، فاعلموا أيضاً أن العدو تغضبه بعض الأشياء . علينا اليقظة و الحذر . العدو ساخط من وحدتنا الوطنية . يروم القضاء على هذه الوحدة الوطنية . العدو منزعج جداً لأن مسؤولـي البلاد فـي المستويات العليا لهم رأي واحد و عقيدة واحدة بشأن القضايا الأساسية . حينما يشاهدون رئيس الجمهورية ، ورئيس المجلس ، و رئيس السلطة القضائية و مختلف المسؤولين يتكلمون كلاماً واحداً حول القضية الفلانية ، يكادون يمزقون ياقاتهم من التبرم و الانزعاج . يريدون بث الاختلاف . سمعتم خلال العام أو العامين الماضيين رفع شعار السيادة المزدوجة ! و البعض من عديمي العقول فـي الداخل كرروا نفس كلامهم و راحوا يجترونه . هذا الكلام كلام أولئك . السيادة المزدوجة معناها أن ينشب الشجار بين رؤساء البلد حول قضاياه الأساسية المهمة . هذا هو معنى السيادة المزدوجة . السيادة المزدوجة شيء غير محبذ ، و مضر ، و سم مهلك . لكن البعض رفعوا هذا الشعار ! إنه شعار أولئك . واضح أن مسؤولـي البلد لا يفكرون أبداً بنمط واحد فـي كافة القضايا المتنوعة و الأذواق و السياسات المختلفة . هذا شيء واضح . من غير الممكن أن تسود فكرة واحدة و عقيدة واحدة فـي كافة المجالات على جميع أركان البلاد . لكن ما يريده أولئك ليس هذا . ما يريدونه هو الخلاف حول القضايا الأساسية فـي البلد . و هم منزعجون لغياب هذا الشيء . منزعجون لأن مدراء مؤمنين ، و نشطاء ، و مندفعين ، و حيويين يدخلون دائرة الإدارة العامة للبلاد و يسيّرون الأمور بمنتهى الاقتدار نحو السبيل الذي تتطلبه المبادئ الإسلامية و المصالح الوطنية . منزعجون لأن الشعب يسند الحكومة . ينزعجون مِن أنْ يتحلى شبابنا بالروح الجهادية. ينزعجون من أن يكون شبابنا مؤمنين . ينزعجون من أن يشارك شبابنا فـي المراسم الدينية ، فـي هذه الليالـي و فـي المراسم التـي تقام ليالـي الإحياء و يشارك فيها الشباب بأطيافهم المختلفة ، فيذرفون الدموع ، و يرققون القلوب و يقربونها إلى بعضها . إذا ابدوا هذا فإن قلوب أعداء الشعب الإيرانـي تزدحم بالهم و الغم . الشعب الإيرانـي يقظ و الحمد لله . أنتم واعون ولكن كونوا واعين فطنين . إنهم يريدون إفشاء اضطراب سياسي فـي هذا البلد . يريدون أن لا يسود الهدوء والاستقرار السياسي هذا البلد . يريدون أن يمسك الجميع دائماً بتلابيب بعضهم ، يتحدث هذا ضد ذاك ، و ذاك ضد هذا . يريدون أن يسود التوتر و الشجار دوماً فـي محيط الجامعة ، و فـي محيط السوق ، و فـي البيئة السياسية ، و فـي الأجواء الإدارية ، و فـي المناخ العمّالـي . هذا ما يريدونه و يبذلون لأجله أقصى جهدهم . على الشعب أن يكون يقظاً ، على الشباب أن يكونوا يقظين ، على الشرائح الأخرى أن تكون يقظة . نحن نتقدم و الحمد لله .القضية الثانية هي قضية فلسطين . التظاهرة التـي ستخرجون فيها الأسبوع المقبل إن شاء الله مسألة مهمة جداً . ينبغي عدم الاستهانة بها . فـي قضية فلسطين ثلاث نقاط بارزة سأشير إليها أيضاً فـي الكلمة العربية التـي سأقرأها . إنها ثلاث نقاط مهمة ستبقى فـي ذاكرة التاريخ :النقطة الأولى هي الظلم و الجرائم النادرة التـي يرتكبها الصهاينة اليوم ضد الشعب الفلسطينـي . هذا شيء سيبقى عبر التاريخ . شاب يضحي بنفسه بعد أن عاش كل تلك الآلام و المحن ، حتى يوجه ضربة لمغتصب بيته و يستشهد هو أيضاً . يأتون فيهدمون بيته و بيت أبيه و أمه ، و يعرضون عائلته للتعذيب و الإيذاء . يدخلون المخيمات و المدن بالدبابات ، يهجمون على البيوت و يخربون المنازل و المزارع و يقتلون البشر . لقد أضحى قتل الشباب ، و الأطفال ، و الشيوخ ، و العجائز من الفلسطينيين العزل ممارسة يومية فـي هذا الزمن . إنه شيء عجيب . إنها حادثة تاريخية حقاً . سيبقى هذا فـي التاريخ .النقطة الثانية التـي ستبقى فـي التاريخ هي الصبر و الصمود الأسطوري للشعب الفلسطينـي. شعب محاصر ، و وحيد ، يحيط به الأعداء ، لكنه يقف هذه الوقفة . يتكيّف مع الجوع ، يتكيف مع فقدان أبنائه و شبابه ، يتكيف مع تهديم بيوته و تخريب مزارعه ، يتكيف مع البطالة . عدة ملايين من الفسطينيين الآن ـ ليسوا جميعهم منتمين للأحزاب و التنظيمات ـ و هم شعب كامل ، نساء ، رجال ، صغار ، كبار ، و شيوخ ، يقفون اليوم بكل صلابة . طوبى ، طوبى ، يا لهم من شعب مقاوم ! هذا أيضاً سيسجله التاريخ . إنها صفحة متألقة فـي هذه القضية ستبهر الأنظار على مر التاريخ . النقطة الثالثة صمت المحافل الدولية والحكومات ! هؤلاء السادة الأوربيون الذين يحبون حقوق الإنسان لهذه الدرجة ، و تتحرق قلوبهم لحقوق الإنسان إلى هذا الحد ، تقع هذه الأحداث أمام أنظارهم ، فيسكتون فـي الكثير من الحالات . و يمدون يد العون للطرف الظالم فـي كثير من الأحيان ! هذا شيء عجيب حقاً ! دعك من أمريكا الآن ، أمريكا شريكة فـي الجريمة . أيادي الحكومات الأمريكية غارقة فـي دماء الفلسطينيين إلى المرافق . إذا تقرر أن تصدر محكمة ما حكماً بشأن الفلسطينيين ، لن يكون المتهم فـي تلك المحكمة شارون و الصهاينة فحسب ، إنما أمريكا و بوش هذا ، و العصابة المحيطة به ، و الحكومات الأمريكية ستكون متهمة أيضاً . إنهم فـي المرتبة الأولى من الاتهام . ولكن لندع هؤلاء ، القضية قضية المحافل الدولية قضية ، منظمة الأمم المتحدة ، قضية الحكومات الأوربية التـي تتشدق كل هذا التشدق بحقوق الإنسان ، إلاّ أنها لا تعرف حقوق الإنسان معرفة حقيقية و لا تعيرها أي احترام . و بالطبع فإن هذه القضية قضية الحكومات الأخرى أيضاً . الحكومات المسلمة . صمتهم يدعو إلى الدهشة حقاً .و الآن ، أمام هذه القضية بهذه النقاط الثلاث الأساسية و الحساسة ما الذي تستطيع أن تفعله الشعوب ؟ تستطيع أن تنزل فـي يوم القدس إلى الشوارع و تهتف بشعاراتها ، تشد القبضات و تثبت نصرتها لذلك الشعب المكافح المجاهد الصامد . مع أن حكوماتنا لا تسمح أو لا تستطيع مساعدتكم ، ولكن اعلموا أن قلوبنا معكم . هذا ما سيبعث الأمل فـي قلوبهم و يعد مساعدةً كبيرة .بسم الله الرحمن الرحيم و العصر . إن الإنسان لفي خسر . إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/11/04

كلمته في لقائه مسؤولي البلاد و مدراءها

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبيّنا أبـي القاسم المصطفى محمد و آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما بقية الله فـي الأرضين . قال الله الحكيم فـي كتابه : ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و لا تبطلوا أعمالكم ﴾ .هذه جلسة جد مهمة و نادرة النظير . مسؤولو الطراز الأول فـي الجمهورية الإسلامية ، من نوابٍ و أعضاء فـي الحكومة و مدراء كبار مجتمعون كلهم هنا تقريباً . أساس الجلسة أيضاً قائم على الصميمية والتعاطف و استئناس مسؤولـي البلاد ببعضهم . ذكر حضرة السيد خاتمي اليوم نقاطاً جيدة جداً و سنذكر أيضاً بعض النقاط . المهم هو ننتفع إلى أقصى الحدود من أجواء شهر رمضان و تواشج القلوب مع بعضها ببركة الروح المعنوية التـي تسود هذا الشهر ، و نتزود بالقوة منه لمواصلة المسير إلى الأمام بعزم و إرادة و وعي .من أجل أن نغترف من مناخ شهر رمضان ، أذكر الحديث التالـي و أتكلم عنه قليلاً . حديث صحيح معتبر عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول : «الصوم جُنّة من النار» ، الصوم درع يقي من النار. روى هذا المضمون نفسه عن طريق أهل السنة أيضاً بألفاظ مختلفة ، منها : « الصيام جُنّة العبد المؤمن يوم القيامة كما يقي أحدكم سلاحه فـي الدنيا » ، كما تدافعون عن أنفسكم فـي الدنيا بأسلحتكم و أدواتكم الدفاعية ، تدافعون عن أنفسكم فـي الآخرة أيضاً حيال نار جهنم بالصوم .ما هي ميزة الصيام حتى يُعبّر عنه بأنه « جُنّة من النار » ؟ ميزة الصيام هي كفُّ النفس . الصيام مظهر كفِّ النفس ، « و نهى النفس عن الهوى » ، الصيام تبلور للصبر إزاء الذنب و غلبة الشهوات . لذلك ذكروا فـي تفسير الآية الكريمة ﴿ و استعينوا بالصبر و الصلاة ﴾ أن الصبر هو الصيام . الصيام رمز التجاوز عن الرغبات ، ومع إن فترة الصيام محدودة ـ عدة ساعات فـي اليوم ، و لأيام معدودة فـي السنة ـ إلاّ أنها ممارسة أساسية بالنسبة للإنسان على النحو الرمزي . لماذا ؟ لأن أهواء النفس و الرغبات و الشهوات و المطاليب النفسية هي الطريق الذي يفضي بالإنسان إلى الخطيئة . لا أنَّ مشتهيات النفس ملازمة للخطيئة و لا تنفصل عنها ، لا ، بعض المشتهيات النفسية حلال ، أما أن يرفع الإنسان لجام النفس و يتركها سائبة بلا لجام و لا زمام و يبقى أسيراً لشهواتها فهذا ما قال عنه أميرالمؤمنين (عليه الصلاة و السلام) فـي نهج البلاغة : « حمل عليها أهلها » ، وضعوه على فرس جموح و ليس الزمام فـي يده ، فيأخذه الفرس الجموح ليلقي به فـي هوة سحيقة . هوى النفس يجر الإنسان إلى المعاصي .المعاصي هي الشكل المُلكي للعذاب الإلهي ، فالشكل الدنيوي للعذاب الإلهي هو هذه الذنوب . و هذا هو معنى الآية الكريمة : ﴿ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون فـي بطونهم ناراً ﴾. أي أنكم حينما تنظرون لشخص أكل مال يتيم سيكون ظاهر القضية انه استحوذ على مال و استولى على شىء حرام ، لكن باطن القضية هو أنه يُشعل النيران فـي داخله ، و هذه هي نار جهنم . الذي يجرِّب لذةً حراماً هنا ، ستكون هذه اللذة ظاهر القضية ، أما باطنها فيتجلّى فـي تلك الحياة الحقيقية ، هناك حيث تتساقط أستار الأوهام عن أعين الإنسان و تبرز الحقائق أمامه ، ﴿ هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ﴾ . يومئذ تنقلب هذه اللذة الحالية الدنيوية عذاباً و ألماً جهنمياً . ذلك هو اليوم الذي تفصح فيه الوقائع و الحقائق عن نفسها ـ ﴿ هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ﴾ ـ و تتجلى حقائق و بطون و ملكات ما فعله الإنسان . أرواحنا أيضاً ، و ملكاتنا ، و حقائق وجودنا تفصح عن نفسها يومذاك . يقول مولوي :يا من مزّقت جلد يوسف و أمثال يوسف ، إصح من نومك العميق أيها الذئب .القبضة المفترسة التـي تمزّق أمثال يوسف هنا و تسحق المظلومين تحت الأقدام باطنها ذئب و ليس إنساناً . هناك يفصح هذا الباطن عن نفسه و يظهر . يجب أن لا ننسى القيامة . القيامة واقعة عظيمة . علينا أن نتذكر القيامة دوماً و نخشاها .تقول الآية الكريمة عن القيامة : ﴿ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها و الذين آمنوا مشفقون منها و يعلمون أنها الحق ﴾ . كفار قريش كانوا يقولون للرسول أين هي القيامة و الجحيم الذان تخوّفنا منهما ؟ يقول القرآن : ﴿ و الذين آمنوا مشفقون منها ﴾ الذين آمنوا يخافون من يوم القيامة . هذه هي القيامة حقاً . يجب الإشفاق منها و عدم نسيانها . هذا ما يضمن لنا الحفظ و الصون . القيامة هي اليوم الذي نُعرض فيه على الله : ﴿ و عرضوا على ربك صفاً ﴾ ، يظهر الإنسان أمام الله تعالى بحقيقته ، و بباطن قلبه ، و بالملكات الراسخة فـي نفسه . هنا أيضاً يرى الله تعالى باطننا ، أما هناك فسترتفع كل الحجب ، و سنرى و نفهم نحن أيضاً ، و سندين أنفسنا . يوم الجزاء هو يوم الإجابة ، الإجابة بالمعنى الحقيقي للكلمة . إجابة من دون أي مجال لللف و الدوران ، لا يستطيع الإنسان نحت أعذار كاذبة فارغة . الإنسان واقف أمام الله تعالى ، و الله ممسك بتلابيبه . القيامة يوم حساب لا تسامح فيه . سنحاسب كلنا . القيامة يومٌ يخرس فيه لسان الإنسان . طلاوة اللسان التـي يمكن أن يجترحها هنا لن تتهيأ له هناك : ﴿ هذا يوم لا ينطقون و لا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾ ، يختم على اللسان و يتكلم باطن الإنسان و ملكاته و أعضاؤه و جوارحه . إنْ كنا نُخفي فـي قلوبنا حقداً ، و حسداً ، و نظرة سلبية ، و نية سيئة ، و أمراضاً قلبية ، و ضغينة للصالحين ، و شوقاً و حباً للذنوب ، فسيتجلى كل هذا هناك . القيامة حدث عجيب : ﴿ اليوم نختم على أفواههم و تكلّمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ .الآيات الخاصة بالقيامة تهز الإنسان حقاً . أقترح أن يراجع كل واحد منا آيات القيامة لوحده ، لأننا بحاجة إليها . هذا ليس من الأمور التـي يمكن للإنسان تسجيلها و إعلان إحصاءات بشأنها . ثمة فـي القرآن مئات الآيات عن القيامة . هناك بشائر القيامة و هناك التحذيرات من القيامة . و كلاهما يهزّ الإنسان من الأعماق . بشائر القرآن مدوّية و جذابة و مشوِّقة ، و تهديداته أيضاً مدوية تذيب قلب الإنسان، ﴿ يبصّرونهم يودُّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته التـي تؤويه و من فـي الأرض جميعاً ثمَّ ينجيه ﴾ . يتمنى المجرم من شدة العذاب الإلهي أن يضحّي بابنه لينجو من العذاب ، يضحّي بأحبّته و كل البشر على وجه الأرض ليخلص من العذاب ، لكنه لا يستطيع . إنه العذاب الإلهي و ما هو بالهزل ، ﴿ كلاّ إنها لظى . نزاعة للشوى . تدعو من أدبر و تولّى . و جمع فأوعى ﴾ .يشرح الإمام السجاد (سلام الله عليه) فـي دعاء أبـي حمزة ـ و هو دعاء جد ممتع و جيد ـ الخوف من القيامة بقولة : « أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري » ، أبكي اليوم ليوم ٍ أخرج فيه من القبر عرياناً ذليلاً أحمل على عاتقي أعباء أعمالـي الثقيلة . « أنظر مرة عن يمينـي و أخرى عن شمالـي إذ الخلائق فـي شأن غير شأنـي لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة » ، البعض وجوههم ضاحكة راضية مسرورة مرفوعة الرأس . من هم هؤلاء ؟ إنهم الذين استطاعوا العبور فـي الدنيا على جسر الصراط الذي تظهر حقيقته و باطنه هناك و يكون مثاله هنا . جسر الصراط هذا هو جسر العبودية و التقوى و الورع ، ﴿ و أن اعبدونـي هذا صراط مستقيم ﴾ ، صراط هذه الدنيا هو نفسه الصراط فوق جهنم . ﴿ إنك لعلى صراط مستقيم ﴾ التـي يقولها الله للرسول ، أو ﴿ و أن اعبدونـي هذا صراط مستقيم ﴾ هو نفسه الصراط فوق جهنم . إذا استطعنا هنا عبور هذا الصراط بصورة صحيحة و بدقة و بدون زلاّت ، لكان عبور ذلك الصراط أسهل ما يمكن . كالمؤمنين الذين يمرون على الصراط كالبرق . ﴿ إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها ﴾ . لا يسمعون حتى همهمة جهنم ، ﴿ و هم فـي ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ . الفزع الأكبر هو أصعب أنواع الخوف الذي يمكن أن يصيب الإنسان . المؤمنون بما لهم من أبعاد جسمانية و روحية و نفسية لا يحزنهم و لا يغمّهم الفزع العظيم الذي سيكون يومئذ ، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ ، هؤلاء اجتازوا هذا الصراط .أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء ، هذا الصراط حساس جداً بالنسبة لـي و لكم . نحن مسؤولون . نحن نختلف عن الناس العاديين فـي الأزقة و الأسواق . سواء كنا نواباً فـي المجلس ، أو أعضاءً فـي الحكومة ، أو مدراءً فـي القطاع العسكري الفلانـي ، أو فـي القطاع القضائي ، مجرد أن تكونوا أيها السادة و السيدات مسؤولين فـي القطاعات و المرافق المختلفة ، فهذا يزيد من صعوبة حالـي و حالكم . إذا تخطينا حدودنا و زللنا و كانت ثمة إشكالات فـي أعمالنا ، فلن تعود أضرار ذلك علينا فقط ، إنما تعود على جماعة كبيرة من الناس . إذا تقاعسنا و قصّرنا فـي أعمالنا سيلحق البلاد الضرر . أما إذا اتبعنا هوى النفس فـي قراراتنا لا سمح الله ، و جرينا وراء صداقاتنا و فئويّاتنا و إهمالنا للقيم الحقيقية ، فستتعرض البلاد لضربة خطيرة . مهمتنا صعبة . علينا التفكير بجهنم و عبور هذا الصراط العصيب أكثر من الآخرين . ليست هذه السنوات المعدودة من المسؤولية فترةً أبدية . إذا كنتم نواباً فـي المجلس ، أو أعضاء فـي الحكومة ، أو وزراء ، أو مدراء ، فستنقضي هذه السنوات الثلاث ، أو الأربع ، أو الخمس ، أو العشر . إذا صبرتم هذه السنوات المعدودات و لم تلهثوا وراء كسب المال و الإيرادات اللامشروعة ، و احتكار الفرص ، و استغلال إمكانات الدولة و التطاول على بيت المال ، و هذا ليس بالأمر الصعب جداً ، عندها ﴿ إنّ الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ . ﴿ هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ . تأتي ملائكة الله للمتقين و المؤمنين و تقول لهم هذا هو يومكم ، اليوم الذي وعد و بشّر به الأنبياءُ المؤمنين على طول التاريخ ، فاستلذوا ﴿ إدخلوا الجنة ﴾ . علينا الحذر و الخوف من جهنم أكثر من الآخرين . نار جهنم تهدد أصحاب المسؤولية المضاعفة أكثر مما تهدد الناس العاديين الذين لا تتعدى مسؤوليتهم حدود دائرة صغيرة جداً . وضعنا أصعب .النقطة الأخرى التـي أود أن أضيفها هنا هي قضية أولادنا . ارعوا أولادكم ، ﴿ قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة ﴾ . ليس من حقكم أن تتركوا أولادكم . لينصب سعيكم على حفظ إيمانهم . لا تفعلوا ما يضعضع إيمان شبابكم ، بنات و بنين ـ سواء كانوا طلاباً جامعيين ، أو كسبة ، أو مشغولين بأعمال أخرى ـ بمرتكزاتكم . أحياناً يجترح الإنسان بيديه و لسانه المنفلت الخارج عن السيطرة و بأعماله الخاطئة ما يبعد أولاده الشباب عن الدين و المبانـي الدينية و المعتقدات و الأصول ، و يجعلهم عديمي الإيمان . كان لدينا أمثال هؤلاء الأفراد . و هذا ممكن من الجهتين ، أحياناً يُنفِّرُ البعضُ أبناءهم بالتعامل الحاد المرير الشديد . و من جهة ثانية يتصرف فريق بعدم اكتراث ولا مبالاة باذلاً لأولاده إمكانات لا حدَّ لها ، و يغض الطرف عن إخطائهم مهما كانت ، فيطرد أولاده بيديه ، و النتيجة هي أن يفسد هؤلاء الأولاد و ينحرفوا . علينا التعامل مع الأبناء بالمنطق و التصرفات الصحيحة العطوفة . ﴿ قوا أنفسكم و أهليكم ﴾ . عليكم حفظ شبابكم و أزواجكم . هذا من واجباتكم . ولهذا طبعاً نتائج تشديدية ، بمعنى أن الشاب فـي العائلة إذا كانت لديه لا سمح الله نقطة ضعف ، و صار كالبقعة السوداء على الضرس ، و فسد ميناء الضرس فـي هذه النقطة ، فسوف يؤثر تدريجياً على أذهان مخاطبيه و والده و والدته ، و هكذا سيكون لوضعه آثار تشديدية ، و بالتالـي سَيفقُد تلك الحقيقة و الروح المعنوية .لقد كانت هذه الآية الكريمة لافتة بالنسبة لـي دائماً : ﴿ الذين آمنوا و اتّبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيتهم و ما التناهم من عملهم من شىء ﴾ . الذين قدروا أن يصونوا إيمان ذريتهم ـ حتى لو لم تكن أعمال الذرية مميزة جداً ـ سنلحق بهم ذريتهم إلى درجاتهم المعنوية الرفيعة . و فـي الروايات : « لتقرّ عيونهم » . إذا كنتم مؤمنين و استطعتم تربية أولادكم على الإيمان سيتلافى الله تعالى نواقص هؤلاء الأولاد فـي القيامة و الجنة و فـي المراحل العصيبة التـي تواجهكم ، و يلحقهم بكم حتى تقرّ أعينكم و قلوبكم . للمؤمن عند الله قيمة كبيرة .كلامنا الأساسي هو هذا الذي قلناه . إذا أردنا أنا و أنتم أن نسلك طريقنا بصورة صائبة و أن ينتفع هذا البلد من وجودنا أنا و أنتم ، فالطريق إلى ذلك هو ما قلناه : علينا التفكير بقلوبنا ، و التفكير بقيامتنا ، و التفكير بغدنا و بالحساب الإلهي ، و أن لا نتساهل مع أنفسنا فـي هذا المجال .أذكر أيضاً نقطتين أو ثلاثة حول قضايا البلاد الراهنة . ثمة أحداث كبيرة وصغيرة بشأن قضايا داخلية و خارجية ، و خلافات ، و معارضات ، و الطاقة الذرية و أمور أخرى تتفاعل حالياً . إذا تفطّنا أين نقف و ما هو واقعنا و حالنا ، سنحصل على جواب كل هذه الأسئلة . لماذا تقع هذه الأحداث ، و ما هي الحوافز و الأهداف من ورائها ؟ القضية هي أن الشعب الإيرانـي استطاع بثورته خرق سقف أفلاك الثقافة و السياسة فـي العالم و إرساء دعائم مشروع جديد . يوم كان العالم ثنائي الأقطاب ، و كانت القوتان العظميان تقفان بوجه بعضهما بتلك الصورة ، تعاونتا لمواجهة هذا المشروع الجديد ، ما يدل على أن المشروع الجديد للشعب الإيرانـي ، و الذي نزل به إلى الساحة عبر الثورة الإسلامية ، شىء استهدف و هدّد الاتجاه المشترك للقوتين العظميين . فما هو ذلك الاتجاه المشترك ؟ إنه نزعه التسلط و الهيمنة . نعم ، لقد واجهنا نظام الهيمنة . نظام الهيمنة معناه وجود امبراطورية هيمنة فـي العالم متشكلة من عدة أطراف . و فـي المقابل هناك مصادر الثروة التـي تمتلكها الشعوب . العلاقة بين هذين الطرفين هي علاقة هيمنة : مهيمن و خاضع للهيمنة . هذا يهيمن و يتسلّط ، و الشعوب التـي يحتاج مركز الهيمنة إما لأراضيها أو مياهها أو نفطها أو مصادرها أو موقعها الاستراتيجي يجب أن تخضع للهيمنة و تقدم له ما يحتاجه و يضمن مصالحه . إذا قدمت هذه البلدان مصادرها و ثروتها فبها ، كالكثير من بلدان العالم الثالث كما يصطلح عليها ، أي البلدان المتخلّفة . كانت هناك حكومات تقدم مصالح شعوبها للمهيمن بكل احترام ، نظير بلدنا فـي عهد النظام الطاغوتـي . كان هؤلاء مطيعين مستسلمين . وليس معنى الاستسلام أنهم كانوا يسمعون كلامهم فـي كل الأمور ، لا ، كان بينهم اختلاف فـي الآراء فـي جانب من الأمور، لكنهم كانوا يلبون مطاليبهم . أولئك يقولون يجب أن تتم معاهدة النفط بهذا الشكل ، و هؤلاء يوافقون . هكذا اتخذوا القرار فـي الأوبك ، و هؤلاء يقولون سمعاً و طاعة . تصرفوا بهذه الطريقة حيال إسرائيل و الصهيونية ، و هؤلاء يقولون سمعاً و طاعة . تعاملوا بهذا النحو مع بلدان المنطقة ، و هؤلاء يقولون سمعاً و طاعة . لتكن مواقفكم هكذا فـي منظمة الأمم المتحدة ، و هؤلاء يقولون سمعاً و طاعة . ثم يتدخلون تدريجياً فـي الشؤون الداخلية للبلدان فيقولون استعملوا حكومة تكون بهذه الصورة أو تلك ، و انتهجوا هذه السياسات ، اجترحوا هذه التغييرات فـي البلاد ، و هؤلاء يقولون سمعاً و طاعة .النمط الآخر من القابلية للهيمنة هو أن حكومة ما قد تقف أحياناً بوجه مصلحة من مصالحهم ، فيعمدون فوراً إلى ضربها و تحطيم رأسها و استبعادها . ولأن هذه الحكومة لا تحظى برصيد جماهيري ـ لأن هؤلاء المهيمنون هم الذين يدعمونها ـ فستُقصى بسهولة ، و بالتالـي يأتون بحكومة أخرى مكانها . هذا ما لاحظنا نماذج له فـي بعض البلدان و لا أريد الآن ذكر أسماء هذه البلدان ، ولعلكم تلاحظون ذلك . ليست قليلة أمثلة ذلك بين البلدان الجارة . أسقطوا حكومة و جاءوا بحكومة ثانية . هذا هو نظام الهيمنة فـي العالم . الذين ينسحقون فـي نظام الهيمنة هم الشعوب ، تنسحق مصالحهم و هويتهم و شخصيتهم و ثقافتهم ، و يتعزز نظام الهيمنة يوماً بعد يوم . منذ أن ظهر الاستعمار نتيجة التواصل السهل بين أطراف العالم و تقدم العلوم ، ظهر نظام الهيمنة أيضاً . و كلما تقدم الاستعمار تعزز معه نظام الهيمنة . وبظهور الإمكانات الحديثة و وسائل الاتصال السريع والاستثنائية الموجودة حالياً و القدرات العسكرية و المالية و الدعائية و غيرها ، كلما ضَرَبَ نظام الهيمنة مساميره أعمق فـي أراضي الشعوب و البشر ، كلما حُكِم على الناس بالذلة والخضوع للهيمنة . جاء نظامنا ليقطع هذا المدار و قال كلا . مع أن الشيوعية كانت موجودة فـي العالم ، بيد أن مدار الهيمنة كان قائماً و قد قسّموا العالم ، لا عن رغبة و تطوّع طبعاً ، بل تقاسموه اضطراراً ، جزءٌ لهذا و جزء لذاك . إذن كان مدار الهيمنة قائماً هناك أيضاً . الاتحاد السوفيتـي الذي يدعي الاشتراكية و الشيوعية و العدالة الاجتماعية ارتكب فـي أوربا الشرقية فجائع مروعة لابد أن بعضكم يتذكرها ـ نحن نتذكرها طبعاً ـ و بعضكم ربما قرأها فـي الكتب و النصوص . بولندا بشكل ما و هنغاريا بشكل ما ، و تشكوسلوفاكيا بشكل ما . سفكوا الدماء ، و قتلوا البشر ، و حركوا الدبابات ، ذات الممارسة التـي يقوم بها الأمريكيون فـي العراق اليوم ، و التـي قاموا بها قبل فترة فـي أفغانستان . الهيمنة هيمنة . إذن كان ثمة مدار للتحرك السلطوي يعتمد على الهيمنة و يدور حول محور الهيمنة . جاءت إيران الإسلامية لتقطع هذا المدار و قالت نحن لا نوافق هذا . و لم يبق هذا المشروع دون استجابات فـي العالم . آمنت الشعوب بهذا المشروع إيماناً قوياً . و بوسع كل من ينظر أن يرى مؤشرات ذلك بوضوح . من الأمثلة فلسطين . كانت فلسطين تحت الاحتلال عشرات السنين من دون أن ينهض الشعب الفلسطينـي ، ولكن تلاحظون أين وصل الشعب الفلسطينـي و كيف وقفوا صامدين رغم كل الضغوط . التصريحات التـي تصدر عن بعض البلدان بشأننا فيما يتصل بالنزعة الشعبية و النزعة الإسلامية و الميل إلى العوامل الجماهيرية تعود كلها لهذا السبب . ترون وقفة الشعب العراقي اليوم . هؤلاء العراقيون هم أنفسهم الذين لم يكونوا ليتحركوا سنوات طويلة بفعل ضغوط الحكومة البريطانية و من ثم الأطراف اليسارية ، إنما هي موجة الصحوة الإسلامية التـي أيقظت العراقيين بهذه الصورة . لقد فعل هذا المشروع الجديد فعله . رسم للإنسانية فكراً جديداً ، و مساراً جديداً . حالات الغضب و المشكلات تعود لهذا السبب . يشيعون فـي العالم أموراً عن القنبلة الذرية و التبعات الوهمية لأنشطة عسكرية نووية . كل هذه ليست إلاّ ذرائع و كلام ، و القضية شىء آخر . حتى الإسلام كمجرد إسلام و شعار لا يعارضونه . تنبّهوا إلى أن الشعارات الدينية أو الحكومات التـي ادعت الدين أو قادها رجال الدين ليست قليلة فـي التاريخ ، إنما هي كثيرة . أيام كنا شباباً كانت هناك حكومة رجال الدين المسيحيين فـي بعض أنحاء العالم . و فـي القرون الماضية حكمت الكنيسة فـي العديد من البلدان الغربية و بعض المناطق الأخرى . و فـي التاريخ الإسلامي أيضاً نلاحظ حكومة أدعياء الدين و ولاية الدين . هذه الظواهر ليست نادرة فـي التاريخ . و الآن أيضاً ثمة فـي العالم حكومات تتذرع بشعار الدين . النادر فـي العالم ـ و الذي يثير ضده كل هذا العِداء ـ هو حكومة القيم الدينية ، انه ظهور الدين للعيان ، أي الإصرار على تحقيق العدالة الاجتماعية . ما نقوله نحن ليس مجرد شعار ، إنه حقيقتنا و هويتنا . إذا لم ننشد العدالة الاجتماعية لكان وجودنا عبثياً فارغاً و لما كان للجمهورية الإسلامية من معنى . علينا تحقيق العدالة الاجتماعية . يجب أن نطبق القيم الإسلامية فـي المجتمع . ينبغي أن نجعل المجتمع مجتمعاً دينياً إسلامياً .ذكرتُ قبل سنتين أو ثلاثة فـي إحدى هذه الاجتماعات إنه كانت لنا ثورة إسلامية ، ثم أسسنا نظاماً إسلامياً . و المرحلة التالية هي تشكيل دولة إسلامية ، و الطور اللاحق تشكيل بلد إسلامي ، و المحطة التالية تأسيس حضارة إسلامية عالمية . نحن اليوم فـي مرحلة الدولة الإسلامية و البلد الإسلامي . علينا إيجاد الدولة الإسلامية . إن دولتنا الراهنة ـ أي مسؤولـي السلطة التنفيذية ، و السلطة القضائية ، و السلطة التشريعية التـي تشكل بمجموعها الدولة الإسلامية ـ تتمتع بنصيب وافر من الحقائق و القيم الإسلامية ، بيد أن هذا لا يكفي ، و أنا أول واحد . يجب أن نتحرك أكثر باتجاه الإسلام و الأسلمة و العيش حياةً إيمانية إسلامية . علينا التحرك باتجاه الحياة العلوية . ليس معنى السير باتجاه الحياة العلوية أنهم إذا كانوا يشدون المآزر و يمشون نشد نحن أيضاً اليوم المآزر و نمشي ، لا ، لقد تقدم العالم اليوم . علينا إحياء روح الحياة العلوية فـي أنفسنا ، أي العدالة ، و التقوى ، و الورع ، و العفة ، والشجاعة فـي سبيل الله ، و الميل و الشوق للجهاد فـي سبيله . علينا السير باتجاه هذه القيم . هذا هو أساس مشروعنا . و أقول لكم إن كفاءة الجمهورية الإسلامية فـي هذه الحالة ستتضاعف . فالمشكلة الرئيسة التـي قد تعرض للجمهورية الإسلامية هي الكفاءة فـي النظرة العالمية ، فيقولون مثلاً : هل استطاعوا إنجاز هذا العمل و هل استطاعوا إنجاز ذاك العمل ؟ إذا أخذنا تحولنا الداخلي بعين الجد خطوةً خطوةً و تقدمنا إلى الأمام و اثبتنا التزامنا بالقيم و المبادئ عملياً ، فستزداد كفاءتنا و نجاحاتنا . الأعداء طبعاً لا يريدون هذا ، يثيرون الضجيج و الصخب ، و هذا غير مهم .أعتقد أن أوربا و أمريكا ليسوا قلقين من قضية الطاقة النووية كما يتظاهرون و يوحوون . هم أيضاً يعلمون أننا لا نطمح للسلاح الذري . نحن نكرر و نصر دائماً ، و هم يقولون «لا» و يهزون رؤوسهم ! و الحال أنهم يعلمون أننا لا نروم الحصول على السلاح النووي . القضية هي إشغال النظام الإسلامي . من أهدافهم الرئيسية أن يشغلوا النظام الإسلامي . يريدون صرف أذهان المدراء ، و المسؤولين ، و المجلس ، و الحكومة ، و شتى العاملين عن القضايا الراهنة و العملية فـي البلاد فـي مختلف المرافق القضائية ، و التنفيذية ، و التشريعية . و إذا عولجت هذه القضية سيفتعلون قضية أخرى !طبعاً لو أردنا ذكر نقطة عن هذه القضية لقلنا إن المفاوضين والموظفين فـي حكومة الجمهورية الإسلامية يتابعون هذه القضية ، فهم يتحدثون و يعملون و يراعون فـي مفاوضاتهم ذات الخطوط الحمراء التـي يذكرها مسؤولو البلاد فـي تصريحاتهم العلنية . بيد أن ما ينبغي ذكره بجد للأطراف المتفاوضة هو أن لا يفكروا و لا يتحدثوا بطريقة غير صائبة و غير منطقية تقنع الشعب الإيرانـي أن هذه الأطراف لا تؤمن بالمنطق . إذا اقتنع الشعب الإيرانـي أن أطراف الحوار لا تلتزم المنطق فسوف يترك الحوار معهم . فما الذي يمكن أن تقوله و تتحدث به لشخص غير منطقي ؟! لقد أثبتنا خلال العام الماضي أننا منطقيون و لدينا منطق . قالوا نريد أن تكونوا شفافين قلنا لابأس ، إنها الضوابط العالمية ، ليأتي ممثلو الوكالة الدولية للطاقة الذرية و يطّلعوا حتى يرتفع قلقهم إن كانوا قلقين . نظام الجمهورية الإسلامية جعل المنطق معياراً لأدائه . حين وافق على شىء معين كان ذلك عن منطق ، و حين رفض شيئاً ما رفضه عن منطق . و حيثما أرادوا استخدام منطق القوة وقفت الجمهورية الإسلامية و لم ترضخ . منطق القوة لدى الأطراف المقابلة دليل عدم منطقهم ، ليس لديهم منطق . « عليكم تعليق التخصيب لمدة طويلة ». لماذا و ما هو السبب ؟ ما علاقة الشفافية بالتعليق أو إيقاف التخصيب ؟ ليس بينهما أية صلة . هل يمكن بهذا الهراء و الأدبيات العائدة لعهد الاستعمار حرمان شعب من حقوقه و مطاليبه و تصوراته ، و خصوصاً الشعب الإيرانـي ، هذا الشعب الحي ؟ ليعلم أطراف التفاوض أن الشعب الإيرانـي حي . موجود حي يتحلى بالمنطق و بالحيوية و الحركية أيضاً ، و هو من أهل التعامل و التعاطي ، و من أهل الدفاع ، و أيضاً من أهل توجيه اللكمات إذا اقتضي الأمر .ما نقوله على هذا الصعيد هو أن التحرك من دون منطق مما لا توافق عليه أو تتقبله الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيرانـي الكبير ، و إذا حصل أي شكل من أشكال التهديد فـي المفاوضات فسيكون ذلك دليل على عدم التحلي بالمنطق. إنْ كان ثمة منطق فلن يكون هناك تهديد. و إذا كان التهديد فهو مؤشر الافتقار للمنطق ، واللامنطق يصدّنا عن أساس الحوار و مواصلة التعاون مع الأطراف المرتبطة بالوكالة و سواها .ما نحتاج إليه نحن المسؤولين هو مضاعفة كفاءتنا و كفاءة النظام . و ينبغي أن تكون الكفاءة باتجاه تحقيق المطاليب و الأهداف الإسلامية ، و باتجاه تطبيق و تجسيد القيم فـي المجتمع . قطّاعاتنا الثقافية و الاقتصادية و السياسية و الأمنية مسؤولة ، الكل مسؤولون . الجميع يجب أن يتنبّهوا لمسؤولياتهم و يعدّوا أنفسهم لتقديم الإجابات حيال هذه المسؤوليات . هذا واجبنا جميعاً . لنعلم أننا إذا أدينا واجبنا فسيكون انتصار الجمهورية الإسلامية و انتصار الحق على الباطل فـي هذا الميدان حتمياً بالنظر للإمكانات التـي منحها الله تعالى و له الحمد بوفرةٍ لهذا البلد و لهذا الشعب ، و بتجربة التقدم التـي اكتسبناها .حققنا فـي غضون هذه الأعوام تقدماً جيداً . على امتداد اثنين و عشرين عاماً منذ أن سنحت الفرص أمام الجمهورية الإسلامية و دخلت ميادين البناء المختلفة ـ منذ السنة الثانية أو الثالثة للثورة و إلى اليوم ـ كان تقدمنا جيداً . نحن نفس ذلك البلد الذي كان يجب أن يستورد الأسلاك الشائكة ، و نستطيع الآن تصدير حتى صواريخنا . كنّا يومها فـي طرق مسدودة على مختلف الصعد العلمية و فـي كل مكان ، أما اليوم فنلاحظ الطريق مفتوحاً و الساحة واسعة و السائرون متوثبون فـي معظم الحقول العلمية . المسيرة العلمية فـي البلاد تتحرك ، و قد كانت هناك تطورات كثيرة أشار السيد رئيس الجمهورية اليوم إلى قسم منها فـي الإحصاءات ، و الكثير منها تطورات النظام الإسلامي . هذه هي تجربة الشعب الإيرانـي ، تجربة التقدم ، تجربة النجاح ، والتوكل على الله ، والعزم على تحقيق القيم الإلهية و الإسلامية و عدم التنازل فـي هذا الميدان ـ إذ لا مجال للتنازل ـ و البرمجة لتطبيق هذه القيم و هذه الأهداف فـي شتى مرافق النظام الإسلامي . هذه من واجباتنا الحتمية الأكيدة ، و نتمنى أن يكون الله تعالى قد قدّر لمسؤولـي البلاد و السلطات الثلاث أن يقطعوا خطوات ناجحة على هذا الصعيد و ينجزوا مهمات أساسية . لتتنبّه السلطة التنفيذية ، و السلطة التشريعية ، و السلطة القضائية إلى أن البلد متعطِّش اليوم للعمل . ينبغي العمل و السعي و الارتفاع بقدرات البلاد و كفاءته . ربنا بمحمد و آل محمد ، إجعل ما قلناه حسنة و ثواباً عندك . ربنا ، مُنَّ علينا ـ قائلين و مستمعين ـ بالتوفيق للعمل بما قيل . إجعل الشعب الإيرانـي مرفوع الرأس و انصره على أعدائه . وفّق كافة المسؤولين فـي البلاد للتقوى و الورع ، إحشر الروح الطاهرة لإمامنا الكبير مع أوليائه ، و احشر شهداءنا الأعزاء مع محمد و آل محمد .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/10/26

كلمته خلال لقائه مقرئي القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك

بسم الله الرحمن الرحيمنشكر الله أن وفقنا للمشاركة مرة أخرى فـي هذه الجلسة القرآنية المنوّرة بحضور مقرئينا الشباب الموهوبين .فـي هذا العام و أعوام أخرى ، افتتحنا شهر رمضان ـ و الحمدلله ـ بهذه الجلسة القرآنية الجيدة جداً و المميزة . تميّز هذه الجلسة يعود إلى أن هؤلاء الشباب الذين يتلون القرآن هنا هم مواهب جد متألقة ، إذا وُفّرت لها الأدوات و الإمكانات اللازمة لازدهارها الكامل و اكتسبت التوثّب المطلوب ، لارتقى بلدنا قمة القراءة القرآنية فـي العالم الإسلامي . الأصوات جيدة ، و التعلّم جيد ، و المواهب جيدة ـ وهذه نعمة كبيرة ـ ولكن يجب توفير الأرضية لتطور و حيوية هؤلاء الشباب أكثر مما هو الآن .ذكرنا مراراً أن تلاوة القرآن بشكل مميز و بصوت عذب و بلحن صحيح و جيد تشجّع على النزوع العام نحو القرآن بالقلوب و الأرواح و الأفكار . ليس هذا ترفاً . ليس هذا فعلاً زائداً و تشريفياً . إذا وعينا بصورة صحيحة ما الذي نفعله ، سيكون هذا تحركاً منطقياً و خطوة واثقة على سبيل تعميم الفهم و المعرفة القرآنية . أذكر هذه النقطة من أجل أن تعملوا أيها المقرئون الأعزاء ـ معظم الحاضرين هنا أو جميعكم من هواة القرآن أو المقرئين بالألحان القرآنية ، لذا فأنتم المعنيون بكلامي ـ كل ما استطعتم لتطوير هذا الأمر و توفروا له قواعد متينة . طبعاً حين استمعتُ للتلاوات اليوم لاحظتُ أنها تحسّنت عما كانت عليه فـي العام الماضي ، و هذا مؤشر أننا نتقدم نحو الأمام . العديد من تلاوات شبابنا هؤلاء الذين قرأ بعضهم هنا ، تلاوات أفضل من كثير من التلاوات التـي تبث من الإذاعة و استمع إليها أحياناً . هذا دليل أننا نتحرك نحو الأمام . طبعاً لهذا الأمر شروطه كغيره من الأمور . ينبغي اكتساب تلك النقاط الضرورية من أساتذتها :كل مَن يتعلم شيئاً يجب أن يتعلمه من الأستاذ .الاعتماد على الذات وحدها فـي طريق التطور يستدعي إتلاف الإمكانيات و المواهب . حينما يتقدم الإنسان لوحده لن يكون قد وظّف مواهبه توظيفاً مثالياً . ينبغي مراعاة جميع الجوانب ، سواء القراءة الصحيحة للنص ـ و قد تحسّن التجويد بشكل ملحوظ و الحمد لله ، و تجويد هؤلاء الشباب جيد جداً . بعض الدقائق التـي نراعيها فـي التجويد ، لاحظتُ أحياناً أن المقرئين المصريين من الدرجة الثانية و الذين يحضرون هنا ، لا يراعونها غالباً ـ أو الاصوات و ثمة لدى جماعتنا أصوات جيدة جداً .المشكلة الكبرى فـي تلاواتنا ـ و الآيلة التـي التحسن و الحمد لله ـ عدم تركيز المقرئ و التالـي على مضمون الآية التـي يقرؤها . إذا كنتم على معرفة تامة بمضمون الآية سوف تتأثرون أنفسكم أثناء القراءة ، و تأثركم هذا بحد ذاته يؤثر فـي لحنكم و صوتكم و أنغامكم و حتى فـي حركاتكم الظاهرية ، و يترك بالتالـي تأثيره على المستمعين و الجلسة . شاهدتم نظير هذه الحالة لدى قرّاء الشعر الفارسي و المداحين ذوي الأصوات الحسنة الذين يقرأون فـي بعض الجلسات . حين يقرأ الشعر الجيد ، يتأثر هو نفسه بصوته الحسن و يتأثر لحنه بهذا التأثر الذاتـي ، فيغدو أكثر نفاذاً و حلاوة و إمتاعاً . و الحالة كذلك تماماً فـي قراءة القرآن . فريق من المقرئين المصريين الذين يراعون هذه القضية تصبح لحونهم أعذب و أجمل . هذه نقطة يجب التنبة إليها ، و هي مؤثرة فـي الوقف و الابتداء و ما إلى ذلك من أمور .و نقول لكم بوصفكم من أهل فن التلاوة إن إحدى محسنات جلسة هذا العام عدم الإصرار على إطالة القراءة و طول النفس . هذا جيد جداً . لا يصرُّ المقرئون على إبداء أن أنفاسهم طويلة ، لا ، النفس الطويل ضروري حين يضطرب المعنى لو قطعتم الآية . هناك يحسُن النفس الطويل . و النفس غير الطويل سيظهر نقصه فـي هذا الموضع . و طبعاً يوجد طريق لتلافـي هذا . تلاحظون أن من بين المقرئين المصريين من هم من الدرجة الأولى لكن أنفاسهم قصيرة ، مثل عبدالفتاح أو غيره . لا يعد هذا نقصاً أساسياً بل حالة يمكن تعويضها ، بمعنى أن أستاذ الفن يعرف فـي حال كان نفسه قصيراً كيف يقرأ تتمة الآية و كأنها لم تنقطع . يقرأون قراءة جميلة ، و العديد من المقرئين القدماء هكذا ، أما هؤلاء الجدد و هم كثر فـي إيران فمعظمهم مبتلى بهذا الداء ، داء إطالة النفس و القراءة . أحياناً تشتد عليه الوطأة جداً لكنه لا يقطع ! هذا ليس حسنة على الإطلاق . حسنه فقط حينما يحتاج الإنسان إلى النفس الطويل بحيث لو كان نفسه قصيراً فسيُخفق و يفسد القراءة . إنها زينة جميلة حسنة لكنها غير ضرورية أبداً فـي غير هذا الموضع . أنظروا أين يجب تقصير الآية ، و أين يجب الوقف ، و أين تنبغي الإشارة إلى معنى ما عن طريق الوقف أو التكرار ، و أحياناً بكلمة واحدة . هذه أمور يجب مراعاتها .من قضايا التلاوة عندنا ، قضية موسيقى التلاوة و النغمات الصحيحة للتلاوة ، حيث ينبغي قراءتها بصورة سليمة . ليس ثمة الآن فرصة للتحدث فـي هذا المجال ، لكنها أيضاً من النقاط المهمة جداً ، ولها أسلوب و طريقة أرى طبعاً أنها قد تحسنت الآن كثيراً ، ولم تكن كذلك فـي السابق . يجب تعلّم النغمات و الألحان القرآنية . و الكثير منها طبعاً ذوقية ، هذه أيضاً مسألة يجب أن نذكرها ، أي أن الشخص إذا كان صاحب ذوق فنـي يُدرك لوحده ماذا يجب عليه أن يفعل حتى من دون أن يتعمد تعلّم النوطات و قراءتها . طبيعة ذوق القارئ تأخذ بيده إلى اللحن الصحيح . و كلما استطاع فـي هذا الحيّز التقليل من تقليد هذا و ذاك لكان ذلك أفضل .حُرمنا اليوم من دعاء السيد موسوي .ربنا ، بمحمد و آل محمد أحينا جميعاً بالقرآن و احشرنا مع القرآن . إجعلنا مميزين فخورين بفهم معارف القرآن السامية ، لا تفصل بيننا و بين القرآن أبداً ، إجعلنا ممن تشملهم الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/10/15

كلمته في لقائه الشباب النخبة و الطلبة الجامعيين

بسم الله الرحمن الرحيمكانت الجلسة حتى هذه اللحظة جلسةً جيدة جداً برأيـي ، و قد استمتعت بها حقاً . السبب الرئيس لذلك هو شعوري أن شبابنا النخبة لديهم و الحمد لله الجرأة على الثقة بآرائهم . هذا مهم جداً بالنسبة لـي . من المهم جداً أن تكون للشاب الإيرانـي و الشاب المسلم الثقة بالنفس كي يعرب بقوة و متانة عن رأيه بشأن قضايا البلد العامة ، و قضايا التعليم العالـي ، و شؤون التربية و التعليم ، و أمور جامعته أو الجامعات الأخرى . علينا ترسيخ هذه الروح إلى جانب روح طلب العلم و النخبوية العلمية .أعزائي ، أقول لكم : الذين جعلوا مسيرة العلم و البحث العلمي بطيئة منذ البداية ، ثم أوقفوها تماماً كان مشروعهم الأول القضاء على هذه الروح لدى الإنسان الإيرانـي ، أي أرادوا أن يشعر الإيرانـي أنه لا يملك شيئاً فـي الفكر ، و فـي العلم ، و فـي تشخيص طريق الحياة ، وفـي البحث حتى عن المفردات اللازمة للتعبير عن مراده . و هذا هو ما يُقعِد الشعب الذي لا يثق بنفسه إلى الأرض . أنا سعيد لأنـي أرى هذه الروح بينكم أيها الشباب فـي هذه السنة . و لحسن الحظ لاحظتُ فـي جلسات أخرى كانت لـي مع الشباب أن هذه الروح آخذة بالنمو يوماً بعد يوم . النقطة الدقيقة هنا طبعاً هي أن هذه الثقة بالنفس والتعبير عمّا يجول فـي خاطر الإنسان يختلف عن النزعة الصِدامية و العدوانية . نزعة الصخب موجودة فـي طبيعة الشاب ـ أنا لا أعتقد بهذا ـ إننـي أرى أنكم وغيركم من الشباب الذين اتصلت بهم طوال هذه الأعوام تستخدمون روح المنطق ، و البرهان ، و الاعتراض المنطقي و الإشكال العلمي ، و هذا شىء قيّم جداً بالنسبة لـي . الأمور التـي طرحتموها كانت نقاطاً جد جيدة و لافتة . لقد سجلتها على نحو الإجمال ، إلاّ أن مجموع كلامكم سيُنقل عن الأشرطة إلى الورق إن شاء الله و سيحظى بالاهتمام .جانب من الأمور التـي أثارها الأعزاء قضايا تنفيذية مائة بالمائة فهي ترتبط بالسادة المدراء الحاضرين فـي هذه الجلسة و عليهم المتابعة بسرعة ، من قبيل قضية الغرامة المترتبة على النقاط الدراسية التـي يأخذها الطالب . هذه القضية غير مفهومة حتى بالنسبة لـي حالياً . لا أفهم لماذا . ما هو معنى هذا الإجراء ؟ أو الارتباط بالنخب الأجنبية مسألة تحتاج إلى اتخاذ سياسات معينة . ثمة مسائل أخرى أوسع بعض الشىء ، كأن تُعطي مؤسسات الدولة منحاً دراسية للنخب ، و هي اشارة صائبة . قضية الجندية التـي اثارها بعض الأحبة أعتقد أنها محلولة و لا تمثل مشكلة . غير أن القضية الأخرى التـي أعتقد أنكم أيها الأصدقاء لم تشيروا إليها فـي هذه الجلسة ، لكنها طرحت فـي جلسات سابقة و قد اتخذتُ الإجراء اللازم لأجلها ، هي قضية الالتحاق الأسهل للفائزين فـي الأولمبيادات والنخب العلمية بالجامعات . أطلبُ من السيدين الوزيرين المحترمين دراسة هذه القضية، و إذا شعروا أن لا إشكال فـي ذلك فليتخذوا اللازم لتطبيق هذه الفكرة الجيدة ، حتى تستطيع النخب إلى رتبة معينة ـ الرتبة الثانية أو الثالثة ـ الالتحاق بالجامعات . أمور أخرى طرحتموها أيها الأعزاء تحتاج إلى عمل ودراسة ومتابعة من قبل المؤسسات الحكومية ، و سنطلب إن شاء الله فرز هذه الأمور وإحالة كل واحد منها إما إلى المجلس الأعلى للثورة الثقافية أو المؤسسات المعنية .النقطة الوحيدة التـي أريد أن أقولها للتذكرة هي أن بعض هذه المشكلات التـي تذكرونها ممكنة الحل تماماً على المدى القريب أو على المدى البعيد . الإشارة إلى هذه المشكلات لا مؤاخذة عليها إطلاقاً ، لا سيما فـي هذه الجلسة الودية تماماً و المقامة فـي أجواء من المحبة و العاطفة . أنا أرحب بهذا تمام الترحيب حتى لو طرحتم جميعاً مشكلات من هذا القبيل ، ولكن لاحظوا أن لا يكون الطرح بطريقة تدعو إلى اليأس ، أي حاذروا من أن تكون الأجواء باعثة على الخيبة . أعزائي ، كل شىء يعتمد على الأمل . أي يجب أن تكونوا أنتم و مسؤولو جامعات البلاد ـ مسؤولو الحكومة فـي شتى المستويات ـ ممن يفترض أن تعملوا فـي كل المجالات بما فيها هذه المجالات التـي تذكرونها ، يجب أن تكونوا متفائلين بإمكانية التقدم و الوصول إلى المحطة المطلوبة . لا تجعلوا طبيعة التعبير بحيث يفهم منه هيمنة مناخ اليأس على نشاطكم ، لا ، لا داعي لليأس و الخيبة أبداً ، و أعتقد أنه لا مكان للرسائل المتشائمة .ما أرى أنه مناسب لأقوله لكم فـي هذه الجلسة ـ و قد ذكرتم أنفسكم جانباً من الأمور التـي أردت أن أذكرتها ـ هو أن مهمتكم التطور العلمي و متابعة العقلانية العلمية . وهذه مهمة يرنو إليها الإسلام و يحض و يؤكد عليها . نحن باعتبارنا مسلمين و مؤمنين بهذا الدين ، من واجبنا متابعة الشؤون العلمية و الوصول إلى ذروة العلم فـي مسيرتنا الفردية و فـي تخطيطنا العام للبلاد . هذا واجب ، و ينبغي أن ننظر إليه بهذا الشكل .طبعاً ، كان الواقع فـي الغرب و أوربا مختلفاً . ففي أوربا المسيحية تزامن مطلع حركة المعرفة العلمية مع نهاية المعرفة الدينية ، بمعنى أن شروع هذه المرحلة فُهم على أنه اختتام لتلك المرحلة . و ربما كان هذا هو الحق ، ذلك أن المعرفة الدينية فـي المناخ المسيحي كانت معرفة خرافية تعصبية و معارضة للعلم تماماً . الزمن الذي كانوا يسجنون فيه العالم فـي أوربا لجريمة الاكتشاف العلمي أو يجلدونه أو يحرقونه زمن بعيد جداً عن زماننا . ظلوا يحرقون العلماء لقرون عدة على اعتبار انهم سحرة ، و هذا ما يتسنى أن تلاحظوه بكل جلاء فـي آثار الأدبيات الغربية و فـي تاريخ العلوم عند الغرب . حين يكون هذا هو تعامل المناخ و البيئة الدينية للمجتمع و القائمين على أمور الدين مع العلم ، فمن البديهي و الطبيعي للعلم فـي مثل هذه الظروف ، إذا استطاع أن ينهض ، أن يسحق الدين و المعرفة الدينية فتنتهي تلك المرحلة تماماً . هذا أمر واضح .الحالة بالنسبة للإسلام مختلفة تماماً . ليس فـي الإسلام معنى للتعارض بين الدين و العلم و بين الدين و العقل بتاتاً . العقل فـي الإسلام أحد مصادر الحجية لتشخيص أصول الدين و فروعه . ينبغي التوصل إلى أصول العقيدة عن طريق العقل . و فـي الأحكام الفرعية أيضاً يعد العقل إحدى الحجج . لو نظرتم فـي كتبنا الحديثية ـ ككتاب الكافـي مثلاً الذي اُلِّف قبل ألف سنة ـ لوجدتم أن الفصل الأول فيه هو «كتاب العقل و الجهل» و هو أساساً فصل حول العقل و قيمته و أهميته و أهمية العلم و التعقل . وبالنسبة للعلم أيضاً أبدى الإسلام أقصى درجات الاهتمام و التشجيع و التحريض . الحضارة الإسلامية انبثقت بفضل الحركة العلمية التـي انطلقت فـي الإسلام منذ يومه الأول . لم يكن قد مضى على بزوغ الإسلام قرنان حينما كانت الحركة العلمية الإسلامية قد ظهرت كقفزة واسعة ، و خصوصاً فـي تلك البيئة . إذا أردتم مقارنة تلك الحركة العلمية بالحاضر ، عليكم ملاحظة الأقطاب العلمية فـي العالم اليوم ، ثم تفترضون بلداً فـي ناحية بعيدة من العالم يفتقر لأدنى مقدمات التحضّر ، و إذا به يدخل ساحة الحضارة و يتفوّق فـي مضمار العلم على كل تلك الحضارات خلال مائة أو مائة و خمسين عاماً . هذه حركة معجزة لا يمكن تصورها أصلاً . و هو ما لم يكن لولا حضُّ الإسلام على العلم و اكتسابه و تعليمه و على أن يعيش الإنسان حياة العلماء . بل لاحظوا الأحاديث المتداولة على الألسن والتـي لا يجري التعمق فيها أحياناً ، كم فيها من النقاط المهمة : « الناس ثلاثة : عالم و متعلم على سبيل نجاة و همج رعاع » . ثمة أساساً ثلاثة صنوف من البشر : العلماء ، و السائرون فـي طريق اكتساب العلم ، و البقية همج رعاع . الهمج الرعاع هم الناس التائهون عديمو القيمة و الوزن . تلاحظون أن الإسلام يخصص القيمة للعلم بالدرجة الأولى ، سواء حمْل العلم و تعليمه للأخرين ، أو تعلّمه و اكتسابه . هذه هي البيئة الإسلامية .من هذا المنطلق دققوا أيها الشباب الأعزاء أن لا يعيقكم الولوج إلى ميدان المعرفة العلمية ـ أي علم كان ، العلوم الإنسانية ، أو العلوم القرآنية ، أو العلوم الطبيعية ، أو أنواع و صنوف العلوم التـي تبذلون اليوم مساعيكم و جهودكم فيها ـ و الخوض فـي حيّز البحث العلمي عن الغور و التقدم فـي ميدان المعرفة الدينية و الرياضة الأخلاقية و التحلي بالفضيلة . يجب أن تتوفروا على هذه الأمور إلى جانب بعضها . الآية التـي قرأها أخونا العزيز فـي البداية : ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ ، بعث الله تعالى الرسول ليعلِّم و يزكّي . إذن التعليم و التزكية إلى جانب بعضهما. لا تفصلوا بين هذين . الاعتقاد بأن من خاض فـي ميدان العلم ، ينبغي له بشكل طبيعي أن ينأى عن الفضيلة و المعنوية و الأخلاق ، فكرة مغلوطة تماماً و مستوردة و مرتكزة إلى الماضي الذي ساد فـي أوربا المسيحية ، و غير منسجمة بالمرة مع المناخ الإسلامي و الفهم و التعاليم الإسلامية ، إذ لو كان العالم ذا فضيلة و أخلاق ، لأتيح التفاؤل بإسهامه فـي رقي الإنسانية و رفعة بلده مهما كان فرعه العلمي . مثل هذا العالم يجعل الأهداف أهدافاً قيمة و سيكون تحركه تحركاً لصالح الإنسانية و العدالة و الفضيلة و فـي الاتجاه المعاكس للاعوجاجات العجيبة فـي العالم اليوم . حاولوا أن تكونوا هكذا علماء فـي المستقبل ، و أن تجعلوا هذه الأمور أهدافكم . كونوا أفراداً يستطيعون تحريك عجلة الدنيا بالاتجاه الصحيح . إجعلوا هذا هدفكم ، و هو أمر متاح و ممكن . طبعاً لا مندوحة من القيام بأعمال تمهيدية كثيرة للوصول إلى ذلك الهدف . هذه الأمور التـي ذكرتموها حول النخب كلامٌ يمثِّل عقيدتي أنا أيضاً . تمهيد الأرضية لإعداد النخب ، و تشخيص المواهب لدى النخبة ، و مساعدتهم للرقي إلى القمم العلمية و البحثية ، هذه كلها أعمال على جانب كبير جداً من الأهمية انطلقت طبعاً فـي بلدنا بعد ما لم تكن فـي الماضي ـ قبل الثورة ـ موجودةً فيه على الإطلاق ، بل كانت الحركة تجري فـي الاتجاه المعاكس ، أي كانت هناك فـي الواقع مجازر للنخبة ، و مساع لقتل روح الأمل عند الشباب . كان السعي القائم آنذاك هو تقديم الشخص الذي يستطيع قراءة و تطبيق الوصفة الغربية و الإيمان بها بنحو تام و بنسبة مائة فـي المائة . لم يكن ثمة تفتّق داخلي و استنبات و ترعرع داخلي أبداً . هذا معناه أن يكون بلدنا و شعبنا دوماً مضافاً إلى الآخرين ، و تابعاً يسير على خطاهم . واضح أن مثل هذا البلد لن ينال الرفعة.كان هذا هو واقعنا فـي الماضي . على أن الثورة بدّلت المعنويات و العزائم ، و غيرت الواقع . منذ سنوات و الاهتمام بالنخبة ضمن جدول الأعمال و الحمد لله ، بيد أن ما أنجز لحد الآن غير كاف . أياً كان ، الكثير من النقاط التـي أثرتموها أيها الأصدقاء أمور يجري الاهتمام بها و بذلت أعمال و جهود لأجلها و حصل بعض التقدم و يجب أن يحصل مزيد من التقدم إن شاء الله .طبعاً أعتقد بخصوص النخبة أننا نحتاج إلى مؤسسة خاصة بهم . قبل سنوات عدة ـ قبل حكومة السيد خاتمي ـ قلتُ لرئيس الجمهورية فـي حينها افتتحوا مكتباً يتابع شؤون العلاقة بين الجامعة و الصناعة . وبنظرة أوسع ، يمكن لهذا المكتب أن يتابع مختلف قضايا النخبة ، و الإصغاء لكلامهم ، و معالجة مشكلاتهم الخاصة ، و النظر فـي اقتراحاتهم حول تطوير العمل ، و النظر عموماً فـي إعداد النخب فـي المجتمع . وبعد ذلك ، أي فـي زمن الحكومة الحالية ـ حكومة السيد خاتمي ـ ذكرتُ له هذا مرة أو مرتين و قد تمت بعض الأعمال إلاّ أنها لا تكفي . علينا تشكيل مؤسسة تخضع لإشراف رئاسة الجمهورية ، لأنها أفضل مكان . سمعتُ الآن أن بعض الأجهزة تريد القيام ببعض الأعمال ولكن ما من مكان أفضل لهذه العملية من رئاسة الجمهورية . حتى جهاز الوزارة لا يكفي لهذه المهمة ، لأنها أوسع من عمل وزارة بعينها .بعض قضاياكم ، كما ذكرتم أنتم ، ترتبط بوزارة العلوم ، و بعضها بوزارة الصحة و التعليم الطبـي ، و بعضها بوزارة التربية و التعليم ، و ربما يرتبط شطر منها بوزارة الثقافة و الإرشاد ، و البعض بوزارات أخرى كوزارة الصناعة و وزارة النفط. أحد الأعزاء ضرب مثال البتروكيمياويات ، و هذا صحيح جداً . نعم ، أنا أدري أن فريقاً من النخبة التحقوا بوزارة النفط ، بيد أن العمل الذي كان يجب أن يطلب منهم لم يطلب و لم تحصل الاستفادة اللازمة . على كل حال ، لابد من مركز لتجميع هذه الأمور حتى يستطيع ذلك المركز بنظرته الصحيحة الصائبة ، و بنحو مستمر ، و غير سياسي على وجه الخصوص ، أي لا يكون ملوثاً بالنظرات و الأهداف السياسية ، حتى يستطيع متابعة قضية النخبة كقضية مستقلة فـي البلاد . وعندها ، ستُدرج فـي هذا الإطار كافة هذه الأمور التـي ذكرتموها ، أي تشخيص المواهب و الطاقات أولاً ، ثم تربيتها و إعدادها ، و من ثم توجيهها صوب المهام اللازمة و المناسبة .ربما توظّف بعض المواهب الموجودة اليوم فـي أعمال ليست ضرورية جداً للبلاد . مثلاً قضية خروج النخب من البلاد ، لأن خروج النخب من البلاد ـ وقد قلت هذا عدة مرات لحد الآن ـ ليس حالة سلبية على نحو الإطلاق ، إذ من الممكن أن يخرج النخبة من البلاد يروم كسب العلم ثم يعود و يكون مفيداً لبلده . طبعاً الأفضل أن توفر له الإمكانيات اللازمة لازدهار موهبته و تناميها داخل البلاد ، أنْ تكون له ورشة عمل ، و بيئة للنشاط العلمي و البحثي . هذا هو الأفضل ، ولكن إنْ لم يتسنَّ ذلك فليذهب النخب ـ ففضاء العالم فضاء واسع ـ شريطة أن يكون هذا الذهاب وفق حسابات مدروسة ، بمعنى أن يعلم هذا النخبة لمَ هو ذاهب ، و ماذا يريد أن يفعل ، و ما الذي يروم أن يصنعه بعلمه بعد أن يكسبه ؟ هل يريد توظيف ذلك العلم لرفعة البلد و تقدم شعبه و مساعدة النخب الآخرين فـي بلاده ، أم لا ، يريد أن يستخدمه لصالح معمل أو شركة تعود لرأسمالـي كندي أو أمريكي أو أوربـي ؟ إنها أكبر إهانة لإنسان مميز علمياً أنْ يسعى و يكدّ و يعمل و تفضي كل إمكانيات بلاده إلى إيجاد هذا الإنسان النخبة ، لكنه يعمل لخدمة المعمل الفلانـي أو صاحب الشركة الفلانـي الذي لا يعلم شيئاً و لا يفهم شيئاً و المعادي للإنسانية فـي كذا منطقة من العالم ، فيستخدم ذلك الشخص هذا الإنسان النخبة كأداة و وسيلة فـي منظومته . الإنسان النخبة سيكون مرفوع الجبين و شامخ الرأس حينما يتمكن من ممارسة دوره فـي تحسين أحوال بلده و بيته و شعبه و تطوير حياة و مستقبل و تاريخ الناس الذين لهم حق عليه . ستكونون أسماءً متألقة حينما تمارسون دوركم فـي بلدكم . لاحظوا الآن الشاب الذي درس فـي دورة معينة و عمل عملاً ما بين آلاف الشباب الذين لم يعملوا شيئاً ، أنجز شيئاً فـي مجال الفيزياء أو الطب أو الأدب جعله اسماً خالداً فـي البلاد ، هؤلاء هم الأسماء و الوجوه الخالدة . لدينا فـي حقول الطب ، و الفيزياء ، و الأدب ، و بعض فروع العلوم الإنسانية و الفلسفة شخصيات مميزة تفخر البلاد بهم . البلد لا يفخر أبداً بذلك المهندس أو الطبيب أو الخريج أو النخبة الذي ذهب وصار عضواً و جزءاً من منظومة رأسمالية تابعة للمجموعة أو الشخص الفلانـي . إنه ذهب ينتج المال لأولاد شخصٍ ما و بناته و أبنائه و كلابه و خدمه و حشمه . هذا ليس فخراً . الفخر هو أن يقدر الإنسان على تحقيق التقدم و الرفعة و الرقي و السمعة الحسنة و تعويض التخلف لبلده . إذن ، لو درس الإنسان بهذه النية سواء هنا أو فـي الخارج ـ أي درس كان و أي فرع علمي اختاره ـ فسيكون شخصاً قيماً . فـي كل الأحوال ، تعيين الأهداف و رسم الخطط و تنفيذ مثل هذه المقولات يمكن أن يتم فـي هذه المؤسسة التـي اُشيرَ إليها . سررتُ لأن بعض الأحباء أشار إلى أسبوع الدفاع المقدس الذي نحن فيه . أبنائي الأعزاء ، حاذروا أن تغفلوا عن قضية الدفاع المقدس التـي شهدها هذا البلد . انها عمل كبير تم إنجازه . أولئك الشباب كانوا مثلكم . معظم الشباب الذين لعبوا دوراً فـي الحرب كانوا من قبيل هؤلاء الطلبة الجامعيين و كثير منهم كانوا من النخبة . و سبب أنهم نخبة يعود إلى أن شاباً فـي الثانية و العشرين أو الثالثة و العشرين كان قائد لواء كامل و استطاع قيادة ذلك اللواء و رسم خطط حربية لم يَرسِم مثلها من قبل أبداً ، بشكل أثار دهشة لا الأعداء الذين يواجهوننا ـ أي الجنود البعثيين العراقيين المهاجمين ـ فحسب بل و الأقمار الصناعية للأعداء أيضاً . كانت لدينا (والفجر الثامنة) التـي عُدّت تحركاً مستحيلاً لا يصدّق ، بينما كانت الأقمار الصناعية الأمريكية تعمل للعراق ، و هذا شىء أظنكم سمعتم به و تعرفونه ، كانوا يزودون ذلك البلد بالمعلومات ، أي أن المقرات الحربية للنظام البعثي كانت مرتبطة دوماً بالأجهزة الاستخبارية الأمريكية و أقمارهم الصناعية . وكانت هذه الأقمار الصناعية تسجل تنقلات و تحشدات قواتنا و تخبرهم بها على الفور، أين تحشد الأيرانيون و أين وضعوا معداتهم . تعلمون بلاشك أن المعلومات فـي الحرب لها دور مهم و استثنائي جداً . ولكن تقدم عشراتُ الآلاف من الجنود تحت رصد هذه الأقمار الصناعية إلى أروندرود ، و لم ينتبه العدو ! إستطاعوا بأساليب عجيبة و غريبة أدري أنكم لا تعلمون شيئاً عنها ـ كانت واضحة لنا فـي حينها طبعاً ، و اتضحت للناس فيما بعد ، لكن معارف الحرب لا تنتقل من جماعة إلى أخرى للأسف ، و هذه إحدى مشكلات عملنا ، لذلك لا تعلمون أنتم بها ـ بالشاحنات و سيارات الپيكاپ ، و بأشكال متنوعة ، و كأنهم ينقلون الرقّي و البطيخ ، استطاعوا نقل عشرات الآلاف من القوات بتغطيات عجيبة و غريبة و فـي الليالـي المظلمة ، التـي لم يكن فيها حتى قمر ، إلى ضفة اروندرود ، و عبرت هذا القوات الهائلة إلى الضفة الثانية من أروندرود الذي يبلغ عرضه فـي بعض النقاط كيلومترين أو ثلاثة كيلومترات ، من تحت الماء و بتلك الظروف الخاصة لأروندرود و التـي أظن أيضاً أنكم لا تعلمون بها . لأروند تياران ، تيار من الشمال إلى الجنوب و هو التيار الأصلي لأروند ، و نهرا دجلة و الفرات يتصلان بأروند فـي هذا التيار ، و يتجهان معاً نحو الخليج الفارسي . و التيار الآخر على العكس من التيار الأول و يحدث أثناء مد البحر . فـي هذه الأحوال تتجه مياه البحر بقطر نحو مترين أو ثلاثة أو أربعة أمتار من جهة البحر أي من الجنوب نحو الشمال ، بمعنى أن البحر يصبُّ فـي النهر . و بهذا يكون لأروند تياران متضادان مائة و ثمانين درجة . على كل حال ، استطاع جنود الإسلام فـي تلك الظروف المعقدة ـ كنّا حينها مطّلعين على تفاصيل الأمور بكل ما لها من فزع و ملابسات ـ أن ينتقلوا إلى هناك و يفتحوا منطقة ما و ينجزوا عملاً مذهلاً . لقد كان ذلك من عمل هؤلاء الطلبة الجامعيين و هؤلاء الشباب و النخب الذين كانوا فـي قوات التعبئة و الحرس . كانوا ثلّة من الشباب المؤمن نهضوا بتلك المهمة فـي برهة حسّاسة للغاية ، ولو لم يفعلوا ذلك لكان جزء من بلدكم قد اجتزئ اليوم و لكانت الحكومة الموجودة فـي إيران حكومة مهزومة ضعيفة مهانة ذليلة مضطرة لتحمل كل ما يأمر به الآخرون ، ليس من الكبار و الأقوياء فـي العالم بل حتى هؤلاء الصغار القريبين هنا و هناك . بلدكم اليوم بلد عزيز قوي ، و شعبكم شعب مرفوع الرأس ، وفـي بلدكم حكومة مقتدرة ، أصحاب القرار فـي العالم يعترفون باضطرارهم لأن يلاحظوا و يراعوا رأي الجمهورية الإسلامية فـي القضايا العالمية المهمة و الحساسة . ما هذا إلاّ ببركة تلك التضحيات التـي بذلها أولئك الشباب . لا تنسوا أولئك الشباب .لقد سجلت هنا بعض النقاط ، ولديكم الكثير من الكلام لم تذكروه ، و لدينا أيضاً كلام لم نقله نتركه حالياً . لا إشكال فـي ذلك .على كل حال ، أقول لكم أيضاً : أعزائي ، أنتم نخبة ، و أعزاء ، و قرة عيوننا ، ولكن تذكروا أنْ تتواضعوا كلما زدتم علماً و نخبويةً . لا تنسوا هذا . حذارِ أن تبعث النخبوية فيكم النخوة . ليست النخبوية ملازمة للنخوة . أنا طبعاً لا أرى ذلك فيكم ، وجوهكم النيرة لا تنمُّ عن ذلك ، ولكن حاذروا منه على كل حال . مناخ النخبة فـي البلاد ينبغي أن ينفصل تماماً عن مناخ التكبر . كلما ازدادت نجاحاتكم العلمية ، و أينما قمتم ببحث جديد و أحرزتم توفيقاً أكبر ، كونوا أكثر تواضعاً و التحاماً بالناس ، و باختصار كونوا أكثر ترابيةً . هذا ما يمكنه جعل تقدمكم متواصلاً و يضاعف من فائدة وجودكم . أتمنى أن يحفظكم الله لوالديكم ، و لعوائلكم ، ولبلدكم ، و أن تكونوا جميعاً قرة عين شعبكم و بلادكم . والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
2004/09/25
  • « الأولى
  • ‹ السابقة
  • …
  • 21
  • 22
  • 23
  • 24
  • 25
  • 26
  • 27
  • 28
  • 29
  • التالية ›
  • الأخيرة »

المستقبل للإسلام وللشباب المؤمن

2017/05/27
خطابات
  • الخطابات
  • القرارات
  • رسائل وندائات
مرئيات
  • الفيديو
  • الصور
  • تصاميم
  • موشن غراف
السيرة
  • السيرة الذاتية
  • قصص وخواطر
قضايا وآراء
  • تقارير
  • مقالات
  • حوارات
مؤلفات
  • مؤلفات الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الثورة الإسلامية
المزيد
  • الأخبار
  • أفكار ورؤی
  • الإمام الخميني
  • إستفتاءات
إنّ كلّ المحتويات الموجودة على KHAMENEI.IR مرخّصة بموجب ترخيص Creative Commons Attribution 4.0 International License.